عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 06-10-2011, 11:25 AM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

الجواب على سؤال أبي عمر الفرقان
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
لقد وضعت قوانين لتنظيم سير المركبات في الشوارع الغاية منها حماية السائق والمشاة في الشوارع ، وهذه القوانين تنظيمية لا تخالف شرع الله وللدولة المسلمة أن تستفيد منها وتعمل فيها ما دامت لا تخالف شرع الله . وللمسلم تطبيقها والالتزام بها في دار الحرب . وهذه القوانين يتعلمها السائق قبل حصوله على شهادة السواقة ، وهو بحصوله على شهادة السواقة قد قبل بها ، ويُلزم بتطبيقها من الناحية الشرعية ، لأنه قبل بها بمحض خياره بداية عندما وافق على الحصول على رخصة السواقة طبقاً لهذه القوانين .
والمسلم ملزم بشروط العقد الذي يحصل بينه وبين الكافر والمسلم ما لم يخالف هذا الشرط الإسلام . فأنت عندما قبلت برخصة السواقة قبلت بالالتزام بجميع القوانين التي لها علاقة بسواقة المركبات في الشوارع . فإن حدث خلاف بينك وبين سائق آخر في ما قبلتموه مسبقاً من هذه القوانين ورجعتما لمن يعرف هذه القوانين والشروط لمعرفة من هو المخطئ في هذا وحكمتماه في هذه المسألة كخبير عادل ، لا يعد ذلك تحكيم للطاغوت أو تحكيم لمن يحكم بغير شرع الله ، لأن الإسلام أجاز تحكيم الخبير في مثل هذه المسألة وأشباهها .
قال تعالى : " فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا " (الفرقان : 59 )
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : " أي استعلم عنه من هو خبير به عالم به , فاتبعه واقتد به , وقد علم أنه لا أحد أعلم بالله ولا أخبر به من عبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه, سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والاَخرة, الذي لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى, فما قاله فهو الحق, وما أخبر به فهو الصدق, وهو الإمام المحكم الذي إذا تنازع الناس في شيء وجب رد نزاعهم إليه, فما وافق أقواله وأفعاله فهو الحق, وما خالفها فهو مردود على قائله وفاعله كائناً من كان .. " أهـ
وجاء في تفسير القرطبي :" ( الرحمن فاسأل به خبيرا ) قال الزجاج : المعنى فاسأل عنه. وقد حكى هذا جماعة من أهل اللغة أن الباء تكون بمعنى عن ؛ كما قال تعالى : "سأل سائل بعذاب واقع " [المعارج: 1] وقال الشاعر:
هلا سألت الخيل يا بنة مالك إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
وقال علقمة بن عبدة:
فإن تسألوني بالنساء فإنني خبير بأدواء النساء طبيب
أي عن النساء وعما لم تعلمي. " أهـ
وقال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ" (المائدة :95)
وقال تعالى : " وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا " (النساء : 35)
جاء في تفسير هذه الآية لأبن كثير : " وقال عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن أيوب, عن محمد بن سيرين, عن عبيدة قال: شهدت علياً وجاءته امرأة وزوجها مع كل واحد منهما فئام من الناس , فأخرج هؤلاء حكما وهؤلاء حكماً, فقال علي للحكمين: أتدريان ما عليكما ؟ إن عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما, فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله لي وعلي, وقال الزوج: أما الفرقة فلا, فقال علي: كذبت والله لا تبرح حتى ترضى بكتاب الله عز وجل لك وعليك, رواه ابن أبي حاتم, ورواه ابن جرير عن يعقوب عن ابن علية عن أيوب, عن ابن سيرين, عن عبيدة, عن علي مثله, ورواه من وجه آخر عن ابن سيرين, عن عبيدة عن علي به, وقد أجمع جمهور العلماء على أن الحكمين لهما الجمع والتفرقة حتى قال إبراهيم النخعي: إن شاء الحكمان أن يفرقا بينهما بطلقة أو بطلقتين أو ثلاث فعلا, وهو رواية عن مالك, وقال الحسن البصري: الحكمان يحكمان في الجمع لا في التفرقة, وكذا قال قتادة وزيد بن أسلم, وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وداود, ومأخذهم قوله تعالى: {إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما} ولم يذكر التفريق, وأما إذا كانا وكيلين من جهة الزوجين فإنه ينفذ حكمهما في الجمع والتفرقة بلا خلاف, وقد اختلف الأئمة في الحكمين, هل هما منصوبان من جهة الحاكم , فيحكمان وإن لم يرض الزوجان . أو هما وكيلان من جهة الزوجين ؟ على قولين والجمهور على الأول, لقوله تعالى: {فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها} فسماهما حكمين ومن شأن الحكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه, وهذا ظاهر الاَية, والجديد من مذهب الشافعي وهو قول أبي حنيفة وأصحابه, الثاني منهما بقول علي رضي الله عنه للزوج حين قال: أما الفرقة فلا, قال: كذبت حتى تقر بما أقرت به, قالوا: فلو كانا حاكمين لما افتقر إلى إقرار الزوج , والله أعلم , قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر: وأجمع العلماء على أن الحكمين إذا اختلف قولهما فلا عبرة بقول الاَخر, وأجمعوا على أن قولهما نافذ في الجمع وإن لم يوكلهما الزوجان, واختلفوا هل ينفذ قولهما في التفرقة, ثم حكي عن الجمهور أنه ينفذ قولهما فيها أيضاً من غير توكيل." أهـ
وجه الدلالة : أن هناك حالات أجاز الشرع تحكيم الخبير العادل فيها بما عنده من خبره في الموضوع المختلف فيه .
فمثلا : إن اختلف صاحب البناء ومن بنا البناء في كمية الحديد التي وضعت في السقف وأرادوا أن يعرفوا كمية الحديد التي وضعت في السقف وهل هي صالحة لهذا الأمر فلهما أن يحكما خبيراً عادلا في هذا الخلاف ، ولا يعد ذلك تحاكماً للطاغوت ، بل هو تحاكماً لما أرشد الشرع له في مثل هذا الخلاف .

أما عن قولك : " هذا الخبير يلزمك بالقانون بحكمه "

أقول ( ضياء الدين ) : أنت تحكمه ليس من باب أن القانون يلزمك بذلك بل لأنك أنت نفسك عندما حصلت على شهادة السواقة قبلت بتطبيق قوانين السير عليك في حال مخالفتك لها . وكونك وافقت على هذه الشروط والقوانين لأنها لا تخالف شرع الله لا يعني أنك قبلت بحق الطاغوت بالحكم والتشريع العام . فالطاغوت هنا طرف وأنت طرف آخر اشترط الطاغوت عليك ليعطيك شهادة لقيادة السيارة في بلده أن تلتزم بقوانين وضعت لحماية السائق والمشاة لا تخالف شرع الله ، فإن خالَفْت هذه الشروط وحصل ضرر للغير فعليك أن تضمن ذلك . وإن حصل خلاف بينك وبين سائق آخر أو أحد المشاة في ذلك فقد أجاز الشرع لك بتحكيم من له خبرة في هذه الشروط ليحكم بمقدار مخالفتك لهذه الشروط . وهذا التحكيم للخبير العادل لا يعد تحكيماً للطاغوت ما لم يخالف شرع الله . فهو يشبه تحكيم خبير عادل بينك وبين صاحب المصنع التي تشتغل عنده في حال اتهمت بأنك عطلت الماكنة التي تعمل عليها بإهمالك. وتحكيم الخبير العادل في مثل هذه المسائل قد أجازه الشرع وقد ذكرت الأدلة على ذلك سابقا .

أما عن سؤالك : " هل يصح أن نقول أن كل قانون يحكم به لا يعارض كتاب الله عز وجل فهو مقبول (أي لا يكفر الذي يمتثل إليه) ؟

فأقول : امتثالك للقوانين التي لا تخالف شرع الله لا يعني قبولك بحق الطاغوت بالتشريع بشكل عام . بل أنت قبلت بهذا القانون لأنه لا يخالف شرع الله ولو خالف شرع الله لما قبلته . فالأصل عندك هو شرع الله في القبول والرفض ، يعني الحَكَم عندك هو شرع الله وليس شرع الطاغوت . وما دمت تعيش في دار الحرب فهذه الدار تحكمها قوانين وضعت من قبل الحاكم المسيطر عليها وامتثالك لبعض هذه القوانين التي لا تخالف شرع الله لا يعني إعطاءك الحق للطاغوت بأن يحكم كما يريد في كل المسائل بل هو العكس .
فالرسول عليه الصلاة والسلام قَبِل بأن يضع ختمه على رسائله عندما علم أن الحكام والملوك الطواغيت من قوانينهم أنهم لا يقرؤون أي رسالة لا تحوي ختم مرسلها .
فلا يقال : أن قبول الرسول عليه الصلاة والسلام لوضع ختمه على رسائله ، يعني قبول حق الطاغوت في الحكم بشكل عام .
وسيأتي الجواب على سؤال أبي رقية
[/align]

رد مع اقتباس