منتدى دعوة الحق  

العودة   منتدى دعوة الحق > الأقسام الرئيسية > الـفتاوى الـشرعية > قسم فتاوى العقيدة

تنبيهات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-20-2016, 10:33 PM
أبو سلمان الصومالي أبو سلمان الصومالي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 26
افتراضي فتوى حول مسألة التحاكم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إلي الشيخ أبي عبد الرحمن الصومالي حفظه الله:
كما نعلم في ديننا الحنيف أن شرك الإعتقاد والإتباع متساويان لا فرق بينهما ولذلك أضرب مثلا لتقريب فهم السآل:
ــ شخص مسلم طلب منه المشركون أن يقدم لآلهتهم ويذبح أمامها أول الصورة رأيناه ظاهرا أنه قبل مطلبهم مذعنا من دون إكراه ساكتا مقدما فاعلا فعل الذبح فهذا حكمه معلوم أنه كافر مرتد.

ــ والصورة الثانية طلبوا منه نفس المطلب لكن رفض وقال بلسانه (دليل المقال ) هذا الأمر باطل وأنا لا أذبح ولا أتقرب إلا الله وحده وهذا حكمه معلوم أنه مسلم.

ــ ثم إن عاودو معه الطلب مرارا فظاهر الصورة التي يفعلها هي التي تعطينا الحكم عليه إما بدلالة حال أو دلالة مقال فإن عدمت دلالة المقال أخذنا الحكم بدلالة الحال لإصدار الحكم عليه:

أليست هكذا ياشيخ في قضية التحاكم فأنا لما يأتيني إستدعاء من المحكمة (القاضي) من دون إكراه فمعناه أن أستجيب وأذعن للدخول في التحاكم فذهابي إلى المحكمة ومثولي أمام القاضي بدون دلالة مقال تظهر عدم موافقتي في الدخول في التحاكم أليست قبولا للتحاكم؟. وهل ينفعني قصدي الذي أحويه؟.

لقد تولدت هذا السآل بعد قراءة مرارا وتكرارا رسالة "اضواء على قضية التحاكم"
ولم يتسع صدري فهم هذه المسألة في الرسالة
افيدونا مشكورين مأجورين بارك الله فيكم

(الجواب)
(وعليكمُ السلامُ ورحمةُ الله وبركاتُه)
أعتذرُ إليكم من تأخّر الجواب، والسببُ هو الشغل الكثير، أمّا عن جواب المسألة، فأقُولُ:
(أولا) إنّ شرك الإعتقاد والإتباع متساويان؛ من حيث ما يترتّب منهما من العقوبة في الدنيا والآخرة، وكذلك من حيث الحكم الذي يستحقُّهُ فاعلهما في أحكام الدُنيا. ولكن عند النظر إلى أفعال النّاس، تجدها منقسمة إلى قسمين:

(الأول) ما لا يحتملُ إلا الكُفرَ:
مثل السجود للصليب، أو الصنم أو القبر. ومثل الذبح على النُّصب أو قبر المعتقَدِ بولايته. ومثل إظهار شعائر النّصارى من فحص الرؤُوس وشذّ الزنانير ودخُول الكنيسة. وسب الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ودينه، وإهانة المصحف، وغير ذلك. ومن ظهر منه ذلك فقد صرح العلماءُ بكُفره، لأنّ هذه الأفعال لا تصدُرُ إلا من الكُفار.

(الثاني) ما يحتملُ الكُفرَ وغيره:
مثل السجود لإنسان يحتملُ أن يكون عبادة لغير الله، فهو حينئذ كفر أكبر، ويحتمل أن يكون تحية، فهو حينئذ معصية؛ ولذلك استفصل النبي - صلى الله عليه وسلم – لما سجد لهُ معاذ - رضي الله عنه – ولم يحكُم بكفره بمجرد السجود.

ومثل إفشاء سرِّ المسلمين إلى الكفار، فقد يكونُ كُفرًا وولاءً للكفرة، وقد يقعُ ذلك من المسلم لسبب آخر، فيُحتاجُ إلى الاستفصال. كما استفصل النبي - صلى الله عليه وسلم – لما أفشى حاطب رضي الله عنه سرّه.

ومثل ذلك الدخُول على الطاغُوت، فمن دخل عليه ليُعينهُ على كُفره، أو ليتحاكم إليه، أو ليعترف بشرعيّته، أو شرعيّة أحكامه، فهو كالطاغُوت في تلك الحالة. ومن دخل عليه لغرض آخر مباح أو واجب في الشريعة فلا يكونُ آثمًا ولا كافرًا، بل قد يكُونُ مأجُورًا.

(ثانيًا) إنّ الله تعالى أمر عبادهُ أن يعبُدُوهُ بالصلاة والنسك والدعاء وغير ذلك من العبادات. ونهى عن الشركِ بالله في العبادة. فمن صرفَ هذه العبادات لغير الله فقد وقع في شركِ العبادة، وخرج من ملّةِ الإسلام. ومن دعاهُ الطاغُوتُ فذهبَ إليهِ، فلما وقفَ أمامهُ أمرهُ أن يذبح للصنم، فأبى وقال: "هذا الأمر باطلٌ وأنا لا أذبحُ إلا لله، ولا أتقرَّبُ إلا اليه وحده". فهذا حكمه معلوم أنه مسلم. لم يكفُرْ بإجابةِ دعوة الطاغُوت، ولا بالمثُول أمامهُ، ولا بمُحاورته، وإنما كفرَ لصرفه العبادة لغير الله.

ومن دعاهُ الطاغُوتُ فذهبَ إليهِ، فلما وقفَ أمامهُ أمرهُ أن يذبح للصنم، فأجابَ وذبحَ للصنم. فهذا حكمه معلوم أنه كافرٌ مرتدٌّ إذا كان قبل ذلك على الإسلام. ولكن اعلم أنّهُ لم يكفُرْ بإجابةِ دعوة الطاغُوت، ولا بالمثُول أمامهُ، ولا بمُحاورته، وإنما كفرَ لصرفه العبادة لغير الله.

ومن دعاهُ الطاغُوتُ فذهبَ إليهِ، فلما وقفَ أمامهُ أمرهُ أن يشربَ خمرًا، أو يزنيَ، فأجابَ وفعل الفاحشة، من غير إكراه، حُبًّا في الخمر أو الزنى لا انقيادًا ومحبّة لأمر الطاغُوت. فهذا حكمه معلوم أنه فاسقٌ قد وجبَ عليه الحدُّ. ولكن اعلم أنّهُ لم يفسُقْ بإجابةِ دعوة الطاغُوت، ولا بالمثُول أمامهُ، ولا بمُحاورته، وإنما فسقَ لوقُوعه في الكبيرة باختياره.

ومن دعاهُ الطاغُوتُ فذهبَ إليهِ، فلما وقفَ أمامهُ لم يأمُرهُ بالشركِ وصرفِ العبادة لغير الله، ولم يأمُرهُ بفعلِ فاحشةٍ، ولكن أمرهُ أن يُجيبَ عن بعضِ الأسئلة؛ التي لا تُحرّمُ الشريعةُ الجواب عنها،. مثل: "لقد اتّهمك هذا وهذا بأنّك قتلتَ صاحبهم فما تقُولُ؟". فأجابَ: "هذا كذبٌ وافتراءٌ عليَّ وأنا بريءٌ من قتلِ صاحبهم".

فهذا حكمه معلوم وأنّهُ قائلٌ للحقّ ـ إن كان صادقًا ـ ليس بكافرٍ ولا فاسقٍ. لم يكفُرْ ولم يفسُقْ بإجابةِ دعوة الطاغُوت، ولا بالمثُول أمامهُ، ولا بمُحاورته وتبرئةِ نفسه مما ألصقَ بها. ومن ظنَّ أنّ هذا قد كفرَ، وأنّهُ أعظمُ إثمًا من الّذي تكلّم أمام الطاغُوت وأبى أن يذبحَ لغير الله، والّذي أطاع الطاغُوت في الزنا، من قال بذلك فقد جهلَ جهلا عظيمًا؛ أو أصابهُ اختلالٌ في العقلِ.

إنَّ من حقِّ الله تعالى على عباده أن يتحاكمُوا إلى كتابه وسنّة نبيّه صلّى اللهُ عليه وسلّم، ويرجعُوا إليهما عند الاختلافِ، وأن لا يكون في أنفسهم حرجٌ مما قضاهُ الله ورسُولهُ، وأن يستسلمُوا وينقادُوا له. كما قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء:65)

فمن خاصم في شيء، فقرّر من تلقاء نفسه، أو من تزيين غيره لهُ، أن يذهبَ إلى القاضي الكافر، ليفصلَ في الخصُومة بشرعه الكفري المدوّن، أو بأقواله الشفوية، فهو الذي تجعلهُ شريعة الله متحاكمًا كافرًا. لكونه قد صرفَ إلى الطاغُوت حقَّ الله الّذي هو التحاكم إلى شريعته.

أمّا الّذي يعتقدُ بأنّ فعلَ ذلك التحاكم كُفرٌ بالله وخرُوجٌ من الإسلام، ولا يُريدُ التحاكم إليه وإن ذهبت دنياه، فمثل هذا الرجل إذا دعاهُ القاضي الكافر إلى المثُول بين يديه، فاستجاب وذهبَ إليه، فإنّ شريعةَ الله لا تجعلُهُ مُتحاكمًا إلى الطاغُوت، بل تجعلهُ مسلمًا دعاهُ كافرٌ فأجاب الدعوة. ولا يجعلُهُ قولُهُ بالحقِّ مُتحاكمًا. بل إنّهُ يستيقنُ بأنّهُ في مجلس طاغُوت؛ ليس له شرعيّة وإذنٌ في الحكم والقضاء بين النّاس، فصارت أحكامُه كُلّها لغوًا لا يُؤثِّرُ في التحليل والتحريم وحقُوق النّاس.

فقولك: (فأنا لما يأتيني إستدعاء من المحكمة (القاضي) من دون إكراه فمعناه أن أستجيب وأذعن للدخول في التحاكم فذهابي إلى المحكمة ومثولي أمام القاضي بدون دلالة مقال تظهر عدم موافقتي في الدخول في التحاكم أليست قبولا للتحاكم؟. وهل ينفعني قصدي الذي أحويه؟.). هو خطأٌ محضٌ من أوجُه:

(الأول) خرجتَ من تعريف "التحاكُم"، وجعلت الدخُول على الطاغُوت بعد استدعائه إياك "تحاكمًا" منك، وليس تحاكُمًا في كتاب الله.

(الثاني) إنّك تنازلت عن نيّتك وشريعتك، ووافقتَ نيّةَ الكافر وشريعته. وذلك أنّ نيّتك أن لا تتحاكم إلى الطاغُوت وإن ذهب مالُك وولدك، وإنّما أجبت دعوة الطاغُوت لمصلحة قائمة، كما أجاب الصحابة لدعوة النجاشي. وشريعة الله تأذنُ لك في أن تأتيه وإن كان يطلبُ منك كُفرًا، ولا تُكفّرك إلا بوقُوع الكفر منك.

ونيّةُ الطاغُوت هو أنّهُ صاحب الحقّ في الفصل بين النّاس، وأنّ شريعتهُ تجعلُ كُلَّ من جاء إليه طالبًا فصل القضاء، ومن جاء إليه بدعوته سواءً. وتُسمّيهم مُتحاكمين. فأنتَ عندما اعتقدتَ أنّك أصبحت متحاكمًا بمجرّد المثول بين يديه بعد دعوته، قد وافقتَ الكافرَ في نيّته وشريعته، وتنازلتَ عن نيّتك وشريعتك، وهذا أمرٌ خطير.

وقولُك: (فمعناه أن أستجيب وأذعن للدخول في التحاكم) هو تقرير لإرادةِ الطاغُوت ونيّته، أمّا إرادتُك فأمرٌ آخر، فإنّك لا تتحاكمُ إليه وإن ذهبت دُنياك، وتُؤمنُ بأنّ أحكامه من لغو القول. وإنّما استجبت إليه اتّقاءً لشرّه وما يتربُ من عدم الاجابة، مع الرخصة التي في شريعتك في إباحة الدخُول عليه إذا دعاك.

(الثالث) أنّك زدتَ في كتاب الله ما ليس فيه. فليس في الآية إلا نهيُ أصحابِ الحقُوقِ عن أن يطلبُوا فصلَ القضاء من الطواغيت عند التنازع والتخاصُمِ. فقُلتَ: "من انقاد للآية ولم يطلبْ فصلَ القضاء من الطواغيت عند التنازع والتخاصُمِ، يكونُ متحاكمًا إذا جاء إلى الطاغُوت بسبب دعوته". وهذه زيادةٌ وتقدُّمٌ بين يدي الله ورسُوله.
(واللهُ المُوفّق للصواب، ولا حول ولا قُوّة إلا به)

كتبه أبو عبد الرحمن الصومالي
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-09-2016, 04:05 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
جوابي على جواب الشيخ أبي عبد الرحمن الصومالي سدد الله خطاه لما يحبه ويرضاه .
يقول الشيخ أبو عبد الرحمن الصومالي :
أمّا عن جواب المسألة، فأقُولُ:
(أولا) إنّ شرك الإعتقاد والإتباع متساويان؛ من حيث ما يترتّب منهما من العقوبة في الدنيا والآخرة، وكذلك من حيث الحكم الذي يستحقُّهُ فاعلهما في أحكام الدُنيا. ولكن عند النظر إلى أفعال النّاس، تجدها منقسمة إلى قسمين:
(الأول) ما لا يحتملُ إلا الكُفرَ:
مثل السجود للصليب، أو الصنم أو القبر. ومثل الذبح على النُّصب أو قبر المعتقَدِ بولايته. ومثل إظهار شعائر النّصارى من فحص الرؤُوس وشذّ الزنانير ودخُول الكنيسة. وسب الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ودينه، وإهانة المصحف، وغير ذلك. ومن ظهر منه ذلك فقد صرح العلماءُ بكُفره، لأنّ هذه الأفعال لا تصدُرُ إلا من الكُفار.

أقول ضياء الدين القدسي : كلامك هنا سليم ما عدى مِثالُك : " شد الزنانير ودخُول الكنيسة " فليس مجرد شدّ الزنَّار ومجرد دخول الكنيسة لا يحتمل إلا الكفر ، فهذا يحتاج إلى تفصيل وليس هو على إطلاقه كما قلتَ ، فليس كل من شَدَّ زِنَّاراً أو دخل كنيسة يكفر الكفر الأكبر . وقد فَصَّل العلماء في هذه المسألة ، وتجدها في موضعها في كتبهم ، ولولا خشية الإطالة والبعد عن الموضوع الأساس وهو موضوع التحاكم لنقلت لك كلامهم بالتفصيل . وما عدى هذه الجزئية كلامك هنا لا غبار عليه .

قولك : (الثاني) ما يحتملُ الكُفرَ وغيره:
مثل السجود لإنسان يحتملُ أن يكون عبادة لغير الله ، فهو حينئذ كفر أكبر، ويحتمل أن يكون تحية، فهو حينئذ معصية؛ ولذلك استفصل النبي - صلى الله عليه وسلم – لما سجد لهُ معاذ - رضي الله عنه – ولم يحكُم بكفره بمجرد السجود.

أقول ضياء الدين : هذا الكلام أيضا صحيح لا نخالفك فيه .
قولك : ومثل إفشاء سرِّ المسلمين إلى الكفار، فقد يكونُ كُفرًا وولاءً للكفرة، وقد يقعُ ذلك من المسلم لسبب آخر، فيُحتاجُ إلى الاستفصال. كما استفصل النبي - صلى الله عليه وسلم – لما أفشى حاطب رضي الله عنه سرّه.
أقول ضياء الدين : هذه المسألة أيضا تحتاج لتفصيل وليس هي على إطلاقها كما ذكرت هنا يا شيخ أبا عبد الرحمن ، وحادثة حاطب رضي الله عنه تحتاج لتفصيل حتى لا يُقاس عليها كما هو حادث اليوم القياس الخاطئ لعدم فهم فقه هذه الحادثة . فحكم إفشاء سر المسلمين له تفاصيل كثيرة فله حكم أخروي وحكم ظاهري دنوي ، وقد فصل العلماء في هذه المسألة ، وتجدها في موضعها في كتبهم ، ولولا خشية الإطالة والبعد عن الموضوع الأساس وهو موضوع التحاكم لنقلت لك كلامهم بالتفصيل .
قولك : ومثل ذلك الدخُول على الطاغُوت ، فمن دخل عليه ليُعينهُ على كُفره، أو ليتحاكم إليه، أو ليعترف بشرعيّته، أو شرعيّة أحكامه، فهو كالطاغُوت في تلك الحالة. ومن دخل عليه لغرض آخر مباح أو واجب في الشريعة فلا يكونُ آثمًا ولا كافرًا، بل قد يكُونُ مأجُورًا.
أقول ضياء الدين : هذا كلام صحيح لا نخالفك فيه .
قولك : (ثانيًا) إنّ الله تعالى أمر عبادهُ أن يعبُدُوهُ بالصلاة والنسك والدعاء وغير ذلك من العبادات. ونهى عن الشركِ بالله في العبادة. فمن صرفَ هذه العبادات لغير الله فقد وقع في شركِ العبادة، وخرج من ملّةِ الإسلام. ومن دعاهُ الطاغُوتُ فذهبَ إليهِ، فلما وقفَ أمامهُ أمرهُ أن يذبح للصنم، فأبى وقال : "هذا الأمر باطلٌ وأنا لا أذبحُ إلا لله، ولا أتقرَّبُ إلا اليه وحده". فهذا حكمه معلوم أنه مسلم. لم يكفُرْ بإجابةِ دعوة الطاغُوت، ولا بالمثُول أمامهُ، ولا بمُحاورته، وإنما كفرَ لصرفه العبادة لغير الله.
أقول ضياء الدين : هذا كلام صحيح لا نخالفك فيه .
قولك : ومن دعاهُ الطاغُوتُ فذهبَ إليهِ، فلما وقفَ أمامهُ أمرهُ أن يذبح للصنم، فأجابَ وذبحَ للصنم. فهذا حكمه معلوم أنه كافرٌ مرتدٌّ إذا كان قبل ذلك على الإسلام. ولكن اعلم أنّهُ لم يكفُرْ بإجابةِ دعوة الطاغُوت، ولا بالمثُول أمامهُ، ولا بمُحاورته، وإنما كفرَ لصرفه العبادة لغير الله.
أقول ضياء الدين : هذا كلام مُطلق يحتاج لبيان ، حتى لا يُفهم على اطلاقه في جميع أنواع الطواغيت وفي جميع أنواع الدعوات للحضور والمثول أمام الطاغوت . فإن كانت الدعوة مجرد دعوة للحضور غير مُخَصَّصة لشيء وكان المستدعي هو الطاغوت حاكم البلاد المُسيْطِر عليها ، فإجابتها لا يعني إلا مجرد الحضور ، ومجرد الحضور لمقام الطاغوت حاكم البلاد المسيطر عليها والمثول أمامه لا تعني بحد ذاتها الكفر أو الشرك أو التحاكم أو أي شيء سوى الحضور ، أي تعني فقط فعل الحضور ، وفعل الحضور أمام الطاغوت حاكم البلاد كحضور ، مباح ، ولم يقل أحد عنه أنه كُفر أو شِرك . فطلب الحضور والحضور نفسه وإجابة دعوة الحضور لمقام الطاغوت حاكم البلاد المسيطر عليها ، لا تعني بمجردها شيئاً سوى طلب الحضور أو فعل الحضور ، ويُحكم على هذا الطلب أو الفِعل حسب تصريح الطالب للحضور التي تكون عادة مرافقة لدعوة الحضور ، والمجيب لدعوة الحضور يحكم عليه وفق ذلك . فإن كانت الدعوة للأكل مع الطاغوت الحاكم فهي دعوة أكل ، وإن كانت دعوة استشارة في أمر ما ، فهي دعوة استشارة ، وإن كانت دعوة للاحتفال بعيد جلوس الحاكم على الحكم فهي دعوة لحضور الاحتفال بعيد الجلوس على الحكم ، وإن كانت دعوة للاستفسار عن معلومة وصلت الحاكم فهي دعوة استفسار وسؤال وإن كانت دعوة للتحاكم له فهي دعوة للتحاكم وإن كانت دعوة للسجود له أو للذبح لصنم فهي دعوة لذلك ، وهكذا . والدعوة تأخذ حكمها حُكْمَ ما دُعيت لأجله . والمجيبُ مختاراً لهذه الدعوة يأخذ حُكم مَن أجاب لما دعي إليه ما لم يصدر عنه التصريح لمن دعاه بما يخالف ذلك ، ولا يأخذ البتة حكم الإجابة لأي دعوة أو حكم الإجابة لمطلق الدعوة للحضور المجردة من أي بيان لسبب الحضور . فمن دعاه حاكم البلاد الطاغوت للاحتفال بعيد جلوسه على الحكم ، لا يسعه أن يقول لنا وقد استجاب للدعوة مختاراً : كان قصدي من الحضور الأكل وليس الاحتفال بعيد الجلوس ، والأكل مع الطاغوت جائز . وكذلك من دُعي للتحاكم للطاغوت وذهب مختاراً ودخل جلسة التحاكم ، لا يسعه أن يقول لنا : أنا لم أذهب للتحاكم وإنما ذهبت للدفاع عن حقي ، والدفاع عن الحق مشروع في دين الله . وأما من دُعي للطاغوت مجرد دعوة للحضور ثم بعد أن أجاب الدعوة طلب منه أن يذبح للصنم أو يسجد للطاغوت ، لا يُقال أنه دعي للذبح للصنم أو للسجود للطاغوت سجود عبادة ، فإجابته للدعوة المجردة هذه كفر وشرك قبل أن يذبح للصنم أو يسجد للطاغوت . وإنما نقول : إجابة الدعوة المجردة للحضور : جائز وذبحه للصنم شرك وسجوده للطاغوت سجود عبادة شرك . فإجابة دعوة الحضور المجردة هنا عمل ليس له علاقة بالذبح للصنم أو السجود للطاغوت فكل يأخذ حكمه ، وهذا يختلف عن إجابة الدعوة المُبيَّن ما المقصود منها عند طلب الحضور . والمقصود بالدعوة المجردة للحضور : أن يطلب مِنه حاكم البلاد الطاغوت الحضور لطرفه بدون بيان السبب.
وهنا اسألك يا شيخ أبا
عبد الرحمن : لو طلب الطاغوت حاكم البلاد من أحد المسلمين أن يأتي لطرفه حتى يذبح للصنم أو ليسجد له سجود عبادة وعلم هذا المسلم سبب هذه الدعوة فذهب ، ما حكم ذهابه واستجابته لمثل هذه الدعوة مختاراً ؟
وإن عرفت أنت هذه الواقعة فماذا تحكم على هذا المسلم إن رأيته يستجيب لهذه الدعوة ويذهب للطاغوت بدون إكراه ؟
لا بد للمسلم الذي يعرف سبب الدعوة والغاية منها أن يحكم أن فعل إجابة مثل هذه الدعوة لا يعني ظاهراً إلا قبول الطلب الشركي الذي هو سبب الدعوة ، ما لم يأت المدعو بأمر ظاهر قطعي الدلالة يدل على أن ذهابه للطاغوت والمثول أمامه لم يكن لإجابة الدعوة الشركية .وهذا الأمر الظاهر القطعي هو تصريحه للطاغوت أنه لم يأت استجابة لطلبه وأنه لا يقبل طلبه ، عندها لا نحكم على مجرد مجيئه للطاغوت بالشرك .
ولنبسط ونوضع المثال أكثر : جاء طلب من الطاغوت الحاكم لشخص مسلم يقول فيه بالقول الواضح : أريدك أن تحضر لطرفي لتسجد لي سجود عبادة ، أو أريدك أن تحضر لي لتذبح للصنم . وأنت قرأت هذا الطلب ثم رأيت هذا المسلم يستجيب لهذا الطلب مختاراً ويحضر لطرف الطاغوت من دون أن يصدر منه أي رد ظاهر قطعي لهذا الطلب الشركي هل تنتظر وأنت تعرف سبب طلب المجيء أن يفعل فعله الشركي لتحكم عليه بالشرك أم تحكم عليه قبل رؤيتك فعله للشرك بأنه مشرك كافر ، لأن حاله يدل دلالة ظاهرة قطعية أنه استجاب لطلب فعل الشرك ، ومن استجاب لطلب فعل الشرك فهو مشرك قبل فعله الشرك ؟ لا بد للموحد الذي يعرف الواقعة وسبب الدعوة ليحفظ توحيده أن لا يتردد بالحكم عليه بأنه مشرك لأنه قَبِلَ أن يأتي لفعل الشرك ولم يظهر منه عكس ذلك أمام من دعاه . وإن مات هذا الشخص الذي مثل أمام الطاغوت استجابة لطلب الشرك قبل أن يسجد للطاغوت سجود عبادة أو قبل أن يذبح للصنم فلا يشك موحد بأن حكمه الظاهر أنه خرج من الدين بقبوله فعل الشرك . فليس فقط فعل الشرك هو الذي يُخرج من الملة ، بل أي عمل أو قول يدل على قبول فِعل الشرك يُخرج من الملة حتى لو لم يُفعل فعل الشرك ذاته .
وسيأتي زيادة تفصيل لهذه المسألة لأنها هي مربط الفرس ومفتاح فهم المسألة .
قولك : ومن دعاهُ الطاغُوتُ فذهبَ إليهِ، فلما وقفَ أمامهُ أمرهُ أن يشربَ خمرًا، أو يزنيَ، فأجابَ وفعل الفاحشة، من غير إكراه، حُبًّا في الخمر أو الزنى لا انقيادًا ومحبّة لأمر الطاغُوت. فهذا حكمه معلوم أنه فاسقٌ قد وجبَ عليه الحدُّ. ولكن اعلم أنّهُ لم يفسُقْ بإجابةِ دعوة الطاغُوت، ولا بالمثُول أمامهُ، ولا بمُحاورته، وإنما فسقَ لوقُوعه في الكبيرة باختياره.

أقول ضياء الدين : نعم إن كانت الدعوة مجرد دعوة للحضور فقط فحكم إجابتها لا يعني شيئاً الا قبول فعل الحضور . فمجرد إجابته لدعوة الحضور المجردة لا يعني قبوله لفعل الشرك أو لشرب خمر أو لفعل زنا أو لأي فعل سوى قبوله فِعل الحضور . وفعل الشرك وفعل شرب الخمر وفعل الزنا وغيرها من الأفعال ، أفعال أخرى لها حكمها الخاص بها وليس لها علاقة بفعل الحضور المجرد . فإن طُلب منه الحضور لفعل الشرك أو لشرب الخمر أو لفعل الفاحشة واستجاب لهذه الدعوة الخاصة ( المقصود بعبارة الدعوة الخاصة ، الدعوة للحضور لفعل عمل محدد ذكر في الدعوة) ، يكون قد قبل بالفعل الذي دُعِي إليه ما لم يُظهر العكس لمن دعاه . فإن ذهب مستجيباً للدعوة الخاصة التي دعي إليها ومات في الطريق قبل أن يفعل الفعل الذي دعي إليه يأخذ حكم من قبل فِعل الفعل الذي دعي إليه ، وهذا ثابت بالشرع لا خلاف فيه .
قولك : ومن دعاهُ الطاغُوتُ فذهبَ إليهِ، فلما وقفَ أمامهُ لم يأمُرهُ بالشركِ وصرفِ العبادة لغير الله، ولم يأمُرهُ بفعلِ فاحشةٍ، ولكن أمرهُ أن يُجيبَ عن بعضِ الأسئلة ؛ التي لا تُحرّمُ الشريعةُ الجواب عنها،. مثل: "لقد اتّهمك هذا وهذا بأنّك قتلتَ صاحبهم فما تقُولُ؟". فأجابَ: "هذا كذبٌ وافتراءٌ عليَّ وأنا بريءٌ من قتلِ صاحبهم". فهذا حكمه معلوم وأنّهُ قائلٌ للحقّ ـ إن كان صادقًا ـ ليس بكافرٍ ولا فاسقٍ. لم يكفُرْ ولم يفسُقْ بإجابةِ دعوة الطاغُوت، ولا بالمثُول أمامهُ، ولا بمُحاورته وتبرئةِ نفسه مما ألصقَ بها. ومن ظنَّ أنّ هذا قد كفرَ، وأنّهُ أعظمُ إثمًا من الّذي تكلّم أمام الطاغُوت وأبى أن يذبحَ لغير الله، والّذي أطاع الطاغُوت في الزنا، من قال بذلك فقد جهلَ جهلا عظيمًا؛ أو أصابهُ اختلالٌ في العقلِ.
أقول ضياء الدين : نعم يا شيخ أبا
عبد الرحمن ، فمن دُعي دعوة عامة للحضور لطرف الطاغوت الحاكم العام للبلاد ، ثم بعد أن ذهبَ إليهِ ومثل أمامه ، لم يأمُرهُ بالشركِ وصرفِ العبادة لغير الله ، ولم يأمُره بفعلِ فاحشة ، ولكن أمرهُ أن يُجيبَ عن بعضِ الأسئلة ؛ التي لا تُحرّمُ الشريعةُ الجواب عنها ، فأجابه وفق الشرع ، لا يكفر ولا يفسق ، ومن يقل عكس ذلك فقد جهلَ جهلاً عظيماً. وقال في دين الله بغير علم .
وكذلك من دعاه الطاغوت حاكم البلاد للحضور لطرفه دون تحديد لسبب الحضور ، فعندما وقف أمام الطاغوت حاكم البلاد قال له الطاغوت مشيراً الى شخص آخر ماثلاً أمامه : هذا الشخص يتهمك بأنّك قتلتَ صاحبهم فما تقُول ؟ ". فأجابَ مدافعاً عن نفسه : "هذا كذبٌ وافتراءٌ عليَّ وأنا بريءٌ من قتلِ صاحبهم". فليس بكافر أو متحاكم للطاغوت مشرك ، ومن يَقُل في هذه الحالة : أن بمجرد جوابه ودفاعه عن نفسه أمام الطاغوت حاكم البلاد فقد تحاكم للطاغوت وأشرك بالله ، فهو جاهل قد حكم في دين الله بغير علم .
ولكن يا شيخ أبا
عبد الرحمن - هداك الله لما يحبه ويرضاه - ليس هذه هي الصورة والواقعة التي نتحدث عنها والتي هي موضع الخلاف بيننا .
اسألك هنا : شخص مسلم دعاه الطاغوت حاكم البلاد للحضور لطرفه دون تحديد لسبب الحضور ، فعندما وقف أمام الطاغوت حاكم البلاد قال له الطاغوت مشيراً الى شخص آخر ماثلاً أمامه : هذا الشخص يتهمك بأنّك قتلتَ صاحبهم وأنا الآن سأعقد بينكما جلسة محاكمة لأحكم بينكما ، وفي هذه الجلسة - جلسة المحاكمة - تستطيع أن تدافع عن نفسك فيها وتدلي بأدلتك حسب أصول التحاكم لي ، وأنا كحاكم بينكما بعد سماعي لأقوالكما سأحكم بينكما ، ولهذا استدعيتك لتحضر للمثول في جلسة التحاكم لي لتدافع عن نفسك فيها ولأسمع كلامك ثم سأحكم بينكما بحكمي وحسب قانوني . فقبل المسلم ذلك وبدأ يجيب على أسئلة الطاغوت بعد عقد جلسة التحاكم ويقول : " "ما قاله هذا عني كذبٌ وافتراءٌ عليَّ وأنا بريءٌ من قتلِ صاحبهم". فما حكمه ؟
هل نقول : إنه لم يقبل التحاكم أو لم يتحاكم ، بل فعل ما هو مباح في الشرع وهو مجرد دفاعه عن نفسه ، ومن قال بأنه قبل التحاكم ، فقد جَهِلَ جهلا عظيماً؛ أو أصابهُ اختلالٌ في العقلِ. ؟؟!!!
أم أننا سنقول كما سيقوله كل موحد عاقل يفهم توحيده : بأن هذا الشخص بعد أن بُيِّن له أنه سَيُعقد له محاكمة بينه وبين من اتهمه بالقتل ، وبعد أن بُيِّن له أنه دُعي لأجل ذلك وأن الحاكم سيكون الطاغوت حاكم البلاد الذي سيحكم بينهما وفق دستور البلاد وأن دفاعه عن نفسه سيكون بعد عقد جلسة التحاكم وعند سؤال الحاكم له فقط ، فوافق على ذلك ولم يصدر منه أي اعتراض على ذلك ثم بدأ دفاعه عن نفسه بعد أن بدأ الحاكم يسأله وبعد أن سمح له بالدفاع عن نفسه ، بأنه أشرك بالله وارتد عن دينه لقبوله التحاكم للطاغوت ؟؟
لا شك أننا نقول كما سيقوله كل موحد عاقل يفهم توحيده : بأن من حاله كذلك لا شك أنه قَبل التحاكم للطاغوت ولهذا أشرك بالله وارتد عن دين الإسلام بقبوله التحاكم لغير شرع الله مختاراً . ومن يَقُل : أن هذا الشخص لم يقبل التحاكم ، لهذا لم يشرك ولم يرتد بل فعل ما هو مباح في الشرع وهو دفاعه عن نفسه بالحق ، من يقل هذا ، لا شك أنه لم يُسمِّ الحقائق بمسمياتها ولم يدرك المسألة الأدراك الصحيح وحكم في دين الله بِدون تصور صحيح للمسألة ، فَضَلَّ وأضَل . فالقاعدة تقول : " الحكم على الشيء فرع عن تصوره " . فالتصور العلمي الدقيق لأي مسألة هو شرط أساسي قبل الحكم عليها ؛ لأن ذلك التصور هو الذي يضبط الذهنَ والفكر عن الخطأ ، ويؤدي إلى تحديد مُحْكَمٍ ، وضبط علميٍّ منهجي لحقيقة الشيء وماهيَّتِه. وإن لم يحصل هذا عند من يحكم على المسألة فلا شك أنه لن يوفق في الحكم عليها الحكم الصحيح الموافق للشرع .
قولك : إنَّ من حقِّ الله تعالى على عباده أن يتحاكمُوا إلى كتابه وسنّة نبيّه صلّى اللهُ عليه وسلّم، ويرجعُوا إليهما عند الاختلافِ، وأن لا يكون في أنفسهم حرجٌ مما قضاهُ الله ورسُولهُ، وأن يستسلمُوا وينقادُوا له. كما قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء:65)
فمن خاصم في شيء، فقرّر من تلقاء نفسه، أو من تزيين غيره لهُ، أن يذهبَ إلى القاضي الكافر، ليفصلَ في الخصُومة بشرعه الكفري المدوّن، أو بأقواله الشفوية، فهو الذي تجعلهُ شريعة الله متحاكمًا كافرًا. لكونه قد صرفَ إلى الطاغُوت حقَّ الله الّذي هو التحاكم إلى شريعته.
أمّا الّذي يعتقدُ بأنّ فعلَ ذلك التحاكم كُفرٌ بالله وخرُوجٌ من الإسلام، ولا يُريدُ التحاكم إليه وإن ذهبت دنياه، فمثل هذا الرجل إذا دعاهُ القاضي الكافر إلى المثُول بين يديه، فاستجاب وذهبَ إليه، فإنّ شريعةَ الله لا تجعلُهُ مُتحاكمًا إلى الطاغُوت ، بل تجعلهُ مسلمًا دعاهُ كافرٌ فأجاب الدعوة . ولا يجعلُهُ قولُهُ بالحقِّ مُتحاكمًا. بل إنّهُ يستيقنُ بأنّهُ في مجلس طاغُوت؛ ليس له شرعيّة وإذنٌ في الحكم والقضاء بين النّاس، فصارت أحكامُه كُلّها لغوًا لا يُؤثِّرُ في التحليل والتحريم وحقُوق النّاس .

أقول ضياء الدين : من دعاه القاضي الكافر الذي يحكم بغير شرع الله إلى المثول بين يديه ، لم يدعه للمثول بين يديه وحسب ، بل دعاه ليتحاكم إليه وقد بين له ذلك مع الدعوة للحضور . فعليك يا شيخ أبا
عبد الرحمن أن تُحسِن فهم المسألة قبل الحكم عليها ، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره ، ومن لم يتصور المسألة التصور الصحيح لا شك أنه سيخطأ في الحكم عليها .
المسألة التي نتحدث عنها يا أبا
عبد الرحمن - وفقك الله لما يحبه ويرضاه - ليست مجرد دعوة مجردة للحضور أمام القاضي . المسألة هي : دعوة مثول وحضور أمام قاضٍ طاغوت وظيفته الوحيدة هي محاكمة الناس بغير شرع الله ، وقد بُيِّن سبب الدعوة مع الدعوة . يعني لم تكن دعوة للحضور مجردة لم يُبين له سببها ، بل كانت دعوة للمثول أمام القاضي للتحاكم بسبب شكوى قُدِّمت ضده من شخص آخر طَلَب فيها الحكم من القاضي على المشتكى عليه ، فدعاه القاضي للمثول أمامه ليحكم بينهما ، لأن هذه هي وظيفته الأساسية التي وظِّف فيها من قِبَل حاكم البلاد . وقد تم بيان سبب الدعوة عند الدعوة. فهي إذن ليست مجردة دعوة للدفاع عن النفس دون دخول التحاكم ، وليست دعوة للزيارة أو للشهادة أو لأي شيء آخر غير التحاكم وفض النزاع وفق قانون الطاغوت بحكم القاضي الذي وظف لذلك من طرف الطاغوت .
فوظيفة القاضي تختلف عن وظيفة الحاكم للبلاد ، وظيفة القاضي هي محاكمة الناس والحكم بينهم وفق الدستور . أما حاكم البلاد فله إضافة إلى هذه الوظيفة وظائف أخرى ليست لها علاقة بالتحاكم والتقاضي ، وفي عصرنا الحاضر في كثير من البلاد هو سلطة تنفيذية وليس سلطة قضائية ، وبغض النظر مهما كانت سلطة الحاكم العام للبلاد فهو يختلف عن القاضي الذي وظيفته الأساسية محاكمة المتخاصمان وفق الدستور ، لهذا يجلس في مكان يسمى " محكمة " ويدعو الناس لهذه المحكمة . فلا بد من التفريق بين القاضي والحاكم العام عند طرح المسألة حتى يكون الطرح دقيقاً ولا تختلط المسائل والأشخاص .
فإن دعا القاضي شخصاً قد قُدِّمت له شكاية في حقه من طرف آخر ، لا يدعوه إلا لشيء واحد لا ثانِيَ له ، وهذا الشيء هو الدعوة للتحاكم ، وهذه هي وظيفة القاضي الأساسية التي وظِّف لأجلها وهي التي لأجلها يذهب الناس له . والذاهب له إما مشتكي وإما مشتكى عليه أو مطلوب للشهادة في القضية . المشتكي يذهب للقاضي بدون دعوة للتحاكم والمشتكى عليه يُستدعى من طرف القاضي للتحاكم . (الشاهد له حكم آخر ليس موضوعه هنا ) فيجب طرح المسألة على حقيقتها بدون أي نقص أو غموض حتى يتم الحكم عليها بالشكل الصحيح .
فقولك يا شيخ أبا
عبد الرحمن : " أمّا الّذي يعتقدُ بأنّ فعلَ ذلك التحاكم كُفرٌ بالله وخرُوجٌ من الإسلام ، ولا يُريدُ التحاكم إليه وإن ذهبت دنياه، فمثل هذا الرجل إذا دعاهُ القاضي الكافر إلى المثُول بين يديه، فاستجاب وذهبَ إليه، فإنّ شريعةَ الله لا تجعلُهُ مُتحاكمًا إلى الطاغُوت ، بل تجعلهُ مسلمًا دعاهُ كافرٌ فأجاب الدعوة . ولا يجعلُهُ قولُهُ بالحقِّ مُتحاكمًا. بل إنّهُ يستيقنُ بأنّهُ في مجلس طاغُوت؛ ليس له شرعيّة وإذنٌ في الحكم والقضاء بين النّاس ، فصارت أحكامُه كُلّها لغوًا لا يُؤثِّرُ في التحليل والتحريم وحقُوق النّاس ."
يدل كلامك هذا على أن تصورك للمسألة ليس هو التصور الصحيح ، ويدل أيضاً على تسميتك للأمور بغير مسمياتها . ولأني أحسن الظن بك لا أتَّهمك بأنك فعلت ذلك تلبيساً كما يفعل علماء الطواغيت بل أقول لك : إن المسألة عندك ليست متصورة التصور الصحيح الدقيق كما هي على حقيقتها . فالتصور العلمي الدقيق لأي مسألة هو شرط أساسي قبل الحكم عليها ؛ لأن ذلك التصور هو الذي يضبط الذهنَ والفكر عن الخطأ ، ويؤدي إلى تحديدٍ مُحْكَمٍ ، وضَبطٍ عِلميٍّ مَنهجي لحقيقة الشيء وماهيَّتِه. وإن لم يحصل هذا عند من يحكم على المسألة فلا شك أنه لن يوفق في الحكم عليها الحكم الصحيح الموافق للشرع . فإمَّا أنه سَيُنَزِّل الأدلة على غير موضعها أو سَيَقيس القياس مع الفارق كما فعلت يا شيخ أبا
عبد الرحمن .
المسألة هي : أن هذا الشخص الذي وصفته بأنه يعتقدُ بأنّ فِعلَ التحاكم للقاضي الذي دعاه كُفرٌ بالله وخرُوجٌ من الإسلام ، وأنه لا يُريدُ التحاكم إليه وإن ذهبت دنياه ، ولكنه مع ذلك عندما دعاه القاضي ليتحاكم إليه لم يتردد ولا لحظة واحدة في الذهاب ، فذهب للقاضي مختاراً ودخل جلسة المحاكمة أمام القاضي مع خصمه وجعل يجيب القاضي على كل ما يسأله عنه ، معتقداً أن هذا دفاعاً عن النفس مشروع وأن الكفر المخرج من الملة فقط هو ما فعله المشتكي عليه وهو طلب التحاكم فقط .
هذه هي صورة المسألة الصحيحة يا أبا
عبد الرحمن التي حكمت على فاعلها بالإسلام ولم تخرجه من الملة بفعله هذا وقلت واصفاً له الوصف غير الصحيح أنه لم يطلب التحاكم ولم يتحاكم بل دافع عن نفسه بالحق ، وأن دعوته كانت مجرد دعوة كافر لمسلم استجاب لها المسلم ثم تكلم الحق في حضور هذا الكافر .
والغريب المحزن أنك بعد وصفك الخاطئ للواقعة تقول : " شريعةَ الله لا تجعلُهُ مُتحاكماً إلى الطاغُوت! "
أسألك يا شيخ أبا
عبد الرحمن : هل شريعة الله لا تجعل من يقبل التحاكم للطاغوت متحاكماً له ما دام لم يطلب التحاكم بداية ؟!!! أشهد الله أنها ليست هذه شريعته.
والآن أعطنا يا أبا
عبد الرحمن ، الحكم على الوصف الصحيح للمسألة كما بينتها لك .
قولك : " بل إنّهُ يستيقنُ بأنّهُ في مجلس طاغُوت؛ ليس له شرعيّة وإذنٌ في الحكم والقضاء بين النّاس ، فصارت أحكامُه كُلّها لغوًا لا يُؤثِّرُ في التحليل والتحريم وحقُوق النّاس ."
أقول ضياء الدين : أنت هنا تصف هذا الشخص الذي تحكم بإسلامه بأنه مستيقن أنه في مجلس طاغوت ، يعني يعرف أنه في مجلس تحاكم وليس مجلس دردشة أو حوار ويعرف أنه طرف في التحاكم مع خصمه الذي اشتكاه للطاغوت وطلب من الطاغوت أن يحكم بينهما وأنه قَبِل أن يدخل في جلسة التحاكم كطرف مشتكى عليه ، ويعرف أن الذي سيحكم بينهما هو القاضي الطاغوت ولكنه بفعله هذا لا يعتبر نفسه خرج من الدين لأنك علمته أن هذا ليس تحاكماً للطاغوت بل هو مدافعة عن حق ، لأنه ليس هو من طلب التحاكم وإنما قبل الدخول في التحاكم ليدافع عن نفسه وعن الحق ، وأنه قَبِل الدخول في التحاكم ليس لقبوله التحاكم للطاغوت بل هو يعتقد الكفر بالطاغوت وبقوانينه ويعتبر طلب الحكم منه والتحاكم إليه شرك ويعتقد أن هذا الطاغوت ليس له شرعيّة وإذنٌ في الحكم والقضاء بين النّاس .هذا مرخص معنى كلامك .
يا شيخ أبا
عبد الرحمن هداك الله : ما هو الفرق بين من يطلب التحاكم للطاغوت لاسترجاع حقه وبين من يقبل التحاكم له لاسترجاع حقه ؟؟؟؟ أرجو أن تجيب على هذا السؤال بالأدلة إن فرقت في الحكم . وأعتقدُ جازماً ، لا أنت ولا غيرك يستطيع بدليل شرعي ولا عقلي التفريق في الحكم بينها . فاتق الله وقل الحق في المسألة قبل أن يأتيك اليقين . ويشهد الله أني لك ناصح أمين لا يبغي إلا الخير لك .
ثم تقول مجيباً على السائل : : فقولك: (فأنا لما يأتيني إستدعاء من المحكمة (القاضي) من دون إكراه فمعناه أن أستجيب وأذعن للدخول في التحاكم فذهابي إلى المحكمة ومثولي أمام القاضي بدون دلالة مقال تظهر عدم موافقتي في الدخول في التحاكم أليست قبولا للتحاكم؟. وهل ينفعني قصدي الذي أحويه؟.). هو خطأٌ محضٌ من أوجُه:
(الأول) خرجتَ من تعريف "التحاكُم"، وجعلت الدخُول على الطاغُوت بعد استدعائه إياك "تحاكمًا" منك، وليس تحاكُمًا في كتاب الله.

أقول ضياء الدين : السائل يسألك : " فذهابي إلى المحكمة ومثولي أمام القاضي بدون دلالة مقال تظهر عدم موافقتي في الدخول في التحاكم أليست قبولا للتحاكم؟"
فالسائل هنا يسألك عن عمل محدد هل هو قبول للتحاكم أم لا ؟ ولا يسألك هل هو طلب تحاكم أم لا ؟ ولا يسألُك عن حكم مُجرَّد الدخول والمثول أمام للطاغوت . حتى تجيبه : " خرجتَ من تعريف "التحاكُم"، وجعلت الدخُول على الطاغُوت بعد استدعائه إياك "تحاكمًا" منك، وليس تحاكُمًا في كتاب الله. "
فل لي بالله عليك كيف خرج سائلك من تعريف التحاكم للطاغوت وهو لا يسألك عنه ؟!!
قولك : (الثاني) إنّك تنازلت عن نيّتك وشريعتك، ووافقتَ نيّةَ الكافر وشريعته. وذلك أنّ نيّتك أن لا تتحاكم إلى الطاغُوت وإن ذهب مالُك وولدك، وإنّما أجبت دعوة الطاغُوت لمصلحة قائمة، كما أجاب الصحابة لدعوة النجاشي. وشريعة الله تأذنُ لك في أن تأتيه وإن كان يطلبُ منك كُفرًا، ولا تُكفّرك إلا بوقُوع الكفر منك.
أقول ضياء الدين : لا أدري كيف هذا الشخص الموصوف قد تَنَازَلَ عن نيته وشريعته ووافق نية الكافر وشريعته ؟!!!
وهل نيته أن لا يتحاكم إلى الطاغوت وإن ذهب مالُه وولده يلغي دلالة فعلة الظاهر الصريحة اليقينية بأنه قبل التحاكم بدخوله مختاراً جلسة التحاكم ؟
ثم وما علاقة النيات هنا ؟ هل السؤال عن حكم النيات ؟! لا طبعاً .
السؤال عن أعمال محددة تحفها القرائن ولا يوجد هناك سؤال أو أحكام على نيات في سؤال السائل .
ثم كيف هذا السائل تنازل عن شريعته ووافق شريعة الكافر ؟!!
ثم أين قال السائل لك عمن سألك عنه ، أن نيته كانت التحاكم للطاغوت ؟؟!!
وأين قال السائل لك عمن سألك عنه أن استجابته لدعوة التحاكم لم تكن لمصلحة قائمة له .؟؟!!
ومِن متى كانت النية والمصلحة تلغي وصف الفعل الظاهر ؟!
أما تشبيهك حال من سُئلت عنه بحال الصحابة الذين دعاهم النجاشي ، فهذا قياس مع الفارق . فالصحابة لم يدعُهم النجاشي لمحكمة ، بل دعاهم كحاكم بلاد دخلوا بلده للاستفسار والسؤال عن ما سمعه عنهم وليس كقاضي ليحاكمهم ، وحال النجاشي ليس كحال القاضي بل هو حاكم للبلاد وليس كل دعوة منه تُعد دعوة للتحاكم كما هو حال القاضي الذي وظيفته محاكمة الناس فقط ودعوتهم للتحاكم إن جاءه طلب لمحاكمتهم من مُشتَكي عليهم .
قولك : " وشريعة الله تأذنُ لك في أن تأتيه وإن كان يطلبُ منك كُفرًا، ولا تُكفّرك إلا بوقُوع الكفر منك. "
أقول ضياء الدين : يا شيخ ما حكم من طلب منك أن تأتي إليه لتفعل الكفر فأجبته لطلبه ومثلت أمامه لتفعل ما طلبه منك ؟ هل لا تكفر حتى تفعل الكفر الذي طلبه منك أم أنك كفرت قبل فعل الكفر بقبولك فعل الكفر ؟!
إن قصدت بكلامك هذا أنك لا تكفر حتى تفعل الكفر وأن قبولك فِعل الكفر ليس بشيء وأنك لا تكفر به حتى تفعل الكفر ، فاعلم أن ليس هذه عقيدة الموحدين ولا شريعة رب العالمين .
قولك : ونيّةُ الطاغُوت هو أنّهُ صاحب الحقّ في الفصل بين النّاس ، وأنّ شريعتهُ تجعلُ كُلَّ من جاء إليه طالبًا فصل القضاء ، ومن جاء إليه بدعوته سواءً. وتُسمّيهم مُتحاكمين.
أقول ضياء الدين : السائل لم يتحدث عن نية الطاغوت ولا تهمنا في هذه الواقعة نيته ولا اعتقاده ، فسواء اعتقد الطاغوت أنه صاحب الحق في الفصل بين الناس أو لم يعتقد فهو طاغوت بمجرد أن يقبل أن يحكم بين الناس بغير شرع الله ، ولا يَخرج من وصف الطاغوتية اعتقاده بطلان عمله ما دام قبل بممارسته . ولا يُشترط للحكم على من تحاكم إليه بأنه تحاكم للطاغوت أن يعتقد هذا الطاغوت أنه صاحب الحق في الفصل بين الناس .
وكذلك وصف من طلب الحكم منه ومن وافق على التحاكم إليه ليس له علاقة بشريعته بل له علاقة بطبيعة الفعل ووصفه وحكمه في شريعة الله . ففي شريعة الله وفي لغة العرب التي نزلت بها شريعة الله ، من وافق على طلب المثول للتحاكم بأي وسيلة تُعد قبولاً وموافقة ، يُعد في شرع الله قابلاً للتحاكم مهما ادَّعى عكس ذلك ومهما وصفه به من لا يعرف الشرع واللغة . فمثل هذا يوصف في اللغة والشرع بأنه قَبِل التحاكم بغض النظر عن اعتقاد الحاكم وشريعته ومدى موافقتها على ذلك أو عدمها . فما يهمنا هو وصف الشرع وحكمه . وحكم الشرع الذي لا خلاف فيه ، أن من طلب التحاكم بداية حكمه نفس حكم من وافق على التحاكم لاحقاً . فالأول طلب والثاني وافق ، فكلاهما قد قبل التحاكم . ومن يُفرق بينهما بأن وصف الأول بأنه تحاكم ووصف الثاني بأنه لم يتحاكم بسبب أنه لم يطلب التحاكم بداية وأنَّ اعتقاده ونيته رفض التحاكم ، فقد فرق عن جهل أو عن هوى وعناد ولم يستند للشرع . وهو كمن قال أن من طلب الزواج من بنتٍ يوصف بأنه قبل الزواج وأن البنت التي وافقت بعد ذلك على الزواج خوفاً من أباها أو طمعاً في مال الزوج لا توصف بانها قبلت الزواج . فالزوج والزوجة بينهما إيجاب وقبول ، يعني طلب وقبول لهذا الطلب ، فالطالب والقابل يوصفان بأنهما قبلا الزواج ، وحكمها أنهما تزوَّجا ، ومن فرق بينهما في الحكم فقد فرق عن جهل أو عن هوى وعناد .
قولك : فأنتَ عندما اعتقدتَ أنّك أصبحت متحاكمًا بمجرّد المثول بين يديه بعد دعوته، قد وافقتَ الكافرَ في نيّته وشريعته، وتنازلتَ عن نيّتك وشريعتك، وهذا أمرٌ خطير.
أقول ضياء الدين : الخطير وما يحزن يا شيخ هو حكمك على المسألة قبل تصورها .
السائل لم يحكم بالتَّحاكم بمجرد المثول أمام القاضي بل حكم بقبول التحاكم على مَن دُعي للتحاكم فَقَبِل هذه الدعوة مختاراً ، ولم يتنازل السائل بحكمه هذا عن شريعته وحكمها بل حكم بها ولم يحكم بغيرها ، ومن خَالف حكمه هذا على هذه المسألة الواضحة أو رده هو مَن حكم بغير الشريعة ورد حكمها . وهنا حكم الشريعة يتفق مع بديهيات العقول والمفاهيم الصحيحة المتفق عليها مع جميع العقلاء ،فلا عجب أن يُقِرّه شرع الطواغيت .
فكل العقلاء يقرون ويفهمون أن من وافق على عَمَلِ عَمَلٍ ما مُختاراً بأي طريقة من طرق الموافقة كانت ، فقد قَبِلَ عمل هذا العمل ويوصف بأنه قابل لعمل هذا العمل .
أما وصفك للسائل بأنه وافق نية الكافر وتنازل عن نيته ، فلا أدري كيف توصلت إليها وما علاقة النيات هنا ؟
قولك للسائل : وقولُك: (فمعناه أن أستجيب وأذعن للدخول في التحاكم) هو تقرير لإرادةِ الطاغُوت ونيّته ، أمّا إرادتُك فأمرٌ آخر، فإنّك لا تتحاكمُ إليه وإن ذهبت دُنياك، وتُؤمنُ بأنّ أحكامه من لغو القول. وإنّما استجبت إليه اتّقاءً لشرّه وما يتربُ من عدم الاجابة، مع الرخصة التي في شريعتك في إباحة الدخُول عليه إذا دعاك.
أقول ضياء الدين : لا أدي كيف حكمت على من ذهب مختاراً عندما طُلب منه الحضور للتحاكم ، بأنه ذهب يريد شيئاً غير ما طُلِب منه بدون أن تأتي بأي عمل ظاهر أظهره لمن طلب منه الحضور للتحاكم والذي أظهره فقط هو قبوله للطلب وتنفيذه ؟!
تقول : أمّا إرادتُك فأمرٌ آخر، فإنّك لا تتحاكمُ إليه وإن ذهبت دُنياك، وتُؤمنُ بأنّ أحكامه من لغو القول.
أقول ضياء الدين :كيف تصفه بأنه لا يتحاكم إليه وإن ذهبت دنياه ، وهو قد ذهب بالفعل مختاراً ودخل في جلسة التحاكم له وأجابه مختاراً حين سأله كطرف في التحاكم ( مشتكى عليه ) على كل ما سأله عنه ؟!!
أنت يا شيخ بنيت حكمك هذا على ظَنٍّ وتخمين وخيال يخالف الواقع الظاهر البَيِّن أنه قد قَبِل التحاكم وتحاكم بدخوله جلسة الحكم كطرف ( مشتكى عليه ) . فالإرادة القلبية لعدم الرغبة في التحاكم لا أثر لها في الحكم على من فَعل فِعل التحاكم ظاهراً مختارا .
قال تعالى عمَّن أرادوا التحاكم للطاغوت أنهم قالوا في سبب تحاكمهم : " إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقاً " ( النساء : 62 ) فهل عذرهم الله يا شيخ أبا
عبد الرحمن بنيتهم هذه حتى تَعذر المشتكى عليه الذي قَبِل الدخول في التحاكم ؟!!
فهل تعذر من طلب التحاكم إذا قال لك :أنا لا أتحاكم للطاغوت وإن ذهبت دنياي وأني لا أؤمن بأحكامه وأعتبرها لغو من القول وإنما طلبت حكمه حتى أحصل على حقي ؟!!
إن عذرت الذي عذرته ووصفته بأنه لم يتحاكم للطاغوت فعليك أيضاً أن تعذر هذا أيضاً وإلا تناقضت تناقضاً عظيما .
قولك : وإنّما استجبت إليه اتّقاءً لشرّه وما يتربُ من عدم الاجابة، مع الرخصة التي في شريعتك في إباحة الدخُول عليه إذا دعاك.
أقول ضياء الدين : أنت هنا يا شيخ تصفه بأنه استجاب له في دعوته للتحاكم ولكن تعذره في هذه الاستجابة لأنها كانت لاتقاء شره وخوفاً مما يترتب على عدم الإجابة لدعوة التحاكم .
فهل تعذر يا شيخ من طلب التحاكم للطاغوت ليحصل على ماله حتى يدفعه لدائنه اتقاءً لشره الذي سيقع عليه في حال لم يدفع له وخوفاً مما يترتب على عدم دفع الدين للمدين ؟؟!!!
ثم من العجب العُجاب أنك تُضيف بعد ذلك سبباً آخر لعدم الحكم عليه بالكفر فتقول :" مع الرخصة التي في شريعتك في إباحة الدخُول عليه إذا دعاك."
أقول ضياء الدين : يا شيخ هداك الله أنت هنا أنزلت الحكم على غير الواقعة التي نزل فيها .
هل نحن نتحدث عن حكم الاستجابة لدعوة الحضور المطلقة لحاكم البلاد الطاغوت ؟؟!!
أم نتحدث عن استجابة دعوة الحضور للتحاكم للقاضي الذي طلب منك أن تحضر للتحاكم له لأن شخصاً قد طلب منه أن يحاكمك ؟!
فرق بين المسألتين يا شيخ هداك الله ووفقك لما يحبه ويرضاه ، ثم بعد ذلك أنْزل الأحكام ولا تنسى أن الحكم على المسألة فرع عن تصورها .
قولك : (الثالث) أنّك زدتَ في كتاب الله ما ليس فيه. فليس في الآية إلا نهيُ أصحابِ الحقُوقِ عن أن يطلبُوا فصلَ القضاء من الطواغيت عند التنازع والتخاصُمِ. فقُلتَ: "من انقاد للآية ولم يطلبْ فصلَ القضاء من الطواغيت عند التنازع والتخاصُمِ، يكونُ متحاكمًا إذا جاء إلى الطاغُوت بسبب دعوته". وهذه زيادةٌ وتقدُّمٌ بين يدي الله ورسُوله.
(واللهُ المُوفّق للصواب، ولا حول ولا قُوّة إلا به)
كتبه أبو عبد الرحمن الصومالي


أقول ضياء الدين : اتهامك هذا للسائل اتهام باطل وظلم ناتج عن الجهل في الواقعة التي سُئلت عنها . فإنه لم يزد في كتاب الله شيئاً ، وليس في الآية فقط نهيُ أصحابِ الحقُوقِ عن أن يطلبُوا فصلَ القضاء من الطواغيت عند التنازع والتخاصُمِ كما فهمتها .بل في الآية أيضا ًالنهي عن قبول الدخول في جلسة تحاكم للطاغوت إن دعاه الطاغوت لها ليحكم في التنازع والخصام بينه وبين من طلب من الطاغوت فصل القضاء في هذه المسألة. فليس هناك فرق في الآية ولا في اللغة ولا في المنطق والفهم السليم ، بين من طلب فصل القضاء من الطاغوت بداية ومن وافق على ذلك بعد ذلك . فكلاهما في المحصلة قبلا التحاكم وتحاكما للطاغوت.
قولك للسائل : فقُلتَ: "من انقاد للآية ولم يطلبْ فصلَ القضاء من الطواغيت عند التنازع والتخاصُمِ ، يكونُ متحاكمًا إذا جاء إلى الطاغُوت بسبب دعوته". وهذه زيادةٌ وتقدُّمٌ بين يدي الله ورسُوله.
أقول ضياء الدين : القول بأن من طلب فصل القضاء من الطاغوت بداية ومن قبل بهذا الطلب بعد ذلك كلاهما قَبِل التحاكم ، هو القول الحق الذي جاءت به الآية وهو المطابق للفهم السليم للآية الذي لا يخالفه لا شرع ولا لغة ولا منطق . ومن قال غير ذلك فقد خصص بدون مخصص ولا لغة ولا منطق سليم ، وتَقَدَّم بين يدي الله ورسوله . ولا يُوصف من كان حاله كذلك بأنه انقاد للآية حتى لو لم يوصف بأنه هو الذي طلب فصل القضاء من الطاغوت بداية .
وختاماً أسال الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطل ويرزقنا اجتنابه
كتبه : ضياء الدين القدسي
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سؤال عن قاعدة العبرة بعموم اللفظ وتطبيقها على مسألة التحاكم . تقى الدين قسم فتاوى العقيدة 1 07-24-2014 09:16 PM
الرد على فتوى أبي المنذر الشنقيطي بشأن الطواغيت المشرعين من دون الله أنصار التوحيد الحوار مع رؤوس وأئمة المخالفين 0 07-23-2013 09:07 PM


الساعة الآن 08:43 PM


جميع المشاركات تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر إدارة المنتدى