عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-22-2010, 08:01 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
لصلاة الجمعة أهمية كبرى في الإسلام لذلك فقد شدد الرسول عليه السلام على أدائها وحذر المتساهل فيها ، وكما بين الثواب الحاصل من أدائها .
ولكن صلاة الجمعة تختلف عن باقي الصلوات فلها شروطها وأركانها ولا يجب أن نعاملها كباقي الصلوات.
الثابت من السنة النبوية أن صلاة الجمعة فرضت في مكة قبل الهجرة . فصلاة الجمعة ليست صلاة سادسة بل هي صلاة خامسة تؤدى يوم الجمعة عوضاً عن صلاة الظهر .
ومع أن صلاة الجمعة فرضت في مكة قبل الهجرة إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصلها هو والصحابة في مكة وفي هذه الأثناء كان المسلمون في المدينة يصلون الجمعة بإمامة مصعب بن عمير رضي الله عنه وبأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة في مكة لم يصلوا الجمعة مع أنها كانت فرض وكانوا يصلون الظهر يوم الجمعة استنتج العلماء أن صلاة الجمعة تختلف عن صلاة الظهر ، وأن لها شروط غير متحققة في مكة ومتحققة في المدينة . فاستنتجوا من هذه الحادثة شروطاً اتفقوا على بعضها واختلفوا في بعضها . ومن أهم الشروط التي اتفقوا عليها أن صلاة الجمعة لا يجوز أداؤها في البيوت . لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستطيع أن يؤديها هو والصحابة في بيت الأرقم ابن أبي الأرقم رضي الله عنه بدون أن يتعرضوا للأذية ولكنه
لم يؤديها بل صلى الظهر

وكذلك من الشروط التي اتفقوا عليها أن يستطيع المسلمون الاجتماع في مكان عام مفتوح لكل المسلمين لأداء الصلاة بدون خوف من تعرضهم لأي أذية وكذلك بشكل يستطيع الأمام في الخطبة أن يتحدث بما يهمّ أمر المسلمين في هذه الأثناء بدون أن يتعرض لأي أذية أو يُفرض عليه أن يتكلم بكلام يحدده له الحاكم الكافر .

لهذا صلاة الجمعة غير واجبة على المسلمين الذين يعيشون في دولة يحكمها حاكم كافر يحكم بغير شرع الله ولا يعطي المسلمين الحرية الكاملة للتحدث بما يهم أمر المسلمين وخاصة التوحيد والجهاد .
ومن الظاهر الواضح البين أن الحكام اليوم في البلاد العربية وما يسمى بالإسلامية لا يحكمون شرع الله في كل كبيرة وصغيرة بل يحكمون القوانين الوضعية المستمدة من القوانين الفرنسية والإنجليزية وغيرها من زبالات أفكار البشر . ومع ذلك يدعون أنهم مسلمون ، وحتى ينطلي ذلك على العوام صنعوا لهم علماء أشهروهم ومنحوهم الشهادات والألقاب العالية في الشريعة ليخدعوا العوام وليلبسوا هؤلاء الحكام الطواغيت لباس أئمة المسلمين وولاة أمورهم .فأفتوا بما يهوى الحاكم الكافر التي صنعهم وأمدهم بالأموال وأعطاهم المناصب . هذا هو الحال في البلاد العربية وما يسمى بالبلاد الإسلامية . فمن الطبيعي أن لا يسمح هؤلاء الحكام الطواغيت للأمام الموحد أن يبين حقيقتهم في الخطبة على المنبر يوم الجمعة .
في هذه الحالة شروط وجوب صلاة الجمعة غير متوفرة كما كانت غير متوفرة في مكة قبل الهجرة . لهذا يجب على المسلمين أن يصلوا الظهر الذي هو الفرض الأصلي في هذه الحالة كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة في مكة . ومن الخطأ الكبير أن يصلوا الجمعة في البيوت أو في الخلاء أو في مساجد واقعة تحت حكم الطاغوت لا
يستطيعون فيها أن يبينوا التوحيد وموجباته ، ويتركون صلاة الظهر التي هي الأصل ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة لم يفعلوا ذلك .
الأصل هي صلاة الظهر وتحل صلاة الجمعة محلها عند توفر شروط صلاة الجمعة فإذا لم تتوفر هذه الشروط فصلاة الظهر هي الفرض وإذا توفرت شروط صلاة الجمعة فالفرض هي صلاة الجمعة لا صلاة الظهر .
ولا يصار إلى الجمعة إلا حيث تكون الجمعة صحيحة مجزئة بإجماع ، وليست فريضة الجمعة كفريضة الظهر بل دونها . فإن فرض الظهر يتوجه إلى المكلف عند دخول الوقت بلا شروط تعتبر في وجوبه لأنه إنما وجب على الأعيان لنفس العبادة ، وفرض الجمعة يتوقف وجوبه على شروط منها المجمع عليه كالحرية والذكورية والحضرية، ومنها المختلف فيه كوجود الإمام والمصر والمسجد .
جاء في كتاب عون المعبود(ج 3 / ص 35) :
" ثُمَّ الْقَوْل بِأَنَّ الْأَصْل فِي يَوْم الْجُمُعَة صَلَاة الْجُمُعَة وَالظُّهْر بَدَل عَنْهَا قَوْل مَرْجُوح ، بَلْ الظُّهْر هُوَ الْفَرْض الْأَصْلِيّ الْمَفْرُوض لَيْلَة الْإِسْرَاء وَالْجُمُعَة مُتَأَخِّرٌ فَرْضهَا . ثُمَّ إِذَا فَاتَتْ وَجَبَ الظُّهْر إِجْمَاعًا فَهِيَ الْبَدَلُ عَنْهُ "

يجوز صلاة الجمعة عوضاً عن صلاة الظهر في دار الحرب إذا استطاع المسلمون صلاتها علناً بحرية كاملة دون أن يتعرضوا لأي أذية وهذا مع الأسف غير متوفر في دور الحرب اليوم بما فيها الدول الغربية لمن أراد أن يجهر بالتوحيد ولوازمه .

لهذا شروط صلاة الجمعة في يومنا هذا غير متوفرة وينبغي على المسلمين أن يصلوا الظهر يوم الجمعة حتى تتوفر لهم شروطها . ومن ترك صلاة الظهر وهي الأصل وصلى الجمعة مع عدم توفر شروطها فقد أضاع صلاة الظهر التي هي فرض عليه في يومنا الحاضر في وضعنا الحاضر . لأن تأدية صلاة الجمعة بدون توفر شروطها لا يسقط على المكلف فرضية صلاة الظهر يوم الجمعة .
وقد جاء في " كشف الأوهام والألتباس "
" وقد صرح الإمام أحمد فيما نقل عنه ابنه عبد الله وغيره أنه كان يعيد صلاة الجمعة وغيرها وقد يفعله المؤمن مع غيرهم من المرتدين إذا كان لهم شوكة ودولة والنصوص في ذلك معروفة مشهورة نحيل طالب العلم على أماكنها ومظانها ."
إن من يقول أن الجمعة كباقي الصلوات تصح من أي عدد في أي مكان على آية حالة كانوا ، قوله مخالف للشريعة ولأقوال السلف والخلف . وهذا القول يؤدي إلى هدم حكمة التشريع في إقامة الجمعة .
وما يشهد لهذا الحكم ويرد على من خالفه ، ما جاء في اجتماع العيد والجمعة . إذ خير النَّبي صلى الله عليه وسلم أهل الضواحي من المسلمين بين النزول إلى الجمعة وبين الاكتفاء بصلاة العيد .
ثم أخبرهم بأنه سيصلي الجمعة ، ولو كانت صلاة الجمعة تصح منهم في منازلهم وضواحيهم لأرشدهم إلى ذلك وأعفاهم من النزول سواء في يوم العيد الذي يكون في يوم الجمعة أو في الجمعة من غير يوم العيد ، بل كانوا ينزلون من أطراف المدينة كما هو معلوم .
وإليك الآن بعض ما جاء في كتب العلماء عن فرضية الجمعة :
" فصل ولما ارتحل عليه السلام من قباء وهو راكب ناقته القصواء وذلك يوم الجمعة أدركه وقت الزوال وهو في دار بني سالم بن عوف، فصلى بالمسلمين الجمعة هنالك، في واد يقال له وادي رانواناء فكانت أول جمعة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين بالمدينة ، أو مطلقا لأنه والله أعلم لم يكن يتمكن هو وأصحابه بمكة من الاجتماع حتى يقيموا بها جمعة ذات خطبة وإعلان بموعظة وما ذاك إلا لشدة مخالفة المشركين له، وأذيتهم إياه." ( البداية والنهاية - (ج 3 / ص 259)

" وأخرج الطبراني في الكبير والأوسط عن أبي مسعود الأنصاري قال أول من قدم من المهاجرين المدينة مصعب بن عمير وهو أول من جمع بها يوم الجمعة جمعهم قبل أن يقدم رسول الله وهم اثنا عشر رجلا وفي إسناده صالح بن أبي الأخضر وهو ضعيف .

قال الحافظ ويجمع بين رواية الطبراني هذه ورواية أسعد بن زرارة التي عند المؤلف بأن أسعد كان آميراً وكان مصعب إماما .
وروى ابن سعد في الطبقات في ترجمة مصعب بن عمير من حديث الزهري وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعاصم بن عمر بن قتادة قال لما انصرف أهل العقبة الأولى وهم اثنا عشر رجلا وأسلم بعض الأنصار أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا رجلا يعلمنا القرآن وشرائع الدين فبعث إليهم مصعب بن عمير وكان يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام حتى فشا الإسلام في دور الأنصار فكتب مصعب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في أن يجمع بهم فأذن له وكتب إليه أن انظر اليوم الذي تجهز اليهود فيه لسبتها فإذا زالت الشمس فأردف إلى الله بركعتين واخطب فيهم فجمع بهم مصعب بن عمير في دار سعد بن خيثمة وهم اثنا عشر رجلا فهو أول من جمع في الإسلام وروى قوم من الأنصار أن أول من جمعهم أبو أمامة اسعد بن زرارة " (تخريج الأحاديث والآثار ج:4 ص:13)
"روى كعب بن مالك أنه قال أسعد بن زرارة أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات رواه أبو داود وقال ابن جريج قلت لعطاء تعني إذا كان ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم . قال الخطابي حرة بني بياضة على ميل من المدينة ." ( تلخيص الحبير ج:2 ص:54 )
"قال البيهقي في المعرفة وروينا عن معاذ بن موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق أن النبي حين ركب من بني عمرو بن عوف في هجرته إلى المدينة مر على بني سالم وهي قرية بين قباء والمدينة فأدركته الجمعة فصلى فيهم الجمعة وكانت أول جمعة صلاها رسول الله حين قدم . "(عون المعبود ج:3 ص:283 )

" أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ببغداد ثنا علي بن إبراهيم الواسطي ثنا وهب بن جرير ثنا أبي عن محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن عبد الرحمن بن كعب قال كنت قائد أبي حين ذهب بصره إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة واستغفر له فمكثت كثيرا لا يسمع أذان الجمعة إلا فعل ذلك فقلت يا أبي أرأيت استغفارك لأبي أمامة كلما سمعت الأذان للجمعة ما هو قال أي بني كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم النبت من حرة بني بياضة يقال لها نقيع الخضمات قال قلت كم كنتم يومئذ قال أربعين رجلا " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (
المستدرك على الصحيحين ج:1 ص:417 )

"وجاء مبيناً في البخاري في كتاب الصلاة من رواية أنس رضي الله عنه قال فنزل ( يعني رسول الله ) بأعلى المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف فقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم خرج يوم الجمعة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف في المسجد الذي في بطن الوادي وكانت أول جمعة صلاها (رسول الله ) بالمدينة . "( عمدة القاري ج:1 ص:244 )
قولهم : «فأدركته الجمعة» ، يدل على أن صلاة الجمعة كانت مشروعة يومئذٍ وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان عازماً أن يصليها بالمدينة فضاق عليه الوقت فأداها في مسجد بني سالم .
"وفي شرح المنهاج للعلامة ابن حجر إن صلاة الجمعة فرضت بمكة ولم تقم بها لفقد العدد أو لأن شعارها الإظهار وكان صلى الله عليه وسلم بها مستخفياً ، وأول من أقامها بالمدينة قبل الهجرة أسعد بن زرارة بقرية على ميل من المدينة . ( تفسير الألوسي)
وقال العلامة ابن حجر في «تحفة المحتاج» : فرضت يعني صلاة الجمعة بمكة ولم نقم بها لفقد العدد ، أو لأن شعارها الإظهار ، وكان صلى الله عليه وسلم بها مستخفياً ، وأول من أقامها بالمدينة قبل الهجرة أسعد بن زرارة بقرية على ميل من المدينة انتهى ، فلعلها فرضت ثم نزلت الآية كالوضوء للصلاة فإنه فرض أولاً بمكة مع الصلاة ثم نزلت آيته لكن يعكر على هذا ما أخرجه ابن ماجه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال : " إن الله افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في يومي هذا في شهري هذا في عامي هذا إلى يوم القيامة فمن تركها استخفافاً بها أو جحوداً بها فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره ألا ولا صلاة له ولا زكاة له ولا حج له ولا صوم له ولا بر له حتى يتوب فمن تاب تاب الله عليه " فإن الظاهر أن هذه الخطبة كانت في المدينة بل ظاهر الخبر أنها بعد الهجرة بكثير إذ ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام فيه : " لا حج له " أن الحج كان مفروضاً إذا ذاك ، وهو وإن اختلف في وقت فرضه فقيل : فرض قبل الهجرة ، وقيل : أول سنيها ، وقيل : ثانيها ، وهكذا إلى العاشرة لكن قالوا : إن الأصح أنه فرض في السنة السادسة فإما أن يقدح في صحة الحديث ، وإما أن يقال : مفاده افتراض الجمعة إلى يوم القيامة أي بهذا القيد ، ويقال : إن الحاصل قبل افتراضها غير مقيد بهذا القيد ثم ما تقدم من كون أسعد أول من جمع بالمدينة يخالفه ما أخرج الطبراني عن أبي مسعود الأنصاري قال : أول من قدم من المهاجرين المدينة مصعب ابن عمير ، وهو أول من جمع بها يوم الجمعة جمع بهم قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم اثنا عشر رجلاً .
وأخرج البخاري على ما نقله السيوطي نحوه وكان ذلك بأمره عليه الصلاة والسلام ، فقد أخرج الدارقطني عن ابن عباس قال : أذن النبي عليه الصلاة والسلام بالجمعة قبل أن يهاجر ولم يستطع أن يجمع بمكة فكتب إلى مصعب بن عمير : أما بعد فانظر اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور فأجمعوا نساءكم وأبناءكم فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله تعالى بركعتين قال : فهو أول من جمع حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فجمع عند الزوال من الظهر وأظهر ذلك فلعل ما يدل على كون أسعد أول من جمع أثبت من هذه الأخبار أو يجمع بأن أسعد أول من أقامها بغير أمر منه صلى الله عليه وسلم كما يدل عليه خبر ابن سيرين ، وصرح به ابن الهمام . ومصعباً أول من أقامها بأمره عليه الصلاة والسلام ، أو بأن مصعباً أول من أقامها في المدينة نفسها وأسعد أول من أقامها في قرية قرب المدينة ، وقولهم : في المدينة تسامح ، وقال الحافظ ابن حجر : يجمع بين الحديثين بأن أسعد كان أميراً ، ومصعباً كان إماماً وهو كما ترى ، ولم يصرح في شيء من الأخبار التي وقفت عليها فيمن أقامها قبل الهجرة بالمدينة بالخطبة التي هي أحد شروطها ، وكأن في خبر ابن سيرين رمزاً إليها بقوله : وذكرهم ، وقد يقال : إن صلاة الجمعة حقيقة شرعية في الصلاة المستوفية للشروط ، فمتى قيل : إن فلاناً أول من صلى الجمعة كان متضمناً لتحقق الشروط لكن يبعد كل البعد كون ما وقع من أسعد رضي الله تعالى عنه إن كان قبل فرضيتها مستوفياً لما هو معروف اليوم من الشروط ، ثم إني لا أدري هل صلى أسعد الظهر ذلك اليوم أم اكتفى بالركعتين اللتين صلاهما عنها ؟ وعلى تقدير الاكتفاء كيف ساغ له ذلك بدون أمره عليه الصلاة والسلام ؟ا وقصارى ما يظن أن الأنصار علموا فرضية الجمعة بمكة وعلموا شروطها وإغناءها عن صلاة الظهر فأرادوا أن يفعلوها قبل أن يؤمروا بخصوصهم فرغب خواصهم عوامهم على أحسن وجه وجاءوا إلى أسعد فصلى بهم وهو خلاف الظاهر جداً فتدبر والله تعالى الموفق .
وأما ما كان من صلاته عليه الصلاة والسلام إياها فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة مهاجراً نزل قباً على بني عمرو بن عوف وأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، وأسس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم فخطب وصلى الجمعة وهو أول جمعة صلاها عليه الصلاة والسلام"

جاء في عمدة القاري شرح صحيح البخاري
(باب الجمعة في القرى والمدن)

"أي هذا باب في بيان حكم صلاة الجمعة في القرى والمدن
- 892حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( أبو عامر العقدي ) قال حدثنا ( إبراهيم بن طهمان ) عن ( أبي جمرة الضبعي ) عن ( ابن عباس ) أنه قال إن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين ( الحديث 892 - طرفه في 4371 (
ذكر ما يستفاد منه : استدلت الشافعية بهذا الحديث على أن الجمعة تقام في القرية إذا كان فيها أربعون رجلا أحرارا مقيمين حتى قال البيهقي باب العدد الذين إذا حضروا في قرية وجبت عليهم ثم ذكر فيه إقامة الجمعة بجواثى ، قلنا لا نسلم أنها قرية بل هي مدينة كما حكينا عن البكري وغيره حتى قيل كان يسكن فيها فوق أربعة آلاف نفس والقرية لا تكون كذلك وإطلاق القرية عليها من الوجه الذي ذكرناه ولئن سلمنا أنها قرية فليس في الحديث أنه اطلع على ذلك وأقرهم عليه واختلف العلماء في الموضع الذي تقام فيه الجمعة فقال مالك كل قرية فيها مسجد أو سوق فالجمعة واجبة على أهلها ولا يجب على أهل العمود وإن كثروا لأنهم في حكم المسافرين وقال الشافعي وأحمد كل قرية فيها أربعون رجلا أحرارا بالغين عقلاء مقيمين بها لا يظعنون عنها صيفا ولا شتاء إلا ظعن حاجة فالجمعة واجبة عليهم وسواء كان البناء من حجر أو خشب أو طين أو قصب أو غيرها بشرط أن تكون الأبنية مجتمعة فإن كانت متفرقة لم تصح وأما أهل الخيام فإن كانوا ينتقلون من موضعهم شتاء أو صيفا لم تصح الجمعة بلا خلاف وإن كانوا دائمين فيها شتاء وصيفا وهي مجتمعة بعضها إلى بعض ففيه قولان أصحهما لا تجب عليهم الجمعة ولا تصح منهم وبه قال مالك والثاني تجب عليهم وتصح منهم وبه قال أحمد وداود ومذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه لا تصح الجمعة إلا في مصر جامع أو في مصلى المصر ولا تجوز في القرى وتجوز في منى إذا كان الأمير أمير الحاج أو كان الخليفة مسافرا وقال محمد لا جمعة بمنى ولا تصح بعرفات في قولهم جميعا وقال أبو بكر الرازي في كتابه ( الأحكام ) اتفق فقهاء الأمصار على أن الجمعة مخصوصة بموضع لا يجوز فعلها في غيره لأنهم مجتمعون على أنها لا تجوز في البوادي ومناهل الأعراب وذكر ابن المنذر عن ابن عمر أنه كان يرى على أهل المناهل والمياه أنهم يجمعون .
ثم اختلف أصحابنا
في المصر الذي تجوز فيه الجمعة فعن أبي يوسف هو كل موضع يكون فيه كل محترف ويوجد فيه جميع ما يحتاج إليه الناس من معايشهم عادة وبه قاض يقيم الحدود وقيل إذا بلغ سكانه عشرة آلاف وقيل عشرة آلاف مقاتل وقيل بحيث أن لو قصدهم عدو لأمكنهم دفعه وقيل كل موضع فيه أمير وقاض يقيم الحدود وقيل أن لو اجتمعوا إلى أكبر مساجدهم لم يسعهم وقيل أن يكون بحال يعيش كل محترف بحرفته من سنة إلى سنة من غير أن يشتغل بحرفة أخرى وعن محمد موضع مصرة الإمام فهو مصر حتى إنه لو بعث إلى قرية نائبا لإقامة الحدود والقصاص تصير مصراً فإذا عز له ودعاه يلحق بالقرى ..............
قال أخبرنا ( سالم بن عبد الله ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله يقول كلكم راع وزاد الليث قال يونس كتب رزيق بن حكيم إلى ابن شهاب وأنا معه يومئذ بوادي القرى هل ترى أن أجمع ورزيق عامل على أرض يعملها وفيها جماعة من السودان وغيرهم ورزيق يومئذ على أيلة فكتب ابن شهاب وأنا أسمع يأمره أن يجمع يخبره أن سالما حدثه أن عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله يقول كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته الإمام راع ومسؤل عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤل عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤلة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤل عن رعيته قال وحسبت أن قال والرجل راع في مال أبيه ومسؤل عن رعيته وكلكم راع ومسؤل عن رعيته
ذكر معناه قوله كلكم راع أصل راع راعي فاعل إعلال قاض من رعى رعاية وهو حفظ الشيء وحسن التعهد له والراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره فكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته فإن وفى ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر وإن كان غير ذلك طالبه كل أحد من رعيته بحقه ............
الثاني قال بعضهم في هذه القصة يعني القصة المذكورة في الحديث إيماء إلى أن الجمعة تنعقد بغير إذن من السلطان إذا كان في القوم من يقوم بمصالحهم قلت الذي يقوم بمصالح القوم هو المولى عليهم من جهة السلطان ومن كان مولى من جهة السلطان كان مأذونا بإقامة الجمعة لأنها من أكبر مصالحهم والعجب من هذا القائل أنه يستدل على عدم إذن السلطان لإقامة الجمعة بالإيماء ويترك ما دل على ذلك حديث جابر أخرجه ابن ماجه وفيه من تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها وجحودا لها فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره ألا ولا صلاة له ولا زكاة له ولا حج له ولا صوم له ولا بر له الحديث ورواه البزار أيضا ورواه الطبراني في ( الأوسط ) عن ابن عمر مثله فإن قلت في سند ابن ماجه عبد الله بن محمد العدوي وفي سند البزار علي بن زيد بن جدعان وكلاهما متكلم فيه قلت إذا روي الحديث من طرق ووجوه مختلفة تحصل له قوة فلا يمنع من الاحتجاج به ولا سيما اعتضد بحديث ابن عمر والقائل المذكور أشار بقوله إلى قول الشافعي فإن عنده إذن السلطان ليس بشرط لصحة الجمعة ولكن السنة أن لا تقام إلا بإذن السلطان وبه قال مالك وأحمد في رواية وعن أحمد أنه شرط كمذهبنا واحتجوا بما روي أن عثمان رضي الله تعالى عنه لما كان محصورا بالمدينة صلى علي رضي الله تعالى عنه الجمعة بالناس ولم يرو أنه صلى بأمر عثمان وكان الأمر بيده قلنا هذا الاحتجاج ساقط لأنه يحتمل أن عليا فعل ذلك بأمره أو كان لم يتوصل إلى إذن عثمان . ونحن أيضا نقول إذا لم يتوصل إلى إذن الإمام فللناس أن يجتمعوا ويقدموا من يصلي بهم فمن أين علم أن عليا فعل ذلك بلا إذن عثمان وهو بحيث يتوصل إلى إذنه
وقال ابن المنذر مضت السنة بأن الذي يقيم الجمعة السلطان أو من قام بها بأمره فإذا لم يكن ذلك صلوا الظهر .
وقال الحسن البصري أربع إلى السلطان فذكر منها الجمعة وقال حبيب بن أبي ثابت لا تكون الجمعة إلا بأمير وخطبة وهو قول الأوزاعي ومحمد بن مسلمة ويحيى بن عمر المالكي .
وعن مالك إذا تقدم رجل بغير إذن الإمام لم يجزهم وذكر صاحب ( البيان ) قولا قديما للشافعي أنها لا تصح إلا خلف السلطان أو من أذن له وعن أبي يوسف إن لصاحب الشرطة أن يصلي بهم دون القاضي وقيل يصلي القاضي ........ أهـ

وإليك الآن بعض الفروق بين صلاة الظهر وصلاة الجمعة :
1ـ صلاة الجمعة لا تنعقد إلا بجمع على خلاف بين العلماء في عدده.
وصلاة الظهر تصح من الواحد والجماعة.
2ـ صلاة الجمعة لا تقام إلا في القرى والأمصار.
وصلاة الظهر في كل مكان.
3ـ صلاة الجمعة لا تقام في الأسفار فلو مر جماعة مسافرون ببلد قد صلوا الجمعة لم يكن لهؤلاء الجماعة أن يقيموها.
وصلاة الظهر تقام في السفر والحضر.
4ـ صلاة الجمعة لا تقام إلا في مسجد واحد في البلد إلا لحاجة.
وصلاة الظهر تقام في كل مسجد.
5ـ صلاة الجمعة لا تقضى إذا فات وقتها ، وإنما تصلى ظهرا ؛ لأن من شرطها الوقت.
وصلاة الظهر تقضى إذا فات وقتها لعذر.
6ـ صلاة الجمعة لا تلزم النساء ، بل هي من خصائص الرجال.
وصلاة الظهر تلزم الرجال والنساء.
7ـ صلاة الجمعة لا تلزم الأرقاء ، على خلاف في ذلك وتفصيل.
وصلاة الظهر تلزم الأحرار والعبيد.
صلاة الجمعة إذا فاتت الواحد قضاها ظهرا لا جمعة.
وصلاة الظهر إذا فاتت الواحد قضاها كما صلاها الإمام إلا من له القصر.
صلاة الجمعة يمكن فعلها قبل الزوال على قول كثير من العلماء.
وصلاة الظهر لا يجوز فعلها قبل الزوال بالاتفاق.
10ـ صلاة الجمعة تسن القراءة فيها جهرا.
وصلاة الظهر تسن القراءة فيها سرّا.
11ـ صلاة الجمعة تسبقها خطبتان.
وصلاة الظهر ليس لها خطبة.
12ـ صلاة الجمعة لا يصح البيع والشراء بعد ندائها الثاني ممن تلزمه.
وصلاة الظهر يصح البيع والشراء بعد ندائها ممن تلزمه.
13ـ صلاة الجمعة إذا فاتت في مسجد لا تعاد فيه ولا في غيره.
وصلاة الظهر إذافاتت في مسجد أعيدت فيه وفي غيره.
14ـ صلاة الجمعة يشترط لصحتها إذن الإمام على قول بعض أهل العلم.
وصلاة الظهر لا يشترط لها ذلك بالاتفاق.
15ـ صلاة الجمعة لا يصح جمع العصر إليها في الحال التي يجوز فيها جمع العصر إلى الظهر.
وصلاة الظهر يصح جمع العصر إليها حال وجود العذر المبيح.
هذا ولقد عد بعض العلماء الفروق إلى أكثرمن ثلاثين فرقاً .
كتبه : ضياء الدين القدسي

رد مع اقتباس