عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-10-2011, 08:38 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
قسم العلماء الكفار إلى قسمين :
1- محاربين : وهم الذين بينهم وبين المسلمين حرب قائمة أو متوقعة، وليس بينهم وبين المسلمين عهد ولا صلح .
2- مسالمين أو معاهدين .
وينقسم المسالمون أو المعاهدون إلى قسمين:
أ- قسم له عهد دائم وهم ما يسمى بأهل الذمة. وهم الكفار الذين يعيشون في دولة الإسلام ويدفعون الجزية لدولة الإسلام مقابل حمايتهم .
ب- وقسم له عهد مؤقت وهم المستأمنون.
ولكل قسم من أقسام الكفار أحكام تخصه:
فالمحاربون : الأصل فيهم أن دماءهم وأموالهم مباحة للمسلمين . فيجوز ويشرع للمسلم قتل الكافر المحارب وأخذ ماله .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" متفق عليه
وكذلك يشهد لهذا الحكم فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزواته مع المشركين.
وقد أجمع الفقهاء على أنه إذا دخل مسلم دار الحرب بأمان أو بموادعة حرم تعرضه لشيء من دم ومال وفرج منهم؛ إذ المسلمون على شروطهم. وكذلك إذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان حرم التعرض لماله . ( أنظر الماوردي )
وعند المالكية: يقطع يد المسلم إذا سرق مال الحربي الذي دخل دار الإسلام بأمان .
جاء في حاشية الصاوي على الشرح الصغير ": السرقة أخذ مكلف نصاباً فأكثر من مال محترم لغيره ... ويدخل في المحترم: مال الحربي الذي دخل بأمان فيقطع سارقه. "
فلا يجوز أخذ أموال الكفار على سبيل الغدر والخيانة ، لأن الغدر محرم في الإسلام سواء مع المسلم أم مع الكافر حربي أو غير حربي .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ ) رواه أبو داود بسند صحيح .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندما يرسل أصحابه لقتال المشركين ، كان مما يوصيهم به : ( لا تَغْدِرُوا ) رواه مسلم .
وعن المغيرة بن شعبة أنه كان قد صحب قوماً في الجاهلية ، فقتلهم وأخذ أموالهم ، ثم جاء فأسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما الإسلام أقبلُ ،وأما المال فلستُ منه في شيء " رواه البخاري
وفي رواية أبي داود بسند صحيح ): أما الإسلام فقد قبلنا ، وأما المال فإنه مال غدرٍ لا حاجة لنا فيه )
قال الحافظ ابن حجر : " قولـه ( وأما المال فلستُ منه في شيءٍ ) أي : لا أتعرض له لكونه أخذه غدراً ، ويستفاد منه : أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدراً ؛ لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة ، والأمانة تؤدَّى إلى أهلها مسلِماً كان أو كافراً ، وأن أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة ، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم ترك المال في يده لإمكان أن يسلم قومه فيرد إليهم أموالهم." (فتح الباري ( 5 / 341)
قال الشافعي رحمه الله : " وإذا دخل رجل مسلم دار الحرب بأمان .. وقدر على شيء من أموالهم لم يحل له أن يأخذ منه شيئاً قلّ أو كثر ؛ لأنه إذا كان منهم في أمان فهم منه في مثله ، ...، ولأن المال ممنوع بوجوه : أولها : إسلام صاحبه . والثاني : مال من له ذمة . والثالث : مال من له أمان إلى مدة أمانه وهو كأهل الذمة فيما يمنع من ماله إلى تلك المدة .". (الأم ( 4 / 284)
وقال السرخسي : :" أكره للمسلم المستأمِن إليهم في دينه أن يغدر بهم لأن الغدر حرام . . . فإن غدر بهم وأخذ مالهم وأخرجه إلى دار الإسلام كرهت للمسلم شراءه منه إذا علم ذلك لأنه حصله بكسب خبيث، وفي الشراء منه إغراء له على مثل هذا السبب وهو مكروه للمسلم ، والأصل فيه حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه . . (ثم ذكر الحديث السابق) ". (المبسوط ( 10 / 96)
أما المسالمون أهل الذمة فالقاعدة التي تحكم تعاملنا معهم من حيث الجملة هي: أن لهم ما لنا وعليهم ما علينا، إلا أشياء مستثناة تنظر في مواضعها.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني : " ويقطع المسلم بسرقة مال المسلم والذمي ،ويقطع الذمي بسرقة مالهما. وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافاً "(المغني:8/ 368)
و يحرم الكذب على أهل الذمة أو خديعتهم أو غشهم .
وأما المعاهدون المستأمنون الذين بينهم وبين المسلمين عهد أو صلح أو هدنة ، فمتى تحققت شروط الصلح فيجب علينا الوفاء بكل الالتزامات والعهود ، وهذا إجماع لاخلاف فيه.
قال تعالى: " فَمَااسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ" (التوبة:7.)
وقال تعالى: :"يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" [المائدة:1]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً " أخرجه البخاري
فسرقة أموال المسـتأمنين حرام بالإجماع . ولكن اختلف العلماء في قطع يد السارق . فعند الحنابلة تقطع يده لأنه سرق مالاً معصوماً، وعند الشافعية لاتقطع لأن المستأمن إذا سرق من المسلم أو الذمي لا يقطع ، قالوا : لأن المسـتأمن عندما التزم بالأمان لم يلتزم بما يرجع إلى حقوق الله تعالى من الأحكام ، وحد السرقة حق الله تعالى غالب فيه ولم يلتزمه المستأمن فلا يقام عليه الحد . ( أنظر : أحكام الذميين والمستأمنيين صـ269 )
وقد قسم العلماء ما يستولى عليه من أموال الكفار الحربيين والذي هو الحلال إلى غنيمة وفيء ومختص.
جاء في شرح مختصرخليل للخرشي: " وما غنمه العبيد والصبيان والنساء لا يكون غنيمة ويختص بهم ، وقيل يخمس."
فالفيء هو عبارة عن الغنائم التي يحصل عليها المسلمون بلا خيل ولا ركاب ، أي بدون حرب وقتال ، فإنّ هذه الأموال تقع تحت تصرّف الرسول صلَّى اللّه عليه وسلَّم باعتباره رئيساً للدولة الإسلامية ، والأساس فيه قوله سبحانه : « وَما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللّهَ يُسَلّطُ رُُُُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير » . (الحشر : 6)
وقد بين سبحانه وتعالى المواضع التي يصرف بها هذا الفيء ، قال تعالى : « ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرى فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكِينِ وَابْنِ السَّبيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنياء مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ العِقاب » (الحشر : 7)
فما يحصل عليه المسلمون في دار الحرب من أموال الحربيين اليوم بدون قتال يعتبر من الفيء والحصول عليه جائز شرعاً بشرط أن لا يؤدي الحصول عليه ضرر وسوء سمعة للمسلم والإسلام ، لعدم وجود دولة الإسلام ولسكن المسلمون في دار الحرب وخضوعهم لقوانين الكفر . فليس كل مباح في الشرع يُفعل في كل زمان ومكان . ودفع الضرر أولى من جلب المنفعة .فالواجب على المسلم الداعية للتوحيد أن يكون مثالاً حسناً للأمانة والوفاء بالعهد وحسن الأخلاق ، وأن لا يعرض نفسه للشبة وسوء السمعة وخصوصاً وأنه يعيش في مجتمع ودول تظن نفسها على الإسلام أو دول غربية لا تفهم مثل هذه الإحكام .
كتبه : ضياء الدين القدسي





رد مع اقتباس