منتدى دعوة الحق  

العودة   منتدى دعوة الحق > الأقسام الرئيسية > الـحوارات الـعلمية > الحوار مع رؤوس وأئمة المخالفين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #28  
قديم 08-29-2012, 11:31 PM
أنصار التوحيد أنصار التوحيد غير متواجد حالياً
وفقه الله
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 159
افتراضي

أبو شعيب :
بسم الله الرحمن الرحيم ،

الرد على مشاركة رقم 13 :

أقول : نعم قلتَ أن نبذ الشرك يعني : تركه قلباً وقالباً . وقولك هذا بعد أن سألتك عن كيفية نبذ الشرك . ولكنك لم تشترط على من نبذ الشرك أن يعتقد أن من لم ينبذه مشرك كافر . وهذا هو وجه التناقض .


لا وجه للتناقض البتة لمن عرف أن الأحكام الشرعية لا تتنزل على المعيّن إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع .

وقد ذكرتُ أنا فيما مضى أنه لا يوجد مسلم على وجه البسيطة يقول إن فاعل الشرك مسلم .. بل هو يقول : إن من أشرك بالله فهو مشرك .. لكن هذا كحكم عام في المسألة ، ويخالف في تنزيل هذا الحكم على الأعيان .

وقد قلتُ أنا أيضاً إنه من انتفى عنده مطلق الحكم بكفر المشرك ، فلا يرى أن شيئاً يُمكن أن ينقض لا إله إلا الله ، فهذا كافر .

فهات لي رجلاً ينتسب إلى الإسلام وهو يقول : إن الشرك لا يقدح في التوحيد ، فيرى بذلك أن الشرك والتوحيد صنوان ، كما ذكر ذلك بعض الفلاسفة الملاحدة الذين قالوا إن عبادة الله وعبادة الصنم شيء واحد .. هل تراه يوجد ؟
وهات لي رجلاً ينتسب إلى الإسلام وهو يقول : إن من فعل الشرك هو مسلم ؛ فيحكم عليه بالإسلام بسبب فعله الشرك ، فيكون عنده الشرك والتوحيد سواء .. هل تراه يوجد ؟

وحتى تفهم المسألة جيداً ، سأوضحها ببعض الأمثلة .

لو أن رجلاً قال : من يشرب الخمر فهو تقي ورع .. فهو كافر ، ولا أظنك تخالف في ذلك

ولكنه لو رأى رجلاً تقياً ورعاً يشرب الخمر عالماً بحرمتها ، فقال : إن شرب الخمر فسق وفجور ، وهذا الرجل فاسق وفاجر في حدود هذا الفعل ، ولكنه لديه عند الله طاعات كثيرة وحسنات عظيمة ، وجهاد كبير في سبيل الله ، فهذا الفسق مغمور ببحار حسناته ، فلا أسميه فاسقاً (بحيث يغلب عليه اسمه) ، بل يبقى تقياً ورعاً (بحيث يغلب عليه اسم التقوى والورع) ، وأسأل الله أن يغفر له سيئته تلك .. فهذا لا يكفر بل ولا يفسق بل ولا يأثم .

ومما يبيّن ذلك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) .. فقد نفى عنه الإيمان حين الزنى فقط ( أي في حدود فعل الزنى ) ، وليس في كل حين ..

يقول ابن حجر : ( قوله : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " : فنفى عنه الإيمان في حالة الزنا خاصة )

فهل يعني هذا أن هذا الرجل يحب شرب الخمر ؟ .. الجواب لا .
وهل يعني أنه لا يعلم أن شرب الخمر فسق ؟ .. الجواب لا .
وهل يعني أنه يسمي الخمر طاعة وورعاً ؟ .. الجواب لا .

ومثل ذلك من يقول : إن من يعصي الله فهو طائع له .. فهذا كافر .

ولكنه إن قال عن رجل عصى الله : إنه بفعله عاص في حدود فعله ، وطائع في غير ذلك من المسائل ، فغلّب عليه حكم الطاعة ، وسماه : طائعاً .. فهذا لا يكفر بل ولا يأثم .

ومثل ذلك لو قال عن آدم - عليه السلام - : إنه رجل طائع لله حتى قبل أن يتوب من ذنبه .. فهذا كلام صحيح لا غبار عليه ، ولا يعني هذا أنه يرى أن معصية آدم - عليه السلام - هي طاعة ، مع أن الله - تعالى - قال : { وعصى آدم ربه فغوى } .. ولكنها مسألة تغليب الأحكام وترجيحها .

فمن جاء وقال إن من فعل الشرك نقض توحيده في نفس الأمر الذي خالف فيه ، مع بقاء صحة توحيده في باقي المسائل ، لأنه لم يفعل ما ينقضها ، فغلّب عليه حكم التوحيد ، مع إقراره أن ما فعله شرك ، وأنه نقض بعض توحيده في حدود هذه المسألة التي أشرك فيها فقط ، فلأي شيء يكفر هذا ؟؟

ثم إن سألناه في ذلك قال : إن هذا الشرك لا ينقض عموم التوحيد إن كان جاهلاً ، وهذا ما نصت عليه الأدلة الشرعية .

فلضعف عقله ، وقصور تصوره ، وضحالة فهمه ، وغياب بعض جوانب هذه المسألة عنه ، ظنّ أن الجهل عذر ، مع إقراره أن هذا الشرك ينقض التوحيد ، ولكنه اشترط لذلك العلم ، وظن أنه بذلك متبع للدليل الشرعي .

كما قال ابن تيمية - رحمه الله - في [مجموع الفتاوى : 12/180-181] :‏
[-- فَالتَّكْفِيرُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ حَالِ الشَّخْصِ . فَلَيْسَ كُلُّ مُخْطِئٍ وَلَا مُبْتَدَعٍ وَلَا جَاهِلٍ ‏وَلَا ضَالٍّ يَكُونُ كَافِرًا ؛ بَلْ وَلَا فَاسِقًا ، بَلْ وَلَا عَاصِيًا ، لَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ . وَقَدْ ‏غَلِطَ فِيهَا خَلْقٌ مِنْ أَئِمَّةِ الطَّوَائِفِ الْمَعْرُوفِينَ عِنْدَ النَّاسِ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ . وَغَالِبُهُمْ يَقْصِدُ وَجْهًا مِنْ ‏الْحَقِّ فَيَتَّبِعُهُ ، وَيَعْزُبُ عَنْهُ وَجْهٌ آخَرُ لَا يُحَقِّقُهُ ، فَيَبْقَى عَارِفًا بِبَعْضِ الْحَقِّ جَاهِلًا بِبَعْضِهِ ؛ بَلْ ‏مُنْكِرًا لَهُ --]

واختلطت عليه أحكام الدنيا وأحكام الآخرة .. فظن أن أحكام الدنيا والآخرة سواء ، فما أثبتناه من كفر في الدنيا يثبت في الآخرة بالعذاب الخالد في النار .

واختلطت عليه أحكام الكفر والشرك .. فظن أنهما سواء ولا فرق بينهما ، وما يُعذر المرء في أحدهما يعذر في الآخر .

تقول له : ولكن هذا مخالف للمقررات العقلية .. يقول لك : دعنا من العقل وتكلم في الشرع ، فمجرد العقل لا يثبت به حكم شرعي واحد .

==================

ثم أنا أسألك بعد كل هذا وأقول :

أنت إلى الآن لم تأت بدليل واحد صريح بيّن يفيد بأن تكفير المشرك بنفسه ناقض لأصل الدين ، ومن جهل بعض مسائله فحاله كالمشرك .. أين الدليل الصريح الواضح الذي يربط هذا بأصل الدين ؟؟

كل ما عندك هو مقررات عقلية لا أكثر ، ليست مستندة على كتاب أو سنة .

هل عندك آية واحدة تقول : من لا يكفر المشرك فهو كافر ونقض أصل دينه بنفس الأمر ؟
هل عندك حديث ؟
هل عندك قول من أقوال أئمة السلف من القرون الثلاثة ؟؟

أنا أريد نصاً صريحاً كقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر )

فيا سبحان الله .. الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتكلم عن الصلاة ، ويذكر أن تاركها كافر ، ولا يتكلم عمّا هو أهم من الصلاة ، وهو تكفير المشركين ؟!!

وذكر الوعيد الغليظ الذي وصل إلى حد الكفر في تكفير المسلم .. ولم يذكر وعيداً واحداً في أسلمة الكافر !!!

بل إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يترك فعلاً هو كفر إلا بيّنه وحذر منه أتم التحذير ، حتى لو كان يقرره العقل ، حتى لا يأتي رجل أحمق لا يفهم ويقول هذا ليس كفراً .

ولكنه مع كل هذا ، تركنا لوحدنا نستنبط هذا الحكم الشرعي الذي ليس عليه دليل واحد من قرآن أو سنة .

أنت بذلك تنسب الشريعة إلى النقص والخلل ، والله المستعان .

=====================
أقول : يا أبا شعيب : لم نكن نتكلم عن المسلم الموحد . أنا لم أسألك عن المسلم الموحد ، أنا سألتك كيف يحقق العبد الإسلام . كنا نتكلم عن الحد الأدنى للكفر بالطاغوت . كنا نتكلم عن كيفية الكفر بالطاغوت التي يجب أن يحققها العبد الذي يريد أن يدخل الإسلام .
أنا سألتك عن المطلوب اعتقاده من الذي يريد أن يدخل الإسلام ، في من لم يفعل مثله ، ليحقق الكفر بالطاغوت : فأجبتني :
" يكفيه أن يعتقد أن فعل الشرك باطل وضلال ولا يرضاه الله ، ويبغض هذا الفعل ويبغض فاعله لفعله للشرك ، فيكون بذلك هذا الجاهل مسلماً "
ألم تقلها في معرض كلامك عن الحد ألأدنى المطلوب من العبد ليحقق الكفر بالطاغوت ؟
وكان يجب عليك أن تضيف إلى ما قلته : ويجب أن يعتقد بمخالفه ، أنه بعدم تركه عبادة الطاغوت مشرك كافر غير مسلم ، لأنه يعلم أنه يجب عليه أن يترك عبادة الطاغوت حتى يدخل دين الإسلام أو حتى يعد من المسلمين .
فعلى حسب كلامك الأول : يكفي للكفر بالطاغوت : أن يعتقد أن فعل الشرك باطل وضلال ولا يرضاه الله ، ويبغض هذا الفعل ويبغض فاعله لفعله للشرك . فأخرجت منه تكفير الطاغوت ، واعتقاد أن من عبده ليس مسلماًٍ ولا موحداً بل مشركاً بالله مؤمنا بالطاغوت .
لهذا سألتك عن من فهم من كلامك أن الكفر بالطاغوت يتحقق إن اعتقد أن فعله باطل وضلال لا يرضاه الله وأبغض الفعل وأبغض فاعله لفعله للشرك .
فكان جوابك : أنه مجنون مختل عقلياً .
نعم اشترط على من يريد دخول الإسلام أن يترك الشرك قلباً وقالباً . ولكنك لم تشترط له حتى يحقق الكفر بالطاغوت : أن يعتقد أن من لم يترك الشرك قلباً وقالباً ليس بمسلم ولا موحد بل مشرك بالله مؤمن بالطاغوت . واكتفيت منه بأن يعتقد في المخالف : أن فعله باطل وضلال ولا يرضاه الله ، ويبغض هذا الفعل ويبغض فاعله لفعله للشرك .
هل وضح تناقضك . وخطأ جوابك بمقدار الحد الأدنى للكفر بالطاغوت . ؟
وهذا الخطأ أيضا وقعت فيه أكثر من مرة في كلامك وسوف أبينه لك في محله .
فأثبت على قولك : أن العبد لا يدخل الإسلام ولا يسمى موحداً : حتى يترك الشرك قلباً وقالباًَ . فهذا كلام صحيح ولكنك لم تفرض على من فهمه والتزم به أن يطبقه على المخالف .
فمثلا : لا تشترط لمن ترك الشرك قلباً وقالباً أن يعتقد أن من لم يتركه قلباً وقالباً مشرك كافر لم يدخل الإسلام .
مع أن ترك الشرك قلباً وقالباً من معنى الكفر بالطاغوت . وأنت تقر بذلك .
ولو فهمت ما معنى هذا الشرط لفرضت على من يحققه أن يعرف حكم من لا يحققه. ولحكمت على من لا يشرطه ، ويَعد من فعل الشرك الأكبر موحداً مسلما ويعذره بالجهل أو التأويل ، بأنه لم يفهم بعد كيفية الكفر بالطاغوت ، ولم يفهم أن فعل الشرك الأكبر هو إيمان بالطاغوت يناقض الكفر بالطاغوت . فمن آمن بالطاغوت لم يكفر به وبالتالي لم يحقق الشرط الأول لدخوله الإسلام ، فكيف نحكم عليه بدخوله الإسلام ثم بعد ذلك نبحث هل بشركه هذا تحققت الشروط وانتفت الموانع لخروجه من الدين .؟ فهو لم يدخل الدين بعد . فلو كنا نعرف كيف يتحقق دخول دين الإسلام ، لما حكمنا على من اعتقد الشرك الأكبر جهلاً بالإسلام وبدأنا نبحث عن تحقق شروط وانتفاء موانع لتكفيره .



لقد تم الجواب عن أكثر هذه المسائل المطروحة .. ثم إنك لو أخطأت فهمي في موضع ، فقد بيّنت ذلك في موضع آخر .. وتحقق لديك العلم أنني لا أكفّر من يعذر المشركين المنتسبين للإسلام بالجهل ، إن هو حكم عليهم بالإسلام لما عندهم من توحيد وإيمان .. وخالفنا في إنزال حكم الشرك عليه لتأويل عرض له .

هذا هو معتقدي الذي بيّنته في أكثر من موضع .. ولا حاجة لي لتكراره في جميع المقامات .

أما كلامك وتفسيرك للشرك ومقتضياته وكيفية اجتنابه .. فأريد دليلاً واحداً صريحاً في ذلك .. يجعل هذه المسائل التي تذكرها من أصل الكفر بالطاغوت ، وأن من لا يحققه فهو كافر وغير معذور بالجهل .

رجاء .. لا نريد مقررات عقلية .. نريد دليلاً من القرآن والسنة .. فنحن لسنا بمستوى ذكائك ونباهتك حتى نستنبط هذه الأحكام الأصولية التي لا يتحقق للمرء إسلام إلا بها ، ولم يذكرها الله - تعالى - في كتابه ، ولا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة من بعده ، ولا الأئمة الأربعة وتلامذتهم ، وهي شرط عظيم من شروط التوحيد !

تفضل أرنا الدليل من القرآن والسنة أن الكفر بالطاغوت من أعظم شروطه : تكفير المشركين . وأن من لا يكفرهم فهو عابد للطاغوت ، شأنه شأن المشركين .

=====================
أقول : نعم ذكرتَ أنه يؤمر بتوحيد الله وينبذ عبادة ما سواه ويعتقد بطلانها ، ولكنك لم تذكر وأن يعتقد أن من وحد الله ولم ينبذ عبادة ما سواه ويعتقد بطلانها لم يدخل الإسلام وأنه ليس مسلماً لأنه لم يكفر بالطاغوت .
تفرض على من يريد أن يدخل الإسلام أشياء ولا تفرض عليه أن يعتقد أو يعرف حكم من يخالفها ويأتي بعكسها .
فمن عرف أنه يجب عليه ترك الشرك حتى يصبح مسلما ، يعرف أن من لم يتركه لم يدخل الإسلام . فإذا ترك الشرك وحكم على من لم يتركه بالإسلام لم يعرف أن تركه للشرك شرط صحة لدخوله الإسلام .
ومن حكم على من ترك الشرك بعدم دخوله للإسلام فقد حكم عليه بالشرك والكفر ، وأن كنت تخاف من كلمة كافر . فقل مشرك أو قل غير مسلم أو ليس في دين الإسلام . فلا داعي إذن أن نقحم مسألة أن تكفير المشرك الشرك الأكبر حكم شرعي كباقي الأحكام الشرعية يعوز من تصدى له إلى أدلة قطعية من القرآن والسنة . ويحتاج لإقامة حجة . أما إن كنت تقصد من التكفير ، تكفير من ثبت إسلامه بيقين؟ فنعم. فهذا هو الذي يحتاج لإثبات خروج صاحبه من تحقق شروط وانتفاء موانع .
وكذلك إن كنت تقصد التكفير المعذب عليه ؟ فنعم . فهذا هو من يحتاج لإقامة حجة لأن الله سبحانه وتعالى يقول : " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا "
فإذا عرفنا هذا نعرف المقصود من كلام العلماء بأنهم لا يكفرون من عبد غير الله حتى يقيموا عليه الحجة . فليس مقصودهم أننا لا نحكم على من عبد غير الله بالكفر ونحكم عليه بالإسلام حتى نقيم عليه الحجة . لأن من عبد غير الله ليس موحداً ولا مسلماً لأنه لم يكفر بالطاغوت .



فرضت عليه هذه الأشياء لأنها جاء فيها الدليل الشرعي الصريح الواضح .. وليس لي أن أتكلم بغير دليل .

أما أنت تفرض عليه أشياء لم يأت بها دليل واحد يجعلها من شروط الشهادتين ، بل ولا دليل واحد يجعلها من الفرائض في دين الله ! وغاية ما ذكره العلماء من دليل في ذلك هو : التصديق بالنصوص الشرعية .. لا أكثر ولا أقل .

ثم إنني تكلمت عن المسائل الجزئية والمسائل الكلية ، ومسألة اعتقاد أن من أشرك بالله فهو مشرك غير موحد (كحكم عام) وبين الخلاف في تنزيل هذا الحكم ، لاعتبارات شرعية ظنها صاحبها عذراً في من وقع في الشرك . فراجع كلامي في المسألة ، فإن في ذلك غنية عن التكرار .

يا أخي ، هدانا الله وإياك .. دليل واحد فقط صريح ، ويحل كل الإشكال ، وأسلّم لك في المسألة برمتها ، ولا تحتاج بعد ذلك إلى كل هذا الحوار .

أين هو ؟

=====================
أقول : نحن لم نكن نتكلم على من دخل الإسلام يقينا ماذا يجب عليه في مسألة التكفير . فهذه مسألة أخرى ليست موضوع بحثنا هنا . نحن كنا نتكلم عن ما يجب على من يريد أن يدخل الإسلام ويحقق أصل الدين أن يعتقده في المخالف له .
موضوع بحثنا الحد الأدنى الذي يجب أن يتوفر في من يريد أن يدخل الإسلام .
التناقض أنك لم تفرض ولم تشترط على من وصفته أنه حقق التوحيد أن يعتقد بمن لم يحققه أنه لم يحققه وأنه غير مسلم وأنه لم يكفر بالطاغوت حتى يحقق التوحيد .
فأنت مع أنك فسرت الكفر بالطاغوت أنه ترك عبادته لم تشترط على الشخص حتى يحقق التوحيد أن يعتقد أن من لم يترك عبادته لم يحقق التوحيد . ثم تقول نحن نتكلم عن الذي حقق التوحيد ودخل في دين الإسلام ماذا يجب عليه في مسألة التكفير . كيف حقق التوحيد وهو لا يعرف أن من لم يحققه ليس مسلما ولا موحدا .
كيف حقق التوحيد وهو يحكم على من لم يحققه وعبد الطاغوت أنه مسلم واشترط لتكفيره قيام الحجة .؟ أسأل الله العظيم أن يتضح لك التناقض في كلامك .


ذكرت أنه يعتقد أنه لم يحقق التوحيد في المسائل التي خالف فيها فقط .. وتكلمت عن المسائل الكلية والجزئية ، وذكرت أنه يكفيه أن يعتقد أنه على ضلال وفساد وعلى غير دين الله تعالى في هذا الفعل .

====================
أقول : ما دمت لم تفرض عليه حتى يكفر بالطاغوت أن يعتقد كفر الطاغوت وكفر من يعبده لأنه لم يترك عبادته . وأن يعتقد أن من لم يترك عبادته فليس مسلماً موحداً ، فهو سيفهم من كلامك هذا أنه لا يُشترط به حتى يدخل دين الإسلام أن يترك عبادة الطاغوت وأن يعتقد بأن الطاغوت كافر وأن من لم يترك عبادته ليس مسلماً ، فطبق ذلك على نفسه ، وظن أن الحد الأدنى للكفر بالطاغوت هو اعتقاد أن الطاغوت ضال مضل وأن من يعبده ضال مضل ويبغضهم لفعلهم فقط وليس لذواتهم . فما دام لم يفهم أن الطاغوت كافر بل مسلماً ما دام يدعي الإسلام وأن عابد الطاغوت ليس كافراً وانه مسلم ما دام يدعي انتمائه للإسلام ، فسوف يعتقد أنه لو لم يترك عبادة الطاغوت ويحكم بكفره وكفر من يعبده وحكم بإسلامهم لا يمنع هذا دخوله لدين الإسلام شيئاً .
فإن قلت له : يجب عليك حتى تدخل الإسلام أن تترك عبادة الطاغوت ؟
فسوف يقول لك لماذا تشترط هذا علي ، ولا تشترطه على من تحكم عليهم بالإسلام وهم لم يتركوا عبادة الطاغوت ولم يتركوا الشرك .؟


إذا هو فهم من كلامي هذا ، ودخل الإسلام وهو لم يكفر بالطاغوت .. فهو كافر ، ولا يعذره أن يفهم هذا من كلامي .

فما شأن هذا في مسألتنا وهي :

ولا أدري ما وجه استدلالك أصلاً ..

ما رأيك فيمن يقول : أنا لا أشترط عليك حتى تبقى مسلماً أن تصلي لله صلاة واحدة .. بل يكفيك اعتقاد وجوبها وإثم من يتركها ..

ما رأيك حينها لو ترك الصلاة وهو عالم بوجوبها ، ويظن أن تاركها يأثم ولا يكفر حتى يستحل ؟ هل هو كافر أم مسلم ؟ .. !!

قس هذا على ذاك ..

==============
أقول : أنا لم اتهمك أنك فسرت نبذ الشرك بأنه اعتقاد لبطلان الشرك فقط . دقق في كلامي هداك الله .
أنا فقط حكمت على كلامك بالتناقض ، فأنت مع أنك فسرت نبذ الشرك الذي شرطته لدخول الإسلام ، بأنه تركه قلباً وقالباً ، جوزت الحكم بالإسلام على من لم يتركه قلباً وقالباً. ولم تشترط في صحة دخول الإسلام أن يعتقد من يريد دخول الإسلام كفر الطاغوت وشرك من يعبد الطاغوت . بل اكتفيت منه باعتقاد بطلان عملهم وتضليلهم لفعلهم ويبغضهم لفعلهم فقط وليس لذواتهم .
فهل لم أنصفك عندما قلتُ أنك متناقض .


وأيضاً هنا يبدو لي أنك لم تفهم كلامي وتتهمني بالباطل .. أين تراني جوّزت الحكم بالإسلام على من لا يترك الشرك ؟ هات لي نص واحد من كلامي يُفهم منه هذا !!

كل ما في الأمر أنني أعذر من لا يكفره للاعتبارات التي ذكرتها سابقاً ، والإعذار لا يعني التجويز !!

أما أني لم أشترط في صحة دخول الإسلام اعتقاد كفر الطاغوت .. فقلت إنه يكفي أن يعتقد أنه على ضلال .. أذكر ذلك هنا لتوثيق الكلام .

أما اعتقاد شرك من يعبد الطاغوت .. فإنني تكلمت عن المسائل الجزئية والكلية ، فراجعها .. وتكلمت في أن الحد الأدنى من الاعتقاد ليدخل الإسلام هو أن يعتقد أن من أشرك بالله على باطل وضلال وعلى غير الإسلام في هذا الأمر .

نعم ، لم تنصفني عندما قلت أنني متناقض ، لأنه لا وجه للتناقض البتة .

ترك الشرك قلباً وقالباً لا يلزم قطعاً تكفير فاعله .. فإنه يتركه لأنه باطل وحرام وضلال .. ولا يسميه شركاً لجهله .. فقد دخل الإسلام بذلك . ويسمي أهله ضالين مبطلين ، ولا يكفرهم لجهله ..

فهل هو ترك الشرك وأبغضه واعتقد بطلانه ؟ .. الجواب نعم .
هل كفّر أصحابه ؟ .. الجواب لا .
هل لزم من تركه للشرك تكفير أصحابه ؟ .. الجواب لا .

وأعيد وأكرر ، اربط كلامي كله ببعض .. لا تغفل عن المسائل المطروحة في هذا الشأن ، كالمسائل الكلية والجزئية ، ومسألة الأعذار الشرعية ، وشروط التكفير وموانعه ، وما إلى ذلك ..

=====================
أقول : كيف بغض من يفعلها لأنه يفعلها ، لا لذاته أو لشخصه . ؟
لماذا فسرت بغض فاعلها بأنه ليس بغض الفاعل لذاته أو لشخصه بل بغض لأنه فعل الفعل .؟ أليس من فعل الشرك مشرك بذاته وشخصه ؟
هل يفهم من لغة العرب أن المقصود من بغض المشرك هو بغضه لفعله فقط أما ذاته فلا تُبغض ولا يتبرأ منها ، بل تظل تُحب وتوالى ؟
وهل بغض الطاغوت والبراءة منه تعني بغض عمله والبراءة من عمله ، أما شخصه فهو حبيبنا وأخونا بالله وولي أمرنا . ؟
ألا يفهم من هذا الكلام أن من فعل الشرك الأكبر يجب أن نقول له لا تفهمنا خطأ نحن بريئون من عملك فقط ونبغضه أما أنت كشخص فأخونا في الله ولك منا كل الولاء والمحبة . ؟


اللام هنا للتعليل وليست للمصاحبة .. هل توضحت الصورة الآن ؟

ولا أدري ما وجه اعتراضك عليّ في ذلك ، أهو مجرد الاعتراض لا أكثر ؟

وحتى تتوضح الصورة أكثر .. هل تبغض فلاناً الكافر لأنه أمريكي أو أفريقي ، أو أبيض أو أسود ، أو طويل أو قصير ؟؟ أم تبغضه من أجل ما فعل من شرك وكفر ، فلزم البراءة منه ومن فعله بسبب ما فعله ؟

أما ما يثبت هذا ، فهو قوله تعالى : { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة : 114]

أي نوع من البراءة حصلت هنا ؟؟ هل هي براءة الدين أم براءة الذات ؟

فإن قلت براءة الدين ، فهل يعني هذا أنه لم يكن متبرئاً منه من قبل وهو على كفره ؟

وإن قلت براءة الذات ، فهذا يعني أنها ليست من أصل الدين ، بل ولا يأثم تاركها إن اجتهد وأخطأ .

=====================
فما حكم من يطلب أو يقبل أن يُصرف له حق من حقوق الله الخاصة بالله ؟
أليس قد ادعى الألوهية .؟ وهل من يدعي الألوهية مسلم ؟


حكمه أنه كافر .

=====================
- لماذا يتركها ؟ لأنها شرك ، وعبادة لغير الله . فإذا لم يتركها ؟ ألا يحكم عليه بأنه مشرك بعينه ؟ ولقد قررت أنت نفسك " بأن الحكم على الفعل هو حكم على الفاعل .. لغة وعقلاً . "

من خالف اللغة والعقل لا يكفر .. هذا ما عنيته بتقريري أن هذه المسألة مقررة لغة وعقلاً .

ثم نعم ، إن لم يتركها يُحكم عليه بأنه مشرك .

وأنت تعلم ولا بد أن تنزيل الأحكام الشرعية ليس حاله كتنزيل الأحكام اللغوية أو العقلية .

فمن زنى جاهلاً بالحكم ، يُسمى لغة زانياً ، ولا يُسمى شرعاً كذلك .

فمن اختلط عليه الأمران ، وقال لا أسميه زانياً ما دام جاهلاً .. فهذا خالف العقل واللغة .. ولكنه لم يخالف الشرع .

=====================
- لماذا يبغضها ؟ لأنها شرك وليس لأنها معصية كباقي المعاصي . ولا يرضى عنها الله . لأنها من أعظم الظلم .
ولماذا لم تدخل بغض المشرك لذاته أيضا مع فعله ؟ أليس من فعل الشرك مشرك ، أليس من لم يترك الشرك كافر قد حاد الله ؟ لماذا أذن لا يبغض لذاته مع عمله ؟



لو أننا أبغضنا الكافر لذاته المجردة ، لما أحببناه البتة حتى لو أسلم .. لأن ذاته هي هي ، لم تتغير ! وهذا الذي تقول به هو عين مبدأ القومية البغيضة .. فهل أنت من دعاة القومية بقولك هذا ؟؟

لكننا نبغض الكافر لكفره .. فما دام كافراً فإننا نبغضه ونتبرأ منه لأنه يفعل الشرك والكفر .. ولكنه إن تاب وأسلم : أحببناه وواليناه ، لا فرق بين أبيض ولا أسود ، ولا عربي ولا أعجمي .

=====================
ألم يقل الله سبحانه وتعالى : ( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ ...)

هذه الآية حجة عليك لا لك .. اقرأ قوله تعالى جيداً ( من حاد الله ورسوله ) .. أي أن العبرة في بغض الكافر هي بكفره ومحاداته لله ورسوله ..

مفهوم الآية مفهوم علة لا مفهوم لقب .. فتنبه لذلك .

=====================
والآن نأتي للنقوصات في تعريفك للكفر بالطاغوت :
- أين نصيب الطاغوت من هذا ؟
- ألا يجب أن يعتقد كفر الطاغوت ؟
قال تعالى : " الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ "
إذا كان من يقاتل في سبيله كفاراً فماذا سيكون حاله هو ؟


أولاً : الطاغوت في هذه الآية هو الشيطان .. وهذا بدليل الآية نفسها لو أنك أكملتها ، فإن الله تعالى يقول بعدها : { فقاتلوا أولياء الشيطان } .. وهذا بإجماع المفسرين .

ثانياً : طيب ، الطاغوت كافر .. ثم ماذا ؟؟ كيف تستنبط من هذه الآية أن تكفير الطاغوت من أصل الدين ولا يُعذر فيه أحد بتأويل أو جهل ؟؟

وهل أصل الدين يُستنبط ولا دليل صريح عليه ؟؟

غاية ما يُمكن أن يُستدل بهذه الآية عليه أن هذه مسألة شرعية حالها كحال باقي المسائل التي تُستنبط من الكتاب والسنة .

=====================
- ألا يجب أيضاً أن يعتقد شرك عابد الطاغوت وأنه غير مسلم .؟
وقد قلتَ سابقاً :" الحكم على الفعل هو حكم على الفاعل .. لغة وعقلاً "
ففاعل الشرك مشرك .. هذه من الضرورات اللغوية والعقلية التي لا يماري فيها أحد .
لماذا لا تطبق ما قلته سابقاً هنا ؟


كحكم عام ، يجب أن يعتقد أن عابد الطاغوت كافر ومشرك ، فيقول : من عبد غير الله فهو مشرك .. فيعلق الحكم بالفعل ، فيكون حكماً بمقتضى الفعل المجرد عن أي اعتبار .. ولكن عند تنزيل الحكم يحصل الاختلاف .

وقد تكلمنا عن الأحكام العامة والأحكام الخاصة وما يعتريها من اعتبارات بما يغنيني عن الإعادة .

=====================
لماذا لم تقل والحكم على عابده بأنه مشرك لأنه فعل الشرك ؟ أليس هذا حسب قولك أنها من الضرورات اللغوية والعقلية التي لا يماري فيها أحد .

هل مخالف الضرورات العقلية واللغوية كافر ؟

لو جاءني رجل وقال : فلان يشرب الماء ، ولكن لا أسميه شارباً للماء .. هل أقول عنه كافر أم أحمق ؟

=====================
- وكذلك ألا يعني الكفر بالطاغوت ، عدم التحاكم وعدم إرادة التحاكم إليه .؟
قال تعالى : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا "
متى أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ؟ أليس عندما أرادوا دخول الإسلام ؟
- وكذلك ألا يعني الكفر بالطاغوت عدم الإيمان به . ؟
قال تعالى : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ"
وصفة الإيمان به : تكون بصرف أي من أنواع النسك له أو إعطائه حق الحكم والتشريع ، أو طاعته في التحليل والتحريم .أو والتحاكم وإرادة التحاكم إليه .
قال تعالى : " إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ "
وقال تعالى : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )
- وكذلك ألا يعني الكفر بالطاغوت عدم القتال في سبيله . ؟
قال تعالى : قال تعالى : " الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ "
- وكذلك ألا يعني الكفر بالطاغوت عدم موالاته والبراءة منه ومن معبوديه .
قال تعالى : اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)
قال تعالى :  إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ، إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِي ، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 
وروى أبو داود وغيره بسند صحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه : « أقرأ قل يا أيها الكافرون  ، ثم نم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك ».
فهذا الحديث الشريف يدل على أن البراءة من الشرك معناها : الاعتقاد والتصريح عند القدرة ، لمن يعبد غير الله بأنهم كفَّار لا يعبدون ما يعبدون ، ولا هم يعبدون ما يعبد هم وأن دينهم غير دينهم . هذا هو معنى البراءة من الشرك بتفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهكذا يجب أن نفهم قوله تعالى : ( إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ، إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِي )
وكذلك قوله تعالى ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ )

نحن لا نتكلم عن حكم المشرك عابد غير الله ، بل نتكلم عن حكم تكفيره وعلاقته بأصل الدين .. فلا تلزمني بالجواب عن أسئلتك هنا وأنت تعلم يقيناً أجوبتي فيها .

أما تفسيرك لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : هي براءة من الشرك .. وجعلك ذلك دليلاً على أن تكفير المشركين هو من أصل البراءة من الشرك ، فهذا لا يسلم لك .. خاصة وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يصرّح بذلك .

الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذكر أن هذه الآية براءة من الشرك لتضمنها البراءة منه في قوله تعالى : { لا أعبد ما تعبدون .. الآيات } .. فهو بيان لما تضمنته من أكثر الأحكام .

ثم هنا نكتة بديعة ، وهي أن هذه الآية تشمل كل كافر ، كما قال ابن كثير : ( قوله : { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } شمل كل كافر على وجه الأرض ، ولكن المواجهين بهذا الخطاب هم كفارُ قريش )

فهذا يلزمك قطعاً أن تكفر من أخطأ في تكفير أي كافر ترى كفره .. لأنه لم يتبرأ من كفره وشركه ، كما تقول .

==================
أقول :إذا حكمنا عليهم بأنهم مشركون كفار فيجب أيضاً أن نتبرأ من ذواتهم .
وقوله تعالى : " إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ " ليس فقط من فعلهم بل من ذواتهم وأشخاصهم أيضا ً .


ليتك تأملت كلامي جيداً قبل أن تحكم بهذا .. فأنا قلت :
قولك : أما قول إبراهيم - عليه السلام - في البراءة .. فهي براءة منهم في فعلهم ، يعني : هو بريء منهم في شركهم وكفرهم .
ألا ترى أنني لم أنف البراءة منهم ؟ .. لكنني عللت البراءة منهم بشركهم وكفرهم .

فنحن نبرأ من الكافرين في كفرهم وشركهم .. فنتمايز عنهم ، ونبغضهم ، ونقاتلهم .. لماذا ؟؟ لأنهم يشركون بالله ويكفرون به .. وهذا هو ما تدل عليه الآية في سورة الممتحنة إذ يقول الله تعالى : { حتى تؤمنوا بالله وحده } .. أي إن سبب براءتنا منهم هو : كفرهم بالله .

===============
أقول لك يا أبا شعيب أتحداك أن تأتي بتفسير واحد معتبر يقول قولك : يقول : معنى :" كفرنا بكم " أي كفرنا بأفعالكم وأعمالكم أما ذواتكم فلا . أو يفسر قوله تعالى " برآء منكم " أي برآء من أفعالكم وليس من ذواتكم وأشخاصكم .
هذا ولا يقصد البتة من فسر قوله تعالى " كفرنا بكم " كفرنا بأعمالكم وأفعالكم . فقط كفرنا بأعمالكم وأفعالكم ولم نكفر ونتبرأ من أشخاصكم .
والدليل على ذلك سياق كلامهم .
والعداوة والبغضاء ممن ستكون يا أبا شعيب ؟


اعذرني من كلمتي التي سأقولها ، لكنني لا أعني بها انتقاصاً من شأنك ، إنما أقول ذلك رحمة بي وبك .

الظاهر أنه يصعب عليك فهم بعض الكلام العربي الذي أقوله ، ربما لكونك غير عربي (لا أعلم حقيقة) .. وأعيد وأكرر أنني لا أتقصد بذلك انتقاصاً من شأنك ، ولا حطاً من قدرك ، إنما لبيان علة الخلل في فهمك لكلامي .

لقد قلتُ أنا : نتبرأ من الكافرين لشركهم وكفرهم لا لذواتهم وأشخاصهم .. فاستعملت لام التعليل .

وأحياناً أقول : نبرأ منهم في كفرهم وشركهم ، لا في ذواتهم .. والمعنيان سيان .

وأنت تأتي وتقول أنني قلت نتبرأ من فعلهم وليس من ذواتهم .. والفرق بين العبارتين واضح وضوح الشمس لمن يفهم كلام العرب ، والله المستعان .

وحتى يسهل عليك تحرير مذهبي ، أقول :

نحن نتبرأ من الكافرين من ذواتهم ، وليس في ذواتهم ..
نتبرأ منهم في كفرهم ، ونتبرأ من كفرهم .

هل وضح كلامي الآن ؟

===============
أقول : لماذا شرطت إقامة الحجة عليهم للبراءة من ذواتهم وأنت تحكم عليهم بأنهم كفار مشركين ولا تعذرهم بجهلهم ؟

هذه البراءة التي عنيتها هي البراءة الكليّة التي تقتضي قطع جميع الأواصر بين المسلم والكافر .. فهذه لا تتحقق حتى يظهر الكافر عداوته لدين الله تعالى .

وإلا ، فإن الكافر المسالم الذي لا يُعادي المسلمين ، أمر الله تعالى ببره والإحسان إليه ووصله لمن كان قريباً له .

كما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسماء بنت أبي بكر بأن تصل أمها ، فهي لم تقطع جميع الأواصر معها .

وأنت نفسك تقول إنه يوجد موالاة جائزة للكفار .. والولاء قطعاً نقيض البراء .

ويدل على أنني عنيت هذا المعنى ، أنه أتى بعد ذكري للبراءة منهم في كفرهم وشركهم ..

فقلت :
أما قول إبراهيم - عليه السلام - في البراءة .. فهي براءة منهم في فعلهم ، يعني : هو بريء منهم في شركهم وكفرهم .

قال تعالى : { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [يونس : 41]

وقال أيضاً : { إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }[هود : 54]

وأيضاً : { فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [الشعراء : 216]

وتعني أيضاً : براءة من ذواتهم وأشخاصهم بعد إقامة الحجة عليهم وإظهارهم العداوة لدين الله .. من جنس قوله تعالى : { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة : 114]


وجعلتُ هذه البراءة من جنس قوله تعالى في إبراهيم ، ومن جنس قوله في نوح ، عليهما السلام .

وعندما أجعل هذه البراءة من ذلك الجنس ، فهي تعني براءة كليّة تنقطع بها جميع الأواصر .

=============
ثم ما هذه الحجة التي تريد أن تقيمها عليهم ؟ ولماذا تريد أن تقيمها ؟ وأنت حكمت عليهم بالشرك والكفر ولم تعذرهم بالجهل ولم تشترط إقامة الحجة عليهم بهذا .

الحجة التي يكون بعدها إظهار العداوة والبغضاء والقتال ، وليست حجة إلحاق اسم الكفر والشرك بهم .

==============
أما أية ( هود 46 ) التي استشهدت بها على قولك ، فلا أدري ما وجه الاستدلال بها ، وما علاقتها بإقامة الحجة أو عدمها . ألم يكن نوح عليه السلام قد أقام على ابنه الحجة قبل سؤاله الله أن ينقذ ابنه ؟. وهل بسؤاله الله أن لا يهلك ابنه بالطوفان يدل على عدم تبره من شخصه ؟

المقصود أنه لم يتبرأ منه البراءة التامة التي تنقطع بها جميع الأواصر حتى وقت المفاصلة . فعندما بان واتضح أنه كافر ومات على الكفر ، فهنا تمت البراءة التامة ، فلم يجعله الله تعالى من أهله .

===============
أقول : وحتى لو افترضنا أن كل المفسرين فسر قوله تعالى " كفرنا بكم " يعني
يعني : كفرنا بشرككم وكفركم ، لا يعني ذلك أن معناها أن لا نتبرأ من ذواتهم وأشخاصكم .
فكيف وأن في النص وفي كلام المفسرين ما يدل على أنهم تبرؤا من ذواتهم وأشخاصهم.؟
وهل جحودهم لما يعبدون من دون الله ، رداً للعمل فقط ؟ أم رداً للمعبود أيضاً ؟
وأنظر إلى تفسير القرطبي : "كفرنا بكم" أي بما آمنتم به من الأوثان . وقيل: أي بأفعالكم وكذبناها وأنكرنا أن تكونوا على حق . "وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا" أي هذا دأبنا معكم ما دمتم على كفركم "حتى تؤمنوا بالله وحده" فحينئذ تنقلب المعاداة موالاة "أهـ

كما قلت : البراءة منهم هي في شركهم وكفرهم .. فما داموا كفاراً نحن نتبرأ منهم .

والبراءة المقصودة هنا هي : بغضهم لفعلهم .. وتركهم ومفاصلتهم .. والمجاهرة بذلك .

ولا يوجد دليل واحد يبيّن أن التكفير أصل في البراءة من الكفر .. هل تجد ذلك في أيّ دليل شرعي واحد ؟؟ بحيث يكون من لا يكفر المشرك موالياً لشركه ؟؟

ونحن نرى أن العلماء اختلفوا في تكفير بعض الكافرين ، ولم يعن هذا أن من امتنع عن التكفير غير متبرئ من كفر الكافر ..

===================

يتبع إن شاء الله

رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
أبوشعيب, مسلم 1, التوحيد, التكفير, اصل الدين, ضياء الدين القدسى

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:54 AM


جميع المشاركات تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر إدارة المنتدى