![]() |
#1
|
|||
|
|||
![]()
مفهوم الدِّين
لكي يدرك المرء في أي ملة هو ، وعلى أي دين ، لا بد له من أن يعرف معنى كلمة الدين ومدلولاتها ، لينظر بعد ذلك على أي دين هو ، أهو في دين الله وطاعته وشرعته ، أم في دين غيره وطاعته وشرعته . جاء في لسان العرب معنى كلمة الدين : الدَّيان : من أسماء الله عز وجل ، معناه الحكَم القاضي وسئل بعض السلف عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقال : كان ديان هذه الأمة بعد نبيها أي قاضيها وحاكمها . والديَّان : القهار ، وقيل : الحاكم والقاضي ، وهو فعَّل من دان الناس أي قهرهم على الطاعة . يـقال دنتهم فـدانوا أي قهرتهم فأطاعوا … وفي حديث أبي طالب : قال له عليه السلام : " أريد من قريش كلمة تدين لهم بها العرب " أي تطيعهم وتخضع لهم . والـدِّين : الجزاء والمكافأة ، ودِنته بفعله دَينا : جزيته ، ويوم الدين : يوم الجزاء . وفي المثل : كما تدين تُدان ، أي كما تُجازي تُجازى أي تجازى بفعلك وبحسب ما عملت . ومنه قوله تعالى : ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) ، معناه مالك يوم الجزاء والحساب … والـدين : الطاعة . وقد دِنته ودِنت له أي أطعته .. والـدين : العادة والشأن ، تقول العرب : ما زال ذلك ديني وديدَني أي عادتي … وفي الحديث : " الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله " ، قال أبو عبيد : قوله دان نفسه ، أي أذلها واستعبدها ، وقيل : حاسبها … والدين لله من هذا إنما هو طاعته والتعبد له ، ودانه دينا أي أذله واستعبده . يقال : دِنته فدان … وفي التنزيل العزيز : (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) [سورة يوسف: 76] ، قال قتادة : في قضاء الملك . ودِنتُه أَدينُه دَينا : سُسْتُه . ودنْته : ملَكْته . ودُيّنْته أي مُلِّكته . ودَيَّنتُه القومَ : وليته سياسَتهم . ودِنْتُ الرجلَ : حملته على ما يكره . والدين : ما يتدين به الرجل .والدين : السلطان .والدين : الورع والدين : القهر . والدين : المعصية. والدين الطاعة . وفي حديث الخوارج : " يـمرقون مـن الدين مُروقَ السهم من الرميَّة "، قال الخطابي : يعني قوله صلى الله عليه وسلم يمرقون من الدين ، أراد بالدين الطاعة أي أنهم يخرجون من طاعة الإمام المفترض له الطـاعة وينسلخون منها ، والله أعلم . وفي حـديث الحج : " كانت قريش ومن دان بدينهم "، أي اتبعهم في دينهم ووافقهم عليه ". وقال ابن تيمية : " الدين مصدر ، والمصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول ، يقال دان فلان ، فلانا ، إذا عبده وأطاعه ، كما يقال دانه إذا أذله ، فالعبد يدين لله أي يعبده ويطيعه ، فإذا أضيف الدين إلى العبد فلأنه العابد المطيع ، وإذا أضيف إلى الله فلأنه المعبود المطاع ". يستخلص مما تقدم أن أخص ما يدخل في مسمى الدين ومعناه : الحكم والقضاء والتشريع ، وكذلك الطاعة والاتباع والانقياد والخضوع والذل لسلطة عليا قاهرة . وعليه : فإن من يدخل في طاعة الله تعالى ، وينقاد إلى حكمه وشرعه ، ويتبع ما أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم فهو داخل في دين الله الإسلام ، وهو عابد له سبحانه وتعالى . وبالتالي فإن من يعرض عن طاعة الله تعالى وعن حكمه وشرعه ، ومن ثَمَّ يطيع غيره ويحتكم إلى حكم وشرع هذا الغير - ولو في جزئية من جزئيات حياته - فهو داخل في دينه ، وعابد له من دون الله ، ولو زعم بلسانه - ألف مرة - أن دينه الإسلام ، وهو من المسلمين ! وإليك بعض الأدلة على ذلك : قال تعالى : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ )[الأنفال: 39]. قال ابن تيمية: " والدين هو الطاعة ، فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله ، وجب القتال حتى يكون كله لله " . فانظر كيف فسر الدين بالطاعة ، وأن من كان على طاعة غير الله - ولو في جانب من جوانب حياته - فهو في دين هذا الغير وليس في دين الله ، ويتعين قتاله حتى يعطي الطاعة كلها لله وحده . وقال ابن جرير في التفسير : (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) [سورة الأنفال: 39] ، يقول : وحتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره ، وقد فسر الفتنة بالشرك . وقال تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) [النور: 2] وقال تعالى : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) [التوبة: 36] وقال تعالى : (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) [يوسف: 76] وقال تعالى : ( وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ) [الأنعام: 137] وقال تعالى : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) [الشورى : 21] وقال تعالى : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) [الكافرون: 6] . وغيرها من الآيات . فالمراد بـ (الدِّين) في جميع هذه الآيات هو القانون والحدود ، والشرع والطريقة والنظام الفكري والعملي الذي يتقيد به الإنسان، فإن كانت السلطة التي يستند إليها المرء لاتباعه قانوناً من القوانين ، أو نظاماً من النظم سلطة الله تعالى ، فالمرء لا شك في دين الله عز وجل ، وأما إن كانت تلك السلطة سلطة ملك من الملوك ، فالمرء في دين الملك ، وإن كانت سلطة المشايخ والقسوس فهو في دينهم . وكذلك إن كانت تلك السلطة سلطة العائلة أو العشيرة ، أو جماهير الأمة ، فالمرء لا جرم في دين هؤلاء . وقال تعالى: ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ ) [غافر: 26]. وبملاحظة جميع ما ورد في القرآن من تفاصيل لقصة موسى عليه السلام وفرعون ، لا يبقى من شك في أن كلمة ( الدين ) لم ترد في تلك الآية بمعنى النحلة والديانة فحسب ، بل أريد بها الدولة ونظام المدينة أيضا. فكان مما يخشاه فرعون ويعلنه : أنه إن نجح موسى عليه السلام في دعوته ، فإن الدولة ستزول وإن نظام الحياة القائم على حاكمية الفراعنة والقوانين والتقاليد الرائجة سيقتلع من أصله . ومنه يعلم أن هذه الأنظمة والقوانين الوضعية السائدة والحاكمة في أمصار المسلمين ، هي دين وإن لم يسمها أهلها بذلك ، ومن دخل فيها أو تابع الطغاة عليها ، أو رضي بها فهو في غير دين الله - وهو في دين الطاغوت - وإن زعم الإسلام وتسمى بأسماء المسلمين . ثم إن كل منهاج أو نظام أو دستور أو قانون لا يقوم على أساس الإسلام والطاعة لله عز وجل ، والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم ، فهو دين باطل وطاغوت يتعين البراءة منه والكفر به . كما قال تعالى في سورة الكافرون : (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) وقال تعالى : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ) [آل عمران: 19] وقال تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ) [آل عمران: 85]؛ ومنه يعلم كذلك أن ما من امرئ في الوجود إلا وله دين يدين به ومعبود يعبده ، حتى ذاك الملحد الذي يكفر بوجود الله تعالى وبالأديان السماوية وغيره ، له دين يدين به وينهجه في حياته ، وله آلهته الخاصة به التي تشرع له فيتبعها ويعبدها من دون الله ، ففر - بزعم التحرر من عقدة الأديان - من الدين الحق إلى الدين الباطل ، ومن العبودية الحقة التي توافق الفطرة البشرية إلى العبودية الباطلة الدخيلة ..! مثل ذلك : الشيوعي الذي يدعي الكفر بجميع الأديان ، فدينه الشيوعية ومبادئها ومعتقداتها ، والفلسفة التي يتبناها عن الكون والحياة والنفس البشرية ، ومن آلهته الكثيرة التي يعبدها - في الحب والطاعة والانقياد والخضوع - منظِّري الحزب ، كماركس ولينين واستالين وغيرهم من الطغاة ، وكذلك حال من ينتمي إلى حزب علماني أو فكر وضعي يقوم على أساس محاربة دين الله تعالى .
__________________
|
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
مفهوم الضلال والإضلال . | غربة التوحيد | لا عذر بالجهل في الشرك الأكبر | 0 | 07-13-2019 10:33 PM |
مفهوم العبادة (2) | غربة التوحيد | المسلم الحق | 0 | 08-06-2018 11:23 PM |
مفهوم الرشوة | ابو قتادة الهندي | قسم فتاوى الفقه | 1 | 09-10-2015 07:57 PM |
مفهوم الطاعة في آية الأنعام | أم فضيلة | قسم فتاوى العقيدة | 0 | 01-23-2015 09:07 PM |
مفهوم العداوة | أبو ذر المغربي | قسم فتاوى العقيدة | 0 | 01-03-2015 10:01 AM |