منتدى دعوة الحق

منتدى دعوة الحق (http://www.davetulhaq.com/ar/forum/index.php)
-   الحوار مع رؤوس وأئمة المخالفين (http://www.davetulhaq.com/ar/forum/forumdisplay.php?f=16)
-   -   حوار في تعريف أصل الدين (http://www.davetulhaq.com/ar/forum/showthread.php?t=1401)

صفوان 10-20-2017 01:13 PM

مسلم :
رد على مشاركة رقم 39
بسم الله الرحمن الرحيم

قولك :
لا تثريب عليك في إكمالك لردودك عليّ في المشاركات السابقة ، وسآتي عليها جميعها بإذن الله ، ريثما أنتهي من فهم منهجك في التعاطي مع النصوص الشرعية ، لذلك لا تظنن أنني أتهرب من الجواب ، إنما هو فقط تأجيل له حتى أفهم طبيعة منهجك .


أقول : أسأل الله أن لا يكون أسلوبك هذا للتهرب من الجواب على ما كتبته لك في المشركات السابقة. ولكنني سأحسن الظن بك وأجيبك على أسئلتك وفي نفس الوقت سأكمل الإجابة على باقي كلامك . ولكن يتطلب منك الرد على ما كتبته لك سابقاً وخصوصا أنه كان في كلامك أخطاء وتناقضات كثيرة تحتاج منك للتوضيح أو الإقرار .


قولك : قبل أن أعقّب على مشاركتك رقم #37 ، أود منك أن تتفضل وتشرح لنا باختصار معنى العبادة التي من صرفها لغير الله فهو مشرك كافر

أقول : العبادة لغة : تعني التذلل والخضوع والطاعة والدينونة ، ومنه الطريق المعبد إذا كان مذلل بكثرة الوطء.
أما المعني الشرعي للعبادة فهو كما بينها ابن تيمية : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ، ويتضمن ذلك كمال الخضوع والطاعة والانقياد مع كمال الحب لله تعالى .



قولك : في مشاركتك رقم #37 تقول إن العبادة لا يحددها العقل المجرد ، وما يحددها هو الدليل الشرعي .
أي دليل شرعي تقصد ؟ أدلة القرآن والسنة ؟ أم دلالة لا إله إلا الله ؟؟


أقول : أدلة القرآن والسنة والدلالة اللغوية لكلمة الشهادة .


قولك : وهل يمكن للعربي الذي يفهم لا إله إلا الله أن يفهم جميع أنواع العبادة بدون الحاجة إلى قرآن أو سنة ؟

أقول : العربي يفهم المعنى اللغوي للعبادة ، لأن كلمة العبادة من لغته . لذلك عندما خوطب بكلمة التوحيد كان يعرف معناها والمطلوب منه بها . وكان يعرف المعنى اللغوي لكلمة الإله والمعبود ويعرف المعنى اللغوي للعبادة . وكان يقر أنه يعبد مع الله آلهة أخرى .
أما الأمور التي فرضها الله كعبادة ، زيادة عن المعنى اللغوي للعبادة فكان لا يعرفها لأنها تحتاج لدليل شرعي من الله . وهذه لا يطالب بها من يدخل الإسلام بداية . ولكنه كان يعرف أن مطلق الطاعة عبادة . وكان يفرق بين طاعة العبادة وغيرها .



قولك : مثاله : رجل يعيش في بادية بعيدة ، قال لا إله إلا الله واعتقد بها ، هل تلزمه أن يعلم جميع أنواع العبادة من هذه الكلمة ؟



أقول : إذا كان عربياً يفهم اللغة العربية ، فإنه سيفهم ما المقصود من قوله " لا إله إلا الله " وإذا اعتقد بها فسوف يعتقد بها عن علم بمعناها . ولهذا سيعبد الله وحده ويترك عبادة غيره ، وسيعرف أن عليه ترك جميع أنواع وأشكال الشرك الأكبر ، وسيعرف أيضاً أن من لم يترك أي نوع من أنواع الشرك الأكبر ويعبد غير الله لم يحقق هذه الكلمة ولم يدخل دين الله الذي دخله هو.
لا شك أنه عندما يفهم معنى هذه الكلمة ، يفهم كيفية عبادة غير الله وكيفية تركها . لأنه من غير المعقول أن يطالب باعتقاد شي لا يعرف كيف يحققه على أرض الواقع .
فإذا عرف أنه يجب عليه أن يعبد الله وحده ، سيترك عبادة غيره ويتوجه بهذه العبادة - التي كان يفعلها لغيره - لله تعالى وحده ، وينتظر أوامر رسول الله ليعلمه واجباته نحو ربه وإله الأوحد .


قولك :
فإن كنت لا تلزمه بذلك ، فكيف يعلم أنواع العبادة ؟؟ هل هو بالعقل المجرد وبمجرد دلالة لا إله إلا الله ؟؟ أم ماذا بالضبط ؟

أقول : ما دام عربياً يعرف اللغة العربية ، سيعرف معنى العبادة وأشكالها من لغته . لهذا سيتركها ويوجهها لله وحده .
وإن لم يكن عربيا ، فيجب أن يُفَّهم معنى الشهادة قبل أو عند مطالبته بقبولها ، وهذا ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة مع غير العرب عندما يطالبون بدخول الإسلام .
وإلا ، قوله بها دون معرفته لمعناها واعتقاده بهذا المعنى ، لا يفيده شيئاً ولا يدخله الإسلام .


قولك : ثم سؤال أخير هنا
قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل عندما سجد له سجود تشريف : ( إنه لا ينبغي السجود لغير الله ) .
فهنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ إن سجوده هذا الذي صرفه للنبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينبغي أن يكون إلا لله .
فهذا معناه أنه في شريعة الإسلام السجود بكلا نوعيه لا يجوز صرفه إلا لله .
وأنت تعلم أن الشرك هو صرف ما يختص به الله وحده إلى غيره .
فهل السجود في شريعة الإسلام مما يختص به الله وحده لا يشركه فيه أحد ؟
إن قلت نعم ، فلا بد أن تقول إن صرف السجود لغير الله ، بغض النظر عن نية صاحبه ، هو شرك .
أم أنك تشترط النية في أفعال العبادة حتى تقول إنها عبادة ؟؟
يعني من فعل السجود وهو ينوي غير العبادة ، لا نقول إنه أشرك ؟
ومن فعل نفس السجود وهو ينوي عبادة غير الله ، نقول إنه أشرك ؟
أجبنا من فضلك .




أقول : كلامك هذا غير صحيح يا أبا شعيب ، وفيه تقويل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله ، ويؤدي لتغير المعنى .
لننظر لحادثة معاذ رضي الله عنه كما رواها الثقات .
عن عبد الله بن أبي أوفى قال : لما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله ïپ² " ما هذا يا معاذ ؟ " . فقال : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتيت الشام فوافيتهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم فوددت في نفسي أن أفعل ذلك بك ،فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه "(رواه ابن ماجة وابن حبان وأحمد والبستي في صحيحه وقال في الزوائد رجاله رجال الصحيح )
أولا : لننظر للزيادة التي زدتها يا أبا شعيب على الحديث لتصل لهدفك .
قلتَ : " قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل عندما سجد له سجود تشريف : ( إنه لا ينبغي السجود لغير الله "
أسأل : أين في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ " إنه لا ينبغي السجود لغير الله " ؟
أليس هذه زيادة منك وتقويل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله ؟
والصحيح الوارد في الرواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – عندما سجد له معاذ رضي الله عنه قال له : " ما هذا يا معاذ ؟ "
وهذا سؤال عن ماهية وسبب الفعل وعن نية الفاعل من فعله ، ولو كان كل سجود عبادة لغير الله ، كما فهمتها أنتَ لما سأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن سبب السجود ونيته وقصده منه ، ولقال له كما نسبته أنت لرسول الله بدون دليل " إنه لا ينبغي السجود لغير الله " أو لقال له " ألم أنهك عن عبادة غير الله "
نتابع حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفهمه جيداً :
ثم بعد أن سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاذ رضي الله عنه عن سبب ونيته من هذا السجود قال له معاذ :" يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتيت الشام فوافيتهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم فوددت في نفسي أن أفعل ذلك بك "
هذا هو السبب من سجود معاذ رضي الله عنه لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - فهو سجود تحية وإكرام وليس سجود عبادة .
ماذا قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هذا الكلام ؟
هل قال له كما أدعيت أنت : " هذا السجود الذي صرفته لي لا ينبغي أن يكون إلا لله " .؟
لا ، لم يقل له هذا ، بل قال له : " :" لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه "
أي : لو كان هذا حلال في شريعتي لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها .
هل في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على قولك ، أم أن فيه دليل واضح على أن سجود معاذ رضي الله عنه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم – كان سجود تحية وإكرام ولم يكن سجود عبادة . ؟
بل جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه ، لدليل واضح على أنه كان سجود تحية وإكرام وليس سجود عبادة ، وإلا تعارض مع قوله تعالى : " وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ "
ومن يفهم أن سجود معاذ رضي الله عنه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم – كان سجود عبادة فإنه أولا : لا يفهم اللغة العربية . وثانيا : لم يفهم دعوة الرسل وما هو أول شي يدعون إليه . وثالثاً : أتهم الصحابي الذي اختاره رسول الله - صلى الله عليه وسلم – لدعوة أهل الكتاب للتوحيد وترك عبادة غير الله ، بأنه لم يفهم التوحيد . وهذا اتهام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم – أولا ً ، أنه لم يبلغ التوحيد من أرسله لدعوة الناس للتوحيد وعبادة الله وحده . وثانياً : ظلم وافتراء عظيم على هذا الصحابي الجليل رسول رسول الله لدعوة الناس للتوحيد ، بأنه لم يفهم التوحيد وعبد غير الله .
ثم بحديث معاذ هذا ، استدل علماء الإسلام على حرمة سجود التحية الذي كان مباحاً في شريعة من قبلنا .
ولم يقل أحد من العلماء المعتبرين أن هذا السجود من معاذ رضي الله عنه كان سجود عبادة .
فقد استشهد القرطبي في تفسيره بهذا الحديث على أن سجود التحية كان جائزاً إلى عصر الرسول ، صلى الله عليه وسلم .
حيث قال عن سجود الملائكة لآدم عليه السلام : " واختلف الناس في كيفية سجود الملائكة لآدم بعد اتفاقهم على أنه لم يكن سجود عبادة.. " ثم قال : " واختلف أيضا هل كان ذلك السجود خاصا بآدم عليه السلام فلا يجوز السجود لغيره من جميع العالم إلا لله تعالى ، أم كان جائزا بعده إلى زمان يعقوب عليه السلام ، لقوله تعالى: "ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا" [يوسف: 100] فكان آخر ما أبيح من السجود للمخلوقين ؟ والذي عليه الأكثر أنه كان مباحاً إلى عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم . .. ثم ذكر حديث معاذ رضي الله عنه . " اهـ
وقال ابن كثير عند تفسيره قوله تعالى " وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً.. : " وقد كان هذا سائغاً في شرائعهم إذا سلموا على الكبير يسجدون له ، ولم يزل هذا جائزاً من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام ،فحرم هذا في هذه الملة وجعل السجود مختصاً بجناب الرب سبحانه وتعالى ،هذا مضمون قول قتادة وغيره ( ثم ذكر حديث معاذ ) ." ا هـ
وقال الشوكاني عن سجود التحية : " فلا يستلزم تحريمه لغير الله في شريعة نبينا ، صلى الله عليه وسلم ، أن يكون كذلك في سائر الشرائع ." ا هـ
أقول : لماذا قال الشوكاني هنا : لا يستلزم تحريمه .... أن يكون كذلك في سائر الشرائع ." ؟
هل هذا الكلام يقال في عمل لا يفهم منه غير العبادة لغير الله ؟ وهل أحل الله شيئاً من العابدة لغيره في الشرائع السابقة ؟
قال ابن تيمية : " ولا يجوز أن يتنفل على طريق العبادة إلا لله وحده لا لشمس ولا لقمر ولا لملك ولا لنبي ولا لصالح ولا لقبر نبي ولا صالح . هذا في جميع الملل ( ملل الأنبياء ) وقد ذكر ذلك في شريعتنا حتى نهى : أن يتنفل على وجه التحية والإكرام للمخلوقات ، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً أن يسجد له وقال : ( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ) . ونهى عن الإنحناء في التحية ونهاهم أن يقوموا خلفه في الصلاة وهو قاعد . " ا هـ (مجموع الفتاوى ج1ص74)
فالآيات وأقوال العلماء تدل على أن السجود سجودان ، سجود عبادة وسجود تحية . والأول كان محرماً في كل الشرائع لأنه عبادة لغير الله ، والثاني ليس شركاً أكبراً ، بل هو حرام في شريعتنا لسد طريق الشرك الأكبر . ولو كان عبادة لغير الله لما أباحه الله في الشرائع السابقة . لهذا لو أن شخصاً سجد لشخص على سبيل التحية والإكرام وكان غير عالم بالحكم لا يكفر ولا يفسق ، أما إذا أقيمت عليه الحجة وسجد لغير الله سجود تحية فهو مرتكبا حراماً ، ولا يكفر حتى يستحله .
ولا يقال : أن السجود عندما حرم في شريعتنا أصبح كله عبادة لغير الله ، لهذا من سجد لغير الله سجود تحية يكفر ويعد من المشركين . فهذا لم يقل به أحد من العلماء .
جاء في تفسير الطبري عند تفسيره لقوله تعالى " وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً.."
" عن ابن جريج: وَخَرّوا لَهُ سُجّدا أبواه وإخوته, كانت تلك تـحيتهم كما تصنع ناس الـيوم. .... ثم قال قال ابن زيد فـي قوله: وَخَرّوا لَهُ سُجّدا قال: قال ذلك السجود تشرفه , كما سجدت الـملائكة لاَدم تشرفة لـيس بسجود عبـادة.
وإنـما عنى من ذكر بقوله: إن السجود كان تـحية بـينهم, أن ذلك كان منهم علـى الـخُـلُق لا علـى وجه العبـادة من بعضهم لبعض. ومـما يدلّ علـى أن ذلك لـم يزل من أخلاق الناس قديـما علـى غير وجه العبـادة من بعضهم لبعض, قول أعشى بنـي ثعلبة:
فَلَـمّا أتانا بُعَيْدَ الكَرَى سَجَدْنا لَهُ وَرَفَعْنا العَمَارَا " اهـ


قولك : فهذا معناه أنه في شريعة الإسلام السجود بكلا نوعيه لا يجوز صرفه إلا لله .



أقول : ما يصرف لله هو سجود العبادة ، وهذا الذي اختص الله به ، فلا يجوز صرفه لغيره في كل الشرائع ، فكل من سجد لله ، سجد سجود عبادة ، ولا يقال سجد لله سجود تحية كما يسجد البشر بعضهم لبعض تحية كعادة عندهم . فكل سجود لله عبادة . وهذا هو المختص به الله سبحانه والذي صرفه لغيره عبادة لهذا الغير .
أما سجود التحية فيختلف عن سجود العبادة ، فقد كان جائزاً في شرائع من قبلنا . ومن يفعله لشخص من الأشخاص بعد أن عرف بحرمته ، يعامل كما يعامل فاعل المعصية . ولا يعامل كما يعامل من يشرك بالله ويعبد غيره . ولا يأثم إذا فعله وهو لا يعرف حكمه . فإذا شاهدنا شخصاً يسجد لشخص ، لا نحكم عليه بالشرك حتى نعرف من نيته أو من القرائن المحيطة به أن سجوده هذا سجود عبادة ، وليس سجود تحية كعادة من العادات المتبعة في بلاده .
مثلاً : إذا شاهدنا شخصاً يسجد لشخص عادي ، فالترجيح أن يكون هذا السجود سجود تحية وليست عبادة .
وإذا شاهدنا شخصاً يسجد لصنم فالترجيح أن هذا السجود سجود عبادة . والقرائن مهمة في مثل هذه الحالات أكثر من النية والقصد . ما لم تكن القرائن محتملة ، ففي هذه الحالة يؤخذ بالقصد والنية .



قولك : وأنت تعلم أن الشرك هو صرف ما يختص به الله وحده إلى غيره .



أقول : نعم ، الشرك هو صرف ما يختص به الله وحده إلى غيره . وسجود التحية ليس مما يختص الله به وحده ، ولو كان كذلك ما أباحه في الشرائع السابقة .

قولك : فهل السجود في شريعة الإسلام مما يختص به الله وحده لا يشركه فيه أحد ؟



أقول : في شريعتنا حُرم سجود التحية لأجل سد طرق الشرك الأكبر ، وليس هو شرك أكبر كسجود العبادة . ولا يقال أن سجود التحية بتحريمه أصبح شركاً أكبراً ومن خصائص الله التي من صرفها لغيره يشرك بالله ويكفر . لأن من خصائص الله هو سجود العبادة .



قولك : إن قلت نعم ، فلا بد أن تقول إن صرف السجود لغير الله ، بغض النظر عن نية صاحبه ، هو شرك .



أقول : أنا لم أقل نعم ، فلا تلزمني بأقوالك . ولقد بينت لك المسألة .



قولك : " أم أنك تشترط النية في أفعال العبادة حتى تقول إنها عبادة ؟؟ "


أقول : أنا لم اشترط النية في الأفعال التي ليس لها إلا معنى واحداً ، وإنما أشترط النية والقصد في الأفعال التي لها أكثر من معنى . وقد بينت لك هذا سابقا .
ففعل السجود له أكثر من معنى ، لهذا يجب مراعاة النية والقصد والقرائن كما بينته سابقاً .


قولك : يعني من فعل السجود وهو ينوي غير العبادة ، لا نقول إنه أشرك ؟
ومن فعل نفس السجود وهو ينوي عبادة غير الله ، نقول إنه أشرك ؟
أجبنا من فضلك .




أقول : لقد أجبت على هذا بالتفصيل ، وهنا أقول لك بشكل مختصر : فعل السجود له أكثر من معنى ، لهذا يجب مراعاة النية والقصد والقرائن كما بينته سابقاً .
يتبع

صفوان 10-21-2017 02:44 PM

مسلم 1:

تكملة الرد على مشاركة رقم 39
بسم الله الرحمن الرحيم


قولك : يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في رسالته : كشف الشبهات :
ويقال أيضاً : إذا قال الله : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } [سورة الكوثر آية : 2] ، وأطعت الله ، ونحرت له ، هل هذا عبادة ؟ فلابد أن يقول : نعم ؛ فيقال له : فإذا ذبحت لمخلوق ، نبي أو ملك أو غيرهما ، هل أشركت في هذه العبادة ؟ فلا بد أن يقول : نعم ، إلا أن يكابر ويعاند . وكذلك السجود عبادة ، فلو سجد لغير الله لكان شركاً .
ومعلوم : أن الله - سبحانه وتعالى - ذكر في كتابه النهي عن دعاء غيره ، وتكاثرت نصوص القرآن على النهي عن ذلك ، أعظم مما ورد في النهي عن السجود لغير الله ، والذبح لغير الله .
فإذا كان من سجد لقبر نبي ، أو ملك ، أو عبد صالح ، لا يشك أحد في كفره ؛ وكذلك لو ذبح له القربان ، لم يشك أحد في كفره ؛ لأنه أشرك في عبادة الله غيره ؛ فيقال : السجود عبادة ، وذبح القربان عبادة ، والدعاء عبادة ؛ فما الفارق بين السجود والذبح ، وبين الدعاء ، إذ الكل عبادة ، والدعاء عبادة ؟ وما الدليل على أن السجود لغير الله ، والذبح لغير الله شرك أكبر ، والدعاء بما لا يقدر عليه إلا الله شرك أصغر ؟


أقول : الشيخ محمد بن عبد الوهاب يتكلم هنا عن سجود العبادة وليس عن سجود التحية . والدليل من قوله : "فإذا كان من سجد لقبر نبي ، أو ملك ، أو عبد صالح ، لا يشك أحد في كفره . "
فهو هنا يتحدث عن السجود للقبر والسجود لملك ، وهذه لا تكون إلا سجود عبادة . كالسجود للصنم أو للشمس أو للقمر .



قولك : " ملاحظة : أنا أتكلم عن السجود كأحد أنواع العبادة ، وليس المقصود بذلك حصر المسألة في السجود
فما يُقال في السجود وتحديد معنى العبادة فيه ، سيقال في جميع أنواع العبادة ، كما ذكر ذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ."



أقول : فعل السجود يختلف عن العبادات التي لا يفهم من فعلها إلا أنها عبادة . لهذا لا يقاس كل عمل على السجود . وقد بينت لك أن كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في سجود العبادة ولم يقصد من كلمة السجود سجود التحية .
وأتحداك أن تأتي بكلام له يقول فيه : أن سجود التحية لغير الله عبادة وشرك .


قولك : كيف يُعلم أن فلان سجد سجود عبادة ، وفلان سجد سجود تشريف ؟ ما الفرق بينهما والفعل واحد ؟ خاصة وأنه في شريعة الإسلام تمّ نسخ سجود التشريف ، وجُعل السجود بكلا نوعيه لله وحده ، لا يشركه فيه أحد .



أقول : لقد قلت لك سابقاً أن الأفعال المحتملة كالسجود ينظر عند الحكم على فاعلها للقرائن ونية الفاعل وقصده .
نعم ، الفعل واحد ، ولكن لأن الفعل له أكثر من معنى ، لا يحكم على فاعله بدون معرفة القرائن أو النية .
مثاله : فعل إزهاق الروح ( القتل ) ، هو فعل واحد ولكن لأن له أكثر من معنى ، ينظر للقرائن أو النية . فقد يكون قتلاًَ بالباطل وقد يكون جهاداً في سبيل الله .
وكذلك فعل الوطء . فقد يكون زناً وقد يكون مشروعاً وقد يكون عبادة لله .
أما عن نسخ جواز السجود لغير الله سجود تحية ، فهو كأي نسخن لأمر كان جائزاً فحرم . فمن يفعله بعد ذلك يكون مرتكباً لحرام كأي معصية من المعاصي ولا يقال أنه بفعله قد عبد غير الله وأشرك به .
أما عن قولك : " وجُعل السجود بكلا نوعيه لله وحده ، لا يشركه فيه أحد ." فقد أجبتك عنه سابقاً.



قولك : هل أفهم من كلامك أنك تشترط في أفعال العبادة أن تُعلم نية الفاعل حتى نحكم عليه بالشرك ؟
يعني من ذبح لغير الله ، وقال : باسم فلان .. وهو يقصد بذلك التشريف والتكريم ، لا العبادة .. هل تقول عنه لا أكفره حتى أعلم نيته ؟
ومن نذر لغير الله بنية التشريف ، هل تقول إنه يجب أن تعلم نيته أولاً حتى تحكم عليه بالشرك ؟




أقول : لا ، إذا فهمت من كلامي هذا فأنت لم تفهم كلامي .
أنا لم أشترط في كل الأفعال حتى تكون عبادة لغير الله نية الفاعل . أقرأ كلامي جيداً .
ما قلته هو : أن أي فعل من الأفعال حتى ولو كان ليس من أفعال العبادة إذا صرف لغير الله بنية العبادة يكفر صاحبه ، ويعد من المشركين .
فمثلاً : أكل التفاح مشروع . فمن فعله بنية العبادة لغير الله فقد أشرك . فمن عرف عنه ذلك ولم يكفره وحكم عليه بالتوحيد لأن أكل التفاح مشروع ، لم يفهم معنى الشهادة .. ولم يفهم أن العبادة كما تكون بالعمل تكون بالنية .



قولك :
يعني من ذبح لغير الله ، وقال : باسم فلان .. وهو يقصد بذلك التشريف والتكريم ، لا العبادة .. هل تقول عنه لا أكفره حتى أعلم نيته ؟


أقول : الذبح لغة : الشق .فأصل الذبح شق حلق الحيوانات .
ذبح العبادة : هو إراقة الدماء على وجه التقرب والتعظيم ، أما كلمة الذبح فقط ، فهي إراقة الدماء .
ويكون الذبح لغير الله شركاً أكبراً إذا ذبح لغير الله تقرباً وتعظيماً. ومعنى تقرباً : أي حتى ينفعه لجلب خير أو دفع شر ؛ فهدفه من وراء الذبح له أن ينفعه دنيوياً أو أخروياً ؛ أو يدفع شراً أو آفة عنه ، فأصبح يقصد القرب المعنوي .
وأما تعظيماً : فمعناه أن يقوم في قلبه عظمته ومكانته فيدفعه هذا التعظيم والإجلال إلى أن يذبح له .
ومن الشرك الأكبر الذبح مع ذكر غير اسم الله على الذبيحة مثل قوله : ( باسم الشعب أو باسم المليك أو باسم الأمة أو باسم المسيح ) أو يذكر اسم الله ويذكر معه غيره وهذا شرك أكبر . ولا تهم هنا النية لأن العمل لا يدل إلا على معنى واحد .



قولك : ومن نذر لغير الله بنية التشريف ، هل تقول إنه يجب أن تعلم نيته أولاً حتى تحكم عليه بالشرك ؟



أقول : النذر لغة : أن توجب على نفسك ما ليس بواجب .
اصطلاحاً : إلزام المكلف نفسه شيئاً ليس بواجب تعظيماً للمنذور له وتقرباً .
ويكون النذر شركاً إذا ألزم العبد نفسه شيئاً لغير الله تعظيماً . أي أدى ما في قلبه من إجلال واحترام لغير الله إلى أن ينذر له ، أو نذر لغير الله تقرباً وهو التماس الخير منه بهذا النذر .





قولك :
هل يمكنك أن تبيّن لي بعض الأفعال التي لا تفهم لغة إلا أنها عبادة ؟؟

أقول : لقد ضربت لك مثالاً على ذلك : إعطاء حق التحريم والتحليل لغير الله .
ولقد وصف رسول الله هذا العمل بأنه عبادة لغير الله في حديث عدي بن حاتم ، ولم يعذر جاهله ، لأن هذا من معاني العبادة والإله في لغة العرب .



قولك : هذه أمامك كلمة لا إله إلا الله .. أرني كيف تفهم منها لغة أن هناك بعض الأفعال لا تكون إلا عبادة .



أقول : معنى كلمة الإله كانت معروفة عند العرب لأنها من لغتهم ، ومن يعرف معنى هذه الكلمة يعرف خصائص من يوصف بها . ومن خصائص الإله : أن يعطى حق الطاعة المطلقة ، وأن يعطى حق الحكم المطلق ، وأن يعطى حق الدينونة المطلقة ، وأن يعطى حق التذلل المطلق ، وأن يعطى حق الخضوع المطلق
فإعطاء حق الطاعة المطلقة لغير الله شرك .
وإعطاء حق الحكم والتشريع المطلق لغير الله شرك .
وإعطاء حق الدينونة المطلقة لغير الله شرك .
وإعطاء حق التذلل المطلق لغير الله شرك .
وإعطاء حق الخضوع المطلق لغير الله شرك .
وكل هذا كان يفهمه العرب من كلمة التوحيد .



قولك : لقد عبّر الله - تعالى - عن العبادة في أكثر من موضع بأنها السجود ..
فقال : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } [الحج : 18]




أقول : السجود معناه في كلام العرب التذلل والخضوع ، قال الشاعر:
يجمع تضل البلق في حجراته ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
الأكم: الجبال الصغار. جعلها سجدا للحوافر لقهر الحوافر إياها وأنها لا تمتنع عليها. وعين ساجدة ، أي فاترة عن النظر ، وغايته وضع الوجه بالأرض .
فمعنى كلمة يسجد في الآية هو : يذل ويخضع لأمره وعظمته كل شيء طوعاً وكرهاً . لذلك هو المستحق للعبادة وحده .
وليس معنى الآية أن كل سجود فهو عبادة .




قولك : جاء في [الدرر السنية : 3/307]:
وفي الحديث: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد " لأن حال السجود غاية في العبودية والخضوع
وقال ابن القيم - رحمه الله - في مدارج السالكين
فنهى عن السجود لغير الله تعالى ، فقال : " لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد " ، وأنكر على معاذ لما سجد له ، وقال : " مه ! " ؛ فتحريم هذا معلوم من دينه بالضرورة ، وتجويز من جوزه لغير الله ، مراغمة لله ولرسوله ، وهو من أبلغ أنواع العبودية ، فإذا جوز هذا المشرك هذا النوع للبشر ، فقد جوز عبودية غير الله
: فنهى عن السجود لغير الله تعالى ، فقال : " لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد " ، وأنكر على معاذ لما سجد له ، وقال : " مه ! " ؛ فتحريم هذا معلوم من دينه بالضرورة ، وتجويز من جوزه لغير الله ، مراغمة لله ولرسوله ، وهو من أبلغ أنواع العبودية ، فإذا جوز هذا المشرك هذا النوع للبشر ، فقد جوز عبودية غير الله





أقول : هنا يُتحدث عن سجود العبادة وليس عن سجود التحية ، لأنه كما قلنا : كل سجود لله فهو سجود عبادة . ولا يعني هذا أن كل سجود لغيره عبادة .

قولك : فالسجود تتفق الفطر كلها أنه أعظم أنواع العبودية والخضوع ، لذلك فإن الله - عز وجل - عندما يصف عبودية الخلق له ، لا يصفهم إلا بالسجود .. وهذا يدل على أن السجود هو أعظم الخضوع والذل والعبودية لله .



أقول : لقد بينت أن المعنى اللغوي للسجود هو : التذلل والخضوع ، فإذا كان بنية العبادة لا شك أنه
سيكون من أعظم العبادات . وليس كل تذلل وخضوع عبادة .


قولك : وهذه آيات:
- وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ [الرعد : 15]
- وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ [النحل : 49]



أقول : معنى السجود في الآيات هذه هو المعنى اللغوي له وهو التذلل والخضوع .

- وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً [الفرقان : 60]
- وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [فصلت : 37]



أقول : السجود في هاتين الآيتين هو سجود العبادة وليس سجود التحية ، لأن السجود لله هو سجود عبادة ، والمشركون كانوا يسجدون للشمس والقمر سجود عبادة وليس سجود تحية .


قولك : انظر كيف يعبّر الله - تعالى - عن العبودية بـ السجود .



أقول : ليس كل سجود عبادة ، بل هناك سجود عبادة وسجود تحية . ولو كان كل سجود عبادة ويعبر عن العبودية لما أجازه الله في شريعة من كان قبلنا .

قولك : وابن القيم - رحمه الله - يقول إنه من المعلوم بالضرورة من دين المسلمين تحريم السجود لغير الله ، وأن من جوّزه فقد جوز عبودية غير الله .



أقول : ابن القيم كان يتكلم عن سجود العبادة . ولقد حُرم سجود التحية حتى لا يؤدي لسجود العبادة .


قولك : هذه المعاني كلها معلومة لغة وعقلاً ، ونحن لا نتكلم الآن عن المعنى الشرعي
المعنى اللغوي والعقلي للسجود هو : غاية الذل والخضوع والاستكانة للمسجود له .. لذلك وصف الله - تعالى - قهره لعباده بأنهم : يسجدون له
.



أقول : ليس المعنى اللغوي للسجود : هو غاية الذل والخضوع والاستكانة للمسجود له " كما ذكرته أنت .
المعنى اللغوي للسجود كما بينته سابقاًً وهو : التذلل والخضوع ، قال الشاعر:
يجمع تضل البلق في حجراته ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
الأكم: الجبال الصغار. جعلها سجدا للحوافر لقهر الحوافر إياها وأنها لا تمتنع عليها. وعين ساجدة ، أي فاترة عن النظر ، وغايته وضع الوجه بالأرض .
فلا يوجد في تعريف كلمة السجود ، كلمة " غاية " وتضاف كلمة غاية لتعريف سجود العبادة ، وليس لكل سجود . فهناك سجود تحية وسجود عادة وليس معناها : غاية الذل والخضوع والاستكانة للمسجود له .




قولك : فالسؤال الذي أطرحه عليك مجدداً بعد كل هذا هو :
كيف تفهم من مجرد كلمة " لا إله إلا الله " لغة وعقلاً أن هناك فعل هو بمجرده عبادة ، وأن من فعله يكفر بغض النظر عن نيّة فاعله ؟؟




أقول : لقد أجبتك على هذا السؤال سابقا . فارجع له .

قولك : إذا كان حال السجود عندك هو بالنظر إلى نية فاعله ، وهو غاية العبودية والذل للمسجود .. فأي فعل من أفعال العبادة غير السجود يُفهم لغة وعقلاً أنه عبادة محضة ؟؟
هل لك أن توضح لنا وتشرح لنا ؟



أقول : لقد أجبت على هذا السؤال سابقا . فارجع له .

قولك : كيف لا يكون إلا سجود عبادة ؟

أقول : من القرائن . فكل من كان يسجد للشمس والقمر كان يسجد سجود عبادة لأن الشمس والقمر كانا يعبدان من دون الله .


قولك : ما رأيك فيمن يقول : أنا أسجد للشمس تشريفاً لمخلوقات الله .. والشمس من أعظم مخلوقات الله ، فعند تشريفها فهو بذلك يشرّف الله تعالى ويشكره .
فقال : الله - عز وجل - يقول : { والشمس وضحاها } .. قال : فها هو الله تعالى يشرّف الشمس بقسمه بها ، وتشريفه لمخلوقاته إنما هو تشريف لنفسه ، لأنه هو خالقها
فمن سجد للشمس بهذه النية ، هل تقول عنه مشرك وهو يقصد التشريف الذي يؤدي إلى تشريف الله ؟
ومن لم يكفّره بسبب هذه النية ، هل تقول عنه إنه لا يكفر المشركين ، ولا يعلم معنى لا إله إلا الله ؟




أقول : ينظر للقرائن . على فرض محال : إن كان يعيش في مجتمع لا يعبد الشمس والقمر ويقدمون لها سجود تحية كما يقدمونها لبعضهم البعض على سبيل العادة . ومن عادتهم تقديم التحية للجمادات كتحية فقط دون تذلل وخضوع واعتقاد النفع والضر ، وكان لا يعلم بأمر الله بعدم السجود لها ، فلا يكفر ولا يكفر من لا يكفره . ولكن أين حدث هذا في الواقع ؟



قولك : وهل ترى فرقاً بين السجود لقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - تشريفاً له ، وبين السجود لمنبره أو لبيته أو لأي من آثاره تشريفاً له ؟؟
وما وجه التفريق ؟
وما وجه التفريق بين السجود لصنم معمول على هيئة رجل صالح ، تشريفاً لهذا الرجل الصالح ، وبين السجود لقبره تشريفاً له ؟؟




أقول : الظاهر والراجح في السجود للأموات والجمادات سجود العبادة .
ولكن ممكن أن نقول : إذا ادعى أنه سجد سجود تحية وليس سجود عبادة وكان في مجتمع يؤدي سجود التحية للجمادات والأموات كما يؤديها الأحياء لبعضهم البعض كعادة أو تحية مثلا ً ، فلا يكفر حتى تقام عليه الحجة ويفهم الحكم .



قولك : ثم في النهاية ، من يعذر الساجد للقبر أو الصنم بالتأويل ، بأنه سجد تشريفاً لا عبادة ، هل هو معذور عندك بالاجتهاد ؟ أم أنه لا يعرف معنى لا إله إلا الله ؟؟



أقول : من عذر من سجد للقبر ، قبل أن نحكم عليه لا بد من سماع قوله وحجته . لأن الأمر يحتمل. فهناك سجود عبادة وسجود تحية كما قلنا سابقاً . ولا يقال : أنه لا يعرف معنى لا إله إلا الله ، قبل سماع قوله وتأويله.
أما من سجد للصنم فسجوده سجود عبادة لا غير ، لأن الصنم محل عبادة ولا يسجد له إلا من يريد عبادته. ولم يوضع هذا الصنم إلا للعبادة ، فهو رمز للعبادة ليس إلا . وهم الذين صنعوه بأيديهم كرمز ليعبدوه . لهذا كان العرب يصنعون الأصنام من تمر ليعبدونها فعندما يجوعون يأكلونها . فمن عرف أن هذا الصنم هو محل عبادة ، وعذر من سجد له وحكم عليه بالإسلام والتوحيد يكفر ولا يعذر بالاجتهاد ولا بالتأويل . وهو ممن لا يعرف معنى كلمة الشهادة لأن العرب عندما خوطبت بكلمة الشهادة عرفت من لغتها أنه يجب عليها ترك عبادة الأصنام .



قولك : هل لك أن تبيّن لي كيف يعطي حق التحليل والتحريم لغير الله بحيث يكون هذا عبادة ، وفعله شرك أكبر ، ولا يعذر صاحبه بجهل أو تأويل ؟ ولو أنك تضرب مثالاً في ذلك أكن لك شاكراً .



أقول : من خصائص الألوهية حق التحليل والتحريم ، فمن ادعى هذه الخاصية لنفسه ولو في مسألة واحدة فقد ادعى الألوهية ، ومن أطاعه في ذلك فقد عبده .
وهذا معنى قول فرعون : " مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي " فهو لم يطلب منهم أن يصلوا له أو يصوموا له أو يوأدوا له القرابين ، فهو نفسه كان له إله يعبده ويؤدي له القرابين . وإنما قصد من قوله " مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي " أي أنه هو الوحيد الذي له حق الحكم والطاعة المطلقة عليهم . لهذا لما آمن السحرة بفرعون قال لهم " آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ " .
وكون العرب يعرفون معنى العبادة والإله ، كانوا يعرفون أن إعطاء حق الحكم المطلق وحق التحليل والتحريم لغير الله عبادة .
مثاله : شخص يعرف أن الزنا حرام في دين الله فجاء شخص وقال الزنا حلال وهو يعرف أن الله حرمها ، فأطاعه في تحليل الزنا فقد عبده .
أو شخص أدعى أن له حق التحليل والتحريم المطلق وحق الطاعة المطلقة ، فأطاعه . فقد عبده . فهذا الطاعة لا توصف إلا بأنها عبادة لغير الله ، وإعطاء حق الإلوهية لغير الله .
قال تعالى : " وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ "
وقال تعالى : " اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ " وتفسير الرسول صلى الله لها لعدي بن حاتم .



قولك :
ما أفهمه من كلامك هو التالي
1- الأئمة والعلماء الذين اعتقدوا أن السجود لغير الله بكلا نوعيه عبادة ، يجب عليهم تكفير معاذ بن جبل - رضي الله عنه - وإخراجه من الإسلام لحظة سجوده للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإن لم يفعلوا ذلك فهم كفار .




أقول : من أعتقد أن سجود معاذ رضي الله عنه لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان عبادة لغير الله فيجب عليه أن يحكم على معاذ بالشرك ويخرجه من الإسلام حتى يتوب من فعله وإن لم يحكم عليه بالشرك وعذره بالجهل وحكم عليه بالإسلام والتوحيد ولم يخرجه بعمله هذا من الإسلام ، فإنه لا يعرف ما هو التوحيد وما هو الشرك . وكيف يدخل العبد الإسلام .
هذا ، ولم يقل أحد من العلماء المعتبرين أن سجود معاذ رضي الله عنه كان سجود عبادة .




قولك : 2-
إن اعتقد فلان أن السجود بكلا نوعيه عبادة لله في شريعة الإسلام (وهو كذلك بنص حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -) ، ولكنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أعذر معاذاً بالتأويل أو الجهل ، وهو قد فعل الشيء نفسه مع كل من يسجد لغير الله سجود تشريف ، مع اعتقاده أنه عبادة .. فهو كافر ، وغير معذور بنيته اتباع أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - .



أقول : لو عرف ما هو الشرك وما هو التوحيد لما اعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيعذر معاذ بجهله . وقد أقام عليه الحجة من أول يوم بعث به . وكيف يجوز للرسول عليه الصلاة والسلام أن لا يعذر المشركين بالجهل ويحكم عليهم بالشرك قبل أن يبلغهم ، ثم بعد ذلك يعذر بالشرك من بلغه وأقام عليه الحجة وأرسله ليبلغ التوحيد ويجادل فيه أهل الكتاب . ؟!!
من يعتقد شيئا يجب عليه أن يعمل بحسب هذا الاعتقاد . فمن أعتقد أن تارك الصلاة كافر يجب عليه أن يكفر كل تارك للصلاة ، ولا يجوز له أن يحكم على تارك الصلاة بالإسلام ، لأن هناك من الأئمة من حكم عليه بالإسلام ، وهو يعتقد أن تارك الصلاة كافر . لأن من أعتقد كفر شخص يجب أن يكفره وإذا لم يكفره فقد ناقض اعتقاده وحكم بإسلام من يعتقد أنه كافر .
فمن اعتقد أن من سجد لغير الله ، أي سجود ، فقد عبد غير الله ، ثم لم يحكم عليه بالشرك وحكم عليه بالإسلام والتوحيد ، فهذا لم يفهم أن التوحيد لا يجتمع مع الشرك ، ومن لم يفهم هذا لم يفهم كلمة التوحيد .



قولك : ثم أنت تتناقض هنا تناقضاً صارخاً ، فتارة تقول :
( وإذا حكم على من سجد لغير الله -أي نوع من أنواع السجود - بالإسلام والتوحيد فإنه قد خالف معتقده وأجاز عبادة غير الله )
هل من يقول : إن السجود لغير الله شرك أكبر ، ولكن أعذر صاحبه بالجهل .. هل هو أجاز عبادة غير الله ؟!! سبحان الله .
من أجاز عبادة غير الله يقول : إن السجود لغير الله جائز ، ويراه جائزاً لا شركاً وكفراً .




أقول : التناقض الصارخ في فهمك لكلامي يا أبا شعيب وليس في كلامي .
أوضح : من أعتقد أن من سجد لغير الله ، أي سجود ، قد عبد غير الله ، ثم لم يحكم عليه بالشرك وحكم عليه بالإسلام والتوحيد ، فهذا لم يفهم أن التوحيد لا يجتمع مع الشرك ، ومن لم يفهم هذا لم يفهم كلمة التوحيد . هذه واحدة .
والثانية : وعدم فهمه للتوحيد ، سيجعله يجيز وجود الشرك مع التوحيد في قلب رجل واحد ، ويظل هذا الشخص موحداً عنده . أليس مثل هذا الشخص قد أجاز وجود عبادة غير الله في قلب الموحد ؟ ولو أنه لم يجز لما حكم بتوحيده وإسلامه .
إجازته الشرك ليس بمعنى جعله حلالاً كما فهمت يا أبا شعيب ،وإنما بمعنى انه أجاز وجوده في قلب الموحد ، لهذا حكم بإسلامه وتوحيده .
فلو سألناه : هل يجوز في ديننا أن يجتمع التوحيد والشرك الأكبر في قلب رجل واحد ؟
لا بد أن يجيب : نعم .
وهذا هو قصدي من أنه أجاز عبادة غير الله . أي أجاز لها أن تجتمع مع التوحيد مثل أي معصية من المعاصي .
بعد هذا التوضيح أين التناقض الصارخ الآن .


قولك : هل السجود الذي فعله معاذ هو مما يختص الله تعالى به في شريعتنا أم لا ؟؟



أقول : الجواب ، لا . وقد بينته لك سابقاً .

قولك : إن قلت نعم ، فما تسمي من صرف شيئاً مما يختص الله تعالى به إلى غير الله ؟؟ هل تسميه موحداً ؟؟



أقول : بما أنك بنيت كلامك على إجابة خاطئة فلا تستطيع أن تلزمني به .


قولك : أما تأويلهم لقصة معاذ ، فهم يقولون إنه كان جاهلاً في مسألة جزئية ، وهو معذور بالجهل أو التأويل .



أقول : هذا التأويل باطل ، ولا يقول به من يفهم التوحيد .
وهل عبادة غير الله مسألة جزئية ؟


قولك : لا ، لم يفهموا كما فهمت أنت
قالوا : إن الله - عز وجل - في الشرائع السابقة جعل نوعاً من السجود جائزاً لغيره ، ونوعاً لا يجوز إلا له .
ولكن بعدما جاء الإسلام ، جعل كلا النوعين له وحده ، لا يشاركه فيهما أحد .
فلذلك قالوا إنه بذلك يكون عبادة لله ، ومن صرفها لغير الله فهو مشرك



أقول : أسألهم : هذا النوع الذي أجازه الله هل هو سجود عبادة أم لا ؟
فإذا قالوا سجود عبادة .فسنقول لهم كيف يجيز الله عبادة غيره ؟
وإذا قالوا: لا ، ليس سجود عبادة . فنقول لهم إذن لماذا وكيف حكمتم أنه أصبح سجود عبادة ؟
هل عندكم دليل أنه أصبح عبادة ؟ هل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عبادة ؟ ( طبعاً نحن نتحدث عن سجود التحية )
هل لأن الله حرمه يصبح عبادة ؟
وهل هناك عمل من الأعمال لم يكن خاصاً لله في شرعه ثم خصصه لنفسه بعد ذلك ؟



قولك : وممن صرّح بذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ، وقال إنه لا يخالف فيه أحد .



أقول : وأين من كلام محمد بن عبد الوهاب أن سجود التحية أصبح سجود عبادة . ؟
أم تراك تقصد ما نقلته عنه هنا ؟ إذا كنت تقصد هذا فقد بينت لك أنه كان يقصد سجود العبادة . فهل عندك كلام آخر له يقول فيه أن سجود التحية أصبح سجود عبادة لا يجوز صرفه لغير لله . ؟ أم أنك كلما ذَكر السجود لغير الله ، ظننته يقصد القسمين ؟


قولك : هم يأولون الحديث ويقولون إن تأويله هو : لو كان السجود جائزاً في شريعتنا ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ..
ولكن بما أن السجود صار حقاً خالصاً لله تعالى في شريعتنا ، فهو عبادة في كل أحواله .



أقول : وما علاقة عدم جوازه بجعله عبادة خاصة لله ؟
وهل كل ما لا يجيزه الله يصبح عبادة له ؟
وهل هناك فعلا كان جائزاً - غير السجود- ثم أصبح حقاً خالصاً لله ؟

صفوان 10-24-2017 03:02 PM

أبو شعيب :

بسم الله الرحمن الرحيم ،

كلامك في سجود التحية وسجود العبادة أتفق معك فيه في مجمله ، إلا في بعض مواضع سنتحاور فيها في مسألتنا الثانية عن الشرك والعبادة ، إن شاء الله .

أما الزيادة التي تدعي أنني زدتها وتقولتها على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فهي مذكورة في فتاوى ابن تيمية - رحمه الله - .. وقد ذكرها ابن حجر العسقلاني أيضاً في كتابه الكافي الشافي ، صفحة 48 عن الحسن البصري أن رجلا قال : يا رسول الله ، نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض ، أفلا نسجد لك ؟ قال : لا ينبغي السجود لأحد من دون الله ، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله .

وجاء في مصنف ابن عبدالرزاق رواية تشهد لهذه الرواية :

أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن عوف بن القاسم أو القاسم بن عوف - أن معاذ بن جبل ، لما قدم الشام رأى النصارى تسجد لبطارقتها ، وأساقفتها ، فلما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إني رأيت النصارى تسجد لبطارقتها ، وأساقفتها ، وأنت كنت أحق أن نسجد لك ، فقال : " لو كنت آمرا شيئا أن يسجد لشيء دون الله ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، ولن تؤدي امرأة حق زوجها ، حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه نفسها "

وفي دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني :

حدثنا مطلب بن زياد قال : ثنا عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة ، عن حكيمة ، عن يعلى بن مرة قال : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً فجاء بعير يرغو حتى سجد له فقال المسلمون : نحن أحق أن نسجد للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله تعالى لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها تدرون ما يقول هذا ؟ زعم أنه خدم مواليه أربعين سنة حتى إذا كبر نقصوا من علفه وزادوا في عمله حتى إذا كان لهم عرس أخذوا الشفار لينحروه فأرسل إلى مواليه فقص عليهم قالوا : صدق والله يا رسول الله قال : إني أحب أن تدعوه لي فتركوه *

ومن مجموع هذه الأحاديث يُفهم أن السجود بذاته لا يصح إلا لله تعالى في شريعتنا .

على أيّة حال .. ليس حوارنا في هذا الآن ، وقد اتفقت معك على التفريق بين سجود التحية وسجود العبادة ، وجزاك الله خيراً على التوضيح .

تبقى بضعة مسائل متفرقة ذكرتها أنت في هذا الصدد سآتي عليها في حورانا في المسألة الثانية ، إن شاء الله تعالى .

وهناك بعض المسائل مما يتعلق بمسألتنا هنا سأذكرها في هذا الموضوع بإذن الله .

صفوان 10-24-2017 03:06 PM

أبو شعيب :

هذه مسألة هامة جداً من مشاركة رقم #42 تتعلق بموضوعنا هنا ، وهو تكفير المشركين .. وأرى فيها ملخص لكل الحوار .

ولا يعني هذا أنني لن أرد عليك في مشاركاتك السابقة ، لكنني أطلب منك فقط أن تصبر عليّ حتى ننتهي من هذه المسألة التي سيتوضح بها الكثير من الأمور وتتكشف من جرائها الكثير من الإشكالات ، إن شاء الله .


تقول :

[-- أوضح : من أعتقد أن من سجد لغير الله ، أي سجود ، قد عبد غير الله ، ثم لم يحكم عليه بالشرك وحكم عليه بالإسلام والتوحيد ، فهذا لم يفهم أن التوحيد لا يجتمع مع الشرك ، ومن لم يفهم هذا لم يفهم كلمة التوحيد . هذه واحدة .
والثانية : وعدم فهمه للتوحيد ، سيجعله يجيز وجود الشرك مع التوحيد في قلب رجل واحد ، ويظل هذا الشخص موحداً عنده . أليس مثل هذا الشخص قد أجاز وجود عبادة غير الله في قلب الموحد ؟ ولو أنه لم يجز لما حكم بتوحيده وإسلامه .
إجازته الشرك ليس بمعنى جعله حلالاً كما فهمت يا أبا شعيب ،وإنما بمعنى انه أجاز وجوده في قلب الموحد ، لهذا حكم بإسلامه وتوحيده .
فلو سألناه : هل يجوز في ديننا أن يجتمع التوحيد والشرك الأكبر في قلب رجل واحد ؟
لا بد أن يجيب : نعم .
وهذا هو قصدي من أنه أجاز عبادة غير الله . أي أجاز لها أن تجتمع مع التوحيد مثل أي معصية من المعاصي .
بعد هذا التوضيح أين التناقض الصارخ الآن . --]


الإجازة نوعان :

إجازة شرعية ، وهو ما يرضاه الله تعالى .. وفي هذه الحال من قال : يجوز شرعاً اجتماع معصية وطاعة في قلب إنسان ، فهو كافر .. لأن الله تعالى لا يرضى المعاصي .

وإجازة عقلية ، ولا يُشترط أن يرضاه الله .. كأن يقول : يجوز للمرأة عقلاً أن تصلي وهي حائض ، لكن فعلها حرام .

فمن قال يجوز اجتماع الشرك والتوحيد في قلب امرئ .. إجازة عقلية لا شرعية .. فما وجه تكفيره ؟

تسألني :
[-- فلو سألناه : هل يجوز في ديننا أن يجتمع التوحيد والشرك الأكبر في قلب رجل واحد ؟
لا بد أن يجيب : نعم . --]


إجازة عقلية ؟ .. نعم .. كقوله تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ } [يوسف : 106]

فهنا أثبت الله لهم إيماناً .. وأثبت لهم شركاً .. هذا في وصف معتقدهم .. لا كحكم شرعي عليهم .

وقوله تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت : 65]

فهنا اجتمع الإخلاص والشرك .. هذا عقلاً .. أما شرعاً فهم كفار مشركون في كلتا الحالتين .

وأسألك في هذا الصدد ..

الذي يقول بهذا القول ، هل تحكم عليه بالكفر (الذي بمعنى الجحود) أو الشرك (الذي بمعنى عبادة غير الله) ؟

وهل ترى الجهل بالتوحيد يستلزم عبادة غير الله ؟؟ كقوله تعالى : { قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ } [الزمر : 64]

وكقوله : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [الأعراف : 138]

أم أنه لا يستلزم ؟

--------

الآن ، نأتي إلى الحكم الشرعي على فاعل الشرك ، وهو أكثر ما تكلمنا فيه في هذا الموضوع .

نحن الآن عندنا رجل عنده توحيد وعنده شرك ، عنده إيمان وعنده كفر .

جاء رجل آخر ليحكم عليه فقال :

فلان بفعله الشركي هو مشرك بالله في حدود هذا الفعل .. كما قال تعالى : { من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري ، تركته وشركه } .

وهو بفعل التوحيد ، موحد لله في حدود فعله التوحيدي .. كما قال تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت : 65]

يعني : سماه مشركاً لشركه .. وموحداً لتوحيده .

وهذا جائز عقلاً حتى الآن بعد تجزئة المسائل .

أنت تقول إذا علم معنى لا إله إلا الله ، يجب أن يعلم الشرك والتوحيد ومقتضيات كل منهما وما إلى ذلك .. وخلافي معك في ذلك بان واتضح .

ولكنني سأتنازل جدلاً عن خلافي الآن ، وأقرّك على فهمك لكلمة التوحيد .

الآن : هذا الذي فهم الشرك .. هل حكم على هذا الشخص بالشرك ؟ .. الجواب نعم

وهل عند هذا الشخص توحيد ؟ .. الجواب : نعم .

هل يُعلم هذا التوحيد من كلمة الإخلاص ؟ .. الجواب : نعم .

هل هذا الشخص موحد لله تعالى فيما وحّد الله فيه ؟ .. الجواب نعم .

هل ينفعه توحيده بعد أن أشرك بالله ؟ .. الجواب : لا

والسؤال الأخير وجوابه هو مما تحقق عندي من علم ، ولا ألزمه كل امرئ أن يعلمه حتى يدخل الإسلام .

ستقول لي كيف ؟

أقول لك إن عائشة - رضي الله عنها - سألت عن ابن جدعان وعباداته التي كان يقوم بها في الجاهلية ، كوصل الرحم والصدقة ، فسألت إن كان هذا ينفعه ، فأجابها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا ينفعه ما دام كافراً .

والآن أسألك :

هذا الرجل الذي يقول عن المشرك إن عنده شرك وتوحيد .. ويقول : هو مشرك بشركه في شركه ، موحد بتوحيده في توحيده .

عرف الشرك وسمى صاحبه مشركاً .. وعرف التوحيد وسمى صاحبه موحداً .

والآن : ماذا تطب منه بعد ذلك ؟ .. أن يُخرجه من الإسلام ؟

أسألك : ما معنى إخراجه من الإسلام ؟

هل يعني : حبوط عمله وإيجاب الخلود في النار عليه ؟

وما معنى معرفة أن الشرك ينقض التوحيد ؟

هل يعني : معرفة أن الشرك ينقض ثواب التوحيد ؟ أم غير ذلك ؟

إن قلت غير ذلك ، وجعلت نقض الشرك للتوحيد هو في غير الثواب ولكن في أصل العمل ، فهل الشرك في مسألة ، ينقض التوحيد في مسألة أخرى ؟ .. هذا لا يمكن عقلاً ولا لغة ، بل ولا شرعاً .

فلا يمكن أن نقول إن الذي لا يدعو إلا الله تعالى ، ولكنه مشرك في التحاكم .. لا يمكن أن نقول هو مشرك بالدعاء بسبب شركه في التحاكم .

نعم ، نسميه مشركاً وكافراً لحبوط عمله وانتقاض ثوابه ، لكن الحقيقة باقية أنه عنده بعض توحيد وبعض إيمان لا ينفعه بسبب شركه .

لذلك يدلل الله تعالى على كفر وشرك الأفعال بحبوط العمل في أكثر من موضع ، كقوله : { وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأعراف : 147]

وقوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [محمد : 9]

وقوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [محمد : 28]

وقوله : { ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأنعام : 88]

والآيات في ذلك كثيرة .

فهل لك أن توضح لنا هذه المسائل مشكوراً ؟

صفوان 10-24-2017 03:22 PM

مسلم 1 :

تكملة الرد على المشاركة رقم 17
بسم الله الرحمن الرحيم


قولك : أما قولك : وأن من لا يفهمها هكذا كما فهمته أنت هنا لا يفهم هذه الكلمة ؟
من فهم عموم المسألة وقال : إن من أشرك بالله فهو كافر .. فقد اكتفى ، ويبقى عندئذ إنزال هذا الحكم على الواقع .


أقول : قلنا أن الحكم بالكفر على من أشرك بالله ( بمعنى تسميته بالكافر ) ، ليس شرطاً في دخول الدين وإنما يكفي أن يعرف أن من لم يترك الشرك مشرك ليس في دين التوحيد . وأنت قبلت بذلك. وقولنا : أنه يحكم على من لم يترك الشرك بأنه ليس في دين الله ، هو حكم على الشخص بذاته وليس على فعله فقط . فلا حاجة له بعد ذلك أن يبحث في إنزال الحكم على الواقع ، بمعنى تحقيق شروط وانتفاء موانع وهو دخل الإسلام جديد ، فهو يعرف حق المعرفة أن من فعل الشرك ولم يتركه ، على غير دينه وعلى غير دين الله ، كشخص معين وليس بفعله فقط ، فعندما يرى من يفعل الشرك الأكبر الذي تركه هو ، ليدخل دين الله ، فلا يتردد في إنزال الحكم عليه كشخص معين ويحكم عليه بأنه مشرك غير موحد وأنه في غير دين الله . ولا يحتاج للحكم على ذاته ليبحث بتحقق الشروط وانتفاء موانع وهو يعلم علم اليقين أنه يفعل الشرك الأكبر .
أنا أعرف أنك تقصد هنا من قولك " من أشرك بالله فهو كافر " أنك تقصد أنه كافر بفعله وليس بشخصه وذاته لهذا بعد ذلك قلتَ " ويبقى عندئذ إنزال هذا الحكم على الواقع "
ولقد أثبت لك أن هذا الكلام غير صحيح . فلو اعتقد من دخل الإسلام جديد ، كما تعتقده أنت ، بأن الحكم بكفر المشرك ليس حكماً على ذاته وعينه كيف سيتصرف حيال أشخاص وأعيان من كان قبل دخوله الإسلام في دينهم الشركي ، وكيف سيتصرف حيال الأشخاص الذي يراهم يشركون في الله ويعبدون غيره ؟ هل كما تقول أنت ، يكفيه أن يعتقد أنهم على ضلال في فعلهم ، ثم لا يضره لو حكم عليهم بالإسلام لأن عندهم بعض مظاهر التوحيد والإسلام ، وينتظر حتى يتعلم كيف يقيم عليهم الحجة إقامة تامة واضحة لا لبس فيها ، ويتحقق من شروط تكفيرهم وموانعه ، وقد لا يتعلم ذلك فيبقى يحكم بإسلامهم لوجود بعض مظاهر التوحيد والإسلام عندهم.


قولك : فمن أخطأ وقال : إن من فعل الشرك هو مشرك بفعله وفي فعله ، لكن يلزم أولاً قيام الحجة عليه حتى نخرجه من الإسلام .. فأخطأ في قياس الشرك على الكفر ، وغفل عن بعض المعاني المتعلقة بالمسألة ، وقصر فهمه عن تصور المسألة جيداً .. فهذا لا يكفر ولا يأثم حتى تقام عليه الحجة وتبيّن له .

أقول : الموحد الذي حقق التوحيد عن علم ، لا يجهل الشرك ولا من فعل الشرك الأكبر ، لأنه قبل أن يدخل التوحيد عَلم أو عُلَّم ذلك . لهذا سوف لا يخطئ في قياس الشرك على الكفر . فهو يعرف أن من أشرك بالله وعبد غيره بأي عمل ولو كان بسيطاًً ، لا يستطيع وهو على هذا الحال - بدون ترك شركه - أن يدخل الإسلام ودين التوحيد .
ثم ما هي هذه المعاني المتعلقة في فعل الشرك وفاعله ، التي غفل عنها ؟
وما هذا القصور التي منعه من تصور وفهم المسألة جيداً ؟
وما هذه الحجة التي تريد أن تقيمها عليه وتبينها له ؟ وهو يعد نفسه من علماء التوحيد ومن دعاته ؟
يا رجل ، أبسط موحد عرف كيف دخل التوحيد ، لا تستطيع أن تقنعه أن فاعل الشرك موحد . وسيسخر منك لذلك ويحكم عليك بأنك لم تعرف التوحيد . هذا حال أبسط موحد . فكيف نعذر من وصفتهم بأنهم علماء مجاهدين أتقياء ، في جهل هذه المسألة ؟
ولو قلتَ : لأبسط موحد عرف كيف يدخل التوحيد ودين الله ، أن فاعل الشرك مشرك بفعله وليس بشخصه وعينه ، بل شخصه وذاته تظل على التوحيد والإسلام ، ما دام عنده مظاهر من مظاهر التوحيد والإسلام ، لا أظن هذا الموحد البسيط أن يتردد بأن يحكم عليك بأنك لم تفهم التوحيد والشرك وأنك لم تعرف كيف يدخل الشخص بعينه وذاته الإسلام . ولا أظنه إلا أن يقول لك ساخراً : يعني أنا قبل دخولي الإسلام كنت مسلماً موحداً بعيني وشخصي ، مع فعلي الشرك الأكبر ، لأنه كان عندي بعض مظاهر التوحيد والإسلام وأن ضلالي كان فقط في فعلي وليس بشخصي ؟!!!


قولك :
أو قال : هو مشرك بفعله .. موحد بباقي ما عنده من توحيد .. ثم أخطأ في الترجيح فيما يغلب على الفاعل من حكم ، لاعتباره الجهل عذراً يمنع من ترجيح الشرك على التوحيد ، بسبب قياسه الفاسد للشرك على الكفر .. خاصة إن كان الشرك طارئاً على التوحيد عند المنتسب لللإسلام وليس أصلاً ، فهذا أيضاً لا يكفر


أقول : يا رجل ، لا زلت تكرر تعبير " مشرك بفعله .. موحد بباقي ما عنده من توحيد " هل يقول هذا الكلام من يعرف الشرك ومن يعرف التوحيد ؟
من يعرف التوحيد يعرف أنه لا يجتمع مع الشرك . ومن يعرف الشرك يعرف أنه لا يُبقي توحيد ولا عمل .
ثم هل عذره أحد من المسلمين وحكم عليه بالإسلام وهو كان يفعل الشرك الأكبر وعنده من مظاهر التوحيد والإسلام الكثير ؟
ماذا سيقول النصراني واليهودي عن مثل هذا الذي يعذر فاعل الشرك المنتسب للإٍسلام ولا يعذر فاعل الشرك الذي ينتسب لدين الأنبياء . ؟
ألا يقول له ما هذا التناقض الصارخ ؟ وما هذه المقاييس المزدوجة ؟ هل دين الله الذي تنتسب إليه يقول هذا ويحكم بهذا ؟ إذا كان يقول هذا ويحكم بهذا فهو ليس دين الله الحق ، لأن دين الله الحق لا يحوي تناقضات وأقيسه مزدوجة .



قولك : خاصة إن كان الشرك طارئاً على التوحيد عند المنتسب لللإسلام وليس أصلاً .


أقول : يا رجل ، وهل يوجد على وجه الأرض مشرك ، الشرك عليه ليس بطارئ ؟
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " وفي رواية يشركانه . "
ثم ألا ينتسب النصارى واليهود للتوحيد والإسلام ؟
لماذا لا تقول فيهم كما قلت في من ينتسب لدين محمد صلى الله عليه وسلم ؟
أم أنَّ الانتساب لدين محمد صلى الله عليه وسلم له امتيازات وأفضليات ليست موجودة في باقي الأديان السماوية . ؟


قولك : نعم ، الرجل متناقض لخلله في ضبط المسألة .. ولكنه حقق أدنى المطلوب منه في فهم معنى كلمة التوحيد


أقول : أنت هنا تعترف أنه متناقض . متناقض بماذا ؟ وما درجة تناقضه ؟ وكيف يفهم أنه متناقض وهو يدعي أنه من علماء التوحيد ودعاته ومجاهديه ؟
ثم تقول عنه أنه لا يكفر لأنه حقق أدنى المطلوب منه في فهم معنى كلمة التوحيد ، فكيف حقق الحد الأدنى لمعنى كلمة التوحيد وهو لا يعرف أن تحقيقها لا يكون إلا بترك الشرك الأكبر ؟
هل تركه الشرك وتوحيده الله يكفي لتحقيقه الحد الأدنى لمعنى كلمة التوحيد وهو يحكم على من فعل الشرك وعبد غير الله بالتوحيد ؟
ولقد اتفقنا سابقا أن من شروط تحقيق كلمة التوحيد ، الحكم على فاعل الشرك بأنه ليس موحداً وليس في دين الله .


قولك : أما من قال : من أشرك بالله فهو مسلم .. هكذا كحكم عام ، فهذا كافر ، ولم يفهم حقيقة التوحيد . وهذه الكلمة فيها مساواة بين الشرك والإسلام .. كيف ؟
لأن هذه العبارة إنما حكمت بالإسلام على المرء لفعله الشرك .. فصار الشرك مستلزماً للإسلام عند قائلها ، فبذلك يكون كافراً.



أقول : يا رجل ما الفرق بين قول : من أشرك بالله فهو مسلم ، وبين الحكم على من أشرك بالله بالإسلام ؟
ستقول القول الأول حكم على الفعل ،أما القول الثاني فهو حكم على الفاعل .
فأسألك : وهل في مسألة الشرك الأكبر فرق بين الحكم على الفعل والفاعل وأنت نفسك قلت : إن الحكم على الفعل هو حكم على الفاعل .. هذا لغة وعقلاً .
ففاعل الشرك مشرك .. هذا من الضرورات العقلية التي لا يماري فيها أحد ."
ألا يعني هذا الكلام أيضاً أن الحكم على الفاعل هو حكم على الفعل ؟
ألا يعني الحكم على فاعل الشرك بالتوحيد أن فعل الشرك لا يناقض التوحيد ولا يزيله ؟
وما هو حكم من قال : هذا بفعله للشرك لم يخرج من التوحيد بذاته وعينه وإنما هو ضال في فعله فقط ؟
هل فهم من يقول هذا الكلام الشرك والتوحيد ؟ لو فهمهما ما جمعهما .
لا تنس أننا نتحدث عن الشرك الأكبر . ومن دخل الإسلام يعرف أن معنى " من أشرك بالله يبقى مسلماً موحدا " أنه الحكم على الشخص بعينه بأنه مسلم موحد مع فعله الشرك الأكبر .
وكذلك يفهم من قول : " من أشرك بالله فهو مشرك " أنه حكمٌ على الشخص المعين وليس على الفعل فقط ، وليس حكماً عاماً يتخلف عند تطبيقه على الأشخاص .
وأذكرك بقولك : " إن الحكم على الفعل هو حكم على الفاعل .. هذا لغة وعقلاً .
ففاعل الشرك مشرك .. هذا من الضرورات العقلية التي لا يماري فيها أحد ."


قولك : وكذلك يجب التفريق بين أصل المعنى ، وما يتفرع عن هذا الأصل من معاني.
ولا ريب أن أصل المعنى هنا هو : اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً .. وما يتفرع عن هذا الأصل من معاني قد ذكرت بعضها في الأعلى .
فأما من خالف في أصل هذه المعاني المنبثقة من الأصل ، كأن يقول : من يشرك بالله في عبادته فهو موحد .. أو يقول : من يعصي الله فهو مطيع .. فهذا لا شك في كفره وردته عن الدين .
وهذه المعاني المنبثقة تسمى : اللوازم .
وعند الأصوليين فإن انتفاء اللازم يفضي إلى انتفاء الملزوم .
أما من خالف في جزء من اللازم ، مع بقاء أصله عنده .. وهو قوله : إن المشرك بالله كافر .. فهذا يُمكن إعذاره بالجهل أو التأويل .
وأنت تعلم يقيناً أن المخالف في جزئيات الأحكام الأصولية يُمكن أن يُعتذر له بالتأويل أو الجهل ، كما وقع ممن استحل الخمر بالشام متأولين لبعض آيات القرآن ، مع إقرارهم بأصل المسألة وهي أن الخمر حرام .


أقول : يا رجل ، نحن نتحدث عن الفعل الذي ينقض التوحيد من أساسه . وما علاقة هذا بالأصل واللازم .؟
الأصل هو ، أن من لم يترك الشرك ليس موحداً ، هذا هو الأصل وهو الذي يجب أن يبنى عليه .
فإذا قلنا بإمكانية توحيد وأسلمة من لم يترك الشرك فقد هدمنا هذا الأصل من أساسه . وهذا هو معنى قوله تعالى :
" اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ " وقوله : "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ "
هذه الآيات تدعو لتوحيد الله وترك الشرك ، وهذا يعني أن من لم يترك الشرك ، لم يتق الله ولم يوحده ولم يعبده بل عبد الشيطان . ليس بفعله فقط بل بذاته وعينه أيضاً.
ومن فهم من هذه الآيات ، أن دخول الإسلام يتحقق بعبادة الله وحده وترك الشرك فقط ، ثم له بعد ذلك أن يحكم بالتوحيد على من عبد غير الله ولم يترك الشرك ، من فهم ذلك لم يفهم الآيات ، ولم يفهم كيفية دخول الإسلام ، ولم يفهم ما معنى عبادة الله وحده ، ولم يفهم لماذا اشترط ترك الشرك لتحقيق التوحيد ودخول الإسلام .
والآن لنتدبر بعض الآيات التي تدعوا للتوحيد وتبين من هو الموحد ومن هو المشرك ( طبعاً كشخص بعينه وليس بفعله فقط ) :
قال تعالى : اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ "
أقول : أنظر كيف دعا لعبادة الله وحده ثم بين حكم من لا يعبد الله وحده ويفعل الشرك . " مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ "
هل يفهم اللغة العربية من يفهم أن الدعوة للتوحيد فقط هي دعوة لعبادة الله وحده وترك الشرك ولا يضر صاحبها عدم الحكم على من فعل الشرك وعبد غير الله بأنه مشرك غير موحد .؟ لا وألف لا ، فضلا على أنه يفهم التوحيد .
قوله تعالى : " مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ"
يا أبا شعيب : هل الحكم بتحريم الجنة والدخول في النار ، حكم على الفعل أم على عين الفاعل ؟
إذا قلت على الفاعل فقد نقضت كل كلامك السابق . وإذا قلت على الفعل فأنت لم تفهم هذه الآية .
أليس كلمة " من " للعموم ؟ يعني كل من يشرك ؟
هل فرق بين الشرك الكثير والشرك البسيط ؟
هل فرق بين من عنده بعض مظاهر التوحيد والإسلام وبين من ليس عنده ؟
هل فرق بين من يدعي الإسلام وبين غيره ؟

قال تعالى : " اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ "
أليس بعد أن دعاهم لعبادة الله وحده وترك الشرك حكم عليه أنهم بشركهم كانوا مفترين على الله ؟ قبل أن يقيم عليهم الحجة ؟ هل حكمه هذا عليهم قبل أن يقيم عليهم الحجة ، حكم فقط على أفعالهم وليس على أعيانهم؟
ما لكم كيف تحكمون ؟ أفلا تذكرون ؟
قال تعالى : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ "
أقول : أنظر كيف بعد أن دعاهم لعبادة الله واجتناب عبادة الطاغوت كيف وصف من لم يجبه ولم يترك عبادة الطاغوت بأنه قد حقت عليه الضلالة وأنه من المكذبين . " فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ "
هل هذا الحكم على أفعالهم أم على أشخاصهم وأعيانهم ؟
وهل من حقت عليه الضلالة لأنه لم يترك عبادة الطاغوت مسلم موحد ؟ وقد وصفه الله بنفس الآية أنه من المكذبين ؟
قال تعالى : " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ "
أقول : أنظر كيف افترقوا لفريقين يختصمين بعد أن دُعوا لعبادة الله وحده .
ألا يعني ذلك أن من وحد الله وترك الشرك يعرف من هو خصمه في هذا ويعرف حكم خصمه ؟ {فإذا هم فريقان يختصمون} قال مجاهد: مؤمن وكافر .
قال تعالى : " قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ . وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ "
أقول : ألا تعني هذه الآية الكريمة أن من لم يخلص العبادة لله ليس من المسلمين ؟
أم أن الحكم هنا على فعله وليس على شخصه وعينه ؟ وأن شخصه وعينه مخلصة الدين لله ومن المسلمين ؟
وهل من فعل الشرك أخلص الدين لله ؟
ما لكم كيف تحكمون ؟ أفلا تذكرون ؟


قولك : نعم ، كما فهمت المعاني الأخرى المنبثقة عن أصل معنى كلمة التوحيد ، وقد بيّنت ذلك في الأعلى .
وهذا الفهم الشامل تحقق عندي بالنظر إلى أدلة القرآن والسنة ، ومعرفتي بأن فعله هذا سماه الله شركاً أكبر ، فعندها علمت أنه لم يحقق أصل كلمة التوحيد ، وأنه جاهل بأصل معناها .. فلذلك أخرجته من الإسلام



أقول : إذن الحكم على من أشرك بالله أنه مشرك غير مسلم وأنه ليس في دين الله ، من المعنى اللغوي لكلمة التوحيد ، ومن لم يفهم هذا لا يعرف معنى هذه الكلمة .ما دام لا بد أن يُفهم من أصل معنى كلمة التوحيد أن من أشرك بالله ليس موحدا وليس في دين الله كشخص معين ، فهل فهم معنى أصل هذه الكلمة من حكم بالتوحيد ودخول الدين على من فعل الشرك الأكبر ؟
لا بد لك أن تجيب ، بلا . وإلا وقعت في تناقض كبير .
إذن من سميتهم علماء أتقياء مجاهدين لم يفهموا معنى أصل هذه الكلمة ، ولو فهموه ، لما حكموا على من فعل الشرك الأكبر وحسنه ودعا إليه بالإسلام والتوحيد .
إذن لماذا تحكم عليهم بالإسلام وأنت تقول : أن من لم يفهم معنى أصل كلمة التوحيد لا يدخل الإسلام ودين التوحيد ، ولا يُحكم عليه بالتوحيد ودخول الإٍسلام ؟
أليس هذا تناقضاً صارخاً أيضاً ؟


قولك : نعم ، هو نتيجة فهمي لأصل الدين وما يترتب عليه من أحكام ، مدّعماً بأدلة الشرع من الكتاب والسنة .
ونعم ، من يفهم أصل الدين يعلم أن من جهل معنى الشهادة فهو غير محقق لها ، وهذا من لازم فهم أصل الدين .
ومن تلفظ بالشهادة دون أن يعلم معناها ، فهو كافر ولا يدخل بذلك الإسلام
.

أقول : عندما سألتك : وهل الذي يفهم أصل الدين يعرف أن من تلفظ بالشهادة بدون معرفة معناها لا يدخل الإسلام ؟
أجبت : بنعم ، من يفهم أصل الدين يعلم أن من جهل معنى الشهادة فهو غير محقق لها ، وهذا من لازم فهم أصل الدين .
أقول : إذن من يحكم عليه بأنه حقق أصل الدين لم يفهم معنى أصل الدين.
إذن فكيف تحكم بإسلامه ودخوله الدين وهو لا يعرف معنى أصل الدين ؟
أليس هذا تناقضا صارخاً "


قولك : أما من يقول يكفي لدخول الإسلام ظاهراً مجرد التلفظ بكلمة الشهادة ، فيكون حال صاحبه كالمنافقين ، يُحكم عليهم بالإسلام ظاهراً ، ويعامل معاملة المسلمين .. فكلامه صحيح لا غبار عليه .

أقول : يا رجل ، تقول أن من فهم أصل الدين لا بد له أن يحكم أن مجرد التلفظ بهذه الكلمة دون معرفة لمعناها لا يفيد ولا يدخل الإسلام والتوحيد .
وتقول : أن من فهم معنى أصل الدين لا بد له من أن يحكم على من تلفظ بالشهادة دون أن يعلم معناها ، بأنه كافر ولا يدخل بذلك الدين ، ثم بعد ذلك تقول : " من حكم على من عرف أنه لم يفهم معنى أصل الدين بالإسلام ظاهراً كلامه صحيح لا غبار عليه ." فأي تناقض بعد هذا التناقض ؟
انظر لمعادلتك :
-تقول : حتى يستطيع العبد أن يدخل الإسلام يجب أن يعرف معنى كلمة التوحيد . وبدون ذلك لا يسمى موحدا ولا يدخل الدين .
-تقول : ومن عرف كلمة التوحيد يعرف أن من تلفظ بها دون معرفته لمعناها لم يحقق هذه الكلمة ولم يدخل دين الله ، التوحيد .
-وتقول أما من حكم على من تلفظ بكلمة التوحيد وهو يعرف أنه لا يعرف معناها ، بدخوله الدين ظاهراً ، ولم يحكم عليه بالإسلام في الباطن ، حكمه صحيح ولا غبار عليه ، ولا يوصف بأنه لا يعرف معنى كلمة التوحيد .
بأي دين وأي عقل تستقيم هذه المعادلة ؟
وهل من يحكم على من لم يفهم معنى كلمة التوحيد بأنه لم يدخل الدين حكمه على الباطن فقط ؟ وهل هذا هو الفهم الصحيح لكلمة التوحيد ؟
ثم تقول :" فيكون حال صاحبه كالمنافقين ، يُحكم عليهم بالإسلام ظاهراً"
أقول : وهل يَحكم بالنفاق الإعتقادي ، من سميتهم أنت علماء موحدين أتقياء مجاهدين ، على المنتسبين للإسلام ممن عرفوا أنه لم يفهم كلمة التوحيد ويعتقد الشرك ويحسنه ويدعو له ؟ لا أظن ذلك والواقع شاهد .
ولو فهمت أنت ومن وصفتهم بالعلماء المجاهدين الأتقياء ما معنى النفاق الإعتقادي لما حكمتم على من تلبس بالشرك وحسنه ودعا إليه بالإسلام الظاهر .
المنافق يُخفي الكفر ويظهر التوحيد . وإذا أظهر الشرك يُحكم بشركه ، ولا يظل يُحكم بإسلامه الظاهر .


قولك : ولعلك تعني : من يقول : يكفي لتحقيق الإيمان التلفظ بالشهادتين وإن جهل معناها ، بحيث يكون عند الله موحداً مؤمناً ، وهو لا يعلم من الله فضلاً عن التوحيد .. فقائل هذا من أكفر خلق الله .



أقول : إسأل من وصفتهم علماء موحدين أتقياء مجاهدين ، عن حكم من تلفظ بكلمة التوحيد دون معرفته معناها ، هل يحكمون عليه بالنفاق الباطني أم يحكمون بإسلامه باطناً وظاهراً ، وأعلمهم يقول نحكم بإسلامه ظاهراً والله يتولى السرائر . وإذا سألته هل تحكم بنفاقه العقدي ( الباطني ) فسوف يقول لك : لا . لم نؤمر أن نشق على البطون . ولنا الظاهر والله يتولى السرائر . كل هذا وهو يعرف معرفة يقينية أنه لا يعرف معنى كلمة التوحيد ، ويعرف معرفة يقينية أنه متلبس بالشرك يحسنه ويدعوا له.

يتبع

صفوان 10-24-2017 03:45 PM

مسلم 1 :
الرد على مشاركة رقم 43

بسم الله الرحمن الرحيم


قولك : كلامك في سجود التحية وسجود العبادة أتفق معك فيه في مجمله ، إلا في بعض مواضع سنتحاور فيها في مسألتنا الثانية عن الشرك والعبادة ، إن شاء الله

أقول : الحمد لله ، اتفقنا على بعض الأمور ، وهذه بادرة طيبة .

قولك : أما الزيادة التي تدعي أنني زدتها وتقولتها على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فهي مذكورة في فتاوى ابن تيمية - رحمه الله - .. وقد ذكرها ابن حجر العسقلاني أيضاً في كتابه الكافي الشافي ، صفحة 48 عن الحسن البصري أن رجلا قال : يا رسول الله ، نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض ، أفلا نسجد لك ؟ قال : لا ينبغي السجود لأحد من دون الله ، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله .
وجاء في مصنف ابن عبد الرزاق رواية تشهد لهذه الرواية :
أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن عوف بن القاسم أو القاسم بن عوف - أن معاذ بن جبل ، لما قدم الشام رأى النصارى تسجد لبطارقتها ، وأساقفتها ، فلما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إني رأيت النصارى تسجد لبطارقتها ، وأساقفتها ، وأنت كنت أحق أن نسجد لك ، فقال : " لو كنت آمرا شيئا أن يسجد لشيء دون الله ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، ولن تؤدي امرأة حق زوجها ، حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه نفسها "
وفي دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني :
حدثنا مطلب بن زياد قال : ثنا عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة ، عن حكيمة ، عن يعلى بن مرة قال : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً فجاء بعير يرغو حتى سجد له فقال المسلمون : نحن أحق أن نسجد للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله تعالى لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها تدرون ما يقول هذا ؟ زعم أنه خدم مواليه أربعين سنة حتى إذا كبر نقصوا من علفه وزادوا في عمله حتى إذا كان لهم عرس أخذوا الشفار لينحروه فأرسل إلى مواليه فقص عليهم قالوا : صدق والله يا رسول الله قال : إني أحب أن تدعوه لي فتركوه *
ومن مجموع هذه الأحاديث يُفهم أن السجود بذاته لا يصح إلا لله تعالى في شريعتنا.


أقول : يا أبا شعيب أنت في كلامك السابق نسبت القول لحديث معاذ بن جبل
ولا يوجد في حديث معاذ رضي الله عنه هذه الجملة لهذا اعترضت عليك .
فأنت قلتَ : " قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل عندما سجد له سجود تشريف : ( إنه لا ينبغي السجود لغير الله "
ولم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنه - ذلك . فقلتُ لك : هذا تقويل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله لمعاذ رضي الله عنه.
ونحن لم نختلف على وجود هذه الجملة في كلام بعض العلماء وبعض الرويات التي ليست لها علاقة بحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه .
وحتى لو كانت هذه العبارة موجودة في كلام بعض العلماء وفي بعض الرويات ، لا تعني كما فهمتها أنتَ : " أن السجود بكلا نوعيه عبادة. وأن من سجد لغير الله بأي نية كانت فقد عبد غير الله وأشرك به ، لأن السجود بكلا نوعيه قد أصبح من حقوق الله الخاصة به وحده ، والشرك هو صرف ما يختص به الله وحده إلى غيره ."
أقول : قوله : " إنه لا ينبغي السجود لغير الله " لا يعني أن السجود أصبح من حقوق الله الخاصة به وحده . بل يعني أنه : لا يجوز السجود لغير الله . فكلمة " لا ينبغي " يعني " لا يجوز " ، ولا ينبغي أن يفعلها المسلم لغير الله .وكونها غير جائزة لغير الله ، لا يعني أنها أصبحت من حقوق الله الخاصة به وحده .
لأن ، غير الجائز شرعا ً ، يدخل فيه الشرك والحرام . وليس فقط الشرك .


قولك : على أيّة حال .. ليس حوارنا في هذا الآن ، وقد اتفقت معك على التفريق بين سجود التحية وسجود العبادة ، وجزاك الله خيراً على التوضيح .



أقول : الحمد لله رب العالمين .

قولك : تبقى بضعة مسائل متفرقة ذكرتها أنت في هذا الصدد سآتي عليها في حورانا في المسألة الثانية ، إن شاء الله تعالى .
وهناك بعض المسائل مما يتعلق بمسألتنا هنا سأذكرها في هذا الموضوع بإذن الله .


أقول : يا أبا شعيب ، كان الأحرى بك أن لا تذكر اعتراضاتك على كلامي في هذا الموضوع في أماكن لستُ موجوداً أنا فيها وليست لي أي مشاركات فيها . وكان ينبغي بك أن تذكرها هنا في هذه الصفحة أو أي صفحة أتحاور معك فيها حتى يتسنى لي أن أرد عليك .
على كل ما دامت وصلتني سأرد عليها هنا بعون الله .


قولك : أنا لم أشأ أن أشعّب الموضوع وأشتته في غير محلّه ، وإلا فإن ردّه فيه من التناقض ما الله به عليم .
كقوله:
)أقول : الظاهر والراجح في السجود للأموات والجمادات سجود العبادة .
ولكن ممكن أن نقول : إذا ادعى أنه سجد سجود تحية وليس سجود عبادة وكان في مجتمع يؤدي سجود التحية للجمادات والأموات كما يؤديها الأحياء لبعضهم البعض كعادة أو تحية مثلا ً ، فلا يكفر حتى تقام عليه الحجة ويفهم الحكم . --]
فهو هنا يقول إن السجود للأموات هو سجود عبادة ، ولكنه لجهله بذلك ، لا يكفر حتى تقام عليه الحجة ..
ثم يقول :
[-- أقول : من عذر من سجد للقبر ، قبل أن نحكم عليه لا بد من سماع قوله وحجته . لأن الأمر يحتمل. فهناك سجود عبادة وسجود تحية كما قلنا سابقاً . ولا يقال : أنه لا يعرف معنى لا إله إلا الله ، قبل سماع قوله وتأويله --]
مع أنه قد قال سابقاً إن الراجح فيه إنه سجود عبادة .
ثم يقول :
) أقول : من أعتقد أن سجود معاذ رضي الله عنه لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان عبادة لغير الله فيجب عليه أن يحكم على معاذ بالشرك ويخرجه من الإسلام حتى يتوب من فعله وإن لم يحكم عليه بالشرك وعذره بالجهل وحكم عليه بالإسلام والتوحيد ولم يخرجه بعمله هذا من الإسلام ، فإنه لا يعرف ما هو التوحيد وما هو الشرك . وكيف يدخل العبد الإسلام .
هذا ، ولم يقل أحد من العلماء المعتبرين أن سجود معاذ رضي الله عنه كان سجود عبادة . --]
فهو يُلزم من يقول إن سجود التحية سجود عبادة ، أن يكفّر معاذاً رضي الله عنه .. وهو نفسه يقول إن السجود للأموات عبادة ، ولا يكفر فاعلها إن كان جاهلاً وقصده التشريف !!


أقول : أولاً : أنا لم أقل أن السجود للأموات هو سجود عبادة . فهذا تقويلي ما لم أقله.
أنا قلت حرفياً : " الظاهر والراجح في السجود للأموات والجمادات سجود العبادة . "
فما معنى الظاهر والراجح ؟ هل معناه : كله ؟ أم بعضه والراجح منه ؟
لو كنتُ اعتقد أن كل سجودٍ للأموات عبادة ، بغض النظر عن نية الفاعل والقرينة المحيطة بالفعل ، لما قلتُ : الراجح . ثم بعدها جئت باستثناء حيث قلت : " ولكن ممكن أن نقول : إذا ادعى أنه سجد سجود تحية وليس سجود عبادة وكان في مجتمع يؤدي سجود التحية للجمادات والأموات كما يؤديها الأحياء لبعضهم البعض كعادة أو تحية مثلا ً ، فلا يكفر حتى تقام عليه الحجة ويفهم الحكم . --]

أليس تعبيري بـ " الراحج " ثم بعد ذلك إتياني بهذا المثال والاستثناء لدليل واضح أنني أفصل في هذه المسألة ، ولا أحكم بأن كل سجود للقبر عبادة ؟
ثم إنني قبل هذا الكلام بينت أن الأفعال التي تحتمل أكثر من معنى ، للحكم على فاعلها لا بد من معرفة نيته أوالقرائن التي تحف بالفعل . وقلت أن السجود يحتمل أكثر من معنى . فهناك سجود عبادة وهو شرك وهناك سجود تحية وهو حرام في شريعتنا .
بعد هذا التوضيح هل بقي تناقض يا أبا شعيب ؟


قولك : ثم يقول :
[-- أقول : من عذر من سجد للقبر ، قبل أن نحكم عليه لا بد من سماع قوله وحجته . لأن الأمر يحتمل. فهناك سجود عبادة وسجود تحية كما قلنا سابقاً . ولا يقال : أنه لا يعرف معنى لا إله إلا الله ، قبل سماع قوله وتأويله --]
مع أنه قد قال سابقاً إن الراجح فيه إنه سجود عبادة .


أقول : وأين التناقض في هذا الكلام ؟ أين التناقض في قولي :
" السجود للقبر الراجح فيه سجود العبادة "
وبين ، كون أنني لم أحكم على من عذر من سجد للقبر حتى أسمع منه ؟
هل يوجد تناقض أم توافق . ؟
التناقض في عقل من فهم من قولي :" الراجح " يعني :كل سجود للقبر عبادة .
كلمة " راجح " تستعمل للاحتمال الأكثر ، يعني عند وجود راجح ومرجوح عند وجود أكثر من احتمال .
.

قولك : ثم يقول :
) أقول : من أعتقد أن سجود معاذ رضي الله عنه لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان عبادة لغير الله فيجب عليه أن يحكم على معاذ بالشرك ويخرجه من الإسلام حتى يتوب من فعله وإن لم يحكم عليه بالشرك وعذره بالجهل وحكم عليه بالإسلام والتوحيد ولم يخرجه بعمله هذا من الإسلام ، فإنه لا يعرف ما هو التوحيد وما هو الشرك . وكيف يدخل العبد الإسلام .
هذا ، ولم يقل أحد من العلماء المعتبرين أن سجود معاذ رضي الله عنه كان سجود عبادة . --]
فهو يُلزم من يقول إن سجود التحية سجود عبادة ، أن يكفّر معاذاً رضي الله عنه .. وهو نفسه يقول إن السجود للأموات عبادة ، ولا يكفر فاعلها إن كان جاهلاً وقصده التشريف !!


أقول : أولا : أنا لم أقل أن سجود التحية سجود عبادة .
ولم أقل : أن كل سجود للقبر عبادة .
فلو قلت مع هذا : أن من اعتقد أن سجود معاذ ، عبادة لغير الله وشرك ، يجب أن يكفر معاذ - رضي الله عنه - . هل سيحصل تناقض ؟ وأين التناقض ؟
أنا ألزم من يقول أن سجود التحية عبادة بأن يكفر معاذ - رضي الله عنه - . لأن معاذ حسب اعتقاده عبد غير الله .
وهذا كمن يعتقد أن تارك الصلاة كافر . فيجب عليه أن يكفر تارك الصلاة ، ولا يجوز له أن يأخذ بآراء العلماء الآخرين الذين لم يكفروا تارك الصلاة ، ما دام يعتقد أن تارك الصلاة كافر .

صفوان 10-29-2017 07:19 PM

مسلم 1 :
الرد على مشاركة رقم 43

بسم الله الرحمن الرحيم


قولك : كلامك في سجود التحية وسجود العبادة أتفق معك فيه في مجمله ، إلا في بعض مواضع سنتحاور فيها في مسألتنا الثانية عن الشرك والعبادة ، إن شاء الله

أقول : الحمد لله ، اتفقنا على بعض الأمور ، وهذه بادرة طيبة .

قولك : أما الزيادة التي تدعي أنني زدتها وتقولتها على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فهي مذكورة في فتاوى ابن تيمية - رحمه الله - .. وقد ذكرها ابن حجر العسقلاني أيضاً في كتابه الكافي الشافي ، صفحة 48 عن الحسن البصري أن رجلا قال : يا رسول الله ، نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض ، أفلا نسجد لك ؟ قال : لا ينبغي السجود لأحد من دون الله ، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله .
وجاء في مصنف ابن عبد الرزاق رواية تشهد لهذه الرواية :
أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن عوف بن القاسم أو القاسم بن عوف - أن معاذ بن جبل ، لما قدم الشام رأى النصارى تسجد لبطارقتها ، وأساقفتها ، فلما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إني رأيت النصارى تسجد لبطارقتها ، وأساقفتها ، وأنت كنت أحق أن نسجد لك ، فقال : " لو كنت آمرا شيئا أن يسجد لشيء دون الله ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، ولن تؤدي امرأة حق زوجها ، حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه نفسها "
وفي دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني :
حدثنا مطلب بن زياد قال : ثنا عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة ، عن حكيمة ، عن يعلى بن مرة قال : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً فجاء بعير يرغو حتى سجد له فقال المسلمون : نحن أحق أن نسجد للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله تعالى لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها تدرون ما يقول هذا ؟ زعم أنه خدم مواليه أربعين سنة حتى إذا كبر نقصوا من علفه وزادوا في عمله حتى إذا كان لهم عرس أخذوا الشفار لينحروه فأرسل إلى مواليه فقص عليهم قالوا : صدق والله يا رسول الله قال : إني أحب أن تدعوه لي فتركوه *
ومن مجموع هذه الأحاديث يُفهم أن السجود بذاته لا يصح إلا لله تعالى في شريعتنا.


أقول : يا أبا شعيب أنت في كلامك السابق نسبت القول لحديث معاذ بن جبل
ولا يوجد في حديث معاذ رضي الله عنه هذه الجملة لهذا اعترضت عليك .
فأنت قلتَ : " قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل عندما سجد له سجود تشريف : ( إنه لا ينبغي السجود لغير الله "
ولم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنه - ذلك . فقلتُ لك : هذا تقويل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله لمعاذ رضي الله عنه.
ونحن لم نختلف على وجود هذه الجملة في كلام بعض العلماء وبعض الرويات التي ليست لها علاقة بحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه .
وحتى لو كانت هذه العبارة موجودة في كلام بعض العلماء وفي بعض الرويات ، لا تعني كما فهمتها أنتَ : " أن السجود بكلا نوعيه عبادة. وأن من سجد لغير الله بأي نية كانت فقد عبد غير الله وأشرك به ، لأن السجود بكلا نوعيه قد أصبح من حقوق الله الخاصة به وحده ، والشرك هو صرف ما يختص به الله وحده إلى غيره ."
أقول : قوله : " إنه لا ينبغي السجود لغير الله " لا يعني أن السجود أصبح من حقوق الله الخاصة به وحده . بل يعني أنه : لا يجوز السجود لغير الله . فكلمة " لا ينبغي " يعني " لا يجوز " ، ولا ينبغي أن يفعلها المسلم لغير الله .وكونها غير جائزة لغير الله ، لا يعني أنها أصبحت من حقوق الله الخاصة به وحده .
لأن ، غير الجائز شرعا ً ، يدخل فيه الشرك والحرام . وليس فقط الشرك .


قولك : على أيّة حال .. ليس حوارنا في هذا الآن ، وقد اتفقت معك على التفريق بين سجود التحية وسجود العبادة ، وجزاك الله خيراً على التوضيح .



أقول : الحمد لله رب العالمين .

قولك : تبقى بضعة مسائل متفرقة ذكرتها أنت في هذا الصدد سآتي عليها في حورانا في المسألة الثانية ، إن شاء الله تعالى .
وهناك بعض المسائل مما يتعلق بمسألتنا هنا سأذكرها في هذا الموضوع بإذن الله .


أقول : يا أبا شعيب ، كان الأحرى بك أن لا تذكر اعتراضاتك على كلامي في هذا الموضوع في أماكن لستُ موجوداً أنا فيها وليست لي أي مشاركات فيها . وكان ينبغي بك أن تذكرها هنا في هذه الصفحة أو أي صفحة أتحاور معك فيها حتى يتسنى لي أن أرد عليك .
على كل ما دامت وصلتني سأرد عليها هنا بعون الله .


قولك : أنا لم أشأ أن أشعّب الموضوع وأشتته في غير محلّه ، وإلا فإن ردّه فيه من التناقض ما الله به عليم .
كقوله:
)أقول : الظاهر والراجح في السجود للأموات والجمادات سجود العبادة .
ولكن ممكن أن نقول : إذا ادعى أنه سجد سجود تحية وليس سجود عبادة وكان في مجتمع يؤدي سجود التحية للجمادات والأموات كما يؤديها الأحياء لبعضهم البعض كعادة أو تحية مثلا ً ، فلا يكفر حتى تقام عليه الحجة ويفهم الحكم . --]
فهو هنا يقول إن السجود للأموات هو سجود عبادة ، ولكنه لجهله بذلك ، لا يكفر حتى تقام عليه الحجة ..
ثم يقول :
[-- أقول : من عذر من سجد للقبر ، قبل أن نحكم عليه لا بد من سماع قوله وحجته . لأن الأمر يحتمل. فهناك سجود عبادة وسجود تحية كما قلنا سابقاً . ولا يقال : أنه لا يعرف معنى لا إله إلا الله ، قبل سماع قوله وتأويله --]
مع أنه قد قال سابقاً إن الراجح فيه إنه سجود عبادة .
ثم يقول :
) أقول : من أعتقد أن سجود معاذ رضي الله عنه لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان عبادة لغير الله فيجب عليه أن يحكم على معاذ بالشرك ويخرجه من الإسلام حتى يتوب من فعله وإن لم يحكم عليه بالشرك وعذره بالجهل وحكم عليه بالإسلام والتوحيد ولم يخرجه بعمله هذا من الإسلام ، فإنه لا يعرف ما هو التوحيد وما هو الشرك . وكيف يدخل العبد الإسلام .
هذا ، ولم يقل أحد من العلماء المعتبرين أن سجود معاذ رضي الله عنه كان سجود عبادة . --]
فهو يُلزم من يقول إن سجود التحية سجود عبادة ، أن يكفّر معاذاً رضي الله عنه .. وهو نفسه يقول إن السجود للأموات عبادة ، ولا يكفر فاعلها إن كان جاهلاً وقصده التشريف !!


أقول : أولاً : أنا لم أقل أن السجود للأموات هو سجود عبادة . فهذا تقويلي ما لم أقله.
أنا قلت حرفياً : " الظاهر والراجح في السجود للأموات والجمادات سجود العبادة . "
فما معنى الظاهر والراجح ؟ هل معناه : كله ؟ أم بعضه والراجح منه ؟
لو كنتُ اعتقد أن كل سجودٍ للأموات عبادة ، بغض النظر عن نية الفاعل والقرينة المحيطة بالفعل ، لما قلتُ : الراجح . ثم بعدها جئت باستثناء حيث قلت : " ولكن ممكن أن نقول : إذا ادعى أنه سجد سجود تحية وليس سجود عبادة وكان في مجتمع يؤدي سجود التحية للجمادات والأموات كما يؤديها الأحياء لبعضهم البعض كعادة أو تحية مثلا ً ، فلا يكفر حتى تقام عليه الحجة ويفهم الحكم . --]

أليس تعبيري بـ " الراحج " ثم بعد ذلك إتياني بهذا المثال والاستثناء لدليل واضح أنني أفصل في هذه المسألة ، ولا أحكم بأن كل سجود للقبر عبادة ؟
ثم إنني قبل هذا الكلام بينت أن الأفعال التي تحتمل أكثر من معنى ، للحكم على فاعلها لا بد من معرفة نيته أوالقرائن التي تحف بالفعل . وقلت أن السجود يحتمل أكثر من معنى . فهناك سجود عبادة وهو شرك وهناك سجود تحية وهو حرام في شريعتنا .
بعد هذا التوضيح هل بقي تناقض يا أبا شعيب ؟


قولك : ثم يقول :
[-- أقول : من عذر من سجد للقبر ، قبل أن نحكم عليه لا بد من سماع قوله وحجته . لأن الأمر يحتمل. فهناك سجود عبادة وسجود تحية كما قلنا سابقاً . ولا يقال : أنه لا يعرف معنى لا إله إلا الله ، قبل سماع قوله وتأويله --]
مع أنه قد قال سابقاً إن الراجح فيه إنه سجود عبادة .


أقول : وأين التناقض في هذا الكلام ؟ أين التناقض في قولي :
" السجود للقبر الراجح فيه سجود العبادة "
وبين ، كون أنني لم أحكم على من عذر من سجد للقبر حتى أسمع منه ؟
هل يوجد تناقض أم توافق . ؟
التناقض في عقل من فهم من قولي :" الراجح " يعني :كل سجود للقبر عبادة .
كلمة " راجح " تستعمل للاحتمال الأكثر ، يعني عند وجود راجح ومرجوح عند وجود أكثر من احتمال .
.

قولك : ثم يقول :
) أقول : من أعتقد أن سجود معاذ رضي الله عنه لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان عبادة لغير الله فيجب عليه أن يحكم على معاذ بالشرك ويخرجه من الإسلام حتى يتوب من فعله وإن لم يحكم عليه بالشرك وعذره بالجهل وحكم عليه بالإسلام والتوحيد ولم يخرجه بعمله هذا من الإسلام ، فإنه لا يعرف ما هو التوحيد وما هو الشرك . وكيف يدخل العبد الإسلام .
هذا ، ولم يقل أحد من العلماء المعتبرين أن سجود معاذ رضي الله عنه كان سجود عبادة . --]
فهو يُلزم من يقول إن سجود التحية سجود عبادة ، أن يكفّر معاذاً رضي الله عنه .. وهو نفسه يقول إن السجود للأموات عبادة ، ولا يكفر فاعلها إن كان جاهلاً وقصده التشريف !!


أقول : أولا : أنا لم أقل أن سجود التحية سجود عبادة .
ولم أقل : أن كل سجود للقبر عبادة .
فلو قلت مع هذا : أن من اعتقد أن سجود معاذ ، عبادة لغير الله وشرك ، يجب أن يكفر معاذ - رضي الله عنه - . هل سيحصل تناقض ؟ وأين التناقض ؟
أنا ألزم من يقول أن سجود التحية عبادة بأن يكفر معاذ - رضي الله عنه - . لأن معاذ حسب اعتقاده عبد غير الله .
وهذا كمن يعتقد أن تارك الصلاة كافر . فيجب عليه أن يكفر تارك الصلاة ، ولا يجوز له أن يأخذ بآراء العلماء الآخرين الذين لم يكفروا تارك الصلاة ، ما دام يعتقد أن تارك الصلاة كافر .

صفوان 11-02-2017 08:48 PM

مسلم 1:
الرد على مشاركة رقم 44
بسم الله الرحمن الرحيم

قولك : هذه مسألة هامة جداً من مشاركة رقم #42 تتعلق بموضوعنا هنا ، وهو تكفير المشركين .. وأرى فيها ملخص لكل الحوار .
ولا يعني هذا أنني لن أرد عليك في مشاركاتك السابقة ، لكنني أطلب منك فقط أن تصبر عليّ حتى ننتهي من هذه المسألة التي سيتوضح بها الكثير من الأمور وتتكشف من جرائها الكثير من الإشكالات ، إن شاء الله .


أقول : أنتظر ردوداتك على المشاركات السابقة . فهي أيضاً ستوضح كثيراً من الأمور وتتكشف من جرائها الكثير من الإشكالات .

قولك : الإجازة نوعان :
إجازة شرعية ، وهو ما يرضاه الله تعالى .. وفي هذه الحال من قال : يجوز شرعاً اجتماع معصية وطاعة في قلب إنسان ، فهو كافر .. لأن الله تعالى لا يرضى المعاصي .

أقول : لماذا كفرته يا أبا شعيب ؟
فقد أجاز الله أن تجتمع الطاعة والمعصية في قلب الإنسان ولا يكون كافراً .
وليس معنى هذا أنه أجاز المعصية .
ويجوز أيضاً من الناحية العقلية أن تجتمع المعصية والطاعة في قلب رجل واحد . فالطاعة في أمر والمعصية في أمر آخر ليسا نقيضين.
وممكن أن نقول من الناحية الشرعية ومن الناحية العقلية : يجوز أن يجتمع الشرك الأصغر مع التوحيد في قلب رجل واحد .
ولكن لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية العقلية ، يجوز أن يجتمع الشرك الأكبر مع التوحيد في قلب رجل واحد ، لأنهما ضدان ، والضد مع ضده لا يجتمع ، كما أن النهار مع الليل لا يجتمع . فإذا حضر أحدهما ذهب الآخر .


قولك : وإجازة عقلية ، ولا يُشترط أن يرضاه الله .. كأن يقول : يجوز للمرأة عقلاً أن تصلي وهي حائض ، لكن فعلها حرام



أقول : يا أبا شعيب . نحن نتحدث عن الإجازة الشرعية والعقلية لإمكانية تواجد الشرك والتوحيد في قلب رجل واحد .
فالتوحيد والشرك في قلب رجل واحد لا يجتمعان ، هذا من الناحية الشرعية والعقلية . فالتوحيد نقيض الشرك لغة وشرعاً ، والضد لا يجتمع مع ضده عقلا وشرعاً .
وعندما نتحدث عن عدم جواز صلاة المرأة الحائض ، لا أحد يفهم من عدم الجواز ، عدم الجواز العقلي . لأننا نتحدث عن الحكم شرعي .
ويمكن أن يجاز للحائض الصلاة من الناحية الشرعية أيضاً ، إذا أراد الله .
فمسألتنا غير شبيهة بهذه المسألة .
ولكن لا يمكن من الناحية الشرعية أن يجيز الله تواجد الشرك الأكبر مع التوحيد في قلب رجل واحد .
وكذلك من الناحية العقلية لا يجوز أن يتواجد التوحيد والشرك في قلب رجل واحد إذا كانا نقيضين . إلا إذا فُهم أن التوحيد ليس نقيضاً للشرك . ففي هذه الحالة يمكن أن يجتمعا في قلب رجل واحد . ومن فهم أن الشرك ليس نقيضا للتوحيد ، فلم يفهم التوحيد ولم يفهم الشرك في دين الله .


قولك : فمن قال يجوز اجتماع الشرك والتوحيد في قلب امرئ .. إجازة عقلية لا شرعية .. فما وجه تكفيره ؟

أقول : نحن كنا نتكلم عن الإجازة الشرعية وليس العقلية .هذه واحدة.
والثانية : إذا فهم من الناحية اللغوية أن الشرك الأكبر نقيض التوحيد ، فلا بد له أيضاً أن يعتقد من الناحية العقلية أن الشرك والتوحيد لا يجتمعان في قلب رجل واحد . لأنه من الناحية العقلية أيضا : لا يجتمع النقيض مع نقيضه .
أما وجه تكفيره وعدم الحكم عليه بأنه دخل التوحيد فهي : عدم فهمه للتوحيد الذي أمره الله أن يعتقده ، وعدم فهمه للشرك الذي أمره الله أن يتركه . وعدم فهمه للتوحيد يجعله غير قادر على اعتقاده والإيمان به .
فالتوحيد الذي يعتقده هذا الشخص هو : توحيد لا يناقض الشرك ، والشرك الذي تركه هذا الشخص ، شرك لا يناقض التوحيد . والتوحيد الذي لا يناقض الشرك ليس هو توحيد الله ، والشرك الذي لا يناقض التوحيد ليس هو الشرك الذي شرط الله تركه لدخول دين التوحيد وتحقيق كلمة التوحيد .

قولك : تسألني : [-- فلو سألناه : هل يجوز في ديننا أن يجتمع التوحيد والشرك الأكبر في قلب رجل واحد ؟
لا بد أن يجيب : نعم . --]
إجازة عقلية ؟ .. نعم .. كقوله تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ } [يوسف : 106]
فهنا أثبت الله لهم إيماناً .. وأثبت لهم شركاً .. هذا في وصف معتقدهم .. لا كحكم شرعي عليهم .
وقوله تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت : 65]
فهنا اجتمع الإخلاص والشرك .. هذا عقلاً .. أما شرعاً فهم كفار مشركون في كلتا الحالتين .


أقول : أنا لم أسأل عن الجواز العقلي: عندما سألت : هل يجوز في ديننا أن يجتمع التوحيد والشرك الأكبر في قلب رجل واحد ؟.
والدليل واضح في كلامي : فقد قلت " في ديننا " ولم أقل " في عقولنا " .
هذه واحدة .
أما الثانية : فكيف حكم بجوازه من الناحية العقلية ؟ لو فهم معنى التوحيد والشرك في اللغة ، لما حكم من الناحية العقلية بإمكان اجتماعهما في قلب رجل واحد . لأن في العقل السليم ، لا يمكن اجتماع الضد مع ضده . ولا يمكن اجتماع النقيض مع نقيضه .
أما قولك :" كقوله تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ } [يوسف : 106] "
فأقول : وكيف فهم من هذه الآية أن التوحيد يمكن أن يجتمع مع الشرك من الناحية العقلية . هذه واحدة .
والثانية : اللفظ في الآية هو " يؤمن " والإيمان هو التصديق والتصديق لا ينافي الشرك . وليس نقيضه . فقد يؤمن أن الله خالق الكون ويعبد معه غيره ليتقرب إليه . كحال المشركين الذين وصفتهم هذه الآية .
ثم في الآية لم يصفهم بأنهم موحدون ومشركون . لنقول بإمكانية اجتماع التوحيد والشرك في قلب رجل واحد عقلا .
ممكن أن نفهم من هذه الآية أنه قد يجتمع إيمان ببعض الأمور وشرك بالله .

قولك : فهنا أثبت الله لهم إيماناً .. وأثبت لهم شركاً .. هذا في وصف معتقدهم .. لا كحكم شرعي عليهم .

أقول : نعم اثبت لهم إيماناً ببعض الأمور .. وأثبت لهم شركاً ..
ولكنه لم يثبت لهم توحيداً وشركاً في نفس الوقت . بأن وصفهم بأنهم موحدون ومشركون في نفس الوقت .


قولك : وقوله تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت : 65]
فهنا اجتمع الإخلاص والشرك .. هذا عقلاً ..


أقول : وكيف فهم من هذه الآية أن التوحيد يمكن أن يجتمع مع الشرك من الناحية العقلية . هذه واحدة .
والثانية : أن الآية تصفهم أنهم إذا ركبوا في الفلك دعوا الله وحده وأخلصوا له الدين في الدعاء ، وإذا صعدوا للبر ، يشركون به في الدعاء وفي غيره . ولم يصفهم بأنهم في البر موحدون ومشركون . مع أنهم في الفلك كانوا يوحدون الله في الدعاء ، وكانوا في البر يفعلون بعض مظاهر التوحيد والإسلام ولكنهم عندما أشركوا في الدعاء أو في غيره وصفهم بأنهم مشركون. ولم يصفهم بأنهم في فعلهم مشركون ولأن عندهم بعض مظاهر التوحيد والإسلام ، ويوحدون الله في الدعاء في الفلك ، لم يحكم على ذواتهم بالتوحيد والإسلام .


قولك : فهنا اجتمع الإخلاص والشرك .. هذا عقلاً ..

أقول : إخلاص الدين بشكل عام لا يجتمع مع الشرك . لأن المقصود من إخلاص الدين ترك عبادة غير الله . وهذا معنى قوله تعالى : " قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ . وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ " ومعنى قوله تعالى : " قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي . فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ . " ومعنى قوله تعالى : " فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ . أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ "
فلا يوصف من عبد غير الله أنه أخلص دينه لله . لا عقلا ولا شرعا ً . لأن عبادة غير الله تنافي إخلاص الدين له . بمعنى أن يكون خالصاً له . ولو سألت عرب مكة هل أنتم مخلصون الدين لله - بشكل عام - ؟ لقالوا لك : لا ، نحن نعبد معه غيره لنتقرب إليه .
أما الإخلاص بمعنى أن تكون النية خالصة لله في العمل . فهذا لا ينافي وجوده وجود الشرك . لأن المشركون كانوا يعبدون الأصنام بنية التقرب لله .


قولك : " أما شرعاً فهم كفار مشركون في كلتا الحالتين ."



أقول : أنت هنا حكمت على ذواتهم وأعيانهم بالكفر والشرك ولم تقل " بفعلهم الشرك مشركين " ولكن لأن عندهم بعض مظاهر التوحيد والإسلام ، ويوحدون الله في الدعاء في الفلك ، يحكم على ذواتهم بالتوحيد والإسلام .
لماذا حكمت هنا على الفاعل ، وقبل ذلك لم تحكم على الفاعل ، بل حكمت على الفعل . ؟ هل المسألة كيفية يا أبا شعيب ؟
وهل هؤلاء أقيمت عليهم الحجة . ؟


قولك : وأسألك في هذا الصدد ..
الذي يقول بهذا القول ، هل تحكم عليه بالكفر (الذي بمعنى الجحود) أو الشرك (الذي بمعنى عبادة غير الله) ؟


أقول : أنا لم أحكم عليه بأنه أشرك بالله ، ما دام ترك الشرك ، أنا حكمت عليه بأنه لم يفهم التوحيد ولا الشرك ، لأنه اعتقد اجتماعهما في قلب رجل واحد .
ومن لم يفهم التوحيد لا يملك اعتقاده .


قولك : وهل ترى الجهل بالتوحيد يستلزم عبادة غير الله ؟؟ كقوله تعالى : { قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ } [الزمر : 64]
وكقوله : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [الأعراف : 138]
أم أنه لا يستلزم ؟




أقول : أنا لا أعتقد أن الجهل بالتوحيد يستلزم عبادة غير الله .
وما اعتقده : أن من جهل التوحيد لا يملك اعتقاده . ومن جهل أن التوحيد والشرك لا يجتمعان ، فقد جهل توحيد الله شرعاً وعقلاً .


قولك : الآن ، نأتي إلى الحكم الشرعي على فاعل الشرك ، وهو أكثر ما تكلمنا فيه في هذا الموضوع .
نحن الآن عندنا رجل عنده توحيد وعنده شرك ، عنده إيمان وعنده كفر .
جاء رجل آخر ليحكم عليه فقال :
فلان بفعله الشركي هو مشرك بالله في حدود هذا الفعل .. كما قال تعالى : { من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري ، تركته وشركه } .
وهو بفعل التوحيد ، موحد لله في حدود فعله التوحيدي .. كما قال تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت : 65]
يعني : سماه مشركاً لشركه .. وموحداً لتوحيده .
وهذا جائز عقلاً حتى الآن بعد تجزئة المسائل .
أنت تقول إذا علم معنى لا إله إلا الله ، يجب أن يعلم الشرك والتوحيد ومقتضيات كل منهما وما إلى ذلك .. وخلافي معك في ذلك بان واتضح .
ولكنني سأتنازل جدلاً عن خلافي الآن ، وأقرّك على فهمك لكلمة التوحيد .
الآن : هذا الذي فهم الشرك .. هل حكم على هذا الشخص بالشرك ؟ .. الجواب نعم
وهل عند هذا الشخص توحيد ؟ .. الجواب : نعم .
هل يُعلم هذا التوحيد من كلمة الإخلاص ؟ .. الجواب : نعم .
هل هذا الشخص موحد لله تعالى فيما وحّد الله فيه ؟ .. الجواب نعم .
هل ينفعه توحيده بعد أن أشرك بالله ؟ .. الجواب : لا
والسؤال الأخير وجوابه هو مما تحقق عندي من علم ، ولا ألزمه كل امرئ أن يعلمه حتى يدخل الإسلام .
ستقول لي كيف ؟
أقول لك إن عائشة - رضي الله عنها - سألت عن ابن جدعان وعباداته التي كان يقوم بها في الجاهلية ، كوصل الرحم والصدقة ، فسألت إن كان هذا ينفعه ، فأجابها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا ينفعه ما دام كافراً .
والآن أسألك :
هذا الرجل الذي يقول عن المشرك إن عنده شرك وتوحيد .. ويقول : هو مشرك بشركه في شركه ، موحد بتوحيده في توحيده .
عرف الشرك وسمى صاحبه مشركاً .. وعرف التوحيد وسمى صاحبه موحداً
والآن : ماذا تطب منه بعد ذلك ؟ .. أن يُخرجه من الإسلام ؟




أقول : أنت هنا تسأل وتجيب ثم تحكم ، وجوابك لا يلزمني لأنه خطأ عندي ، وما بني على خطأ فهو خطأ .
وإليك أجوبتي على أسئلتك :


قولك : " فلان بفعله الشركي هو مشرك بالله في حدود هذا الفعل .. كما قال تعالى : { من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري ، تركته وشركه "

أقول : لا يقال "فلان بفعله الشركي هو مشرك بالله في حدود هذا الفعل ولكنه موحد لأن عنده بعض مظاهر التوحيد والإسلام .ولم يقل الله سبحانه وتعالى ذلك البتة . بل يقال : بفعله الشركي أشرك بالله وعبد غيره وخرج من التوحيد كشخص معين .
أما عن تقويلك الله سبحانه وتعالى ما لم يقله ، فأقول : لم يقل الله سبحانه وتعالى ما قلته أنت البتة ، ولا يُفهم ذلك من كلامه الذي استشهدت به . بل فيه عكس كلامك .
قوله " تركته وشركه " الترك للفاعل وليس للفعل . فهو حكم على الفاعل وليس على الفعل فقط . وإذا كان الفعل شركاً أكبراً فالترك المقصود فيه : هو أنه لم يعترف به كمسلم موحد . وتركه مع من عبده .
ولا يقال : تركته مع فعله الشرك ، أي حكمت عليه بحدود فعله الشركي بالشرك ، أما خارج حدود فعله فهو موحد .


قولك : " وهو بفعل التوحيد ، موحد لله في حدود فعله التوحيدي .. كما قال تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت : 65]



أقول : لا يقال هو : "بفعل التوحيد ، موحد لله في حدود فعله التوحيدي "
بل يقال : وحد الله في هذا الفعل ، أي لم يصرفه لغيره . ولا يعني هذا ، الحكم عليه كشخص معين بأنه موحد إذا ثبت أنه لم يترك الشرك .
والله سبحانه وتعالى يطالبنا أن نوحده في كل أفعالنا حتى نصبح مسلمين .
قال تعالى : " قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ . "
أقول : هذا هو المسلم الموحد كما وصفته هذه الآية الكريمة ، وليس من وحد الله في فعل وأشرك معه في فعل آخر كما وصفه من لم تكفرهم وتصفهم بأنهم علماء أتقياء مجاهدين .
أما شرح معنى أية ( العنكبوت 65 ) فقد مر سابقا .


قولك : يعني : سماه مشركاً لشركه .. وموحداً لتوحيده .
وهذا جائز عقلاً حتى الآن بعد تجزئة المسائل .




أقول : لا يجوز أن نسميه مشركاً لشركه .. وموحداً لتوحيده .لا عقلا ولا شرعاً . فهذه التسمية ما أنزل الله بها من سلطان . ولقد تحديتك سابقاً أن تأت بدليل واحد عليها ، فلم تأت ولن تأت ، ومع هذا لا زلت تكررها .
من أشرك بالله وعبد غيره فهو مشرك غير موحد ، ولو فعل معظم أفعال التوحيد . هذا حكمه في الشرع واللغة . لأنه يكفي أن يوصف بأنه مشرك كشخص معين ، بفعله أي أنواع الشرك الأكبر .
ولا يقال موحدا لتوحيده ، بل يقال موحداً لأنه ترك جميع أنواع الشرك .
أما إذا لم يصرف فعلاً من أفعال العبادة لغير الله نقول : وحد الله بهذا الفعل ، ولا نقول هو بفعله هذا موحداَ . والآية التي استشهدت بها ليست دليلاً لك ، بل هي عليك . فالله سبحانه وتعالى وصفهم بأنهم : " دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " أي أخلصوا له الدعاء " ولا يعني إخلاصهم الدعاء لله في البحر ، أنهم أصبحوا موحدين مع شركهم ، ولا يعني أنهم عندما خرجوا للبر أشركوا بالله بالدعاء فقط وباقي أعمالهم توحيد .

قولك : أنت تقول إذا علم معنى لا إله إلا الله ، يجب أن يعلم الشرك والتوحيد ومقتضيات كل منهما وما إلى ذلك .. وخلافي معك في ذلك بان واتضح .

أقول : من علم معنى - لا إله إلا الله - من لغة العرب ، يعرف معنى العبادة والشرك والتوحيد ويعرف المشرك من الموحد ، ويعرف كيفية ترك الشرك ، لأنه شُرط عليه ذلك ليحقق كلمة التوحيد. ومن يعرف ذلك يعرف أن التوحيد والشرك لا يجتمعان في قلب رجل واحد . ولا يمكن أن يقال عن شخص واحد بعينه : هذا موحد ومشرك .

قولك : الآن : هذا الذي فهم الشرك .. هل حكم على هذا الشخص بالشرك ؟ .. الجواب نعم "

أقول : الذي يفهم التوحيد والشرك ، سيحكم ولا بد على من عبد غير الله بأنه مشرك ، ولو كان عنده من التوحيد والعمل الصالح بمقدار ما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .
طبعاً سيحكم على شخصه وعينه ، وليس على فعله فقط . بأن يقول : هذا بفعله مشركاً أما بذاته وشخصه فلا ، كما تقوله أنت .


قولك : وهل عند هذا الشخص توحيد ؟ .. الجواب : نعم .

أقول : من فعل الشرك لا يبق عنده أي توحيد . وكل ما عنده هو بعض الأفعال التي يوحد بها الله بمعنى أنه لا يصرفها لغير الله ، ويفعل بعض الأفعال التي أمر بها الله . وهذه لا تسمى توحيداً ( كحكم على الشخص ) وهو يفعل الشرك. لأن من أشرك بالله ، فكل عباداته أصبحت للشيطان . صلاته وصيامه وقيامه وحجه وكل عباداته للشيطان ، وليس لله ، حتى ولو ادعى أنها لله . لهذا بطلت وأصبحت هباءً منثوراً .

قولك : هل يُعلم هذا التوحيد من كلمة الإخلاص ؟ .. الجواب : نعم .


أقول : ما يُعلم من كلمة الإخلاص ، أن هذا ليس توحيداً ما دام خالطه شرك بالله . وما يعلم من كلمة الإخلاص ، أن من لم يترك الشرك لا يسمى موحداً ولا يحقق هذه الكلمة .
وكل ما في الأمر أنه لم يصرف بعض أفعال العبادة إلا لله . فلا يسمى هذا توحيداً - بمعنى الحكم على فاعله بالتوحيد - وهو يشرك مع الله .


قولك : هل هذا الشخص موحد لله تعالى فيما وحّد الله فيه ؟ .. الجواب نعم

أقول : لا يقال هذا الشخص : موحدا لله فيما وحد الله فيه . بل يقال ما دام أشرك بالله ، فهو ليس موحداً ولا في دين الله ، ولو فعل المئات من أفعال التوحيد والإسلام .

قولك : هل ينفعه توحيده بعد أن أشرك بالله ؟ .. الجواب : لا

أقول : من أشرك بالله بطل توحيده ولا يسمى موحداً ، فقد بطلت كل أفعاله . ولا يقال لا ينفعه توحيده ، لأن ما سميته توحيداً قد بطل بفعله الشرك ، وإنما يقال : لا ينفعه ما فعله من أفعال التوحيد والإسلام . لأنه بفعله الشرك لم يبق له توحيد .

قولك : " والسؤال الأخير وجوابه هو مما تحقق عندي من علم ، ولا ألزمه كل امرئ أن يعلمه حتى يدخل الإسلام .

أقول : ما تحقق عندي من علم لكلمة التوحيد ، أن من أشرك بالله الشرك الأكبر فقد نقض توحيده وأصبح مشركا . وما تحقق لي من علم لكلمة التوحيد ، أن من لم يترك الشرك لم يحققها ، وأنت قبلت هذا ، ويقبله من عرف معنى كلمة التوحيد حتى ولو لم يقبلها ويلتزم بها . لهذا ألزم به من أراد أن يدخل دين التوحيد ، وليس أنا الذي ألزم به ، بل الله سبحانه وتعالى ألزم من يريد دخول الإسلام به فقال عز من قائل : " فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ "

قولك : ستقول لي كيف ؟
أقول لك إن عائشة - رضي الله عنها - سألت عن ابن جدعان وعباداته التي كان يقوم بها في الجاهلية ، كوصل الرحم والصدقة ، فسألت إن كان هذا ينفعه ، فأجابها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا ينفعه ما دام كافراً .




أقول : وما علاقة موضوعنا بحديث عائشة هذا ؟
هل عائشة - رضي الله عنها - سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إسلام وكفر ابن جدعان لفعله كثير من أفعال الإسلام ؟ مع أن الحجة لم تقم عليه .
هي سألته عن مدى استفادته من هذه الأفعال في الآخرة . فأجابها بأن هذه الأفعال سوف لا تفيده في الآخرة بشيء لأنه كان يشرك بالله ولم يفعلها لأجل الله .
فما علاقة هذا الحديث في الحكم على فاعل الشرك ؟

قولك : " والآن أسألك :
هذا الرجل الذي يقول عن المشرك إن عنده شرك وتوحيد .. ويقول : هو مشرك بشركه في شركه ، موحد بتوحيده في توحيده .
عرف الشرك وسمى صاحبه مشركاً .. وعرف التوحيد وسمى صاحبه موحداً
والآن : ماذا تطب منه بعد ذلك ؟ .. أن يُخرجه من الإسلام ؟




أقول : هو لم يعرف الشرك ولا التوحيد ، ولو عرف الشرك لعرف أنه لا يجتمع مع التوحيد بل يبطله ، ولعرف أن فاعله ليس في دين الله بعينه وليس بفعله فقط ، ولعرف أن من يحكم على من لم يتركه بالتوحيد وتحقيق كلمة التوحيد ، لم يفهم التوحيد ولا كلمة التوحيد .
ولو عرف التوحيد لعرف أنه لا يجتمع مع الشرك ، وعرف أنه لا يوصف به كشخص معين ، من لم يترك الشرك .
التوحيد الذي يعرفه هذا الشخص : هو التوحيد الذي لا يبطله الشرك ، والشرك الذي يعرفه : هو الشرك الذي لا يبطل التوحيد من أساسه . وكونه حكم على بعض أفعال التوحيد بالتوحيد وحكم على بعض أفعال الشرك بالشرك لا يقال أنه عرف التوحيد والشرك حق المعرفة كما يعرفه من حقق الإسلام .

قولك :عرف الشرك وسمى صاحبه مشركاً .. وعرف التوحيد وسمى صاحبه موحداً .


أقول : هو لم يسم صاحب الشرك مشركاً بعينه ، بل ابتدع بدعة بأن قال : "مشرك بشركه في شركه ، موحد بتوحيده في توحيده" كلام عجيب غريب لم يأت دليل واحد عليه ، بل كل الأدلة تخالفه . ولم يقل به أي عالم معتبر . وعندما سألناه عن معنى هذا الكلام قال : يعني ليس بعينه وذاته . ومحصلة كل هذه التعبيرات ، الغاية منها : أن يحكم على عين الشخص الذي يفعل الشرك الأكبر ، بالإسلام . وهو يعرف معرفة اليقين أنه فعل الشرك الأكبر وحسنه ودعا إليه .
فهل مثل هذا فهم كيف يدخل المرء بعينه الإسلام ؟
أو هل بعد أن فهمه طبقه على أرض الواقع . ؟ أم أنه طبق ما يخالفه وينقضه ؟
من يقل : من شروط دخول الإسلام ترك الشرك وعدم الحكم بالإسلام على من لا يتركه ، وأن هذا هو أمر الله . ثم بعد ذلك يحكم على من لم يترك الشرك بالإسلام والتوحيد . لا يعد ممن دخل الإسلام وحقق شروط دخوله .
نعم مثل هذا قد يكون فهم كيفية دخول الإسلام ولكنه لم يحققه على أرض الواقع بل عمل بعكسه وضده .


قولك : والآن : ماذا تطب منه بعد ذلك ؟ .. أن يُخرجه من الإسلام ؟


أقول : أطلب منه ما دام يدعي أنه فهم كلمة التوحيد وشروطها أن يطبقها على أرض الواقع . لأنه إذا لم يطبقها على أرض الواقع بأن حكم على من لم يترك الشرك بالتوحيد والإسلام ، لم يحققها عملياً ، بل نقضها ولم يحقق الشرط الأول لها وهو الكفر بالطاغوت ، حتى ولو أنه ترك الشرك .

قولك : أسألك : ما معنى إخراجه من الإسلام ؟

أقول : إخراجه من الإسلام يعني : عدم الحكم على ذاته وشخصه بأنه موحد مسلم في دين الله . وليس لها علاقة بحبوط عمله أو عدمه ، لأن هذا يعرف بعد دخول الإسلام .

قولك : هل يعني : حبوط عمله وإيجاب الخلود في النار عليه ؟

أقول : لا يعني حبوط عمله . ولا يعني الحكم عليه بأنه سيعذب في الآخرة .

قولك : وما معنى معرفة أن الشرك ينقض التوحيد ؟



أقول : يعني معرفته : أن من أشرك بالله الشرك الأكبر ليس موحداً وليس في دين الله . طبعاً بعينه وشخصه .

قولك : هل يعني : معرفة أن الشرك ينقض ثواب التوحيد ؟ أم غير ذلك ؟

أقول : لا يعني معرفة : أن الشرك ينقض ثواب التوحيد .

قولك : إن قلت غير ذلك ، وجعلت نقض الشرك للتوحيد هو في غير الثواب ولكن في أصل العمل ، فهل الشرك في مسألة ، ينقض التوحيد في مسألة أخرى ؟ .. هذا لا يمكن عقلاً ولا لغة ، بل ولا شرعاً .

أقول : ومن قال لك أن الشرك ينقض التوحيد في مسألة ولا ينقضها في مسألة أخرى ؟ الشرك الأكبر مهما كان بسيطاً ، ينقض كل التوحيد ويجعل الشخص بعينه مشركاً غير موحد ، وليس في دين الله ، ولو كان عنده من التوحيد والعمل الصالح بقدر ما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا أبا شعيب : أنت تفترض كما تريد وتحكم كما تريد وتقول محاورك ما لم يقله.


قولك : فلا يمكن أن نقول إن الذي لا يدعو إلا الله تعالى ، ولكنه مشرك في التحاكم .. لا يمكن أن نقول هو مشرك بالدعاء بسبب شركه في التحاكم .
نعم ، نسميه مشركاً وكافراً لحبوط عمله وانتقاض ثوابه ، لكن الحقيقة باقية أنه عنده بعض توحيد وبعض إيمان لا ينفعه بسبب شركه .


أقول : يا رجل : نحن نحكم على عين الشخص ككل متكامل ، ولا نحكم على أفعاله فعلاً فعلاً . من فعل الشرك الأكبر مشرك غير موحد ، وليس في دين الله بعينه وشخصه . وهذا الحكم لا يمنع أن يكون عنده بعض أعمال الإسلام والتوحيد . ولا يعني حكمنا عليه بالشرك وعدم دخوله دين الإسلام أننا أنكرنا أن عنده بعض أعمال التوحيد والإسلام . فهذه لم ينكرها أحد .
وحكمنا عليها بالبطلان لأن ربنا حكم عليها بالبطلان ، فإذا لم يأت دليل يبين ذلك لم نحكم عليها بشي من عندنا ، وسنوكل أمرها لله .
فقط نقول : من فعل الشرك الأكبر مشرك وغير موحد ، وليس في دين الله مع فعله بعض أفعال الإسلام والتوحيد . وإذا سُئلنا كما سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن عمله الصالح هل سيفيده بالآخرة ؟ سنقول : الله أعلم لم يأتنا بهذا خبر .


قولك : نعم ، نسميه مشركاً وكافراً لحبوط عمله وانتقاض ثوابه ، لكن الحقيقة باقية أنه عنده بعض توحيد وبعض إيمان لا ينفعه بسبب شركه .

أقول : لا نسميه مشركاً وكافراً لحبوط عمله وانتقاض ثوابه . بل نسميه مشركا ، غير موحد ، ليس في دين الله . لأنه فعل الشرك الأكبر ، وليس لأن عمله قد أحبط وانتقض ثوابه . لأن مسألة انتقاض العمل والثواب والعقاب مسألة أخرى ليس لها علاقة في الحكم على شخصه وعينه . وهذه تحتاج لإقامة حجة وإرسال رسل .
قال تعالى : " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا "


قولك : لكن الحقيقة باقية أنه عنده بعض توحيد وبعض إيمان

أقول : لا يقال عنده بعض التوحيد وبعض الإيمان ، لأن التوحيد والإيمان لا يتبعض في الشخص المعين . بل يقال عنده بعض أعمال التوحيد والإسلام ويؤمن ببعض الأشياء .
والحكم على الشخص المعين يكون : إما موحد وإما مشرك ، وإما مؤمن وإما كافر. ولا يقال بعضه مشرك وبعضه موحد . أو بعضه مؤمن وبعضه كافر .


قولك : لذلك يدلل الله تعالى على كفر وشرك الأفعال بحبوط العمل في أكثر من موضع ، كقوله : { وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأعراف : 147]
وقوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [محمد : 9]
وقوله :{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [محمد : 28]
وقوله : { ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأنعام : 88]
والآيات في ذلك كثيرة .
فهل لك أن توضح لنا هذه المسائل مشكوراً ؟




أقول : هذه الآيات تبين أن أعمال المشرك محبطه يوم القيامة بسبب كفره وشركه ، ولا يعني ذلك أنه سمي بمشرك أو حكم عليه بالشرك وعدم التوحيد ، لأن أعماله محبطة . فإحباط الأعمال نتيجة وليست سببا . والسبب هو فعل الشرك والكفر .

صفوان 11-02-2017 08:50 PM

أبو شعيب :
بسم الله الرحمن الرحيم ،

الرد على مشاركة رقم #47 :

كان الأولى أن ترد في موضع الرد ، خارج هذا الموضوع ..

يعني خلافنا كله هو في كلمة "الراجح" ؟ ..

كان الأولى أن تقول : الغالب في هذا الفعل أنه عبادة .. أو تقول : لا يكاد أحد يفعله إلا لعبادة .

وإن شئت إكمال الحوار في ذلك .. فالموضوع الذي ذكرتُه فيه ما زال مفتوحاً ، فتفضل هناك مشكوراً ، ولا تزيد هذا الموضوع تشعباً ..

وجزاك الله خيراً .


-----------------------------------------

الرد على مشاركة رقم #48 :

تقول :

[-- أقول : لماذا كفرته يا أبا شعيب ؟
فقد أجاز الله أن تجتمع الطاعة والمعصية في قلب الإنسان ولا يكون كافراً . --]


قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يجتمع الشح والإيمان في جوف رجل مسلم ) .

ماذا تفهم من هذا الحديث ؟

هل يجوز لك أن تقول : يجوز في الإسلام اجتماع الشح والإيمان في جوف رجل مسلم ؟

ما رأيك لو سألتك : هل يُجيز الله - تعالى - أن يجمع الناس المعاصي مع الطاعات ؟؟ ما سيكون جوابك ؟؟

لا بد أن تقول لا .. لأن الله - عز وجل - لا يُجيز اقتراف المعاصي .

يعني بتعبير أوضح أقول : لو جاءك رجل وقال : هل يجوز لي شرعاً أن أعصي الله وأطيعه ؟ .. ماذا سيكون جوابك ؟

هل ستقول له : لا يجوز لك ، ولكن ذلك لا ينقض إيمانك حتى تستحل ؟؟ .. أم ستقول له يجوز لك أن تعصي الله وتطيعه ؟؟


تقول :

[-- ويجوز أيضاً من الناحية العقلية أن تجتمع المعصية والطاعة في قلب رجل واحد . فالطاعة في أمر والمعصية في أمر آخر ليسا نقيضين. --]

جميل جداً .. يعني أنت تقول إن العقل يقرر أن المعصية في نفس الأمر نقيض الطاعة .. صح ؟

أما في المسائل المختلفة ، فيجوز عقلاً أن يعصي الله في أمر ، ويطيعه في أمر آخر ، صح ؟؟ مع أن المعصية نقيض الطاعة .

الآن أود أن أسألك سؤالاً ..

ما رأيك فيمن يقول عن رجل يعصي الله : هذا الرجل مطيع وتقي ؟

هل تكفّره ؟

ماذا لو قال لك : أنا لم أحكم عليه بالطاعة والتقوى لمعصيته ، وإنما حكمت عليه لأن عنده جبال عظيمة من أعمال البر ، وعنده من التقوى والعمل الصالح ما تغمر هذه المعاصي ، فغلب عليه حكم الطاعة على حكم المعصية .

هل في كلامه شيئ حينها ؟

لقد قال أبو حنيفة - رحمه الله - فيما اشتهر عنه : من سمّى الظالم عادلاً فهو كافر .

لكن ما رأيك لو سماه عادلاً لكثير العدل الذي يعمله ، مع إقراره أن فيه بعض ظلم ، لكنه مغمور في بحار عدله ؟

هل سينطبق عليه كلام أبي حنيفة ؟

وما رأيك لو سمى الزاني القاتل الظالم السارق الفاجر : تقيّاً أو مطيعاً ؟

هل يشك أحد حينها في كفره ؟

وعقلك الآن يقرر اجتماع النقيضين (الطاعة والمعصية) في قلب رجل .. ولكن بشرط اختلاف المسائل .


تقول :

[-- وممكن أن نقول من الناحية الشرعية ومن الناحية العقلية : يجوز أن يجتمع الشرك الأصغر مع التوحيد في قلب رجل واحد . --]

ليس من الناحية الشرعية .. اضبط اللفظ ، هداك الله .

الصواب أن تقول : يجوز أن يجتمع في الحكم الشرعي على الناس الشرك الأصغر والتوحيد .. لا في الشرع نفسه .

كيف يعني في الحكم الشرعي على الناس ؟

يعني : عند إطلاق الأحكام الشرعية على الناس ، يجوز أن نقول : فلان مسلم ، مع ما يعمله من معاصي تنقص إيمانه .. ولكن لا يجوز لك شرعاً أن تقول : يجوز أن يجمع الرجل بين المعصية والإيمان .. فهذا تجويز لفعل المعصية في الشرع ..

فأرجو أن تضبط الألفاظ ، فهذا أمر مهم .. لأن هذا الجواز محصور فقط في مسائل الأسماء والأحكام الشرعية التي يحكم بها المرء على الناس ، فلا يرتاع أحد ويرتهب من قولنا : فلان يجيز اجتماع الشرك مع التوحيد .. فهو بمثل سوء فهم قولنا : فلان يجيز اجتماع الطاعة مع المعصية .


تقول :

[-- ولكن لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية العقلية ، يجوز أن يجتمع الشرك الأكبر مع التوحيد في قلب رجل واحد ، لأنهما ضدان ، والضد مع ضده لا يجتمع ، كما أن النهار مع الليل لا يجتمع . فإذا حضر أحدهما ذهب الآخر . --]

\


[-- أقول : يا أبا شعيب . نحن نتحدث عن الإجازة الشرعية والعقلية لإمكانية تواجد الشرك والتوحيد في قلب رجل واحد .
فالتوحيد والشرك في قلب رجل واحد لا يجتمعان ، هذا من الناحية الشرعية والعقلية . فالتوحيد نقيض الشرك لغة وشرعاً ، والضد لا يجتمع مع ضده عقلا وشرعاً . --]


والمعصية نقيض الطاعة ، هذا لغة وعقلاً وشرعاً .. فكيف ساغ لك أن تجمع بينهما عقلاً وهما نقيضان ؟

ستقول لي : جزّات الإيمان وجعلته مسائل .. وعند التجزيء تتقرر هذه المسألة عقلاً وشرعاً .

فأقول لك : وعند تجزئة الإيمان أيضاً ، يصحّ عقلا أن يشرك المرء في بعض أجزائه ، ويوحّد في أجزائه الأخرى .

مثاله : رجل لا يذبح إلا لله ، ولا يسجد إلا لله ، ولا يدعو إلا الله .. ولكنه يشرك بالله في التحاكم .

هل يجوز هذا عقلاً ؟ .. الجواب قطعاً يجوز ، إلا عند من غاب عقله
.

[-- وكذلك من الناحية العقلية لا يجوز أن يتواجد التوحيد والشرك في قلب رجل واحد إذا كانا نقيضين . إلا إذا فُهم أن التوحيد ليس نقيضاً للشرك . ففي هذه الحالة يمكن أن يجتمعا في قلب رجل واحد . ومن فهم أن الشرك ليس نقيضا للتوحيد ، فلم يفهم التوحيد ولم يفهم الشرك في دين الله . --]

بيّنت هذه المسألة في الأعلى .. وأختصر وأقول :

لا يجوز عقلاً اجتماع المعصية والطاعة في نفس الأمر .. لأنهما نقيضان .. ويجوز ذلك عقلاً إن تم تجزئة الإيمان إلى مسائل ، فنقول : عصى الله في مسائل .. وأطاعه في مسائل أخرى .

وكذلك عند الحديث عن التوحيد والشرك .. لا يصح عقلاً أن نقول : يجتمع التوحيد والشرك في قلب رجل .. ولكن عند تجزئة المسائل ، نقول : يجوز عقلاً أن يوحد رجل الله في مسائل ، ويشرك به في مسائل .

أما الشرع فيقول : إن الشرك ناقض لثواب التوحيد .

وهناك الكثير من المسائل المكررة التي ذكرتها أنت في ردّك ، سأعرض عنها .. اللهم إلا إن كانت هناك مسألة غفلتُ عنها ولم أذكر لها جواباً ، فنبهني إليها .. واعلم أنني لم أتعمد إغفالها .


تقول :

[-- والثانية : اللفظ في الآية هو " يؤمن " والإيمان هو التصديق والتصديق لا ينافي الشرك . وليس نقيضه . فقد يؤمن أن الله خالق الكون ويعبد معه غيره ليتقرب إليه . كحال المشركين الذين وصفتهم هذه الآية . --]

وهل عبادة غير الله لا تتناقض مع التصديق بأن الله خالق الكون ؟

انظر إلى هذه الآية : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } [الزخرف : 87]

فيها دليل على أن عبادة غير الله تنقض إقرارهم وتصديقهم بوحدانية الله في الخلق .

ولقد قلت :


[-- ممكن أن نفهم من هذه الآية أنه قد يجتمع إيمان ببعض الأمور وشرك بالله . --]

وهل يمكن اجتماع الإيمان بجميع الأمور وشرك بالله ؟؟

ما دام عندك إن الإيمان هنا هو التصديق الذي لا ينقضه الشرك .. فقل لي إذن : هل يمكن أن يصدّق المرء بجميع أمور الوحدانية ، وهو في نفس الوقت مشرك ، ونقول : إن تصديقه الكامل لا ينقضه الشرك ؟


تقول :

[-- والثانية : أن الآية تصفهم أنهم إذا ركبوا في الفلك دعوا الله وحده وأخلصوا له الدين في الدعاء ، وإذا صعدوا للبر ، يشركون به في الدعاء وفي غيره . ولم يصفهم بأنهم في البر موحدون ومشركون . مع أنهم في الفلك كانوا يوحدون الله في الدعاء ، وكانوا في البر يفعلون بعض مظاهر التوحيد والإسلام ولكنهم عندما أشركوا في الدعاء أو في غيره وصفهم بأنهم مشركون. ولم يصفهم بأنهم في فعلهم مشركون ولأن عندهم بعض مظاهر التوحيد والإسلام ، ويوحدون الله في الدعاء في الفلك ، لم يحكم على ذواتهم بالتوحيد والإسلام --]


الآية واضحة ، يقول الله تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت : 65]

ذكر الله تعالى أنهم أخلصوا لله في الدعاء في البحر .. فهل دخلوا الإسلام بذلك في تلك اللحظة ؟؟

أليس الإخلاص نقيض الشرك ؟؟ .. فكيف يقول الله تعالى إنهم أخلصوا في الدعاء وهم في تلك اللحظة ما زالوا مشركين ؟؟

هذا يبين لك أنه يُمكن عقلاً اجتماع الإخلاص في بعض الأمور مع الشرك في أمور أخرى ..

أما وصفهم .. فدعك منه الآن .. ليس هذا كلامنا .. لأن التوصيف هذا الذي تقوله إنما يُستقى من أدلة القرآن والسنة .. لا من مجرّد لا إله إلا الله ..

وقد تقرر عقلاً عند التفريق في المسائل جواز أن يوحد إنسان الله في بعض المسائل ، ويشرك به في مسائل أخرى ..

نعم ، هو في دين الله اسمه مشرك وكافر .. ولا ثواب لتوحيده .. لكن هذه المسائل تعرف فقط بالأدلة الشرعية ، لا من مجرد لا إله إلا الله .

لا إله إلا الله تثبت أنه مشرك في حدود فعله ، وأن توحيده في هذا الفعل انتقض .. أما انتقاض جميع الإيمان فلا يثبته إلا الدليل الشرعي .


تقول :


[-- أقول : إخلاص الدين بشكل عام لا يجتمع مع الشرك . لأن المقصود من إخلاص الدين ترك عبادة غير الله . وهذا معنى قوله تعالى : " قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ . وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ " ومعنى قوله تعالى : " قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي . فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ . " ومعنى قوله تعالى : " فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ . أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ "
فلا يوصف من عبد غير الله أنه أخلص دينه لله . لا عقلا ولا شرعا ً . لأن عبادة غير الله تنافي إخلاص الدين له . بمعنى أن يكون خالصاً له . ولو سألت عرب مكة هل أنتم مخلصون الدين لله - بشكل عام - ؟ لقالوا لك : لا ، نحن نعبد معه غيره لنتقرب إليه .
أما الإخلاص بمعنى أن تكون النية خالصة لله في العمل . فهذا لا ينافي وجوده وجود الشرك . لأن المشركون كانوا يعبدون الأصنام بنية التقرب لله . --]


وإخلاص الدين بشكل خاص وفي مسألة خاصة ؟ هل تجتمع مع الشرك في مسائل أخرى ؟؟

روى مسلم في صحيحه أن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي رسول الله ! أرأيت أموراً كنت أتحنث بها في الجاهلية ؛ من صدقه أو عتاقة أو صلة رحم . أفيها أجر ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أسلمت على ما أسلفت من خير " .

وجاء في حديث آخر : ( إذا أسلم الكافر فحسن إسلامه : كتب الله تعالى له كل حسنة زلفها ، ومحا عنه بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، والسيئة بمثلها ، إلا أن يتجاوز الله سبحانه وتعالى )

استشهد العلماء من هذا الحديث أنه من عمل عملاً صالحاً يبتغي به وجه الله وحده في الجاهلية ، فإنه يُكتب له عمل صالح في الإسلام ..

فهل ترى أنه لو عمل هذه الأعمال للأصنام سيُكتب له أجر في الإسلام ؟؟ .. لا أظنك تقول نعم .

فهذا دليل على وجود الإخلاص في بعض أعمال المشركين ، وإن كان شركهم هذا ينقض ثوابه .


تقول :

[-- أقول : أنت هنا حكمت على ذواتهم وأعيانهم بالكفر والشرك ولم تقل " بفعلهم الشرك مشركين " ولكن لأن عندهم بعض مظاهر التوحيد والإسلام ، ويوحدون الله في الدعاء في الفلك ، يحكم على ذواتهم بالتوحيد والإسلام .
لماذا حكمت هنا على الفاعل ، وقبل ذلك لم تحكم على الفاعل ، بل حكمت على الفعل . ؟ هل المسألة كيفية يا أبا شعيب ؟
وهل هؤلاء أقيمت عليهم الحجة . ؟ --]


لأن يسير الشرك ينقض كل التوحيد .. هذا ما بينه الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في مواضع كثيرة .

ولا ، لا يُشترط إقامة الحجة عليه إن أشرك بالله .. فإن إيمانه ينتقض من فوره . (هذا معتقدي أنا الذي استقيته من أدلة الكتاب والسنة) .


تقول :

[-- أقول : أنا لم أحكم عليه بأنه أشرك بالله ، ما دام ترك الشرك ، أنا حكمت عليه بأنه لم يفهم التوحيد ولا الشرك ، لأنه اعتقد اجتماعهما في قلب رجل واحد .
ومن لم يفهم التوحيد لا يملك اعتقاده . --]


سؤالي كان واضحاً .. هل تحكم عليه بالشرك أم الكفر ؟ أم أن هناك مصطلح آخر يبيّن حاله ؟

تقول :

[-- أقول : أنا لا أعتقد أن الجهل بالتوحيد يستلزم عبادة غير الله .
وما اعتقده : أن من جهل التوحيد لا يملك اعتقاده . ومن جهل أن التوحيد والشرك لا يجتمعان ، فقد جهل توحيد الله شرعاً وعقلاً . --]


يعني ما أفهمه من كلامك هو :

يُمكن لرجل أن يوحّد الله في العبادة ، ويحبها ويحب أهلها ، ويترك عبادة من سواه ، ويعتقد بطلانها ويبغضها ويبغض أهلها .. وهو في نفس الوقت ليس مشركاً .

رجل لا يفهم التوحيد ، فكيف يوحد الله بالعبادة إذن ؟؟ .. أفهمني من فضلك .

يعني من لا يفهم توحيد الله تعالى .. إما أنه يرى جواز عبادة غير الله .. أو هو نفسه يعبد غير الله ..

قال الله تعالى : { قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ } [الزمر : 64] .. فهم هنا كانوا يأمرون بعبادة غير الله تعالى ، لأنهم جاهلون بالتوحيد .

وقال تعالى : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [الأعراف : 138] .. وهنا استحسنوا الشرك .. لأنهم جاهلون بالتوحيد .

فكيف يتأتى لرجل لا يعرف توحيد الله تعالى ، أن يبغض عبادة غير الله ، ولا يقوم بها ، ويعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً .. ثم نقول عنه : إنه لا يفهم التوحيد ؟؟

أما عن الجهل بأن التوحيد والشرك لا يجتمعان في موضع واحد .. فلا يقول أحد من العقلاء أنهما يجتمعان ..

ولا يقول عاقل إن الطاعة والمعصية تجتمعان في موضع واحد .

ولكن يُمكن لعاقل يفهم ويعقل أن يقول : الإيمان أجزاء ومسائل .. فيُمكن لرجل أن يوحّد الله في مسائل ، ويشرك به في مسائل .. كما يُمكن أن يقول : يمكن للمرء أن يطيع الله في مسائل ، ويعصيه في مسائل .. مع أن الطاعة والمعصية نقيضان ، لكن عند التجزئة يزول التناقض .

ثم بعد أن يحكم على بعض الأفعال بالشرك .. والبعض الآخر بالتوحيد .. فقد حقق المطلوب منه من الشهادة .

أما تغليب حكم الشرك على التوحيد ، ومعرفة أن الشرك في مسألة ما ينقض التوحيد في جميع المسائل الأخرى ، فهو من المسائل الشرعية التي تستقى من الكتاب والسنة ، ولا يلزم المرء أن يعتقد بها حتى يدخل الإسلام .


تقول :

[-- أما عن تقويلك الله سبحانه وتعالى ما لم يقله ، فأقول : لم يقل الله سبحانه وتعالى ما قلته أنت البتة ، ولا يُفهم ذلك من كلامه الذي استشهدت به . بل فيه عكس كلامك .
قوله " تركته وشركه " الترك للفاعل وليس للفعل . فهو حكم على الفاعل وليس على الفعل فقط . وإذا كان الفعل شركاً أكبراً فالترك المقصود فيه : هو أنه لم يعترف به كمسلم موحد . وتركه مع من عبده .
ولا يقال : تركته مع فعله الشرك ، أي حكمت عليه بحدود فعله الشركي بالشرك ، أما خارج حدود فعله فهو موحد . --]


لو كان هذا الحديث في الشرك الأصغر ، فإن الله يترك هذا الشخص مع شركه في حدود هذا الفعل .. لأن دلالة هذا الحديث هي في الأعمال الصالحة .

فلو جاء رجل وفهم من هذا الحديث هذا المعنى أيضاً في الشرك الأكبر .. وقال إن فلان مشرك في فعله الشركي .. فهذا قد حقق المطلوب من شهادة التوحيد .. ويكفيه ذلك .


تقول :

[-- أقول : لا يقال هو : "بفعل التوحيد ، موحد لله في حدود فعله التوحيدي "
بل يقال : وحد الله في هذا الفعل ، أي لم يصرفه لغيره . ولا يعني هذا ، الحكم عليه كشخص معين بأنه موحد إذا ثبت أنه لم يترك الشرك .
والله سبحانه وتعالى يطالبنا أن نوحده في كل أفعالنا حتى نصبح مسلمين .
قال تعالى : " قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ . "
أقول : هذا هو المسلم الموحد كما وصفته هذه الآية الكريمة ، وليس من وحد الله في فعل وأشرك معه في فعل آخر كما وصفه من لم تكفرهم وتصفهم بأنهم علماء أتقياء مجاهدين .
أما شرح معنى أية ( العنكبوت 65 ) فقد مر سابقا . --]


كلامك كله تنقضه آية العنكبوت هذه .. فإن الله تعالى قال : { مخلصين له الدين } .. سماهم مخلصين في حدود فعلهم .. وكلامك لا شيء أمام كلام الله - عز وجل - .

تقول :

[-- أقول : لا يجوز أن نسميه مشركاً لشركه .. وموحداً لتوحيده .لا عقلا ولا شرعاً . فهذه التسمية ما أنزل الله بها من سلطان . ولقد تحديتك سابقاً أن تأت بدليل واحد عليها ، فلم تأت ولن تأت ، ومع هذا لا زلت تكررها . --]

أما عقلاً ، فقد قررته عقلاً بعد تجزئة المسائل .. أما شرعاً ، فهو غير مقرر شرعاً لأن الشرك في مسألة ينقض التوحيد في باقي المسائل ، وهذا لا يُعلم إلا بالأدلة الشرعية .

ثم هذا عندك لا يجوز .. وعندنا يجوز وبنص القرآن : { دعوا الله مخلصين له الدين } .. سماهم مخلصين في حالة خاصة .. مع أنهم في أحوال أخرى مشركين غير مخلصين .. ولم يكونوا بهذا الإخلاص موحدين ، ولا يُسمون مخلصين تسمية عامة .


تقول :

[-- أما إذا لم يصرف فعلاً من أفعال العبادة لغير الله نقول : وحد الله بهذا الفعل ، ولا نقول هو بفعله هذا موحداَ . والآية التي استشهدت بها ليست دليلاً لك ، بل هي عليك . فالله سبحانه وتعالى وصفهم بأنهم : " دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " أي أخلصوا له الدعاء " ولا يعني إخلاصهم الدعاء لله في البحر ، أنهم أصبحوا موحدين مع شركهم ، ولا يعني أنهم عندما خرجوا للبر أشركوا بالله بالدعاء فقط وباقي أعمالهم توحيد . --]

كلامك متناقض بعضه في بعض .

تقول عن فلان إنه وحّد الله في هذا الفعل .. ماذا تسميه إذن في حدود هذا الفعل ؟؟ .. هل تقول : هو وحّد الله في هذا الفعل ، ولكنه مشرك في هذا الفعل ؟؟

هل يقول هذا عاقل ؟؟

ما دمت قد قررت الفعل .. فقرر اسم الفاعل .

قل : هو موحد لله في هذا الفعل .. ومشرك معه في باقي الأفعال .. صعبة عليك ؟؟

ثم الله - عز وجل - نفسه قد قرر اسم الفاعل في حدود ذلك الفعل ، وسماهم مخلصين ، في حدود ذلك الفعل .. فما وجه الإنكار على كلامي ؟؟ أم هو فقط مجرد الاعتراض لا أكثر ؟؟

ستقول لي أنني قلت هو موحد لتوحيده ، مشرك لشركه .. حتى تجعل اللائمة عليّ وعلى أسلوبي في التعبير .

فأقول لك : لقد بيّنت في مواضع كثيرة ما أقصد بهذه العبارة ، وقد قلت أنا ذلك بعدما بيّنت بجلاء العبارة أنه في حدود أفعاله ، بعد تجزئة المسائل .


فقلت : [-- فلان بفعله الشركي هو مشرك بالله في حدود هذا الفعل --] .. ثم قلت : [-- وهو بفعل التوحيد ، موحد لله في حدود فعله التوحيدي --] .. ثم ختمت هذا فقلت واصفاً حكم هذا الرجل على المشرك : [-- سماه مشركاً لشركه .. وموحداً لتوحيده --] .. وقلت أيضاً : [-- وهذا جائز عقلاً حتى الآن بعد تجزئة المسائل --]

فكل من يقرأ سياق الحديث سيفهم أنني أتكلم في حدود الأفعال ، وبعد التفريق في المسائل وتجزئة الإيمان .

تقول :

[-- أقول : الذي يفهم التوحيد والشرك ، سيحكم ولا بد على من عبد غير الله بأنه مشرك ، ولو كان عنده من التوحيد والعمل الصالح بمقدار ما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .
طبعاً سيحكم على شخصه وعينه ، وليس على فعله فقط . بأن يقول : هذا بفعله مشركاً أما بذاته وشخصه فلا ، كما تقوله أنت . --]


وهل صار المشركون مشركين إلا بأفعالهم الشركية ؟

وعندما نشتق اسم الفاعل من كلمة : أشرك .. ونقول : هو مشرك .. أليس هذا حكماً على الشخص ؟

ولماذا لم تتكلم عن مسألة التجزئة هذه ولم تعقب عليها ؟؟

ماذا تقول عن رجل اجتمع فيه طاعة ومعصية ؟ .. هل تقول : مطيع في فعل الطاعة ، عاص في فعل المعصية ؟

أم أن لك حكماً آخر ؟ فإن كان كذلك ، فبيّنه لنا لو سمحت .

فإن أجزت مثل هذا التوصيف بعد تجزئة المسائل ، ويصح ذلك عندك عقلاً ولغة وشرعاً .. فكيف لا يصح عندك عقلاً ولغة تجزئة المسائل أيضاً في التوحيد والشرك ؟؟

فكما أن الطاعة نقيض المعصية ، ولا يمكن أن تجتمع طاعة ومعصية في فعل واحد .. فكذا هو الحال مع التوحيد والشرك .

إلا أن الشرك ينقض ثواب التوحيد ، وهذا يُعلم فقط بالدليل الشرعي من الكتاب والسنة .. وليس في فطرة العقل .


تقول : [-- أقول : من فعل الشرك لا يبق عنده أي توحيد . وكل ما عنده هو بعض الأفعال التي يوحد بها الله بمعنى أنه لا يصرفها لغير الله ، ويفعل بعض الأفعال التي أمر بها الله . وهذه لا تسمى توحيداً ( كحكم على الشخص ) وهو يفعل الشرك. لأن من أشرك بالله ، فكل عباداته أصبحت للشيطان . صلاته وصيامه وقيامه وحجه وكل عباداته للشيطان ، وليس لله ، حتى ولو ادعى أنها لله . لهذا بطلت وأصبحت هباءً منثوراً . --]

هذه الأمور كلها تفهم بالدليل الشرعي أم من منطوق كلمة الشهادة ؟؟

أما قولك إن من أشرك بالله فقد استحالت عباداته التي وحّد الله فيها للشيطان ، وإن صرفها لله .. فهذا باطل .. ويردّه حديث حكيم بن حزام ؛ فإنه كان يتعبد لله في الجاهلية ، على ما هو فيه من شرك .. ثم بعدما أسلم ، تحقق له ثواب عمله الذي عمله في الجاهلية .

ولكن الصواب أن يقال : إنهم بحبوط أعمالهم وعباداتهم التي صرفوها لله وحده ، بسبب ما هم عليه من شرك وكفر ، لم يتبق لهم سوى معصية شركهم .. فكانت عبادتهم لله تعالى غير معتبرة ، إذ أنها لا ثواب فيها ، ولا تُكتب لهم في صفائح أعمالهم .. فكأنهم لم يفعلوها .

أما عبادتهم لغير الله فهي معتبرة ، لذلك يحملون أوزار شركهم ويُكتب هذا في صفائح أعمالهم ، فلا يكون عندهم إذ ذاك إلا الشرك .. فيكونون عبيداً للشيطان بهذا الاعتبار ، لا عبيداً لله .


فتصحيح مقولتك : [-- من فعل الشرك لا يبق عنده أي توحيد --] هو : ( من فعل الشرك لا يبق عنده ثواب أي توحيد . )

تقول :


[-- أقول : وما علاقة موضوعنا بحديث عائشة هذا ؟
هل عائشة - رضي الله عنها - سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إسلام وكفر ابن جدعان لفعله كثير من أفعال الإسلام ؟ مع أن الحجة لم تقم عليه .
هي سألته عن مدى استفادته من هذه الأفعال في الآخرة . فأجابها بأن هذه الأفعال سوف لا تفيده في الآخرة بشيء لأنه كان يشرك بالله ولم يفعلها لأجل الله .
فما علاقة هذا الحديث في الحكم على فاعل الشرك ؟ --]


الشاهد فيه أنها لم تكن تعلم أن الشرك يبطل ثواب جميع الأعمال التي وحّد الله فيها .. وهذا دليل أنه لا يعلم ذلك إلا بالدليل الشرعي .

نعم ، هي لم تسأله عن إيمان أو كفر .. بل كانت مقرة بكفره .. لكنها لم تكن تعلم أن عمله الذي أحسن فيه في الجاهلية لا ينفعه في الآخرة .


تقول :

[-- التوحيد الذي يعرفه هذا الشخص : هو التوحيد الذي لا يبطله الشرك ، والشرك الذي يعرفه : هو الشرك الذي لا يبطل التوحيد من أساسه . وكونه حكم على بعض أفعال التوحيد بالتوحيد وحكم على بعض أفعال الشرك بالشرك لا يقال أنه عرف التوحيد والشرك حق المعرفة كما يعرفه من حقق الإسلام . --]


ما معنى أن الشرك يبطل التوحيد من أساسه ؟ ..

[-- أقول : هو لم يسم صاحب الشرك مشركاً بعينه ، بل ابتدع بدعة بأن قال : "مشرك بشركه في شركه ، موحد بتوحيده في توحيده" كلام عجيب غريب لم يأت دليل واحد عليه ، بل كل الأدلة تخالفه . ولم يقل به أي عالم معتبر . وعندما سألناه عن معنى هذا الكلام قال : يعني ليس بعينه وذاته . ومحصلة كل هذه التعبيرات ، الغاية منها : أن يحكم على عين الشخص الذي يفعل الشرك الأكبر ، بالإسلام . وهو يعرف معرفة اليقين أنه فعل الشرك الأكبر وحسنه ودعا إليه .
فهل مثل هذا فهم كيف يدخل المرء بعينه الإسلام ؟
أو هل بعد أن فهمه طبقه على أرض الواقع . ؟ أم أنه طبق ما يخالفه وينقضه ؟
من يقل : من شروط دخول الإسلام ترك الشرك وعدم الحكم بالإسلام على من لا يتركه ، وأن هذا هو أمر الله . ثم بعد ذلك يحكم على من لم يترك الشرك بالإسلام والتوحيد . لا يعد ممن دخل الإسلام وحقق شروط دخوله .
نعم مثل هذا قد يكون فهم كيفية دخول الإسلام ولكنه لم يحققه على أرض الواقع بل عمل بعكسه وضده . --]


هل العبرة بفهم كيفية دخول المرء الإسلام بالتفصيل ، أم بدخوله هو نفسه بالإسلام ؟

يعني أشبه ذلك برجل يريد دخول المسجد للصلاة ، قالوا له : لا تصح صلاتك إلا أن تكون طاهراً متوضئاً .. فتطهر وتوضأ وصلى .. فهذه صلاته مقبولة عند الله إن استوفى شروطها .

ثم لم يلبث برهة إلا وجاء رجل آخر لم يتنزه من بوله ، وقد توضأ وصلى واستوفى صلاته .. فقال الأول : أنا أعلم أن الوضوء لا يُذهب نجاسة البول عن ثيابه ، وأنه قد صلى هذه الصلاة وهو غير طاهر .. لكن هل تبطل صلاته أم يعذره الله بجهله فيقبلها منه ؟؟

هذا في حال من يعذر بالجهل مع علمه أن هذا الفعل يُبطل جميع العمل .

( مع ملاحظة أن من صلى لغير طهارة بطلت صلاته ولا يُعذر بالجهل في بطلان الصلاة ، ومتى ما انتبه لذلك وجب عليه الإعادة )

أو قال : أنا أعلم أن التنزه من البول واجب للصلاة ، وأعلم أن الله لا يرضى التدنس به عند الصلاة .. وأنا لن أفعله ، وسأتطهر منه دائماً إرضاء لله تعالى .. ولكن لا أدري إن كان هذا الفعل يبطل الصلاة أم لا ؛ إلا أنه قطعاً يُنقص من أجر الصلاة .

فهل تقول عنه : إنه لا يعرف الصلاة ؟ أو لا يعرف الطهارة ؟؟

هل تشترط عليه حتى يتطهر أن يعلم أن التدنس من البول يبطل الطهارة ؟ أم تكتفي منه بالتطهر منه دون معرفة حكم ذلك بالتفصيل ؟

ومثل ذلك أيضاً لو قال رجل : أنا أعلم أن الركوع من أركان الصلاة ، ومن لا يأتي به تبطل صلاته .. لكن لا أدري إن كان الله يقبل صلاة الجاهل بهذا الحكم أم يردها .

وآخر قال : أعلم أن الركوع واجب ويجب علينا الإيتان به ، ويأثم تاركه .. وأنا دائماً أقوم به ، لكن لا أعلم إن كان تركه يُبطل الصلاة أم لا .

ففي كلتا الحالتين الرجل صلاته صحيحة ومقبولة ، ويعرف كيف يصلي .. وجهله ببعض أحكام المخالفات لا يعني أن صلاته باطلة ، أو أنه لا يعلم كيف يصلي .

فهكذا الحال فيمن يحكم بالإسلام على فاعل بعض الشرك وهو عنده الكثير من التوحيد .

فهو يقول إن من شرط الإسلام ترك الشرك وعبادة الله وحده ..

وهو نفسه ترك الشرك وعبد الله وحده ..

لكن عندما جاءه رجل ترك أكثر الشرك ، وجهل بعضه ففعله .. وعبد الله تعالى ووحده في أكثر المسائل .. فجاء وقال : هذا الرجل دخل في أكثر الإسلام وفعل ما ينقض الإسلام بهذا الفعل .. ولا أدري إن يعذره الله بجهله أم لا ..

فحكم عليه بالإسلام مع اعتقاده أن بعض الشرك الذي فعله هذا الرجل ينقض التوحيد ، ولكنه ظنّ أن هذا الإبطال لا يكون إلا بعد العلم وإقامة الحجة .

وأشبه للمثال الثاني بأحدهم يقول إن فعل الشرك هذا باطل ، ويجب اجتنابه .. ولا يعلم أنه شرك أو أنه ينقض الإسلام ، لكن سماه باطلاً وحراماً .

الآن نأتي إلى كلامك في مسألة معنى التكفير ومعنى الشرك ..


تقول :

[-- أقول : إخراجه من الإسلام يعني : عدم الحكم على ذاته وشخصه بأنه موحد مسلم في دين الله . وليس لها علاقة بحبوط عمله أو عدمه ، لأن هذا يعرف بعد دخول الإسلام . --]

ثم تقول :

[-- أقول : لا يعني حبوط عمله . ولا يعني الحكم عليه بأنه سيعذب في الآخرة . --]

ثم تقول :

[-- أقول : يعني معرفته : أن من أشرك بالله الشرك الأكبر ليس موحداً وليس في دين الله . طبعاً بعينه وشخصه . --]

وتقول :

[-- أقول : لا يعني معرفة : أن الشرك ينقض ثواب التوحيد . --]

يعني ما يُفهم من مجموع كلامك هو التالي :

لا يُشترط للمرء حتى يكون مسلماً أن يعتقد أن الشرك يُحبط العمل .

ولا يُشترط له أن يعتقد أن صاحبه معذب في النار .

فما أفهمه من كلامك - وقد أكون مخطئاً ، فصحح لي إن أخطأت - أنّ من يعتقد أن المشرك مُثاب على ما يفعله من طاعة لله ، إن ابتغى بها وجه الله .. وأن الله يقبل منه هذا العمل في الدنيا ، ويؤجره عليه في الآخرة ، وأن الله لا يعذبه على شركه لجهله .. بل يمكن أن يدخل الجنة مع المؤمنين الموحدين بما معه من طاعة وعمل صالح .. ويكون حاله مثل حالهم .. إلا أنه قال فيه : هو مشرك وعلى غير الإسلام .

سؤالي هو : هل هذا يمكن أن يكون مسلماً لو كان في بادية بعيدة مثلاً أو حديث عهد بإسلام ؟

أجبني عن هذا السؤال المهم حتى نكمل في هذه المسألة ، إن شاء الله .


تقول :

[-- أقول : ومن قال لك أن الشرك ينقض التوحيد في مسألة ولا ينقضها في مسألة أخرى ؟ الشرك الأكبر مهما كان بسيطاً ، ينقض كل التوحيد ويجعل الشخص بعينه مشركاً غير موحد ، وليس في دين الله ، ولو كان عنده من التوحيد والعمل الصالح بقدر ما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم --]

ما ينتقض هو ثواب التوحيد ، وليس حقيقة العمل .. وهذا مقرر عقلاً وفهماً .. بل وشرعاً أيضاً .

يُمكن لرجل مشرك أن يوحد الله - تعالى - في عمل ما ، ويوجهه له بإخلاص .. ومع هذا هو في بقية المسائل مشرك كافر .. وعمله الذي أخلص لله فيه لا يُقبل عند الله لأنه مشرك .

لذلك ، عند دخول هذا المشرك في الإسلام ، فإن كل عمل صالح عمله لوجه الله ، فإنه يُثاب عليه حتى سبع مئة ضعف .

ألا ترى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين ، وله ما لنا وعليه ما علينا ، ومن أسلم من المشركين ، فله أجره ، وله ما لنا وعليه ما علينا " ؟

ألا ترى كيف جعل إيمان أهل الكتاب السابق معتبراً إذا دخلوا الإسلام (مع كونهم كفاراً مشركين) ؟ فلو كانت جميع أعمالهم في شرك وكفر ، لما تقبل منهم عمل واحد بعد إسلامهم .

قال ابن حجر العسقلاني : ( وبقوله - صلى الله عليه وسلم - لما سألته عائشة عن ابن جدعان : وما كان يصنعه من الخير هل ينفعه ؟ فقال : " إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " فدل على أنه لو قالها بعد أن أسلم نفعه ما عمله في الكفر )

والآية التي أوردتها في سورة العنكبوت من أجلى الأدلة في ذلك على وجود الإخلاص في بعض الأعمال ، لكن صاحبها لا ينتفع بها .

وهناك مسألة هامة جداً سأحاورك فيها - إن شاء الله - إن أجبتني عن أسئلتي في الثواب والعقاب وحبوط العمل وقبوله ، وقد ذكرتها في الأعلى .

وكلامك في وجوب اعتقاد أن الشرك في مسألة ينقض كل التوحيد ، سيتم الرد عليها قريباً - إن شاء الله - بعد أن تجيبني عن أسئلتي .

صفوان 11-02-2017 09:03 PM

مسلم 1:
بسم الله الرحمن الرحيم

الرد على مشاركة رقم 49


قولك : كان الأولى أن ترد في موضع الرد ، خارج هذا الموضوع ..



أقول : يا أبا شعيب ، أنت من حشر مسألة السجود في حوارنا . وبعد أن أجبتك على كلامك ، تركت الموضوع هنا ، وبدأت تتكلم عنه وتنتقد بعض كلامي فيه في مكان آخر لا أدخل فيه وليس مخصصاً لهذا الموضوع .
فقلت لك كان الأولى والأحرى بك عندما تنتقد كلامي أن يكون في مكان حوارنا وليس في مكان لا أدخله ، ولا أتوقع أن تنتقد كلامي فيه ، وليس أيضا مخصص لهذا الموضوع .
نرجو الأنصاف يا عباد الله .


قولك : يعني خلافنا كله هو في كلمة "الراجح" ؟ ..
كان الأولى أن تقول : الغالب في هذا الفعل أنه عبادة .. أو تقول : لا يكاد أحد يفعله إلا لعبادة .




أقول : " الراحج " كلمة عربية يفهم منها أنه الغالب والأرجح . أما إن لم تفهمها أنت كذلك فهذه ليست مشكلتي .
ثم إنني بعدها مباشرة استثنيت حالة غير كفرية منها . وقبلها قلت : أن السجود له أكثر من معنى . وقلت أن الفعل إذا كان له أكثر من معنى ، للحكم على فاعله يجب معرفة نيته والقرائن المحيطة به . ثم مع هذا كله ، يفهم كلامي أنني : أكفر كل من سجد لغير الله ولا افصل . فماذا أقول ؟!!


قولك : وإن شئت إكمال الحوار في ذلك .. فالموضوع الذي ذكرتُه فيه ما زال مفتوحاً ، فتفضل هناك مشكوراً ، ولا تزيد هذا الموضوع تشعباً ..
وجزاك الله خيراً .




أقول : أنا يا أبا شعيب من يزيد الحوار تشعباً ؟!! سامحك الله .
تطالبني أن أرد عليك في المكان الذي ذكرت فيه كلامي مع أنك بدأت الموضوع في هذا المكان ؟ ثم الموضوع الذي ذكرته فيه ، أصلاً غير مخصص لمسألة السجود . ثم أنا أتحاور معك ولا أريد أن أدخل في حوار مع غيرك الآن حتى ننهي حوارنا .

صفوان 11-08-2017 02:26 PM

مسلم 1:
بسم الله الرحمن الرحيم


قولك : هذا مختصر لما أدين لله تعالى به في المسائل التي سألني عنها الأخ مسلم1 في مشاركة رقم #12 .
فأقول مستعيناً بالله :
في مسألة الجهل بحقيقة لا إله إلا الله ، يجب أن يُعلم أنه كل من خالف مدلول ومقتضى هذه الكلمة فهو عنده جهل بحقيقة لا إله إلا الله .
من زنى أو رابى أو قتل أو سرق .. فإن عنده جهل ببعض جوانب لا إله إلا الله ، تجعله يفسق وينقص إيمانه .


أقول : وما علاقة المخالفة بالجهل ؟
فليس كل من خالف مدلول ومقتضى كلمة الشهادة عنده جهل بحقيقة هذه الكلمة .
قد يخالف الشخص وهو يعرف أنه مخالف . ولكن يرجو المغفرة من الله . فالمسلم الزاني يعرف أنه فعله حرام ، ولكن لغلبة شهوته عليه فعل الزنا ، وهو معتقد بحرمته ، ويأمل أن يتوب منه أو يغفر الله له . فكيف يقال عن هذا أنه عنده جهل بحقيقة لا إله إلا الله .؟
ولا يقتضي دائما نقص الإيمان ، الجهل بمدلول ومقتضى كلمة التوحيد .

قولك : ومن ترك الصلاة عمداً ، كسلاً منه ، مع العلم بوجوبها ؛ أو الزكاة عمداً ، بخلاً بماله ، مع العلم بوجوبها ؛ أو لبس الصليب مختاراً مع علمه بكنه الصليب ، أو قال القرآن مخلوق ، وغير ذلك من المكفرات ، فإنه يجهل حقيقة وأصل لا إله إلا الله .

أقول : سبحان الله ! ما هذا الخلط يا أبا شعيب ؟
كيف جمعت بين ترك الصلاة كسلاً ، وترك دفع الزكاة ، ولبس الصليب ، ومسألة خلق القرآن ؟!
ثم حكمت عليهم كلهم بدون تفريق وتفصيل أنهم من المكفرات وأنت تعرف أن العلماء اختلفوا فيهم حكمهم . ؟
هذا ، ولا يقال من ترك الصلاة كسلاً أو قال القرآن مخلوق ، جهل أصل لا إله إلا الله .
فترك الصلاة كسلا ً مختلف في حكمه وهناك دليل واضح على عدم كفر فاعله ، ولقد ذكرته لك في المشاركات السابقة . والجمهور على عدم كفره .
وحتى لو اتفق العلماء على كفر تارك الصلاة ، لا يعني أن تارك الصلاة كسلاً ، لم يفهم أصل لا إله إلا الله . ومن حكم بكفره لم يقل عنه أنه جهل أصل كلمة التوحيد . لأن من جهل أصل كلمة التوحيد لا يملك اعتقادها ولا يستطيع أن يدخل الإسلام . وأنت أقررت بهذا .
ومن كفَّر ، تارك الصلاة ، وكفر من قال القرآن مخلوق، وكفر من لبس الصليب ، لم يقل عنه أنه لم يفهم أصل كلمة التوحيد ، بل حكم عليه بأنه نقض كلمة التوحيد . والفرق كبير بين جهل معنى الكلمة وعدم تحقيقها ونقضها . فالنقض والإبطال ، يكون بعد العلم والدخول فيه . لهذا سمي من ترك الصلاة ، أو فعل أي فعل من أفعال الكفر بأنه مرتد . ويطبق عليه حكم المرتد ما لم يرجع . وكلمة مرتد تعني دخل وخرج . والذي جهل أصل كلمة التوحيد ، لم يدخل التوحيد أصلا ً ، لأنه لا يملك اعتقاده . وهذا ما قلته أنت أيضاً جواباً لأسئلتي لك . أم أن أجوبتك لا تمثل عقيدتك ؟ !!


قولك : فالعلم بـ " لا إله إلا الله " ليس قطعة واحدة كما يقول الخوارج .. بل هناك علم شامل ، ولا يحوزه إلا العلماء الربانيون الذين قال الله فيهم : { شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [آل عمران : 18]
وقال أيضاً : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } [فاطر : 28]

أقول : ومن قال لك أن العلم بـ " لا إله إلا الله " ومقتضياتها قطعة واحدة ؟
نحن نتحدث عن الحد الأدنى من المعرفة لكلمة التوحيد ، الذي يجب أن يتحقق في العبد حتى يدخل الإسلام . وإذا قلنا : هذا لا يعرف معنى كلمة التوحيد . نقصد هذا المعنى .
وخشية الله ليست لها علاقة بالعلم والجهل وإنما علاقتها بالتقوى وبدرجة الإيمان في القلب . فقد يخشى الله أجهل الناس أكثر ما يخشاه أعلم الناس به .

قولك : فهل يُمكن لمن يعلم يقيناً أن الله يراه ، ويعلم مدى عظمة الله تعالى وجلالته وشديد بطشه وأليم عذابه ، هل يمكن لمن تحقق عنده هذا العلم تحققاً صحيحاً أن يزني أو يسرق أو يقترف أيّاً من المعاصي ؟؟
ومثل ذلك يُقال في الانقياد لأمر الله تعالى ، والذي هو شرط من شروط شهادة التوحيد .

أقول : نعم يمكن وأكثر من ذلك . وأوضح مثال له : إبليس عليه اللعنة ، فهو من أعلم الناس بالله. ومع ذلك عصاه وكفر به .
قال تعالى : " إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ "
وقال تعالى : " إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا "


قولك : ومثل ذلك يُقال في الانقياد لأمر الله تعالى ، والذي هو شرط من شروط شهادة التوحيد .

أقول : نحن نتحدث يا أبا شعيب عن الشرك الأكبر الناقض للتوحيد ، ولا نتحدث عن عدم الانقياد لأوامر الله بشكل عام .
نحن نتحدث عن شرط الكفر بالطاغوت ، والذي لا يستطيع العبد دخول الإسلام ودين التوحيد بدون أن يحققه .


قولك : في مسألة الجهل بكفر المشرك ، يجب أن يُعلم أن تحديد وصف الفعل بأنه شرك أكبر أو شرك أصغر ، أو كفر أكبر أو أصغر ، هذا راجع إلى الأدلة الشرعية ، لا إلى العقل .

أقول : بل اللغة والأدلة الشرعية ؟


قولك : لا يُمكن أن يأتي أحد باستحسانه وفهمه المجرد لكلمة التوحيد فيقول : هذا شرك أكبر .. أو هذا شرك أصغر ؛ أو هذا كفر أكبر أو هذا كفر أصغر ، بل ما يحدد ذلك هو الدليل الشرعي لا غير .



أقول : وهل قلتُ لك عكس ذلك ؟ بل هذا هو ما نطالبك به .
وهل قولك : " كل من خالف مدلول ومقتضى هذه الكلمة فهو عنده جهل بحقيقة لا إله إلا الله ."
وقولك : " ومن ترك الصلاة عمداً ، كسلاً منه ، مع العلم بوجوبها ؛ أو الزكاة عمداً ، بخلاً بماله ، مع العلم بوجوبها ؛ أو لبس الصليب مختاراً مع علمه بكنه الصليب ، أو قال القرآن مخلوق ، وغير ذلك من المكفرات ، فإنه يجهل حقيقة وأصل لا إله إلا الله . "
فهمته من الدليل الشرعي أم من استحساناتك ، وفهمك المجرد لكلمة التوحيد ؟
إذا كنت فهمته من الدليل الشرعي فأين الدليل ؟


قولك : وغاية ما للعقل المجرّد من حكم في هذه المسائل هو معرفة الحق من الباطل . فأعلم أن هذا فعل لا يرضاه الله ، وهو مخالف لكلمة التوحيد ، فأجتنبه .. وأسمي أهله : مبطلين .
وأعلم أن الفعل الآخر مما يرضاه الله ، وهو مما تتضمنه كلمة التوحيد ، فأتبعه ، وأسمي أهله : محقين .
أما تفصيل ذلك ، فهو عائد إلى الأدلة الشرعية تفصل فيه وتحدد درجة هذا الحق أو درجة هذا الباطل .


أقول : أي عقل سليم هذا الذي علم أنه حتى يدخل دين الله ، يجب عليه ترك الشرك ، وأن من لم يتركه لا يحقق دخول التوحيد ودين الله ، ثم بعد هذا العلم اليقيني ، إذا رأى من يشرك بالله ويعبد غيره ويحسن الشرك ويدعو له ، فلا يحكم عليه بالشرك وعدم دخول الدين ، ويكتفي فقط بأن يقول : هو على باطل ، وعمله باطل ، أما ذاته وشخصه فلا نحكم عليه بالشرك وعدم دخول الدين ؟
قولك : ومن أبى ذلك : لزمه تكفير كل من خالف في الحكم بدلالة الأفعال .. فمن قال عن فعل إنه شرك أكبر يلزمه تكفير من قال إنه شرك أصغر بحجة أنه لا يعلم حقيقة التوحيد ، وهذا في جميع الأفعال .. وما أفضح تناقض من يجعل هذا في مسائل الإجماع دون مسائل الخلاف ، بعدما قرر بنفسه من قبل أن العقل هو ما يحدد كنه الشرك الأكبر من الأصغر .

أقول : من أبى ماذا ؟ من أبى أن يفهم فهمك لكلمة التوحيد ، وكيفية دخول الإسلام ؟
أقول لك : لا يلزم من فهم فهمنا لكلمة التوحيد وكيفية دخول دين التوحيد ، أن يُكفر كل من خالف في الحكم بدلالة الأفعال . إذا كانت هذه الأفعال معانيها تحتمل .
ولا يلزم من قال عن فعل ، إنه شرك أكبر ، تكفير من قال إنه شرك أصغر ما دام الفعل يحتمل أكثر من معنى . ولا يلزم أن يحكم عليه أنه لا يعلم حقيقة التوحيد . فكل هذه اللوازم من فهمك أنت ، وليس ما نفهمه نحن ، وتقتضيه اللغة العربية وأدلة الشريعة .


أقول : ومن يرى أن فعلاً ما هو كفر أكبر (كترك الصلاة) ، يلزمه تكفير من لا يراه كفراً أكبر ، بحجة أنه لا يعلم حقيقة التوحيد ، ولا يعلم أن الانقياد شرط من شروط التوحيد ، بل أعظم شروطه .




أقول : لا ، لا يلزم ذلك . من حكم على تارك الصلاة كسلاً بالكفر استند لأدلة شرعية معتبره ، وكذلك من لم يحكم بكفره استند لأدلة شرعية معتبره ، فلماذا يُكفر بعضهم البعض ، ويحكم على بعضهم البعض بأنهم لم يعلموا حقيقة التوحيد ؟ ولم يحدث هذا بينهم أصلا لأنهم علماء .
ثم ، ما علاقة هذا الاختلاف في شرط الانقياد وكلهم منقاد للدليل الشرعي ؟
فلماذا يا أبا شعيب تفترض لوازم من عندك وحسب فهمك ، وتلزم بها غيرك ؟ مع أنها مخالفة للشرع واللغة .؟


قولك : في مسألة إعذار المشرك بالجهل ، يجب أن يُعلم أن الأعذار الشرعية إنما تثبت بالدليل الشرعي ، وليس للعقل مدخل فيه .
ولو كان للعقل مدخل ، لكان الإكراه أولى الأدلة بالإسقاط وعدم الاعتبار ، لأنه إيثار للنفس وسلامتها على دين الله (هكذا يفهمها العقل) .
ولو كان العقل يقرر الإكراه ، لكان الإكراه عذراً في جميع الأمم السالفة ، ولم يكن هو مما اختص الله به أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
ولو كان كذلك ، لما جهله عمار بن ياسر - رضي الله عنه - عندما ظنّ أنه كفر بالله وهو تحت الإكراه .
وأخيراً ، لو كان كذلك ، لما صحّ تأثيم المكره على قتل النفس المحرمة . وهذا التأثيم هو بإجماع الأمة ، لم يخالف فيه أحد .


أقول : عدم عذر المشرك بالجهل - بأن يحكم عليه أنه مشرك وليس موحدا - ، لا يفهم بالعقل ، بل يفهم من اللغة العربية ومن الأدلة الشرعية قطعية الدلالة قطعية الثبوت. وهي كثيرة في كتاب الله. أما مسألة تعذيبه يوم القيامة ، فهي المسألة التي لا يمكن فهمها والحكم فيها إلا بالأدلة الشرعية .
ومن يفهم اللغة العربية ، لا بد له أن يحكم على من عبد غير الله أنه مشرك بعبادة الله ،أي يحكم عليه أنه يعبد الله ويعبد غيره ، وهذا اسمه باللغة ، مشرك ، يحكم عليه كشخص معين طبعا .
وأنت نفسك قلت : " إن الحكم على الفعل هو حكم على الفاعل .. هذا لغة وعقلاً . ففاعل الشرك مشرك .. هذا من الضرورات العقلية التي لا يماري فيها أحد "
ثم مع هذا الإقرار تقول : " يكفي لمن ترك الشرك أن يحكم على من لا يتركه ، بأنه على باطل ويحكم على شركه بأنه باطل . ولا يشترط به أن يعرف أنه مشرك أو يحكم عليه أنه مشرك . "
أليس هذا من أعظم التناقضات ؟
هذا : وأول دليل شرعي على أنه يجب الحكم على من أشرك بالله بالشرك وعدم عذره في هذا بالجهل ، هو حكم الرسل قاطبة على أقوامهم بالشرك قبل أن يبلغوهم أي شي .
هذا ، والحكم على من لم يترك شرك بأنه لم يدخل دين الله ولم يحقق التوحيد ، يعرفه أبسط إنسان عرف كيف يدخل دين التوحيد .

قولك : فمن جعل الجهل عذراً في مثل هذه المسائل ، قياساً له على الكفر الأكبر ، أو اتباعاً لبعض عمومات الأدلة التي لم يحسن فهمها جيداً ، مع اعتقاده أن هذا الفعل شرك وكفر ومناقض لكلمة التوحيد ، فهذا لا يمكن تكفيره بحال ، بل إن من فعل ذلك فقد جازف بدينه .

أقول : من لم يعرف أن من لم يترك الشرك لا يدخل دين الله ، ولا يمكن وصفه بأنه موحد ، لم يعرف بداية كيفية دخول الإسلام ولم يعرف معنى كلمة التوحيد . أو يعرف معناها ، ولكنه لا يطبقها على أرض الواقع بل ينقضها عند التطبيق . وفي كلا الحالتين هو ليس في دين الله .
ومن يعتقد أن الفعل شرك ومناقض للتوحيد ثم لا يحكم على فاعله بالشرك ، ويحكم عليه بالإسلام والتوحيد . فقد خالف اللغة والشرع . وخالف كلمة التوحيد ولم يحقق شرط الكفر بالطاغوت . لأن الكفر بالطاغوت ، يقتضي عدم الحكم على عابده بالتوحيد . فكيف يُقال : لمن كفر مثل هذا أنه جازف بدينه .؟ بل الحق أن يقال لمن لم يكفره ويحكم عليه بالإسلام : أنت أيضاً لم تكفر بالطاغوت .



قولك : فإن قالوا : الجهل لا يمكن إقراره بالعقل .. قلت : وكذلك الإكراه .



أقول : الجهل لا يمكن إقراره بالعقل ولا بالشرع ، ومن جهل شيئاً لا يملك اعتقاده ،هذه بديهية عقلية وشرعية . ومن عرف كيف يدخل الدين ، يعرف من لم يدخله ، ومن لم يطبق شروط تحقق كلمة التوحيد ودخول الدين - بالرغم من معرفته لها - على أرض الواقع ، بأن حكم على من ينقضها بالتوحيد والإسلام ، فقد نقض هو أيضا كلمة التوحيد ، ولا ينفعه أنه حقق بعض شروطها .



قولك : في مسألة تصور المسائل ، قال العلماء : الحكم على الشيء فرع عن تصوره .. فلا ريب عندئذ أن من أخطأ في تصور مسألة ما ، ولم تجتمع عنده جميع جوانبها ، أو أخطأ في ضبطها وفق أدلة الشرع ، لا ريب أن مثل هذا يخطئ الحكم .

أقول : مسألتنا التي نتحدث عنها هي : كيفية تحقق الحد الأدنى لدخول الدين ، فلا يسع أحد يريد دخول الدين أو دخل الدين أن يجهلها ويحكم بخلافها . (بأن يحكم على من لم يحققها أنه حققها ).
من تصور وفهم أن من لم يترك الشرك لا يمكنه أن يدخل الإسلام ودين التوحيد ، لا بد له أن يحكم على من لم يترك الشرك ، أنه لم يدخل التوحيد ودين الله . هذا هو التصور الصحيح والحكم الصحيح .
أما إذا حكم عليه بالتوحيد ، فهذا يعني أنه عنده خطأ وخلل في التصور والحكم ، وليس في الحكم وحسب.

قولك : فكون الشافعية لا يكفرون لابس الصليب ، في حين إنه شرك أكبر ، وحيث يكفره جمهور العلماء ، لا يدفعنا ذلك إلى تكفيرهم بسبب خطئهم في تصور المسألة مما نجم عنه الخطأ في الحكم .



أقول : طبعاً لا نكفرهم حتى نعرف وجهة نظر حكمهم ، لأن فعل لبس الصليب ليس بحد ذاته كفراً ولا شركاً ، ناقضاً للتوحيد والإسلام . وحتى يُحكم على لابس الصليب بأنه أشرك بالله ، يجب تحقق شروط وانتفاء موانع ، وكذلك الحال مع من لا يكفره .
ثم كيف حكمت عليهم أنهم لم يتصورا المسألة جيداً ؟
هم يعرفون الشرك والتوحيد جيداً ، وهم من علماء الأمة الكبار ، لهذا يجب أن نسمع لهم قبل أن نحكم بخطئ تصورهم وحكمهم ، لنعرف وجهة نظرهم . وقبل ذلك يجب أن نفهم كلامهم جيداً ، أو نسأل من يفهم كلامهم . وإذا لم نستطع ذلك يجب تأويل كلامهم بشكل يتوافق مع أصول الدين وقواعده الثابتة . فإذا لم نستطع تأويله ، يجب علينا رده إذا خالف القواعد الأساسية في الدين . وأن نحسن الظن بالعالم المسلم بأن نقول : أن هذا الكلام مفترى عليه ، أو مدسوس في كتبه . ويجب علينا أن لا نجعل كلامه هذا أساساً نقيس عليه ( لأنه ناسب أهواءنا )
.

صفوان 11-08-2017 02:39 PM

أبو شعيب :

بسم الله الرحمن الرحيم

تعقيب على مشاركة رقم #50 ،

أولاً .. أستميحك عذراً عمّا بدر مني في مسألة السجود والتعريض بك خارج هذا الموضوع ، فلقد أخذتني الحمية نوعاً ما ، فإني أعترف بخطئي وما كان ينبغي أن أفعله ، غفر الله لي ولك .

ثانياً .. أما تفسير كلمة الراجح ، فما زلت عند قولي .. تقول العرب : رجح الشيء على الشيء : أي : ثقل حتى مال الميزان إليه .

لذلك عندما يقول أحدهم : الراجح من القول هو كذا .. فهو يعني : الصحيح من القول .

على أية حال ، ليس هذا حوارنا ، إلا أنني وددت التنبيه على هذين الأمرين .

صفوان 11-13-2017 06:27 PM

مسلم 1 :

بسم الله الرحمن الرحيم

تكملة الرد على المشاركة رقم 17



قولك : إن لم يتحقق عنده أنه شرك أكبر بسبب جهله ، فهو معذور بالجهل ، بشرط أن يعتقد أن هذا الشرك باطل وحرام ولا يرضاه الله .

أقول : وما هو الحد الأدنى الذي يجب أن يتحقق عنده من معرفة للشرك حتى يستطيع أن يدخل الإسلام ؟
وبعبارة أخرى : ما هو الشرك الذي يجب أن يعرفه ليستطيع أن يجتنبه ويدخل دين الله ؟


قولك : إذا لم يعرف أن إعطاء حق التشريع لغير الله هو شرك أكبر .. ولكنه معتقد أنه باطل وحرام ، ومن الاعتداء على حقوق الله ، ويعلم أن الله له وحده حق التشريع ، فهذا لا يكفر حتى يُعرّف وتقام عليه الحجة ويفهمها .


أقول : يا رجل ما هذا الكلام ؟!!
كيف يعلم أن حق التشريع لله وحده ولا يعرف أن إعطاءه لغيره شرك ؟!!
وكيف لا يعلم أن من ادعاه فقد جعل نفسه نداً لله ؟ وأن من أطاعه فقد أشرك بالله وعبد الطاغوت .؟
ثم ما هذا الإله الذي يعبده هذا الشخص ، والذي يسمح بدخول دينه ، من يأخذ حقه الخاص به ؟
وما هذه الحجة التي تريد أن تقيمها عليه ؟ ومتى تنتهي من إقامتها ؟
أتريد أن تفهمه أن من يعتدي على حقوق الله الخاصة ، لا يمكن أن يكون موحداً ، ولا يمكن أن يكون في دين الله . ؟
وهذا هو ما يجب أن يعرفه عند دخوله لهذا الدين .
أم تريد أن تفهمه أن من أعطى حقاً من حقوق الله الخاصة به لغيره فقد أشرك بالله وخرج من الدين ؟ أم ماذا تريد أن تفهمه ؟
كيف عرف معنى كلمة التوحيد وعرف معنى الإله والعبادة والطاغوت ، من لا يعرف أن إعطاء حق من حقوق الله الخاصة ، لغير الله ناقض للتوحيد واتخاذ إله مع الله ؟
من أين وكيف عرف أنه باطل وحرام وأنه اعتداء على حقوق الله ؟
يعرف أنه باطل وحرام واعتداء على حقوق الله ولا يعرف أنه شرك وناقض للتوحيد مع معرفته أنه حق لله وحده . ؟!
هل هذا هو الكفر بالطاغوت الذي أمر الله به ، كشرط أوَّلي لدخول الإسلام؟
إذن حسب كلامك هذا ، من لا يُكفّر ، ويحكم بالإسلام والتوحيد على من ادعى حق التشريع مع الله ، لا يضر توحيده وإسلامه شي ، ويستطيع أي شخص بدون أن يعتقد أن من أعطى حق التشريع المطلق لغير الله ، غير موحد ، أن يدخل الإسلام ما دام يعتقد أنه باطل وحرام وأنه اعتداء على حق الله الخاص .
أنت تقول هذا والله سبحانه وتعالى يقول : إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ "
فأي القولين هو دين الله ؟
ومعنى قوله تعالى : " وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " أي أكثر الناس لا يعلمون أن إعطاء حق الحكم والتشريع لغير الله عبادة لهذا الغير . وكونهم لا يعلمون ذلك ، لا يجعلهم على دين الله القيم . لأن من أراد أن يكون في دين الله القيم ، يجب أن يعتقد أن حق الحكم والتشريع لله وحده ، وأن من أعطاه لغيره في أي مسألة كانت ، فقد عبد هذا الغير واتخذه نداً لله .


قولك : حتى يدخل العبد الإسلام ، يكفيه أن يعتقد أن الشرك باطل ولا يجوز فعله ولا يرضاه الله ، فيتركه وينبذه ، ويبغض من فعله بسبب أنه يفعله .
أما تسمية الأفعال بالشرك الأكبر أو الشرك الأصغر ، فهذه يعوزها الدليل الشرعي ، وليست هي موكلة للعقل .



أقول : يا رجل ، نحن لا نتحدث عن الأسماء نتحدث عن الأحكام .
ألم تقل سابقاً أنه يجب حتى يدخل الإسلام ، أن يعرف أن من فعل الشرك ليس في دين الله ؟
ثم تعود وتقول هنا : " يكفيه أن يعتقد أن الشرك باطل ولا يجوز فعله ولا يرضاه الله ، فيتركه وينبذه ، ويبغض من فعله بسبب أنه يفعله "
فإما أنك تنس ما تقوله أو أنك لا تفهم ما تقوله .
وإليك بعض أقوالك للتذكير .
عندما سألتك : وما المقصود بنبذ عبادة ما سواه ؟
أجبتَ : يعني تركها قلباً (بما يقتضي حتماً اعتقاد بطلانها) وقالباً (بما يقتضي ترك مظاهر العبادة( .
فسألتك : ألا يعني أيضاً الحكم على من لا يفعلها ( يعني من لا ينبذ عبادة ما سوى الله ) بأنه غير موحد ؟
فقلتَ : " بلى .. إن الحكم على الفعل هو حكم على الفاعل .. هذا لغة وعقلاً.
ففاعل الشرك مشرك . هذا من الضرورات العقلية التي لا يماري فيها أحد."
وعندما سألتك : فما حكم إذن من لم يفعل ذلك ، فلم يترك الشرك وعبد مع الله غيره وهو يدعي الإسلام ؟ هل نستطيع أن نصفه بأنه موحد مسلم في دين الله ؟
قلتََ :" حكم من لم يترك الشرك هو : مشرك غير مسلم .
ولا نستطيع أن نصفه بأنه موحد مسلم في دين الله وهو يفعل الشرك ."


قولك :
أما سؤاله لنا عن كنه الشرك الذي يجب أن يتركه ليدخل الإسلام ، فهو كل عبادة ليست لله .. يجب تركها واعتقاد بطلانها .


أقول : تقول :" نقول له كل عبادة ليست لله .. يجب تركها واعتقاد بطلانها ."!!
ما معنى هذا الكلام يا رجل ؟ ألم تقرأه بعد أن كتبته ؟
وهل هناك عبادة ليست الله ؟ وما معنى تركها ؟
كيف سيترك العبادة التي ليست لله ؟
إذا كانت عبادة فيجب عليه أن لا يتركها ، بل يؤدها لله ؟
يجب أن يعتقد أن فعلها لغير الله باطل . وليست هي لغير الله . فكل عبادة حق لله وحده ، ومن يصرفها لغيره فقد وقع في الظلم العظيم لأنه أعطى حق الله لغيره . ومن وصفه كذلك ، لا يمكن أن يكون موحداً ، ولا يمكن أن يدخل دين الله .
أنا أفهم ماذا قصدت من قولك :" نقول له كل عبادة ليست لله .. يجب تركها واعتقاد بطلانها ."
قصدت أن تقول : " كل عبادة صرفت لغير الله يجب اعتقاد بطلانها وعدم فعلها لغير الله "
ولكن لا أظن أن من يريد أن يدخل الإسلام يفهم كلامك هذا كما فهمته أنا.
ثم هل بكلامك هذا قد بلغت شهادة التوحيد وشروط دخول الإسلام ، التبليغ المبين الذي كان يبلغه رسل الله ؟
ماذا سيفهم منك ، من هذا الجواب من سألك : ما هو الشرك الذي يجب أن أتركه لأدخل دين الله ؟
وهل هذا الكلام الذي قلتَه له جواباً لسؤاله ؟
يسألك سؤالاً عملياً وأنت تجيبه بالعموميات غير الواضحة حتى ولو صيغت بالشكل الصحيح .
يسألك عن الشرك الذي يجب أن يتركه حتى يدخل دين الله ؟
يسألك عنه حتى يعلمه فيتركه ويحكم على من لم يتركه بالشرك وعدم دخوله الإسلام . ؟
وأنت تجيبه على هذا السؤال : " كل عبادة ليست لله .. يجب تركها واعتقاد بطلانها "
أطلب منك أن توضح لنا كيف صار هذا الجواب ، جواباً لسؤاله ؟
وكيف سيستفيد من هذا الكلام للناحية العملية ؟

قولك : وإن لم يعرف أن التحاكم لغير شريعة الله شرك ، ولكنه يعتقد بطلانه وحرمته .. فهو مسلم مخطئ .


أقول : لقد بينت لك خطأ هذا الكلام سابقاً . وأنه حتى يدخل الإسلام يجب أن يعرف أن التحاكم لغير شرع الله ، ناقض للتوحيد ، وأن فاعله غير موحد . ولا يكفيه أن يعتقد بطلان الفعل وحرمته ، لأن الله وصفه بأنه إيمان بالطاغوت . وبين أنه من معنى الكفر بالطاغوت الذي أمر به وجعله الشرط الأول لدخول الإسلام .
قال تعالى : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا "


قولك : وإن حكم على فاعله بالتوحيد مع اعتقاده بطلان فعله الشركي .. فهو مسلم مخطئ .


أقول : من حكم على من تحاكم للطاغوت بالتوحيد ، فهو لا يعرف التوحيد ولا يعرف الكفر بالطاغوت . والدليل على ذلك قوله تعالى : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا"

قولك : وإن اعتقد أن الحلف على كتاب الله للإخلاص للطاغوت ليس كفراً .. بل باطل .. فهذا يكفيه إن كان جاهلاً .


أقول : من يقل هذا الكلام لا يعرف كيفية الكفر بالطاغوت ، وإن كان يعرف معنى الكفر بالطاغوت ، فهو لا يعرف أن العبد لا يدخل الإسلام ودين التوحيد ، بدون الكفر بالطاغوت .
وهو من جهله لا يعرف أن الإخلاص للطاغوت يناقض الكفر به .
ثم تقول : " إن كان جاهلاً " . جاهلا بماذا يا رجل ؟
ألا يعرف أن الإخلاص للطاغوت ينافي الكفر به ؟
إذن أنت ممن يعذر بالجهل مَن اعتقد أنه مهما فعل من كفر وشرك ما دام يعتقد أنه باطل فإنه لا يضره .
سؤال : هل من عبد الصنم وأقسم على الإخلاص له وهو يعتقد أن هذا العمل باطل وليس كفراً يعذر بالجهل ويحكم عليه بالتوحيد .؟
إن قلت نعم ، فيجب عليك أن لا تكفر أي شخص فعل أي نوع من أنواع الشرك الأكبر ما دام يعتقد جهلا أنه حرام وباطل .



قولك : وإن اعتقد جواز التشريع مع الله ، فهو كافر .. أما إن اعتقد أن فاعله مبطل ، وعلى سخط من الله ، وفعله حرام .. فهو مسلم مخطئ .

أقول : سبحان الله !
تكفر من اعتقد جواز التشريع مع الله ولا تعذره بالجهل ، ولا تكفره إن لم يعتقد أن فاعله مشرك وتعذره بالجهل؟


قولك : إن كان عنده مجرد الانتساب للإسلام مانعاً من التكفير ، فهو كافر
أما من يعذر فاعل الشرك الأكبر بالجهل .. مع اعتقاده أن فعله باطل وشرك ، ويسميه مشركاً في فعله ، وموحداً بباقي أفعاله .. ثم أخطأ في الترجيح لاعتبار الجهل عذراً ، قياساً للشرك على الكفر ، فهذا مخطئ متأول ، لا يحل تكفيره .



أقول : ما زلتَ تكرر أنه " يكفي لدخوله الإسلام أن يعرف أن المشرك بفعله مشرك وليس بعينه وذاته ." إذن حسب هذا الكلام ، لو اعتقد من يريد أن يدخل الإسلام أن الطاغوت مشرك بفعله فقط وليس بشخصه وعينه وأن شخصه وعينه مسلم في دين الله ، يكون قد حقق الكفر بالطاغوت .

قولك : أما خطؤه في معنى إقامة الحجة ، وظنه أن إقامة الحجة تعني فهم الحجة ، فهذا خطأ لا يحل تكفيره به


أقول : لا يحل تكفيره حتى ولو قرأنا عليه قوله تعالى : " وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ " وبينا له ما المقصود من إقامة الحجة ؟

قولك : إن لم يكفّر الفاعل لجهله بشروط التكفير وموانعه ، فيقول : الفعل كفر وشرك ، ولكنني لا أعلم شروط التكفير وموانعه ، وهذا لا يعلمه إلا العلماء ، فامتنع عن تكفير المشرك ، فهو معذور .


أقول : ما علاقة شروط التكفير وموانعه في الحكم على فاعل الشرك الأكبر بالشرك . ؟
ألم تقل أنت : " إن الحكم على الفعل هو حكم على الفاعل .. هذا لغة وعقلاً . ففاعل الشرك مشرك . هذا من الضرورات العقلية التي لا يماري فيها أحد " .


قولك : أما سؤالك الأخير .. فالظاهر أن من يحكم عليه بالإسلام عنده خطأ في التصور .. فهو - وإن كان حكمه باطلاً - لعله غابت عن باله بعض الاعتبارات فحكم بما ظهر له من اعتبارات أخرى ، فأخطأ .. فهذا لا يحل تكفيره حتى تقام عليه الحجة ويفهمها ثم يعاند ويستكبر.


أقول : أعيد سؤالي : وما حكم من يقول إنني أعتقد أن ما فعله فلان شرك أكبر وأكفره في حال فعله للشرك ، ولا أحكم عليه بالتوحيد ما دام متلبساً بالفعل ويعمله ، أما بعد أن ينتهي من فعله للشرك أحكم عليه حسب الأصل بالإسلام والتوحيد ؟ يعني وهو يسجد للصنم أكفره وعندما يفرغ من سجوده للصنم يرجع لأصله مسلماً موحداً ؟
وما حكم من يقول : ما دام هو عضو في البرلمانات الشركية أكفره وعندما تنتهي مدة عضويته ويخرج من البرلمان يرجع مسلماً كما كان قبل دخوله للبرلمان ؟
سؤالي واضح وكان جوابك بعدم تكفير من كان حاله كذلك حتى تقام عليه الحجة .
أسألك هنا :
1- ما هذه الحجة التي تريد أن تقيمها عليه ؟
2- كيف أخطأ في تصور الفعل ؟
3- وما هذه الأمور التي غابت عن باله ؟
4- وما هذه الاعتبارات التي أدت لخطئه ؟
5- وما هذه الاعتبارات التي ظهرت له والتي جعلته يحكم بإسلامه . ؟


قولك : إن كان يرى قوله باطلاً وحراماً لجهله .. فهو لا يكفر حتى تقام عليه الحجة


أقول : أنت قلت سابقاً : " إن كان تحقق عنده أن هذا الفعل شرك في دين الله ، ثم قال : فلان بفعله لهذا الشرك موحّد .. فيجعل التوحيد هو عين الشرك .. فهذا كافر .
كما يكفر من يقول : فلان بفعله للزنى وانتهاكه لحرمات الله : صالح ورع .. فهذا أيضاً كافر ، لمساواته بين الصلاح والفجور ."
والآن تقول : لا يكفر من لا يكفره .
يعني حسب عقيدتك : لا يَكفر من لم يُكفر ، من سوى بين الصلاح والفجور . ما دام يعتقد أن قوله باطل وحرام
وقبل ذلك حكمت على من سوى بين الصلاح والفجور بالكفر .
فأنت لا تحكم بالكفر على من لا يُكفر من كفرته أنت بالدليل القطعي ، وتعذره بالجهل وتشترط لتكفيره قيام الحجة .
فما هذه الحجة التي تريد أن تقيمها على من حكم بالإسلام على من سوى بين الصلاح والفجور ؟
وما هي هذه الحجة التي تريد أن تقيمها على من حكم بالإسلام على من قال : فلان بفعله للزنا وانتهاكه لحرمات الله : صالح ورع ؟
شخص يصف فعل الحرام بأنه ورع وصلاح عن علم ، هل يشك في كفره من عنده أدنى علم بحكم من يغير حكم الله عن علم .
الله يقول : هذا مرتكباً للحرام عاصياً ، وهذا يقول وهو يعلم حكم الله : لا ، بل هو ورع وصالح ..
ما وصف مثل هذا الشخص ؟ أليس طاغوتاً من الطواغيت ؟
ألم يجعل نفسه نداً لله يحسن ويقبح على الله ؟
ألم يشرع الحرام ويحله ؟ بل يمدحه ويُجل فاعله ؟
ما حكم من لم يكفر مثل هذا ؟
ما حكم من لم يُكفر الطاغوت هذا ؟
أنت بعدم حكمك بالكفر على من لم يكفره ، حكمت بالإسلام والتوحيد على من لم يكفر الطاغوت .


قولك : أما فتوى البرلمان ، فهي بلا ريب كفر ، إلا أن قائلها لا يكفر حتى يعلم واقع البرلمان وواقع الشرك فيه ، ثم يقر بكل ذلك دون جهل معتبر ، عندها هو كافر .


أقول : يا رجل ، من دخل البرلمانات ، علماؤهم يقرون أنه شرك وكفر ، ولكن إذا فُعل لمصلحة الدعوة ، فهو واجب وجهاد في سبيل الله .
ألم تقرأ كتبهم ؟ ألم تقرا كتاب عمر الأشقر وكتاب عبد الخالق الكويتي؟ ألم تقرأ نشارات الأخوان المسلمين حول حكم الانتخابات ؟
ثم أنا لم أسالك عن حكمهم وكنت أظن أنك تكفرهم ولا تشك في كفرهم . أنا سألتك عن حكم من لا يكفرهم وهو يعرف حالهم وشركهم .
وأتوقع أن تقول بعد معرفة جوابك على السؤال الذي قبله : لا أكفره ما دام يقول : عملهم باطل وشرك ، وهم في شركهم مشركين بشركهم ، ولكن أعيانهم مسلمة موحده معذورين بالجهل والتأويل .
وأتوقع أن تقول : لا أكفره حتى أقيم عليه الحجة ، فيفهما فهماً تاماً لا لبس فيه ، وإلا فسوف يظل عندي عالماً ورعاً تقياً مجاهداً . حتى ولو لم يفهم الحجة التي أقمتها عليه !!!!!


قولك : فهمي للمعاني المترتبة على أصل الدين ، إن صح التعبير ، وهو مدعوم بالأدلة الشرعية التي تبيّن ذلك


أقول : وما هي هذه المعاني المترتبة على أصل الدين والأدلة الشرعية التي جعلتك تحكم بالإسلام على من لم يُكفر الطاغوت ، واكتفيت منه أن يصفه أنه على باطل وأن عمله باطل ؟
وما هي هذه المعاني المترتبة على أصل الدين والأدلة الشرعية التي جعلتك تحكم بالإسلام على من لم يكفر من حسَّن الكفر والشرك وساوى بين الصلاح والفجور ؟
بل ما هي هذه المعاني المترتبة على أصل الدين والأدلة الشرعية التي جعلتك تحكم بالإسلام على من لم يُكفر من نازع الله في حكمه ؟


قولك : سنتكلم عن مفهوم العبادة قريباً إن شاء الله ، ثم نرى إن كانوا حقاً يجهلون معنى العبادة أم لا .


أقول : هل أفهم من كلامك أنك ما زلت تقول أن كل اليهود كانوا يفهمون معنى العبادة ؟ وأن من يدعي الإسلام اليوم يفهمون معنى العبادة ؟
إذا كنت تقول بهذا فما هو دليلك ؟ وخصوصاً وقد جئتك بدليل واضح على عكس ذلك .

قولك : لا يوجد تناقض البتة في كلامي .. وسبب وهمك في ذلك - كما يظهر لي - أنك لا تضبط معنى العبادة وفق المعاني التي أضبطها أنا ، فأنا ما زلت عند قوليّ الاثنين ، ولا أرى فيهما تناقضاً .. وسيبين ذلك عند حورانا في معنى العبادة ، إن شاء الله .


أقول : إذن لننتظر توضيحك لمعنى العبادة وكيفية ضبطها عندك .

قولك : مشركو العرب كانوا يعلمون معنى العبادة جيداً ، في حين إن يهود العرب ونصاراهم لم يكونوا يعلمون معنى العبادة !! .. يعني ذلك أن المشركين كانوا عرباً وهؤلاء لم يكونوا كذلك ؟؟


أقول : أنا لم أقل أن يهود ونصارى العرب في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا لا يعلمون المعنى اللغوي للعبادة . بل كانوا يعلمون ذلك من لغتهم ، ولكن طغى على أفهامهم المعنى الشرعي عندهم للعبادة ، فأصبحوا عندما يخاطبون : بأن اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، لا يخطر على بالهم ولا يفهمونها كما يفهمونها عبدة الأوثان من العرب . لهذا عندما كانوا يدعون إلى الإسلام ، كان يشرح لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصحابة ما المقصود من الشهادة ، والدليل على ذلك : أنه كان عندما يرسل لهم رسالة يدعوهم بها للإسلام ، كان يكتب في أولها هذه آية ( 64 من سورة آل عمران ) ، التي تبين لهم شركهم الواقعين فيه والذي يجهلون أنه شرك وعبادة لبعضهم البعض ، قال تعالى : " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ"
عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب مشركي العرب ، مع أنهم هم أيضا كانوا يعبدون بعضهم البعض ، كان يكتفي بأن يقول لهم : " أعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا " أو يقول لهم " قولوا لا إله إلا الله ". وكانوا بهذا الخطاب يعرفون ويفهمون ما يريده رسول الله- صلى الله عليه وسلم – منهم . ولكن أهل الكتاب عربهم وعجمهم كان لا يفهم ذلك . بل كانوا يعتقدون أنفسهم من أهل " لا إله إلا الله " وأنهم موحدون . ليس لجهلهم في اللغة ( وأقصد عربهم ) بل لأن المعاني الشرعية عندهم طغت على المعاني اللغوية ، فأصبحوا عندما يخاطبوا بها لا يخطر على بالهم ، إلا المعنى الشرعي . وهذا ما نشاهده في زماننا اليوم ، ممن يعرف المعنى اللغوي للعبادة ويدعي أنه من أهل " لا إله إلا الله " وأنه موحد ، مع فعله كثيراً من أنواع الشرك الأكبر . لهذا مثل هؤلاء ، يجب أن يبين لهم شركهم الواقعين فيه ، عندما يدعون لدين التوحيد ، ولا يُكتفى منهم تلفظهم بكلمة الشهادة للحكم بإسلامهم . وهذا ما كان يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم – والدليل على ذلك الآية التي ذكرتها وهي آية ( 64 من سورة آل عمران ) .


قولك : طيب ، عندما قال الله تعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [آل عمران : 64]
فهل كان يتكلم مع أناس لا يعلمون معنى العبادة لغة ؟؟ .. فإن قلت نعم ، فأنت تنسب الله تعالى إلى السفه ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .
فإما أنهم كانوا يعلمون أنهم مشركون بأفعالهم ، فيصح خطابهم بهذه الآية ، أو لم يكونوا يعلمون ، ويظنون أنهم موحدون .. فلا يصح خطابهم بهذه الآية .


أقول : هذه الآية كان يُخاطب بها عرب وعجم أهل الكتاب . فعرب أهل الكتاب كانوا يعرفون معناها ولا بد ، أما عجمهم فكان يترجم لهم الخطاب. والخطاب في الآية مفسر لكلمة التوحيد ، تفصيلاً يجعل العرب منهم بمعرفتهم في اللغة أن يفهموا ما هو المطلوب منهم ، وكذلك إذا ترجم هذا الخطاب لعجمهم سيعرفون أيضاً ما هو المطلوب منهم . أما لو خطبوا فقط ، بأن يقولوا : كلمة التوحيد ، فلا عربهم ولا عجمهم (عندما يترجم لهم ) ، سيفهم ما المطلوب منهم . وسيقولون : نحن من أهل هذه الكلمة قبلك .
لهذا لو قلت اليوم لأساتذة اللغة العربية وفطاحلها ممن يدعي الإسلام مع وقوعه في كثير من أنواع الشرك الأكبر: قل : لا إله إلا الله ، حتى تدخل الإسلام ، سيقول لك : أنا من أهلها وقد آمنت بها .
لهذا يجب عندما ندعوا الناس اليوم لكلمة التوحيد ، عربهم وعجمهم ، أن نبين لهم معناها الذي أراده الله منها ، ونبين لهم الشرك الذي هم واقعون
فيه حتى يتركوه . ولا نكتفي منهم التلفظ بكلمة الشهادة . لأنهم مع شركهم يعتقدون أنهم من أهلها وعلى ملة الإسلام كما كان يعتقد اليهود والنصارى .
لهذا ستجد اليوم من أساتذة اللغة العربية من يعبد الطواغيت ويدعون لعبادتهم ، ومع ذلك يشهد أن لا إله إلا الله محمداً رسول الله ، وقد يكون ممن يؤدي معظم الشعائر التعبدية بإخلاص . وقد نجد من الطواغيت من يفعل ذلك .


قولك : فإما أنهم كانوا يعلمون أنهم مشركون بأفعالهم ، فيصح خطابهم بهذه الآية ، أو لم يكونوا يعلمون ، ويظنون أنهم موحدون .. فلا يصح خطابهم بهذه الآية .


أقول : هذا افتراض خاطئ ونتيجة خاطئة .
هم كانوا لا يعلمون أنهم مشركون ، ولا يعلمون أنهم يعبدون بعضهم بعضا ، بل يعتقدون أنهم من أهل التوحيد والإسلام ، وأكبر دليل على ذلك قول وفد نجران لرسول الله صلى الله عليه وسلم " نحن أسلمنا قبلك "
والدليل كذلك قول النصارى : أب ابن روح القدس إله واحد . وكذلك لو سألت اليهود اليوم لقالوا لك نحن موحدون أكثر منك .
وما قول المطران عطا الله ( مطران القدس ) في المؤتمر الإسلامي ( زعموا ) منا ببعيد ، عندما بدأ خطابه : " بإسم الله الواحد الأحد "
وخطابهم بهذه الآية كان فيه بيان لشركهم ، لهذا فهموه . أما لو دعوا لكلمة التوحيد فقط دون بيان لشركهم لكان قولهم : نحن من أهل هذه الكلمة قبلك فلماذا تدعونا إليها ؟
وأنا لم أقل أنهم خوطبوا بما لم يفهموا ، بل بالعكس خوطبوا بما يفهموا ، لأنه فسر لهم في الخطاب معنى كلمة التوحيد الذي كانوا يدعون أنهم من أهلها ، وداعاهم لترك الشرك ثم بين لهم الشرك الواقعين فيه . ولو قيل لهم " تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ " فقط ، لما فهموا هذا الخطاب ولقالوا نحن من أهلها قبلك . حتى ولو كان عربهم يفهم كلمة العبادة بالمعنى اللغوي . لأنه سوف لا يتطرق لعقولهم إلا المعنى الشرعي الذي فهمه لهم أربابهم .
وقولنا : أنهم كانوا لا يفهمون معنى العبادة والإله والرب ، المقصود منه أنه لا يتطرق لأذهانهم معانيها في اللغة عندما يخاطبوا فيها ، كحال من يفهم اللغة العربية ممن يدعي الإسلام اليوم . فعندما تقول له أنت تشرك بالله وتعبد غيره : سيقول لك لا ، فأنا اشهد شهادة التوحيد ولا أصلي إلا لله ولا أصوم إلا لله ولا أحج إلا لله ولا ازكي إلا لله . وقد يكون مع ذلك وزيراً من وزراء الطاغوت أو قاضياً من قضاته يحكم بقوانينه .


قولك : على أية حال .. لم أشأ أن أدع سؤالاً واحداً من أسئلتك دون جواب ، حتى لا يتهمني البعض بالتهرب والتملص ، مع أنني أرى أننا انحرفنا كثيراً بهذه الأسئلة عن أصل الموضوع المطروح ، والذي كان يجب أن يكون نقاشاً مبنياً على أدلة القرآن والسنة ، وليس : أنت تسأل وأنا أجيب
فما شأن البرلمان والحكم والتحاكم والتصورات وما إلى ذلك في مسألتنا هذه التي نحاورها ؟؟ لماذا كل هذه التفريعات والتشعيبات ، والموضوع أساساً لا يتحمل كل ذلك .



أقول : أنا لا اعتقد أنني انحرفت بك عن الموضوع بأسئلتي وأجوبتي لك . ولقد قلت لك السبب من هذه الأسئلة . وسبب ذكري البرلمان والحكم والتحاكم ، لكونه مثالاً على الشرك الواقع فيه أكثر الناس اليوم . ولم أذكره لندخل في البحث المفصل فيه . فأنا كنت أظن أنك تعتبره شركاً أكبراً ، لهذا ضربته كمثال لك .

قولك : لذلك ، بصفتي موجهاً للحوار ، أرجو أن نرجئ هذه المسائل إلى ما بعد التأصيل الشرعي . فدعنا أولاً نتكلم بالعمومات المختصرات ، ونذكر الأدلة على ذلك من القرآن والسنة ، ثم التفريعات لها مقامها .


أقول : ومن هو الذي أراد أن ندخل بأي موضوع ليس له علاقة بما نتحدث عنه ؟
نعم ، دعنا نتحدث بالعموميات المختصرات ونذكر الأدلة على ذلك من القرآن والسنة . وهذا ما أريده أنا أيضاً . وما أسئلتي لك إلا لهذا السبب .


قولك : وكان داعيّ لجواب أسئلتك هو ادعاؤك أنك تسألني حتى تقف على حقيقة مذهبي ، فصبرت على ذلك ، وأظنني بيّنته بياناً وافياً ، والحمد لله .. وسأكتب بياناً مختصراً لمذهبي في ما تأخذه عليّ في هذه المسألة ، وأوضح رأيي فيها ، إن شاء الله .


أقول : نعم هذا هو السبب من أسئلتي . ولكن عندما بينت مذهبك ظهر أن فيه تناقضات صارخة عجيبة ، بينتها لك في ردي على كلامك ، لهذا يجب عليكم أن تجيبني على كل ما كتبته لك في المشاركات السابقة لتوضيح هذه التناقضات حتى نفهمك جيداً ،أو تقر بأنها تناقضات وتتخلى عنها.

صفوان 11-13-2017 06:35 PM

أبو شعيب :
الأخ مسلم1 ،

صدقني أنا لا أتهرب من جواب أسئلتك وبيان ما وقعت فيه من "تناقض" إن صحّ زعمك . وإن ارتأيت في نفسي تناقضاً فلا أسهل عليّ من التراجع عنه ، كما تراجعت عن قولي في السجود .. فإن معرة المرء هي في البقاء على الباطل ، لا في اتباع الحق .

فلا تظنن أنني أتهرب من الجواب .. كل ما في الأمر هو أنني وقفت على مسألة جوهرية من مسائل الحوار ، وأريد ضبطها .. ثم أعدك أنني سأجيب عن أسئلتك .

ولكن ما دمت مصراً على ذلك ، سأبدأ بجواب مشاركاتك واحدة تلو الأخرى - إن شاء الله - ، حتى تأتي بجوابك لمشاركتي الأخيرة رقم #49 .

صفوان 11-19-2017 11:44 AM

أبو شعيب :
الرد على مشاركة رقم #15 :

تقول :


[-- أقول : يعني يستطيع أن يقول لهم أي شي يبين فيه أنهم على باطل وكفى ، بدون أن يعرف ما هي درجة هذا الباطل .
مع كل شي يخالف الشريعة يسمى باطلاً . وكل شي خالف الصواب فهو باطل . وكل معصية باطل .
فما هي درجة الباطل الذي يجب أن يصفه به ؟ أم أن درجته وحكمه الشرعي غير مهم .؟
ولماذا كل هذا التعقيد وعدم الوضوح . فأنت اشترطت عليه ليدخل الإسلام أن يترك الشرك ، فمن الطبيعي والمنطقي والبديهي إذا علم ذلك أن يعلم أن من لم يترك الشرك لم يدخل الإسلام . فاقل ما فيه أن يصفه بأنه غير مسلم . وهذا أسهل عليه من أي شي آخر لا يعرف ما درجته وحدوده في الشرع . --]


نعم ، لا يلزمه معرفة درجة الباطل .. يكفي أن يعرف أن هذا الفعل من غير دين الإسلام ، ولا يرضاه الله ، وهو طاعة للشيطان .

نعم ، اشترطت عليه حتى يدخل الإسلام أن يترك الشرك على أنه مما لا يرضاه الله تعالى .. كما قال تعالى : { إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ } [الزمر : 7] وعلى أنه باطل .. كما قال تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } [الحج : 62] .. وقوله : { قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [العنكبوت : 52]

ويكفيه هذا .

أما أن تقول لي من الطبيعي والمنطقي والبدهي .. هذا عندك وفي مفهوم العقل لا أكثر ، لا مفهوم الشرع .

فإن الأحكام الشرعية لا تتنزل على أصحابها حتى تتحقق فيهم الشروط وتنتفي عنهم الموانع .. وهذا الرجل لم يتصوّر المسألة جيداً لضعف عقله ، وسوء فهمه ، وظنه أن مثل هذه المسائل تحتاج إلى مشايخ يفتون فيها ، وهو ليس بشيخ ، فغابت عنه حقائق يعتقد بها ويؤمن بها ، ولو ذكّرناه بها لاستفاق من غفلته .

يعني يمكن أن يقول لك : هذا فعله باطل وحرام ولا يرضاه الله .. ويكتفي بذلك لقصور فهمه ولجهله .

وإن قلت له : ولكن ، هل يجوز صرف هذا لغير الله ؟ .. يقول لك قطعاً لا ، لذلك قلت إنه باطل .

تقول له : وهل هذا الحق هو لله تعالى لا لغيره ؟ .. يقول لك بالطبع .

تقول له : فهل صرفه لغيره شرك ؟ .. وهنا ينتبه ، ويقول لك نعم .

ثم تسأله : ما نوع هذا الشرك ؟ أكبر أم أصغر ؟ .. يقول لك : لا أدري .. لكنه شرك .

وأنا أكتفي منه بذلك حتى أحكم أنه على الإسلام .. بل لا أحتاج لكل هذا الحوار حتى يفصّل لي في حكم الباطل .. يكفي أن يعتقد أن هذا الفعل باطل ويجتنبه ويبغضه ويبغض فاعله لفعله ، حتى أحكم عليه بالإسلام .


===========

تقول :

[-- أقول : فإذا ظن أن وصفهم بالضلال كوصف أخوة يوسف لأبيهم بالضلال ، هل فهم ما هي درجة وصفهم بالضلال الذي وصفهم به بدون أدنى تفكير في حدوده ودرجته في الشرع ؟
ألا يجب عليه أن يعرف درجة هذا الضلال الذي وصفهم به ؟ --]


أحياناً تأتي بافتراضات هزلية لا تتفق مع ما قررته أنا سابقاً .

من ظن أن ضلاله في دينه كضلال أي شخص في مسائل الدنيا ، بمعنى : أن هذا الضلال لا يؤثر على دينه ولا عقيدته ، ولا يقدح في توحيده ، ولا يغضب الله منه ، بل ولا يحاسب عليه .. فهذا كافر ..

تقول لي لماذا ؟ أقول لك : لأنه أباح الشرك ، وجعله مما يرضاه الله تعالى .

تقول لي كيف ؟ .. أقول لك : مثله مثل رجل أحمق قال : واحد زائد واحد يساوي خمسة ..

هذا ضلال .. ولكن هل هو معصية ؟ .. هل يحاسبه الله عليها ؟ .. الجواب لا

فمن جعل الضلال في مسائل الدين كالضلال في مسائل الدنيا ، فهو كافر .

ولا أدري صراحة أنت كيف تضرب الأمثلة ، أهو لمجرد الاعتراض لا أكثر ؟؟

تقول :


[-- أقول : يعني هل يفسقهم ويضللهم وهو لا يعرف درجة ضلالهم وفسقهم مع أنه يراهم يعبدون غير الله . ؟ وحتى يفهم هذه الدرجة يحتاج لدليل شرعي زائد عن علمه عند دخوله الإسلام .؟
بما أنه لا يعلم درجة فسقهم وضلالهم فقد يساوي عملهم بأي ضلال وأي فسق في لغة العرب . --]


تم الجواب على ذلك في الأعلى .

[-- أقول : وهل أصبح التفسيق والتضليل على حسب مقصودك أو مقصود غيرك ؟
ثم كيف تريده أن يحكم على شي أنه غير حق وباطل دون دليل شرعي وبدون أن يعرف ما درجة بطلانه وعدم أحقيته .؟ --]


َبل حسب مقصودي لأنني أنا من يستعمله .. وقد بيّنت في أكثر من موضع ما أقصد بالتفسيق والتضليل ، وهو بيان أنهم على خلاف الحق .

أما كيف يعرف أنه باطل دون دليل شرعي ؟ .. فهو إن علم معنى العبادة ، علم الحق من الباطل ؛ ولا يحتاج ذلك إلى دليل شرعي .

وإن نحن انتهينا من بيان معنى العبادة ، ستعلم أنها تُعلم من لا إله إلا الله .


----------------

تقول :

[-- أقول : لم أفهم لماذا تعجبت . فأنت ألزمته لدخوله الإسلام بالحكم بالتضليل والتفسيق أو الحكم بالباطل بدون الحاجة لدليل شرعي مع أنها أحكام شرعية ، وعذرت من لم يكفره واشترط لتكفيره الدليل الشرعي وإقامة الحجة والتحقق من شروط وانتفاء موانع . أليس هذا تفريق بين التضليل والتفسيق والتكفير ؟ --]

الحكم بالباطل على فعل ما وفاعله هو من مفهوم لا إله إلا الله .. فإن كان لا يرى فعل فلان باطلاً ، فهو لا بد يراه حقاً .. وهذا هو غاية ما يلزمه من علم ، أن يعتقد أن هذا الفعل باطل ، وصاحبه مبطل في أمر فعله .

ولو عبّر عن هذا الباطل بـ الفسق ، أو الفجور ، أو الكفر ، أو المعصية .. فكل هذه كلمات مؤداها واحد وهو : بيان عدم رضاه بالباطل ، ومخالفته له .

فافهم ذلك ، هداني الله وإياك .

أنا لم أطلب منه أن يضبط المسألة بضوابطها الشرعية .. بل غاية ما طلبت منه أن يقول عن هذا الفعل إنه باطل وما يلزمه من اعتقاد أن صاحبه مبطل بفعله .. لا أكثر ولا أقل .. ولو قال إنه كافر ، أو فاسق ، أو عاص .. فكلها تنتدرج تحت مسمى الباطل ..

أما التفصيل الشرعي فأنا لا ألزمه به .

يعني لو قال كافر وهو لا علم شرعي مفصّل عنده ، ولا دليل عنده على تكفيره .. فهو آثم .. وإن كان فعل ذلك المشرك كفراً حقيقة في دين الله .. بل يكتفي أن يقول هو على باطل .

لكن قوله كافر .. يبيّن أيضاً أنه غير مقر بفعل المشرك ، وأنه يعتقد أن فعله باطل وحرام ولا يرضاه الله .. وهذا هو ما يُكتفى منه .

ومثل ذلك لو قال فاسق .. فإن لم يكن عنده دليل من شرع الله على تفسيقه .. فهو آثم . ويكفيه أن يقول : هو على باطل .

وهلم جراً في جميع الأسماء الشرعية التي تنبثق من أصل واحد وهو : الباطل .

فللأحكام الشرعية أصلان ، هما : الحق والباطل .

ويندرج تحت هذين الأصلين تفريعات كثيرة .. وهي مما لا ألزم الجهلة بها حتى يدخلوا الإسلام أو يبقوا في الإسلام ؛ بل أكتفي منهم بأن يعرفوا أن هذا حق ، وذاك باطل ..

أرجو أن يكون كلامي قد اتضح الآن .


----------------

[-- هل يجيز لك الشرع أن تصف أي عمل بالفسق والضلال وكونه باطل أو غير باطل بدون دليل شرعي ؟ --]

أما الضلال والباطل الذي بمعنى : خلاف الحق .. إن كان من مسائل التوحيد الأصيلة ، فيجب أن يعلمها ، وهي تُفهم من مجرد معنى الشهادتين .

أما ما يتفرع عن هذا المعنى من تكفير وتفسيق .. فهذا يأثم صاحبه إن لم يكن عنده الدليل الشرعي في إنزال هذه الأحكام الشرعية .


[-- هل تعذر بالجهل أو التأويل من لم يحكم بالباطل أو الفسق أو التضليل على من عبد غير الله . --]

إن لم يحكم عليه بالباطل في حدود فعله ؟ .. هو كافر .. لأن مستحسن للباطل ولا بد .

فإما أن يقول : فلان مبطل بفعله وفي فعله .. أو يقول هو محق ومحسن .. إما هذا أو ذاك .. فإن خالف فهو كافر .

أما إن أقر إنه على باطل بفعله ذاك ، ولم يكفره أو يفسقه .. مع إقراره ببطلان ما هو عليه .. فهذا لا يكفر حتى يُبيّن له ويفهم الحجة .


[-- هل تحكم بإسلام من سألته عن حكم من عبد غير الله فقال لك لا أعرف ؟ --]

يجب أن تفرّق بين الأحكام العامة التي مبناها الأفعال ، والأحكام الخاصة التي مبناها أحوال الأفراد .

فأنا أكفّر من إن سألته عن حكم من يعصي الله فقال : لا أدري .

أما لو قال لي : من يعصي الله فهو عاص .. أو على باطل .. فهذا يكفيني للحكم عليه بالإسلام .

ثم لو سألته : ما حكم فلان المعيّن الذي يعصي الله ؟ .. إن قال لي : لا أدري ، قد يكون معذوراً ولا نعلم عذره .. مع أنني أقر أنه على باطل بفعله للمعصية .. لكن الله أعلم بحاله وحكمه .. فهذا لا أكفره بل ولا أؤثمه إن لم يملك أسباب العلم الشرعي التي تخوله للحكم على الأفراد .

وكذلك الحال في سؤالك .

لو أجاب : من عبد غير الله فهو عابد لغير الله .. كحكم شرعي عام ، يقر به العقل واللغة والشرع .. فهذا لا شيء عليه .

لاحظ أنه يستعمل اسم الفاعل لبيان الفعل .. فإن قولنا : عابد .. هو بمعنى : يعبد .. كقول الله تعالى : { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } .. أي : يبسط ذراعيه .. وهذا لا يُخالف فيه إلا مجنون أو مختل عقلياً .. أو زنديق يقول بالتناقضات ويساوي بينها .. كمن يقول : من عبد غير الله فهو عابد لله .. فهذا لا يشك أحد في كفره ، لمساواته عبادة الله بعبادة غيره .. وقد ذكر ابن تيمية - رحمه الله - أن هذا قول طائفة من ملاحدة وزنادقة الفلاسفة ، الذين يقولون إن عبادة الأصنام هي عين عبادة الله ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

ولاحظ أيضاً أننا نتكلم الآن في الأحكام العامة .. لا الأحكام الخاصة .

أما عند الحكم على الأفراد المعيّنين ، مما يستلزم علماً زائداً على أصل التوحيد ، كعلم الشروط والموانع ، وعلم أن الشرك محبط للأعمال جميعها ، بحيث تكون بلا وزن عند الله .. فهذا لا ألزمه به حتى يكون مسلماً .


[-- فسألته هل هو على الحق أم على الباطل ؟ فقال لك لا أعرف لأنني لا استطيع أن أقيم عليه الحجة ، والحكم عليه يحتاج لتحقق شروط وانتفاء موانع وهذه تحتاج لعلم زائد لا اعرفه ، تحتاج لقضاء . ؟ --]

الآن أنت تتكلم عن الأحكام الخاصة .. وتستدل بالأحكام العامة على الخاصة ، وهذا باطل .. لأن للأحكام الخاصة أحوالاً واعتبارات لا تدخل في الأحكام العامة .

فقولنا : من قال القرآن مخلوق فهو كافر .. لا يتنزل على جميع القائلين به .. وأنت تعلم هذا جيداً .

أما إن قال : لا أعرف لأنني لا أستطيع أن اقيم عليه الحجة .. فهذا يتكلم عن معيّن .. فننظر في مقصده : هل يعني : إن فعله باطل ولكن لا يستطيع الحكم عليه كمعيّن ؟ أم أنه يعني إن فعل هذا المعيّن لا حق ولا باطل (ولا أدري كيف يكون هذا) .. فهذا إما مجنون أو زنديق يساوي بين الحق والباطل .. فيرى عبادة غير الله نفسها عبادة الله .. فهذا كافر حينها .

أما إن قال : هذا فعله باطل ، وهو بفعله على باطل ، وفي فعله هو مبطل .. ولكن الحكم الذي يغلب على الفرد لا يستطيع تحقيقه حتى يقيم عليه الحجة ، فيحكم بعدها عليه كمعيّن بأنه ضال أو مبطل أو كافر أو ما إلى ذلك .. كوصف عام لهذا المعيّن .. فهذا لا يكفر ولا يأثم حتى تقام عليه الحجة فيفهمها .


[-- هل يعرف التوحيد من لا يعرف الشرك الأكبر ؟ --]

لو كان لا يميّزه عن الحق .. فهذا كافر .

ولو كان يقول عنه إنه باطل .. فهذا مسلم .

================


[-- أقول : يا ألله ، ما هذا الكلام ؟
يعني لا فرق عندك بين كل هذه الأوصاف ( تفسيق ، تضليل ، تكفير ) ما دامت الغاية منها بيان الباطل ، وأي باطل مهما كانت درجته ؟
عجيب كلامك هذا يا أبا شعيب .!!!
هل كلامك هذا يستقيم من الناحية الشرعية ؟ إطلاق أحكام وأوصاف بدون ضوابط ، وبدون مراعاة لمعانيها في اللغة أو في الشرع . والمهم عندك هو القصد من قولها . --]


نحن كنا نتكلم عن الكيفية التي يعبّر بها المرء عن الباطل .. وهذا كل ما كنت أقصده ، وقد بيّنت هذه المسألة في الأعلى .

فإن كان يطلق ألفاظاً شرعية مفصلة ، دون دليل شرعي ، فهو آثم .. حتى لو أصاب فيه .

وإن كان يطلق أحد الحكمين : الحق أو الباطل (وهما أصلا الأحكام الشرعية).. على فعل ما ، وعلى صاحبه في حدود فعله .. واستقى هذا الحكم من كونه مسلماً موحداً ، فيعلم الحق من الباطل .. فهذا لا شيء عليه ، بل هو مأجور .

فأين العجب الآن من كلامي ؟

=============


تقول :

[-- أقول : أنا لا أخالف يا أبا شعيب أن هناك براءة من الفعل وبراءة من الفاعل . أما ما أخالفك فيه هو أنك جعلت البراءة ممن فَعل الشرك الأكبر وعبد غير الله ، براءة من فعله فقط ، وليس من ذاته وشخصه أيضاً حتى تقام عليه الحجة . ولم تأت بدليل واحد على ذلك . --]

انظر - هداني الله وإياك إلى الحق - :

نحن نتكلم عن البراءة التي هي من أصل الدين ، والتي لا يتحقق إسلام المرء إلا بها .. فما هي هذه البراءة ؟

اتفقنا على البراءة من الفعل .. فما هي البراءة من الفاعل ؟

هل ترى أن المسلم الذي يساكن المشركين ، ويضحك معهم ، ويرافقهم ، ويتعامل معهم ، ويزورهم ، ولكنه مبغض لدينهم ، ولا ينصرهم فيه ، ولا يقرهم عليه .. هل تراه حقق الحد الأدنى من البراءة التي يدخل بها الإسلام ؟

فما هي البراءة من الكافر التي تطلبها ؟؟ ..

لقد قلت سابقاً إنك تطلب منه أن يعلم أن الشرك ينقض التوحيد ..

فهل أفهم منه أنه يجب أن يقول : إن كل دين هذا الكافر باطل وكفر ، حتى ما صرفه لله من عبادة هو كفر وباطل ؟؟

أم يجب أن يقول : إن ما يفعله من كفر هو كفر ، وينقض ثواب توحيده لله .. فلا تكون عند الله شيئاً ؟

أما إن ما زلت منكراً لحقيقة أن الشرك أو الكفر في مسألة ، لا ينقض صحة التوحيد في مسألة أخرى (لاحظ أننا لا نتكلم عن الثواب ، بل نتكلم عن صحة الفعل لا أكثر) ، فأنت مناقض للعقل والشرع أيضاً .

فأما العقل فيقرر أنه يُمكن لمرء أن يخلص لله في فعل ما ، ويوحده فيه ، ولا يصرفه لغيره .. ولكنه في فعل آخر يشرك به .

والشرع يقرر ذلك أيضاً .. { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت : 65]

بل إن الله - تعالى - يجيب دعاء المشرك إن وجهه إليه وحده فيستجيب له ، ولو لم يثبه عليه ..

قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عنه أحمد : ( اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كان كَافِراً فإنه ليس دُونَهَا حِجَابٌ )

قال القرطبي في تفسيره :

ضمن الله - تعالى - إجابة المضطر إذا دعاه ، وأخبر بذلك عن نفسه ، والسبب في ذلك أن الضرورة إليه باللجاء ينشأ عن الإخلاص وقطع القلب عما سواه ، وللإخلاص عنده - سبحانه - موقع وذمة وجد من مؤمن ، أو كافر طائع ، أو فاجر ؛ كما قال - تعالى - : { حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين } . وقوله : { فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون } فأجابهم عند ضرورتهم ووقوع إخلاصهم ، مع علمه أنهم يعودون إلى شركهم وكفرهم . وقال تعالى : { فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين } . فيجيب المضطر لموضع اضطراره وإخلاصه . وفي الحديث : ( ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن : دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة الوالد على ولده ) ذكره صاحب الشهاب ، وهو حديث صحيح . وفي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لمعاذ لما وجهه إلى أرض اليمن : ( واتق دعوة المظلوم ، فليس بينها وبين الله حجاب ) ، وفي كتاب الشهاب : ( اتقوا دعوة المظلوم ، فإنها تحمل على الغمام ، فيقول الله - تبارك وتعالى - : وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ) وهو صحيح أيضاً . وخرج الآجري من حديث أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( فإني لا أردها ولو كانت من فم كافر ) ، فيجيب المظلوم لموضع إخلاصه بضرورته ، بمقتضى كرمه وإجابة لإخلاصه وإن كان كافراً ، وكذلك إن كان فاجراً في دينه ، ففجور الفاجر وكفر الكافر لا يعود منه نقص ولا وهن على مملكة سيده ، فلا يمنعه ما قضى للمضطر من إجابته


وقال الشوكاني في "فتح القدير" :
{ أمن يجيب المضطر إذا دعاه } : هذا استدلال منه - سبحانه - بحاجة الإنسان إليه على العموم . والمضطر اسم مفعول من الاضطرار ، وهو المكروب المجهود ، الذي لا حول له ولا قوة . وقيل هو المذنب ، وقيل هو الذي عراه ضر من فقر أو مرض ، فألجأه إلى التضرع إلى الله . واللام في المضطر للجنس لا للاستغراق ، فقد لا يجاب دعاء بعض المضطرين لمانع يمنع من ذلك ، بسبب يحدثه العبد يحول بينه وبين إجابة دعائه ، وإلا فقد ضمن الله - سبحانه - إجابة دعاء المضطر إذا دعاه ، وأخبر بذلك عن نفسه . والوجه في إجابة دعاء المضطر : أن ذلك الاضطرار الحاصل له يتسبب عنه الإخلاص وقطع النظر عما سوى الله ؛ وقد أخبر الله - سبحانه - بأنه يجيب دعاء المخلصين له الدين ، وإن كانوا كافرين ؛ فقال : { حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجتنا من هذه لنكونن من الشاكرين } وقال : { فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون } فأجابهم عند ضرورتهم وإخلاصهم ، مع علمه بأنهم سيعودون إلى شركهم . ويكشف السوء : أي الذي يسوء العبد من غير تعيين ، وقيل هو الضر ، وقيل هو الجور


فالكافر يحصل منه إخلاص ، وبهذا الإخلاص يستجيب الله لدعائه ..

فإن كان الأمر كما تقول ، من أن جميع عبادات الكفار التي صرفوها لله هي في حقيقتها للشيطان ، فلا معنى لاستجابة الله دعائهم وثوابهم على ذلك في الدنيا (دون الآخرة) ..

هل تراهم لو دعوا الشيطان في الفلك سينجيهم الله ؟؟ فلماذا أنجاهم إذ دعوه وحده لا شريك له ؟؟

فإن كان الأمر كذلك .. فما الذي تطلبه من المسلم الجاهل حينها ؟

أن يقول لك : إن الكافر الذي يدعو الله مخلصاً له الدين ، إنما هو يدعو الشيطان ؟؟

هذا ما تريد منه أن يقول ؟ .. وأنت ترى أن هذا مخالف للنصوص الشرعية وأقوال السلف .

يتبع إن شاء الله ..

صفوان 11-22-2017 11:32 AM

مسلم 1 :
بسم الله الرحمن الرحيم

الرد على المشاركة رقم 31


قولك : لا وجه للتناقض البتة لمن عرف أن الأحكام الشرعية لا تتنزل على المعيّن إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع .


أقول : يا رجل نحن نتحدث عن الشرك الأكبر والذي يجب أن يتركه الشخص حتى يدخل الإسلام . نحن لا نتحدث عن تكفير المعين الذي دخل الإسلام بيقين . فهذا هو الذي عند ارتكابه الكفر ، قبل تكفيره وإخراجه من الدين كمعين نبحث في تحقق شروط وانتفاء موانع .
كلامنا عن : كيف يحقق الشخص دخول الإسلام . كلامنا عن : الحد الأدنى الذي يجب أن يعرفه ويعمله من يريد دخول الإسلام .
أنت كلامك ، متناقض ، في الحد الأدنى الذي يجب أن يعلمه ويفعله ، من أراد أن يدخل الإسلام .
فمرة تقول : يجب عليه ترك الشرك واعتقاد أن من لم يتركه ليس في دين الله .
ومرة تقول : يكفيه أن يعتقد أن فاعل الشرك على باطل وأن فعله على باطل . ولا يشترط عليه أن يحكم على عينه وشخصه أنه ليس في دين الله.
ومرة تقول : يجب على من أراد دخول الإسلام نبذ الشرك بمعنى تركه قلباً وقالباً ويجب عليه أن يعتقد أن من لم يتركه قلباً وقالباً لم يدخل دين الله وليس على دين الله .
ومرة تقول : يكفيه أن يعتقد أن من فعل الشرك فعله باطل وأنه على باطل بفعله ولا يشترط فيه أن يحكم على من فعله كمعين بأنه مشرك .
أليس هذا تناقضاً صارخا ؟
ثم ما علاقة كلامنا في الحد الأدنى الذي يجب أن يعلمه ويفعله ، من أراد أن يدخل الإسلام ، بتكفير من وقع في الكفر ممن حقق دخول الإسلام؟
وما علاقة كلامنا في الحد الأدنى الذي يجب أن يعلمه ويفعله ، من أراد أن يدخل الإسلام بتحقق الشروط وانتفاء الموانع .؟
ثم أين الدليل من القرآن والسنة أن المشرك الذي عبد غير الله لا يحكم بشركه كشخص معين حتى تقام عليه الحجة أو يتحقق من شروط وموانع التكفير . ؟
ثم تقول : " أن الأحكام الشرعية لا تتنزل على المعيّن إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع .
أليس حكمه على المخالف بأنه ليس في دين الله حكماً شرعياً ؟
لماذا عندما شرطت على من يدخل الإسلام أن يحكم - على من لم يحقق ترك الشرك قلباً وقالباً - بأنه ليس في دين الله كشخص معين ، لم تشترط عليه أن يتحقق من شروط التكفير وموانعه .؟


قولك : وقد ذكرتُ أنا فيما مضى أنه لا يوجد مسلم على وجه البسيطة يقول إن فاعل الشرك مسلم .. بل هو يقول : إن من أشرك بالله فهو مشرك .. لكن هذا كحكم عام في المسألة ، ويخالف في تنزيل هذا الحكم على الأعيان .


أقول : يا رجل ، القول بأن فاعل الشرك مشرك حكم على الشخص ، وليس على فعله فقط .
أنت قلت بحق من يفعل الشرك الأكبر : يكفيه أن يحكم على فعله أنه باطل وأنه على باطل أما شخصه وعينه فلا .
ما معنى أما شخصه وعينه فلا ؟ ألا يدل ذلك أنه يحكم على شخصه وعينه بالإسلام والتوحيد . ؟
ثم أنت هنا تقول :" لا يوجد مسلم على وجه البسيطة يقول إن فاعل الشرك مسلم ."
أقول : نعم . لا يوجد مسلم على وجه البسيطة يقول إن فاعل الشرك مسلم. هذا كلام صحيح . ولكن من تحكم بإسلامه يقول ذلك . بل يقول أكثر من ذلك ، يقول من يكفره كشخص ، فهو من الخوارج المارقة .
وما خلافنا معكم إلا في حكم من يقول : إن فاعل الشرك مشرك بفعله مسلم بعينه وشخصه .


قولك : بل هو يقول : إن من أشرك بالله فهو مشرك .. لكن هذا كحكم عام في المسألة ، ويخالف في تنزيل هذا الحكم على الأعيان .


أقول : هو عندما يقول هو مشرك ، يقصد فعله وليس شخصه وعينه ، وأنت كذلك . ولقد كررتَ هذا الكلام أكثر من مرة في كلامك .
إذن ، لا هو ولا أنت ، تحكمان على عينه وشخصه بالشرك ، وإنما تحكمان على عينه وشخصه بالإسلام والتوحيد . بحجة أنه معذور بجهله وتأويله .
فكيف تحكم بالإسلام على من حكم على عين المشرك بالإسلام والتوحيد مع قولك : " لا يوجد مسلم على وجه البسيطة يقول إن فاعل الشرك مسلم " الم يحكم على عينه وذاته بأنه مسلم ؟
أم أنك تقصد بكلمة مسلم ، أي أنه لا يقل : بفعله للشرك مسلم ، ولكن قوله عمن أشرك بالله ، بشخصه وعينه مسلم ، لا يضره في إسلامه شيء؟


قولك :
وقد قلتُ أنا أيضاً إنه من انتفى عنده مطلق الحكم بكفر المشرك ، فلا يرى أن شيئاً يُمكن أن ينقض لا إله إلا الله ، فهذا كافر .


أقول : وأنا لا أدري ما هي نواقض الإسلام عندك للشخص المعين وأنت تقول "مشرك بشركه في شركه " أما عينه وشخصه فلا . ثم تشترط لتكفير عينه فهمه للحجة ، وإذا لم يفهما فهو معذور بجهله وتأويله ، وسيظل كشخص معين مسلماً موحدا .
يا أبا شعيب ، قل لي من هم الذين تكفرهم بأعيانهم ممن يدعي الإسلام ؟
حسب عقيدتك هذه ، يجب أن لا تكفر أحداً بعينه ممن يدعي الإسلام ويعمل بعض أعمال الإسلام والتوحيد .
ثم ، من تحكم عليهم بالإسلام وتصفهم بأنهم علماء مجاهدون أتقياء ، حسب معرفتي بهم ، أكثرهم لا يتردد بتكفير تارك الصلاة كسلاً - مع أن جمهور العلماء يقول بعكس ذلك - ولكنهم لا يكفرون أفراد حماس مع اعترافهم بوقوعهم في كثير من الشرك الأكبر .


قولك : فهات لي رجلاً ينتسب إلى الإسلام وهو يقول : إن الشرك لا يقدح في التوحيد ، فيرى بذلك أن الشرك والتوحيد صنوان ، كما ذكر ذلك بعض الفلاسفة الملاحدة الذين قالوا إن عبادة الله وعبادة الصنم شيء واحد .. هل تراه يوجد ؟
وهات لي رجلاً ينتسب إلى الإسلام وهو يقول : إن من فعل الشرك هو مسلم ؛ فيحكم عليه بالإسلام بسبب فعله الشرك ، فيكون عنده الشرك والتوحيد سواء .. هل تراه يوجد ؟



أقول : أولاً : ما معنى لا يقدح ؟ وكيف يقدح . وما درجة قدحه في إسلام الفاعل؟
وأنا لا أرى أي قدح من قبل من لا تكفرهم وتصفهم بأنهم علماء مجاهدين ، لمن يفعل الشرك ويحسنه ويدعو له ، سوى القدح لفعله .
وأنت أيضاً حسب ما فهمت من عقيدتك كل قدحك موجه للفعل وليس للفاعل . وهذا واضح في قولك : " "مشرك بشركه في شركه "أما في عينه وشخصه فلا " وقولك :" على باطل في فعله " " ليس في دين الله في فعله "
ثم من قال لك أن مسألتنا رؤية الشرك والتوحيد صنوان ؟
مسألتنا : في حكم من يرى أن فاعل الشرك موحداُ مسلماً كشخص معين .
وليس مسألتنا في حكم من قال : أنه بفعله لشرك مسلم .
مع أني عندما سألتك عن حكم من لم يكفر من قال :" فلان بفعله للزنا وانتهاكه لحرمات الله : صالح ورع " لم تكفره .


قولك : وحتى تفهم المسألة جيداً ، سأوضحها ببعض الأمثلة .
لو أن رجلاً قال : من يشرب الخمر فهو تقي ورع .. فهو كافر ، ولا أظنك تخالف في ذلك.
ولكنه لو رأى رجلاً تقياً ورعاً يشرب الخمر عالماً بحرمتها ، فقال : إن شرب الخمر فسق وفجور ، وهذا الرجل فاسق وفاجر في حدود هذا الفعل ، ولكنه لديه عند الله طاعات كثيرة وحسنات عظيمة ، وجهاد كبير في سبيل الله ، فهذا الفسق مغمور ببحار حسناته ، فلا أسميه فاسقاً (بحيث يغلب عليه اسمه) ، بل يبقى تقياً ورعاً (بحيث يغلب عليه اسم التقوى والورع) ، وأسأل الله أن يغفر له سيئته تلك .. فهذا لا يكفر بل ولا يفسق بل ولا يأثم .



أقول : يا أبا شعيب ، نحن لا نتكلم عن شارب الخمر أو فاعل أي معصية من المعاصي . نحن نتكلم عن فاعل ما ينقض أصل الدين من أساسه . نتكلم عن فاعل الشرك الأكبر ، فهل يبق بعد ذلك توحيد وتقوى وورع حتى نرجحه؟
هل يقول : " هذا بحدود فعله لشرك مشرك " ولكن لديه عند الله طاعات كثيرة وحسنات عظيمة ، وجهاد كبير في سبيل الله ، فهذا الشرك ، وعبادة غير الله مغمور ببحار حسناته ، فلا أسميه مشركاً (بحيث يغلب عليه اسمه) ، بل يبقى تقياً ورعاً (بحيث يغلب عليه اسم التقوى والورع) ، وأسأل الله أن يغفر له سيئته تلك ." هل يقول هذا الكلام ، من يعرف شرط وكيفية دخول الإسلام ؟ هل يقول هذا الكلام ، من يعرف التوحيد ويعرف حكم ناقضه الشرك الأكبر ؟
ألم يقرأ هذا الذي وصفته بأنه عالماً تقيا ورعاً مجاهداً قوله تعالى لرسوله الكريم إمام المجاهدين والمتقين " لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ " ؟
وقوله تعالى :" إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا " ؟
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ . أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ .


قولك : ومما يبيّن ذلك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) .. فقد نفى عنه الإيمان حين الزنى فقط ( أي في حدود فعل الزنى ) ، وليس في كل حين
يقول ابن حجر : ( قوله : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " : فنفى عنه الإيمان في حالة الزنا خاصة )


أقول : هل يجوز قياس الشرك الأكبر على الزنا أو أي معصية من المعاصي . والله سبحانه وتعالى يقول : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا " ؟
يا أبا شعيب نحن نتكلم عن فاعل الشرك الأكبر الذي يبطل التوحيد من أساسه ويحبط العمل . ولا نتكلم عن المعاصي التي لا تخرج من الإسلام حتى تضرب أمثلة منها .
هل قال أحد من العلماء في حق من فعل الشرك الأكبر : " نفى عنه التوحيد في حالة الشرك خاصة وليس في كل حين ، فبعد أن ينتهي من فعل الشرك يرجع موحداً مسلماً " ؟


قولك : فهل يعني هذا أن هذا الرجل يحب شرب الخمر ؟ .. الجواب لا .
وهل يعني أنه لا يعلم أن شرب الخمر فسق ؟ .. الجواب لا .
وهل يعني أنه يسم الخمر طاعة وورعاً ؟ .. الجواب لا .



أقول : وهل نحن نتحدث عن حكم حب الشرك ، أو عدم الحكم على الفعل بالشرك ؟ أو نتحدث عن وصف الشرك أنه طاعة وورعاً ؟ طبعاً لا ، نحن لا نتحدث عن هذه الحالات ، نحن نتحدث عن حكم فاعل الشرك والداعي له ؟ عن حكمه كشخص معين وليس الحكم على فعله .

قولك : ومثل ذلك من يقول : إن من يعصي الله فهو طائع له .. فهذا كافر .


أقول : أنا عندما سألتك عن حركة حماس التي تحسن دخول البرلمانات الشركية وتدعوا لها وتعتبر من يدخلها لخدمة الإسلام مجاهداً في سبيل الله ، لم تكفرها كأشخاص .
أم أنك لا ترى البرلمانات شركاً بالله ؟
وعندما سألتك عن حكم من لم يكفر ، من يُحسِّن الشرك ويدعو له ويصفه بأنه جهاد في سبيل الله لم تحكم بكفره ، مع أنك تحكم على من يحسن الشرك بأنه كافر ؟ أم أنك هنا أيضاً تحكم على فعله فقط ؟ أي " بفعله كافر" وليس بعينه وشخصه . ؟


قولك : ولكنه إن قال عن رجل عصى الله : إنه بفعله عاص في حدود فعله ، وطائع في غير ذلك من المسائل ، فغلّب عليه حكم الطاعة ، وسماه : طائعاً .. فهذا لا يكفر بل ولا يأثم .


أقول : يا رجل ، أذكرك مرة أخرى أننا نتحدث عن الشرك الأكبر وفاعله ، نتحدث عن العمل الذي يبطل التوحيد من أساسه ويحبط الأعمال كلها ، ولا نتكلم عن المعاصي.

قولك : ومثل ذلك لو قال عن آدم - عليه السلام - : إنه رجل طائع لله حتى قبل أن يتوب من ذنبه .. فهذا كلام صحيح لا غبار عليه ، ولا يعني هذا أنه يرى أن معصية آدم - عليه السلام - هي طاعة ، مع أن الله - تعالى - قال : { وعصى آدم ربه فغوى } .. ولكنها مسألة تغليب الأحكام وترجيحها .


أقول : يا رجل ، أذكرك مرة أخرى أننا نتحدث عن الشرك الأكبر وفاعله ، نتحدث عن العمل الذي يبطل التوحيد من أساسه ويحبط الأعمال كلها ، ولا نتكلم عن المعاصي.
فما حكمه لو حكم على إبليس هذا الحكم ؟ ألم يكن إبليس رجلاً طائعاً لله ووصل لأن يكون بين الملائكة لطاعته لله ؟ ألم يكن أستاذاً للملائكة ؟
فما حكمه لو قال عنه : إنه عبد طائع لله حتى قبل أن يتوب من ذنبه ؟
هل هذا الكلام صحيح لا غبار عليه ، يا أبا شعيب ؟
سؤال : ما حكم من قال عن إبليس : نعم إنه بفعله عاص في حدود فعله ، وطائع في غير ذلك من المسائل ، ولأن طاعته وتوحيده غلب على معصيته ، فأنا اسميه موحداً مسلماً طائعاً حتى قبل أن يتوب من فعله . ؟
وما حكم من لم يكفر هذا القائل ؟

قولك : فمن جاء وقال إن من فعل الشرك نقض توحيده في نفس الأمر الذي خالف فيه ، مع بقاء صحة توحيده في باقي المسائل ، لأنه لم يفعل ما ينقضها ، فغلّب عليه حكم التوحيد ، مع إقراره أن ما فعله شرك ، وأنه نقض بعض توحيده في حدود هذه المسألة التي أشرك فيها فقط ، فلأي شيء يكفر هذا ؟؟

أقول : من يعرف حكم الشرك وحكم التوحيد يعرف أن الشرك الأكبر لا ينقض فقط الفعل نفسه بل ينقض ويبطل كل التوحيد والأعمال عند صاحبه ويخرجه من الإسلام . ولم يحكم أحد من المسلمين في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - هذا الحكم على مشركي العرب وأهل الكتاب مع أن عندهم من أعمال التوحيد والإسلام الشيء الكثير . بل قال لهم رسول الله صلى الله علي وسلم : " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ "
هل كان المسلون يقولون للمشركين وأهل الكتاب : أنتم فقط في فعلكم الشرك مشركين ( في حدود فعلكم فقط ) وعملكم الذي تفعلون فيه الشرك هو الباطل أما أنتم كأشخاص فأنتم مسلمون موحدون لأن عندكم من التوحيد الشيء الكثير . ؟
أو هل قال لهم : عندما تفعلون التوحيد فأنتم موحدون ، وعندما تفعلون الشرك فأنتم مشركون . وشرككم هذا لا يبطل إلا العمل الذي أشركتم به وتوحيدكم في هذا الفعل ، أما باقي أعمالكم وتوحيدكم لا يبطل بل أنتم موحدون فيه . ؟


أما عن سؤالك : فلأي شيء يكفر هذا ؟؟

أقول : مثل هذا الشخص لم يدخل الإسلام بعد ، لأنه لم يكفر بالطاغوت . لأن توحيده الذي يعتقده هو التوحيد الذي لا يبطله الشرك الأكبر ، والشرك الذي تركه هو الشرك الذي لا يبطل سوى العمل الذي حدث فيه ، أما حكم الفاعل في عقيدته : فما دام عنده أفعال توحيد فهو موحد .

قولك : ثم إن سألناه في ذلك قال : إن هذا الشرك لا ينقض عموم التوحيد إن كان جاهلاً ، وهذا ما نصت عليه الأدلة الشرعية .


أقول : ما هي هذه الأدلة الشرعية التي تنص على أن الشرك الأكبر لا ينقض عموم التوحيد ؟
ثم هو ألم يُشرط عليه ليصبح مسلماً موحداً ، أن يترك جميع أنواع الشرك قلباً وقالباً ، ويعتقد أن من لم يتركه قلباً وقالباً ليس موحداً ، مهما كان عنده من أفعال الإسلام والتوحيد ؟

قولك : فلضعف عقله ، وقصور تصوره ، وضحالة فهمه ، وغياب بعض جوانب هذه المسألة عنه ، ظنّ أن الجهل عذر ، مع إقراره أن هذا الشرك ينقض التوحيد ، ولكنه اشترط لذلك العلم ، وظن أنه بذلك متبع للدليل الشرعي.
أقول : أولاً : ما هو هذا الدليل الشرعي الذي اتبعه والذي يبين أن فاعل الشرك الأكبر لا يخرج من الدين ولا يسمى مشركاً ما دام جاهلاً وعنده بعض مظاهر التوحيد والإسلام ؟
ثانيا : كيف يقر أن الشرك ينقض التوحيد ، ثم يحكم على فاعله بأنه موحد؟ أم أن قصده من نقض التوحيد ، ليس مطلق التوحيد ، بل توحيده في الفعل الذي أشرك فيه ؟
ثالثاً : هل هو عندما دخل الإسلام عذر بجهله في الشرك وحكم عليه بالتوحيد لوجود بعض مظاهر التوحيد والإسلام عنده ؟ ( وقد قلنا أنه لا يوجد على وجهة الأرض إنسان إلا وعنده من مظاهر التوحيد والإسلام شيء ، بل أشياء )
رابعاً : أنت هنا تصفه بأنه ضعيف العقل ، ضحل الفهم ، قاصر التصور ، وفي نفس الوقت في مكان آخر وصفته بأنه عالم تقي ورع مجاهد .


قولك : كما قال ابن تيمية - رحمه الله - في [مجموع الفتاوى : 12/180-181] :‏
[-- فَالتَّكْفِيرُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ حَالِ الشَّخْصِ . فَلَيْسَ كُلُّ مُخْطِئٍ وَلَا مُبْتَدَعٍ وَلَا جَاهِلٍ ‏وَلَا ضَالٍّ يَكُونُ كَافِرًا ؛ بَلْ وَلَا فَاسِقًا ، بَلْ وَلَا عَاصِيًا ، لَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ . وَقَدْ ‏غَلِطَ فِيهَا خَلْقٌ مِنْ أَئِمَّةِ الطَّوَائِفِ الْمَعْرُوفِينَ عِنْدَ النَّاسِ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ . وَغَالِبُهُمْ يَقْصِدُ وَجْهًا مِنْ ‏الْحَقِّ فَيَتَّبِعُهُ ، وَيَعْزُبُ عَنْهُ وَجْهٌ آخَرُ لَا يُحَقِّقُهُ ، فَيَبْقَى عَارِفًا بِبَعْضِ الْحَقِّ جَاهِلًا بِبَعْضِهِ ؛ بَلْ ‏مُنْكِرًا لَهُ "


أقول : يا رجل ، ابن تيمية هنا يتكلم عن المسلم الذي ثبت إسلامه بيقين ثم فعل كفراً من المكفرات ، ولم يتكلم عن فاعل الشرك الأكبر ومعتقده .
هل لك أن تأت بقولٍ واحد لأبن تيمية أو غيره من العلماء ، عذر من فعل أو أعتقد الشرك الأكبر وحكم عليه بالإسلام .
وقبل ذلك ، هل لك بأن تأت بأية واحدة أو حديث واحد ، عُذر فيه من فعل الشرك الأكبر وسمي موحداً . ؟


قولك : واختلطت عليه أحكام الدنيا وأحكام الآخرة .. فظن أن أحكام الدنيا والآخرة سواء ، فما أثبتناه من كفر في الدنيا يثبت في الآخرة بالعذاب الخالد في النار .
واختلطت عليه أحكام الكفر والشرك .. فظن أنهما سواء ولا فرق بينهما ، وما يُعذر المرء في أحدهما يعذر في الآخر.



أقول : لو عرف ما معنى الكفر بالطاغوت ، وعرف كيفية تحققه في أرض الواقع ، لما اختلط عليه شيء في حكمه وحكم من عبده ومن لم يكفر به .
ثم من أين تعلم أحكام الكفر والشرك ؟
ألم يقرأ آيات الله في الشرك وحكم فاعله ؟ أم أنه تعلم دينه من شبهات المبطلين ؟


قولك : تقول له : ولكن هذا مخالف للمقررات العقلية .. يقول لك : دعنا من العقل وتكلم في الشرع ، فمجرد العقل لا يثبت به حكم شرعي واحد .


أقول : ومن قال له ولك : أننا كفرنا المشرك بالمقررات العقلية ؟
وهل هو في حكمه على عين المشرك ، بالتوحيد والإسلام ،تكلم بالشرع ؟
ألم يقرأ آيات الله في الشرك وحكم فاعله ؟ أم أنه تعلم دينه من شبهات المبطلين إخوان الشياطين ؟


قولك : ثم أنا أسألك بعد كل هذا وأقول :
أنت إلى الآن لم تأت بدليل واحد صريح بيّن يفيد بأن تكفير المشرك بنفسه ناقض لأصل الدين ، ومن جهل بعض مسائله فحاله كالمشرك .. أين الدليل الصريح الواضح الذي يربط هذا بأصل الدين ؟؟
كل ما عندك هو مقررات عقلية لا أكثر ، ليست مستندة على كتاب أو سنة



أقول : الظاهر أنك لم تقرأ كلامي جيداً . ولو قرأته لوجدت فيه الكثير من الأدلة على أن المشرك الشرك الأكبر ليس في دين الله ولا يمكن أن يوصف بأنه موحد ( طبعا بعينه وذاته ) .
ولم استند لأي دليل عقلي ، للحكم على عين المشرك بالشرك وعدم التوحيد ، وتكفير من لا يكفره ، والحكم عليه بعدم دخوله الإسلام . فلماذا تقول أن كل ما عندي هو مقررات عقلية لا أكثر ؟ أين هي هذه المقررات العقلية التي استشهدت بها في كلامي معك ؟؟؟


قولك : هل عندك آية واحدة تقول : من لا يكفر المشرك فهو كافر ونقض أصل دينه بنفس الأمر ؟ هل عندك حديث ؟
هل عندك قول من أقوال أئمة السلف من القرون الثلاثة ؟؟



أقول : لقد ذكرت لك أكثر من آية وحديث ، ولكن الظاهر أنك لم تقرأها .
إليك بعض الأدلة على ذلك ، اقرأ وتدبر لعل الله يهديك للحق :

1-" لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " (البقرة : 256)
2-" وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ "النحل : 36)
3-" قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ " ( المائدة :60 )
4-"قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي . فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ . لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ . وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ " (الزمر : 14-17)
5-"إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا . " ( النساء : 48 )
6-"أَلْم تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا " (النساء : 51)
7-" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا " (النساء : 60)
8-" وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " (البقرة : 257)
9-" إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ . أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ " (الزمر : 2-3)
10-" قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ . وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ " (الزمر :11-12)
11-" إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " (يوسف : 40)
12-" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ " (آل عمران : 64)
13-" اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ " (التوبة : 31)
14-" قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ . وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ . وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " (الزمر : 64-67)
15-" إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " (النحل :120(
16-" لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً " (البينة : 1-2)
17-" وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ " (التوبة : 6)
18-" بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " (البقرة : 112)
19-" قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ "( الأنعام: 162، 163)
20-" أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ." (الشورى : 21-22)
21-" قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ . وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ " (يونس :59-60)
22-" قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " (الكهف :110)
23-" وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ . أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ . وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ." [الأعراف 172 – 174]
24-" وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ " [ الأنعام: 137 ]
25-"إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ . فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ " (محمد :25-28)
وإليك بعض الأدلة من الحديث الشريف :
1-قال صلى الله عليه وسلم : » يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت تفتدي به ؟ قال ؛ فيقول ؛ نعم , فيقول له المولى :" قد أردت منك ما هو أهون من هذا , قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي «. رواه مسلم
2-قال صلى الله عليه وسلم : " " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله " ( مسلم )
3-وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ (ïپ´) قَالَ: كُنْتُ رِديفَ النبي ïپ². عَلَى حِمَارٍ فَقَالَ لي : « يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ وما حقُّ العبادِ عَلَى الله ؟ » قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: « حَقُّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوه وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً. وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللّهِ أَنْ لاَ يُعَذّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئا » قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَفَلاَ أُبَشّرُ النّاسَ ؟ قَالَ: « لاَ تُبَشّرْهُمْ فَيَتّكِلُوا ». متفق عليه
4-عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ïپ² قال : " من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار " (رواه البخاري .)
5-وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله ïپ² قال : « مَنْ لَقِيَ الله لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنّةَ ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ النّارَ ». (مسلم)
أما أقوال العلماء في ذلك فهي كثيرة جداً ، لا يسع المجال لذكرها هنا ، وفي كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كفاية لمن أراد حق ، فهو واضح جلي لمن أراد الحق وتجرد له ، ولم يطغ على عقله شبهات المبطلين إخوان الشياطين .


قولك : أنا أريد نصاً صريحاً كقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر(


أقول : ما ذكرته لك من أدلة ، نصوص صريحة في موضوع الخلاف فتدبرها جيداً ، وهي أصرح دلالة من حديث كفر تارك الصلاة . وإذا كان لك أي اعتراض على عدم صراحتها ، فسوف أبين لك ذلك .
هذا ، والدليل الذي ذكرته لتكفير تارك الصلاة ، دليلاً ليس صريحاً بكفر تارك الصلاة ، الكفر الأكبر . وذلك لوجود أدلة أخرى تخالف هذا الحكم . أما الأدلة الذي ذكرتها لك ففيها بياناً كافياً شافياً واضحاً ، أن المشرك الذي عبد غير الله ، ليس مسلماً ولا موحداً بعينه وشخصه ، ولو كان عنده من عمل التوحيد والإسلام بمقدار ما كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأن اسم المشرك لمن عبد غير الله ( كحكم على شخصه وعينه ) ثابت قبل قيام الحجة وبعدها .


قولك : فيا سبحان الله .. الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتكلم عن الصلاة ، ويذكر أن تاركها كافر ، ولا يتكلم عمّا هو أهم من الصلاة ، وهو تكفير المشركين ؟!!


أقول : بل تكلم الله في كتابه الكريم ، وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ، الحكم على من عبد غير الله ( الحكم على شخصه وعينه ) أوضح مما تكلم عن حكم تارك الصلاة وأي حكم غيره . ولقد ذكرت لك بعض الأدلة على ذلك . والقرآن مليء بمثل هذه الأدلة التي تبين حكم من عبد غير الله وأشرك به . بل إن الله سبحانه وتعالى ما أنزل القرآن وأرسل الرسل إلا لبيان الموحد وحكمه والمشرك وحكمه . قال تعالى : " وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ " (الأنعام : 55)

قولك : وذكر الوعيد الغليظ الذي وصل إلى حد الكفر في تكفير المسلم .. ولم يذكر وعيداً واحداً في أسلمة الكافر !!!


أقول : بل القرآن والسنة مليئتان بحكم من أشرك بالله وعبد غيره .
ألا تكفي هذه الأدلة للحكم على من خالفها بأنه ليس في دين الله .؟
بل لقد اشترط الله سبحانه وتعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لدخول الإسلام ، ترك الشرك قلباً وقالباً ، والحكم على (عين) من لم يتركه بأنه ليس موحدا وليس في دين الله . مهما كان عنده من أعمال التوحيد والإسلام . ألا يكفي هذا كدليل صريح للحكم بالكفر وبعدم دخول الإسلام ، على من حكم بإسلام وتوحيد المشرك
فالحكم على ( عين ) المشرك الذي عبد غير الله ، بأنه ليس موحداً وليس في دين الله ، حكم كان يعرفه كل عاقل بالغ دخل دين الإسلام ، ولا يسعه أن يخطأ فيه ما دام يعرف كيفية دخول الإسلام . أما مسألة تكفير المسلم فالخطأ فيها وارد عند المسلم ، بسبب الجهل والغلو في الدين ، لهذا كان التنبيه عليها والتحذير منها ، حتى لا يقع فيها المسلم الموحد فتؤدي إلى فتنة بين المسلمين .


قولك : بل إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يترك فعلاً هو كفر إلا بيّنه وحذر منه أتم التحذير ، حتى لو كان يقرره العقل ، حتى لا يأتي رجل أحمق لا يفهم ويقول هذا ليس كفراً .
ولكنه مع كل هذا ، تركنا لوحدنا نستنبط هذا الحكم الشرعي الذي ليس عليه دليل واحد من قرآن أو سنة .



أقول : نعم ، إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يترك فعلاً هو كفر وشرك ، إلا بيّنه أتم البيان وحذر منه أتم التحذير ، ومن لم يعتقد ذلك فليس بمسلم ولا مؤمن .
ومن يقل أيضا ً أن القرآن والسنة لم تبين حكم من عبد غير الله وأشرك به ( كشخص معين ) ، وأن هذا الحكم تركته لعقولنا ، فقد افترى على الله وعلى رسوله ونسب النقص والخلل في دين الله .
وكما قلت لك سابقاً : إن الله سبحانه وتعالى ما أنزل القرآن وأرسل الرسل إلا لبيان الموحد وحكمه والمشرك وحكمه . قال تعالى : " وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ " (الأنعام : 55)
فأين في دين الله أن المشرك الذي عبد غير الله لا يحكم بشركه كشخص معين ، حتى تقام عليه الحجة أو يتحقق من شروط وموانع التكفير .


قولك : أنت بذلك تنسب الشريعة إلى النقص والخلل ، والله المستعان .


أقول : بل من يقل أن القرآن والسنة لم تبين حكم من عبد غير الله وأشرك به ( كشخص معين ) ، وأن هذا الحكم تركته لعقولنا واجتهاداتنا ، فقد افترى على الله وعلى رسوله ونسب النقص والخلل إلى دين الله وشريعته..
وكذلك من يقل : إن الله سبحانه وتعالى ، اشترط على مَن أراد دخول الإسلام ترك الشرك قلباً وقالباً حتى يدخل الإسلام ، ولم يبين له ويشترط عليه معرفة حكم من لم يتركه كشخص معين ، فقد افترى على دين الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم . واتهم الدين بالتناقض . ونسب النقص والخلل إلى دين الله وشريعته .

يتبع

صفوان 11-22-2017 11:41 AM

أبو شعيب :
يقول الأخ مسلم1 في مشاركة رقم #56 :


[-- أقول : لقد ذكرت لك أكثر من آية وحديث ، ولكن الظاهر أنك لم تقرأها .
إليك بعض الأدلة على ذلك ، اقرأ وتدبر لعل الله يهديك للحق :

1-" لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " (البقرة : 256)
2-" وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ "النحل : 36)
3-" قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ " ( المائدة :60 )
4-"قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي . فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ . لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ . وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ " (الزمر : 14-17)
5-"إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا . " ( النساء : 48 )
6-"أَلْم تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا " (النساء : 51)
7-" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا " (النساء : 60)
8-" وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " (البقرة : 257)
9-" إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ . أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ " (الزمر : 2-3)
10-" قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ . وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ " (الزمر :11-12)
11-" إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " (يوسف : 40)
12-" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ " (آل عمران : 64)
13-" اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ " (التوبة : 31)
14-" قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ . وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ . وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " (الزمر : 64-67)
15-" إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " (النحل :120(
16-" لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً " (البينة : 1-2)
17-" وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ " (التوبة : 6)
18-" بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " (البقرة : 112)
19-" قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ "( الأنعام: 162، 163)
20-" أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ." (الشورى : 21-22)
21-" قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ . وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ " (يونس :59-60)
22-" قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " (الكهف :110)
23-" وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ . أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ . وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ." [الأعراف 172 – 174]
24-" وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ " [ الأنعام: 137 ]
25-"إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ . فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ " (محمد :25-28)
وإليك بعض الأدلة من الحديث الشريف :
1-قال صلى الله عليه وسلم : » يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت تفتدي به ؟ قال ؛ فيقول ؛ نعم , فيقول له المولى :" قد أردت منك ما هو أهون من هذا , قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي «. رواه مسلم
2-قال صلى الله عليه وسلم : " " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله " ( مسلم )
3-وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ (ïپ´) قَالَ: كُنْتُ رِديفَ النبي ïپ². عَلَى حِمَارٍ فَقَالَ لي : « يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ وما حقُّ العبادِ عَلَى الله ؟ » قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: « حَقُّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوه وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً. وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللّهِ أَنْ لاَ يُعَذّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئا » قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَفَلاَ أُبَشّرُ النّاسَ ؟ قَالَ: « لاَ تُبَشّرْهُمْ فَيَتّكِلُوا ». متفق عليه
4-عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ïپ² قال : " من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار " (رواه البخاري .)
5-وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله ïپ² قال : « مَنْ لَقِيَ الله لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنّةَ ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ النّارَ ». (مسلم) --]


بعد كل هذا ، أين الدليل الصريح على أن إخراج المشرك من دين الله هو من أصل الدين ؟؟

لا تقل لي دليلاً عقلياً .. أنا فهمي غير فهمك .

هذه المسألة التي هي من أصل أصول الدين ، ولا يدخل الإنسان الإسلام حتى يعلمها ، لا يوجد دليل صريح واحد يثبت أن المرء يكفر إن لم يضبطها .. بل لا يوجد دليل صريح أن هذا الأمر يُلزم به جميع المسلمين .

غاية ما عندك هي أدلة توجب التصديق بها ، كأدلة تحريم الخمر ، وتحريم الزنا ، وتسمية الزاني زانياً .. وما إلى ذلك .

ولا دليل أتيت به حتى الآن يوجب على المسلم الجاهل الذي لا يعرف أدلة القرآن : إخراج المشرك من دين الله ، وإلا بطل إسلامه .

يوجد أدلة كثيرة على تكفير من يكفر المسلم .. فهل هناك دليل بمثل هذه الصراحة على تكفير من يحكم على المشرك بالإسلام ؟؟

هل يوجد ؟؟

والدليل الأخير الذي أتيت به هو حجة عليك .

وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « مَنْ لَقِيَ الله لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنّةَ ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ النّارَ »

وأنت نفسك تقول إنه إن ترك عبادة غير الله ، واعتقد بطلانها وفسادها وفساد معتقد أهلها ، وعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً .. فإن ذلك لا ينفعه حتى يكفّر كل شخص وقع في الشرك الأكبر تعييناً .

عندما سألناك لماذا ؟ .. قلت : لأنه لا يعلم معنى التوحيد .

وعندما نسألك : وما معنى التوحيد غير عبادة الله وحده لا شريك له ، ونبذ عبادة ما سواه ؟

تأتينا بأصل جديد وهو : إخراج المشرك من دين الله .. مما لم يدل على أصوليته دليل شرعي واحد .

الآن تفضل ..

اشرح لي كيف تدل هذه النصوص على أن إخراج المشرك من دين الله هو من أصل الدين .

رجاء .. لا أريد استنباطاتك أنت .. أريد استنباطات علماء السلف إلى ما قبل أئمة الدعوة النجدية .

أنا في الانتظار .

صفوان 11-22-2017 11:41 AM

مسلم 1:
بسم الله الرحمن الرحيم

الرد على مشاركة رقم 57
لعاجلية المسألة وأهميتها أخرت تكملة الرد على المشاركة رقم 31 حتى أنهي الرد على المشاركة رقم 57


قولك : بعد كل هذا ، أين الدليل الصريح على أن إخراج المشرك من دين الله هو من أصل الدين ؟؟
لا تقل لي دليلاً عقلياً .. أنا فهمي غير فهمك .



أقول : بل هذه الأدلة وغيرها كثير تثبت أن المشرك الذي يعبد غير الله ليس في دين الله ، وأن هذه الحقيقة هي أول حقيقة أثبتها كل الأنبياء عندما دعوا أقوامهم لدخول دين التوحيد ، دين الله الخالص من كل شرك .
فنبينا أفضل الصلاة والسلام عليه عندما بعث ، كان في جزيرة العرب أكثر من دين وكلهم يَدَّعون أنهم في دين الله . كان هناك مشركي العرب عبدة الأصنام . وكان هناك اليهود والنصارى . وكلهم يدعي أنهم في دين الله وأنهم أتباع رسل . فمشركي العرب كانوا يدعون أنهم على دين إبراهيم عليه السلام ، وكانوا يمارسون كثيراً من العبادات من دين إبراهيم كالحج والصلاة والصوم والصدقة والغسل من الجنابة ، وكان عندهم عادات إسلامية كثيرة حميدة مثل إكرام الضيف وإعانة المظلوم ، وكانوا يعظمون الكعبة ويكرمون زوارها أكثر مما يعظمها طواغيت السعودية اليوم . فكانت عندهم السقاية والرفادة .
قال تعالى عنهم : " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "
وكانوا يعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله .
قال تعالى : " وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى "
وكان هناك النصارى واليهود الذين يعتقدون أنهم في دين الله ، وأنهم موحدون . وكان عندهم كثير من مظاهر التوحيد والإسلام مع شركهم القليل . وعندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم حكم عليهم كلهم بالشرك والخروج من دين الله ودعاهم كلهم لدخول دين الله من جديد ، ولم يُعط أي قيمة لما عندهم من مظاهر التوحيد والإسلام . وكان كل فرد منهم عندما يؤمر بالكفر بالطاغوت والإيمان بالله لدخوله دين الله ، يعرف من هذا الخطاب ما هو الطاغوت وما حكمه وما حكم من يعبده . ومن لا يعرف من لغته ، يُعرف بكل هذا قبل أن يدخل الإسلام . لأن المطلوب منه دخول الإسلام عن بينة وعلم . لأن هذا هو الذي سيفيده .
ومن لا يعرف لأي دين دعي ، وبأي دين هو . فلأي شيء دعي ؟ ولماذا شرطت عليه هذه الشروط .؟ أليس عدم بيان هذه الأمور والاكتفاء منه فقط أن يعرف أنه كان على باطل بفعله وبحدود فعله وأنه أصبح الآن على الحق بفعله وبحدود فعله ، ولا يضره بعد ذلك أن لا يعرف أن من يعبد غير الله ليس في دين الله بعينه ، أليس هذا من العبث وعدم البيان المبين الذي يجب أن ينزه الله ورسله عنه . ؟
الأنبياء كلهم كانوا من أول يوم يدعون أقوامهم لدين الله . فهم أصلاً مرسلون من قبل الله لبيان دينه ودعوة الناس لدخول هذا الدين ، وليس هم مجرد إصلاحيون يريدون أن يبينوا للناس ما هو الحق ومن هو على الحق بفعله وبحدود فعله وما هو الباطل ومن هو على الباطل بفعله وبحدود فعله ، وكفى .
بل كانوا من أول يوم يقولون للناس ، كل الناس على اختلاف أديانهم : أنتم لست في دين الله ، لأنكم تعبدون معه غيره ، ولا ينفعكم إدعائكم أنكم في دين الله ، ولا ينفعكم ما تأدونه من مظاهر التوحيد والإسلام لحكم عليكم بأنكم موحدون في دين الله ، ما دمت تشركون بالله وتعبدون غيره . اتركوا عبادة الطاغوت واعبدوا الله وحده ، ومن دون ذلك لا يمكنكم دخول دين الله ، وكل إدعاءاتكم أنكم في دين الله بدون ترككم للشرك إدعاءات باطلة وافتراء على الله وتحريف لدينه .
وكان عندما يرسل أي رسول لقومه كان يؤمر أن يقول لهم من أول يوم : " قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ . وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ " (الزمر :11-12) أليس هذا الكلام يدل دلالة واضحة على أنه كان يحكم عليهم بأنهم غير مسلمين ؟ وكان يخبرهم أن المسلم هو من عبد الله وحده مخلصاً له الدين . أي ترك جميع أنواع الشرك .؟ وأن من استجاب لدعوته وترك جميع أنواع الشرك وعبد الله مخلصاً له الدين كان مسلماً معه ، دخل في دين الإسلام وترك دين الشرك . ؟
أبعد هذا التوضيح والبيان يُقال : لا يشترط بمن أراد دخول الدين أن يعرف بأي دين كان وفي أي دين دخل ، ولا يشترط عليه أن يعرف بأي دين مَن كان حاله كحاله قبل دخول دين الله . وأنه لا يوجد دليل صريح يدل أن إخراج المشرك من دين الله هو من أصل الدين . من يقول هذا الكلام لا يعرف دعوة الرسل ولا يعرف ما دعت إليه من أول يوم . ولا يعرف دين التوحيد وكيف يدخل المرء فيه ، ولا يعرف دين الشرك ودين الطاغوت ومن هو فيه .
أيعرف دين التوحيد من يدخل المشرك فيه ؟
أيعرف دين الشرك ودين الطاغوت من يخرج المشرك منه ويخرج عابد الطاغوت منه ؟
لو تكلم الطاغوت لأعترض على ذلك وقال : كيف لكم أن تخرجوا من يعبدني من ديني ؟
فكيف لله سبحانه وتعالى أن لا يعترض ويقول : كيف أدخلتم من عبد الطاغوت في ديني ، ولقد قلت لكم من أول يوم على لسان رسلي : " أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ " ؟؟
ولولا الحياء لقيل : أن مِن أصل الدين إدخال المشرك في دين الله لأن عنده من التوحيد والإسلام الشيء الكثير .
أسأل هنا : متى يخرج المشرك بعينه من دين التوحيد.؟ وقبل هذا ما هو دليلكم أن المشرك داخل في دين التوحيد ؟
وبأي دليل أدخلتم المشرك في دين التوحيد . حتى تسألوا من أخرجه على أي دليل اعتمدت في أخراجه من دين التوحيد ؟


قولك : هذه المسألة التي هي من أصل أصول الدين ، ولا يدخل الإنسان الإسلام حتى يعلمها ، لا يوجد دليل صريح واحد يثبت أن المرء يكفر إن لم يضبطها .. بل لا يوجد دليل صريح أن هذا الأمر يُلزم به جميع المسلمين .
غاية ما عندك هي أدلة توجب التصديق بها ، كأدلة تحريم الخمر ، وتحريم الزنا ، وتسمية الزاني زانياً .. وما إلى ذلك .



أقول : سبحان الله ! بل الأدلة الصريحة على هذا كثيرة في كتاب الله ولقد ذكرت لك بعضها ، وسوف أبين هنا وجه الدلالة الغائب عنك فيها .
والأدلة التي ذكرتها لك تثبت بشكل واضح أن من أشرك بالله وعبد غيره ليس في دين الله . وأن هذه الحقيقة كان يعرفها كل مسلم دخل الإسلام عند دخوله الإسلام . وما تركه لدين الشرك الذي كان عليه ودخوله دين التوحيد ، إلا لأنه أصبح يعرف معرفة يقينية لا لبس فيها ، أن ما كان عليه من دين ليس دين الله بل دين الطاغوت دين الشرك ، وأنه حتى يدخل في دين الله يجب عليه ترك دين الطاغوت وترك جميع أنواع الشرك وعبادة الله وحده مخلصاً له الدين .
قال تعالى : " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " البقرة : 256
وقال تعالى : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ "النحل : 36
وقال تعالى : " وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ " (الزمر : 17)
ثم كيف لك يا أبا شعيب أن تتصور رجلاً أراد دخول دين الإسلام دين التوحيد ، فاشترط عليه لدخول دين الإسلام أن يكفر بالطاغوت ولم يبين له ما هو الطاغوت الذي يجب أن يكفر به ، وكيفية الكفر به وما حكمه وحكم من لم يكفر به . ثم هو مع ذلك ، يعلن أنه كفر بالطاغوت . فيحكم عليه بأنه دخل الإسلام وكفر بالطاغوت ، وهو لا يعرف أنه قبل دخوله الإسلام هل كان خارج دين الله أو داخله ؟ ولا يعرف حكم الطاغوت الذي أمر بأن يكفر به لدخوله دين التوحيد ، ولا يعرف هل هذا الطاغوت في دين الله أم خارجه ، وكذلك لا يعرف أن من عبد الطاغوت في دين الله أم خارجه . ويكفي منه حتى يدخل الإسلام أن يعرف أنه كان قبل أن يدخل دين الله على باطل في فعله وبحدود فعله ، وأن الطاغوت ومن يعبده على باطل في فعلهم وبحدود فعلهم . ولا يضره بعد ذلك أن يجهل هل قبل دخوله دين الإسلام كان في دين الله أم خارجه ، وكذلك لا يضره عدم معرفته أن الطاغوت وعابديه بأعيانهم في دين الله أم خارجه . ؟


ثم تقول : " غاية ما عندك هي أدلة توجب التصديق بها ، كأدلة تحريم الخمر ، وتحريم الزنا ، وتسمية الزاني زانياً .. وما إلى ذلك ."

أقول : كلامك هذا يعني أن الصحابة رضي الله عنهم بداية كانوا لا يعرفون بأي دين دخلوا ولا بأي دين كانوا ولا يعرفون حكم الطاغوت الذي أمروا أن يكفروا به ، هل هو في دين الله أم خارجه ، وكذلك كانوا لا يعرفون حكم من عبد الطاغوت وأشرك بالله ، هل هو في دين الله أم خارجه . وكل ما كان يعرفونه أنهم على الحق وأن من يعبد غير الله على الباطل بعمله وفي حدود عمله ، أما بعينه وشخصه فلا يعرفون بأي دين هو ، حتى نزلت هذه الآيات . وحتى بعد نزول هذه الآيات من لم يفهمها جيداً ويحكم على من أشرك بالله أنه موحد مسلم في دين الله ، لترجيحه ما عنده من توحيد على ما يفعله من شرك ، فهو معذور لجهله وتأويله . ومن مات من الصحابة قبل نزول هذه الآيات ، كان لا يعرف أحكامها ، لا يعرف أن من عبد غير الله مشرك بعينه ، وليس في دين التوحيد ، ولا يعرف حكم الطاغوت الذي أمِر أن يكفر به ، هل هو في دين الله أم خارجه. وقد يكون مات وهو يعتقد أن من أشرك بالله وعبد غيره هو مشرك في عمله أي بحدود عمله فقط ، وأنه موحد بما عنده من توحيد وبحدود توحيده ، وقد يكون مات وهو يعتقد أن المشرك لكثرة توحيده موحد وفي دين الله لأن توحيده غلب شركه . وقد يكون مات وهو يعتقد أن النصارى واليهود على دين التوحيد مع شركهم لكثرة توحيدهم . وهو معذور بذلك ، لأن آيات الله التي تبين حكم فاعل الشرك لم تنزل بعد .

قولك : ولا دليل أتيت به حتى الآن يوجب على المسلم الجاهل الذي لا يعرف أدلة القرآن : إخراج المشرك من دين الله ، وإلا بطل إسلامه .
يوجد أدلة كثيرة على تكفير من يكفر المسلم .. فهل هناك دليل بمثل هذه الصراحة على تكفير من يحكم على المشرك بالإسلام ؟؟هل يوجد ؟؟



أقول : بل كل الأدلة التي ذكرتها لك وغيرها كثير توجب وجوباً بالضرورة على من أراد دخول الإسلام أن يعرف أن المشرك الذي عبد غير الله ليس في دين التوحيد بعينه . وتوجب عليه معرفة أن الطاغوت الذي أمر بترك عبادته ليدخل الإسلام ليس في دين التوحيد هو ومن عبده . ومن لم يفهم هذا ، لم يفهم معنى الكفر بالطاغوت الذي أمر أن يحققه ليدخل الإسلام . ولم يفهم لماذا وضع هذا الشرط .
ثم تقول : " يوجب على المسلم الجاهل الذي لا يعرف أدلة القرآن : إخراج المشرك من دين الله ، وإلا بطل إسلامه "
أقول : بداية كيف صار هذا الذي تصفه بأنه مسلم موحد ، مسلماً ، وهو لا يعرف أن الطاغوت الذي أمر بالكفر به بأي دين هو ومن يعبده ؟
أنت الظاهر يا أبا شعيب تبحث عن دليل يقول صراحة : " حتى يكون المرء مسلماً يجب عليه أن يحكم بكفر ( عين ) من أشرك بالله وعبد غيره ، وكفر من لم يكفره ، وإن لم يفعل ذلك يكفر "

أنت بهذا الطلب يا أبا شعيب كمن حكم بعدم حرمة الخمر ، لعدم وجود دليل ينص حرفياً : بأن الخمر حرام . وجهل أن تحريم الخمر جاء بإفادة أكثر قوة ودلالة من كلمة " حرم "

قولك : والدليل الأخير الذي أتيت به هو حجة عليك .
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « مَنْ لَقِيَ الله لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنّةَ ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ النّارَ »
وأنت نفسك تقول إنه إن ترك عبادة غير الله ، واعتقد بطلانها وفسادها وفساد معتقد أهلها ، وعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً .. فإن ذلك لا ينفعه حتى يكفّر كل شخص وقع في الشرك الأكبر تعييناً .
عندما سألناك لماذا ؟ .. قلت : لأنه لا يعلم معنى التوحيد .
وعندما نسألك : وما معنى التوحيد غير عبادة الله وحده لا شريك له ، ونبذ عبادة ما سواه ؟
تأتينا بأصل جديد وهو : إخراج المشرك من دين الله .. مما لم يدل على أصوليته دليل شرعي واحد .



أقول : لا ، ليس الدليل الذي أتيتُ به حجة علي ، بل هو حجة لي واضحة. وإليك ألإثبات من الدليل .
الرسول صلى الله عليه وسلم شرط لدخول الجنة ترك جميع أنواع الشرك. ماذا يعني هذا الكلام ؟ يعني أن من أشرك بالله وعبد غيره لم يدخل الجنة بل سيدخل النار . ولقد أكد رسول الله هذا المعنى بأن قال بعد ذلك : "وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ النّارَ" وانتبه لكلمة " شيئا" يعني بأي شي بسيط كان أم عظيم .
فهذا يعني أن من أشرك بالله بأي شي بسيط كان أم عظيم ليس في دين التوحيد بعينه وسيدخل النار ولا يدخل الجنة .
ألا يدل هذا الكلام أن المشرك بالله ليس في دين التوحيد بعينه ؟
لأن الذي سيدخل النار هو عين الشخص وليس فعله . ؟
فكيف بعد هذا الكلام يقال : أنه لا يُشترط لدخول الجنة اعتقاد أن المشرك بالله سوف لا يدخلها وأنه ليس في دين الله وليس موحداً .


قولك :
وأنت نفسك تقول إنه إن ترك عبادة غير الله ، واعتقد بطلانها وفسادها وفساد معتقد أهلها ، وعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً .. فإن ذلك لا ينفعه حتى يكفّر كل شخص وقع في الشرك الأكبر تعييناً .


أقول : أنا قلتُ من عرف أنه لا يدخل الإسلام ولا يدخل الجنة حتى يترك عبادة غير الله ، سيعرف ولا بد أن من لم يترك عبادة غير الله ليس في دين الله ، ولا يستطيع أن يدخل الجنة ، بل مصيره سيكون النار خالداً فيها أبدا إذا لم يترك الشرك ومات وهو على الشرك .

قولك : عندما سألناك لماذا ؟ .. قلت : لأنه لا يعلم معنى التوحيد .


أقول : لا يعرف التوحيد ولا كيفية دخول الإسلام ، ولا يعرف ما هو الطاغوت ، من لم يعرف أن عابد الطاغوت والطاغوت ليس موحداً وليس في دين الله.
ولا ينفعه عبادة الله وحده وترك عبادة الطاغوت واعتقاد بطلانها وفسادها وفساد معتقد أهلها ما دام لا يعرف أن الطاغوت ومن عبده ليسوا في دين الله . لأن عدم معرفته ذلك يدل دلالة واضحة لا لبس فيها : أنه لا يعرف لماذا وضع شرط ترك عبادة الطاغوت لدخول دين الله . ولا يعرف كيف يكون العبد في دين الله . فهو تركها لأنها باطلة وليس لأنها شرط في دخول دين التوحيد . ولو عرف أنها شرط في دخول دين التوحيد لما حكم على من عبد الطاغوت بالتوحيد والإسلام . فهو يعتقد أن ترك عبادة الطاغوت شرط كمال وليس شرط صحة ، لأنه حكم على من أشرك بالله وعبد الطاغوت بالتوحيد والإسلام مع معرفته أنه يعبد الطاغوت.


قولك : وعندما نسألك : وما معنى التوحيد غير عبادة الله وحده لا شريك له ، ونبذ عبادة ما سواه ؟
تأتينا بأصل جديد وهو : إخراج المشرك من دين الله .. مما لم يدل على أصوليته دليل شرعي واحد .



أقول : نعم ، التوحيد هو عبادة الله وحده لا شريك له ، ونبذ عبادة ما سواه . وهذا يقتضي ويفهم منه بالضرورة أن من عبد غير الله ولم ينبذ الشرك قلباً وقالباً ليس موحداً وليس في دين الله . وهذا ما أقررت أنت به.
ولا يعني هذا الكلام إتيان بأصل جديد .
بل كل موحد يجب عليه أن يعرف بالضرورة أن المشرك ليس موحداً وليس في دين الله بعينه ، وليس بفعله فقط . لأن من يشرك بالله فقد عبد الطاغوت ودخل في دينه . وهذا ما يقتضيه الشرع واللغة والعقل السليم الذي يفهم معاني اللغة والشرع ، ويجب أن لا يماري فيه أحد يفهم ما هو الموحد وكيف يدخل المرء الإسلام .


قولك : الآن تفضل ..
اشرح لي كيف تدل هذه النصوص على أن إخراج المشرك من دين الله هو من أصل الدين .
رجاء .. لا أريد استنباطاتك أنت .. أريد استنباطات علماء السلف إلى ما قبل أئمة الدعوة النجدية .
أنا في الانتظار .



أقول : 1- " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " البقرة : 256
وجه الدلالة : شرط لدخول الإسلام ودين التوحيد في هذه الآية شرطان :
الشرط الأول : الكفر بالطاغوت .
الشرط الثاني : الإيمان بالله .
وبدون تحقق هذين الشرطين لا يدخل المرء دين التوحيد .
والكفر بالطاغوت معناه :
1-عدم عبادة الطاغوت .
2- اعتقاد أن الطاغوت ليس في دين الله بل هو ممن ينازع الله في حقه الخاص ويجعل نفسه نداً لله .
3- الاعتقاد أن عابد الطاغوت ليس في دين التوحيد بل في دين الطاغوت.
4- الاعتقاد أن من أدخل الطاغوت وعابد الطاغوت في دين الله لم يعرف معنى الكفر الطاغوت ، ولم يَكفر بالطاغوت . لأنه لو كفر به وعرف ما هو ، وعرف لماذا أمِر لدخول دين التوحيد بالكفر به ، لما أدخله ومن يعبده في دين التوحيد .
وبدون فهم هذا المعنى للكفر بالطاغوت وتحقيقه على أرض الواقع لا يتحقق الكفر بالطاغوت . وهذا هو المعنى الذي كان يفهمه العرب ومن يريد دخول الإسلام في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
بل كانت أول كلمة يقولها قادة المسلمين الذين أرسلوا لدعوة الناس للإسلام " جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام "
وهذا هو معنى كلمة ( لا إله )
فمن حقق هذا الشرط بهذا المعنى ماذا سيكون اعتقاده في المخالف :
1- لا شك أنه سيعتقد أن كل من عبد غير الله يعني عبد الطاغوت فهو مشرك غير موحد خارج من دين الله ، ليس بعمله هذا وحسب بل بشخصه وعينه أيضا ً. ولا يفهم لا لغة ولا شرعاً أن المقصود من تكفير الطاغوت : الاعتقاد أنه على باطل بفعله وبحدود فعله ، وأن عابده على باطل بفعله وبحدود فعله . ثم بعد ذلك يحكم على الطاغوت وعلى عابده بالتوحيد والإسلام ، إذا وجد عندهم بعض مظاهر التوحيد والإسلام . فإبليس عليه اللعنة كان من أعبد المخلوقات وأتقاهم وكان عنده من مظاهر التوحيد والإسلام ما وصَّلته لدرجة التواجد مع الملائكة في السماء.
ومن يقل أن هذه الآية تدل أن القصد من الكفر بالطاغوت هو الاعتقاد أنه على باطل في فعله وبحدود فعله ، والاعتقاد أن من يعبده على باطل في فعله وبحدود فعله فقط ، أما شخصه وعينه فهو موحد في دين الله ، لكثرة ما يفعله من أفعال التوحيد ،من يقل هذا لم يفهم هذه الآية . ولم يفهم كيفية الكفر بالطاغوت .
فأول ما يفهم من هذه الآية أن من لم يكفر بالطاغوت ليس في دين الله ولم يستمسك بالعروة الوثقى التي هي الإسلام أو الشهادة أو الإيمان .
طبعاً يفهم أنه ليس في دين الله بعينه وشخصه . ولا يفهم ، أنه ليس في دين الله في حدود عمله وفي عمله .
وهذا المعنى الذي بينته يفهمه كل عاقل بالغ طلب منه حتى يدخل الإسلام أن يكفر بالطاغوت .
ولا تنس أن هذه الآية الكريمة تبين شروط دخول دين الإسلام . ولا تبين أحكاماً عامة لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع . كالاعتقاد أنه على ضلال في عمله وبحدود عمله .
فهي خطاب لمن أراد أن يدخل الإسلام باختياره . فقد بدأت بقوله تعالى : " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ "
يعني كما قال ابن كثير في تفسيره : " أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام , فإنه بيّن واضح, جلي دلائله وبراهينه, لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه, بل من هداه الله للإسلام, وشرح صدره, ونور بصيرته, دخل فيه علي بينة, ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره, فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً " أهـ
أقول : إذن هذه الآية الكريمة هي لتبين كيفية دخول الدين الإسلامي . ومن يقرأها يعلم شروط دخول دين الإسلام ، لهذا يعلم أن من لم يحقق هذه الشروط ليس في دين الله . كشخص معين . فهي لا تتحدث عن الأعمال وصفتها وصفة فاعلها بحدود فعله ، حتى نقول هو على ضلال بفعله وبحدود فعله . فهي تتحدث عن شروط دخول الشخص المعين دين التوحيد . فمن لا يحقق هذه الشروط لا يدخل دين التوحيد . وكل من يخاطب بهذه الشروط مهما كان مستواه العقلي سيفهمها كما بينتها.
ولك أن تسأل أبسط إنسان مكلف عن ذلك . ماذا يفهم من جملة : "شروط دخول دين الإسلام . " ألا يفهم من ذلك أن الشخص بعينه لا يحكم عليه بأنه في دين الإسلام بدون أن يحقق هذه الشروط ؟ لا شك سيفهم ذلك ببساطة مهما كان مستواه العقلي .

2- " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ "النحل : 36
وجه الدلالة : هذه الآية تبين دعوة الرسل كلهم . فهم لم يدعوا الناس لعبادة الله ، بل دعوهم لعبادة الله وحده واجتناب عبادة غيره ، ليكونوا في دين الله .
لأنهم لو دعوهم لعبادة الله فسيقول لهم نحن نعبد الله أيضا .
ولو دعوهم لعبادة الله وحده فسوف يقول : من يعتقد أنه يوحد الله وهو يفعل الشرك ويعبد الطاغوت كحال النصارى واليهود ومن يدعي الإسلام اليوم ممن هو واقع في الشرك الأكبر : نحن نعبد الله وحده ، نحن موحدون مسلمون .
لهذا كان الخطاب واضح :" اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت . "
" فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى "
" من قال لا إله إلا الله والكفر بما يعبد من دون الله فقد حرم دمه وماله وحسابه على الله ."
فعندما تطلب من أحد هذه الشروط لدخول دين الله ، أول ما سيفهم منك من هذا الطلب ، أنك تعتقد أنه لم يحقق هذه الشروط ، فإذا كان يعرف حاله وأنه من عبدت غير الله كما هو حال مشركي العرب ، فسوق يقول عنك : " أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ "
وإذا كان ممن يظن نفسه من الموحدين الذين لا يعبدون غير الله . سيقول لك كما قالت النصارى : " نحن أسلمنا قبلك " فسوف يستدعي منك هذا الجواب أن تبين لهم شركهم الذي هم واقعين فيه ، كما بين الله سبحانه وتعالى لهم بقوله : " اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ "
" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ "
وكما بين رسول الله صلى الله عليهم وسلم لعدي بن حاتم كيف كانوا يعبدون بعضهم البعض .
بعد هذا البيان الواضح الجلي ، يطلب من الشخص أن يقرر بأي دين سيكون، دين الله أم دين الطاغوت . فإذا قبل بهذه الشروط التي فهمها أتم الفهم واعتقدها وقرر الالتزام بها في أرض الواقع ، فقد دخل الإسلام . ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره ولم يقبلها ، فهو خارج دين الإسلام ، مهما كان عنده من أعمال التوحيد والإسلام .
هذه هي دعوة الرسل من أول يوم أرسلوا به .
ولم يرسل الله سبحانه وتعالى الرسل ليبينوا للناس فقط ما هي أفعال الباطل والضلال ، ويدعوا الناس لتقرير من هو على الحق ومن هو على الباطل ، بدون أن يبينوا لهم لأي دين دعوهم وأي دين هم فيه .
ولم يحكم الرسل وأتباع الرسل عليهم بدخول دين التوحيد بمجرد أن عرفوا أنهم على الحق وأن الطاغوت وعبدته على باطل في فعلهم وبحدود فعلهم .
ولم يقل لهم أي رسول : أنكم ما دمتم تحكمون على الطاغوت وعبدته بأنهم على باطل بحدود فعلهم فقد حققتم الكفر بالطاغوت ، ولا يضركم بعد ذلك إن لم تعرفوا بأي دين أنتم ولا بأي دين مخالفكم . ولا يضركم لو حكمتم على مخالفكم ، الطاغوت وعابديه ، بأنهم في دين الله لما عندهم من مظاهر التوحيد والإسلام .

يتبع

أنصار التوحيد 11-22-2017 04:49 PM

مسلم 1:
بسم الله الرحمن الرحيم

الرد على مشاركة رقم 57
لعاجلية المسألة وأهميتها أخرت تكملة الرد على المشاركة رقم 31 حتى أنهي الرد على المشاركة رقم 57


قولك : بعد كل هذا ، أين الدليل الصريح على أن إخراج المشرك من دين الله هو من أصل الدين ؟؟
لا تقل لي دليلاً عقلياً .. أنا فهمي غير فهمك .



أقول : بل هذه الأدلة وغيرها كثير تثبت أن المشرك الذي يعبد غير الله ليس في دين الله ، وأن هذه الحقيقة هي أول حقيقة أثبتها كل الأنبياء عندما دعوا أقوامهم لدخول دين التوحيد ، دين الله الخالص من كل شرك .
فنبينا أفضل الصلاة والسلام عليه عندما بعث ، كان في جزيرة العرب أكثر من دين وكلهم يَدَّعون أنهم في دين الله . كان هناك مشركي العرب عبدة الأصنام . وكان هناك اليهود والنصارى . وكلهم يدعي أنهم في دين الله وأنهم أتباع رسل . فمشركي العرب كانوا يدعون أنهم على دين إبراهيم عليه السلام ، وكانوا يمارسون كثيراً من العبادات من دين إبراهيم كالحج والصلاة والصوم والصدقة والغسل من الجنابة ، وكان عندهم عادات إسلامية كثيرة حميدة مثل إكرام الضيف وإعانة المظلوم ، وكانوا يعظمون الكعبة ويكرمون زوارها أكثر مما يعظمها طواغيت السعودية اليوم . فكانت عندهم السقاية والرفادة .
قال تعالى عنهم : " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "
وكانوا يعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله .
قال تعالى : " وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى "
وكان هناك النصارى واليهود الذين يعتقدون أنهم في دين الله ، وأنهم موحدون . وكان عندهم كثير من مظاهر التوحيد والإسلام مع شركهم القليل . وعندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم حكم عليهم كلهم بالشرك والخروج من دين الله ودعاهم كلهم لدخول دين الله من جديد ، ولم يُعط أي قيمة لما عندهم من مظاهر التوحيد والإسلام . وكان كل فرد منهم عندما يؤمر بالكفر بالطاغوت والإيمان بالله لدخوله دين الله ، يعرف من هذا الخطاب ما هو الطاغوت وما حكمه وما حكم من يعبده . ومن لا يعرف من لغته ، يُعرف بكل هذا قبل أن يدخل الإسلام . لأن المطلوب منه دخول الإسلام عن بينة وعلم . لأن هذا هو الذي سيفيده .
ومن لا يعرف لأي دين دعي ، وبأي دين هو . فلأي شيء دعي ؟ ولماذا شرطت عليه هذه الشروط .؟ أليس عدم بيان هذه الأمور والاكتفاء منه فقط أن يعرف أنه كان على باطل بفعله وبحدود فعله وأنه أصبح الآن على الحق بفعله وبحدود فعله ، ولا يضره بعد ذلك أن لا يعرف أن من يعبد غير الله ليس في دين الله بعينه ، أليس هذا من العبث وعدم البيان المبين الذي يجب أن ينزه الله ورسله عنه . ؟
الأنبياء كلهم كانوا من أول يوم يدعون أقوامهم لدين الله . فهم أصلاً مرسلون من قبل الله لبيان دينه ودعوة الناس لدخول هذا الدين ، وليس هم مجرد إصلاحيون يريدون أن يبينوا للناس ما هو الحق ومن هو على الحق بفعله وبحدود فعله وما هو الباطل ومن هو على الباطل بفعله وبحدود فعله ، وكفى .
بل كانوا من أول يوم يقولون للناس ، كل الناس على اختلاف أديانهم : أنتم لست في دين الله ، لأنكم تعبدون معه غيره ، ولا ينفعكم إدعائكم أنكم في دين الله ، ولا ينفعكم ما تأدونه من مظاهر التوحيد والإسلام لحكم عليكم بأنكم موحدون في دين الله ، ما دمت تشركون بالله وتعبدون غيره . اتركوا عبادة الطاغوت واعبدوا الله وحده ، ومن دون ذلك لا يمكنكم دخول دين الله ، وكل إدعاءاتكم أنكم في دين الله بدون ترككم للشرك إدعاءات باطلة وافتراء على الله وتحريف لدينه .
وكان عندما يرسل أي رسول لقومه كان يؤمر أن يقول لهم من أول يوم : " قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ . وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ " (الزمر :11-12) أليس هذا الكلام يدل دلالة واضحة على أنه كان يحكم عليهم بأنهم غير مسلمين ؟ وكان يخبرهم أن المسلم هو من عبد الله وحده مخلصاً له الدين . أي ترك جميع أنواع الشرك .؟ وأن من استجاب لدعوته وترك جميع أنواع الشرك وعبد الله مخلصاً له الدين كان مسلماً معه ، دخل في دين الإسلام وترك دين الشرك . ؟
أبعد هذا التوضيح والبيان يُقال : لا يشترط بمن أراد دخول الدين أن يعرف بأي دين كان وفي أي دين دخل ، ولا يشترط عليه أن يعرف بأي دين مَن كان حاله كحاله قبل دخول دين الله . وأنه لا يوجد دليل صريح يدل أن إخراج المشرك من دين الله هو من أصل الدين . من يقول هذا الكلام لا يعرف دعوة الرسل ولا يعرف ما دعت إليه من أول يوم . ولا يعرف دين التوحيد وكيف يدخل المرء فيه ، ولا يعرف دين الشرك ودين الطاغوت ومن هو فيه .
أيعرف دين التوحيد من يدخل المشرك فيه ؟
أيعرف دين الشرك ودين الطاغوت من يخرج المشرك منه ويخرج عابد الطاغوت منه ؟
لو تكلم الطاغوت لأعترض على ذلك وقال : كيف لكم أن تخرجوا من يعبدني من ديني ؟
فكيف لله سبحانه وتعالى أن لا يعترض ويقول : كيف أدخلتم من عبد الطاغوت في ديني ، ولقد قلت لكم من أول يوم على لسان رسلي : " أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ " ؟؟
ولولا الحياء لقيل : أن مِن أصل الدين إدخال المشرك في دين الله لأن عنده من التوحيد والإسلام الشيء الكثير .
أسأل هنا : متى يخرج المشرك بعينه من دين التوحيد.؟ وقبل هذا ما هو دليلكم أن المشرك داخل في دين التوحيد ؟
وبأي دليل أدخلتم المشرك في دين التوحيد . حتى تسألوا من أخرجه على أي دليل اعتمدت في أخراجه من دين التوحيد ؟


قولك : هذه المسألة التي هي من أصل أصول الدين ، ولا يدخل الإنسان الإسلام حتى يعلمها ، لا يوجد دليل صريح واحد يثبت أن المرء يكفر إن لم يضبطها .. بل لا يوجد دليل صريح أن هذا الأمر يُلزم به جميع المسلمين .
غاية ما عندك هي أدلة توجب التصديق بها ، كأدلة تحريم الخمر ، وتحريم الزنا ، وتسمية الزاني زانياً .. وما إلى ذلك .



أقول : سبحان الله ! بل الأدلة الصريحة على هذا كثيرة في كتاب الله ولقد ذكرت لك بعضها ، وسوف أبين هنا وجه الدلالة الغائب عنك فيها .
والأدلة التي ذكرتها لك تثبت بشكل واضح أن من أشرك بالله وعبد غيره ليس في دين الله . وأن هذه الحقيقة كان يعرفها كل مسلم دخل الإسلام عند دخوله الإسلام . وما تركه لدين الشرك الذي كان عليه ودخوله دين التوحيد ، إلا لأنه أصبح يعرف معرفة يقينية لا لبس فيها ، أن ما كان عليه من دين ليس دين الله بل دين الطاغوت دين الشرك ، وأنه حتى يدخل في دين الله يجب عليه ترك دين الطاغوت وترك جميع أنواع الشرك وعبادة الله وحده مخلصاً له الدين .
قال تعالى : " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " البقرة : 256
وقال تعالى : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ "النحل : 36
وقال تعالى : " وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ " (الزمر : 17)
ثم كيف لك يا أبا شعيب أن تتصور رجلاً أراد دخول دين الإسلام دين التوحيد ، فاشترط عليه لدخول دين الإسلام أن يكفر بالطاغوت ولم يبين له ما هو الطاغوت الذي يجب أن يكفر به ، وكيفية الكفر به وما حكمه وحكم من لم يكفر به . ثم هو مع ذلك ، يعلن أنه كفر بالطاغوت . فيحكم عليه بأنه دخل الإسلام وكفر بالطاغوت ، وهو لا يعرف أنه قبل دخوله الإسلام هل كان خارج دين الله أو داخله ؟ ولا يعرف حكم الطاغوت الذي أمر بأن يكفر به لدخوله دين التوحيد ، ولا يعرف هل هذا الطاغوت في دين الله أم خارجه ، وكذلك لا يعرف أن من عبد الطاغوت في دين الله أم خارجه . ويكفي منه حتى يدخل الإسلام أن يعرف أنه كان قبل أن يدخل دين الله على باطل في فعله وبحدود فعله ، وأن الطاغوت ومن يعبده على باطل في فعلهم وبحدود فعلهم . ولا يضره بعد ذلك أن يجهل هل قبل دخوله دين الإسلام كان في دين الله أم خارجه ، وكذلك لا يضره عدم معرفته أن الطاغوت وعابديه بأعيانهم في دين الله أم خارجه . ؟


ثم تقول : " غاية ما عندك هي أدلة توجب التصديق بها ، كأدلة تحريم الخمر ، وتحريم الزنا ، وتسمية الزاني زانياً .. وما إلى ذلك ."

أقول : كلامك هذا يعني أن الصحابة رضي الله عنهم بداية كانوا لا يعرفون بأي دين دخلوا ولا بأي دين كانوا ولا يعرفون حكم الطاغوت الذي أمروا أن يكفروا به ، هل هو في دين الله أم خارجه ، وكذلك كانوا لا يعرفون حكم من عبد الطاغوت وأشرك بالله ، هل هو في دين الله أم خارجه . وكل ما كان يعرفونه أنهم على الحق وأن من يعبد غير الله على الباطل بعمله وفي حدود عمله ، أما بعينه وشخصه فلا يعرفون بأي دين هو ، حتى نزلت هذه الآيات . وحتى بعد نزول هذه الآيات من لم يفهمها جيداً ويحكم على من أشرك بالله أنه موحد مسلم في دين الله ، لترجيحه ما عنده من توحيد على ما يفعله من شرك ، فهو معذور لجهله وتأويله . ومن مات من الصحابة قبل نزول هذه الآيات ، كان لا يعرف أحكامها ، لا يعرف أن من عبد غير الله مشرك بعينه ، وليس في دين التوحيد ، ولا يعرف حكم الطاغوت الذي أمِر أن يكفر به ، هل هو في دين الله أم خارجه. وقد يكون مات وهو يعتقد أن من أشرك بالله وعبد غيره هو مشرك في عمله أي بحدود عمله فقط ، وأنه موحد بما عنده من توحيد وبحدود توحيده ، وقد يكون مات وهو يعتقد أن المشرك لكثرة توحيده موحد وفي دين الله لأن توحيده غلب شركه . وقد يكون مات وهو يعتقد أن النصارى واليهود على دين التوحيد مع شركهم لكثرة توحيدهم . وهو معذور بذلك ، لأن آيات الله التي تبين حكم فاعل الشرك لم تنزل بعد .

قولك : ولا دليل أتيت به حتى الآن يوجب على المسلم الجاهل الذي لا يعرف أدلة القرآن : إخراج المشرك من دين الله ، وإلا بطل إسلامه .
يوجد أدلة كثيرة على تكفير من يكفر المسلم .. فهل هناك دليل بمثل هذه الصراحة على تكفير من يحكم على المشرك بالإسلام ؟؟هل يوجد ؟؟



أقول : بل كل الأدلة التي ذكرتها لك وغيرها كثير توجب وجوباً بالضرورة على من أراد دخول الإسلام أن يعرف أن المشرك الذي عبد غير الله ليس في دين التوحيد بعينه . وتوجب عليه معرفة أن الطاغوت الذي أمر بترك عبادته ليدخل الإسلام ليس في دين التوحيد هو ومن عبده . ومن لم يفهم هذا ، لم يفهم معنى الكفر بالطاغوت الذي أمر أن يحققه ليدخل الإسلام . ولم يفهم لماذا وضع هذا الشرط .
ثم تقول : " يوجب على المسلم الجاهل الذي لا يعرف أدلة القرآن : إخراج المشرك من دين الله ، وإلا بطل إسلامه "
أقول : بداية كيف صار هذا الذي تصفه بأنه مسلم موحد ، مسلماً ، وهو لا يعرف أن الطاغوت الذي أمر بالكفر به بأي دين هو ومن يعبده ؟
أنت الظاهر يا أبا شعيب تبحث عن دليل يقول صراحة : " حتى يكون المرء مسلماً يجب عليه أن يحكم بكفر ( عين ) من أشرك بالله وعبد غيره ، وكفر من لم يكفره ، وإن لم يفعل ذلك يكفر "

أنت بهذا الطلب يا أبا شعيب كمن حكم بعدم حرمة الخمر ، لعدم وجود دليل ينص حرفياً : بأن الخمر حرام . وجهل أن تحريم الخمر جاء بإفادة أكثر قوة ودلالة من كلمة " حرم "

قولك : والدليل الأخير الذي أتيت به هو حجة عليك .
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « مَنْ لَقِيَ الله لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنّةَ ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ النّارَ »
وأنت نفسك تقول إنه إن ترك عبادة غير الله ، واعتقد بطلانها وفسادها وفساد معتقد أهلها ، وعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً .. فإن ذلك لا ينفعه حتى يكفّر كل شخص وقع في الشرك الأكبر تعييناً .
عندما سألناك لماذا ؟ .. قلت : لأنه لا يعلم معنى التوحيد .
وعندما نسألك : وما معنى التوحيد غير عبادة الله وحده لا شريك له ، ونبذ عبادة ما سواه ؟
تأتينا بأصل جديد وهو : إخراج المشرك من دين الله .. مما لم يدل على أصوليته دليل شرعي واحد .



أقول : لا ، ليس الدليل الذي أتيتُ به حجة علي ، بل هو حجة لي واضحة. وإليك ألإثبات من الدليل .
الرسول صلى الله عليه وسلم شرط لدخول الجنة ترك جميع أنواع الشرك. ماذا يعني هذا الكلام ؟ يعني أن من أشرك بالله وعبد غيره لم يدخل الجنة بل سيدخل النار . ولقد أكد رسول الله هذا المعنى بأن قال بعد ذلك : "وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ النّارَ" وانتبه لكلمة " شيئا" يعني بأي شي بسيط كان أم عظيم .
فهذا يعني أن من أشرك بالله بأي شي بسيط كان أم عظيم ليس في دين التوحيد بعينه وسيدخل النار ولا يدخل الجنة .
ألا يدل هذا الكلام أن المشرك بالله ليس في دين التوحيد بعينه ؟
لأن الذي سيدخل النار هو عين الشخص وليس فعله . ؟
فكيف بعد هذا الكلام يقال : أنه لا يُشترط لدخول الجنة اعتقاد أن المشرك بالله سوف لا يدخلها وأنه ليس في دين الله وليس موحداً .


قولك :
وأنت نفسك تقول إنه إن ترك عبادة غير الله ، واعتقد بطلانها وفسادها وفساد معتقد أهلها ، وعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً .. فإن ذلك لا ينفعه حتى يكفّر كل شخص وقع في الشرك الأكبر تعييناً .


أقول : أنا قلتُ من عرف أنه لا يدخل الإسلام ولا يدخل الجنة حتى يترك عبادة غير الله ، سيعرف ولا بد أن من لم يترك عبادة غير الله ليس في دين الله ، ولا يستطيع أن يدخل الجنة ، بل مصيره سيكون النار خالداً فيها أبدا إذا لم يترك الشرك ومات وهو على الشرك .

قولك : عندما سألناك لماذا ؟ .. قلت : لأنه لا يعلم معنى التوحيد .


أقول : لا يعرف التوحيد ولا كيفية دخول الإسلام ، ولا يعرف ما هو الطاغوت ، من لم يعرف أن عابد الطاغوت والطاغوت ليس موحداً وليس في دين الله.
ولا ينفعه عبادة الله وحده وترك عبادة الطاغوت واعتقاد بطلانها وفسادها وفساد معتقد أهلها ما دام لا يعرف أن الطاغوت ومن عبده ليسوا في دين الله . لأن عدم معرفته ذلك يدل دلالة واضحة لا لبس فيها : أنه لا يعرف لماذا وضع شرط ترك عبادة الطاغوت لدخول دين الله . ولا يعرف كيف يكون العبد في دين الله . فهو تركها لأنها باطلة وليس لأنها شرط في دخول دين التوحيد . ولو عرف أنها شرط في دخول دين التوحيد لما حكم على من عبد الطاغوت بالتوحيد والإسلام . فهو يعتقد أن ترك عبادة الطاغوت شرط كمال وليس شرط صحة ، لأنه حكم على من أشرك بالله وعبد الطاغوت بالتوحيد والإسلام مع معرفته أنه يعبد الطاغوت.


قولك : وعندما نسألك : وما معنى التوحيد غير عبادة الله وحده لا شريك له ، ونبذ عبادة ما سواه ؟
تأتينا بأصل جديد وهو : إخراج المشرك من دين الله .. مما لم يدل على أصوليته دليل شرعي واحد .



أقول : نعم ، التوحيد هو عبادة الله وحده لا شريك له ، ونبذ عبادة ما سواه . وهذا يقتضي ويفهم منه بالضرورة أن من عبد غير الله ولم ينبذ الشرك قلباً وقالباً ليس موحداً وليس في دين الله . وهذا ما أقررت أنت به.
ولا يعني هذا الكلام إتيان بأصل جديد .
بل كل موحد يجب عليه أن يعرف بالضرورة أن المشرك ليس موحداً وليس في دين الله بعينه ، وليس بفعله فقط . لأن من يشرك بالله فقد عبد الطاغوت ودخل في دينه . وهذا ما يقتضيه الشرع واللغة والعقل السليم الذي يفهم معاني اللغة والشرع ، ويجب أن لا يماري فيه أحد يفهم ما هو الموحد وكيف يدخل المرء الإسلام .


قولك : الآن تفضل ..
اشرح لي كيف تدل هذه النصوص على أن إخراج المشرك من دين الله هو من أصل الدين .
رجاء .. لا أريد استنباطاتك أنت .. أريد استنباطات علماء السلف إلى ما قبل أئمة الدعوة النجدية .
أنا في الانتظار .



أقول : 1- " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " البقرة : 256
وجه الدلالة : شرط لدخول الإسلام ودين التوحيد في هذه الآية شرطان :
الشرط الأول : الكفر بالطاغوت .
الشرط الثاني : الإيمان بالله .
وبدون تحقق هذين الشرطين لا يدخل المرء دين التوحيد .
والكفر بالطاغوت معناه :
1-عدم عبادة الطاغوت .
2- اعتقاد أن الطاغوت ليس في دين الله بل هو ممن ينازع الله في حقه الخاص ويجعل نفسه نداً لله .
3- الاعتقاد أن عابد الطاغوت ليس في دين التوحيد بل في دين الطاغوت.
4- الاعتقاد أن من أدخل الطاغوت وعابد الطاغوت في دين الله لم يعرف معنى الكفر الطاغوت ، ولم يَكفر بالطاغوت . لأنه لو كفر به وعرف ما هو ، وعرف لماذا أمِر لدخول دين التوحيد بالكفر به ، لما أدخله ومن يعبده في دين التوحيد .
وبدون فهم هذا المعنى للكفر بالطاغوت وتحقيقه على أرض الواقع لا يتحقق الكفر بالطاغوت . وهذا هو المعنى الذي كان يفهمه العرب ومن يريد دخول الإسلام في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
بل كانت أول كلمة يقولها قادة المسلمين الذين أرسلوا لدعوة الناس للإسلام " جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام "
وهذا هو معنى كلمة ( لا إله )
فمن حقق هذا الشرط بهذا المعنى ماذا سيكون اعتقاده في المخالف :
1- لا شك أنه سيعتقد أن كل من عبد غير الله يعني عبد الطاغوت فهو مشرك غير موحد خارج من دين الله ، ليس بعمله هذا وحسب بل بشخصه وعينه أيضا ً. ولا يفهم لا لغة ولا شرعاً أن المقصود من تكفير الطاغوت : الاعتقاد أنه على باطل بفعله وبحدود فعله ، وأن عابده على باطل بفعله وبحدود فعله . ثم بعد ذلك يحكم على الطاغوت وعلى عابده بالتوحيد والإسلام ، إذا وجد عندهم بعض مظاهر التوحيد والإسلام . فإبليس عليه اللعنة كان من أعبد المخلوقات وأتقاهم وكان عنده من مظاهر التوحيد والإسلام ما وصَّلته لدرجة التواجد مع الملائكة في السماء.
ومن يقل أن هذه الآية تدل أن القصد من الكفر بالطاغوت هو الاعتقاد أنه على باطل في فعله وبحدود فعله ، والاعتقاد أن من يعبده على باطل في فعله وبحدود فعله فقط ، أما شخصه وعينه فهو موحد في دين الله ، لكثرة ما يفعله من أفعال التوحيد ،من يقل هذا لم يفهم هذه الآية . ولم يفهم كيفية الكفر بالطاغوت .
فأول ما يفهم من هذه الآية أن من لم يكفر بالطاغوت ليس في دين الله ولم يستمسك بالعروة الوثقى التي هي الإسلام أو الشهادة أو الإيمان .
طبعاً يفهم أنه ليس في دين الله بعينه وشخصه . ولا يفهم ، أنه ليس في دين الله في حدود عمله وفي عمله .
وهذا المعنى الذي بينته يفهمه كل عاقل بالغ طلب منه حتى يدخل الإسلام أن يكفر بالطاغوت .
ولا تنس أن هذه الآية الكريمة تبين شروط دخول دين الإسلام . ولا تبين أحكاماً عامة لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع . كالاعتقاد أنه على ضلال في عمله وبحدود عمله .
فهي خطاب لمن أراد أن يدخل الإسلام باختياره . فقد بدأت بقوله تعالى : " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ "
يعني كما قال ابن كثير في تفسيره : " أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام , فإنه بيّن واضح, جلي دلائله وبراهينه, لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه, بل من هداه الله للإسلام, وشرح صدره, ونور بصيرته, دخل فيه علي بينة, ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره, فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً " أهـ
أقول : إذن هذه الآية الكريمة هي لتبين كيفية دخول الدين الإسلامي . ومن يقرأها يعلم شروط دخول دين الإسلام ، لهذا يعلم أن من لم يحقق هذه الشروط ليس في دين الله . كشخص معين . فهي لا تتحدث عن الأعمال وصفتها وصفة فاعلها بحدود فعله ، حتى نقول هو على ضلال بفعله وبحدود فعله . فهي تتحدث عن شروط دخول الشخص المعين دين التوحيد . فمن لا يحقق هذه الشروط لا يدخل دين التوحيد . وكل من يخاطب بهذه الشروط مهما كان مستواه العقلي سيفهمها كما بينتها.
ولك أن تسأل أبسط إنسان مكلف عن ذلك . ماذا يفهم من جملة : "شروط دخول دين الإسلام . " ألا يفهم من ذلك أن الشخص بعينه لا يحكم عليه بأنه في دين الإسلام بدون أن يحقق هذه الشروط ؟ لا شك سيفهم ذلك ببساطة مهما كان مستواه العقلي .

2- " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ "النحل : 36
وجه الدلالة : هذه الآية تبين دعوة الرسل كلهم . فهم لم يدعوا الناس لعبادة الله ، بل دعوهم لعبادة الله وحده واجتناب عبادة غيره ، ليكونوا في دين الله .
لأنهم لو دعوهم لعبادة الله فسيقول لهم نحن نعبد الله أيضا .
ولو دعوهم لعبادة الله وحده فسوف يقول : من يعتقد أنه يوحد الله وهو يفعل الشرك ويعبد الطاغوت كحال النصارى واليهود ومن يدعي الإسلام اليوم ممن هو واقع في الشرك الأكبر : نحن نعبد الله وحده ، نحن موحدون مسلمون .
لهذا كان الخطاب واضح :" اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت . "
" فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى "
" من قال لا إله إلا الله والكفر بما يعبد من دون الله فقد حرم دمه وماله وحسابه على الله ."
فعندما تطلب من أحد هذه الشروط لدخول دين الله ، أول ما سيفهم منك من هذا الطلب ، أنك تعتقد أنه لم يحقق هذه الشروط ، فإذا كان يعرف حاله وأنه من عبدت غير الله كما هو حال مشركي العرب ، فسوق يقول عنك : " أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ "
وإذا كان ممن يظن نفسه من الموحدين الذين لا يعبدون غير الله . سيقول لك كما قالت النصارى : " نحن أسلمنا قبلك " فسوف يستدعي منك هذا الجواب أن تبين لهم شركهم الذي هم واقعين فيه ، كما بين الله سبحانه وتعالى لهم بقوله : " اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ "
" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ "
وكما بين رسول الله صلى الله عليهم وسلم لعدي بن حاتم كيف كانوا يعبدون بعضهم البعض .
بعد هذا البيان الواضح الجلي ، يطلب من الشخص أن يقرر بأي دين سيكون، دين الله أم دين الطاغوت . فإذا قبل بهذه الشروط التي فهمها أتم الفهم واعتقدها وقرر الالتزام بها في أرض الواقع ، فقد دخل الإسلام . ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره ولم يقبلها ، فهو خارج دين الإسلام ، مهما كان عنده من أعمال التوحيد والإسلام .
هذه هي دعوة الرسل من أول يوم أرسلوا به .
ولم يرسل الله سبحانه وتعالى الرسل ليبينوا للناس فقط ما هي أفعال الباطل والضلال ، ويدعوا الناس لتقرير من هو على الحق ومن هو على الباطل ، بدون أن يبينوا لهم لأي دين دعوهم وأي دين هم فيه .
ولم يحكم الرسل وأتباع الرسل عليهم بدخول دين التوحيد بمجرد أن عرفوا أنهم على الحق وأن الطاغوت وعبدته على باطل في فعلهم وبحدود فعلهم .
ولم يقل لهم أي رسول : أنكم ما دمتم تحكمون على الطاغوت وعبدته بأنهم على باطل بحدود فعلهم فقد حققتم الكفر بالطاغوت ، ولا يضركم بعد ذلك إن لم تعرفوا بأي دين أنتم ولا بأي دين مخالفكم . ولا يضركم لو حكمتم على مخالفكم ، الطاغوت وعابديه ، بأنهم في دين الله لما عندهم من مظاهر التوحيد والإسلام .

يتبع

صفوان 11-27-2017 03:39 PM

مسلم 1:
بسم الله الرحمن الرحيم

الرد على مشاركة رقم 58
لعاجلية المسألة وأهميتها أخرت تكملة الرد على المشاركة رقم 31 حتى أنهي الرد على المشاركة رقم 58


قولك : بعد كل هذا ، أين الدليل الصريح على أن إخراج المشرك من دين الله هو من أصل الدين ؟؟
لا تقل لي دليلاً عقلياً .. أنا فهمي غير فهمك .



أقول : بل هذه الأدلة وغيرها كثير تثبت أن المشرك الذي يعبد غير الله ليس في دين الله ، وأن هذه الحقيقة هي أول حقيقة أثبتها كل الأنبياء عندما دعوا أقوامهم لدخول دين التوحيد ، دين الله الخالص من كل شرك .
فنبينا أفضل الصلاة والسلام عليه عندما بعث ، كان في جزيرة العرب أكثر من دين وكلهم يَدَّعون أنهم في دين الله . كان هناك مشركي العرب عبدة الأصنام . وكان هناك اليهود والنصارى . وكلهم يدعي أنهم في دين الله وأنهم أتباع رسل . فمشركي العرب كانوا يدعون أنهم على دين إبراهيم عليه السلام ، وكانوا يمارسون كثيراً من العبادات من دين إبراهيم كالحج والصلاة والصوم والصدقة والغسل من الجنابة ، وكان عندهم عادات إسلامية كثيرة حميدة مثل إكرام الضيف وإعانة المظلوم ، وكانوا يعظمون الكعبة ويكرمون زوارها أكثر مما يعظمها طواغيت السعودية اليوم . فكانت عندهم السقاية والرفادة .
قال تعالى عنهم : " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "
وكانوا يعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله .
قال تعالى : " وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى "
وكان هناك النصارى واليهود الذين يعتقدون أنهم في دين الله ، وأنهم موحدون . وكان عندهم كثير من مظاهر التوحيد والإسلام مع شركهم القليل . وعندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم حكم عليهم كلهم بالشرك والخروج من دين الله ودعاهم كلهم لدخول دين الله من جديد ، ولم يُعط أي قيمة لما عندهم من مظاهر التوحيد والإسلام . وكان كل فرد منهم عندما يؤمر بالكفر بالطاغوت والإيمان بالله لدخوله دين الله ، يعرف من هذا الخطاب ما هو الطاغوت وما حكمه وما حكم من يعبده . ومن لا يعرف من لغته ، يُعرف بكل هذا قبل أن يدخل الإسلام . لأن المطلوب منه دخول الإسلام عن بينة وعلم . لأن هذا هو الذي سيفيده .
ومن لا يعرف لأي دين دعي ، وبأي دين هو . فلأي شيء دعي ؟ ولماذا شرطت عليه هذه الشروط .؟ أليس عدم بيان هذه الأمور والاكتفاء منه فقط أن يعرف أنه كان على باطل بفعله وبحدود فعله وأنه أصبح الآن على الحق بفعله وبحدود فعله ، ولا يضره بعد ذلك أن لا يعرف أن من يعبد غير الله ليس في دين الله بعينه ، أليس هذا من العبث وعدم البيان المبين الذي يجب أن ينزه الله ورسله عنه . ؟
الأنبياء كلهم كانوا من أول يوم يدعون أقوامهم لدين الله . فهم أصلاً مرسلون من قبل الله لبيان دينه ودعوة الناس لدخول هذا الدين ، وليس هم مجرد إصلاحيون يريدون أن يبينوا للناس ما هو الحق ومن هو على الحق بفعله وبحدود فعله وما هو الباطل ومن هو على الباطل بفعله وبحدود فعله ، وكفى .
بل كانوا من أول يوم يقولون للناس ، كل الناس على اختلاف أديانهم : أنتم لست في دين الله ، لأنكم تعبدون معه غيره ، ولا ينفعكم إدعائكم أنكم في دين الله ، ولا ينفعكم ما تأدونه من مظاهر التوحيد والإسلام لحكم عليكم بأنكم موحدون في دين الله ، ما دمت تشركون بالله وتعبدون غيره . اتركوا عبادة الطاغوت واعبدوا الله وحده ، ومن دون ذلك لا يمكنكم دخول دين الله ، وكل إدعاءاتكم أنكم في دين الله بدون ترككم للشرك إدعاءات باطلة وافتراء على الله وتحريف لدينه .
وكان عندما يرسل أي رسول لقومه كان يؤمر أن يقول لهم من أول يوم : " قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ . وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ " (الزمر :11-12) أليس هذا الكلام يدل دلالة واضحة على أنه كان يحكم عليهم بأنهم غير مسلمين ؟ وكان يخبرهم أن المسلم هو من عبد الله وحده مخلصاً له الدين . أي ترك جميع أنواع الشرك .؟ وأن من استجاب لدعوته وترك جميع أنواع الشرك وعبد الله مخلصاً له الدين كان مسلماً معه ، دخل في دين الإسلام وترك دين الشرك . ؟
أبعد هذا التوضيح والبيان يُقال : لا يشترط بمن أراد دخول الدين أن يعرف بأي دين كان وفي أي دين دخل ، ولا يشترط عليه أن يعرف بأي دين مَن كان حاله كحاله قبل دخول دين الله . وأنه لا يوجد دليل صريح يدل أن إخراج المشرك من دين الله هو من أصل الدين . من يقول هذا الكلام لا يعرف دعوة الرسل ولا يعرف ما دعت إليه من أول يوم . ولا يعرف دين التوحيد وكيف يدخل المرء فيه ، ولا يعرف دين الشرك ودين الطاغوت ومن هو فيه .
أيعرف دين التوحيد من يدخل المشرك فيه ؟
أيعرف دين الشرك ودين الطاغوت من يخرج المشرك منه ويخرج عابد الطاغوت منه ؟
لو تكلم الطاغوت لأعترض على ذلك وقال : كيف لكم أن تخرجوا من يعبدني من ديني ؟
فكيف لله سبحانه وتعالى أن لا يعترض ويقول : كيف أدخلتم من عبد الطاغوت في ديني ، ولقد قلت لكم من أول يوم على لسان رسلي : " أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ " ؟؟
ولولا الحياء لقيل : أن مِن أصل الدين إدخال المشرك في دين الله لأن عنده من التوحيد والإسلام الشيء الكثير .
أسأل هنا : متى يخرج المشرك بعينه من دين التوحيد.؟ وقبل هذا ما هو دليلكم أن المشرك داخل في دين التوحيد ؟
وبأي دليل أدخلتم المشرك في دين التوحيد . حتى تسألوا من أخرجه على أي دليل اعتمدت في أخراجه من دين التوحيد ؟


قولك : هذه المسألة التي هي من أصل أصول الدين ، ولا يدخل الإنسان الإسلام حتى يعلمها ، لا يوجد دليل صريح واحد يثبت أن المرء يكفر إن لم يضبطها .. بل لا يوجد دليل صريح أن هذا الأمر يُلزم به جميع المسلمين .
غاية ما عندك هي أدلة توجب التصديق بها ، كأدلة تحريم الخمر ، وتحريم الزنا ، وتسمية الزاني زانياً .. وما إلى ذلك .



أقول : سبحان الله ! بل الأدلة الصريحة على هذا كثيرة في كتاب الله ولقد ذكرت لك بعضها ، وسوف أبين هنا وجه الدلالة الغائب عنك فيها .
والأدلة التي ذكرتها لك تثبت بشكل واضح أن من أشرك بالله وعبد غيره ليس في دين الله . وأن هذه الحقيقة كان يعرفها كل مسلم دخل الإسلام عند دخوله الإسلام . وما تركه لدين الشرك الذي كان عليه ودخوله دين التوحيد ، إلا لأنه أصبح يعرف معرفة يقينية لا لبس فيها ، أن ما كان عليه من دين ليس دين الله بل دين الطاغوت دين الشرك ، وأنه حتى يدخل في دين الله يجب عليه ترك دين الطاغوت وترك جميع أنواع الشرك وعبادة الله وحده مخلصاً له الدين .
قال تعالى : " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " البقرة : 256
وقال تعالى : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ "النحل : 36
وقال تعالى : " وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ " (الزمر : 17)
ثم كيف لك يا أبا شعيب أن تتصور رجلاً أراد دخول دين الإسلام دين التوحيد ، فاشترط عليه لدخول دين الإسلام أن يكفر بالطاغوت ولم يبين له ما هو الطاغوت الذي يجب أن يكفر به ، وكيفية الكفر به وما حكمه وحكم من لم يكفر به . ثم هو مع ذلك ، يعلن أنه كفر بالطاغوت . فيحكم عليه بأنه دخل الإسلام وكفر بالطاغوت ، وهو لا يعرف أنه قبل دخوله الإسلام هل كان خارج دين الله أو داخله ؟ ولا يعرف حكم الطاغوت الذي أمر بأن يكفر به لدخوله دين التوحيد ، ولا يعرف هل هذا الطاغوت في دين الله أم خارجه ، وكذلك لا يعرف أن من عبد الطاغوت في دين الله أم خارجه . ويكفي منه حتى يدخل الإسلام أن يعرف أنه كان قبل أن يدخل دين الله على باطل في فعله وبحدود فعله ، وأن الطاغوت ومن يعبده على باطل في فعلهم وبحدود فعلهم . ولا يضره بعد ذلك أن يجهل هل قبل دخوله دين الإسلام كان في دين الله أم خارجه ، وكذلك لا يضره عدم معرفته أن الطاغوت وعابديه بأعيانهم في دين الله أم خارجه . ؟


ثم تقول : " غاية ما عندك هي أدلة توجب التصديق بها ، كأدلة تحريم الخمر ، وتحريم الزنا ، وتسمية الزاني زانياً .. وما إلى ذلك ."

أقول : كلامك هذا يعني أن الصحابة رضي الله عنهم بداية كانوا لا يعرفون بأي دين دخلوا ولا بأي دين كانوا ولا يعرفون حكم الطاغوت الذي أمروا أن يكفروا به ، هل هو في دين الله أم خارجه ، وكذلك كانوا لا يعرفون حكم من عبد الطاغوت وأشرك بالله ، هل هو في دين الله أم خارجه . وكل ما كان يعرفونه أنهم على الحق وأن من يعبد غير الله على الباطل بعمله وفي حدود عمله ، أما بعينه وشخصه فلا يعرفون بأي دين هو ، حتى نزلت هذه الآيات . وحتى بعد نزول هذه الآيات من لم يفهمها جيداً ويحكم على من أشرك بالله أنه موحد مسلم في دين الله ، لترجيحه ما عنده من توحيد على ما يفعله من شرك ، فهو معذور لجهله وتأويله . ومن مات من الصحابة قبل نزول هذه الآيات ، كان لا يعرف أحكامها ، لا يعرف أن من عبد غير الله مشرك بعينه ، وليس في دين التوحيد ، ولا يعرف حكم الطاغوت الذي أمِر أن يكفر به ، هل هو في دين الله أم خارجه. وقد يكون مات وهو يعتقد أن من أشرك بالله وعبد غيره هو مشرك في عمله أي بحدود عمله فقط ، وأنه موحد بما عنده من توحيد وبحدود توحيده ، وقد يكون مات وهو يعتقد أن المشرك لكثرة توحيده موحد وفي دين الله لأن توحيده غلب شركه . وقد يكون مات وهو يعتقد أن النصارى واليهود على دين التوحيد مع شركهم لكثرة توحيدهم . وهو معذور بذلك ، لأن آيات الله التي تبين حكم فاعل الشرك لم تنزل بعد .


قولك : ولا دليل أتيت به حتى الآن يوجب على المسلم الجاهل الذي لا يعرف أدلة القرآن : إخراج المشرك من دين الله ، وإلا بطل إسلامه .
يوجد أدلة كثيرة على تكفير من يكفر المسلم .. فهل هناك دليل بمثل هذه الصراحة على تكفير من يحكم على المشرك بالإسلام ؟؟هل يوجد ؟؟



أقول : بل كل الأدلة التي ذكرتها لك وغيرها كثير توجب وجوباً بالضرورة على من أراد دخول الإسلام أن يعرف أن المشرك الذي عبد غير الله ليس في دين التوحيد بعينه . وتوجب عليه معرفة أن الطاغوت الذي أمر بترك عبادته ليدخل الإسلام ليس في دين التوحيد هو ومن عبده . ومن لم يفهم هذا ، لم يفهم معنى الكفر بالطاغوت الذي أمر أن يحققه ليدخل الإسلام . ولم يفهم لماذا وضع هذا الشرط .
ثم تقول : " يوجب على المسلم الجاهل الذي لا يعرف أدلة القرآن : إخراج المشرك من دين الله ، وإلا بطل إسلامه "
أقول : بداية كيف صار هذا الذي تصفه بأنه مسلم موحد ، مسلماً ، وهو لا يعرف أن الطاغوت الذي أمر بالكفر به بأي دين هو ومن يعبده ؟
أنت الظاهر يا أبا شعيب تبحث عن دليل يقول صراحة : " حتى يكون المرء مسلماً يجب عليه أن يحكم بكفر ( عين ) من أشرك بالله وعبد غيره ، وكفر من لم يكفره ، وإن لم يفعل ذلك يكفر "
أنت بهذا الطلب يا أبا شعيب كمن حكم بعدم حرمة الخمر ، لعدم وجود دليل ينص حرفياً : بأن الخمر حرام . وجهل أن تحريم الخمر جاء بإفادة أكثر قوة ودلالة من كلمة " حرم
"

قولك : والدليل الأخير الذي أتيت به هو حجة عليك .
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « مَنْ لَقِيَ الله لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنّةَ ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ النّارَ »
وأنت نفسك تقول إنه إن ترك عبادة غير الله ، واعتقد بطلانها وفسادها وفساد معتقد أهلها ، وعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً .. فإن ذلك لا ينفعه حتى يكفّر كل شخص وقع في الشرك الأكبر تعييناً .
عندما سألناك لماذا ؟ .. قلت : لأنه لا يعلم معنى التوحيد .
وعندما نسألك : وما معنى التوحيد غير عبادة الله وحده لا شريك له ، ونبذ عبادة ما سواه ؟
تأتينا بأصل جديد وهو : إخراج المشرك من دين الله .. مما لم يدل على أصوليته دليل شرعي واحد .



أقول : لا ، ليس الدليل الذي أتيتُ به حجة علي ، بل هو حجة لي واضحة. وإليك ألإثبات من الدليل .
الرسول صلى الله عليه وسلم شرط لدخول الجنة ترك جميع أنواع الشرك. ماذا يعني هذا الكلام ؟ يعني أن من أشرك بالله وعبد غيره لم يدخل الجنة بل سيدخل النار . ولقد أكد رسول الله هذا المعنى بأن قال بعد ذلك : "وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ النّارَ" وانتبه لكلمة " شيئا" يعني بأي شي بسيط كان أم عظيم .
فهذا يعني أن من أشرك بالله بأي شي بسيط كان أم عظيم ليس في دين التوحيد بعينه وسيدخل النار ولا يدخل الجنة .
ألا يدل هذا الكلام أن المشرك بالله ليس في دين التوحيد بعينه ؟
لأن الذي سيدخل النار هو عين الشخص وليس فعله . ؟
فكيف بعد هذا الكلام يقال : أنه لا يُشترط لدخول الجنة اعتقاد أن المشرك بالله سوف لا يدخلها وأنه ليس في دين الله وليس موحداً .


قولك : وأنت نفسك تقول إنه إن ترك عبادة غير الله ، واعتقد بطلانها وفسادها وفساد معتقد أهلها ، وعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً .. فإن ذلك لا ينفعه حتى يكفّر كل شخص وقع في الشرك الأكبر تعييناً .


أقول : أنا قلتُ من عرف أنه لا يدخل الإسلام ولا يدخل الجنة حتى يترك عبادة غير الله ، سيعرف ولا بد أن من لم يترك عبادة غير الله ليس في دين الله ، ولا يستطيع أن يدخل الجنة ، بل مصيره سيكون النار خالداً فيها أبدا إذا لم يترك الشرك ومات وهو على الشرك .


قولك : عندما سألناك لماذا ؟ .. قلت : لأنه لا يعلم معنى التوحيد .


أقول : لا يعرف التوحيد ولا كيفية دخول الإسلام ، ولا يعرف ما هو الطاغوت ، من لم يعرف أن عابد الطاغوت والطاغوت ليس موحداً وليس في دين الله.
ولا ينفعه عبادة الله وحده وترك عبادة الطاغوت واعتقاد بطلانها وفسادها وفساد معتقد أهلها ما دام لا يعرف أن الطاغوت ومن عبده ليسوا في دين الله . لأن عدم معرفته ذلك يدل دلالة واضحة لا لبس فيها : أنه لا يعرف لماذا وضع شرط ترك عبادة الطاغوت لدخول دين الله . ولا يعرف كيف يكون العبد في دين الله . فهو تركها لأنها باطلة وليس لأنها شرط في دخول دين التوحيد . ولو عرف أنها شرط في دخول دين التوحيد لما حكم على من عبد الطاغوت بالتوحيد والإسلام . فهو يعتقد أن ترك عبادة الطاغوت شرط كمال وليس شرط صحة ، لأنه حكم على من أشرك بالله وعبد الطاغوت بالتوحيد والإسلام مع معرفته أنه يعبد الطاغوت.


قولك : وعندما نسألك : وما معنى التوحيد غير عبادة الله وحده لا شريك له ، ونبذ عبادة ما سواه ؟
تأتينا بأصل جديد وهو : إخراج المشرك من دين الله .. مما لم يدل على أصوليته دليل شرعي واحد .



أقول : نعم ، التوحيد هو عبادة الله وحده لا شريك له ، ونبذ عبادة ما سواه . وهذا يقتضي ويفهم منه بالضرورة أن من عبد غير الله ولم ينبذ الشرك قلباً وقالباً ليس موحداً وليس في دين الله . وهذا ما أقررت أنت به.
ولا يعني هذا الكلام إتيان بأصل جديد .
بل كل موحد يجب عليه أن يعرف بالضرورة أن المشرك ليس موحداً وليس في دين الله بعينه ، وليس بفعله فقط . لأن من يشرك بالله فقد عبد الطاغوت ودخل في دينه . وهذا ما يقتضيه الشرع واللغة والعقل السليم الذي يفهم معاني اللغة والشرع ، ويجب أن لا يماري فيه أحد يفهم ما هو الموحد وكيف يدخل المرء الإسلام .


قولك : الآن تفضل ..
اشرح لي كيف تدل هذه النصوص على أن إخراج المشرك من دين الله هو من أصل الدين .
رجاء .. لا أريد استنباطاتك أنت .. أريد استنباطات علماء السلف إلى ما قبل أئمة الدعوة النجدية .
أنا في الانتظار .



أقول : 1- " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " البقرة : 256
وجه الدلالة : شرط لدخول الإسلام ودين التوحيد في هذه الآية شرطان :
الشرط الأول : الكفر بالطاغوت .
الشرط الثاني : الإيمان بالله .
وبدون تحقق هذين الشرطين لا يدخل المرء دين التوحيد .
والكفر بالطاغوت معناه :
1-عدم عبادة الطاغوت .
2- اعتقاد أن الطاغوت ليس في دين الله بل هو ممن ينازع الله في حقه الخاص ويجعل نفسه نداً لله .
3- الاعتقاد أن عابد الطاغوت ليس في دين التوحيد بل في دين الطاغوت.
4- الاعتقاد أن من أدخل الطاغوت وعابد الطاغوت في دين الله لم يعرف معنى الكفر الطاغوت ، ولم يَكفر بالطاغوت . لأنه لو كفر به وعرف ما هو ، وعرف لماذا أمِر لدخول دين التوحيد بالكفر به ، لما أدخله ومن يعبده في دين التوحيد .
وبدون فهم هذا المعنى للكفر بالطاغوت وتحقيقه على أرض الواقع لا يتحقق الكفر بالطاغوت . وهذا هو المعنى الذي كان يفهمه العرب ومن يريد دخول الإسلام في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
بل كانت أول كلمة يقولها قادة المسلمين الذين أرسلوا لدعوة الناس للإسلام " جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام "
وهذا هو معنى كلمة ( لا إله )
فمن حقق هذا الشرط بهذا المعنى ماذا سيكون اعتقاده في المخالف :
1- لا شك أنه سيعتقد أن كل من عبد غير الله يعني عبد الطاغوت فهو مشرك غير موحد خارج من دين الله ، ليس بعمله هذا وحسب بل بشخصه وعينه أيضا ً. ولا يفهم لا لغة ولا شرعاً أن المقصود من تكفير الطاغوت : الاعتقاد أنه على باطل بفعله وبحدود فعله ، وأن عابده على باطل بفعله وبحدود فعله . ثم بعد ذلك يحكم على الطاغوت وعلى عابده بالتوحيد والإسلام ، إذا وجد عندهم بعض مظاهر التوحيد والإسلام . فإبليس عليه اللعنة كان من أعبد المخلوقات وأتقاهم وكان عنده من مظاهر التوحيد والإسلام ما وصَّلته لدرجة التواجد مع الملائكة في السماء.
ومن يقل أن هذه الآية تدل أن القصد من الكفر بالطاغوت هو الاعتقاد أنه على باطل في فعله وبحدود فعله ، والاعتقاد أن من يعبده على باطل في فعله وبحدود فعله فقط ، أما شخصه وعينه فهو موحد في دين الله ، لكثرة ما يفعله من أفعال التوحيد ،من يقل هذا لم يفهم هذه الآية . ولم يفهم كيفية الكفر بالطاغوت .
فأول ما يفهم من هذه الآية أن من لم يكفر بالطاغوت ليس في دين الله ولم يستمسك بالعروة الوثقى التي هي الإسلام أو الشهادة أو الإيمان .
طبعاً يفهم أنه ليس في دين الله بعينه وشخصه . ولا يفهم ، أنه ليس في دين الله في حدود عمله وفي عمله .
وهذا المعنى الذي بينته يفهمه كل عاقل بالغ طلب منه حتى يدخل الإسلام أن يكفر بالطاغوت .
ولا تنس أن هذه الآية الكريمة تبين شروط دخول دين الإسلام . ولا تبين أحكاماً عامة لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع . كالاعتقاد أنه على ضلال في عمله وبحدود عمله .
فهي خطاب لمن أراد أن يدخل الإسلام باختياره . فقد بدأت بقوله تعالى : " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ "
يعني كما قال ابن كثير في تفسيره : " أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام , فإنه بيّن واضح, جلي دلائله وبراهينه, لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه, بل من هداه الله للإسلام, وشرح صدره, ونور بصيرته, دخل فيه علي بينة, ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره, فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً " أهـ
أقول : إذن هذه الآية الكريمة هي لتبين كيفية دخول الدين الإسلامي . ومن يقرأها يعلم شروط دخول دين الإسلام ، لهذا يعلم أن من لم يحقق هذه الشروط ليس في دين الله . كشخص معين . فهي لا تتحدث عن الأعمال وصفتها وصفة فاعلها بحدود فعله ، حتى نقول هو على ضلال بفعله وبحدود فعله . فهي تتحدث عن شروط دخول الشخص المعين دين التوحيد . فمن لا يحقق هذه الشروط لا يدخل دين التوحيد . وكل من يخاطب بهذه الشروط مهما كان مستواه العقلي سيفهمها كما بينتها.
ولك أن تسأل أبسط إنسان مكلف عن ذلك . ماذا يفهم من جملة : "شروط دخول دين الإسلام . " ألا يفهم من ذلك أن الشخص بعينه لا يحكم عليه بأنه في دين الإسلام بدون أن يحقق هذه الشروط ؟ لا شك سيفهم ذلك ببساطة مهما كان مستواه العقلي .

2- " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ "النحل : 36
وجه الدلالة : هذه الآية تبين دعوة الرسل كلهم . فهم لم يدعوا الناس لعبادة الله ، بل دعوهم لعبادة الله وحده واجتناب عبادة غيره ، ليكونوا في دين الله .
لأنهم لو دعوهم لعبادة الله فسيقول لهم نحن نعبد الله أيضا .
ولو دعوهم لعبادة الله وحده فسوف يقول : من يعتقد أنه يوحد الله وهو يفعل الشرك ويعبد الطاغوت كحال النصارى واليهود ومن يدعي الإسلام اليوم ممن هو واقع في الشرك الأكبر : نحن نعبد الله وحده ، نحن موحدون مسلمون .
لهذا كان الخطاب واضح :" اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت . "
" فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى "
" من قال لا إله إلا الله والكفر بما يعبد من دون الله فقد حرم دمه وماله وحسابه على الله ."
فعندما تطلب من أحد هذه الشروط لدخول دين الله ، أول ما سيفهم منك من هذا الطلب ، أنك تعتقد أنه لم يحقق هذه الشروط ، فإذا كان يعرف حاله وأنه من عبدت غير الله كما هو حال مشركي العرب ، فسوق يقول عنك : " أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ "
وإذا كان ممن يظن نفسه من الموحدين الذين لا يعبدون غير الله . سيقول لك كما قالت النصارى : " نحن أسلمنا قبلك " فسوف يستدعي منك هذا الجواب أن تبين لهم شركهم الذي هم واقعين فيه ، كما بين الله سبحانه وتعالى لهم بقوله : " اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ "
" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ "
وكما بين رسول الله صلى الله عليهم وسلم لعدي بن حاتم كيف كانوا يعبدون بعضهم البعض .
بعد هذا البيان الواضح الجلي ، يطلب من الشخص أن يقرر بأي دين سيكون، دين الله أم دين الطاغوت . فإذا قبل بهذه الشروط التي فهمها أتم الفهم واعتقدها وقرر الالتزام بها في أرض الواقع ، فقد دخل الإسلام . ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره ولم يقبلها ، فهو خارج دين الإسلام ، مهما كان عنده من أعمال التوحيد والإسلام .
هذه هي دعوة الرسل من أول يوم أرسلوا به .
ولم يرسل الله سبحانه وتعالى الرسل ليبينوا للناس فقط ما هي أفعال الباطل والضلال ، ويدعوا الناس لتقرير من هو على الحق ومن هو على الباطل ، بدون أن يبينوا لهم لأي دين دعوهم وأي دين هم فيه .
ولم يحكم الرسل وأتباع الرسل عليهم بدخول دين التوحيد بمجرد أن عرفوا أنهم على الحق وأن الطاغوت وعبدته على باطل في فعلهم وبحدود فعلهم .
ولم يقل لهم أي رسول : أنكم ما دمتم تحكمون على الطاغوت وعبدته بأنهم على باطل بحدود فعلهم فقد حققتم الكفر بالطاغوت ، ولا يضركم بعد ذلك إن لم تعرفوا بأي دين أنتم ولا بأي دين مخالفكم . ولا يضركم لو حكمتم على مخالفكم ، الطاغوت وعابديه ، بأنهم في دين الله لما عندهم من مظاهر التوحيد والإسلام .

يتبع

صفوان 11-27-2017 03:41 PM

أبو شعيب :
بسم الله الرحمن الرحيم ،

الرد على مشاركة رقم #59 :

تقول :


[-- أقول : بل هذه الأدلة وغيرها كثير تثبت أن المشرك الذي يعبد غير الله ليس في دين الله ، وأن هذه الحقيقة هي أول حقيقة أثبتها كل الأنبياء عندما دعوا أقوامهم لدخول دين التوحيد ، دين الله الخالص من كل شرك . --]

هذه مسألة شرعية ظاهرة .. أظهرها الأنبياء لجلائها بل ولاعتراف أصحابها بذلك .

أنت جئت بأدلة تبيّن فقط أنه من يعبد غير الله فهو مشرك .. وكأننا نخالفك في ذلك ، سبحان الله !

ما طلبته منك هو أمر واحد لا أكثر :

أريد دليلاً صريحاً يجعل فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - التكفير من أصل الدين .. ويقول : من لا يكفر المشرك فهو كافر ، ولا يدخل الإسلام حتى يكفره .

فإن لم تجد .. فمن أقوال الصحابة أو التابعين أو أي من مشايخ الإسلام حتى ما قبل عصر أئمة الدعوة النجدية .

لقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به ، ولا من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم عنه »

فلماذا لم يحدثنا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذه المسألة ويوجبها علينا ؟؟

وقال : « ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه خيراً لهم ، وينهاهم عن شر ما يعلمه شراً لهم »

فلماذا لم ينهنا عن هذه المسألة .. ولم يذكر فيها وعيداً واحداً .

لاحظ أننا نتكلم عن التصريح ، وليس عن الاستنباط .

أنت تستنبط من هذه الأدلة أن تكفير المشركين من أصل الدين .. مع أن مسائل أصل الدين لا يُمكن أن تُترك للاستنباط ، بل وجب التصريح بها ، والتصريح بأن الممتنع عنه لا يدخل الإسلام أو أنه كافر .

فهل هناك من صرّح بذلك ؟؟

أريد تصريحاً وليس استنباطاً .

أمامك أقوال المفسرين جميعاً .. هات لي قول واحد من المفسرين الذين فسروا هذه الآيات التي أتيت بها .. هل قال أحدهم بمثل قولك ؟؟


هذا كل ما عندي في الرد على هذه المشاركة .. وباقي المسائل تكررت أجوبتها كثيراً في كلامي .

كل ما أرى عندك هو استنباطات عقلية .. هل من يفعل كذا يكون كذا ، وهل ذلك كذلك .. وما إلى ذلك .

وأنا أسألك :

وهل هناك تصريح شرعي بهذه المسألة الاصولية التي لا يدخل الإسلام أحد إلا إن حققها ؟

تقول لي لغة العرب .

أقول لك تفضل .. هات من أقوال السلف جميعهم من قبل أئمة الدعوة النجدية ، من قال بمثل ما تقول .

هل خفيت عليهم هذه المسائل الأصولية ، التي لا يتحقق توحيد الله بدونها ، ولم تظهر إلا في هذا الزمان ؟؟ سبحان الله !!

أمامك كتب التوحيد التي ألفها السلف ، كالتوحيد لابن خزيمة ، والتوحيد لابن منده ، وشرح أصول أهل السنة للالكائي ، وشرح العقيدة الطحاوية ، والواسطية ، والإبانة لابن بطة .. وغيرها كثير من كتب السلف .

هات من فهم من هذه الأدلة أن دخول الإسلام لا يتحقق إلا بتكفير المشركين .

كل من وقفنا على قوله قال : من لا يكفرهم فقد ردّ النصوص الشرعية ، وكذّب بالقرآن .. ولم يقل أحد إنه شرط من شروط الشهادتين .

===========================

ولقد سألتك من قبل أسئلة أعيد صياغتها هنا :

- ما حكم من يقول : إن المشرك الجاهل الذي لم تُقم عليه الحجة يقبل الله منه أعماله التي أخلصها لوجهه ، ويثيبه عليها في الآخرة ، ولا يدخل النار ما دام أن الحجة لم تقم عليه .. بل سيدخل الجنة .

فيقول :

إن الله يقبل له صلاته ، وصيامه ، وحجه ، ودعاءه ، وزكاته ، وسائر العبادات التي أداها خالصاً لله تعالى .. ولا يُحبط عمله لأنه جاهل ، وإن حبوط العمل مقرون بإقامة الحجة ، أي بعد بلوغ الرسالة .

فهل هذا كافر ؟ أم ماذا ؟


صفوان 11-27-2017 03:53 PM

مسلم 1 :

بسم الله الرحمن الرحيم

الرد على مشاركة رقم 60 :


قولك : تقول :
) أقول : بل هذه الأدلة ِوغيرها كثير تثبت أن المشرك الذي يعبد غير الله ليس في دين الله ، وأن هذه الحقيقة هي أول حقيقة أثبتها كل الأنبياء عندما دعوا أقوامهم لدخول دين التوحيد ، دين الله الخالص من كل شرك . –)

قولك : هذه مسألة شرعية ظاهرة .. أظهرها الأنبياء لجلائها بل ولاعتراف أصحابها بذلك .
أنت جئت بأدلة تبيّن فقط أنه من يعبد غير الله فهو مشرك .. وكأننا نخالفك في ذلك ، سبحان الله !
ما طلبته منك هو أمر واحد لا أكثر :
أريد دليلاً صريحاً يجعل فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - التكفير من أصل الدين .. ويقول : من لا يكفر المشرك فهو كافر ، ولا يدخل الإسلام حتى يكفره .
فإن لم تجد .. فمن أقوال الصحابة أو التابعين أو أي من مشايخ الإسلام حتى ما قبل عصر أئمة الدعوة النجدية .
لقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به ، ولا من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم عنه فلماذا لم يحدثنا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذه المسألة ويوجبها علينا ؟؟
وقال : « ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه خيراً لهم ، وينهاهم عن شر ما يعلمه شراً لهم »
فلماذا لم ينهنا عن هذه المسألة .. ولم يذكر فيها وعيداً واحداً .
لاحظ أننا نتكلم عن التصريح ، وليس عن الاستنباط .


أقول : يا أبا شعيب سأحسن الظن بك وأقول لك : اقرأ الآيات والأحاديث التي ذكرتها لك بتمعن وتجرد وستجد جواباً وافياً كافياً لما نتحدث عنه .
الله سبحانه وتعالى يقول لنا وبشكل واضح : هذه هي الشروط التي يتحقق فيها دخول دين التوحيد ويصبح من يحققها موحداً . ورسوله عليه الصلاة والسلام بينها لنا قولاً وعملا .
أيصح بعد هذا البيان الوافي الشافي الذي يفهمه كل عاقل بالغ أن نقول : يا ربنا نعم أنت بينت لنا شروط دخول دين التوحيد أتم بيان وكذلك بين لنا ذلك رسولك الحبيب ولا ننكر ذلك ، ولكنك لم تبين لنا حكم من لا يحققها ، لهذا فنحن سوف نحكم على من لم يحقق هذه الشروط بالتوحيد والإسلام ما دام عنده بعض مظاهر التوحيد والإسلام ويدعي أنه في دينك ، وكذلك سنحكم على من حكم عليه بالتوحيد والإسلام بأنه مسلم قد حقق شروط دخول الإسلام ما دام ترك الشرك وحكم على ما يقوم به هذا الشخص من عبادة للطاغوت بأنه باطل .
أيقول هذا الكلام من فهم لماذا وضعت هذه الشروط ، وشرطت على العبد حتى يدخل الإسلام ؟
لو حدث هذا مع البشر لحكم على من قال هذا الكلام بالجنون أو التحايل على الشروط .
أبعد أن توضع شروط دخول دين التوحيد ويبين كيف يكون العبد موحداً ، يُحتاج لبيان حكم من لا يحقق هذه الشروط .؟
فهذه الشروط وضعت لتحقيق شيئاً معيناً ، فمن يفهم هذا الكلام يفهم أن من لا يحققها لم يملك تحقيق هذا الشيء المعين . ولا يحتاج بعد ذلك ، للقول بأن من لم يحقق هذه الشروط لم يملك تحقيق المطلوب .
فكيف وقد جاءت آيات وأحاديث كثيرة تبين أن من لم يحقق هذه الشروط ليس في دين الله وليس موحداً ؟ وليس هذا وحسب بل وأثناء الخطاب الأول وبعده حكم على من لم يحقق هذه الشروط بأنه في نار جهنم ؟
ثم جاءت الآيات تباعاً وبكثرة تبين أن من لم يحقق هذه الشروط ويعبد غير الله في أي شيء كان صغيراً كان أم كبيراً سيبطل جميع عمله ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسيكون مصيره النار خالداً فيها أبدا ما لم يتب من شركه .
أبعد هذا البيان يقال : لا يوجد دليل واحد يدل على أن الحكم بالشرك وعدم دخول دين التوحيد على من عبد الطاغوت ، شرط لدخول دين التوحيد ؟
متى سيحكم الموحد على عين من عبد الطاغوت بأنه ليس في دين الله ؟
حسب عقيدة أبي شعيب : حتى يتعلم شروط التكفير وموانعه .
وما دام لم يتعلمها لا يضر توحيده ، حكمه على من عبد الطاغوت بالإسلام والتوحيد . وحتى لو تعلمها لا يجوز له تكفير من يحكم بالإسلام والتوحيد على عابد الطاغوت حتى يفهمه الحكم ، فإذا لم يستطع إفهامه الحكم وحكم عليه بالكفر فهو من الخوارج الضالة التي تكفر المسلمين .
وأي حكم هذا الذي سيُفهمه إياه ؟! سيفهمه حكم أن من فعل الشرك الأكبر وعبد الطاغوت ليس في دين الله ولو كان من عمل التوحيد والإسلام بمقدار عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فإذا لم يفهم هذا فهو معذور بجهله ، ويحكم عليه بالتوحيد والإسلام وأنه من العلماء التقاة المجاهدين حتى ولو ظل يحكم على عابد الطاغوت بالتوحيد والإسلام ويسميهم بالمجاهدين .


قولك : هذه مسألة شرعية ظاهرة .. أظهرها الأنبياء لجلائها بل ولاعتراف أصحابها بذلك .


أقول : ما معنى هذا الكلام ؟ تقر هنا بأن الحكم على من عبد غير الله بأنه مشرك ، وتقول أنها مسألة شرعية أظهرها الأنبياء لجلائها ولاعتراف أصحابها بذلك . ثم بعد ذلك : تصر على عذر من يحكم بإسلام من عبد الطاغوت ؟
ثم من قال لك أن أصحابها كانوا مقرين بأنهم مشركون على غير دين الله ؟
هل تقصد مشركي العرب ؟ وهل رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدع غير مشركي العرب ؟ ألم يدعُ النصارى واليهود ؟ هل كان النصارى واليهود مقرين أنهم يعبدون غير الله وأنهم على غير دين التوحيد ؟!
حتى مشركي العرب مع اعترافهم بشركهم كانوا يعتقدون أنهم في دين الله على دين إبراهيم ، ويصفون أتباع رسولنا صلى الله عليه وسلم بأنهم صبئوا .


قولك : أنت جئت بأدلة تبيّن فقط أنه من يعبد غير الله فهو مشرك .. وكأننا نخالفك في ذلك ، سبحان الله !

أقول : الأدلة التي جئتك بها لا تبين فقط أن من يعبد غير الله مشرك .
بل تبين أيضاً أنه ليس في دين الله . وتبين أيضاً أن من فعل الشرك لم يدخل الإسلام ودين التوحيد . وتبين أيضاً أن الشرط الأول لدخول دين الله ترك الشرك بجميع أنواعه وأشكاله . وتبين أيضاً أن من يعبد الطاغوت ليس في دين الله ولم يحقق شروط دخوله .
وتبين أيضاً أن العبد لا يدخل دين الله حتى يكفر بالطاغوت ، أي يترك عبادته ويحكم عليه بالكفر ويحكم على عابديه بالشرك وعدم دخول دين الله.
أبعد هذا البيان والصراحة ، تريد دليلاً يقول : لا يدخل العبد الإسلام حتى يحكم على المشرك وعابد الطاغوت بعدم دخوله الإسلام وإذا لم يحكم بذلك لا يملك دخول الإسلام ، ومن يعذره بجهله أيضاً لا يملك دخول الإسلام حتى ولو ترك الشرك ؟
من يريد دليلاً على ذلك ويدعي أن هذه الآيات ليس دليلاً صريحاً على ذلك كله ، فإنه مع الأسف لم يفهم هذه الآيات الفهم الصحيح .
ثم ما معنى أن هذه الآيات تبين فقط أن من يعبد غير الله فهو مشرك .؟
وهل كان أحد قبل رسول الله يقول عكس ذلك ؟
حتى العرب أنفسهم كانوا مقرين في ذلك .
إذن حسب كلامك فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأت بجديد . فلماذا اعترضوا عليه وآذوه , وآذوا أتباعه ؟ ولماذا لم يقبل عمه وهو على فراش الموت أن يتلفظ بشهادة التوحيد . ما دامت شهادة التوحيد تبين فقط أن من يعبد غير الله فهو مشرك ؟
ثم تقول : " وكأننا نخالفك في ذلك ، سبحان الله !"

أقول : ومن هو الذي يخالف في ذلك على وجه الأرض ؟ حتى كل من دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخالفوه في ذلك .
مسألتنا ومسألة الرسل كلهم ليست تسمية من يعبد غير الله أنه مشرك . مسألتنا هي :هل هو في دين الله أم لا بشركه هذا . هل شركه هذا يبطل كل توحيده وعمله مهما كان ؟ هل بشركه هذا يملك دخول دين التوحيد . ؟ وهل من حكم عليه بالإسلام والتوحيد وهو يعرف أنه يعبد غير الله ، عرف ما هو دين الله وما هو التوحيد ؟
ما بُعث الرسل كلهم إلا لبيان هذه المسائل من أول يوم . لبيان من هو في دين الله ومن هو في دين الطاغوت . لم يأتوا ليبينوا أن من عبد غير الله فهو مشرك وفقط . لأن هذا يعرفه كل الناس من لغتهم . والذي لم يعرفه مشركي العرب وكان يعرفه أهل الكتاب : هو أنهم ما داموا يعبدون غير الله فهم ليسوا في دين الله بل في دين الطاغوت .
وكذلك جاؤوا ليبينوا شرك وحكم من يدعي أنه على التوحيد وفي دين الله وهو يفعل الشرك جهلاً .


قولك : ما طلبته منك هو أمر واحد لا أكثر :
أريد دليلاً صريحاً يجعل فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - التكفير من أصل الدين .. ويقول : من لا يكفر المشرك فهو كافر ، ولا يدخل الإسلام حتى يكفره .
فإن لم تجد .. فمن أقوال الصحابة أو التابعين أو أي من مشايخ الإسلام حتى ما قبل عصر أئمة الدعوة النجدية .




أقول : يا ألله سبحانك !
أليس بيان شروط دخول الدين هو نفسه بيان لحكم من لا يحقق هذه الشروط ؟
من الفرق بين القول :" من لا يكفر المشرك فهو كافر ، ولا يدخل الإسلام حتى يكفره ."
والقول : من لم يحقق هذه الشروط فهو ليس في دين الله . ؟
هل المشرك حقق شروط دخول الدين ؟ الجواب : لا
فما حكمه حسب شروط ربنا ؟ الجواب : لم يدخل الدين .
هذه الأمور يجب أن يعرفها كل من حقق دخول الدين .
فهل يعرف كيفية دخول دين التوحيد من يحكم على من عبد الطاغوت بأنه في دين الله .
وهل يملك دخول دين الله من يحكم على من عبد الطاغوت بأنه في دين الله ، وقد علم أن الله سبحانه وتعالى اشترط عليه لدخول دين الله ترك الشرك وعبادة الطاغوت ؟


قولك : أنت تستنبط من هذه الأدلة أن تكفير المشركين من أصل الدين .. مع أن مسائل أصل الدين لا يُمكن أن تُترك للاستنباط ، بل وجب التصريح بها ، والتصريح بأن الممتنع عنه لا يدخل الإسلام أو أنه كافر .
فهل هناك من صرّح بذلك ؟؟
أريد تصريحاً وليس استنباطاً .

أمامك أقوال المفسرين جميعاً .. هات لي قول واحد من المفسرين الذين فسروا هذه الآيات التي أتيت بها .. هل قال أحدهم بمثل قولك ؟؟
هذا كل ما عندي في الرد على هذه المشاركة .. وباقي المسائل تكررت أجوبتها كثيراً في كلامي .
كل ما أرى عندك هو استنباطات عقلية .. هل من يفعل كذا يكون كذا ، وهل ذلك كذلك .. وما إلى ذلك .


أقول : لو قرأتَ وفهمتَ الآيات والأحاديث التي نقلتُها لك لعلمت علم اليقين أن هذه الأدلة صريحة جداً على أن من عبد غير الله ليس في دين الله وليس موحداً ، وأن هذه الحقيقة يجب أن يعلمها كل عاقل بالغ أراد دخول الإسلام . ومن خالفها ولم يعمل بها ، إما أن يكون لا يعرفها ، أو مع علمه بها وضع مقايس جديدة لدخول الإسلام . وكلاهما لا يحكم عليه بالإسلام ودخول دينه.
ربنا يشترط شيئاً وهو يشترط شيئاً أخر ، ثم بعد هذه الصراحة والوضوح تريد منا حكماً صريحاً على كفره . ولم يكتف هذا الذي لم تكفره وعذرته بالجهل بأن يشترط شروطاً جديدة لدخول دين الله ، بل يتهم من طبق شروط الله المحكمة في كتابه بأنه خوارج مارقة تكفر المسلمين الموحدين .


قولك :وأنا أسألك :وهل هناك تصريح شرعي بهذه المسألة الاصولية التي لا يدخل الإسلام أحد إلا إن حققها ؟
تقول لي لغة العرب .
أقول لك تفضل .. هات من أقوال السلف جميعهم من قبل أئمة الدعوة النجدية ، من قال بمثل ما تقول .
هل خفيت عليهم هذه المسائل الأصولية ، التي لا يتحقق توحيد الله بدونها ، ولم تظهر إلا في هذا الزمان ؟؟ سبحان الله !!
أمامك كتب التوحيد التي ألفها السلف ، كالتوحيد لابن خزيمة ، والتوحيد لابن منده ، وشرح أصول أهل السنة للالكائي ، وشرح العقيدة الطحاوية ، والواسطية ، والإبانة لابن بطة .. وغيرها كثير من كتب السلف .
هات من فهم من هذه الأدلة أن دخول الإسلام لا يتحقق إلا بتكفيرالمشركين.


أقول : كل الأدلة التي نقلتها لك وغيرها كثير دليل واضح على مسألتنا ، ولقد بينت لك ذلك . وهذه المسألة يجب أن يعرفها أبسط موحد عرف كيف يدخل الإسلام .
وبيان الله ورسوله الواضح الجلي لكيفية دخول الإسلام ، والذي يفهمه أبسط إنسان يفهم الخطاب ، دليل كافي لمن أراد الحق في هذه المسألة .
والرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح كان يطبق هذه المسائل عملياً . والعلماء لا يوضحوا الواضح الجلي ، بل يكتفون بذكره . فقولهم بأن العبد لا يدخل دين التوحيد إلا بالكفر بالطاغوت ، كافياً لبيان هذه المسألة لمن يفهم الخطاب .
أقرأ تفسير الآيات التي ذكرتها لك في كتب التفسير .
اقرأ شرح علماء الحديث للأحاديث التي ذكرتها لك .
ثم حتى لو لم يكن هناك كلام للمفسرين ولا لعلماء الحديث ، فكلام الله واضح جلي لمن فهم لغة العرب . وهو الحجة على الناس جميعاً .
فيكفوا في هذه المسألة قوله تعالى لمن يفهمه :" فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "


قولك : كل من وقفنا على قوله قال : من لا يكفرهم فقد ردّ النصوص الشرعية ، وكذّب بالقرآن .. ولم يقل أحد إنه شرط من شروط الشهادتين .



أقول : يا رجل ، هذا الكلام قيل في شرح قاعدة : " من لم يكفر الكافر أو شك في كفره فهو كافر "
هذه القاعدة للمسلمين . وليست موضوعنا . نحن نتحدث عن الحد الأدنى لدخول الدين وهذه القاعدة تتحدث عمّا بعد ذلك .
نحن نبحث في ، هل من يدعي الإسلام اليوم دخل دين التوحيد أم لم يدخله ؟ وهل من حكم بإسلامهم مع معرفته بعبادتهم للطاغوت دخل دين التوحيد أم لا .



قولك : ولقد سألتك من قبل أسئلة أعيد صياغتها هنا :
- ما حكم من يقول : إن المشرك الجاهل الذي لم تُقم عليه الحجة يقبل الله منه أعماله التي أخلصها لوجهه ، ويثيبه عليها في الآخرة ، ولا يدخل النار ما دام أن الحجة لم تقم عليه .. بل سيدخل الجنة .
فيقول :إن الله يقبل له صلاته ، وصيامه ، وحجه ، ودعاءه ، وزكاته ، وسائر العبادات التي أداها خالصاً لله تعالى .. ولا يُحبط عمله لأنه جاهل ، وإن حبوط العمل مقرون بإقامة الحجة ، أي بعد بلوغ الرسالة .
فهل هذا كافر ؟ أم ماذا ؟




أقول : إذا حكم على المشرك الجاهل الذي يعبد غير الله بالشرك وعدم دخوله دين التوحيد في الدنيا ، وعامله معاملة غير المسلم في الدنيا ، ثم بعد ذلك قال هذا الكلام ، لا نحكم عليه بالكفر وإنما نسأله ما هو دليلك على هذا الكلام .
فإذا قال لنا : قوله تعالى : " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا "
فلا نكفره بل هذا هو القول الأرجح في الدين . وحتى لو لم يصل ولم يصم ولم يعبد الله في حياته ، حكمه هكذا. إذا لم تقم عليه الحجة . وهذا حكم أهل الفترة .
وتبقى مسألة قوله يدخله الجنة . فنسأله لماذا حكمت عليه بأنه سوف يدخله الجنة ؟ فإذا أتى لنا بحديث امتحان أهل الفترات . فنقول له كلامك سليم وعليه أكثر علماء المسلمين .
ولكن إذا قال مع فعله للشرك وعبادته غير الله نحكم عليه بالإسلام والتوحيد لجهله ولأنه يصلي ويصوم ويزكي ويفعل كثير من أفعال التوحيد والإسلام . فمن حكم بهذا الحكم لم يفهم أصل الدين وكيفية دخول الدين ، ولم يفهم التوحيد وما يناقضه ، وإذا كان يفهم هذه الأمور نظرياً وطبق عكسها في أرض الواقع فهو أكفر من الجاهل . لأنه بذلك وضع شروطاً لدخول الإسلام تخالف شروط الله الثابتة البينة في كتابه عن علم بشروط الله سبحانه وتعالى .

صفوان 12-04-2017 02:37 PM

أبو شعيب :

بسم الله الرحمن الرحيم

أما كلامك السابق .. فأترك المتابع ليحكم فيه .. تكلمت بما فيه الكفاية .

وما بقي لي سوى تعقيب على قولك :


[-- أقول : إذا حكم على المشرك الجاهل الذي يعبد غير الله بالشرك وعدم دخوله دين التوحيد في الدنيا ، وعامله معاملة غير المسلم في الدنيا ، ثم بعد ذلك قال هذا الكلام ، لا نحكم عليه بالكفر وإنما نسأله ما هو دليلك على هذا الكلام .
فإذا قال لنا : قوله تعالى : " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا "
فلا نكفره بل هذا هو القول الأرجح في الدين . وحتى لو لم يصل ولم يصم ولم يعبد الله في حياته ، حكمه هكذا. إذا لم تقم عليه الحجة . وهذا حكم أهل الفترة .
وتبقى مسألة قوله يدخله الجنة . فنسأله لماذا حكمت عليه بأنه سوف يدخله الجنة ؟ فإذا أتى لنا بحديث امتحان أهل الفترات . فنقول له كلامك سليم وعليه أكثر علماء المسلمين .
ولكن إذا قال مع فعله للشرك وعبادته غير الله نحكم عليه بالإسلام والتوحيد لجهله ولأنه يصلي ويصوم ويزكي ويفعل كثير من أفعال التوحيد والإسلام . فمن حكم بهذا الحكم لم يفهم أصل الدين وكيفية دخول الدين ، ولم يفهم التوحيد وما يناقضه ، وإذا كان يفهم هذه الأمور نظرياً وطبق عكسها في أرض الواقع فهو أكفر من الجاهل . لأنه بذلك وضع شروطاً لدخول الإسلام تخالف شروط الله الثابتة البينة في كتابه عن علم بشروط الله سبحانه وتعالى . --]


هذا التعقيب ورد على كلام لي قد سألتك فيه ما يلي :

[-- ولقد سألتك من قبل أسئلة أعيد صياغتها هنا :

- ما حكم من يقول : إن المشرك الجاهل الذي لم تُقم عليه الحجة يقبل الله منه أعماله التي أخلصها لوجهه ، ويثيبه عليها في الآخرة ، ولا يدخل النار ما دام أن الحجة لم تقم عليه .. بل سيدخل الجنة .

فيقول :

إن الله يقبل له صلاته ، وصيامه ، وحجه ، ودعاءه ، وزكاته ، وسائر العبادات التي أداها خالصاً لله تعالى .. ولا يُحبط عمله لأنه جاهل ، وإن حبوط العمل مقرون بإقامة الحجة ، أي بعد بلوغ الرسالة .

فهل هذا كافر ؟ أم ماذا ؟ --]

وأنت تقول :


[-- ثم بعد ذلك قال هذا الكلام .. (إلى أن قلت) .. فلا نكفره بل هذا هو القول الأرجح في الدين --]

يعني ما أفهمه من كلامك هو :

أن من يقول إن الله يُثيبه على أعماله التي أخلص فيها لله وحده ، من صلاة وصيام وزكاة وما إلى ذلك .. ولا ينتقض هذا الثواب بالشرك لأنه جاهل ولم تقم عليه الحجة .. فهذا عندك هو القول الراجح ؟

على الأقل .. ما يثبت من كلامك هو أنك تقول هو غير كافر .. وهذا ما يهمني الآن .

الآن أود أن أسألك :

العمل الصالح الذي أخلص المرء فيه لله تعالى ، وقبله الله منه ( والله لا يقبل إلا من المتقين ، كما قال : { إنما يتقبل الله من المتقين } ) ، ورضي عنه ( أي عن العمل ) فأثاب صاحبه عليه .. هل تسمي هذا العمل إيماناً ؟ .. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( الإيمان بضع وسبعون شعبة ، أدناها إماطة الأذى عن الطريق ) ؟

فإن كان هذا إيماناً مقبولاً عند الله ، هل تسميه توحيداً ؟

صفوان 12-04-2017 02:43 PM

مسلم 1:
بسم الله الرحمن الرحيم

الرد على المشاركة رقم 62


قولك أما كلامك السابق .. فأترك المتابع ليحكم فيه . تكلمت بما فيه الكفاية .



أقول : نعم نترك المتابع ليحكم فيه . والهداية بيد الله سبحانه ، فالله سبحانه وتعالى يقول : "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ "

قولك : وما بقي لي سوى تعقيب على قولك :
(أقول : إذا حكم على المشرك الجاهل الذي يعبد غير الله بالشرك وعدم دخوله دين التوحيد في الدنيا ، وعامله معاملة غير المسلم في الدنيا ، ثم بعد ذلك قال هذا الكلام ، لا نحكم عليه بالكفر وإنما نسأله ما هو دليلك على هذا الكلام .
فإذا قال لنا : قوله تعالى : " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا "
فلا نكفره بل هذا هو القول الأرجح في الدين . وحتى لو لم يصل ولم يصم ولم يعبد الله في حياته ، حكمه هكذا. إذا لم تقم عليه الحجة . وهذا حكم أهل الفترة .
وتبقى مسألة قوله يدخله الجنة . فنسأله لماذا حكمت عليه بأنه سوف يدخله الجنة ؟ فإذا أتى لنا بحديث امتحان أهل الفترات . فنقول له كلامك سليم وعليه أكثر علماء المسلمين .
ولكن إذا قال مع فعله للشرك وعبادته غير الله نحكم عليه بالإسلام والتوحيد لجهله ولأنه يصلي ويصوم ويزكي ويفعل كثير من أفعال التوحيد والإسلام . فمن حكم بهذا الحكم لم يفهم أصل الدين وكيفية دخول الدين ، ولم يفهم التوحيد وما يناقضه ، وإذا كان يفهم هذه الأمور نظرياً وطبق عكسها في أرض الواقع فهو أكفر من الجاهل . لأنه بذلك وضع شروطاً لدخول الإسلام تخالف شروط الله الثابتة البينة في كتابه عن علم بشروط الله سبحانه وتعالى . --]
هذا التعقيب ورد على كلام لي قد سألتك فيه ما يلي :
) ولقد سألتك من قبل أسئلة أعيد صياغتها هنا :
- ما حكم من يقول : إن المشرك الجاهل الذي لم تُقم عليه الحجة يقبل الله منه أعماله التي أخلصها لوجهه ، ويثيبه عليها في الآخرة ، ولا يدخل النار ما دام أن الحجة لم تقم عليه .. بل سيدخل الجنة .
فيقول :
إن الله يقبل له صلاته ، وصيامه ، وحجه ، ودعاءه ، وزكاته ، وسائر العبادات التي أداها خالصاً لله تعالى .. ولا يُحبط عمله لأنه جاهل ، وإن حبوط العمل مقرون بإقامة الحجة ، أي بعد بلوغ الرسالة .
فهل هذا كافر ؟ أم ماذا ؟ --]
وأنت تقول :
(ثم بعد ذلك قال هذا الكلام .. (إلى أن قلت) .. فلا نكفره بل هذا هو القول الأرجح في الدين --]
يعني ما أفهمه من كلامك هو :
أن من يقول إن الله يُثيبه على أعماله التي أخلص فيها لله وحده ، من صلاة وصيام وزكاة وما إلى ذلك .. ولا ينتقض هذا الثواب بالشرك لأنه جاهل ولم تقم عليه الحجة .. فهذا عندك هو القول الراجح ؟




أقول : الظاهر أنك لم تقرأ كلامي جيداً . أنا قلت بالحرف الواحد :" وحتى لو لم يصل ولم يصم ولم يعبد الله في حياته ، حكمه هكذا. إذا لم تقم عليه الحجة . وهذا حكم أهل الفترة "
ليست الأعمال هي المهمة : المهم هو أن الله سبحانه وتعالى حسب ما بين لنا في كتابه الكريم أنه لا يعذب أحداً في الدنيا والآخرة لارتكابه الشرك الأكبر حتى تقام عليه الحجة بإرسال الرسل حيث قال : " " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا "
أما أعمال الظلم فلا شك أنه سوف يحاسبه عليها في الدنيا أو الآخرة ، وكذلك أعمال الخير فسوف يكافئه عليها إما في الدنيا وإما في الآخرة . فالله سبحانه وتعالى يقول " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "
حتى المشرك الذي أقيمت عليه الحجة سيستفيد من أعماله الخيرية في الدنيا أو في الآخرة وذلك بتخفيف عذابه ، كما هو الحال مع عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم . فكما أن الجنة درجات كذلك النار درجات . فعذاب الكافر المشرك الذي يظلم الناس ويؤذي المسلمين ليس كعذاب المشرك المسالم الذي يساعد الناس ويفعل الخير .
فمسألة إحباط الأعمال هي أنه لا يستفيد منها في دخول الجنة مع الشرك .
فالذي لم تقم عليه الحجة يعمل له امتحان حسب الحديث الصحيح فإذا نجح في هذا الإمتحان يدخل الجنة ويستفيد من أعماله الصالحة برفع درجته في الجنة . وإذا كان قد ظلم أحداً في الدنيا فإنه لا شك سيحاسب على ذلك . أما إذا لم ينجح بالامتحان فسوف يدخل النار وسوف يستفيد من أعماله بأن يخف عنه العذاب . فقد قال تعالى :" وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ "
وهذا كله لا يغير حكمه في الدنيا . فمن عبد غير الله وأشرك معه غيره فهو مشرك بعينه غير موحد بعينه قبل الحجة وبعدها . ولا يعذر بالجهل ولا بالتأويل .
والذي يترك الشرك ويوحد الله ويتوب التوبة النصوح ويعمل العمل الصالح فإن الله سبحانه سيبدل سيئاته التي كان يفعلها في شركه حسنات . فكيف الحال بحسناته .
قال تعالى : " إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا "



قول : على الأقل .. ما يثبت من كلامك هو أنك تقول هو غير كافر .. وهذا ما يهمني الآن .



أقول : نعم لا يكفر ولم يكفره أحد .


قولك : الآن أود أن أسألك :
العمل الصالح الذي أخلص المرء فيه لله تعالى ، وقبله الله منه ( والله لا يقبل إلا من المتقين ، كما قال : { إنما يتقبل الله من المتقين } ) ، ورضي عنه ( أي عن العمل ) فأثاب صاحبه عليه .. هل تسمي هذا العمل إيماناً ؟ .. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( الإيمان بضع وسبعون شعبة ، أدناها إماطة الأذى عن الطريق ) ؟
فإن كان هذا إيماناً مقبولاً عند الله ، هل تسميه توحيداً ؟


أقول : هذا ليس إيماناً ولا توحيداً ، هذا عمل صالح من أعمال الإيمان والإسلام .. ولا يسمى توحيداً وأيماناً بمعنى أن فاعلها مؤمن موحد وهو يشرك بالله . فلا يقال لمن أشرك بالله وعبد الطاغوت ، هذا بصلاته مؤمن موحد وبصيامه مؤمن موحد وبشركه مشرك . ثم بعد ذلك للحكم عليه ننظر بالترجيح . لأن من فعل الشرك الأكبر وعبد غير الله لا ينظر لباقي أعماله هل هي على التوحيد أم لا . فهذا لا يهم ولا يؤثر بالحكم عليه شيئا . فإذا وقت نجاسة في إناء ، للحكم على الماء بالطهارة أو النجاسة لا ينظر هل الماء الذي كان في الإناء ماء زمزم أم مياه مجاري . فمن عبد غير الله لا يسمى موحداً بعينه ولو عمل كل أعمال التوحيد والإيمان . وهذه الحقيقة يعرفها كل موحد مكلف . وإلا لحكمنا على كل من يعمل عملاً من أعمال الإيمان والإسلام بالتوحيد والإسلام . فمن يُمط الأذى عن الطريق سيصبح موحداُ مؤمناً مع شركه بالله .
ولا يعني إعطاء مكافئة لفاعل العمل الصالح أنه إيمان وتوحيد . فقد يعمل العمل الصالح لأنه صالح ويكافئ على ذلك .
فقد قال تعالى : " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "
وكما قلت سابقاً أن الله بفضله وإحسانه يبدل السيئآت حسنات ، فهل سنقول أنها كانت إيماناً وتوحيداً ؟
وقد سمى الله كل عمل يوافق شريعته أعمال صالحات .
قال تعالى : " وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا "
وكذلك قال تعالى : " وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ "
والله سبحانه يرضى عن كل عمل خير . ويكافئ عليه . وليس معنى هذا ، الحكم على فاعله بأنه موحد مؤمن .
أما الآية التي استشهدت بها وهي : "إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ "
فإنك لم تستشهد بها في محلها . فوصف " المتقين " فيها لا يعني الموحدين أو المؤمنين . وإنما يعني : أن الله سبحانه وتعالى يقبل القرابين ممن اتق الله في فعله ذلك . أنظر لسباق الآية .
قال تعالى : "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ " أي القربان ممن اتق الله في فعله ذلك ،وليس معنى " المتقين " الموحدين والمؤمنين.
ولا تعني هذه الآية أن من لم يتقبل منه القربان غير مؤمن ولا موحد ؟

صفوان 12-14-2017 10:29 PM

أبو شعيب :
بسم الله الرحمن الرحيم

تقول :


[-- هذا ليس إيماناً ولا توحيداً ، هذا عمل صالح من أعمال الإيمان والإسلام .. ولا يسمى توحيداً وأيماناً بمعنى أن فاعلها مؤمن موحد وهو يشرك بالله --]

يعني نحن عندنا رجل يقول : لا إله إلا الله في الدعاء .. فلا يدعو إلا الله ، ويعتقد بقلبه أنه لا يستحق أحد الدعاء إلا الله ..

فهل هذا وحّد الله - تعالى - بقلبه وفعله في هذا الفعل ؟ .. لا أظن أن أحداً سيخالف في ذلك .

وأنت تقول إنه عمل من أعمال الإيمان والإسلام .. هذا مع أنه يعمل الكفر والشرك في مواضع أخرى .. إلا أنك قلت إن عمله (الذي على الجوارح) هو من أعمال الإيمان .

فما تقول في قلبه إذن ؟

هل تحقق في قلبه في هذا الفعل إيمان أيضاً ؟ .. مع كونه يعتقد الشرك في مواضع أخرى ؟

إن قلت لي لا .. قلت لك : فما معنى أن يعتقد أنه لا يستحق أحد هذا العمل إلا الله ؟ .. هل تسمي هذا من أعمال الإيمان القلبية ؟

فإن كنت تسميه كذلك .. فما بقي من معنى الإيمان إلا ذلك ؟

ثم لو جاء رجل وقال .. عمله الجارحي مقبول عند الله .. وكذلك اعتقاده الذي استلزم هذا العمل ووحد الله فيه .. أليس هذا إثبات للإيمان في هذا الموضع ؟

والمعلوم أن الإيمان هو إخلاص العبادة لله وحده .. فمن أخلص لله تعالى قلباً وقالباً في فعل ما .. فهذا هو حقيقة الإيمان .

فهذا الرجل مع إخلاصه لله تعالى في هذا الموضع ، ومع متابعته للرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا الموضع .. هو على دين المسلمين في هذا الأمر .

فالعمل الصالح المقبول عند الله هو ما اتفق فيه الإخلاص والمتابعة .. كما هو معلوم .

فمن أتانا وقال : فلان عمله من دين الإسلام .. واعتقاده وإخلاصه في هذا العمل من دين الإسلام .. فهو على المعتقد والعمل الصحيح الذي يرضاه الله تعالى في هذا الشأن .. فهل في كلامه ما يسوء ؟

وهل مثل هذا نقول عنه إنه لا يعرف حقيقة التوحيد ؟ أو حقيقة الإخلاص ؟؟


--------------

[-- فلا يقال لمن أشرك بالله وعبد الطاغوت ، هذا بصلاته مؤمن موحد وبصيامه مؤمن موحد وبشركه مشرك . ثم بعد ذلك للحكم عليه ننظر بالترجيح . لأن من فعل الشرك الأكبر وعبد غير الله لا ينظر لباقي أعماله هل هي على التوحيد أم لا . فهذا لا يهم ولا يؤثر بالحكم عليه شيئا --]


كانت علّة تكفيرك لمن يعذر المشركين بالجهل أنه لا يعرف التوحيد ..

وهذا الرجل الذي تكفّره لهذه العلّة عندما قام بتجزئة المسائل .. جزأها إلى إيمان وكفر .. وتوحيد وشرك ..

فحكم على ما أخلص فيه المرء لله ، وعبد الله فيه .. بالتوحيد .. بل وبقبول الله تعالى لها ، ومثوبته عليه .

وحكم على ما أشرك بالله فيه .. بالشرك ، وحبوط عمله فيه .

فكيف لمن لا يعرف التوحيد أن يفرّق بين التوحيد والشرك ؟؟ .. سبحان الله .

ولا يبقى إلا حكم التغليب والإظهار .. فهل هذا من أصل الدين أيضاً ؟ .. وما وجه إدخاله في أصل الدين ؟؟

--------------


[-- فإذا وقت نجاسة في إناء ، للحكم على الماء بالطهارة أو النجاسة لا ينظر هل الماء الذي كان في الإناء ماء زمزم أم مياه مجاري --]

ولو وقعت النجاسة في الطعام ؟ ألا يكون موضعها فقط هو موضع النجاسة ، ويكون باقي الطعام طاهراً طيباً ؟

--------------

[-- فمن عبد غير الله لا يسمى موحداً بعينه ولو عمل كل أعمال التوحيد والإيمان . وهذه الحقيقة يعرفها كل موحد مكلف . وإلا لحكمنا على كل من يعمل عملاً من أعمال الإيمان والإسلام بالتوحيد والإسلام . فمن يُمط الأذى عن الطريق سيصبح موحداُ مؤمناً مع شركه بالله . --]


من أماط الأذى عن الطريق ابتغاء مرضاة الله ، ورجاء له وحده ، لا يُشرك به شيئاً في هذا الفعل ، فأخلص لله الدين به .. فقد تحقق لديه الإيمان في قلبه وفعله في هذا الأمر .. إلا أن عمله غير مقبول عند الله لحبوط ثوابه بالشرك .

أما قولك فيمن عبد غير الله .. فهو لا يُسمى موحداً بفعله هذا .. بل هو مشرك بهذا الفعل .

كما نقول : من عصى الله فهو عاص .. ومن قال : من عصى الله فهو طائع .. لا يشك مسلم في كفره .

ومع هذا ، يُمكن أن يُسمى من يعصي الله تعالى طائعاً .. إن غلب عليه فعل الطاعة .

لكن ما يميّز الشرك والكفر عن غيرهما من المعاصي .. أنهما يُحبطان ثواب الإيمان .. في حين أن المعاصي تُنقص ثوابه .

أما تسمية من وقع في الشرك الأكبر في مسألة ما مشركاً ، دون اعتبار لما معه من كثير توحيد وإيمان .. وزعمك أن هذا يعلمه كل موحّد .. فهذه دعوى تفتقر إلى دليل لا أكثر .. ولم يقل أحد من علماء الإسلام المعتبرين بذلك (أي أن هذا يعلمه كل موحد) .. ويكفيني ذلك .. وقد تكلمنا في ذلك كثيراً بما يغني عن الإعادة هنا .

--------------


[-- ولا يعني إعطاء مكافئة لفاعل العمل الصالح أنه إيمان وتوحيد . فقد يعمل العمل الصالح لأنه صالح ويكافئ على ذلك .
فقد قال تعالى : " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " --]


قل لي .. هل من يعبد الشيطان بالأعمال الصالحة .. هل يثيبه الله عليه ؟؟ وهل يكافئه على ذلك ؟؟

أم أن الله تعالى يتركه وشركه ، ولا يؤجره على ذلك بشيء ؟

أما الآية التي استدللت بها ، فهي على نقيض كلامك .

فإن الآية تتحدث عمّن يعمل من أجل الدنيا .. وحديثنا هو عمّن يعمل من أجل الله تعالى .. أخلص هذا العمل لله وحده ، وعبده به وحده .. واعتقد أنه لا يستحق العبادة بهذا العمل إلا الله .

فكلامنا ليس فيمن يعبد الدنيا ، ويبتغي بعمله وجه الدنيا .. فهذا مشرك لا يثيبه الله تعالى على عمله إلا في الدنيا .. بأن ييسر له أمر دنيا ويفتح له أبواب الدنيا ، فيغل فيها ويزيد ضلالاً .

يقول تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ (*) أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [هود : 15- 16]

وقال أيضاً : { إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } [يونس : 7]


أما كلامنا فهو فيمن ابتغى مرضاة الله بهذا الفعل ، وابتغى الدار الآخرة .

قال تعالى : { وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } [الأحزاب : 29]

قال تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } [الشورى : 20]

--------------


[-- وكما قلت سابقاً أن الله بفضله وإحسانه يبدل السيئآت حسنات ، فهل سنقول أنها كانت إيماناً وتوحيداً ؟ --]

هل يعني كلامك هذا أن من عبد الشيطان طوال عمره ، وبجميع أفعاله .. لا يعلم إلهاً له إلا الشيطان ، ثم تاب .. صارت عبادته للشيطان مثل من وحّد لله تعالى طوال عمره بأكثر أفعاله وعباداته (لكنه أشرك في مسألة أو اثنتين) ؟

أما قول الله تعالى : { إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [الفرقان : 70] .. الذي تستدل به على مذهبك في هذه المسألة ، فهو استدلال في غير محله .

فإن التوبة من الذنب هي عمل صالح ، يثيبه الله عليه .. فيجعل الله تعالى مكان هذا الذنب الذي عمله ، أجر التوبة .. لا أن نفس العمل ينقلب صالحاً .. أو أن ثواب من عبد الشيطان في مسألة ثم تاب ، كثواب من عبد الله في هذه المسألة .

يقول ابن تيمية - رحمه الله - في [مجموع الفتاوى : 10/308-309]:




فما يأتي به التائب من معرفة الحق ومحبته والعمل به ، ومن بغض الباطل واجتنابه ، هو من الأمور التي يحبها الله تعالى ويرضاها ، ومحبة الله كذلك بحسب ما يأتي به العبد من محابه . فكل من كان أعظم فعلاً لمحبوب الحق ، كان الحق أعظم محبة له ؛ وانتقاله من مكروه الحق إلى محبوبه ، مع قوة بغض ما كان عليه من الباطل ، وقوة حب ما انتقل إليه من حب الحق ؛ فوجب زيادة محبة الحق له ومودته إياه ؛ بل يبدل الله سيئاته حسنات ، لأنه بدل صفاته المذمومة بالمحمودة فيبدل الله سيئاته حسنات . فإن الجزاء من جنس العمل . وحينئذ فإذا كان إتيان التائب بما يحبه الحق أعظم من إتيان غيره ، كانت محبة الحق له أعظم . وإذا كان فعله لما يوده الله منه أعظم من فعله له قبل التوبة ، كانت مودة الله له بعد التوبة أعظم من مودته له قبل التوبة




هذا هو السبب في تبديل السيئات حسنات .. لا أن السيئة تتبدل إلى حسنة بنفس درجتها .. فيكون من فعل السيئة .. أجره مثل من فعل الحسنة .

فالحسنات التي يُثبتها الله تعالى هي ما نتج عن التوبة والمحبة لله والانكسار بين يديه .. فهي حسنات التوبة ، لا أن المعاصي قد آجره الله عليها .


------------

[-- والله سبحانه يرضى عن كل عمل خير . ويكافئ عليه . وليس معنى هذا ، الحكم على فاعله بأنه موحد مؤمن . --]


هل يرضى الله عن أعمال الخير التي صُرفت في عبادة الشيطان والأصنام ؟

كأن يقول فلان : أنا أميط الأذى عن الطريق طاعة وعبادة لبوذا .

فهل هذا عمل صالح يرضى الله عنه ؟


------------

[-- فإنك لم تستشهد بها في محلها . فوصف " المتقين " فيها لا يعني الموحدين أو المؤمنين . وإنما يعني : أن الله سبحانه وتعالى يقبل القرابين ممن اتق الله في فعله ذلك . أنظر لسباق الآية . --]


يعني يمكننا أن نصف رجلاً بأنه متق لله في فعله هذا ؟ مع كونه لا يتقيه في سائر أفعاله ؟

فنقول : هو متق لله في فعله هذا ، وفاسق في أفعال أخرى ؟

صفوان 12-14-2017 10:42 PM

مسلم 1 :
بسم الله الرحمن الرحيم

الرد على مشاركة رقم 64


قولك : تقول :(هذا ليس إيماناً ولا توحيداً ، هذا عمل صالح من أعمال الإيمان والإسلام .. ولا يسمى توحيداً وأيماناً بمعنى أن فاعلها مؤمن موحد وهو يشرك بالله (
يعني نحن عندنا رجل يقول : لا إله إلا الله في الدعاء .. فلا يدعو إلا الله ، ويعتقد بقلبه أنه لا يستحق أحد الدعاء إلا الله ..
فهل هذا وحّد الله - تعالى - بقلبه وفعله في هذا الفعل ؟ .. لا أظن أن أحداً سيخالف في ذلك .
وأنت تقول إنه عمل من أعمال الإيمان والإسلام .. هذا مع أنه يعمل الكفر والشرك في مواضع أخرى .. إلا أنك قلت إن عمله (الذي على الجوارح) هو من أعمال الإيمان .
فما تقول في قلبه إذن ؟




أقول :هذا الرجل الذي دعا الله وحده ، وحد الله في الدعاء ، ولا يقال : لأنه وحد الله في الدعاء فهو موحد وفي دين الله مع فعله للشرك .
ولا يقال أيضاً للحكم على عينه وبأي دين هو : هذا لأنه وحد الله في الدعاء والسجود والصوم فهو موحد في الدعاء وموحد في السجود وموحد في الصوم ومشرك بالله في التحاكم والتشريع ، وللحكم على عينه ننظر للترجيح .
الموحد يعرف أن من أشرك بالله الشرك الأكبر بأي مسألة كانت بسيطة كانت أم كبيرة ، ليس في دين الله بعينه ، فهو مشرك بالله بعينه ، مهما وحد الله بباقي عمله . لأن الموحد ما أصبح موحداً وفي دين الله إلا بتركه للشرك.
وكلمة مشرك معناها : يعبد الله ويعبد غيره . يعني يعبد الله وحده في بعض الأعمال ويعبد غيره في بعض الأعمال .
يعني حسب تعبيرك : يوحد الله في بعض الأعمال ويشرك بالله في أحد الأعمال .
والذي لا يعبد الله البتة ويعبد غيره لا يقال عنه بأنه مشرك . بل هو ملحد .
دين الله هو الدين الخالص من الشرك ، ولا يملك أحد دخوله بدون أن يخلص من الشرك بسيطه وكبيره . وهذه الحقيقة يعرفها كل موحد مكلف مهما كان مستواه العقلي . لأنه بهذه الحقيقة دخل دين التوحيد .
قال تعالى : "أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ "


قولك : هل تحقق في قلبه في هذا الفعل إيمان أيضاً ؟ .. مع كونه يعتقد الشرك في مواضع أخرى ؟
إن قلت لي لا .. قلت لك : فما معنى أن يعتقد أنه لا يستحق أحد هذا العمل إلا الله ؟ .. هل تسمي هذا من أعمال الإيمان القلبية ؟
فإن كنت تسميه كذلك .. فما بقي من معنى الإيمان إلا ذلك ؟




أقول : أنت تسأل وتجيب على كيفك .
نحن يا أبا شعيب نتكلم عن كيفية دخول العبد للإسلام ، لدين التوحيد . والله سبحانه وتعالى بين ذلك أتم بيان . فمن كان في قلبه ذرة من شرك أكبر لا يملك دخول دين الله ، وكذلك من كان في عمله أي شي من الشرك الأكبر لا يملك دخول دين الله . هكذا يجب أن يفهم دين الله ، وهكذا يجب أن يفهم التوحيد .
وأنت نفسك قلت :" يجب عليه حتى يدخل دين الله أن يترك الشرك قلباً وقالباً . " فتذكر كلامك جيداً
أما أن ننظر لهذه المسألة كعملية حسابية ، نحسب فيها كم عنده من التوحيد وكم عنده من الشرك ثم بعد ذلك نرجح ما هو حكمه ، فهذه لم يقل بها أحد يعرف ما هو التوحيد ، ومن هو في دين التوحيد .
نعم من دعا الله مخلصاً له الدين ، قلبه وحد الله في هذه المسألة ، وكذلك من صلى لله وحده ، قلبه وحد الله في الصلاة ، ومن صام لله وحده ، قلبه وحد الله في الصوم . ولكن مع كل هذا إذا ثبت أنه أشرك بالله بأي مسألة كانت ، يحكم عليه بأنه مشرك ليس في دين الله بعينه ، وليس في عمله فقط . وبعد هذا الحكم وقبله لا ينظر هل في قلبه بعض التوحيد أم لا . ولا يبحث أصلاً في مثل هذه المسائل مع وجود الشرك الأكبر . ولو كان الأمر كذلك لما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل من أشرك بالله بالشرك بدون أن يقيم كم عنده من توحيد . وقد قلت لك سابقاً لا يوجد على وجه الأرض من لا يوجد عنده من أعمال الإسلام والتوحيد والإيمان شيء.
فهل حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد الصحابة أو أحد التابعين أو من تبعهم بإحسان ، قبل أن يحكم على عين من أشرك بالله الشرك الأكبر ، بدأ يقيم ما عنده من توحيد ؟



قولك : ثم لو جاء رجل وقال .. عمله الجارحي مقبول عند الله .. وكذلك اعتقاده الذي استلزم هذا العمل ووحد الله فيه .. أليس هذا إثبات للإيمان في هذا الموضع ؟



أقول : لا يقول موحد لمن عرف عنه فعل الشرك الأكبر ، عمله الجارحي مقبول عند الله .. وكذلك اعتقاده الذي استلزم هذا العمل ووحد الله فيه مقبول عند الله .
لأنه يعرف أنه لا يجوز أن يحكم على أي شيء بدون دليل شرعي . فما هو الدليل الشرعي الذي استند إليه في الحكم على العمل بالقبول عند الله مع الشرك الأكبر .
الموحد الذي لا يعرف حكم حبوط الأعمال بالشرك لا يحكم بقبولها بل يسأل عنها الشرع كما فعلت عائشة رضي الله عنها .
ولو فرضنا جدلاً أن أحد الموحدين الجهلة بحكم حبوط عمل المشرك ، قال بقبول عمل المشرك الذي فعله لله ، فإنه لا يقصد البتة أن يحكم على عينه بالتوحيد ، وكذلك لا يقصد بهذا القول أن يدخل في عملية حسابية ترجيحية ليحكم بعدها على عين من فعل الشرك .


قولك : والمعلوم أن الإيمان هو إخلاص العبادة لله وحده .. فمن أخلص لله تعالى قلباً وقالباً في فعل ما .. فهذا هو حقيقة الإيمان



أقول : الإيمان المقبول عند الله هو إخلاص جميع العبادة له . ولا يقال أن الإيمان المقبول عند الله هو إخلاص القلب في بعض الأعمال مع وجود شرك وعدم إخلاص في بعض الأعمال . فهذا يسمى إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض . كما قال تعالى : " أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ "
لهذا من الخطأ الجسيم أن يقال لمن عُرف عنه أنه أشرك بالله الشرك الأكبر : هذا أخلص لله تعالى قلباً وقالباً في الصلاة .. فهذا هو حقيقة الإيمان .
نعم ممكن أن نقول وهذه حقيقة الإيمان في الصلاة . ولكن يجب أن لا نقف في حكم من أشرك بالله عند هذا الحكم ، بل يجب أن نقول عقب هذا الكلام ولكنه ليس مؤمناً ولا موحداً لأنه أشرك بالله الشرك الأكبر .
حقيقة الإيمان ودين التوحيد بالشكل العام :هو الإخلاص لله في جميع أنواع العبادة .
قال تعالى : " أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ "
وقال تعالى : " قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ . قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ "
فصبغة الله هي دينه الخالص من كل أنواع الشرك . وصبغة الله صافية لا تقبل معها أي نوع آخر من الأصباغ . لأنها إذا دخلها أي نوع آخر من الصبغات مهما كانت الكمية صغيره ، فقد زال عنها الصفاء وأصبحت مغشوشة . ولا يبحث بعد ذلك بكمية الغش التي فيها .



قولك : فهذا الرجل مع إخلاصه لله تعالى في هذا الموضع ، ومع متابعته للرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا الموضع .. هو على دين المسلمين في هذا الأمر .



أقول : لا ، ليس في دين المسلمين بعينه من أشرك بالله وعبد غيره .
ومن أشرك بالله وعبد غيره فهو مشرك بعينه خارج من دين التوحيد .
ولا يقال بعد ذلك هو في هذا العمل على دين الله وفي هذا العمل على غير دين الله . وكأننا في سوق خضار نقيم سحارة فواكه ، فنقول : هذه الحبة جيدة وهذه الحبة مخمجه ( خربانه ) . لنحكم في النهاية على السحارة .
هل هكذا يقم الشخص في دين الله ؟ هل هكذا يعرف المسلم من غير المسلم في دين الله ؟


قولك : فالعمل الصالح المقبول عند الله هو ما اتفق فيه الإخلاص والمتابعة .. كما هو معلوم .
فمن أتانا وقال : فلان عمله من دين الإسلام .. واعتقاده وإخلاصه في هذا العمل من دين الإسلام .. فهو على المعتقد والعمل الصحيح الذي يرضاه الله تعالى في هذا الشأن .. فهل في كلامه ما يسوء ؟




أقول : نعم في كلامه ما يسوء إذا أراد بذلك تقيم أعمال المشرك للحكم عليه في أي دين هو . بل هو من التلبيس الواضح والتحايل على الأحكام .


قولك : وهل مثل هذا نقول عنه إنه لا يعرف حقيقة التوحيد ؟ أو حقيقة الإخلاص ؟؟



أقول : بل لمثل هذا نقول : اتق الله يا رجل ، وكفاك تلبيساً وجهلاً.
ولو كنت تعرف ما هو التوحيد وما حكم الشرك ، لما دخلت في عملية حسابية لتقيم ما عند المشرك من شرك وإخلاص وتوحيد لتحكم على شخصه بعد ذلك
.

قولك : قلت : ( فلا يقال لمن أشرك بالله وعبد الطاغوت ، هذا بصلاته مؤمن موحد وبصيامه مؤمن موحد وبشركه مشرك . ثم بعد ذلك للحكم عليه ننظر بالترجيح . لأن من فعل الشرك الأكبر وعبد غير الله لا ينظر لباقي أعماله هل هي على التوحيد أم لا . فهذا لا يهم ولا يؤثر بالحكم عليه شيئا )
كانت علّة تكفيرك لمن يعذر المشركين بالجهل أنه لا يعرف التوحيد ..
وهذا الرجل الذي تكفّره لهذه العلّة عندما قام بتجزئة المسائل .. جزأها إلى إيمان وكفر .. وتوحيد وشرك ، فحكم على ما أخلص فيه المرء لله ، وعبد الله فيه .. بالتوحيد .. بل وبقبول الله تعالى لها ، ومثوبته عليه .
وحكم على ما أشرك بالله فيه .. بالشرك ، وحبوط عمله فيه .
فكيف لمن لا يعرف التوحيد أن يفرّق بين التوحيد والشرك ؟؟ .. سبحان الله .


أقول : لو عرفت السبب لبطل عجبك .
لو عرف هذا التوحيد وحكم الشرك ، لعرف أن من أشرك بالله ، حكمه أنه مشرك بعينه ، وليس في دين الله بعينه . ولا يدخل معه بمثل هذه العملية الحسابية للحكم على عينه .
لو عرف التوحيد وحكم الشرك ، لما تردد بالحكم على عين من أشرك بالله بأنه ليس موحد وليس في دين الله . كونه تردد بالحكم وبدأ بعملية حسابية يستعرض بها أعمال التوحيد والشرك عنده للحكم على عينه ، لأكبر دليل على أنه لا يعرف التوحيد ولا حكم الشرك .
فالتوحيد الذي يعرفه هذا ، هو التوحيد الذي لا يبطله الشرك .
والشرك الذي يعرفه هذا ، هو الشرك الذي يمكن أن يجتمع مع الموحد ويبقى موحداً .
وكل ما يعرفه عن التوحيد : أن يكون العمل خالصاً لله .
وكل ما يعرفه عن الشرك : أن لا يكون العمل خالصاً لله . وهذا ما كان يعرفه مشركي العرب ، وما يعرفه كل المشركين على الإطلاق .
فمشركي العرب كانوا يعرفون أنهم على الشرك ، ولكنهم كانوا لا يعرفون حكمه .
وأهل الكتاب كانوا لا يعرفون أنهم على الشرك ولكنهم كانوا يعرفون حكمه.
وحُكم عليهم كلهم بأنهم لا يعرفون التوحيد .
فهذا حاله كمشركي العرب ، يعرف الشرك ولكنه لا يعرف حكم الشرك وحكم المشرك ، هل هو في دين الله بعينه أم خارجه .
ومن لا يكفرهم ، ممن وقع في الشرك جهلاً ، حالهم كحال أهل الكتاب لا يعرفون أنهم واقعين في الشرك . ويحسبون أنهم في دين الله . فلا هو ولا من لم يكفرهم عرف التوحيد .
أعرفت السبب الآن يا أبا شعيب - هداك الله - لماذا حكمتُ عليه بأنه لا يعرف التوحيد ؟
فمن لا يعرف حكم الشرك لا يعرف دين التوحيد وكيفية دخوله .



قولك : أقول ولا يبقى إلا حكم التغليب والإظهار .. فهل هذا من أصل الدين أيضاً ؟ .. وما وجه إدخاله في أصل الدين ؟؟



أقول : ماذا تقصد في سؤالك هذا ؟
وما المقصود من حكم التغليب والإظهار ؟
من عرف أن شخصاً ما قد فعل الشرك الأكبر ولم يحكم على عينه بأنه مشرك خارج دين الله ، ويدخل في عملية حسابية يقيم فيها توحيده وشركه للحكم عليه ، فهذا لم يفهم التوحيد وحكم الشرك ولم يفهم كيفية دخول دين التوحيد . ولقد أثبت لك لماذا .


قولك : قلت : ( فإذا وقت نجاسة في إناء ، للحكم على الماء بالطهارة أو النجاسة لا ينظر هل الماء الذي كان في الإناء ماء زمزم أم مياه مجاري(--
ولو وقعت النجاسة في الطعام ؟ ألا يكون موضعها فقط هو موضع النجاسة ، ويكون باقي الطعام طاهراً طيباً ؟




أقول : أنا ضربت لك مثالا ً لمن ينجس كله عند مخالطته أي نجاسة ، ولم اضرب مثالاً لمن يتنجس بعضه .
فالشرك الكبر مهما كان بسيطاً ، إذا دخل القلب خرج منه التوحيد . وأصبح الشخص مشركاً بعينه .
والثابت من أصل الدين ، عدم إمكانية أن يكون الشخص في دين الله وهو يعبد غير الله .
والظاهر أنك يا أبا شعيب تعتقد أن الشرك الأكبر لا يُنجِّس إلا العمل نفسه ، أما الشخص كله فلا ينجس ( بمعنى يصبح مشركاً بعينه ) ، لهذا سألتني عن الطعام الجامد .
اعلم يا أبا شعيب أن صبغة الله ليست من الجوامد كالطعام ، فأي شيء من الشرك الأكبر يغيرها ويفسدها كلها .


قولك : قلت : ( فمن عبد غير الله لا يسمى موحداً بعينه ولو عمل كل أعمال التوحيد والإيمان . وهذه الحقيقة يعرفها كل موحد مكلف . وإلا لحكمنا على كل من يعمل عملاً من أعمال الإيمان والإسلام بالتوحيد والإسلام . فمن يُمط الأذى عن الطريق سيصبح موحداُ مؤمناً مع شركه بالله ) .
من أماط الأذى عن الطريق ابتغاء مرضاة الله ، ورجاء له وحده ، لا يُشرك به شيئاً في هذا الفعل ، فأخلص لله الدين به .. فقد تحقق لديه الإيمان في قلبه وفعله في هذا الأمر .. إلا أن عمله غير مقبول عند الله لحبوط ثوابه بالشرك .
أما قولك فيمن عبد غير الله .. فهو لا يُسمى موحداً بفعله هذا .. بل هو مشرك بهذا الفعل .
كما نقول : من عصى الله فهو عاص .. ومن قال : من عصى الله فهو طائع .. لا يشك مسلم في كفره .
ومع هذا ، يُمكن أن يُسمى من يعصي الله تعالى طائعاً .. إن غلب عليه فعل الطاعة .
لكن ما يميّز الشرك والكفر عن غيرهما من المعاصي .. أنهما يُحبطان ثواب الإيمان .. في حين أن المعاصي تُنقص ثوابه .




أقول : وهذه هي المشكلة . قياس الشرك الأكبر على المعاصي .
فهل عندك الشرك الأكبر يخرج من الملة بغض النظر عن باقي الأفعال؟
إذا قلت نعم : فلماذا هذه الحسبة والترجيح في الأعمال؟
أما إن قلت أن الشرك ألأكبر لا يبطل إلا العمل نفسه ، وهذا هو الظاهر من كلامك ، لأنك شبهت الشرك الأكبر بالمعاصي ، وبدأت ترجح في الأفعال . فالمشكلة عندك إذن هي في حكم الشرك الأكبر .
لهذا يجب أن نبحث في هذه المسألة على حده .
هل الشرك الأكبر يبطل العمل نفسه أم جميع الأعمال ؟
هل الشرك الأكبر يخرج من الدين أم يجب أن ننظر لباقي الأعمال .؟



قولك : أما تسمية من وقع في الشرك الأكبر في مسألة ما مشركاً ، دون اعتبار لما معه من كثير توحيد وإيمان .. وزعمك أن هذا يعلمه كل موحّد .. فهذه دعوى تفتقر إلى دليل لا أكثر .. ولم يقل أحد من علماء الإسلام المعتبرين بذلك (أي أن هذا يعلمه كل موحد) .. ويكفيني ذلك .. وقد تكلمنا في ذلك كثيراً بما يغني عن الإعادة هنا .



أقول : يا سبحان الله .
أنت نفسك أقررت بأن الشخص حتى يدخل الإسلام يجب عليه ترك الشرك قلباً وقالباً ، وقلت أنه من أصل الدين .
وهنا تطالبني بالدليل الذي يبين : أن كل موحد دخل الدين يجب عليه معرفة أن من لم يترك الشرك لم يدخل في الدين . ؟!!!



قولك : قلت : ( ولا يعني إعطاء مكافئة لفاعل العمل الصالح أنه إيمان وتوحيد . فقد يعمل العمل الصالح لأنه صالح ويكافئ على ذلك .
فقد قال تعالى : " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
قل لي .. هل من يعبد الشيطان بالأعمال الصالحة .. هل يثيبه الله عليه ؟؟ وهل يكافئه على ذلك ؟؟
أم أن الله تعالى يتركه وشركه ، ولا يؤجره على ذلك بشيء ؟




أقول : لا يقال يعبد الشيطان بالأعمال الصالحة . فعبادة الشيطان عمل غير صالح . لهذا لا يقال يعبد الشيطان بالأعمال الصالحة . وكيف سيعبد الشيطان بالأعمال الصالحة ؟ يتصدق لأجل الشيطان ؟ أصبح هذا العمل ليس صالحاً ولا يسمى عملاً صالحاً ، بل هو شرك بالله وعمل باطل . فكيف يوصف بأنه عمل باطل وضلال وشرك وفي نفس الوقت يوصف بأنه عمل صالح .؟!!


قولك : أما الآية التي استدللت بها ، فهي على نقيض كلامك .
فإن الآية تتحدث عمّن يعمل من أجل الدنيا .. وحديثنا هو عمّن يعمل من أجل الله تعالى .. أخلص هذا العمل لله وحده ، وعبده به وحده .. واعتقد أنه لا يستحق العبادة بهذا العمل إلا الله .
فكلامنا ليس فيمن يعبد الدنيا ، ويبتغي بعمله وجه الدنيا .. فهذا مشرك لا يثيبه الله تعالى على عمله إلا في الدنيا .. بأن ييسر له أمر دنيا ويفتح له أبواب الدنيا ، فيغل فيها ويزيد ضلالاً .
يقول تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ (*) أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [هود : 15- 16]
وقال أيضاً : { إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } [يونس : 7]
أما كلامنا فهو فيمن ابتغى مرضاة الله بهذا الفعل ، وابتغى الدار الآخرة .
قال تعالى : { وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } [الأحزاب : 29]
قال تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } [الشورى : 20]




أقول : فإذا كان من أراد الدنيا في عمله فسوف يكافئ في الدنيا . فكيف من أراد الله بعمله .؟ فلا بد أن يكافئ على ذلك إما في الدنيا وإما في الآخرة ، فإن كان مشركاً وأراد الله أن يكافئه في الآخرة فسوف يخفف عنه عذاب النار كما حدث مع عم رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا يستفيد من هذا العمل الذي وحد الله فيه لدخول الجنة بشيء ، لأنه أشرك بالله . وهذا هو معنى حبوط العمل .
هذا ، ولا يعني أن كل من يعمل للدنيا يعبد الدنيا . فقد يكون يتصدق ليقال أنه جواد ، هذا أيضاً عمله للدنيا ، ولكن لم يعبد الدنيا .
فالآية ليست دليل ضدي . لأني استشهدت بها على أن الله لا يبخس الناس شيئا . فمن عمل الخير في الدنيا لأجل الشهرة أو حمية أو لأجل مساعدة الضعيف فسوف يكافئ في الدنيا ولكن عمله في الآخرة محبط . سوف لا يستفيد منه شيئاً لدخول الجنة . وهذا هو معنى حبوط العمل .
فإذا كان من يعمل الخير للدنيا ولغير وجه الله يكافئ فكيف بمن يعمل الخير لله ؟ وهذا وجه الاستدلال بهذه الآية . فكيف هي نقيض كلامي . ؟



قولك : قلت : )وكما قلت سابقاً أن الله بفضله وإحسانه يبدل السيئآت حسنات ، فهل سنقول أنها كانت إيماناً وتوحيداً ؟ (
هل يعني كلامك هذا أن من عبد الشيطان طوال عمره ، وبجميع أفعاله .. لا يعلم إلهاً له إلا الشيطان ، ثم تاب .. صارت عبادته للشيطان مثل من وحّد لله تعالى طوال عمره بأكثر أفعاله وعباداته (لكنه أشرك في مسألة أو اثنتين) ؟




أقول : لا ليس معنى كلامي هذا . دقق بكلامي في سياقه هداك الله .



قولك :
أما قول الله تعالى : { إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [الفرقان : 70] .. الذي تستدل به على مذهبك في هذه المسألة ، فهو استدلال في غير محله .
فإن التوبة من الذنب هي عمل صالح ، يثيبه الله عليه .. فيجعل الله تعالى مكان هذا الذنب الذي عمله ، أجر التوبة .. لا أن نفس العمل ينقلب صالحاً . أو أن ثواب من عبد الشيطان في مسألة ثم تاب ، كثواب من عبد الله في هذه المسألة .
يقول ابن تيمية - رحمه الله - في [مجموع الفتاوى : 10/308-309]:
" فما يأتي به التائب من معرفة الحق ومحبته والعمل به ، ومن بغض الباطل واجتنابه ، هو من الأمور التي يحبها الله تعالى ويرضاها ، ومحبة الله كذلك بحسب ما يأتي به العبد من محابه . فكل من كان أعظم فعلاً لمحبوب الحق ، كان الحق أعظم محبة له ؛ وانتقاله من مكروه الحق إلى محبوبه ، مع قوة بغض ما كان عليه من الباطل ، وقوة حب ما انتقل إليه من حب الحق ؛ فوجب زيادة محبة الحق له ومودته إياه ؛ بل يبدل الله سيئاته حسنات ، لأنه بدل صفاته المذمومة بالمحمودة فيبدل الله سيئاته حسنات . فإن الجزاء من جنس العمل . وحينئذ فإذا كان إتيان التائب بما يحبه الحق أعظم من إتيان غيره ، كانت محبة الحق له أعظم . وإذا كان فعله لما يوده الله منه أعظم من فعله له قبل التوبة ، كانت مودة الله له بعد التوبة أعظم من مودته له قبل التوبة "أهـ

هذا هو السبب في تبديل السيئات حسنات .. لا أن السيئة تتبدل إلى حسنة بنفس درجتها .. فيكون من فعل السيئة .. أجره مثل من فعل الحسنة .
فالحسنات التي يُثبتها الله تعالى هي ما نتج عن التوبة والمحبة لله والانكسار بين يديه .. فهي حسنات التوبة ، لا أن المعاصي قد آجره الله عليها .




أقول : أولا ً : أنا لم أقل :" أن نفس العمل ينقلب صالحاً . أو أن ثواب من عبد الشيطان في مسألة ثم تاب ، كثواب من عبد الله في هذه المسألة ".
فهذا تقويل لي لم أقله .
فما قلته هو : " أن الله بفضله وإحسانه يبدل السيئآت حسنات "
قال ابن كثير في تفسير آية ( الفرقان 70 ) التي استشهدت بها :
" في معنى قوله {يبدل الله سيئاتهم حسنات} قولان (أحدهما) أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الاَية, قال: هم المؤمنون كانوا من قبل إيمانهم على السيئات, فرغب الله بهم عن ذلك, فحولهم إلى الحسنات, فأبدلهم مكان السيئات الحسنات, وروي عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان ينشد عند هذه الاَية:
بدلن بعد حرهِ خريفا وبعد طول النفس الوجيفا
يعني تغيرت تلك الأحوال إلى غيرها, وقال عطاء بن أبي رباح: هذا في الدنيا, يكون الرجل على هيئة قبيحة ثم يبدله الله بها خيراً. وقال سعيد بن جبير: أبدلهم الله بعبادة الأوثان عبادة الرحمن, وأبدلهم بقتال المسلمين قتال المشركين, وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح المؤمنات. وقال الحسن البصري: أبدلهم الله بالعمل السيء العمل الصالح, وأبدلهم بالشرك إخلاصاً, وأبدلهم بالفجور إحصاناً, وبالكفر إسلاماً, وهذا قول أبي العالية وقتادة وجماعة آخرين.
(والقول الثاني) أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات, وما ذلك إلا لأنه كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر , فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار , فيوم القيامة وإن وجده مكتوباً عليه, فإنه لا يضره وينقلب حسنة في صحيفته, كما ثبتت السنة بذلك, وصحت به الاَثار المروية عن السلف رضي الله عنهم, وهذا سياق الحديث. قال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً من النار, وآخر أهل الجنة دخولاً إلى الجنة, يؤتى برجل فيقول نحوا كبار ذنوبه وسلوه عن صغارها, قال: فيقال له: عملت يوم كذا, كذا وكذا, وعملت يوم كذا, كذا وكذا, فيقول: نعم لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئاً, فيقال: فإن لك بكل سيئة حسنة, فيقول: يا رب عملت أشياء لا أراها ههنا» قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه " انفرد بإخراجه مسلم.
.. .. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أبو سلمة وعارم, قالا: حدثنا ثابت يعني ابن يزيد أبو زيد, حدثنا عاصم عن أبي عثمان عن سلمان قال: يعطى الرجل يوم القيامة صحيفته فيقرأ أعلاها, فإذا سيئاته, فإذا كاد يسوء ظنه نظر في أسفلها فإذا حسناته, ثم ينظر في أعلاها فإذا هي قد بدلت حسنات." أهـ
أقول : فليس ما قاله ابن تيمية في الآية هو القول الوحيد فيها وإنما هو قول من الأقوال .



قولك : قلت : )والله سبحانه يرضى عن كل عمل خير . ويكافئ عليه . وليس معنى هذا ، الحكم على فاعله بأنه موحد مؤمن (
هل يرضى الله عن أعمال الخير التي صُرفت في عبادة الشيطان والأصنام ؟
كأن يقول فلان : أنا أميط الأذى عن الطريق طاعة وعبادة لبوذا .
فهل هذا عمل صالح يرضى الله عنه ؟




أقول : لقد قلت لك أن العمل الذي يصرف للشيطان أو للطاغوت ليس عملاً صالحاً ولا يرضى عنه الله . وإنما قصد من أماطة الأذى عن الطريق، رفع الضرر عن عباد الله ، وليس طاعة لله . فهذا هو العمل الذي يسمى عملاً خيراً . وليس من عبد الطاغوت بعمله . فمثل هذا يسمى عمله باطل ورجس . أما أعمال الخير الذي قصدتها هي الأعمال التي تعمل لأجل مساعدة الخلق . يعني النية في العمل هي مساعدة عباد الله وليس لأجل الله . يعني بتعبير آخر : عمل الخير لأجل الخير .


قولك : قلت :) فإنك لم تستشهد بها في محلها . فوصف " المتقين " فيها لا يعني الموحدين أو المؤمنين . وإنما يعني : أن الله سبحانه وتعالى يقبل القرابين ممن اتق الله في فعله ذلك . أنظر لسباق الآية . )
يعني يمكننا أن نصف رجلاً بأنه متق لله في فعله هذا ؟ مع كونه لا يتقيه في سائر أفعاله ؟
فنقول : هو متق لله في فعله هذا ، وفاسق في أفعال أخرى ؟




أقول : نعم نستطيع أن نسميه متق لله في فعله ، ولكن لا يعني ذلك أنه من المتقين أو الموحدين أو المؤمنين وهو يفعل الشرك . بل يوصف بأنه مشرك غير موحد بعينه ولو اتق الله في جميع أفعاله .

صفوان 12-23-2017 10:54 PM

مسلم1 :
بسم الله الرحمن الرحيم

تتمة الرد على المشاركة رقم 31


قولك : لقد تم الجواب عن أكثر هذه المسائل المطروحة .. ثم إنك لو أخطأت فهمي في موضع ، فقد بيّنت ذلك في موضع آخر .. وتحقق لديك العلم أنني لا أكفّر من يعذر المشركين المنتسبين للإسلام بالجهل ، إن هو حكم عليهم بالإسلام لما عندهم من توحيد وإيمان .. وخالفنا في إنزال حكم الشرك عليه لتأويل عرض له .
هذا هو معتقدي الذي بيّنته في أكثر من موضع .. ولا حاجة لي لتكراره في جميع المقامات .



أقول : الحقيقة يا أبا شعيب أنا لم أر أي جواب لأسئلتي السابقة في كلامك. ولم تبينه في أي موضع . وأنا لم أخطأ فهمك .
ثم تقول هنا : " وتحقق لديك العلم أنني لا أكفّر من يعذر المشركين المنتسبين للإسلام بالجهل ، إن هو حكم عليهم بالإسلام لما عندهم من توحيد وإيمان .. وخالفنا في إنزال حكم الشرك عليه لتأويل عرض له ."
أقول : نعم تحقق لدي العلم على أنك لا تكفر من يعذر المشركين المنتسبين لإسلام بالجهل . ولكن مسألتنا ليست هي هذه ، بل هي : ما وصفتهم بالمسلمين ومن عذرهم بالجهل ، كيف تحقق أسلامهم أولاً قبل أن نبحث في تكفيرهم .
ما أقوله أنا : أن هؤلاء لم يدخلوا الإسلام بعد ، لأنهم لم يحققوا الكفر بالطاغوت بعد . فأثبت لي أولاً ، كيف حققوا هؤلاء ، وأنت ، الكفر بالطاغوت ؟ ثم نبحث بعدها كيفية الحكم عليهم بالخروج من الإسلام .
فأنت مضطرب في كيفية الكفر بالطاغوت . فمرة ، تشترط للكفر بالطاغوت ، الحكم على المشرك بأنه ليس في دين الله ، ومرة لا تشترط ذلك ، بل تقول يكفي أن يعتقد أن المشرك فعله باطل وهو على باطل بعمله. ولم تشترط للكفر بالطاغوت إخراج الطاغوت ومن يعبده من الدين. مع أنك اشترطت لدخول الدين ترك جميع أنواع الشرك ، وقلت : "من ترك الشرك يعرف أن من لم يتركه ليس في دين الله . "
ولقد بينت لك بالأدلة الشرعية : أن الكفر بالطاغوت : يقتضي تكفير الطاغوت وتكفير من يعبده . وتكفير من لا يكفرهما مع علمه بحالهما .
ولا يكفي الحكم على الطاغوت ومن يعبده ، بأنهم على باطل وأن فعلهم باطل ، مع عدم فهم أنهم ليسوا في دين الله ، أو مع عدم فهم أنهم غير موحدين بأشخاصهم وذواتهم .لأن هذا يقتضي الحكم بإسلامهم وتوحيدهم كأشخاص .



قولك : أما كلامك وتفسيرك للشرك ومقتضياته وكيفية اجتنابه .. فأريد دليلاً واحداً صريحاً في ذلك .. يجعل هذه المسائل التي تذكرها من أصل الكفر بالطاغوت ، وأن من لا يحققه فهو كافر وغير معذور بالجهل .
رجاء .. لا نريد مقررات عقلية .. نريد دليلاً من القرآن والسنة .. فنحن لسنا بمستوى ذكائك ونباهتك حتى نستنبط هذه الأحكام الأصولية التي لا يتحقق للمرء إسلام إلا بها ، ولم يذكرها الله - تعالى - في كتابه ، ولا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة من بعده ، ولا الأئمة الأربعة وتلامذتهم ، وهي شرط عظيم من شروط التوحيد !
تفضل أرنا الدليل من القرآن والسنة أن الكفر بالطاغوت من أعظم شروطه : تكفير المشركين . وأن من لا يكفرهم فهو عابد للطاغوت ، شأنه شأن المشركين.



أقول : المسألة بسيطة جداً يا أبا شعيب . ولا تحتاج لكثير من النباهة والذكاء لفهمها . فكل عاقل بالغ يستطيع أن يدركها مهما كان مستواه ألذكائي . لأنها فرض على كل عاقل بالغ . والله سبحانه وتعالى يقول :" لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا "
الله سبحانه وتعالى يبعث الرسل عندما يعم الشرك . يبعثهم لدعوة الناس لترك الشرك وعبادة الله وحده لدخول دين الله والحصول على الجنة ، وإلا فمصيرهم النار خالدين فيها أبدا . وكان كل رسول يخاطب قومه باللغة التي يفهمونها .
قال تعالى : "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " (إبراهيم : 4)
لهذا كانوا يفهمون ما يريده منهم أتم الفهم .
فمنهم من يستجيب له ويؤمن به ويدخل دينه وهم القليل ، والأكثر يكذبونه ويصرون على عدم ترك الشرك وترك دينهم . فينزل الله بهم عذابه .
قال تعالى :" لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ " (الأعراف :59)
وقال تعالى : " قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ " (الأعراف : 70)
وقال تعالى : " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ " (النمل :45)
وقال تعالى : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ " (النحل : 36)
وكان كل رسول يبين لهم حكم من يشرك بالله ومصير من لا يطيعه ويترك الشرك ويعبد الله وحده .
قال تعالى : " وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ" (المائدة : 72)
وقال تعالى : " وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ " (هود : 50)
وقال تعالى : " وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " (العنكبوت : 16)
وقال تعالى : " وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ " (العنكبوت : 36)
فهذه دعوة الرسل ، كل الرسل من أول يوم : الدعوة إلى اجتناب عبادة الطاغوت وإخلاص العبادة لله وحده . وإنذار من لا يترك الشرك ويعبد الله وحده بالعذاب في الدنيا والآخرة . وكان كل من يدخل في دين الرسل يعرف هذه الحقيقة أتم معرفة عند دخوله لهذا الدين . فقد كان يعرف من أول يوم يدخل فيه الدين ، ما عليه فعله نحو ربه ونحو رسوله ونحو الطواغيت ومن يعبدهم . وهذه المعرفة كانت يقينية وأكيدة لا لبس فيه ولا تميع ولا غموض ولا شك . يعرف أنه بتركه عبادة الطاغوت وعبادته لله وحده وتصديق رسوله وإتباعه ، قد دخل دين الله ، وأن من لم يترك عبادة الطاغوت ويصدق رسول الله ويتبعه لم يدخل دين الله ، ولو كان عنده من مظاهر التوحيد والإسلام ما عنده .
انظر لقوله تعالى : " فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ "
من أول يوم أصبحوا فريقين يختصمين . كافر ومسلم أو قل موحد ومشرك .
فأن نقول بعد هذا : يكفي لدخول الإسلام وتحقيق أصل الدين أن يعرف أنه كان على باطل وتركه ، وأن من يشرك بالله على باطل في فعله ، ثم لا يعرف بأي دين هو ولا بأي دين من يعبد غير الله ، فهذا تميع وتعتيم وتعقيد لدعوة الرسل ، واتهام رسل الله بعدم الوضوح في التبليغ والاكتفاء بالعموميات التي لا تصلح للتطبيق العملي .
بل أن نتركه هكذا لأصعب وأعقد وأحير عليه من أن يفهم أنه في دين الله بتركه عبادة غيره وعبادته لله وحده ، وإيمانه أن من لم يترك عبادة غير الله ، ليس في دين الله ، ولا يسمى موحداً مهما كان عنده من أعمال التوحيد والإسلام . لأن عبدة الطاغوت ، كانت لا تخلوا أعمالهم من أعمال يوحدون الله بها وأعمال توافق شرع الله .
دعوة الرسل كانت واضحة من أول يوم : الدعوة لترك عبادة الطاغوت وعبادة الله وحده . ومن يجيب هذه الدعوة يعرف معرفة يقينية أنه إذا ترك عبادة غير الله وعبد الله وحده فقد دخل في دين الرسول ، دين الله ، ومن لم يترك عبادة غير الله ، لم يدخل دين الرسول ، دين الله . ومعرفته هذه لا تحتاج لدليل آخر سوى الدليل الذي يبين الله فيه كيف يدخل العبد في دين الله .
ومن البديهي الذي تعرفه أبسط العقول ، أن الدعوة لترك عبادة الطاغوت لدخول الإسلام تقتضي معرفة أن الطاغوت وعابديه ليسوا في دين الله .
جرب واسأل أي عجوز عاقلة وقل لها : حتى تدخلي الإسلام يجب أن تتركي عبادة الطاغوت . فإذا أقرت بذلك . اسألها : ما هو حكم الطاغوت ومن يعبده ؟ فسوف لا تترد بتكفيره أو على الأقل بالقول : ليس في دين الله لا هو ولا عابديه . هذا هو الفهم البسيط للكفر بالطاغوت ، والذي يفهمه كل عاقل بالغ ، شُرط عليه لدخول الإسلام ترك عبادته .
ولو قلتَ له يكفيك لدخول الإسلام أن تعتقد أنه باطل وأنه على باطل . لقال لك فوراً : ما معنى هذا ؟ هل أعتبره في ديني أم لا ؟ هل أعتبر من يعبده في ديني أم لا ؟
يسأل هذه الأسئلة ولا بد ، لأنه يريد منك أن تفهمه كيف يتصرف في الناحية العلمية . ولا يريد أموراً نظرية غير محدده تحيره ولا يعرف في أي دين هو ولا مخالفه بأي دين .
وهذا هو معنى قوله تعالى : " " فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ "
هل بعد هذا الشرح والتوضيح : يستطيع أحد أن يقول لا يوجد دليل واحد على ما تقولونه سوى التقريرات العقلية . ؟
ألا يكفي في هذه المسألة معرفة كيفية دعوة الرسل لأقوامهم ؟
ألا يكفي قوله تعالى : "فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ؟
ألا يكفي قول رسوله صلى الله عليه وسلم : " " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله " ( مسلم )
كيف وأن هناك أدلة كثيرة غيرها . ؟
ثم بعد هذا يقال : يكفي العبد لدخوله للإسلام أن يعتقد أنه على حق بتركه عبادة الطاغوت وأن الطاغوت وعابديه على باطل بعبادتهم غير الله . ولا يشترط به أن يعرف بأي دين هو ولا بأي دين الطاغوت وعابديه .
نسأل من يقول هذا الكلام : ما هو دليلكم على أن هذا هو الحد الأدنى لدخول الإسلام ؟ هل عندكم آية أو حديث يبين ذلك ؟
وأنا هنا أتحداك أن تأت بآية واحدة أو حديث واحد تنص على أن دخول الإسلام يكفي فيه أن يعتقد من دخله أنه على حق وأن الطاغوت وعابديه على باطل في فعلهم . ولا يشترط معرفته بأي دين هو ولا بأي دين الطاغوت وعابديه .
وهل دعوة الرسل كانت عبارة عن بيان من هو على حق ومن هو على باطل فقط ؟ دون بيان حكم ومصير من هو على الباطل ومن هو على الحق . ؟ ودون بيان حكم من يعبد غير الله ومصيره وبأي دين هو ؟


قولك : فرضت عليه هذه الأشياء لأنها جاء فيها الدليل الشرعي الصريح الواضح .. وليس لي أن أتكلم بغير دليل .

أقول : هذا الجواب لا يصلح جواباً لما سألتك عنه لهذا أعيد الكلام مرة أخرى لعلك تجد جواباً عليه مناسبا .
قلت لك :" تفرض على من يريد أن يدخل الإسلام أشياء ولا تفرض عليه أن يعتقد أو يعرف حكم من يخالفها ويأتي بعكسها .
فمن عرف أنه يجب عليه ترك الشرك حتى يصبح مسلما ، يعرف أن من لم يتركه لم يدخل الإسلام . فإذا ترك الشرك وحكم على من لم يتركه بالإسلام لم يعرف أن تركه للشرك شرط صحة لدخوله الإسلام .
ومن حكم على من ترك الشرك بعدم دخوله للإسلام فقد حكم عليه بالشرك والكفر ، وأن كنت تخاف من كلمة كافر . فقل مشرك أو قل غير مسلم أو ليس في دين الإسلام . فلا داعي إذن أن نقحم مسألة أن تكفير المشرك الشرك الأكبر حكم شرعي كباقي الأحكام الشرعية يعوز من تصدى له إلى أدلة قطعية من القرآن والسنة . ويحتاج لإقامة حجة . أما إن كنت تقصد من التكفير ، تكفير من ثبت إسلامه بيقين؟ فنعم. فهذا هو الذي يحتاج لإثبات خروج صاحبه من تحقق شروط وانتفاء موانع .
وكذلك إن كنت تقصد التكفير المعذب عليه ؟ فنعم . فهذا هو من يحتاج لإقامة حجة لأن الله سبحانه وتعالى يقول : " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا "
فإذا عرفنا هذا نعرف المقصود من كلام العلماء بأنهم لا يكفرون من عبد غير الله حتى يقيموا عليه الحجة . فليس مقصودهم أننا لا نحكم على من عبد غير الله بالكفر ونحكم عليه بالإسلام حتى نقيم عليه الحجة . لأن من عبد غير الله ليس موحداً ولا مسلماً لأنه لم يكفر بالطاغوت ."
ثم تقول هنا : " فرضت عليه هذه الأشياء لأنها جاء فيها الدليل الشرعي الصريح الواضح ."
أين هو الدليل الشرعي الصريح الواضح الذي يبين : أن دخول الإسلام يكفي فيه فقط أن يعتقد من دخله أنه على حق وأن الطاغوت وعابديه على باطل في فعلهم . ولا يشترط معرفته بأي دين هو ولا بأي دين مخالفه .



تقول : وليس لي أن أتكلم بغير دليل .



أقول : وهل لك أي دليل على الحد الأدنى الذي حددته لدخول الدين ؟
وهل لك أي دليل على عذر من يحكم بإسلام وتوحيد من يعبد غير الله ؟


قولك : أما أنت تفرض عليه أشياء لم يأت بها دليل واحد يجعلها من شروط الشهادتين ، بل ولا دليل واحد يجعلها من الفرائض في دين الله ! وغاية ما ذكره العلماء من دليل في ذلك هو : التصديق بالنصوص الشرعية .. لا أكثر ولا أقل .



أقول : ما شرطّه على من أراد دخول الإسلام ، شرطه رب العزة عليه بشكل واضح لا لبس فيه . وكل دعوة الأنبياء توضح ذلك . ولقد بينت لك سابقاً بعض الأدلة عليه . فالأدلة عليه كثيرة جداً في كتاب الله ذكرت لك بعضها . أما ما تقوله أنت فأتحداك مرة أخرى هنا ، أن تأت بدليل واحد عليه .


قولك : ثم إنني تكلمت عن المسائل الجزئية والمسائل الكلية ، ومسألة اعتقاد أن من أشرك بالله فهو مشرك غير موحد (كحكم عام) وبين الخلاف في تنزيل هذا الحكم ، لاعتبارات شرعية ظنها صاحبها عذراً في من وقع في الشرك . فراجع كلامي في المسألة ، فإن في ذلك غنية عن التكرار .



أقول : يا رجل ما علاقة ما نتكلم به في المسائل الجزئية والكلية ؟
نحن نتكلم عن الشروط التي يجب أن تتوفر في العبد حتى يدخل الإسلام .
ما علاقة هذه المسألة بالمسائل الجزئية والكلية ؟ وما علاقتها في الحكم العام والخاص ومسألة تنزيلها على المعين .
وما هو دليلك من كتاب الله أن الحكم على من عبد غير الله بالشرك حكماً عاما وليس حكماً خاصاً ؟
وهل كان من يدخل الإسلام في زمن الرسل يَحكم على المشرك الذي عبد غير الله بالشرك ، كحكم عام ، ثم بعد ذلك يتعلم كيف ينزله على الخاص ، وقد لا يتعلم ويظل حكمه حكماً عاماً ؟
من أين أتيت بهذه الاصطلاحات من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟ " حكم عام ، حكم خاص ، مسائل جزئية ، مسائل كلية ، تنزيل الحكم على المعين ، اعتبارات شرعية ظنها صاحبها عذراً شرعياً "
هذه كلها وضعها العلماء في المسلم الذي يرتكب كفراً .
يا رجل لا تنس أننا نتحدث عن الشرك الأكبر عمن عبد غير الله ، عمن عبد الطاغوت . هل في حكم هذا يوجد حكم عام ، وحكم خاص ؟ مسائل جزئية ومسائل كلية ؟ عذر بالجهل ؟
وهل حَكم الله في القرآن بالشرك على من عبد الطاغوت حكماً عاماً ، لا يمكن تطبيقه على الشخص المعين الذي تحققت فيه عبادة الطاغوت ، إلا حتى تتحقق شروط وتنتفي موانع ؟
وما هي هذه الموانع والشروط التي يجب تحققها للحكم بالشرك على عين من عبد الطاغوت ؟ وأين هي في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟ ( لا تنس أننا نتكلم عن العاقل البالغ المخير )


قولك : يا أخي ، هدانا الله وإياك .. دليل واحد فقط صريح ، ويحل كل الإشكال ، وأسلّم لك في المسألة برمتها ، ولا تحتاج بعد ذلك إلى كل هذا الحوار .
أين هو ؟




أقول : راجع كلامي فلقد أتيتك بأكثر من دليل . والقرآن الكريم مليء بالأدلة على ما أقوله . ولا يتطلب منك إلا التجرد والابتعاد عن الشبهات .



قولك : ذكرت أنه يعتقد أنه لم يحقق التوحيد في المسائل التي خالف فيها فقط .. وتكلمت عن المسائل الكلية والجزئية ، وذكرت أنه يكفيه أن يعتقد أنه على ضلال وفساد وعلى غير دين الله تعالى في هذا الفعل .



أقول : أولا ً أسأل الله أن يكون اتضح لك التناقض في كلامك . لأنني هنا أراك لم تحسن الجواب على ما سألتك عنه . ولم تحسن إخراج نفسك من التناقض . لأنك لم تفسر لي بعد ، لماذا هذا التناقض والحكم بمقايس مزدوجة .
ثم انظر لكلامك هنا : " يعتقد أنه لم يحقق التوحيد في المسائل التي خالف فيها فقط .."
لاحظ كيف تحدد المخالفة للتوحيد . بالفعل فقط . وكأن التوحيد يتجزأ في الشخص الواحد . يعني نفس الشخص مشرك وموحد . عبدٌ لله وعبدٌ للطاغوت ، في دين الله وفي نفس الوقت في دين الطاغوت . إن هذا الكلام لا يرضاه الطاغوت نفسه فكيف يرضاه الله سبحانه وتعالى ؟
ثم هل في مسائل الشرك الأكبر وعبادة الطاغوت مسائل كلية وجزئية ؟
من أين لك هذا ؟ هل عندك أي دليل يثبت هذا الكلام ؟



قولك : وذكرت أنه يكفيه أن يعتقد أنه على ضلال وفساد وعلى غير دين الله تعالى في هذا الفعل .


أقول : أريد دليلاً واحداً يدل على أن المرء يكفيه لدخول الإسلام اعتقاد أن الطاغوت وعابديه على ضلال وعلى غير دين الله تعالى في هذا الفعل فقط وفي حدود الفعل فقط . وأن باقي حالهم ليس كذلك . بل في أفعالهم التي من الإسلام على التوحيد والإسلام .
ثم ائت لي بدليل كيف نحكم في هذه الحالة على أشخاصهم وذواتهم ؟
ومتى هذا الشخص يفرض عليه أن يحكم على ذواتهم وأعيانهم حتى يبق على الإسلام ؟



قولك : إذا هو فهم من كلامي هذا ، ودخل الإسلام وهو لم يكفر بالطاغوت .. فهو كافر ، ولا يعذره أن يفهم هذا من كلامي .
فما شأن هذا في مسألتنا وهي :
ولا أدري ما وجه استدلالك أصلاً ..




أقول : لا يُفهم من كلامك إلا ما فهم هو . لأنك قلت بالحرف الواحد " أن الكفر بالطاغوت : هو اعتقاد أن الطاغوت وعابديه لم يحققوا التوحيد في المسائل التي خالفوا فيها فقط . " وقلت : "يكفي الشخص ليحقق الكفر بالطاغوت أن يعتقد أن الطاغوت وعابديه على ضلال وفساد وعلى غير دين الله تعالى في هذا الفعل وبحدود هذا الفعل . "
أما عن قولك : " ما شأن هذا الكلام في مسألتنا وما وجه الإستدلال . "
فأقول : نحن نتكلم عن الحد الأدنى الذي يجب أن يتحقق في المرء ليحقق الكفر بالطاغوت . الشرط الأول لدخول الإسلام . أليست هذه مسألتنا .
فمرة تقول : " لا اعذره ولا أحكم له بدخول الإسلام إذا لم يترك عبادة الطاغوت ويفهم أن الكفر بالطاغوت يكفي فيه اعتقاد أن الطاغوت وعابديه في فعلهم وبحدود فعلهم على ضلال . "
ومرة تقول : " يكفيه ليحقق الكفر بالطاغوت : أن يعتقد أنه وعابديه على ضلال وفساد وعلى غير دين الله تعالى في هذا الفعل وبحدود هذا الفعل "
في الأول اشترطت أن يترك الشرك . ليحقق دخول دين الله .
وفي الثاني لم تشترط عليه أن يعرف أن الشخص لا يدخل الإسلام حتى يترك الشرك .
تشترط على نفس الشخص معرفة شي ولا تشترط عليه معرفة نقيضه .
أليس هذا تناقضاً صارخاً ؟ ومقايس مزدوجة ؟ أليست الأشياء بأضدادها تعرف . ؟



قولك : ما رأيك فيمن يقول : أنا لا أشترط عليك حتى تبقى مسلماً أن تصلي لله صلاة واحدة .. بل يكفيك اعتقاد وجوبها وإثم من يتركها ..
ما رأيك حينها لو ترك الصلاة وهو عالم بوجوبها ، ويظن أن تاركها يأثم ولا يكفر حتى يستحل ؟ هل هو كافر أم مسلم ؟ .. !!
قس هذا على ذاك ..




أقول : لا أدري ما علاقة هذا المثال بما قلته لك .
ومع ذلك سأجيبك : شخص لا يشترط للبقاء في الإسلام صلاة صلاة واحده .
فهذا الشخص إذا لم يشترط هذا بداية وكان يعتقد فرضية الصلاة ، فهو لا يعتقد أن المسلم حتى يبق مسلماً يجب عليه أن يصلي لله . يعني معنى كلامه هذا : أنك تستطيع أن تبق مسلماً حتى لو لم تصلّ لله صلاة واحدة ، ويكفيك أن تعتقد وجوبها وإثم من يتركها .
فمثل هذا الشخص لا يعتقد أن تارك الصلاة كافر . بل يعتقد أنه آثم .
فلو ترك الصلاة وهو معتقداً وجوبها لا يكفر بل يأثم .

نضرب مثالاً للحالة التي نتحدث عنها مشابهاً لهذا المثال الذي ضربته .
شخص قال : أنا لا أشترط عليك حتى تبق مسلماً أن تعتقد أن من لم يترك الشرك وعبادة الطاغوت ليس موحدا وليس في دين الله ، بل لك أن تعتقد أنه موحد وفي دين الله . ويكفيك اعتقاد وجوب ترك الشرك وإثم من لا يتركه.
ألا يعني أن الذي شرط مثل هذا الشرط لا يعتقد أن الشرك مبطل للتوحيد ، ولا يعتقد أن عبادة الطاغوت مبطلة للتوحيد ؟ لا شك أنه يعني ذلك .
ثم لو لم يترك الشرك وظل يعبد الطاغوت وهو عالم بوجوب ترك عبادته ، ويظن أن فاعل الشرك وعابد الطاغوت لا يكفر حتى يستحل . هل هو كافر أم مسلم ؟ .. !!
لا شك أنه كافر مشرك ومن يشك في كفره وشركه كافر مثله . لأن مثل هذا لم يكفر بالطاغوت بل عبده ، ولا ينفعه اعتقاد أن عبادته باطلة وإثم.
بل حتى لو ترك الشرك وعبادة الطاغوت وهو لا يعتقد أن عبادة الطاغوت مبطلة للتوحيد ، لا يعد ممن كفر بالطاغوت ، لأنه يجب عليه قبل دخول الإسلام أن يعتقد أن الإسلام لا يتحقق ولا يمكن الدخول فيه ، بدون الكفر بالطاغوت وترك جميع أنواع الشرك .
فهناك فرق بين من يعتقد أن الكفر بالطاغوت شرط صحة لدخول الإسلام ، وبين من يعتقد أن شرط الكفر بالطاغوت شرط كمال لا يبطل الإسلام بعدم تحققه .
فالأول ( الذي يعتقد أن الكفر بالطاغوت شرط صحة لدخول الإسلام) هو من حقق الكفر بالطاغوت الذي شرطه الله لدخول الإسلام .
وهناك فرق بين من يعتقد أن الكفر بالطاغوت شرط صحة لدخول الإسلام ، وبين من يعتقد أن الكفر بالطاغوت واجب من الواجبات التي من لم يفعلها غير مستحل ، لا يخرج من الإسلام كحال الصلاة أو أي واجب من الواجبات والفروض والتي يشترط فيه الاستحلال لتكفير فاعله . أو كحال أي حرام ممن حرمه الله والتي يشترط فيه الاستحلال لتكفير فاعله.



قولك : وأيضاً هنا يبدو لي أنك لم تفهم كلامي وتتهمني بالباطل .. أين تراني جوّزت الحكم بالإسلام على من لا يترك الشرك ؟ هات لي نص واحد من كلامي يُفهم منه هذا !!



أقول: أعوذ بالله أن اتهم أحداً بالباطل .
أما عن قولك أنني لم افهم كلامك فإليك كلامك فسره لنا :
ألم تقل :

" يعني تكفي أي كلمة تُظهر أنهم على باطل فيما يفعلونه من شرك ، وعلى ضلال ، ولا يرضاه الله .. حتى يدخل الإسلام.
ولاحظ هنا أنني أتكلم عن الحكم عليهم بمقتضى فعلهم ، لا بمقتضى ذواتهم أو أشخاصهم ."
" فقولي : فلان بفعله على غير دين الإسلام .. فهو إظهار لبطلان ما هو عليه من فعل .
وهذا الحكم محصور فيما فعله من باطل .. كقولنا : الزاني بزناه على غير الإسلام في هذا الفعل . وشارب الخمر بمعصيته على غير الإسلام في هذا الفعل .
فالجاهل إذا قال الشيء نفسه في الكفر ، فقال : فلان بفعله الباطل هذا على غير الإسلام في هذا الفعل .. فإن هذا يكفيه ليبقى مسلماً ."
" أما الحكم على العين ، فهو عند الترجيح في الأحكام ، وإضفاء الحكم الغالب على غيره . والجاهل الذي لا يعرف الترجيح في الأحكام لا يكفر "
" بلى ، من فعل الشرك الأكبر نقض توحيده ولا ريب .
أما من لا يكفّره فهو معذور بالتأويل أو الجهل .."


أقول: ألا يدل هذا الكلام على حكمك بإسلام من لم يخرج فاعل الشرك من ألإسلام ؟
حسب اعتقادك هذا فإن الحكم بالإسلام على المشرك العابد الطاغوت لا يتعارض مع عقيدة التوحيد . بل حسب عقيدتك لا يأثم ما دام جاهلاً أو متأولاً ، من حكم بالإسلام على المشرك عابد الطاغوت وهو يعلم أنه يعبد الطاغوت.
مع أنني عندما سألتك : " ألا يعني أيضاً الحكم على من لا يفعلها ( يعني من لا ينبذ عبادة ما سوى الله ) بأنه غير موحد ؟ "
فاجبت : بلى .. إن الحكم على الفعل هو حكم على الفاعل .. هذا لغة وعقلاً ففاعل الشرك مشرك ..هذا من الضرورات العقلية التي لا يماري فيها أحد"
أنت لم تحكم بالإسلام على من لم يترك الشرك ، ولكنك أجزت دخول الإسلام لمن حكم على فاعل الشرك بالإسلام .
فما حكمك وما هو وصفك ؟
حُكم الله الثابت ، والذي يُفهم من كلمة التوحيد ، أن من لم يترك الشرك لا يدخل الإسلام .
مثال :
سعيد : يعبد غير الله .
خالد ، حتى يدخل الإسلام حكم على سعيد بعدم دخوله الإسلام لأنه لم يترك الشرك . ولأنه عبد الطاغوت .
علي ، أراد دخول الإسلام ولكنه حكم على سعيد بالإسلام مع علمه أنه لم يترك الشرك.
خالد ، عندما دخل الإسلام حكم على سعيد بأنه لم يدخل الإسلام لعبادته الطاغوت ولكنه في نفس الوقت حكم بدخول الإسلام على علي مع أنه يعرف أنه حكم بالإسلام على سعيد وهو يعرف أنه لم يترك الشرك .
فما حكم خالد وما وصفه .
ألا يقال عنه أنه أجاز دخول الإسلام لمن حكم بإسلام المشرك ؟
ألا يقال عنه أنه أجاز دخول الإسلام لمن حكم بإسلام من يعبد الطاغوت ؟
ألا يقال عنه أنه أجاز دخول الإسلام لمن حكم بإسلام من في دين الطاغوت؟
ألا يقال عنه أنه أجاز دخول الإسلام لمن لم يفهم كلمة التوحيد أو لمن لم يطبقها في أرض الواقع وطبق ما يناقضها .
ألا يقال عنه أنه ربما فهمها ولكنه أعتقد في نفس الوقت إسلام من لم يفهمها ؟ أو فهمها وأعتقد إسلام من عمل بعكسها . ؟
أليس في تساهل خالد مع علي والحكم عليه بالإسلام مع أنه يحكم على عابد الطاغوت بالإسلام ، سينتج فكراً يعتبر أن شرط ترك الشرك لدخول الإسلام مسألة خلافية بين المسلمين وليس من أصل الدين ، وأنه يمكن أن يكون الشخص عابداً للطاغوت وموحداً في نفس الوقت؟



قولك : أما أني لم أشترط في صحة دخول الإسلام اعتقاد كفر الطاغوت .. فقلت إنه يكفي أن يعتقد أنه على ضلال .. أذكر ذلك هنا لتوثيق الكلام .



أقول : أنت هنا تكتفي لدخول الإسلام أن يعتقد أن الطاغوت على ضلال .
ولا تشترط عليه أن يعتقد كفر الطاغوت أو أن الطاغوت ليس في دين الله وأن عابديه ليسوا في دين الله .
هل لك أن تأتيني بدليل واحد على كلامك ؟
ألا يدل كلامك هذا أنه يمكن أن يصبح العبد مسلماً وهو يعتقد إسلام الطاغوت وعابديه . ؟



قولك : أما اعتقاد شرك من يعبد الطاغوت .. فإنني تكلمت عن المسائل الجزئية والكلية ، فراجعها .. وتكلمت في أن الحد الأدنى من الاعتقاد ليدخل الإسلام هو أن يعتقد أن من أشرك بالله على باطل وضلال وعلى غير الإسلام في هذا الأمر .



أقول : وأنت تأكد أيضاً هنا أن العبد يمكن له دخول الإسلام وهو يعتقد أن فاعل الشرك في دين الله ، ويكفيه أن يعتقد أنه على ضلال في عمله ، كأي فاعل للمعصية ؟
هل لك أن تأتين بدليل واحد على ذلك ، أو بقول عالم من علماء القرون الثلاثة المفضلة ؟
أما مسألة : المسائل الجزئية والكلية ، فمن أين جئت بها ؟ وما هو دليلك عليها من الكتاب والسنة ؟ وما علاقتها بموضوعنا ، الحد الأدنى لدخول الإسلام ؟ وهل مثل هذه التعبيرات كان يعرفها عوام المسلمين ؟
وهل سيظل العبد الذي دخل الإسلام يحكم على الطاغوت وعابديه بالإسلام حتى يتعلم المسائل الجزئية والكلية ؟



قولك : نعم ، لم تنصفني عندما قلت أنني متناقض ، لأنه لا وجه للتناقض البتة .



أقول : دقق بكلامك مرة أخرى بعد تبيني لوجه التناقض فيه ، وستجدني لم أظلمك عندما وصفت كلامك بالمتناقض . وليس هذا هو التناقض الوحيد في كلامك . فدقق هداك الله . ولا تعتبر المسألة تقليل من قيمتك كإنسان . وإنما أنا أتكلم عن كلامك .


قولك : ترك الشرك قلباً وقالباً لا يلزم قطعاً تكفير فاعله .. فإنه يتركه لأنه باطل وحرام وضلال .. ولا يسميه شركاً لجهله .. فقد دخل الإسلام بذلك . ويسمي أهله ضالين مبطلين ، ولا يكفرهم لجهله ..



أقول : إذا كان ترك الشرك قلباً وقالباً لا يلزم قطعاً معرفة أن فاعله ليس في دين التوحيد ، فلماذا شرطنا عليه تركه ليدخل الإسلام ؟
إذا كان الشرك كباقي أعمال الباطل ، فقط باطل وفاعله على باطل في فعله ، لماذا اشترطنا لمن أراد دخول الإسلام تركه ولم نشترط عليه لدخول الإسلام ترك باقي أعمال الباطل . ؟
هل لو كان زانياً أو سارقاً نشترط عليه لدخول الإسلام أن يترك هذه الأفعال وبدون تركها لا نعده مسلماً قد دخل الإسلام ؟
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو الناس لشهادة التوحيد ، وأول شهادة التوحيد هو النفي . نفي الآلة الباطلة التي تعبد مع الله .
فهل من فهم كلمة الشهادة لا يفهم أن الإله الباطل الذي يدعو الناس لعبادته أو يرضى بعبادة الناس له ، ليس في دين الله ؟ حتى يحتاج بعد ذلك لعلم زائد نفهمه به هذا الحكم ؟ وقد لا يفهمه لعدم فهمه المسائل الجزئية والكلية . أو لعدم فهمه كيفية تنزيل الأحكام على الأعيان . ويظل يحكم عليه أنه في دين الله .
ثم كيف لا يسمي الشرك شركاً وهو من لغته ؟
العرب كانت تعرف معنى كلمة شرك ومعنى كلمة كفر من لغتها ، ولا تحتاج لعلم زائد لفهمها . لهذا عندما يخاطب العربي بترك الشرك يعرف ما هو المخاطب بتركه ، ولا يخلطه بالأمور الباطلة والضلال عنده .
ولو طلبنا منه في البداية أن يترك الباطل والضلال ، لسألنا أي باطل وأي ضلال ؟ لأن أعمال الضلال والباطل كثيرة في لغته . بل هو يعرف أنه على شرك ولكنه لا يعرف أن هذا الشرك باطل وضلال ، بل يظنه حق وعدل يحبه الله ويرضى عنه ، ومما يقربه إلى الله .
ولو خاطبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول يوم بترك الضلال والباطل لقال نعم صدقت يجب أن يترك الباطل والضلال .


قولك : فهل هو ترك الشرك وأبغضه واعتقد بطلانه ؟ .. الجواب نعم .
هل كفّر أصحابه ؟ .. الجواب لا .
هل لزم من تركه للشرك تكفير أصحابه ؟ .. الجواب لا .



أقول : حسب كلامك هو لم يترك الشرك هو ترك الباطل والحرام والضلال. لأنك قلت " فإنه يتركه لأنه باطل وحرام وضلال .. ولا يسميه شركاً لجهله . فقد دخل الإسلام بذلك ."
يعني من البداية لم يخاطب بترك الشرك لأنه يجهله ( حسب ما قلتَ ) بل خوطب بترك الباطل والحرام والضلال . لهذا تركه لأنه باطل ولأنه حرام ولأنه ضلال .
فيا عجبي : رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي لأناس يعرفون معنى كلمة الشرك والكفر ، فلا يخاطبهم بترك ما يعرفونه ويخاطبهم بترك الباطل والضلال والحرام حتى يدخلوا دين التوحيد . وبدون أن يبين لهم ما هو الضلال والباطل والحرام وما درجته ، ولماذا طلب منهم تركه . وما حكم فاعله . ومع هذا يهددهم بالعذاب الشديد الأبدي إذا لم يتركوه .
ألا يفهموا من هذا الخطاب أن المسألة ليست مسألة دخول دين وخروج منه وإنما دعوة الرسول هي دعوة لترك الباطل والضلال والحرام بدون الحكم على من لم يتركها بأنه خارج الدين ، فقط يحكم عليه أنه على ضلال وباطل . ؟
ألا يدل هذا الكلام أن دعوة الرسل لم تكن من اليوم الأول تبين من هو في دين الله ومن هو خارجه .؟
هذا الشخص حسب كلامك ترك الشرك وهو لا يعرف أنه شرك فقط يعرف أنه باطل وضلال وحرام . يعني هذا الشخص لم يكن عربي ولا يعرف العربية .
ويعني هذا الكلام أنه طولب بترك شي لا يعرف حدوده وأوصافه واسمه ليدخل دين الله . أليس هذا قمة التعجيز الذي ينزه الله ورسله عنه ؟
هل هذا هو البيان المبين الذي أمِر الرسل به ؟
حسب كلامك ، يجب على هذا الشخص أن يحكم على كل من على باطل وضلال وحرام أنه لا يستطيع دخول دين الله .
لأننا شرطنا عليه ترك الباطل والضلال والحرام حتى يدخل دين التوحيد ، سيفهم منه ولا بد ، أن كل من لا يتركه لا يحق له دخول هذا الدين .



تقول : " هل لزم من تركه للشرك تكفير أصحابه ؟ .. الجواب لا ".



أقول : إذا كان الشرط عليه لدخول دين التوحيد ترك الشرك ، فيجب أن يعرف ولا بد أن من لم يتركه لا يستطع دخول هذا الدين . هذا أمر بديهي لا يختلف فيه عاقلان .
وأنت نفسك عندما سألتك : " ألا يعني أيضاً الحكم على من لا يفعلها (يعني من لا ينبذ عبادة ما سوى الله ) بأنه غير موحد ؟ "
فأجبت : بلى "..



قولك : وأعيد وأكرر ، اربط كلامي كله ببعض .. لا تغفل عن المسائل المطروحة في هذا الشأن ، كالمسائل الكلية والجزئية ، ومسألة الأعذار الشرعية ، وشروط التكفير وموانعه ، وما إلى ذلك .



أقول : أعود وأذكر أن مسألتنا الحد الأدنى لدخول الدين . نحن نتحدث عن الشرط الأول لدخول الدين . وبدون تحقق هذا الشرط لا يملك أحد أن يدخل الدين . وهذه الحقيقة يعرفها كل من يريد دخول الدين بلغته ، وإذا لم يكن يعرفها ، يجب علينا أن نبينها له قبل أن يدخل الدين . وبدون معرفتها لا يملك دخول هذا الدين .
فما علاقة هذه المسألة بالمسائل الكلية والجزئية ومسائل الأعذار الشرعية وشروط التكفير وموانعه .؟
هل جاءت هذه الأمور والمسائل في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟
ما جاء في كتاب الله هو أن العبد لا يدخل دين الإسلام إلا بالكفر بالطاغوت والإيمان بالله . وما جاء في كتاب الله أن من يعبد غير الله ليس في دين الله ، وما جاء في كتاب الله أن الدين الخالص لله هو الدين الخالي من جميع أنواع الشرك . وما جاء في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم : أن من لا يكفر بما يعبد من دون الله فهو حلال الدم والمال .



قولك : اللام هنا للتعليل وليست للمصاحبة .. هل توضحت الصورة الآن ؟
ولا أدري ما وجه اعتراضك عليّ في ذلك ، أهو مجرد الاعتراض لا أكثر ؟




أقول : لو قلت نكفره لفعله ، ونتبرأ منه لفعله ، وسكت لكنت سوف أفهمك أنك تتبرأ من ذاته لأجل فعله . ولكن لكونك أضفت بعدها :" أما ذاته وشخصه فلا " جعلني أفهم منك أنك تحكم على الشخص بحدود فعله وليس على شخصه ككل . لذلك سألتك هذه الأسئلة .
هل وضح لك سبب اعتراضي ؟
وليكن في علمك أنني لست غاوي اعتراضك ، بل بالعكس أتمنى أن يظهر الحق على لسانك . ولكن ما الحيلة وأنت تقع في كثير من التناقضات . وكلامك غير واضح في أكثر المرات .
ولذلك أسألك هنا :
هل من فعل الشرك عندك كافر بعينه ؟ بمعنى يظل مشركاً خارجاً من الملة حتى يتوب من هذا الشرك ؟
هل لا تعذره بالجهل . بمعنى أنك تحكم على عينه بالشرك دون قيام حجة ؟
لو تجبني على هذه الأسئلة بأسرع ما يمكن .



قولك : وحتى تتوضح الصورة أكثر .. هل تبغض فلاناً الكافر لأنه أمريكي أو أفريقي ، أو أبيض أو أسود ، أو طويل أو قصير ؟؟ أم تبغضه من أجل ما فعل من شرك وكفر ، فلزم البراءة منه ومن فعله بسبب ما فعله ؟



أقول : يا رجل ، عندما يقال فلان كافر أو مشرك . يفهم من هذا الكلام أننا نحكم على الشخص لأجل فعله ، ولا يفهم أننا نحكم عليه لأجل جنسيته أو لونه أو طول أو قصر قامته .
لهذا لا يقال بعدها" لفعله " ، " وفي فعله " ، " وفي حدود فعله ". لأن هذا الكلام يفهم منه أننا نحكم عليه بالشرك والكفر أثناء فعله ، وبعد أن ينتهي من فعله يصبح مسلماً موحداً يعني حسب فهمك يرجع لأصله الإسلام . وأظن هذا هو ما تقصده لأنك كنت تستشهد بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يزني الزاني وهو مؤمن "
أنظر لكلامك السابق : " يعني تكفي أي كلمة تُظهر أنهم على باطل فيما يفعلونه من شرك ، وعلى ضلال ، ولا يرضاه الله .. حتى يدخل الإسلام.
ولاحظ هنا أنني أتكلم عن الحكم عليهم بمقتضى فعلهم ، لا بمقتضى ذواتهم أو أشخاصهم ."
" فقولي : فلان بفعله على غير دين الإسلام .. فهو إظهار لبطلان ما هو عليه من فعل .
وهذا الحكم محصور فيما فعله من باطل .. كقولنا : الزاني بزناه على غير الإسلام في هذا الفعل . وشارب الخمر بمعصيته على غير الإسلام في هذا الفعل .
فالجاهل إذا قال الشيء نفسه في الكفر ، فقال : فلان بفعله الباطل هذا على غير الإسلام في هذا الفعل .. فإن هذا يكفيه ليبقى مسلماً ."
" أما الحكم على العين ، فهو عند الترجيح في الأحكام ، وإضفاء الحكم الغالب على غيره . والجاهل الذي لا يعرف الترجيح في الأحكام لا يكفر "

لهذا أقول : لو توضح ما هي عقيدتك في هذا الخصوص حتى نفهمك جيداً.




قولك : أما ما يثبت هذا ، فهو قوله تعالى : { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة : 114]
أي نوع من البراءة حصلت هنا ؟؟ هل هي براءة الدين أم براءة الذات ؟
فإن قلت براءة الدين ، فهل يعني هذا أنه لم يكن متبرئاً منه من قبل وهو على كفره ؟
وإن قلت براءة الذات ، فهذا يعني أنها ليست من أصل الدين ، بل ولا يأثم تاركها إن اجتهد وأخطأ .




أقول : لقد وضحت لك هذه المسألة سابقاً وبينت خطأك فيها ، فأرجع له .

يتبع

صفوان 01-04-2018 12:53 PM

مسلم 1:

بسم الله الرحمن الرحيم

التتمة الأخيرة للرد على المشاركة رقم 31




قولك : حكمه أنه كافر .



أقول : لماذا لا تقول : هذا طاغوت . أو إله باطل ؟ ولا يحكم عليه بالإسلام.
أم أنك تقول كافر ، حتى بعد ذلك لا تحكم على من لا يكفره بعدم دخول الإسلام حتى تقام عليه الحجة ووو ؟
فما حكم من لا يعرف حكم من يطلب أو يَقبل أن يُصرف له حق من حقوق الله الخاصة بالله ؟
وبعبارة أوضح : ما حكم من لا يعرف حكم من طلب من الناس عبادته أو رضي بعبادة ؟
وبعبارة أكثر وضوحاً : ما حكم من حكم بإسلام من طلب من الناس عبادته أو رضي بعبادة الناس له ؟




قولك : من خالف اللغة والعقل لا يكفر .. هذا ما عنيته بتقريري أن هذه المسألة مقررة لغة وعقلاً .



أقول : يعني أنت كنت تقصد من قولك " بأن الحكم على الفعل هو حكم على الفاعل .. لغة وعقلاً". فقط ولكن ليس شرعاً ؟
وأن الحكم على من لم يترك الشرك أو فاعل الشرك ، بالشرك ليس حكم الشرع ، وأنه فقط حكم العقل واللغة ؟
سبحان الله ! مع العلم أنني سألتك عن الحكم الشرعي حيث قلت لك :
" ألا يعني أيضاً الحكم على من لا يفعلها ( يعني من لا ينبذ عبادة ما سوى الله ) بأنه غير موحد ؟ "
فاجبت : بلى .. إن الحكم على الفعل هو حكم على الفاعل .. هذا لغة وعقلاً ففاعل الشرك مشرك ..هذا من الضرورات العقلية التي لا يماري فيها أحد"



قولك : ثم نعم ، إن لم يتركها يُحكم عليه بأنه مشرك .



أقول : لو توضح . هل تقصد هنا بأنه مشرك . يعني الحكم على عينه ؟ يعني سيظل حكمه كشخص ، مشرك حتى يترك الشرك .؟
يعني هل لا يحكم عليه بأنه في دين الإسلام والتوحيد حتى يترك هذا الشرك .؟
أم أنك تقصد من كلمة "مشرك "، مشرك أثناء عمله ، ولكن عندما ينتهي من عمله حتى ولو لم يتب من شركه سيظل حكمه حسب الأصل ، موحد مسلم في دين الله معذور بالجهل لفعله الشرك ؟




قولك : وأنت تعلم ولا بد أن تنزيل الأحكام الشرعية ليس حاله كتنزيل الأحكام اللغوية أو العقلية .



أقول : أنا ما أعلمه من دين الله ، أن الذي يثبت عليه فعل الشرك الأكبر بدون أي إكراه يحكم بشركه كشخص ولا يعذر بجهله .
وكذلك ما أعلمه من دين الله أن من يعبد غير الله لا يملك أن يدخل في دين الله بعينه وشخصه .
وما أعلمه من دين الله ، أن العبد حتى يستطيع أن يدخل الإسلام لا بد له أن يعرف أولاً أنه بدون تركه لجميع أنواع الشرك لا يستطيع دخول دين التوحيد .



قولك :
فمن زنى جاهلاً بالحكم ، يُسمى لغة زانياً ، ولا يُسمى شرعاً كذلك
فمن اختلط عليه الأمران ، وقال لا أسميه زانياً ما دام جاهلاً .. فهذا خالف العقل واللغة .. ولكنه لم يخالف الشرع .




أقول : لا يوجد فعل في اللغة اسمه زنا ، الزنا هو وصف شرعي .
أما أساس الفعل فهو الوطء .
فالوطء إما أن يكون حلالا ً وإما أن يكون حراماً يعني زنا . وهذا يحدده الشرع فقط . وليست اللغة والعقل . لهذا من جهل هذا الحكم يمكن أن يعذر بذلك .
فكل من وطء واطئ ، أما حكمه الشرعي فهو حسب الشرع .
أما الشرك فيختلف عن الزنا .
فعل الشرك معروف باللغة . فكل من عبد غير الله معه فهو مشرك . وهذا الوصف يعرفه العرب من لغتهم . ولكن كانوا لا يعرفون حكمه ، أما النصارى واليهود فكانوا يعرفون حكمه ولكنهم كانوا لا يعرفون بعض أنواع الشرك التي وقعوا فيها . وجاء الإسلام ليوضح كل هذه الأمور ، ليوضح لمشركي العرب أنهم بشركهم لا يمكن أن يكونوا في دين الله ، ويوضح لأهل الكتاب شركهم الذي جهلوه ، حتى يتركوه ليدخلوا دين الله .



قولك : لو أننا أبغضنا الكافر لذاته المجردة ، لما أحببناه البتة حتى لو أسلم .. لأن ذاته هي هي ، لم تتغير ! وهذا الذي تقول به هو عين مبدأ القومية البغيضة .. فهل أنت من دعاة القومية بقولك هذا ؟؟



أقول : ومن قال لك أن تبغضه لذاته المجردة أو لجنسه أو للغته ؟
نحن نتحدث عن بغض الكافر وبغض المشرك . ولا نتحدث عن بغض الإنسان أو بغض الأسمر أو بغض الأبيض ، أو بغض القصير وبغض الطويل أو بغض من يتحدث بلغة ما .
نحن نتحدث عن بغض ذاته لفعله الشرك والكفر . فما دام لم يترك الشرك والكفر ويتوب منهما فيجب أن يبغض بعينه وشخصه ، وأن يتبرأ منه لشخصه التي فعل بها الشرك والكفر . ولولا الفاعل ما وجد الفعل . فكيف نبغض الفعل ولا نبغض الفاعل لذاته وهو أساس وجود الفعل ؟
وكيف فهمت قولي هذا أنه عين مبدأ القومية البغيضة .؟؟؟!!!!



قولك : لكننا نبغض الكافر لكفره .. فما دام كافراً فإننا نبغضه ونتبرأ منه لأنه يفعل الشرك والكفر .. ولكنه إن تاب وأسلم : أحببناه وواليناه ، لا فرق بين أبيض ولا أسود ، ولا عربي ولا أعجمي.



أقول : وهذا ما أقول به وأطالبك به . فأثبت على كلامك هذا . لأني سوف أذكرك فيه .
إذن ، فأنت تتبرأ من الكافر وتبغضه ما دام لم يتب من الشرك والكفر .؟
وكذلك تحكم على شخصه بالكفر والشرك وعدم دخول الإسلام ما دام لم يتب من كفره وشركه . ؟
وهل تعتبر هذا التبرؤ والبغض وعدم الحكم بدخول الإسلام من أصل الدين؟
يعني ما حكم من يحكم بإسلام المشرك ولم يتبرأ منه ولم يبغضه وهو يعلم أنه لا يزال على شركه ؟



قولك : هذه الآية حجة عليك لا لك .. اقرأ قوله تعالى جيداً ( من حاد الله ورسوله ) .. أي أن العبرة في بغض الكافر هي بكفره ومحاداته لله ورسوله ..
مفهوم الآية مفهوم علة لا مفهوم لقب .. فتنبه لذلك .




أقول : كيف صارت هذه الآية حجة علي ؟
وهل الذي عبد غير الله لم يحاد الله ورسوله ؟


قولك : أولاً : الطاغوت في هذه الآية هو الشيطان .. وهذا بدليل الآية نفسها لو أنك أكملتها ، فإن الله تعالى يقول بعدها : { فقاتلوا أولياء الشيطان } .. وهذا بإجماع المفسرين .



أقول : يعني هل تقصد إذا كان الطاغوت هو الشيطان فيجب تكفيره . أما إن لم يكن الشيطان فلا يجب تكفيره ؟
ثم أليس الطواغيت كلهم شياطين ؟
روى البخاري عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن الطاغوت هو الشيطان ، ونقل ابن كثير هذه الرواية في تفسيره ثم قال : " وهو قول قوي جداً فإنه يشمل كل ما كان عليه أهل الجاهلية من عبادة الأصنام والتحاكم إليها والاستنصار بها ، قال مجاهد : " الشيطان في صورة إنسان فهم يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم " .



قولك : ثانياً : طيب ، الطاغوت كافر .. ثم ماذا ؟؟ كيف تستنبط من هذه الآية أن تكفير الطاغوت من أصل الدين ولا يُعذر فيه أحد بتأويل أو جهل ؟؟



أقول : يعني أنت تقر بأن كل طاغوت كافر ؟ أليس كذلك ؟
وتقر أن هذه الآية دليل واضح محكم على أن الطاغوت كافر وأن عابديه كفار.
يا أبا شعيب ، القرآن يفسر بعضه بعضا.
عندما يشترط الله سبحانه الكفر بالطاغوت لدخول الإسلام . لا بد أن يدخل في معنى الكفر بالطاغوت تكفيره أو إخراجه من الدين هو وعابديه .
ما دليلي على هذا ؟
أقول لك : وصف الطاغوت ومعناه اللغوي . وفهم الصحابة لكلمة الطاغوت . ثم قول المفسرين وعلماء الدين في معنى الطاغوت وحكمه وحكم عابديه . ثم تأكيداً لذلك ودليل عليه هذا النص الصريح .
وأنت تقول مع هذا :" ليس من أصل الدين معرفة أن الطاغوت وعابديه ليسوا في دين الله . "
ولقد طالبتك بالدليل على كلامك هذا أكثر من مرة ، ولم تأت لحد الآن بأي دليل ، ولن تأت ، وأنا أتحداك في هذا .



قولك : وهل أصل الدين يُستنبط ولا دليل صريح عليه ؟؟
غاية ما يُمكن أن يُستدل بهذه الآية عليه أن هذه مسألة شرعية حالها كحال باقي المسائل التي تُستنبط من الكتاب والسنة .




أقول : كل الأدلة التي ذكرتها لك صريحة على أن الطاغوت وعابديه ليسوا في دين الله . وكذلك صريحة بأن من لم يعرف ذلك ويطبقه في أرض الواقع لا يملك دخول الدين . وكذلك صريحة بأن الكفر بالطاغوت يقتضي اعتقاد أنه وعابديه ليسوا في دين الله .
أما وأنك مع كل هذه الأدلة التي ذكرتها لك ، وما زلت تقول : "لا دليل صريح على ذلك ." فماذا أملك لك غير الدعاء . ؟!
وحتى لو فرضنا أنها مسألة شرعية . أليست مسألة شرعية واضحة محكمة ؟ لا يسع المسلم أن يخالفها بجهل أو تأويل ، والقرآن وكلام الرسول صلى الله عليهم وسلم ، وكلام الصحابة والمفسرين بين أيدينا ؟



قولك : كحكم عام ، يجب أن يعتقد أن عابد الطاغوت كافر ومشرك ، فيقول : من عبد غير الله فهو مشرك .. فيعلق الحكم بالفعل ، فيكون حكماً بمقتضى الفعل المجرد عن أي اعتبار .. ولكن عند تنزيل الحكم يحصل الاختلاف .
وقد تكلمنا عن الأحكام العامة والأحكام الخاصة وما يعتريها من اعتبارات بما يغنيني عن الإعادة .




أقول : ما هو دليلك من كتاب الله على أنه يجب أن يعتقد أن عابد الطاغوت كافر ومشرك كحكم عام ، فيقول : من عبد غير الله فهو مشرك . فيعلق الحكم بالفعل ، فيكون حكماً بمقتضى الفعل المجرد عن أي اعتبار؟
وما معنى هذه التعابير ، " حكم عام " " يعلق الحكم بالفعل " " فيكون حكماً بمقتضى الفعل المجرد عن أي اعتبار " ؟
وأين أدلتها من الكتاب والسنة ؟
ولا تنس أننا نتحدث عن الشرك الأكبر . نتحدث عن حكم الطاغوت وحكم عابديه .
فهل حكم الصحابة رضوان الله عليهم على الطاغوت وفاعل الشرك الأكبر حكماً عام فقط ، أم أنهم حكموا على ذاته وشخصه ؟
ومن منهم علق الحكم بالفعل المجرد عن أي اعتبار ؟
ومن مِن الصحابة أو من علماء القرون الثلاثة الأولى لم يحكم على عين الطاغوت وعابديه بالشرك والخروج من الدين ؟
ثم من مِن الصحابة أو التابعين أو علماء القرون الثلاثة عندما تحدث عن الطاغوت وعابديه استعمل هذه العبارات التي تستعملها أنت هنا ؟



قولك : هل مخالف الضرورات العقلية واللغوية كافر ؟



أقول : يعني هل فاعل الشرك مشرك فقط من الضرورات اللغوية والعقلية التي لا يماري فيها أحد ، ولكن من الناحية الشرعية فاعل الشرك مسلم موحد ، وهذه لا يماري فيها مسلم ؟!!


قولك : لو جاءني رجل وقال : فلان يشرب الماء ، ولكن لا أسميه شارباً للماء .. هل أقول عنه كافر أم أحمق ؟



أقول :ماذا سيسميه ؟ شارباً للعسل ؟ أم آكلاً للماء ؟ أم سيقول : لا أدري لم يأتني العلم بعد ؟ أم سيقول : هو بفعله وبحدود فعله شارباً للماء أما بذاته وبشخصه فلا . وحتى أحكم على ذاته وشخصه يجب أن أقيم عليه الحجة وأحقق شروط وموانع الشرب .؟
يا أبا شعيب نحن لا نتكلم عن حمقى أو غير مكلفين . نحن نتكلم عمّن وصفتهم علماء أتقياء مجاهدين . فإذا كان فاعل الشرك مشرك لغة وعقلاً وشرعاً ، فبأي دليل شرعي جعلوه موحداً مسلماً ؟



قولك : نحن لا نتكلم عن حكم المشرك عابد غير الله ، بل نتكلم عن حكم تكفيره وعلاقته بأصل الدين .. فلا تلزمني بالجواب عن أسئلتك هنا وأنت تعلم يقيناً أجوبتي فيها .



أقول : وعن ماذا أتكلم أنا يا أبا شعيب ؟
أليس هذه الآيات والأحاديث تدل على أن من معنى شهادة التوحيد الحكم على المشرك بعدم دخول الإسلام ؟
أليس هذه الآيات تبين كيفية الإيمان بالطاغوت الذي أمرنا الله بالكفر به عند دخولنا الإسلام ؟
فإذا كان حكم الشرك والمشرك ثابت من أول خطاب للناس فكيف نعذر بالجهل من حكم عليه بالإسلام والتوحيد ؟ ثم بعد ذلك نقول لا يوجد دليل صريح يدل على أن إخراج المشرك من الدين من أصل الدين ؟



قولك : أما تفسيرك لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : هي براءة من الشرك .. وجعلك ذلك دليلاً على أن تكفير المشركين هو من أصل البراءة من الشرك ، فهذا لا يسلم لك .. خاصة وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يصرّح بذلك .
الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذكر أن هذه الآية براءة من الشرك لتضمنها البراءة منه في قوله تعالى : { لا أعبد ما تعبدون .. الآيات } .. فهو بيان لما تضمنته من أكثر الأحكام .




أقول : الرسول صلى الله عليه وسلم صرح وبشكل واضح أن هذه الصورة براءة من الشرك . فحسب هذا التصريح يجب أن نفهم ما معنى البراءة من الشرك . فمن يريد أن يتعلم كيفية البراءة من الشرك ينظر لهذه الآية . ولا يأت بمقاييس من عقله وهواه ليبين كيفية البراءة من الشرك .
فالآية دليل واضح على أن من البراءة من الشرك تكفير المشرك وإخراجه من الدين . وهكذا فهمها الصحابة وهكذا فسرها المفسرون .
فكيف بعد هذا تقول : ليست دليلاً على أن تكفير المشركين وإخراجهم من الدين هو من أصل البراءة من الشرك . ؟
فهي دليل على ماذا إذن والرسول صلى الله عليه وسلم يصفها بأنها براءة من الشرك ؟ وقد تكرر فيها وصف المشرك بالكافر وأنه ليس في دين الله.
ولقد أثبت لك أن مشركي العرب كانوا لا يحبون أن يوصفوا بأنهم كفار ، مع قبولهم وصف مشركين .
اذكر لي ما هي الأحكام التي تفهم من هذه الآية ؟



قولك : ثم هنا نكتة بديعة ، وهي أن هذه الآية تشمل كل كافر ، كما قال ابن كثير : ( قوله : { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } شمل كل كافر على وجه الأرض ، ولكن المواجهين بهذا الخطاب هم كفارُ قريش (



أقول : وهل لو شملت كل الكفار - وهذا هو الصحيح - فماذا سيغير من الحكم ؟


قولك : فهذا يلزمك قطعاً أن تكفر من أخطأ في تكفير أي كافر ترى كفره .. لأنه لم يتبرأ من كفره وشركه ، كما تقول .



أقول : سبحان الله ! وكيف سيلزمني أن أكَفِّر كل من أخطأ في التكفير ؟
أنا إذا ثبت عندي أن تارك الصلاة كافر ، فسوف أحكم عليه بالكفر وأخرجه من الدين ، وأعامله معاملة الكفار ، ولو كنت حاكماً لحكمت بقتله ردة . ولا يعني ذلك أن أكفر وأبرأ ممن لا يكفره ما دام يستند على دليل شرعي معتبر في ذلك .
أما لو قال : أن تارك الصلاة ثبت عندي كفره وخروجه من الدين ومع هذا سأحكم عليه بالإسلام فهذا يكفر ويخرج من الدين .
ثم نحن لا نتكلم عن مواضيع الخلاف بين العلماء ، نحن نتكلم عن الكفر بالطاغوت ، نحن نتكلم عن حكم من عبد غير الله . فهل يشك مسلم موحد في كفر من عبد الطاغوت وعبد غير الله ؟
اسأل كل من يدعي الإسلام اليوم ، ما حكم من يعبد غير الله ؟ ستجد الجواب منهم بدون تردد . مشرك غير مسلم .
اسألهم ما حكم من يشرك بالله ؟ ستجد الجواب منهم بدون تردد : مشرك غير مسلم . حتى يأت لهم علماء الطواغيت ويقولون لهم : حذاري من هذه الأحكام . من كفر مسلماً فقد كفر . أتركوا مسألة التكفير لنا ، فهناك أحكام عامة وأحكام خاصة ، هناك تحقيق شروط وانتفاء موانع ، وهذه لا تفهمونها . وما عليكم فهمه هو : أن كل من يتوجه للقبلة فهو مسلم مهما فعل من الشرك الأكبر ، فليس كل من وقع في الشرك وقع الشرك عليه ، لأنه ممكن أن يكون جاهلاً ، أتركوه لنا وانجوا بدينكم ، لأن وبال تكفير المسلم كبير ، سيؤدي لكفركم أنتم . وما عليكم هو أن تعتقدوا أن فعله باطل وأنه على باطل بفعله ، أما شخصه وعينه فلا . لأنه يبقى مسلماً موحداً وأخوكم في الدين له حق الولاء والنصرة والحب .



قولك : ليتك تأملت كلامي جيداً قبل أن تحكم بهذا .. فأنا قلت : :" أما قول إبراهيم - عليه السلام - في البراءة .. فهي براءة منهم في فعلهم ، يعني : هو بريء منهم في شركهم وكفرهم .



أقول : قولك " براءة منهم في فعلهم " ثم بعد ذلك في كلامك السابق تقول " أما أشخاصهم وذواتهم فلا " يعطي انطباع بأنك لا تتبرأ من ذواتهم . لماذا لا تقول نتبرأ منه فقط ؟ أو تقول : نتبرأ منهم حتى يتركوا الشرك والكفر كما قال إبراهيم عليه السلام ومن معه : " حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ "
لماذا تستعمل العبارات غير الواضحة . " فهي براءة منهم في فعلهم ، يعني : هو بريء منهم في شركهم وكفرهم ."
الكل يعرف أن تكفير الشخص أو الحكم عليه بالشرك والبراءة منه ناتجة عن فعله ، وليس للونه وجنسه وطوله ووزنه .


قولك : ألا ترى أنني لم أنف البراءة منهم ؟ .. لكنني عللت البراءة منهم بشركهم وكفرهم .
فنحن نبرأ من الكافرين في كفرهم وشركهم .. فنتمايز عنهم ، ونبغضهم ، ونقاتلهم .. لماذا ؟؟ لأنهم يشركون بالله ويكفرون به .. وهذا هو ما تدل عليه الآية في سورة الممتحنة إذ يقول الله تعالى : { حتى تؤمنوا بالله وحده } .. أي إن سبب براءتنا منهم هو : كفرهم بالله .




أقول : كل عاقل بالغ يعرف أن سبب التكفير والحكم بالشرك والبراءة من المشرك والكافر هو عمله وليس جنسه أو لونه أو طوله أو وزنه وو ، فلا داعي لذكر العلة مع الحكم . لأن هذا يُشعر أن وراء ذلك شيئا .

قولك : اعذرني من كلمتي التي سأقولها ، لكنني لا أعني بها انتقاصاً من شأنك ، إنما أقول ذلك رحمة بي وبك .
الظاهر أنه يصعب عليك فهم بعض الكلام العربي الذي أقوله ، ربما لكونك غير عربي (لا أعلم حقيقة) .. وأعيد وأكرر أنني لا أتقصد بذلك انتقاصاً من شأنك ، ولا حطاً من قدرك ، إنما لبيان علة الخلل في فهمك لكلامي .
لقد قلتُ أنا : نتبرأ من الكافرين لشركهم وكفرهم لا لذواتهم وأشخاصهم .. فاستعملت لام التعليل .
وأحياناً أقول : نبرأ منهم في كفرهم وشركهم ، لا في ذواتهم .. والمعنيان سيان .
وأنت تأتي وتقول أنني قلت نتبرأ من فعلهم وليس من ذواتهم .. والفرق بين العبارتين واضح وضوح الشمس لمن يفهم كلام العرب ، والله المستعان .




أقول : هل شعرت من كلامي معك أنني غير عربي ، سبحان الله !
دعك من هذه الأساليب يا أبا شعيب .
هل تريد أن نحول الحوار لدرس عربي حتى تعرف أنني عربي أم غير عربي ؟ وحتى نرى من هو الذي يصعب عليه فهم التعبير العربي ؟
أريد منك أن تفسر لي لماذا زدت في كلامك " أما ذواتهم وأشخاصهم فلا " هل أحد يفهم من كلامك أو من كلام العلماء " نتبرأ منهم " يعني نتبرأ منهم لأنهم سود أو بيض أو لأنهم طوال أو قصار ، أو لأنهم عجم ؟
ما معنى حرف ( في ) لغة " نبرأ منهم في كفرهم وشركهم " ؟ هل معنى حرف ( في ) هنا لأجل ؟ ما معنى حرف ( في ) هنا يا أبا شعيب . ؟ هل حرف (في ) للتعليل ؟
نعم يفهم من كلامك عندما تقول " نتبرأ من الكافرين لشركهم وكفرهم " أن المقصود لأجل كفرهم وشركهم . اللام هنا للتعليل ، وهذا يفهمه كل من له أدنى فهم باللغة . ولكن المشكلة هو ما تضيفه بعد ذلك من كلام " لا لذواتهم وأشخاصهم " " أما ذواتهم وأشخاصهم فلا " " في كفرهم وشركهم ، لا في ذواتهم "
ألا يوجد فرق يا أبا شعيب بين قول : " نبرأ منهم في كفرهم وشركهم "
وبين " نتبرأ من الكافرين لشركهم وكفرهم " ؟
ثم أنت بعد ذلك ألم تضرب مثالاً : فاعل الزنا ؟ " لا يزني الزاني وهو مؤمن " أليس معنى ذلك "أنه أثناء فعله للزنا ليس مؤمنا " أم أنه حتى يتوب من الزنا يظل غير مؤمن ؟
وأقرأ كلامك السابق :
" يعني تكفي أي كلمة تُظهر أنهم على باطل فيما يفعلونه من شرك ، وعلى ضلال ، ولا يرضاه الله .. حتى يدخل الإسلام.
ولاحظ هنا أنني أتكلم عن الحكم عليهم بمقتضى فعلهم ، لا بمقتضى ذواتهم أو أشخاصهم ."
" فقولي : فلان بفعله على غير دين الإسلام .. فهو إظهار لبطلان ما هو عليه من فعل .
وهذا الحكم محصور فيما فعله من باطل .. كقولنا : الزاني بزناه على غير الإسلام في هذا الفعل . وشارب الخمر بمعصيته على غير الإسلام في هذا الفعل .
فالجاهل إذا قال الشيء نفسه في الكفر ، فقال : فلان بفعله الباطل هذا على غير الإسلام في هذا الفعل .. فإن هذا يكفيه ليبقى مسلماً ."
" أما الحكم على العين ، فهو عند الترجيح في الأحكام ، وإضفاء الحكم الغالب على غيره . والجاهل الذي لا يعرف الترجيح في الأحكام لا يكفر "




قولك : وحتى يسهل عليك تحرير مذهبي ، أقول :
نحن نتبرأ من الكافرين من ذواتهم ، وليس في ذواتهم ..
نتبرأ منهم في كفرهم ، ونتبرأ من كفرهم .
هل وضح كلامي الآن ؟




أقول : انظر بالله عليك كيف قلت : " نحن نتبرأ من الكافرين من ذواتهم ، وليس في ذواتهم " لم تستعمل حرف " في " واستعملت حرف " من "
لماذا ؟ ما معنى " في ذواتهم " وما معنى " في كفرهم " ؟
لماذا استعملت " في " عندما قلت " في كفرهم " ولم تستعمل " في " عندما قلت " وليس في ذواتهم " ؟
هل في اللغة معنى " لكفرهم " نفس معنى " في كفرهم "
ممكن أن تشرح لي الفرق حسب اللغة ؟
وهل تقصد من " في كفرهم " يعني ما داموا على كفرهم ولم يتوبوا منه نتبرأ من ذواتهم وأشخاصهم ؟ فإذا كنت تقصد هذا المعنى فلماذا قلت بعدها " أما ذواتهم وأشخاصهم فلا "
ثم هنا تقول : "نحن نتبرأ من الكافرين من ذواتهم " وقبل ذلك قلت : " أما ذواتهم وأشخاصهم فلا "


قولك : هذه البراءة التي عنيتها هي البراءة الكليّة التي تقتضي قطع جميع الأواصر بين المسلم والكافر .. فهذه لا تتحقق حتى يظهر الكافر عداوته لدين الله تعالى .
وإلا ، فإن الكافر المسالم الذي لا يُعادي المسلمين ، أمر الله تعالى ببره والإحسان إليه ووصله لمن كان قريباً له .
كما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسماء بنت أبي بكر بأن تصل أمها ، فهي لم تقطع جميع الأواصر معها .




أقول : ومن قال لك أن البراءة الكاملة هي قطع جميع الأواصر بين المسلم والكافر ؟
لا يجب قطع جميع الأواصر بين المسلم والكافر حتى ولو كان محارباً للإسلام .
فالبراءة الكاملة لا تعني قطع جميع الأواصر بين المسلم والكافر . فحتى لو كان أبوك محارباً للإسلام لا يمنع ذلك دعاءك له وهو حي . ولا يمنع ذلك بره وإطاعته بغير معصية . فهل الدعاء له ليس من الأواصل ؟
وقد قال تعالى : " فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ "
هل كان قبل أن يموت على الكفر ليس عدواً لله ؟ نعم كان عدواً لله . ومع ذلك كان يدعوا له قبل أن يموت . أليس هذا نوعاً من الوصل . فلما مات على الكفر منع من الدعاء له . وهذا هو معنى قوله تعالى " تبرأ منه " أي لم يدع له .
ولقد بينت لك خطأ استشهادك بهذه الآية سابقاً .



قولك : وأنت نفسك تقول إنه يوجد موالاة جائزة للكفار .. والولاء قطعاً نقيض البراء .



أقول : ليس كل مولاة نقيض البراءة المطلوبة نحو المشرك لتحقيق التوحيد . فالبراءة لها عدة معاني . وليس الموالاة الجائزة بين المسلمين والكفار تناقض البراءة منهم أو نقيض البراءة منهم .
وأكبر مثال على ذلك الدعاء للكافر . الدعاء للكافر في حياته جائزة حتى لو كان محارباً ، أما الدعاء له بعد موته على الكفر فهي غير جائزة وسماها الله سبحانه وتعالى براءة منه . إذن ليس هي البراءة المطلوبة لتحقيق التوحيد . ونحن نتحدث عن البراءة المطلوبة لتحقيق التوحيد . وهي المقصودة من قوله تعالى : ( إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ، إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِي )
وكذلك قوله تعالى : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ (


قولك : ويدل على أنني عنيت هذا المعنى ، أنه أتى بعد ذكري للبراءة منهم في كفرهم وشركهم..
فقلت : أما قول إبراهيم - عليه السلام - في البراءة .. فهي براءة منهم في فعلهم ، يعني : هو بريء منهم في شركهم وكفرهم .
قال تعالى : { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [يونس : 41]
وقال أيضاً : { إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }[هود : 54]
وأيضاً : { فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [الشعراء : 216]
وتعني أيضاً : براءة من ذواتهم وأشخاصهم بعد إقامة الحجة عليهم وإظهارهم العداوة لدين الله .. من جنس قوله تعالى : { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة : 114
وجعلتُ هذه البراءة من جنس قوله تعالى في إبراهيم ، ومن جنس قوله في نوح ، عليهما السلام .
وعندما أجعل هذه البراءة من ذلك الجنس ، فهي تعني براءة كليّة تنقطع بها جميع الأواصر .




أقول : لقد أثبت لك أنه لا يوجد براءة كلية تقطع جميع الأواصل بين المسلم والكافر . واستشهادك بآية ( التوبة : 114 ) استشهاد خاطئ ولقد أثبت لك ذلك .
ثم لماذا هذا اللف والدوران .؟ لماذا لا تقول : نتبرأ من ذواتهم لأفعالهم . وتترك القول : " نتبرأ منهم في أفعالهم . " والقول " .. فهي براءة منهم في فعلهم ، يعني : هو بريء منهم في شركهم وكفرهم "
لماذا لا تقول : " بريء منهم لشركهم وكفرهم ، وتبقى هذه البراءة من ذواتهم وأشخاصهم حتى يتوبوا من شركهم وكفرهم .
لماذا تركز على "الفعل " والكل يعرف أنه ما حكم عليهم بالكفر والشرك إلا لفعلهم الشرك والكفر . ؟ وما تبرأ من ذواتهم إلا لفعلهم الشرك والكفر.
لماذا تترك الكلام الواضح الذي لا يخالفك فيه أحد وتلجأ لاستعمال كلمات محتملة ؟ وتستعمل مصطلحات لم يستعملها العلماء ؟
ثم لماذا تأت بآيات يذكر فيها البراءة من العمل ، وبعدها تقول : " وتعني أيضاً : براءة من ذواتهم وأشخاصهم بعد إقامة الحجة عليهم وإظهارهم العداوة لدين الله .." وتأتي بعدها بآية ( التوبة :114 ) والتي ليست لها علاقة بإقامة الحجة من قريب ولا من بعيد . ؟



قولك : الحجة التي يكون بعدها إظهار العداوة والبغضاء والقتال ، وليست حجة إلحاق اسم الكفر والشرك بهم .



أقول : وهل هناك حجتين نقيمهما ، حجة لإلحاق اسم الشرك وحجة لإظهار العداوة والبغضاء والقتال ؟
ثم ما هي هذه الحجة التي يكون بعدها إظهار العداوة والبغضاء والقتال ؟
وما هي الحجة التي نقيمها لإلحاق اسم الشرك على عين المشرك ؟


قولك : المقصود أنه لم يتبرأ منه البراءة التامة التي تنقطع بها جميع الأواصر حتى وقت المفاصلة . فعندما بان واتضح أنه كافر ومات على الكفر ، فهنا تمت البراءة التامة ، فلم يجعله الله تعالى من أهله .



أقول : ومن قال لك أن المقصود من البراءة ، قطع جميع الأواصل ؟
أليس زيارة قبر الكافر بعد مماته من الأواصل ؟ وقد أذن الله لرسوله صلى الله عليه زيارة قبر أمه ولم يأذن له بالدعاء لها . ألا يعد ذلك من الأواصل؟ فكيف تقول : " فإذا مات تمت البراءة التامة ."
والدعاء له بعد موته ، لا تعني أنه لم يتبرأ منه البراءة المطلوبة كمشرك .
ثم حرمة الدعاء له بعد موته ليست لها علاقة بإقامة الحجة كما فهمتها أنت . فالحجة لم تقم على أبَوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يُؤذن له بالدعاء والاستغفار لهما . وقامت على والد إبراهيم عليه السلام قبل موته وليس بموته قامت .
فعدم الاستغفار لمن مات على الشرك حكم شرعي يعرف بالدليل الشرعي ولا يكفر من لم يعرفه واستغفر للمشرك الميت حتى تقام عليه الحجة ويستحل .
ولا يقال أن من استغفر للمشرك فقد والاه . لأن الاستغفار للمشرك جائز في حياته . والتحريم فقط بعد أن يموت على الشرك .


قولك : كما قلت : البراءة منهم هي في شركهم وكفرهم .. فما داموا كفاراً نحن نتبرأ منهم .



أقول : أنت هنا تقول : " فما داموا كفاراً نحن نتبرأ منهم " . ألا يدل هذا الكلام على أنهم ما داموا لم يتبرؤوا من الكفر والشرك فأنت تتبرأ من أعيانهم . يعني بعبارة أخرى ما داموا لم يتوبوا من الكفر أو الشرك فأنت تتبرأ من أعيانهم . أليس كذلك ؟


قولك : والبراءة المقصودة هنا هي : بغضهم لفعلهم .. وتركهم ومفاصلتهم .. والمجاهرة بذلك .



أقول : أنت هنا تقر أيضاً بأنهم ما داموا لم يتوبوا من الكفر والشرك يجب تركهم ومفاصلتهم .. والمجاهرة بذلك . أليس كذلك ؟
والظاهر من كلامك أنك تقصد بقولك " تركهم ومفاصلتهم " يعني ترك أعيانهم ومفاصلة أعيانهم ما داموا لم يتوبوا من الكفر والشرك . أليس كذلك ؟


قولك : ولا يوجد دليل واحد يبيّن أن التكفير أصل في البراءة من الكفر .. هل تجد ذلك في أيّ دليل شرعي واحد ؟؟ بحيث يكون من لا يكفر المشرك موالياً لشركه ؟؟



أقول : إذا كنت تقصد التسمية بالكافر ، فقد قلت لك سابقاً أنها ليست ضرورية ( كتسمية ) لدخول الدين بداية .
ولم أقل أن من لا يكفر المشرك فقد والاه لشركه .
وإنما مَن حكم على المشرك بالإسلام لا بد له أن يواليه كمسلم موحد ولا يجوز أن يتبرأ من شخصه وعينه .



قولك : ونحن نرى أن العلماء اختلفوا في تكفير بعض الكافرين ، ولم يعن هذا أن من امتنع عن التكفير غير متبرئ من كفر الكافر ..



أقول : المسلمون لم يختلفوا في تكفير بعض الكافرين . وإنما اختلفوا في تكفير المسلم الذي فعل الكفر . وهناك فرق كبير من الجملتين .
فالذي لم يكفر المسلم الذي فعل الكفر لم يكفره لأنه لم يثبت عنده أن الكفر وقع عليه . أو لم يكفره لأنه لم ير عمله كفراً .
ولا يقال أيضاً أن المسلمين اختلفوا في تكفير المشرك الذي عبد غير الله .
وإنما اختلفوا في فهم فعله هل هو شرك أكبر أم لا ، فمن فهم من فعله أنه شرك أكبر لم يتردد في إخراجه من الدين .
ويجب التنبيه هنا أن خلافهم لم يكن في الشرك الأكبر ، وإنما كان في الشرك الأصغر . فمن العلماء ما حكم على بعضه بأنه شرك أكبر فأخرج من الدين فاعله ، ومنهم من حكم عليه بأنه شرك أصغر ومعصية من المعاصي فلم يخرج فاعله من الدين . ومثال ذلك : طلب الدعاء من الميت.
فطلب الدعاء من الميت ليس شركاً أكبراً ، ولكن بعض علماء نجد عدوه من الشرك الأكبر وأخرجوا فاعله من الإسلام .

صفوان 01-16-2018 01:58 PM

أبو شعيب :
بسم الله الرحمن الرحيم ،

هذه على عجالة ..


تقول :

[-- ما معنى حرف ( في ) لغة " نبرأ منهم في كفرهم وشركهم " ؟ هل معنى حرف ( في ) هنا لأجل ؟ ما معنى حرف ( في ) هنا يا أبا شعيب . ؟ هل حرف (في ) للتعليل ؟ --]

جاء في [جواهر الأدب في معرفة كلام العرب – 228] عند معاني الحرف "في" :
(الثالثة : للسببية ، كقوله تعالى : { فذلكن الذي لمتنني فيه } .. وكقوله - صلى الله عليه وسلم - : "إن امرأة من بني إسرائيل دخلت النار في هرة" .. أي بسببها .) اهـ

والحمد لله رب العالمين .

صفوان 01-16-2018 02:00 PM

مسلم 1:
بسم الله الرحمن الرحيم

الرد على مشاركة رقم 68


قولك : هذه على عجالة ..تقول :

(ما معنى حرف ( في ) لغة " نبرأ منهم في كفرهم وشركهم " ؟ هل معنى حرف ( في ) هنا لأجل ؟ ما معنى حرف ( في ) هنا يا أبا شعيب . ؟ هل حرف (في ) للتعليل ؟ )

جاء في [جواهر الأدب في معرفة كلام العرب – 228] عند معاني الحرف "في" :
(الثالثة : للسببية ، كقوله تعالى : { فذلكن الذي لمتنني فيه } .. وكقوله - صلى الله عليه وسلم - : "إن امرأة من بني إسرائيل دخلت النار في هرة" .. أي بسببها .) اهـ




أقول : هل أنت يا أبا شعيب عندما قلت " نتبرأ منهم في كفرهم " كنت تقصد ما داموا لم يتوبوا من كفرهم فالبراءة من أشخاصهم وذواتهم دائمة. ؟
وهل قولك " نكفرهم في شركهم وفي كفرهم " كنت تقصد نحكم عليهم بالكفر والشرك بسبب كفرهم وشركهم ونظل نحكم على أشخاصهم وذواتهم وأعيانهم هذا الحكم حتى يتوبوا من كفرهم وشركهم ؟

صفوان 01-16-2018 02:03 PM

أبو شعيب
بسم الله الرحمن الرحيم ،

الرد على مشاركة رقم #70


[-- أقول : هل أنت يا أبا شعيب عندما قلت " نتبرأ منهم في كفرهم " كنت تقصد ما داموا لم يتوبوا من كفرهم فالبراءة من أشخاصهم وذواتهم دائمة. ؟
وهل قولك " نكفرهم في شركهم وفي كفرهم " كنت تقصد نحكم عليهم بالكفر والشرك بسبب كفرهم وشركهم ونظل نحكم على أشخاصهم وذواتهم وأعيانهم هذا الحكم حتى يتوبوا من كفرهم وشركهم ؟ --]


انظر أخي الكريم ، هداني الله وإياك ،

يبدو لي أن الخلفية العلمية والتأصيل الشرعي الذي عندي ، يختلف عن الذي عندك .. لذلك عندما أتكلم في مسألة كالولاء والبراء ، أتكلم معك باعتبار أن أصولنا فيها واحدة ، فأبني على ذلك أنك ستفهم كلامي بمجرد تذكيري لك به ، وإذ بي أرى بعدها أننا نختلف كذلك في أصول المسائل ، وهذا ما يدفعك إلى السؤال عنها .

لذلك أرى أن علينا التكلم في جذور هذه المسألة وتصحيحها ، ثم نتكلم عمّا ينبني عليها .

أما جواب سؤالك في الأعلى فهو : نعم .. فهمك لظاهر كلامي صحيح .. ولكن المشكلة ليست في ذلك .. إذ أن المفاهيم التي أطرحها مخالفة لما يقوم في فهمك عند قراءة كلامي ؛ وهذا ما سأوليه اهتماماً في هذه المشاركة ، حتى نأتي على مواضع الخلاف ، بإذن الله .

وستتوضح لك هذه المسألة جلياً بعد ضبط مسألة ترك الصلاة ، فاسمح لي من فضلك .

أنت تقول في مشاركة رقم #67 :


[-- أقول : سبحان الله ! وكيف سيلزمني أن أكَفِّر كل من أخطأ في التكفير ؟
أنا إذا ثبت عندي أن تارك الصلاة كافر ، فسوف أحكم عليه بالكفر وأخرجه من الدين ، وأعامله معاملة الكفار ، ولو كنت حاكماً لحكمت بقتله ردة . ولا يعني ذلك أن أكفر وأبرأ ممن لا يكفره ما دام يستند على دليل شرعي معتبر في ذلك .
أما لو قال : أن تارك الصلاة ثبت عندي كفره وخروجه من الدين ومع هذا سأحكم عليه بالإسلام فهذا يكفر ويخرج من الدين . --]


أقول لك :

يلزمك تكفيره لأنه بحسب كلامك : لا يتبرأ من دينه الذي هو كفر .. فهو على غير دين الإسلام في معتقدك .. ومن يواليه يجب أن يكون مثله في الحكم .. أي : على غير دين الإسلام .

ثانياً :

ترك الصلاة شرك أكبر بنص كتاب الله - سبحانه وتعالى - إذ قال : { الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ } [الأنعام : 1]

وقال : { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } [الفرقان : 43]

فكل من كفر بالله تعالى وخرج من الدين هو : مشرك ، ويعبد غير الله تعالى .

قال ابن تيمية - رحمه الله - : ( ولهذا كان كل من لم يعبد الله وحده ، فلا بد أن يكون عابدا لغيره . يعبد غيره فيكون مشركا . وليس في بني آدم قسم ثالث . بل إما موحد ، أو مشرك ، أو من خلط هذا بهذا كالمبدلين من أهل الملل : النصارى ومن أشبههم من الضلال ، المنتسبين إلى الإسلام ) .

وبطبيعة الحال .. لا يُسمى تارك الصلاة عند من يكفره موحداً ولا مؤمناً .. فإذن هو كافر ومشرك .


وبنص حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - .

قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق تارك الصلاة : (( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )) .. وقوله في حديث آخر : (( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )) .. وقوله في حديث آخر : (( ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة فإذا تركها فقد أشرك )) .. وأيضاً : (( بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة فإذا تركها فقد أشرك )) .

وهذه الأحاديث محمولة على الشرك الأكبر عند من يرى كفر تارك الصلاة .

فعليه :

أنا عندي تارك الصلاة كسلاً العالم بوجوبها : كافر مشرك ، يعبد هواه من دون الله ، وهو على غير دين الإسلام .
وعندي أن من يواليه ويحبه : كافر ومشرك ، مثله في الحكم .

ولا يمكن لأحد التفريق بينه وبين المتولي له .. فهما في الحكم سيان .

ولكن ما معنى هذا الحكم ؟

معناه : أن من يحبه لأنه يترك الصلاة .. ويعينه على ترك الصلاة .. ويجعله مسلماً لأنه تارك الصلاة .. فهذا متول له وكافر مثله .

أما من يقول : إن ترك الصلاة ليس من دين الله ، وفلان على ضلال في نطاق هذا الأمر ، وباقي أفعاله من إيمان وتوحيد هي من دين الإسلام ، وهو على الحق فيها .. فهذا لا يكفر ما دام مجتهداً .

هل فهمت معنى كلامي الآن في الولاء والبراء ؟

صفوان 01-16-2018 02:13 PM

مسلم 1 :

بسم الله الرحمن الرحيم

الرد على مشاركة رقم 71:


قولك : ( أقول : هل أنت يا أبا شعيب عندما قلت " نتبرأ منهم في كفرهم " كنت تقصد ما داموا لم يتوبوا من كفرهم فالبراءة من أشخاصهم وذواتهم دائمة. ؟
وهل قولك " نكفرهم في شركهم وفي كفرهم " كنت تقصد نحكم عليهم بالكفر والشرك بسبب كفرهم وشركهم ونظل نحكم على أشخاصهم وذواتهم وأعيانهم هذا الحكم حتى يتوبوا من كفرهم وشركهم ؟)
انظر أخي الكريم ، هداني الله وإياك ، يبدو لي أن الخلفية العلمية والتأصيل الشرعي الذي عندي ، يختلف عن الذي عندك .. لذلك عندما أتكلم في مسألة كالولاء والبراء ، أتكلم معك باعتبار أن أصولنا فيها واحدة ، فأبني على ذلك أنك ستفهم كلامي بمجرد تذكيري لك به ، وإذ بي أرى بعدها أننا نختلف كذلك في أصول المسائل ، وهذا ما يدفعك إلى السؤال عنها .
لذلك أرى أن علينا التكلم في جذور هذه المسألة وتصحيحها ، ثم نتكلم عمّا ينبني عليها .



أقول : لا شك أن الخلفية العلمية والتأصيل الشرعي الذي عندك يختلف عن الذي عندي .
فنحن حتى ولو اتفقنا في تعريف أصل الدين اختلفنا في معناه .
فأنت تقول أن معنى الكفر بالطاغوت : هو اعتقاد أنه على باطل في فعله ، وأن من يعبده على باطل في فعله ، وليس معناها اعتقاد أنه كشخص معين ليس في دين الله هو ومن يعبده .
وأنا أفهم من الكفر بالطاغوت : هو الاعتقاد أنه ليس في دين الله هو ومن اتبعه وكذلك من لم يعتقد ذلك ليس في دين الله هو الآخر .
هذا خلافنا الأول .
ولحل هذا الخلاف وغيره يجب الرجوع لكتاب الله وسنة رسوله . لهذا أطالبك بان تثبت ما قلته في معنى الكفر بالطاغوت من القرآن والسنة . لأنك لم تأت بدليل واحد لحد الآن يثبت ما ذهبت إليه ، ولقد جئتك بأكثر من دليل يثبت ما فهمته أنا من الكفر بالطاغوت .

أما الخلاف الثاني فهو في مسألة الولاء والبراء ومعناهما وأحكامهما .
لهذا هنا حتى نفهم بعضنا البعض أريد أن أسالك بعض الأسئلة :
1-ما هو الولاء والبراء الذي من أصل الدين ؟
2-ما معنى الولاء والبراء في قول إبراهيم عليه السلام والذين معه " إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ."
وهل هو المطلوب في أصل الدين ؟
3-وما معنى قوله تعالى : " بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ "( التوبة :1)
4-وما معنى قوله تعالى : " فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ "


قولك : أما جواب سؤالك في الأعلى فهو : نعم .. فهمك لظاهر كلامي صحيح .. ولكن المشكلة ليست في ذلك .. إذ أن المفاهيم التي أطرحها مخالفة لما يقوم في فهمك عند قراءة كلامي ؛ وهذا ما سأوليه اهتماماً في هذه المشاركة ، حتى نأتي على مواضع الخلاف ، بإذن الله .
وستتوضح لك هذه المسألة جلياً بعد ضبط مسألة ترك الصلاة ، فاسمح لي من فضلك .




أقول : إذا أستطيع أن أقول أن عقيدتك هي :
من فعل الشرك فهو مشرك غير مسلم ولا موحد حتى يترك الشرك ويتوب منه . ( طبعاً الحكم على عين الشخص .)
ومن فعل الشرك تتبرأ من ذواتهم وأشخاصهم ما داموا لم يتركوا الشرك ويتوبوا منه .
أريد منك يا أبا شعيب أن تأكد هذا الفهم .
وهل فهمت هذا من فهمك لأصل الدين .؟


قولك : أنت تقول في مشاركة رقم #67 :
) أقول : سبحان الله ! وكيف سيلزمني أن أكَفِّر كل من أخطأ في التكفير ؟
أنا إذا ثبت عندي أن تارك الصلاة كافر ، فسوف أحكم عليه بالكفر وأخرجه من الدين ، وأعامله معاملة الكفار ، ولو كنت حاكماً لحكمت بقتله ردة . ولا يعني ذلك أن أكفر وأبرأ ممن لا يكفره ما دام يستند على دليل شرعي معتبر في ذلك .
أما لو قال : أن تارك الصلاة ثبت عندي كفره وخروجه من الدين ومع هذا سأحكم عليه بالإسلام فهذا يكفر ويخرج من الدين(
أقول لك : يلزمك تكفيره لأنه بحسب كلامك : لا يتبرأ من دينه الذي هو كفر .. فهو على غير دين الإسلام في معتقدك .. ومن يواليه يجب أن يكون مثله في الحكم .. أي : على غير دين الإسلام .




أقول : سبحان الله ! كيف يَلزمني تكفير من لا يكفره ؟ !!
كيف لا يتبرأ من دينه الذي هو كفر ؟
هو لا يعتقد أنه كفر ، فكيف ألزمه أن يتبرأ ممن يعتقد أنه مسلم موحد وأن عمله ليس بكفر . وهو يستند بذلك لدليل شرعي معتبر . ؟
ثم من قال لك يا أبا شعيب أن كل من يواليه يجب أن يكون مثله في الحكم؟
من أين جئت بهذا الفهم ؟
ثم تارك الصلاة ليس دينه ترك الصلاة . بل هو يعتقد فرضيتها . ومن كَفَّره لم يُكفره لأن دينه ترك الصلاة بل لأنه ترك الصلاة . فهناك فرق كبير.
نعم هو على غير الإسلام في معتقدي الذي استند فيه لأدلة شرعية فهمت منها أن تارك الصلاة كسلاً ليس مسلماً . وكذلك في معتقدي أيضاً أن من لا يكفره لا يكفر ما دام يستند لأدلة شرعية معتبره . فهذا خلاف فقهي اجتهادي يحصل بين المسلمين ، كأي خلاف في المسائل الفقهية . وليس له علاقة بأصل الدين . فمثلاً : أنا ممكن أن اعتقد أن نزول الدم لا ينقض الوضوء وغيري من المسلمين يعتقد أنه ينقض الوضوء ، فإذا لم أجدد وضوئي وصليت بعد أن نزل مني دم فصلاتي جائزة ، أما من يعتقد أن نزول الدم ينقض الوضوء ، فإذا صلى بعد أن نزل منه الدم بدون أن يتوضأً فصلاته باطلة . ولا يجب عليه أن يعتقد أن صلاتي باطله . وهكذا في باقي الأحكام الفقهية .
حكم المرتد حكم فقهي ، لهذا فهو موجود في كتب الفقه ، وهناك خلاف كثير في أحكامه بين العلماء . وكل عالم ملزم بأن يعمل حسب ما يعتقده هو . ولا يحق له أن يلزم غيره بما يعتقد ما دام غيره عنده دليل ، ويسع المسلمين الخلاف فيه .



قولك : ثانياً : ترك الصلاة شرك أكبر بنص كتاب الله - سبحانه وتعالى - إذ قال : { الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ } [الأنعام : 1(
وقال : { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } [الفرقان : 43]
فكل من كفر بالله تعالى وخرج من الدين هو : مشرك ، ويعبد غير الله تعالى




أقول : كيف فهمت أن ترك الصلاة شرك أكبر بنص كتاب الله ؟
كيف فهمت من هذه الأدلة أن ترك الصلاة شرك أكبر ؟
لا يوجد حتى ذكر الصلاة في هذه الآيات .
وأتحداك أن تأتي بنص واحد صريح لا يخالفه نص آخر أن ترك الصلاة كسلاً شرك أكبر .




تقول : " فكل من كفر بالله تعالى وخرج من الدين هو : مشرك ، ويعبد غير الله تعالى "



أقول : ليس من ترك الصلاة كسلاً كفر بالله . لأن ليس كل كافر قد كفر بالله . فقد يكون كفر بالرسالة . أو بأي شيء آخر غير الله .
ثم تارك الصلاة كسلاً ما هو الشرك الأكبر الذي فعله ؟ هل عبد غير الله ؟


قولك : " قال ابن تيمية - رحمه الله - : ( ولهذا كان كل من لم يعبد الله وحده ، فلا بد أن يكون عابدا لغيره . يعبد غيره فيكون مشركا . وليس في بني آدم قسم ثالث . بل إما موحد ، أو مشرك ، أو من خلط هذا بهذا كالمبدلين من أهل الملل : النصارى ومن أشبههم من الضلال ، المنتسبين إلى الإسلام ( .
وبطبيعة الحال .. لا يُسمى تارك الصلاة عند من يكفره موحداً ولا مؤمناً .. فإذن هو كافر ومشرك




أقول : دعك الآن من كلام العلماء حتى لا يتشعب الموضوع . لأن شرح كلام العلماء سيتطلب مني وقتاً كبيراً ، وسوف يشعب الموضوع .
ومع هذا فأقول مختصراً . كلام ابن تيمية هذا ليس دليلاً لك على أن تارك الصلاة كسلاً قد عبد غير الله وأشرك الشرك الأكبر . هذه واحدة .
والثانية : انتبه لقوله " ولهذا كان كل من لم يعبد الله وحده " هو يقول : من لم يعبد الله وحده ، يعني أنه يعبد معه غيره . ولا يقال لكل كافر ، أنه لم يعبد الله وحده . فهناك من الكفرة من لا يعبد إلا الله . وانتبه لتأكيده بقوله " يعبد غيره فيكون مشركا "
أما قوله : " ليس في بني آدم قسم ثالث . بل إما موحد ، أو مشرك " فإن كان يقصد من كلمة مشرك ، كافر، يعني استعمل الخاص بمعنى العام فهذا صحيح ، وأرجح أنه قصد هذا ، أما إن كان يقصد المشرك الذي يعبد غير الله ، فكلامه غير صحيح . لأن الله سبحانه يقول : " هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ) ( التغابن : 2)
قال الحافظ بن حجر العسقلاني في تفسير قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (النساء : 48). " والشرك الأكبر المعاصي والمراد به في هذه الآية الكفر، لأن من جحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم مثلا كان كافرا ولو لم يجعل مع الله إلها آخر، والمغفرة منتفية عنه بلا خوف " (فتح الباري، ج 1 ص 71.).
انظر كيف فسر ابن حجر كلمة الشرك بأنها الكفر .
فليس كل كافر مشرك ولكن كل مشرك كافر ، فبينهما عموم وخصوص مثل الإسلام والإيمان .
فبين الكفر والشرك عموما وخصوصا مطلقا، فكل مشرك شركا أكبر كافر، وليس كل كافر مشركاً. لأن الكفر خصال كثيرة ( كفر تكذيب ، كفر استكبار وإباء مع التصديق ،وكفر إعراض ، وكفر شك ، وكفر نفاق ) بينما الشرك خصلة واحدة، وهي الإشراك مع الله غيره سبحانه وتعالى، أو المساواة بين الله عز وجل وبين بعض مخلوقاته، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وهنا أطرح سؤالاً على من لا يفرق بين الكفر والشرك : موحد نصراني لم يفعل الشرك ولكن لم يؤمن بسيدنا محمد بسبب التلبيسات والمعلومات الخاطئة التي وصلته هل هو مشرك ؟ أم كافر بمحمد ؟

ثم أنظر كيف يعرف ابن تيمية الكفر : " والكفر (تارة) يكون بالنظر إلى عدم تصديق الرسول والإيمان به ، وهو من هذا الباب يشترك فيه كل ما أخبر به. (تارة) بالنظر إلى عدم الإقرار بما أخبر به ، والأصل في ذلك هو الإخبار بالله وبأسمائه ، ولهذا كان جحد ما يتعلق بهذا الباب أعظم من جحد غيره. وإن كان الرسول أخبر بكليهما ثم مجرد تصديقه في الخبر والعلم بثبوت ما أخبر به، إذا لم يكن معه طاعة لأمره، لا باطنا ولا ظاهرا ولا محبة لله ولا تعظيما له لم يكن ذلك إيماناً " (ابن تيمية، الفتاوى، ج 7 ص 534.).

وأطلب منك مرة أخرى يا أبا شعيب أن لا تستشهد بكلام العلماء إلا لتفسير أدلة القرآن أو السنة التي تطرحها حتى لا نغوص بشرح كلام العلماء .


قولك : وبنص حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق تارك الصلاة : (( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )) .. وقوله في حديث آخر : (( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )) .. وقوله في حديث آخر : (( ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة فإذا تركها فقد أشرك )) .. وأيضاً : (( بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة فإذا تركها فقد أشرك ))
وهذه الأحاديث محمولة على الشرك الأكبر عند من يرى كفر تارك الصلاة
فعليه :
أنا عندي تارك الصلاة كسلاً العالم بوجوبها : كافر مشرك ، يعبد هواه من دون الله ، وهو على غير دين الإسلام .
وعندي أن من يواليه ويحبه : كافر ومشرك ، مثله في الحكم .
ولا يمكن لأحد التفريق بينه وبين المتولي له .. فهما في الحكم سيان .
ولكن ما معنى هذا الحكم ؟
معناه : أن من يحبه لأنه يترك الصلاة .. ويعينه على ترك الصلاة .. ويجعله مسلماً لأنه تارك الصلاة .. فهذا متول له وكافر مثله .
أما من يقول : إن ترك الصلاة ليس من دين الله ، وفلان على ضلال في نطاق هذا الأمر ، وباقي أفعاله من إيمان وتوحيد هي من دين الإسلام ، وهو على الحق فيها .. فهذا لا يكفر ما دام مجتهداً .
هل فهمت معنى كلامي الآن في الولاء والبراء ؟




أقول : لو فرضنا أن تارك الصلاة كسلاً مشرك ، لا يعني ذلك أن من يحكم عليه بالإسلام استناداً لأدلة شرعية أنه لم يكفر المشرك ووالاه مع شركه. فالقول : " أن من يوالي ويحب تارك الصلاة : كافر ومشرك ، مثله في الحكم "
كلام غير صحيح . لأن حكم تارك الصلاة مختلف فيه .
ثم حتى يوافق مثالك ما نتكلم عنهم يجب أن تقول : من أعتقد أن ترك الصلاة كسلاً كفر وشرك ، ولكنه لم يكفر تارك الصلاة كسلا ، واعتقد أنه على باطل في حدود فعله ، ولم يحكم عليه بالكفر كشخص معين لأجل أن عنده بعض أفعال التوحيد والإسلام . فما حكمه ؟
أفهم من كلامك أن معنى الولاء والبراء عندك هو : أن من يحب المشرك لأنه أشرك بالله ، أو يعينه على شركه ، ويجعله مسلماً لأنه يشرك بالله فهو الذي تولاه وهو الكافر مثله .
أما أن يحكم على من عبد غير الله ، بالإسلام والتوحيد مع إعتقاده أن عمله ضلال وهو على ضلال في نطاق شركه . فلا يكفر ولا يعد قد والى المشرك والكافر الولاء المكفر . لأنه مجتهد .
هل فهمت الآن كلامك . ؟
إذا كانت هذه عقيدتك في الولاء والبراء والحكم على عابد غير الله ،ومن لا يكفره ، فأطلب منك أن تأتي بدليل واحد عليها .

صفوان 02-03-2018 03:55 PM


أبو شعيب :

بسم الله الرحمن الرحيم ،

أنا أحضّر ردّاً على مشاركتك الأخيرة ، لكنني أود أن أستوضح إشكالاً وقعت فيه من كلامك .


تقول في مشاركة رقم #67 :

[-- أقول : الرسول صلى الله عليه وسلم صرح وبشكل واضح أن هذه الصورة براءة من الشرك . فحسب هذا التصريح يجب أن نفهم ما معنى البراءة من الشرك . فمن يريد أن يتعلم كيفية البراءة من الشرك ينظر لهذه الآية . ولا يأت بمقاييس من عقله وهواه ليبين كيفية البراءة من الشرك .
فالآية دليل واضح على أن من البراءة من الشرك تكفير المشرك وإخراجه من الدين . وهكذا فهمها الصحابة وهكذا فسرها المفسرون .
فكيف بعد هذا تقول : ليست دليلاً على أن تكفير المشركين وإخراجهم من الدين هو من أصل البراءة من الشرك . ؟
فهي دليل على ماذا إذن والرسول صلى الله عليه وسلم يصفها بأنها براءة من الشرك ؟ وقد تكرر فيها وصف المشرك بالكافر وأنه ليس في دين الله.
ولقد أثبت لك أن مشركي العرب كانوا لا يحبون أن يوصفوا بأنهم كفار ، مع قبولهم وصف مشركين .
اذكر لي ما هي الأحكام التي تفهم من هذه الآية ؟ --]


أنت استدللت بسورة الكافرون على أن البراءة من الشرك لا تتم إلا بتكفير المشرك ، ومن لا يكفره فهو مثله .

ثم تقول في مشاركتك الأخيرة رقم #72:

[-- أقول : لو فرضنا أن تارك الصلاة كسلاً مشرك ، لا يعني ذلك أن من يحكم عليه بالإسلام استناداً لأدلة شرعية أنه لم يكفر المشرك ووالاه مع شركه. --]

طيب .. دعني أفهم كلامك .

- حتى تتحقق البراءة من الشرك ، يجب على المرء تكفير المشرك .. وإلا فهو لم يتبرأ من الشرك .
- ترك الصلاة شرك أكبر (في افتراضنا الآن) .. ومع هذا من اجتهد ولم يكفّر تارك الصلاة (المشرك) ، فهذا يصحّ أن يُقال فيه إنه تبرأ من الشرك (الذي هو ترك الصلاة) .. حتى لو لم يكفّر فاعله .

سؤالي الآن :

نحن كفّرنا تارك الصلاة (المشرك) .. وتحقق لدينا البراءة من الشرك بنص سورة الكافرون .

وهؤلاء لم يكفروا تارك الصلاة (المشرك) .. ومع هذا تحقق لديهم البراءة من الشرك .. وسورة الكافرون - بحسب استدلالك - توجب تكفير المشرك حتى تتحقق البراءة من الشرك ، ومن لا يفعل ذلك فهو لم يتبرأ من الشرك .

فهل هؤلاء لم يتبرأوا من شرك تارك الصلاة إذ لم يكفروه اجتهاداً منهم ؟ .. يعني نقول في حقهم : هم لم يتبرأوا من الشرك اجتهاداً ، وعلى ذلك فهم معذورون ؟

أم نقول : إنهم متبرئون من شرك تارك الصلاة ، حتى وإن لم يكفروه ؟

صفوان 02-03-2018 04:16 PM

مسلم 1 :
بسم الله الرحمن الرحيم

تكملة الرد على مشاركة رقم 49



تقول :( أقول : لماذا كفرته يا أبا شعيب ؟
فقد أجاز الله أن تجتمع الطاعة والمعصية في قلب الإنسان ولا يكون كافراً . )
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يجتمع الشح والإيمان في جوف رجل مسلم ) .
ماذا تفهم من هذا الحديث ؟




أقول : هذا الحديث لا يفهم منه إستحالة إجتماع الشح والإيمان في جوف الرجل المسلم . ولا يفهم منه أيضاً أن وجود الشح يزيل الإيمان . بل المقصود من الحديث ذم الشح والحض على تركه ، لأنه ينقص من الإيمان الكامل كأي معصية من المعاصي .
يجب هنا التذكير بأمر مهم وهو : حتى نفهم أي حديث لا بد أن نجمع جميع الأحاديث والآيات في هذا الموضوع لنخرج بحكم بعد ذلك .



قولك : هل يجوز لك أن تقول : يجوز في الإسلام اجتماع الشح والإيمان في جوف رجل مسلم ؟



أقول : لا يمنع من اجتماع الشح مع الإيمان في جوف رجل مسلم ، الحكم عليه بالتوحيد والإيمان.
ولكن وجود الشرك الأكبر في جوف رجل مسلم يمنع الحكم عليه بالتوحيد والإسلام .


قولك : ما رأيك لو سألتك : هل يُجيز الله - تعالى - أن يجمع الناس المعاصي مع الطاعات ؟؟ ما سيكون جوابك ؟؟
لا بد أن تقول لا .. لأن الله - عز وجل - لا يُجيز اقتراف المعاصي
.



أقول : يجيز الله الحكم بالتوحيد والإسلام على من يجمع المعاصي مع الطاعات . ولكنه لا يجيز الحكم بالتوحيد والإسلام على من يجمع الشرك الأكبر مع الطاعات .
فنحن لا نتكلم عن إجازة الفعل أو عدم إجازته . نحن نتكلم عن إمكانية وجوده في قلب المسلم الموحد ويظل مع هذا موحداً .
فللمعاصي هذه الإمكانية أما الشرك الأكبر فلا .
انتبه يا أبا شعيب -هداك الله- عندما تقيس المسائل ، دقق في الأمر . ولا تقيس مع الفارق .

قولك : يعني بتعبير أوضح أقول : لو جاءك رجل وقال : هل يجوز لي شرعاً أن أعصي الله وأطيعه ؟ .. ماذا سيكون جوابك ؟
هل ستقول له : لا يجوز لك ، ولكن ذلك لا ينقض إيمانك حتى تستحل ؟؟ .. أم ستقول له يجوز لك أن تعصي الله وتطيعه ؟؟




أقول : أقول له : لا يجوز لك أن تفعل المعصية ، ولكن لا يزيل الله عنك صفة موحد ومسلم إذا عصيته وأطعته ما لم تستحل المعصية . ولكن يزيل عنك صفة موحد ومسلم ، إذا أشركت به وعبدت غيره ، ولو كان عندك من أعمال التوحيد والإسلام ما عندك .

قولك : تقول :[-- ويجوز أيضاً من الناحية العقلية أن تجتمع المعصية والطاعة في قلب رجل واحد . فالطاعة في أمر والمعصية في أمر آخر ليسا نقيضين. --]
جميل جداً .. يعني أنت تقول إن العقل يقرر أن المعصية في نفس الأمر نقيض الطاعة .. صح ؟
أما في المسائل المختلفة ، فيجوز عقلاً أن يعصي الله في أمر ، ويطيعه في أمر آخر ، صح ؟؟ مع أن المعصية نقيض الطاعة .




أقول : كيف نستطيع أن نقول : يطيعه ويعصيه في نفس المسألة ؟ فهذا محال عقلاً وشرعاً . شخص يقول لك إذهب للبيت : فكيف تذهب ولا تذهب في نفس الوقت ؟
أما المسائل المختلفة فيجوز ذلك عقلاً ما لم تكن تنقض بعضها بعضاً . فاجتماع الشرك الأكبر والتوحيد في قلب رجل واحد لا يجوز لا عقلاً ولا شرعاً . لأن صفة الموحد هي الصفة التي يكون الشخص فيها خالياً من جميع أنواع الشرك الأكبر . مثل نظيف ووسخ ، مثل طاهر ونجس .
فقد ينجس الشخص في جزء بسيط من جسمه يؤدي ذلك للحكم بنجاسة جسمه كله . فمثلاً : لو نجس قدمه فقط . لا يقال : نقول أن قدمه نجسه في حدود قدمه ، أما باقي جسمه فهو طاهر . ولأن طهارته أكثر من نجاسته فبدنه طاهر وصلاته جائزة . ( طبعاً أنا هنا أتحدث عن الطهارة الواجبة للصلاة .)
فإذا قلنا لمن حكم عليه بأنه طاهر أنت أجزت طهارة هذا الشخص مع وجود نجاسة مغلظة فيه . فيقول : لا . أنا لم أحكم على قدمه بالطهارة مع وجود النجاسة فيها ، ولو حكمت على قدمه بالطهارة وهي فيها نجاسة فقد سميت النجاسة طهارة ، هنا أكفر ، أما ما دمت اسمي النجاسة نجاسة بحدودها ولا أحبها فلماذا تكفروني . ؟
هل هذا الذي يتكلم بهذا الكلام فهم لماذا حكمنا على جسمه كله بالنجاسة؟!
هل فهم كيف ينجس ويطهر البدن للصلاة ؟ !


قولك : الآن أود أن أسألك سؤالاً ..
ما رأيك فيمن يقول عن رجل يعصي الله : هذا الرجل مطيع وتقي ؟
هل تكفّره ؟
ماذا لو قال لك : أنا لم أحكم عليه بالطاعة والتقوى لمعصيته ، وإنما حكمت عليه لأن عنده جبال عظيمة من أعمال البر ، وعنده من التقوى والعمل الصالح ما تغمر هذه المعاصي ، فغلب عليه حكم الطاعة على حكم المعصية .
هل في كلامه شيئ حينها ؟




أقول : قبل أن نحكم عليه نسأله لماذا حكمت عليه أنه مطيع وتقي ؟
فإن قال : لأنه يفعل هذا العمل ( يقصد فعل المعصية ) .
نسأله : هل تعرف أن هذا العمل قد حرمه الله ؟ فإذا قال لا . بل أنا اعرف أن الله يحبه ويرضى عنه ، لهذا حكمت على فاعله بأنه مطيع وتقي .
هذا نعرفه الحكم . ولا نحكم بكفره .
أما إن قال أعرف ذلك . فهذا يكفر لأنه وصف عمل المعصية بالطاعة والتقى.
أما إن قال : نعم هو عاصي في هذا العمل ، وأنا لم احكم عليه استناداً لهذا العمل بل هو في عمله هذا عاص وعلى غير الحق ، ولكن لأنه لم يستحل هذا العمل ولم يفعل الشرك الأكبر ، وملتزم بالتوحيد والفرائض ،وله أعمال خيرة كثيرة ، حكمت عليه حسب هذه الأفعال أنه مطيع لله وتقي .
فهذا لا نقول له إلا شيئاً واحداً . أنت لم ترتكب خطأً ولكن الأفضل أن لا تصفه وهو يفعل المعاصي بأنه مطيع وتقي ، حتى لا يظن السامع أنك وصفته لأنه يفعل هذا الفعل – فعل المعصية - .


قولك : لقد قال أبو حنيفة - رحمه الله - فيما اشتهر عنه : من سمّى الظالم عادلاً فهو كافر .



أقول : كلام أبو حنيفة - رحمه الله – حق ولا يخالفه فيه أحد . لأن وصف الظلم بالعدل كفر .

قولك : لكن ما رأيك لو سماه عادلاً لكثير العدل الذي يعمله ، مع إقراره أن فيه بعض ظلم ، لكنه مغمور في بحار عدله ؟
هل سينطبق عليه كلام أبي حنيفة ؟




أقول : لا ، لا ينطبق عليه قول أبي حنيفة رحمه الله . ولكن عندما يصفه بأنه عادل يجب أن ينبه السامع على أنه يفعل بعض الظلم ، حتى لا يظن السامع أنه يصفه بكل أعماله .

قولك : وما رأيك لو سمى الزاني القاتل الظالم السارق الفاجر : تقيّاً أو مطيعاً؟
هل يشك أحد حينها في كفره ؟
وعقلك الآن يقرر اجتماع النقيضين (الطاعة والمعصية) في قلب رجل .. ولكن بشرط اختلاف المسائل .




أقول : إذا سماه لأفعاله هذه يكفر . أما إذا سماه لتوحيده وأعمال الخير والتقى التي عنده لا يكفر ، ولكن ينبه التنبيه الذي ذكرته سابقاً .
ولا يقال : حتى لو سماه لتوحيده وأعمال الخير والتقى عنده تقي مطيع ، يكفر ، لأن هذا الشخص يكثر فيه أعمال المعاصي .


قولك : تقول :
[-- وممكن أن نقول من الناحية الشرعية ومن الناحية العقلية : يجوز أن يجتمع الشرك الأصغر مع التوحيد في قلب رجل واحد . --]
ليس من الناحية الشرعية .. اضبط اللفظ ، هداك الله .
الصواب أن تقول : يجوز أن يجتمع في الحكم الشرعي على الناس الشرك الأصغر والتوحيد .. لا في الشرع نفسه .
كيف يعني في الحكم الشرعي على الناس ؟
يعني : عند إطلاق الأحكام الشرعية على الناس ، يجوز أن نقول : فلان مسلم ، مع ما يعمله من معاصي تنقص إيمانه .. ولكن لا يجوز لك شرعاً أن تقول : يجوز أن يجمع الرجل بين المعصية والإيمان .. فهذا تجويز لفعل المعصية في الشرع ..
فأرجو أن تضبط الألفاظ ، فهذا أمر مهم .. لأن هذا الجواز محصور فقط في مسائل الأسماء والأحكام الشرعية التي يحكم بها المرء على الناس ، فلا يرتاع أحد ويرتهب من قولنا : فلان يجيز اجتماع الشرك مع التوحيد .. فهو بمثل سوء فهم قولنا : فلان يجيز اجتماع الطاعة مع المعصية .




أقول : أنا قلت : " وممكن أن نقول من الناحية الشرعية ومن الناحية العقلية : يجوز أن يجتمع الشرك الأصغر مع التوحيد في قلب رجل واحد . "
فالجائز هو اجتماعهما في قلب الموحد ، بمعنى يمكن أن يجتمعا في قلب الموحد ويظل موحداً . ولا أقصد تجويز فعل الشرك الأصغر أو المعصية . معاذ الله . فنحن نتحدث عن جواز وعدم جواز اجتماع الأعمال في القلب الواحد . ولا نتحدث عن جواز هذه الأفعال أو عدم جوازها من الناحية الشرعية .
وأنا لم أقل : يجوز أن يجمع الرجل بين المعصية والإيمان ..
أنا قلت يجوز اجتماع المعصية والإيمان في قلب رجل واحد . فالجائز هو إجتماعهما بمعنى لا يلغي بعضهما البعض . ولم أتحدث عن أحكامهما .
فلقد وصفت العمل بالمعصية والشرك الأصغر .
وهناك فرق كبير بين القول : بجواز اجتماع الشرك الأكبر مع التوحيد ، وبين القول بجواز اجتماع المعصية مع التوحيد في قلب رجل واحد .
فأنت عندما قلت بجواز اجتماع الشرك الأكبر مع التوحيد في قلب رجل واحد ، لم أفهم من كلامك أنك تجيز الشرك الأكبر وإنما فهمت من كلامك أنك تجيز اجتماعهما في القلب الواحد ، أي لا تعتقد تناقضهما ، ولا تعتقد أن الشرك إذا دخل القلب يخرج التوحيد . لهذا قلت لك يجوز اجتماع المعصية أو الشرك الأصغر مع التوحيد في القلب الواحد أما من غير الممكن لا شرعاً ولا عقلاً ولا لغة إجتماع الشرك الأكبر مع التوحيد في قلب رجل واحد ، لأن الشرك الأكبر نقيض التوحيد وناقضه . أما المعصية فليست نقيض التوحيد وناقضه ما لم تستحل .



قولك : تقول :[-- ولكن لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية العقلية ، يجوز أن يجتمع الشرك الأكبر مع التوحيد في قلب رجل واحد ، لأنهما ضدان ، والضد مع ضده لا يجتمع ، كما أن النهار مع الليل لا يجتمع . فإذا حضر أحدهما ذهب الآخر . --]
منذ قليل أجزت عقلاً اجتماع النقيضين : الطاعة والمعصية .. ولكن مع اختلاف المسائل .
والآن تقول لا يجوز عقلاً اجتماع النقيضين ؟؟




أقول : أنا لم أجز اجتماع النقيضين . الطاعة والمعصية في نفس العمل نقيضين ولا يعقل اجتماعهما ، أما المعصية في أمر والطاعة في أمر فليسا نقيضين لهذا يمكن اجتماعهما في قلب رجل واحد . أما الشرك والتوحيد فلا يمكن عقلا ولا شرعاً أن يجتمعا في قلب رجل واحد . يعني بمعنى لا يمكن أن يحكم على الشخص بأنه موحد ومشرك في نفس الوقت . ولا يعني هذا أنه لا يمكن أن يكون عند هذا المشرك بعض التوحيد والإيمان . فنحن لا نحكم على أعماله عملاً عملاً نحن نحكم على شخصه ككل متكامل .

قولك : هل يجوز عقلاً أن يوحد رجل الله في مسائل ، ويشرك به في مسائل أخرى ؟
الجواب : نعم .. وهو ما وقع من كفار قريش .. وهذا ما بيّنه القرآن .. إذ قال:{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ } [يوسف : 106]
ذكر أن عندهم إيمان .. وعندهم شرك .
وقال : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت : 65]
ذكر أنه يُخلصون في الدعاء .. والإخلاص نقيض الشرك .
فيجوز عقلاً اجتماع التوحيد في مسائل ، والشرك في مسائل أخرى .
فعند التجزئة والمخالفة في المسائل ، يجوز عقلاً لنا أن نفرّق بين هذا وهذا .. ولا ينكر ذلك إلا معاند مكابر .
وأنت نفسك قررت هذا عندما جمعت النقيضين : الطاعة والمعصية .. بشرط اختلاف المسائل .
أما شرعاً .. فلا يمكن اجتماع الشرك الأكبر والتوحيد .. لماذا ؟؟ لأن الشرك الأكبر ناقض لثواب التوحيد .




أقول : نحن يا أبا شعيب لا نتحدث عن الأفعال كل فعل على حده . نحن نتكلم عن حكم الشخص كشخص متكامل .
فنقول : يمكن شرعاً وعقلاً : أن يكون الشخص عاصي وموحد في نفس الوقت . ولكن لا يمكن لا لغة ولا شرعاً ولا عقلاً أن يكون مشرك الشرك الأكبر وموحد في نفس الوقت . فحكمنا هذا على الشخص ككل متكامل وليس على أفعاله فعلا ً فعلاً .
فالعقل الذي يفهم من اللغة أن المشرك هو من يعبد غير الله مع الله ، ويعرف أن الموحد هو الذي لا يعبد غير الله . لا يتردد في الحكم على شخص وعين من عبد غير الله بأنه مشرك غير موحد .
وهل حدث أن أحداً من الصحابة أو العلماء قبل أن يحكم على عين فاعل الشرك الأكبر بالشرك ، بدأ يقيم أفعاله ؟


قولك : أما شرعاً .. فلا يمكن اجتماع الشرك الأكبر والتوحيد .. لماذا ؟؟ لأن الشرك الأكبر ناقض لثواب التوحيد .



أقول : لا ، ليس لأن الشرك الأكبر ناقض لثواب التوحيد لا يمكن شرعاً اجتماعه مع التوحيد .
نقض وإحباط الثواب شيءٌ آخر جاء الحكم به لاحقاً . ولكن في لغة العرب ، أن من عبد غير الله لا يسمى موحداً . لهذا مشركي العرب كانوا لا يسمون أنفسهم موحدين . كما هو حال النصارى واليهود الذين جهلوا وقوعهم بالشرك الأكبر . فالشرك الأكبر ناقض للتوحيد لغة وشرعاً . وكذلك من عبد غير الله لا يسمى موحداً بل يسمى مشركاً لغة وشرعاً . وهذا الحكم كان يفهمه كل عاقل بالغ يفهم معنى كلمة الشرك وكلمة التوحيد . وليس لحبوط الأعمال أي تأثير على هذا الحكم .
ولو سمِعنا أحد من مشركي العرب في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم نقول عن شخص يعبد غير الله : نعم هذا مشرك في شركه وبحدود شركه ولكنه كشخص معين حكمه موحد ، لأن عنده من أفعال التوحيد الشيء الكثير ، لسخر منا وأيقن أننا لا نعرف معنى كلمة مشرك أو موحد .



قولك : [-- أقول : يا أبا شعيب . نحن نتحدث عن الإجازة الشرعية والعقلية لإمكانية تواجد الشرك والتوحيد في قلب رجل واحد .
فالتوحيد والشرك في قلب رجل واحد لا يجتمعان ، هذا من الناحية الشرعية والعقلية . فالتوحيد نقيض الشرك لغة وشرعاً ، والضد لا يجتمع مع ضده عقلا وشرعاً . --]
والمعصية نقيض الطاعة ، هذا لغة وعقلاً وشرعاً .. فكيف ساغ لك أن تجمع بينهما عقلاً وهما نقيضان ؟




أقول : المعصية والطاعة نقيضان في نفس الفعل وليس في نفس الشخص . وأنا لم أجمع بينهما في نفس الفعل ، بل جمعت بينهما في نفس الشخص . وهناك فرق كبير بين الحالتين .
فليس كلامنا عن اجتماع الشرك والتوحيد في نفس الفعل ، فنحن لا نتحدث عن هذا ، نحن نتحدث عن إمكانية اجتماعهما في الشخص الواحد ، وليس في عمل من أعماله .


قولك :
ستقول لي : جزّات الإيمان وجعلته مسائل .. وعند التجزيء تتقرر هذه المسألة عقلاً وشرعاً .



أقول : أنا لم أجزأ الإيمان وأجعله مسائل . فنحن لا نحكم على الأفعال ، كل فعل على حده ، نحن نحكم على إمكانية اجتماعها في الشخص الواحد . فلا تجزئة في الحكم على الشخص . أنت الذي جزأت الشخص بأفعاله ، وبدأت ترجح في أفعاله للحكم على شخصه .


فأقول لك : وعند تجزئة الإيمان أيضاً ، يصحّ عقلا أن يشرك المرء في بعض أجزائه ، ويوحّد في أجزائه الأخرى .



أقول : أنا لم أجزء الإيمان . ومن قال لك أن الشخص لا يجوز أن يوصف أنه عنده بعض أفعال التوحيد وعنده بعض أفعال الشرك . فنحن لا نتحدث عن وصف أفعاله كل فعل على حده ، نحن نتحدث عن حكمه ككل متكامل ، كشخص متكامل . فنقول : الشخص الذي عبد غير الله غير موحد . هذا لغة وشرعاً .
ونقول : الشخص الذي عصى الله ولم يستحل المعصية ولم يشرك بالله ولم ينقض توحيده بأي عمل من الأعمال موحد عاصي . وهذا أيضاً في الشرع واللغة . فالعرب لم تكن تسمي من سرق مشركا . بل كانت تسمي من عبد غير الله مشركا . ولم تقل هو مشرك في حدود فعله فقط . بل تحكم على شخصه وعينه بأنه مشرك في حال عبد غير الله ولو في عمل واحد .


قولك :
مثاله : رجل لا يذبح إلا لله ، ولا يسجد إلا لله ، ولا يدعو إلا الله .. ولكنه يشرك بالله في التحاكم .
هل يجوز هذا عقلاً ؟ .. الجواب قطعاً يجوز ، إلا عند من غاب عقله .




أقول : يجوز عقلاً ولغة وشرعاً إن أردنا أن نحكم على أفعاله أن نقول : وحد الله في الذبح ووحد الله في السجود ووحد الله في الدعاء وأشرك بالله في التحاكم .
ولكن عندما نريد أن نحكم على شخصه وعينه ، لا يجوز ولا يصح لا لغة ولا عقلا ً ولا شرعاً ، إلا أن نحكم عليه بأنه مشرك غير موحد . ومن يحكم على عين من فعل الشرك الأكبر-وهو يعرف أنه فعل الشرك الأكبر - بالتوحيد ، لا يعرف التوحيد ولا يعرف الشرك الأكبر وحكمه لغة وشرعاً .


قولك : أقول [-- وكذلك من الناحية العقلية لا يجوز أن يتواجد التوحيد والشرك في قلب رجل واحد إذا كانا نقيضين . إلا إذا فُهم أن التوحيد ليس نقيضاً للشرك . ففي هذه الحالة يمكن أن يجتمعا في قلب رجل واحد . ومن فهم أن الشرك ليس نقيضا للتوحيد ، فلم يفهم التوحيد ولم يفهم الشرك في دين الله . --]

بيّنت هذه المسألة في الأعلى .. وأختصر وأقول :
لا يجوز عقلاً اجتماع المعصية والطاعة في نفس الأمر .. لأنهما نقيضان .. ويجوز ذلك عقلاً إن تم تجزئة الإيمان إلى مسائل ، فنقول : عصى الله في مسائل .. وأطاعه في مسائل أخرى .
وكذلك عند الحديث عن التوحيد والشرك .. لا يصح عقلاً أن نقول : يجتمع التوحيد والشرك في قلب رجل .. ولكن عند تجزئة المسائل ، نقول : يجوز عقلاً أن يوحد رجل الله في مسائل ، ويشرك به في مسائل .
أما الشرع فيقول : إن الشرك ناقض لثواب التوحيد .




أقول : يا أبا شعيب نحن ليس خلافنا في الحكم على الأفعال كل فعل على حده، نحن نتحدث عن حكم الشخص المعين . فالشخص المعين إذا فعل الشرك الأكبر لا يحكم على عينه إلا بأنه مشرك ، ولا توصف عينه إلا بأنها مشركة .
هذا الحكم كان يفهمه كل من يفهم اللغة العربية قبل مجيء الإسلام . ولا يوجد في لغة العرب وصف لشخص معين بأنه مشرك وموحد في نفس الوقت. إلا إذا كان الحديث عن أفعاله ، أما حكمه كشخص فإما موحد وإما مشرك ، إما موجود وإما غير موجود . ونحن لا نتحدث عن وصف الأفعال كل فعل على حده ، نحن نتحدث عن حكم الشخص كشخص معين .



قولك :
وهناك الكثير من المسائل المكررة التي ذكرتها أنت في ردّك ، سأعرض عنها
.. اللهم إلا إن كانت هناك مسألة غفلتُ عنها ولم أذكر لها جواباً ، فنبهني إليها .. واعلم أنني لم أتعمد إغفالها .




أقول : سأراجع المسائل وأخبرك .



قولك : تقول :[-- والثانية : اللفظ في الآية هو " يؤمن " والإيمان هو التصديق والتصديق لا ينافي الشرك . وليس نقيضه . فقد يؤمن أن الله خالق الكون ويعبد معه غيره ليتقرب إليه . كحال المشركين الذين وصفتهم هذه الآية . --]
وهل عبادة غير الله لا تتناقض مع التصديق بأن الله خالق الكون ؟
انظر إلى هذه الآية : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } [الزخرف : 87]
فيها دليل على أن عبادة غير الله تنقض إقرارهم وتصديقهم بوحدانية الله في الخلق .




أقول : لا شك أن الشرك الأكبر ينافي الإيمان الصحيح . ولكن ممكن أن يكون الشخص مؤمناً بوجود الله وفي نفس الوقت يشرك به ، ويعتقد أنه بفعله هذا يتقرب إلى الله . فهذا لا يخالف اللغة ولكنه يخالف الشرع . على كلٍ هم نفسهم كانوا يسمون أنفسهم مشركين مع أنهم كانوا يؤمنون بالله وبأنه خالقهم وخالق الكون ورازقهم وو ، بل كانوا يعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله. المهم لم يصف أحدهم من يفعل ذلك بأنه موحد .


قولك : ولقد قلت :[-- ممكن أن نفهم من هذه الآية أنه قد يجتمع إيمان ببعض الأمور وشرك بالله . --]
وهل يمكن اجتماع الإيمان بجميع الأمور وشرك بالله ؟؟




أقول : لا يمكن أن يجتمع الإيمان بأن الله هو المستحق وحده للعبادة مع الشرك بالله . لا لغة ولا شرعاً . فلو كان مشركي العرب يؤمنون أن الله هو وحده المستحق للعبادة لما عبدوا الأصنام . ولما اعترضوا على دعوتهم لتوحيد العبادة .

قولك :
ما دام عندك إن الإيمان هنا هو التصديق الذي لا ينقضه الشرك .. فقل لي إذن : هل يمكن أن يصدّق المرء بجميع أمور الوحدانية ، وهو في نفس الوقت مشرك ، ونقول : إن تصديقه الكامل لا ينقضه الشرك ؟



أقول : لا ، لا يمكن أن يصدق بجميع أمور الوحدانية وهو في نفس الوقت مشرك بالله إلا إذا كان لا يعرف معنى الشرك والتوحيد . فلا يمكن أن يجتمع الإيمان بأن الله هو المستحق وحده للعبادة مع الشرك بالله . لا لغة ولا شرعاً.


قولك : تقول :[-- والثانية : أن الآية تصفهم أنهم إذا ركبوا في الفلك دعوا الله وحده وأخلصوا له الدين في الدعاء ، وإذا صعدوا للبر ، يشركون به في الدعاء وفي غيره . ولم يصفهم بأنهم في البر موحدون ومشركون . مع أنهم في الفلك كانوا يوحدون الله في الدعاء ، وكانوا في البر يفعلون بعض مظاهر التوحيد والإسلام ولكنهم عندما أشركوا في الدعاء أو في غيره وصفهم بأنهم مشركون. ولم يصفهم بأنهم في فعلهم مشركون ولأن عندهم بعض مظاهر التوحيد والإسلام ، ويوحدون الله في الدعاء في الفلك ، لم يحكم على ذواتهم بالتوحيد والإسلام --]

الآية واضحة ، يقول الله تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت : 65]
ذكر الله تعالى أنهم أخلصوا لله في الدعاء في البحر .. فهل دخلوا الإسلام بذلك في تلك اللحظة ؟؟
أليس الإخلاص نقيض الشرك ؟؟ .. فكيف يقول الله تعالى إنهم أخلصوا في الدعاء وهم في تلك اللحظة ما زالوا مشركين ؟؟
هذا يبين لك أنه يُمكن عقلاً اجتماع الإخلاص في بعض الأمور مع الشرك في أمور أخرى ..




أقول : ألآية تصفهم بأنهم أخلصوا لله في الدعاء . ولا يوجد في الآية أنهم بهذا أصبحوا موحدين .
ولا يوجد تعارض بأن يقال أن هذا الشخص مشرك ولكنه أخلص لله في الدعاء . وإنما التعارض أن يقال هذا عبد غير الله ولكنه موحد .

أقول : أما وصفهم .. فدعك منه الآن .. ليس هذا كلامنا .. لأن التوصيف هذا الذي تقوله إنما يُستقى من أدلة القرآن والسنة .. لا من مجرّد لا إله إلا الله ..

أقول : نحن ، ما يهمنا وصفهم كأشخاص وليس وصف أفعالهم . ما يهمنا حكمهم كأشخاص وليس حكم أفعالهم فحكم أفعالهم متفقون عليه .
أما قولك أن الحكم على عين من عبد غير الله بأنه مشرك بعينه يستقى من أدلة القرآن والسنة فقط ، فهذا غير صحيح . فمشركي العرب أنفسهم كانوا يعرفون من لغتهم أن من فعل الشرك مشرك بعينه . ولم يصفوا أحداً بأنه موحد بمجرد أنه وحد الله في عمل ما ، وهم يعرفون عنه أنه عبد غير الله .




قولك : وقد تقرر عقلاً عند التفريق في المسائل جواز أن يوحد إنسان الله في بعض المسائل ، ويشرك به في مسائل أخرى ..



أقول : أذكر مرة أخرى أن مسألتنا الحكم على الأعيان وليس على الأفعال . ولا أحد يخالفك أن الشخص قد يكون عنده بعض أفعال التوحيد وبعض أفعال الشرك ، أي يوحد الله في بعض أفعاله ويشرك به في بعض أفعاله . ومعظم من على وجه الأرض حالهم هكذا .
وخلافنا هو في وصف عين من عبد غير الله بأنه موحد . فهذا الوصف لا تقبله اللغة ولا يقبله العقل ولا الشرع .


قولك : نعم ، هو في دين الله اسمه مشرك وكافر .. ولا ثواب لتوحيده .. لكن هذه المسائل تعرف فقط بالأدلة الشرعية ، لا من مجرد لا إله إلا الله .



أقول : بل تعرف أيضاً من اللغة . قبل أن يبعث رسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه .
ثم إذا كانت كلمة " لا إله إلا الله " لا يعرف منها حكم من يعبد غير الله ، فما هو الحكم الذي يعرف منها ؟
وماذا فَهم العرب من هذه الكلمة حتى يحاربوا من يتلفظ بها ؟
ولماذا امتنع عم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولها وهو على فراش الموت ؟
وهنا أسألك مجارياً لك فيما تقول : ما هي هذه الأدلة التي تبين أن من يعبد غير الله اسمه مشرك . ؟


قولك : لا إله إلا الله تثبت أنه مشرك في حدود فعله ، وأن توحيده في هذا
الفعل انتقض .. أما انتقاض جميع الإيمان فلا يثبته إلا الدليل الشرعي .




أقول : كيف تُثبت أنه مشرك في حدود فعله فقط ؟!!!!!!
وكيف تثبت أن توحيده في هذا الفعل قد انتقض ؟ !!!!!!
دلني بالله عليك كيف فهمت هذا الفهم من كلمة التوحيد ؟
ويا حبذا لو تركز على هذا الأمر .
لأني أتحداك أن تأتي بدليل واحد من اللغة أو من الشرع يثبت فهمك هذا لكلمة التوحيد.

يتبع


الساعة الآن 04:01 PM

جميع المشاركات تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر إدارة المنتدى