عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-21-2011, 05:57 PM
العباس العباس غير متواجد حالياً
مشرف عام
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 157
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب :
بالنسبة للفظ الذي تلفظ به الأخ فشطره الأول وهو قوله [
لا تظن أنك تخدع الله بصلاتك ] فهذا لا شيء فيه من ناحية المعنى فقوله هنا هو في باب النفي عن الله ما لا يجوز عليه من النقص والعيب فالله لا يُخْدَع قال تعالى في حق المنافقين {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)} [البقرة: 8، 9] وقال تعالى {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)} [النساء: 142] فنفى الله تعالى عن نفسه أن يُخْدع وإن كان المنافقين يخادعونبحسب ظنهم و وهمهم فمخادعتهم لا تنقلب إلا عليهم فإن الله جل جلاله من لا تخفى عليه خافية يستحيل خداعه سبحانه .
قال القرطبي (1/ 195) [ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: مَعْنَى" يُخادِعُونَ اللَّهَ" أَيْ يُخَادِعُونَهُ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى ظَنِّهِمْ ..... قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) نَفْيٌ وَإِيجَابٌ، أَيْ مَا تَحِلُّ عَاقِبَةُ الْخَدْعِ إِلَّا بِهِمْ. وَمِنْ كَلَامِهِمْ: مَنْ خَدَعَ مَنْ لَا يُخْدَعُ فَإِنَّمَا يَخْدَعُ نَفْسَهُ. وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْخِدَاعَ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْبَوَاطِنَ، وَأَمَّا مَنْ عَرَفَ الْبَوَاطِنَ فَمَنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي الْخِدَاعِ فَإِنَّمَا يَخْدَعُ نَفْسَهُ. وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَعْرِفُوا اللَّهَ إِذْ لَوْ عَرَفُوهُ لَعَرَفُوا أَنَّهُ لَا يُخْدَعُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: (لا تخادع الله فإنه من يخادع الله يَخْدَعُهُ اللَّهُ وَنَفْسَهُ يَخْدَعُ لَوْ يَشْعُرُ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يُخَادِعُ اللَّهَ؟ قَالَ: (تَعْمَلُ بِمَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ وَتَطْلُبُ بِهِ غَيْرَهُ) .


أما الشطر الثاني
من قول الأخ لأخيه [ هل أنت تظن أن الله فلاتي ] فمفهومه النفي أيضاً أي [ ولا تظن أن الله كقبيلة فلاتي] والمعنى المتبادر منه [ لا تظن أن الله تعالى كقبيلة فلاتي التي يمكن خداعها من قِبَل من له عندها مآرب ومصالح بتظاهره لها بالصلاة والطاعات , والله تعالى ليس كذلك ولا يمكن خدعُه . ] وهذا المعنى الذي قلناه هو المتبادر إلى الذهن من سياق الكللام الذي سبقه , فلا شيء فيه وليس فيه تنقّص لله تعالى فلا يكون كفراً .

ويحتمل إنه قصدَ أن يقول [ لا تظن أن الله تعالى كقبيلة فلاتي يقبل أي عمل على ظاهره بل لا يقبل إلا ما كان عن إيمان باطن وصدق وإخلاص لا يشوبه نفاق أو رياء ] وهذا المعنى معنىً محمود لا شيء فيه أيضاً .


ويحتمل إحتمالاً ضعيفاً لا يصار إليه بأنه قصد بالنفي نفي حب الله تعالى للصلاة والطاعات كقبيلة فلاتة وهذا مستبعد جداً أن يكون مقصودا فلا يُلزَم به .

وعلى أية حال فلا يجوز تكفير مسلم مع وجود إحتمالٍ وشكٍ إلا بيقين وقطعٍ لا يمكن تأويله إلا على المعنى الكفري دون سواه . وإن تعددت المعاني المحتملة فالأولى إلحاق المعنى الحسن ما وجدنا إلى ذلك سبيلاً .


وفي هذا المقام نذكر الأخوة الأفاضل بأن لا يتسرعوا في رمي أخوانهم بالنفاق والكفر لا سيما وقد علموا عظم إثم تكفير المسلم وانتهاك حرمته وليتذكر الأخوة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا " وقوله صلى الله عليه وسلم " أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ " صحيح مسلم (1/ 79) وفي صحيح البخاري زيادة على ما في صحيح مسلم (8/ 26)َابُ مَنْ كَفَّرَ أَخَاهُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ [ وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِه ]

ثم نذكر الأخ بأن لا يتلفظ بجملٍ يحمل ظاهرها معنى المقارنة بين الله وخلقه لما فيه من عدم تقدير لله حق قدره وفيه لبس في المعاني على من سمعه من عوام الناس , فلا نَكن فتنة لغيرنا , ولْنحفظ ألسنتنا عن ما لا يجب قوله ولنكن أخوة في الله متحابين متآلفين , وليُقِل كل واحد منا عثرة أخيه ولا يترصد به ولا يكن عونا للشيطان عليه .



تنبيه : قد أُخْبِرنا من بعد الجواب السابق بأن كلمة فلاتي لها معاني غير التي نقلتها لنا وهي معاني غير محمودة وقبيحة لا يرضاها الشرفاء والطاهرون والعقلاء لأنفسهم ومنها الدياثة والغباء فإن كان معنى هذه الكلمة في عرف قومك كما نُقل إلينا وقصدها المتكلم فيخشى عليه من الكفر لأن فيها حينئذٍ قلّة أدب مع الله وجرأة عليه وعدم قَدْرٍ له حق قَدْرِه , فعليه المسارعة بالتوبة والندم والإستغفار . ولا حول ولا قوة إلا بالله .

هذا وبالله التوفيق

أبو اسيد الانصاري .
__________________

من مواضيع العباس


رد مع اقتباس