عرض مشاركة واحدة
  #49  
قديم 11-02-2017, 08:50 PM
صفوان صفوان غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Jun 2017
المشاركات: 40
افتراضي

أبو شعيب :
بسم الله الرحمن الرحيم ،

الرد على مشاركة رقم #47 :

كان الأولى أن ترد في موضع الرد ، خارج هذا الموضوع ..

يعني خلافنا كله هو في كلمة "الراجح" ؟ ..

كان الأولى أن تقول : الغالب في هذا الفعل أنه عبادة .. أو تقول : لا يكاد أحد يفعله إلا لعبادة .

وإن شئت إكمال الحوار في ذلك .. فالموضوع الذي ذكرتُه فيه ما زال مفتوحاً ، فتفضل هناك مشكوراً ، ولا تزيد هذا الموضوع تشعباً ..

وجزاك الله خيراً .


-----------------------------------------

الرد على مشاركة رقم #48 :

تقول :

[-- أقول : لماذا كفرته يا أبا شعيب ؟
فقد أجاز الله أن تجتمع الطاعة والمعصية في قلب الإنسان ولا يكون كافراً . --]


قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يجتمع الشح والإيمان في جوف رجل مسلم ) .

ماذا تفهم من هذا الحديث ؟

هل يجوز لك أن تقول : يجوز في الإسلام اجتماع الشح والإيمان في جوف رجل مسلم ؟

ما رأيك لو سألتك : هل يُجيز الله - تعالى - أن يجمع الناس المعاصي مع الطاعات ؟؟ ما سيكون جوابك ؟؟

لا بد أن تقول لا .. لأن الله - عز وجل - لا يُجيز اقتراف المعاصي .

يعني بتعبير أوضح أقول : لو جاءك رجل وقال : هل يجوز لي شرعاً أن أعصي الله وأطيعه ؟ .. ماذا سيكون جوابك ؟

هل ستقول له : لا يجوز لك ، ولكن ذلك لا ينقض إيمانك حتى تستحل ؟؟ .. أم ستقول له يجوز لك أن تعصي الله وتطيعه ؟؟


تقول :

[-- ويجوز أيضاً من الناحية العقلية أن تجتمع المعصية والطاعة في قلب رجل واحد . فالطاعة في أمر والمعصية في أمر آخر ليسا نقيضين. --]

جميل جداً .. يعني أنت تقول إن العقل يقرر أن المعصية في نفس الأمر نقيض الطاعة .. صح ؟

أما في المسائل المختلفة ، فيجوز عقلاً أن يعصي الله في أمر ، ويطيعه في أمر آخر ، صح ؟؟ مع أن المعصية نقيض الطاعة .

الآن أود أن أسألك سؤالاً ..

ما رأيك فيمن يقول عن رجل يعصي الله : هذا الرجل مطيع وتقي ؟

هل تكفّره ؟

ماذا لو قال لك : أنا لم أحكم عليه بالطاعة والتقوى لمعصيته ، وإنما حكمت عليه لأن عنده جبال عظيمة من أعمال البر ، وعنده من التقوى والعمل الصالح ما تغمر هذه المعاصي ، فغلب عليه حكم الطاعة على حكم المعصية .

هل في كلامه شيئ حينها ؟

لقد قال أبو حنيفة - رحمه الله - فيما اشتهر عنه : من سمّى الظالم عادلاً فهو كافر .

لكن ما رأيك لو سماه عادلاً لكثير العدل الذي يعمله ، مع إقراره أن فيه بعض ظلم ، لكنه مغمور في بحار عدله ؟

هل سينطبق عليه كلام أبي حنيفة ؟

وما رأيك لو سمى الزاني القاتل الظالم السارق الفاجر : تقيّاً أو مطيعاً ؟

هل يشك أحد حينها في كفره ؟

وعقلك الآن يقرر اجتماع النقيضين (الطاعة والمعصية) في قلب رجل .. ولكن بشرط اختلاف المسائل .


تقول :

[-- وممكن أن نقول من الناحية الشرعية ومن الناحية العقلية : يجوز أن يجتمع الشرك الأصغر مع التوحيد في قلب رجل واحد . --]

ليس من الناحية الشرعية .. اضبط اللفظ ، هداك الله .

الصواب أن تقول : يجوز أن يجتمع في الحكم الشرعي على الناس الشرك الأصغر والتوحيد .. لا في الشرع نفسه .

كيف يعني في الحكم الشرعي على الناس ؟

يعني : عند إطلاق الأحكام الشرعية على الناس ، يجوز أن نقول : فلان مسلم ، مع ما يعمله من معاصي تنقص إيمانه .. ولكن لا يجوز لك شرعاً أن تقول : يجوز أن يجمع الرجل بين المعصية والإيمان .. فهذا تجويز لفعل المعصية في الشرع ..

فأرجو أن تضبط الألفاظ ، فهذا أمر مهم .. لأن هذا الجواز محصور فقط في مسائل الأسماء والأحكام الشرعية التي يحكم بها المرء على الناس ، فلا يرتاع أحد ويرتهب من قولنا : فلان يجيز اجتماع الشرك مع التوحيد .. فهو بمثل سوء فهم قولنا : فلان يجيز اجتماع الطاعة مع المعصية .


تقول :

[-- ولكن لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية العقلية ، يجوز أن يجتمع الشرك الأكبر مع التوحيد في قلب رجل واحد ، لأنهما ضدان ، والضد مع ضده لا يجتمع ، كما أن النهار مع الليل لا يجتمع . فإذا حضر أحدهما ذهب الآخر . --]

\


[-- أقول : يا أبا شعيب . نحن نتحدث عن الإجازة الشرعية والعقلية لإمكانية تواجد الشرك والتوحيد في قلب رجل واحد .
فالتوحيد والشرك في قلب رجل واحد لا يجتمعان ، هذا من الناحية الشرعية والعقلية . فالتوحيد نقيض الشرك لغة وشرعاً ، والضد لا يجتمع مع ضده عقلا وشرعاً . --]


والمعصية نقيض الطاعة ، هذا لغة وعقلاً وشرعاً .. فكيف ساغ لك أن تجمع بينهما عقلاً وهما نقيضان ؟

ستقول لي : جزّات الإيمان وجعلته مسائل .. وعند التجزيء تتقرر هذه المسألة عقلاً وشرعاً .

فأقول لك : وعند تجزئة الإيمان أيضاً ، يصحّ عقلا أن يشرك المرء في بعض أجزائه ، ويوحّد في أجزائه الأخرى .

مثاله : رجل لا يذبح إلا لله ، ولا يسجد إلا لله ، ولا يدعو إلا الله .. ولكنه يشرك بالله في التحاكم .

هل يجوز هذا عقلاً ؟ .. الجواب قطعاً يجوز ، إلا عند من غاب عقله
.

[-- وكذلك من الناحية العقلية لا يجوز أن يتواجد التوحيد والشرك في قلب رجل واحد إذا كانا نقيضين . إلا إذا فُهم أن التوحيد ليس نقيضاً للشرك . ففي هذه الحالة يمكن أن يجتمعا في قلب رجل واحد . ومن فهم أن الشرك ليس نقيضا للتوحيد ، فلم يفهم التوحيد ولم يفهم الشرك في دين الله . --]

بيّنت هذه المسألة في الأعلى .. وأختصر وأقول :

لا يجوز عقلاً اجتماع المعصية والطاعة في نفس الأمر .. لأنهما نقيضان .. ويجوز ذلك عقلاً إن تم تجزئة الإيمان إلى مسائل ، فنقول : عصى الله في مسائل .. وأطاعه في مسائل أخرى .

وكذلك عند الحديث عن التوحيد والشرك .. لا يصح عقلاً أن نقول : يجتمع التوحيد والشرك في قلب رجل .. ولكن عند تجزئة المسائل ، نقول : يجوز عقلاً أن يوحد رجل الله في مسائل ، ويشرك به في مسائل .

أما الشرع فيقول : إن الشرك ناقض لثواب التوحيد .

وهناك الكثير من المسائل المكررة التي ذكرتها أنت في ردّك ، سأعرض عنها .. اللهم إلا إن كانت هناك مسألة غفلتُ عنها ولم أذكر لها جواباً ، فنبهني إليها .. واعلم أنني لم أتعمد إغفالها .


تقول :

[-- والثانية : اللفظ في الآية هو " يؤمن " والإيمان هو التصديق والتصديق لا ينافي الشرك . وليس نقيضه . فقد يؤمن أن الله خالق الكون ويعبد معه غيره ليتقرب إليه . كحال المشركين الذين وصفتهم هذه الآية . --]

وهل عبادة غير الله لا تتناقض مع التصديق بأن الله خالق الكون ؟

انظر إلى هذه الآية : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } [الزخرف : 87]

فيها دليل على أن عبادة غير الله تنقض إقرارهم وتصديقهم بوحدانية الله في الخلق .

ولقد قلت :


[-- ممكن أن نفهم من هذه الآية أنه قد يجتمع إيمان ببعض الأمور وشرك بالله . --]

وهل يمكن اجتماع الإيمان بجميع الأمور وشرك بالله ؟؟

ما دام عندك إن الإيمان هنا هو التصديق الذي لا ينقضه الشرك .. فقل لي إذن : هل يمكن أن يصدّق المرء بجميع أمور الوحدانية ، وهو في نفس الوقت مشرك ، ونقول : إن تصديقه الكامل لا ينقضه الشرك ؟


تقول :

[-- والثانية : أن الآية تصفهم أنهم إذا ركبوا في الفلك دعوا الله وحده وأخلصوا له الدين في الدعاء ، وإذا صعدوا للبر ، يشركون به في الدعاء وفي غيره . ولم يصفهم بأنهم في البر موحدون ومشركون . مع أنهم في الفلك كانوا يوحدون الله في الدعاء ، وكانوا في البر يفعلون بعض مظاهر التوحيد والإسلام ولكنهم عندما أشركوا في الدعاء أو في غيره وصفهم بأنهم مشركون. ولم يصفهم بأنهم في فعلهم مشركون ولأن عندهم بعض مظاهر التوحيد والإسلام ، ويوحدون الله في الدعاء في الفلك ، لم يحكم على ذواتهم بالتوحيد والإسلام --]


الآية واضحة ، يقول الله تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت : 65]

ذكر الله تعالى أنهم أخلصوا لله في الدعاء في البحر .. فهل دخلوا الإسلام بذلك في تلك اللحظة ؟؟

أليس الإخلاص نقيض الشرك ؟؟ .. فكيف يقول الله تعالى إنهم أخلصوا في الدعاء وهم في تلك اللحظة ما زالوا مشركين ؟؟

هذا يبين لك أنه يُمكن عقلاً اجتماع الإخلاص في بعض الأمور مع الشرك في أمور أخرى ..

أما وصفهم .. فدعك منه الآن .. ليس هذا كلامنا .. لأن التوصيف هذا الذي تقوله إنما يُستقى من أدلة القرآن والسنة .. لا من مجرّد لا إله إلا الله ..

وقد تقرر عقلاً عند التفريق في المسائل جواز أن يوحد إنسان الله في بعض المسائل ، ويشرك به في مسائل أخرى ..

نعم ، هو في دين الله اسمه مشرك وكافر .. ولا ثواب لتوحيده .. لكن هذه المسائل تعرف فقط بالأدلة الشرعية ، لا من مجرد لا إله إلا الله .

لا إله إلا الله تثبت أنه مشرك في حدود فعله ، وأن توحيده في هذا الفعل انتقض .. أما انتقاض جميع الإيمان فلا يثبته إلا الدليل الشرعي .


تقول :


[-- أقول : إخلاص الدين بشكل عام لا يجتمع مع الشرك . لأن المقصود من إخلاص الدين ترك عبادة غير الله . وهذا معنى قوله تعالى : " قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ . وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ " ومعنى قوله تعالى : " قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي . فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ . " ومعنى قوله تعالى : " فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ . أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ "
فلا يوصف من عبد غير الله أنه أخلص دينه لله . لا عقلا ولا شرعا ً . لأن عبادة غير الله تنافي إخلاص الدين له . بمعنى أن يكون خالصاً له . ولو سألت عرب مكة هل أنتم مخلصون الدين لله - بشكل عام - ؟ لقالوا لك : لا ، نحن نعبد معه غيره لنتقرب إليه .
أما الإخلاص بمعنى أن تكون النية خالصة لله في العمل . فهذا لا ينافي وجوده وجود الشرك . لأن المشركون كانوا يعبدون الأصنام بنية التقرب لله . --]


وإخلاص الدين بشكل خاص وفي مسألة خاصة ؟ هل تجتمع مع الشرك في مسائل أخرى ؟؟

روى مسلم في صحيحه أن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي رسول الله ! أرأيت أموراً كنت أتحنث بها في الجاهلية ؛ من صدقه أو عتاقة أو صلة رحم . أفيها أجر ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أسلمت على ما أسلفت من خير " .

وجاء في حديث آخر : ( إذا أسلم الكافر فحسن إسلامه : كتب الله تعالى له كل حسنة زلفها ، ومحا عنه بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، والسيئة بمثلها ، إلا أن يتجاوز الله سبحانه وتعالى )

استشهد العلماء من هذا الحديث أنه من عمل عملاً صالحاً يبتغي به وجه الله وحده في الجاهلية ، فإنه يُكتب له عمل صالح في الإسلام ..

فهل ترى أنه لو عمل هذه الأعمال للأصنام سيُكتب له أجر في الإسلام ؟؟ .. لا أظنك تقول نعم .

فهذا دليل على وجود الإخلاص في بعض أعمال المشركين ، وإن كان شركهم هذا ينقض ثوابه .


تقول :

[-- أقول : أنت هنا حكمت على ذواتهم وأعيانهم بالكفر والشرك ولم تقل " بفعلهم الشرك مشركين " ولكن لأن عندهم بعض مظاهر التوحيد والإسلام ، ويوحدون الله في الدعاء في الفلك ، يحكم على ذواتهم بالتوحيد والإسلام .
لماذا حكمت هنا على الفاعل ، وقبل ذلك لم تحكم على الفاعل ، بل حكمت على الفعل . ؟ هل المسألة كيفية يا أبا شعيب ؟
وهل هؤلاء أقيمت عليهم الحجة . ؟ --]


لأن يسير الشرك ينقض كل التوحيد .. هذا ما بينه الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في مواضع كثيرة .

ولا ، لا يُشترط إقامة الحجة عليه إن أشرك بالله .. فإن إيمانه ينتقض من فوره . (هذا معتقدي أنا الذي استقيته من أدلة الكتاب والسنة) .


تقول :

[-- أقول : أنا لم أحكم عليه بأنه أشرك بالله ، ما دام ترك الشرك ، أنا حكمت عليه بأنه لم يفهم التوحيد ولا الشرك ، لأنه اعتقد اجتماعهما في قلب رجل واحد .
ومن لم يفهم التوحيد لا يملك اعتقاده . --]


سؤالي كان واضحاً .. هل تحكم عليه بالشرك أم الكفر ؟ أم أن هناك مصطلح آخر يبيّن حاله ؟

تقول :

[-- أقول : أنا لا أعتقد أن الجهل بالتوحيد يستلزم عبادة غير الله .
وما اعتقده : أن من جهل التوحيد لا يملك اعتقاده . ومن جهل أن التوحيد والشرك لا يجتمعان ، فقد جهل توحيد الله شرعاً وعقلاً . --]


يعني ما أفهمه من كلامك هو :

يُمكن لرجل أن يوحّد الله في العبادة ، ويحبها ويحب أهلها ، ويترك عبادة من سواه ، ويعتقد بطلانها ويبغضها ويبغض أهلها .. وهو في نفس الوقت ليس مشركاً .

رجل لا يفهم التوحيد ، فكيف يوحد الله بالعبادة إذن ؟؟ .. أفهمني من فضلك .

يعني من لا يفهم توحيد الله تعالى .. إما أنه يرى جواز عبادة غير الله .. أو هو نفسه يعبد غير الله ..

قال الله تعالى : { قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ } [الزمر : 64] .. فهم هنا كانوا يأمرون بعبادة غير الله تعالى ، لأنهم جاهلون بالتوحيد .

وقال تعالى : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [الأعراف : 138] .. وهنا استحسنوا الشرك .. لأنهم جاهلون بالتوحيد .

فكيف يتأتى لرجل لا يعرف توحيد الله تعالى ، أن يبغض عبادة غير الله ، ولا يقوم بها ، ويعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً .. ثم نقول عنه : إنه لا يفهم التوحيد ؟؟

أما عن الجهل بأن التوحيد والشرك لا يجتمعان في موضع واحد .. فلا يقول أحد من العقلاء أنهما يجتمعان ..

ولا يقول عاقل إن الطاعة والمعصية تجتمعان في موضع واحد .

ولكن يُمكن لعاقل يفهم ويعقل أن يقول : الإيمان أجزاء ومسائل .. فيُمكن لرجل أن يوحّد الله في مسائل ، ويشرك به في مسائل .. كما يُمكن أن يقول : يمكن للمرء أن يطيع الله في مسائل ، ويعصيه في مسائل .. مع أن الطاعة والمعصية نقيضان ، لكن عند التجزئة يزول التناقض .

ثم بعد أن يحكم على بعض الأفعال بالشرك .. والبعض الآخر بالتوحيد .. فقد حقق المطلوب منه من الشهادة .

أما تغليب حكم الشرك على التوحيد ، ومعرفة أن الشرك في مسألة ما ينقض التوحيد في جميع المسائل الأخرى ، فهو من المسائل الشرعية التي تستقى من الكتاب والسنة ، ولا يلزم المرء أن يعتقد بها حتى يدخل الإسلام .


تقول :

[-- أما عن تقويلك الله سبحانه وتعالى ما لم يقله ، فأقول : لم يقل الله سبحانه وتعالى ما قلته أنت البتة ، ولا يُفهم ذلك من كلامه الذي استشهدت به . بل فيه عكس كلامك .
قوله " تركته وشركه " الترك للفاعل وليس للفعل . فهو حكم على الفاعل وليس على الفعل فقط . وإذا كان الفعل شركاً أكبراً فالترك المقصود فيه : هو أنه لم يعترف به كمسلم موحد . وتركه مع من عبده .
ولا يقال : تركته مع فعله الشرك ، أي حكمت عليه بحدود فعله الشركي بالشرك ، أما خارج حدود فعله فهو موحد . --]


لو كان هذا الحديث في الشرك الأصغر ، فإن الله يترك هذا الشخص مع شركه في حدود هذا الفعل .. لأن دلالة هذا الحديث هي في الأعمال الصالحة .

فلو جاء رجل وفهم من هذا الحديث هذا المعنى أيضاً في الشرك الأكبر .. وقال إن فلان مشرك في فعله الشركي .. فهذا قد حقق المطلوب من شهادة التوحيد .. ويكفيه ذلك .


تقول :

[-- أقول : لا يقال هو : "بفعل التوحيد ، موحد لله في حدود فعله التوحيدي "
بل يقال : وحد الله في هذا الفعل ، أي لم يصرفه لغيره . ولا يعني هذا ، الحكم عليه كشخص معين بأنه موحد إذا ثبت أنه لم يترك الشرك .
والله سبحانه وتعالى يطالبنا أن نوحده في كل أفعالنا حتى نصبح مسلمين .
قال تعالى : " قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ . "
أقول : هذا هو المسلم الموحد كما وصفته هذه الآية الكريمة ، وليس من وحد الله في فعل وأشرك معه في فعل آخر كما وصفه من لم تكفرهم وتصفهم بأنهم علماء أتقياء مجاهدين .
أما شرح معنى أية ( العنكبوت 65 ) فقد مر سابقا . --]


كلامك كله تنقضه آية العنكبوت هذه .. فإن الله تعالى قال : { مخلصين له الدين } .. سماهم مخلصين في حدود فعلهم .. وكلامك لا شيء أمام كلام الله - عز وجل - .

تقول :

[-- أقول : لا يجوز أن نسميه مشركاً لشركه .. وموحداً لتوحيده .لا عقلا ولا شرعاً . فهذه التسمية ما أنزل الله بها من سلطان . ولقد تحديتك سابقاً أن تأت بدليل واحد عليها ، فلم تأت ولن تأت ، ومع هذا لا زلت تكررها . --]

أما عقلاً ، فقد قررته عقلاً بعد تجزئة المسائل .. أما شرعاً ، فهو غير مقرر شرعاً لأن الشرك في مسألة ينقض التوحيد في باقي المسائل ، وهذا لا يُعلم إلا بالأدلة الشرعية .

ثم هذا عندك لا يجوز .. وعندنا يجوز وبنص القرآن : { دعوا الله مخلصين له الدين } .. سماهم مخلصين في حالة خاصة .. مع أنهم في أحوال أخرى مشركين غير مخلصين .. ولم يكونوا بهذا الإخلاص موحدين ، ولا يُسمون مخلصين تسمية عامة .


تقول :

[-- أما إذا لم يصرف فعلاً من أفعال العبادة لغير الله نقول : وحد الله بهذا الفعل ، ولا نقول هو بفعله هذا موحداَ . والآية التي استشهدت بها ليست دليلاً لك ، بل هي عليك . فالله سبحانه وتعالى وصفهم بأنهم : " دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " أي أخلصوا له الدعاء " ولا يعني إخلاصهم الدعاء لله في البحر ، أنهم أصبحوا موحدين مع شركهم ، ولا يعني أنهم عندما خرجوا للبر أشركوا بالله بالدعاء فقط وباقي أعمالهم توحيد . --]

كلامك متناقض بعضه في بعض .

تقول عن فلان إنه وحّد الله في هذا الفعل .. ماذا تسميه إذن في حدود هذا الفعل ؟؟ .. هل تقول : هو وحّد الله في هذا الفعل ، ولكنه مشرك في هذا الفعل ؟؟

هل يقول هذا عاقل ؟؟

ما دمت قد قررت الفعل .. فقرر اسم الفاعل .

قل : هو موحد لله في هذا الفعل .. ومشرك معه في باقي الأفعال .. صعبة عليك ؟؟

ثم الله - عز وجل - نفسه قد قرر اسم الفاعل في حدود ذلك الفعل ، وسماهم مخلصين ، في حدود ذلك الفعل .. فما وجه الإنكار على كلامي ؟؟ أم هو فقط مجرد الاعتراض لا أكثر ؟؟

ستقول لي أنني قلت هو موحد لتوحيده ، مشرك لشركه .. حتى تجعل اللائمة عليّ وعلى أسلوبي في التعبير .

فأقول لك : لقد بيّنت في مواضع كثيرة ما أقصد بهذه العبارة ، وقد قلت أنا ذلك بعدما بيّنت بجلاء العبارة أنه في حدود أفعاله ، بعد تجزئة المسائل .


فقلت : [-- فلان بفعله الشركي هو مشرك بالله في حدود هذا الفعل --] .. ثم قلت : [-- وهو بفعل التوحيد ، موحد لله في حدود فعله التوحيدي --] .. ثم ختمت هذا فقلت واصفاً حكم هذا الرجل على المشرك : [-- سماه مشركاً لشركه .. وموحداً لتوحيده --] .. وقلت أيضاً : [-- وهذا جائز عقلاً حتى الآن بعد تجزئة المسائل --]

فكل من يقرأ سياق الحديث سيفهم أنني أتكلم في حدود الأفعال ، وبعد التفريق في المسائل وتجزئة الإيمان .

تقول :

[-- أقول : الذي يفهم التوحيد والشرك ، سيحكم ولا بد على من عبد غير الله بأنه مشرك ، ولو كان عنده من التوحيد والعمل الصالح بمقدار ما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .
طبعاً سيحكم على شخصه وعينه ، وليس على فعله فقط . بأن يقول : هذا بفعله مشركاً أما بذاته وشخصه فلا ، كما تقوله أنت . --]


وهل صار المشركون مشركين إلا بأفعالهم الشركية ؟

وعندما نشتق اسم الفاعل من كلمة : أشرك .. ونقول : هو مشرك .. أليس هذا حكماً على الشخص ؟

ولماذا لم تتكلم عن مسألة التجزئة هذه ولم تعقب عليها ؟؟

ماذا تقول عن رجل اجتمع فيه طاعة ومعصية ؟ .. هل تقول : مطيع في فعل الطاعة ، عاص في فعل المعصية ؟

أم أن لك حكماً آخر ؟ فإن كان كذلك ، فبيّنه لنا لو سمحت .

فإن أجزت مثل هذا التوصيف بعد تجزئة المسائل ، ويصح ذلك عندك عقلاً ولغة وشرعاً .. فكيف لا يصح عندك عقلاً ولغة تجزئة المسائل أيضاً في التوحيد والشرك ؟؟

فكما أن الطاعة نقيض المعصية ، ولا يمكن أن تجتمع طاعة ومعصية في فعل واحد .. فكذا هو الحال مع التوحيد والشرك .

إلا أن الشرك ينقض ثواب التوحيد ، وهذا يُعلم فقط بالدليل الشرعي من الكتاب والسنة .. وليس في فطرة العقل .


تقول : [-- أقول : من فعل الشرك لا يبق عنده أي توحيد . وكل ما عنده هو بعض الأفعال التي يوحد بها الله بمعنى أنه لا يصرفها لغير الله ، ويفعل بعض الأفعال التي أمر بها الله . وهذه لا تسمى توحيداً ( كحكم على الشخص ) وهو يفعل الشرك. لأن من أشرك بالله ، فكل عباداته أصبحت للشيطان . صلاته وصيامه وقيامه وحجه وكل عباداته للشيطان ، وليس لله ، حتى ولو ادعى أنها لله . لهذا بطلت وأصبحت هباءً منثوراً . --]

هذه الأمور كلها تفهم بالدليل الشرعي أم من منطوق كلمة الشهادة ؟؟

أما قولك إن من أشرك بالله فقد استحالت عباداته التي وحّد الله فيها للشيطان ، وإن صرفها لله .. فهذا باطل .. ويردّه حديث حكيم بن حزام ؛ فإنه كان يتعبد لله في الجاهلية ، على ما هو فيه من شرك .. ثم بعدما أسلم ، تحقق له ثواب عمله الذي عمله في الجاهلية .

ولكن الصواب أن يقال : إنهم بحبوط أعمالهم وعباداتهم التي صرفوها لله وحده ، بسبب ما هم عليه من شرك وكفر ، لم يتبق لهم سوى معصية شركهم .. فكانت عبادتهم لله تعالى غير معتبرة ، إذ أنها لا ثواب فيها ، ولا تُكتب لهم في صفائح أعمالهم .. فكأنهم لم يفعلوها .

أما عبادتهم لغير الله فهي معتبرة ، لذلك يحملون أوزار شركهم ويُكتب هذا في صفائح أعمالهم ، فلا يكون عندهم إذ ذاك إلا الشرك .. فيكونون عبيداً للشيطان بهذا الاعتبار ، لا عبيداً لله .


فتصحيح مقولتك : [-- من فعل الشرك لا يبق عنده أي توحيد --] هو : ( من فعل الشرك لا يبق عنده ثواب أي توحيد . )

تقول :


[-- أقول : وما علاقة موضوعنا بحديث عائشة هذا ؟
هل عائشة - رضي الله عنها - سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إسلام وكفر ابن جدعان لفعله كثير من أفعال الإسلام ؟ مع أن الحجة لم تقم عليه .
هي سألته عن مدى استفادته من هذه الأفعال في الآخرة . فأجابها بأن هذه الأفعال سوف لا تفيده في الآخرة بشيء لأنه كان يشرك بالله ولم يفعلها لأجل الله .
فما علاقة هذا الحديث في الحكم على فاعل الشرك ؟ --]


الشاهد فيه أنها لم تكن تعلم أن الشرك يبطل ثواب جميع الأعمال التي وحّد الله فيها .. وهذا دليل أنه لا يعلم ذلك إلا بالدليل الشرعي .

نعم ، هي لم تسأله عن إيمان أو كفر .. بل كانت مقرة بكفره .. لكنها لم تكن تعلم أن عمله الذي أحسن فيه في الجاهلية لا ينفعه في الآخرة .


تقول :

[-- التوحيد الذي يعرفه هذا الشخص : هو التوحيد الذي لا يبطله الشرك ، والشرك الذي يعرفه : هو الشرك الذي لا يبطل التوحيد من أساسه . وكونه حكم على بعض أفعال التوحيد بالتوحيد وحكم على بعض أفعال الشرك بالشرك لا يقال أنه عرف التوحيد والشرك حق المعرفة كما يعرفه من حقق الإسلام . --]


ما معنى أن الشرك يبطل التوحيد من أساسه ؟ ..

[-- أقول : هو لم يسم صاحب الشرك مشركاً بعينه ، بل ابتدع بدعة بأن قال : "مشرك بشركه في شركه ، موحد بتوحيده في توحيده" كلام عجيب غريب لم يأت دليل واحد عليه ، بل كل الأدلة تخالفه . ولم يقل به أي عالم معتبر . وعندما سألناه عن معنى هذا الكلام قال : يعني ليس بعينه وذاته . ومحصلة كل هذه التعبيرات ، الغاية منها : أن يحكم على عين الشخص الذي يفعل الشرك الأكبر ، بالإسلام . وهو يعرف معرفة اليقين أنه فعل الشرك الأكبر وحسنه ودعا إليه .
فهل مثل هذا فهم كيف يدخل المرء بعينه الإسلام ؟
أو هل بعد أن فهمه طبقه على أرض الواقع . ؟ أم أنه طبق ما يخالفه وينقضه ؟
من يقل : من شروط دخول الإسلام ترك الشرك وعدم الحكم بالإسلام على من لا يتركه ، وأن هذا هو أمر الله . ثم بعد ذلك يحكم على من لم يترك الشرك بالإسلام والتوحيد . لا يعد ممن دخل الإسلام وحقق شروط دخوله .
نعم مثل هذا قد يكون فهم كيفية دخول الإسلام ولكنه لم يحققه على أرض الواقع بل عمل بعكسه وضده . --]


هل العبرة بفهم كيفية دخول المرء الإسلام بالتفصيل ، أم بدخوله هو نفسه بالإسلام ؟

يعني أشبه ذلك برجل يريد دخول المسجد للصلاة ، قالوا له : لا تصح صلاتك إلا أن تكون طاهراً متوضئاً .. فتطهر وتوضأ وصلى .. فهذه صلاته مقبولة عند الله إن استوفى شروطها .

ثم لم يلبث برهة إلا وجاء رجل آخر لم يتنزه من بوله ، وقد توضأ وصلى واستوفى صلاته .. فقال الأول : أنا أعلم أن الوضوء لا يُذهب نجاسة البول عن ثيابه ، وأنه قد صلى هذه الصلاة وهو غير طاهر .. لكن هل تبطل صلاته أم يعذره الله بجهله فيقبلها منه ؟؟

هذا في حال من يعذر بالجهل مع علمه أن هذا الفعل يُبطل جميع العمل .

( مع ملاحظة أن من صلى لغير طهارة بطلت صلاته ولا يُعذر بالجهل في بطلان الصلاة ، ومتى ما انتبه لذلك وجب عليه الإعادة )

أو قال : أنا أعلم أن التنزه من البول واجب للصلاة ، وأعلم أن الله لا يرضى التدنس به عند الصلاة .. وأنا لن أفعله ، وسأتطهر منه دائماً إرضاء لله تعالى .. ولكن لا أدري إن كان هذا الفعل يبطل الصلاة أم لا ؛ إلا أنه قطعاً يُنقص من أجر الصلاة .

فهل تقول عنه : إنه لا يعرف الصلاة ؟ أو لا يعرف الطهارة ؟؟

هل تشترط عليه حتى يتطهر أن يعلم أن التدنس من البول يبطل الطهارة ؟ أم تكتفي منه بالتطهر منه دون معرفة حكم ذلك بالتفصيل ؟

ومثل ذلك أيضاً لو قال رجل : أنا أعلم أن الركوع من أركان الصلاة ، ومن لا يأتي به تبطل صلاته .. لكن لا أدري إن كان الله يقبل صلاة الجاهل بهذا الحكم أم يردها .

وآخر قال : أعلم أن الركوع واجب ويجب علينا الإيتان به ، ويأثم تاركه .. وأنا دائماً أقوم به ، لكن لا أعلم إن كان تركه يُبطل الصلاة أم لا .

ففي كلتا الحالتين الرجل صلاته صحيحة ومقبولة ، ويعرف كيف يصلي .. وجهله ببعض أحكام المخالفات لا يعني أن صلاته باطلة ، أو أنه لا يعلم كيف يصلي .

فهكذا الحال فيمن يحكم بالإسلام على فاعل بعض الشرك وهو عنده الكثير من التوحيد .

فهو يقول إن من شرط الإسلام ترك الشرك وعبادة الله وحده ..

وهو نفسه ترك الشرك وعبد الله وحده ..

لكن عندما جاءه رجل ترك أكثر الشرك ، وجهل بعضه ففعله .. وعبد الله تعالى ووحده في أكثر المسائل .. فجاء وقال : هذا الرجل دخل في أكثر الإسلام وفعل ما ينقض الإسلام بهذا الفعل .. ولا أدري إن يعذره الله بجهله أم لا ..

فحكم عليه بالإسلام مع اعتقاده أن بعض الشرك الذي فعله هذا الرجل ينقض التوحيد ، ولكنه ظنّ أن هذا الإبطال لا يكون إلا بعد العلم وإقامة الحجة .

وأشبه للمثال الثاني بأحدهم يقول إن فعل الشرك هذا باطل ، ويجب اجتنابه .. ولا يعلم أنه شرك أو أنه ينقض الإسلام ، لكن سماه باطلاً وحراماً .

الآن نأتي إلى كلامك في مسألة معنى التكفير ومعنى الشرك ..


تقول :

[-- أقول : إخراجه من الإسلام يعني : عدم الحكم على ذاته وشخصه بأنه موحد مسلم في دين الله . وليس لها علاقة بحبوط عمله أو عدمه ، لأن هذا يعرف بعد دخول الإسلام . --]

ثم تقول :

[-- أقول : لا يعني حبوط عمله . ولا يعني الحكم عليه بأنه سيعذب في الآخرة . --]

ثم تقول :

[-- أقول : يعني معرفته : أن من أشرك بالله الشرك الأكبر ليس موحداً وليس في دين الله . طبعاً بعينه وشخصه . --]

وتقول :

[-- أقول : لا يعني معرفة : أن الشرك ينقض ثواب التوحيد . --]

يعني ما يُفهم من مجموع كلامك هو التالي :

لا يُشترط للمرء حتى يكون مسلماً أن يعتقد أن الشرك يُحبط العمل .

ولا يُشترط له أن يعتقد أن صاحبه معذب في النار .

فما أفهمه من كلامك - وقد أكون مخطئاً ، فصحح لي إن أخطأت - أنّ من يعتقد أن المشرك مُثاب على ما يفعله من طاعة لله ، إن ابتغى بها وجه الله .. وأن الله يقبل منه هذا العمل في الدنيا ، ويؤجره عليه في الآخرة ، وأن الله لا يعذبه على شركه لجهله .. بل يمكن أن يدخل الجنة مع المؤمنين الموحدين بما معه من طاعة وعمل صالح .. ويكون حاله مثل حالهم .. إلا أنه قال فيه : هو مشرك وعلى غير الإسلام .

سؤالي هو : هل هذا يمكن أن يكون مسلماً لو كان في بادية بعيدة مثلاً أو حديث عهد بإسلام ؟

أجبني عن هذا السؤال المهم حتى نكمل في هذه المسألة ، إن شاء الله .


تقول :

[-- أقول : ومن قال لك أن الشرك ينقض التوحيد في مسألة ولا ينقضها في مسألة أخرى ؟ الشرك الأكبر مهما كان بسيطاً ، ينقض كل التوحيد ويجعل الشخص بعينه مشركاً غير موحد ، وليس في دين الله ، ولو كان عنده من التوحيد والعمل الصالح بقدر ما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم --]

ما ينتقض هو ثواب التوحيد ، وليس حقيقة العمل .. وهذا مقرر عقلاً وفهماً .. بل وشرعاً أيضاً .

يُمكن لرجل مشرك أن يوحد الله - تعالى - في عمل ما ، ويوجهه له بإخلاص .. ومع هذا هو في بقية المسائل مشرك كافر .. وعمله الذي أخلص لله فيه لا يُقبل عند الله لأنه مشرك .

لذلك ، عند دخول هذا المشرك في الإسلام ، فإن كل عمل صالح عمله لوجه الله ، فإنه يُثاب عليه حتى سبع مئة ضعف .

ألا ترى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين ، وله ما لنا وعليه ما علينا ، ومن أسلم من المشركين ، فله أجره ، وله ما لنا وعليه ما علينا " ؟

ألا ترى كيف جعل إيمان أهل الكتاب السابق معتبراً إذا دخلوا الإسلام (مع كونهم كفاراً مشركين) ؟ فلو كانت جميع أعمالهم في شرك وكفر ، لما تقبل منهم عمل واحد بعد إسلامهم .

قال ابن حجر العسقلاني : ( وبقوله - صلى الله عليه وسلم - لما سألته عائشة عن ابن جدعان : وما كان يصنعه من الخير هل ينفعه ؟ فقال : " إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " فدل على أنه لو قالها بعد أن أسلم نفعه ما عمله في الكفر )

والآية التي أوردتها في سورة العنكبوت من أجلى الأدلة في ذلك على وجود الإخلاص في بعض الأعمال ، لكن صاحبها لا ينتفع بها .

وهناك مسألة هامة جداً سأحاورك فيها - إن شاء الله - إن أجبتني عن أسئلتي في الثواب والعقاب وحبوط العمل وقبوله ، وقد ذكرتها في الأعلى .

وكلامك في وجوب اعتقاد أن الشرك في مسألة ينقض كل التوحيد ، سيتم الرد عليها قريباً - إن شاء الله - بعد أن تجيبني عن أسئلتي .

رد مع اقتباس