منتدى دعوة الحق  

العودة   منتدى دعوة الحق > الأقسام الرئيسية > الـحوارات الـعلمية > الحوار مع رؤوس وأئمة المخالفين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-21-2012, 03:54 AM
طارق الطارق طارق الطارق غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
المشاركات: 12
افتراضي

ــ وجاء أخيراً في لطائف الإشارات [تفسير القشيري، لعبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري (المتوفى: 465هـ)، (1/458)]: [بيّن أن حكم المولى في عبيده نافذ بحكم إطلاق ملكه، فقال إن تعذبهم يحسن منك تعذيبهم وكان ذلك لأنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم أي المعز لهم بمغفرتك لهم. ويقال أنت العزيز الحكيم الذي لا يضرك كفرهم. ويقال «الْعَزِيزُ» القادر على الانتقام منهم فالعفو عند القدرة سمة الكرم، وعند العجز أمارة الذّلّ. ويقال: إن تغفر لهم فإنك أعزّ من أن تتجمل بطاعة مطيع أو تنتقص بزلّة عاص. وقوله «الْحَكِيمُ» ردّ على من قال: غفران الشّرك ليس بصحيح فى الحكمة]
قلت: كلام القشيري، رحمه الله، في غاية الجودة، أعني بخاصة قوله: [«الْعَزِيزُ» القادر على الانتقام منهم فالعفو عند القدرة سمة الكرم، وعند العجز أمارة الذّلّ. ويقال: إن تغفر لهم فإنك أعزّ من أن تتجمل بطاعة مطيع أو تنتقص بزلّة عاص. وقوله «الْحَكِيمُ» ردّ على من قال: غفران الشّرك ليس بصحيح فى الحكمة]. وهو وإن لم يكن من أئمة التفسير المشاهير، إلا أنه قبل النص الإلاهي كما هو، ولم يسمح لخياله أن يشطح بالتأويلات الفاسدة، ففتح الله عليه بهذا الفهم الجميل. وهذا الفهم موافق للدليل العقلي، كما قاله الأشاعرة، وصاغه معتزلة البصرة: (لِأَنَّ الْعِقَابَ حَقُّ اللَّه عَلَى الْمُذْنِبِ وَفِي إِسْقَاطِهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُذْنِبِ، وَلَيْسَ فِي إِسْقَاطِهِ عَلَى اللَّه مَضَرَّةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا)
أما قوله: [إن تعذبهم يحسن منك تعذيبهم وكان ذلك لأنهم عبادك]، فهو بحاجة إلى بلورة وتحقيق. فإن كان المقصود (العذاب) الذي يقع وفق المشيئة الكونية في هذا الكون الابتلائي كالذي يصيب عامة الناس، والحيوان أيضا، من ألم الأمراض، والحرائق، والغرق، والأعاصير المدمرة، والخسوفات والزلازل الماحقة، وما شاكل ذلك؛ فذلك من الممكنات العقلية، فيمكن أن تتعلق به القدرة الإلاهية، إلا أنه يتناقض مع القداسة الإلاهية، والكمالات الصمدانية، لمنافاته للرحمة والكرم الإلاهي، إلا إذا كان لحكمة بالغة، وليس فقط لمجرد (نفاذ حكم المولى في عبيده بحكم إطلاق ملكه)، كما يزعم الأشاعرة، وعامة الجبرية، وأكثر المتصوفة. والجبرية، أخزاهم الله وأبعدهم، ما زادوا على أن جعلوا ربهم جباراً طاغية: فالله والشيطان عندهم (وجهان لعملة واحدة)؛ تعالى ربنا وتقدس، جل جلاله، وسما مقامه، حقَّاً وصدقاً، أزلاً وأبداً!
وبالرغم من وقوع ذلك لحكمة بالغة، أبت عزة الله، جل جلاله، وسما مقامه، وحكمته، وكرمه ورحمته، إلا أن يجزل العوض في ذلك، فجعل الله ذلك كفارات للذنوب، ورفعاً للدرجات، بمنح مراتب الشهداء للمبطون والغريق والحريق والمطعون، والإنسان يموت تحت الهدم، والمرأة تموت في النفاس، وجعل الأفراط شفعاء، وقبل تعنت السقط على ربه، حتى يسحب والديه بحبله السري إلى الجنة، وما شابه ذلك، وما الله به عليم. هذا ثابت، بدون أدنى شبهة، لأهل الإيمان، ولا شك أن لأهل الكفر معاوضات مناسبة، علمنا بها أو لم نعلم، وكذلك للبهائم، والله أوسع وأرحم، وأعز وأكرم.
أما العذاب على وجه العقوبة: فالعقوبة لا تكون إلا على مستحقها، وإلا فهو الظلم والعدوان، والإسراف والطغيان، حاشا لله، ثم حاشا لله: تعالى، وتقدس، وتكبر عن التردي في دركات الطغيان والسفالة، لذلك حرم الظلم على نفسه المقدسة أزلاً وأبداً. فتحريمه الظلم على نفسه، بموجب القداسة الإلاهية، والكمالات الصمدانية، جعل وقوعه منه، جل وعز، كأنه من المحالات العقلية، وكأن القدرة لا تتعلق به. ونار جهنم هي دار عقوبة محضة، فمن المحال الممتنع أن يدخلها أو أن يعذب بها إلا من استحق العقوبة بها.
فالواجب إذاً أن يقال: [إن تعذبهم، لحكمة بالغة، أو عقوبة مستحقة، يحسن منك ذلك لأنهم عبادك، وأنت القدوس السلام، العزيز الحكيم]؛ لأن حكم المولى القدوس السلام في عبيده نافذ بحكم إطلاق ملكه، لا يقيده إلا قداسته الإلاهية، وكمالاته الصمدانية؛

وقد آن لنا الآن أن نعود إلى الجملة الخطيرة: (لَكِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ وَهُوَ لَا يُخْلِفُ خَبَرَهُ)، وقول الرازي: (بَلْ دَلَّ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ فِي شَرْعِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ)، فلعلنا نحرر بعض الأمور المهمة قبل ذلك:

أولاً: لا شك أن الكذب، وهو الإخبار بخلاف الواقع، محال على الله، جل جلاله، وسما مقامه، بموجب القداسة الإلاهية، والكمالات الصمدانية، فلا يقع أبداً كأنه من المحالات العقلية، وكأن القدرة لا تتعلق به. ومن جنس الكذب: الخداع والمكر والاستدراج على وجه الابتداء؛ أما على وجه العقوبة فليس بقبيح، ويحسن في أحوال تقتضيها الحكمة. هذا ثابت بضرورة الحس والعقل، قبل مجيء الشرع، وإلا لسقطت الثقة بالحس والعقل، ولما كان ثمة فرق بين عقل وجنون، وإيمان وكفر، بل ووجود وعدم.

ثانياً: أن (الخبر) عما هو موجود أو واقع الآن، أو كان موجوداً وواقعاً مضى وذهب، هو (الخبر) حقيقة. وهو الذي يحتمل الصدق والكذب. فإن جاء عن الله خبر من هذا النوع، فهو خبر صادق ضرورة، وهو الحق الذي لا مرية فيه.

ثالثاً: (الخبر) عن المستقبل، أي عما لم يقع بعد، ولم يخرج من العدم إلى الوجود، ليس كله (خبر) على الحقيقة، وإن كان صيغ بشيء من صيغ الإخبار في اللغة. فقول الرجل لصاحبه: (ليس عندي الآن ما أقرضك، ولكن إئتني أول الشهر بعد استلامي أجرة عقاري) يتكون من جملتين: الجملة الأولى: (ليس عندي الآن ما أقرضك)، خبر حقيقة، لا يحتمل إلا الصدق أو الكذب، لا غير؛ أما الجملة الثانية فتتكون من أمرين: (توقع) استلام أجرة العقار، وهذا خارج عن سلطان المتكلم: فقد يعجز المستأجر عن الدفع، وقد يأخذ جبار من الجبابرة العقار غصباً، وقد يخسف بالعقار فلا يعود له وجود؛ وبطبيعة الحال لا يستطيع المتكلم أن يقرض صاحبه، ولا يمكن أن يوصف كلامه بأنه كذب، وإنما يقال: (خاب توقعه)، ولا يعتبر حينئذ مخلفاً لوعده لأنه علق الإقراض عل شرط استلام الأجرة؛ وفي العادة لا يكون شيء من ذلك ويستلم الرجل أجرته. فإن أقرض صاحبه، قيل: (وفى بوعده) أو (صدق وعده)؛ وإن لم يقرض قيل: (خاس بوعده)، ولا شك أن (عدم الوفاء بالوعد) أو (إخلاف الوعد) خسة ونذالة، وهو أخو الكذب، وفيه شبه من الكذب، ولكنه ليس عين الكذب الاصطلاحي، بل هو شيء آخر. وصدور هذا النوع من (الخبر) عن المستقبل من غير الله يختلف جذرياً عن صدوره عن الله، كما سنبينه بعد قليل.

رابعاً: أن كل ما هو كائن، باستثناء الله تبارك وتعالى، وكل ما سيكون من أعيان وصفات وأفعال وحوادث، كل ذلك واقع في ملك الله، وهو من مخلوقات الله في أصله ومنشئه، مهما تعددت الوسائط البينية، وتسلسلت الأسباب، وتطاولت الأزمنة، وما كان ليكون، أي أن يخرج من العدم إلى الوجود، إلا بتقدير الله وإذنه. والله، جل جلاله، وسما مقامه، قد أحاط بكل شيء علماً: أحاط علماً بما كان، وبما يمكن أن يكون، وبما لم يكن، لو كان: كيف يكون؛ وما من خالق إلا الله، وما في الوجود واجب للوجود بذاته إلا الله، فكل ما سوى الله خلقه وملكه، بيده مقاليد السموات والأرض، يقبض عليها "بيد من حديد": فمحال أن يكون في ملك الله شيء إلا بتقديره وإذنه الكوني: لا يعجزه شيء، ولا يغالبه غالب، ولا يفلت منه هارب.
خامساً: لا شك أن (إخلاف الوعد)، من القادر على الإنفاذ، خسة ونذالة، وهو أخو الكذب، وهو محال على الله، جل جلاله، وسما مقامه، بموجب القداسة الإلاهية، والكمالات الصمدانية، فلا يقع أبداً كأنه من المحالات العقلية، وكأن القدرة لا تتعلق به. ولما كان الله على كل شيء قدير، وقد أحاط بكل شيء علماً: فمن المحال الممتنع أيضاً أن لا يقع ما جعله الله شرطاً لوعد من وعوده. ونقصد بالوعد هنا فقط (الوعد الحسن)، أي ما كان (الموعود به) منفعة (أو مصلحة أو لذة أو تكريم) لـ(الموعود له)؛ بخلاف (الوعيد) أو (التهديد)، وهو ما كان (الموعود به) مضرة (أو مفسدة أو ألم أو إهانة) (للموعود له). وأمثلة هذا كثيرة في القرآن، كما يشهد بذلك قوله، جل وعز: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، (التوبة؛ 9: 111)؛ وقوله: {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً}، (الفرقان؛ 25: 16)؛ وقوله: {أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}، (القصص؛ 29: 61)؛ وقوله: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً}، (النساء؛ 4: 95): وقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً}، (النساء؛ 4: 122)؛ وقوله: {وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}، (المائدة؛ 5: 9)؛ وقوله: {وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، (التوبة؛ 9: 72)؛ وغيرها كثير، وكلها حق يقيني، ووعود صدق لا بد من تحققها؛ ومن الحديث، ما رُوِيَ حكاية عن الرب، تباركت أسماؤه، وتقدست صفاته، من مثل: {وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني}؛ وقوله لدعوة المظلوم: {وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين}؛ وقوله: {وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله}؛ وقوله: {وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلوما فقدر أن ينصره فلم يفعل}؛ فإن ثبت هذا عن الله فهي كذلك وعود حق وصدق، لا بد من تحققها، ويستحيل أن يخلف الرب، جل وعلا، وعده بها.

سادساً: وعيد وتهديد من الله، تباركت أسماؤه، بغض عن اللفظ الذي جاء به:
(1) - لفظ (الوعد) كقوله، جل جلاله، وسما مقامه: {وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ}، (التوبة؛ 9: 68)، وقوله: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً، فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}، (الأعراف؛ 7: 44)، فلفظ الوعد الأول في الآية (وعد)، أما الثاني فهو (وعيد)؛
(2) - أو صيغة الخبر، وهو الأكثر، كقوله، جل جلاله، وسما مقامه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ}، (فاطر؛ 35: 36)؛ وقوله: {إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً}، (الجن؛ 72: 23)؛ {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}، (التوبة؛ 9: 35)؛ {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ}، (التوبة؛ 9: 63)؛ {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً}، (الطور؛ 52: 13)؛ {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}، (البينة؛ 98: 6)؛ وفي الحديث الصحيح: (يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه ثم ينادي يا أهل النار فيشرئبون وينظرون فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه فيذبح ثم يقول يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت)، قوله: (خلود فلا موت) لأهل الجنة: وعد، ولأهل النار: وعيد.
وإنفاذ الوعيد ليس لازماً أو واجباً في الأصل، لأن الحق الذي لا ينبغي أن تكون فيه شبهة: (أَنَّ الْعِقَابَ حَقُّ اللَّه عَلَى الْمُذْنِبِ وَفِي إِسْقَاطِهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُذْنِبِ، وَلَيْسَ فِي إِسْقَاطِهِ عَلَى اللَّه مَضَرَّةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا). هذا هو الأصل ولكن قد توجد أحوال قليلة مخصوصة يلزم فيها إنفاذ الوعيد، مثال ذلك: قوله، جل جلاله، وسما مقامه: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)}، (هود؛ 11: 63 - 65)، لأن عدم إنفاذه يسقط الحجة القاطعة بنبوة النبي، فتسقط حجة الله على عباده، وهذا لا يجوز؛ غير أن هذا إنما يتصور في الدنيا، دار الابتلاء، ولا يتصور في الآخرة، دار الجزاء.
فإذا تأملت هذا حق تأمله ظهر لك وجاهة قول الإمام ابن القيم بـ(فناء النار) كما تجده مفصلاً في كتابه الممتع (حادي الأرواح إلى بلد الأفراح)، ولكن ليس هذا موضوعنا في هذا المقام!

سابعاً: التزامات ألزم الرب، جل جلاله، وسما مقامه، نفسه بها، وليست من جنس (الوعد)، ولا هي من باب (الوعيد)، وهي أنواع كثيرة متباينة، يصعب حصرها، وإنما تتضح بضرب الأمثال لها:
ــ كقوله: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ}، (يونس؛ 10: 4)؛ وقوله: {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}، (النحل؛ 16: 38)؛ وقوله: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}، (الأنبياء؛ 21: 104)؛ وقوله: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً}، (مريم؛ 19: 71)؛ هذا كله شرط لإنفاذ بعض ما وعد، فلا بد من وقوعه لا محالة، كالوعد تماماُ؛
ــ وقوله: {وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، (الأنعام؛ 6: 54)؛ وأعم منه، قوله: {قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}، (الأنعام؛ 6: 12)؛ وفي الحديث الصحيح: (إن الله حين خلق الخلق كتب بيده على نفسه: {إن رحمتي تغلب غضبي})، هذا هو اللفظ الذي أخرجه الإمام الترمذي في سننه (ج5/ص549/ح3543): [حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قاله]؛ وأخرجه الإمام البخاري في صحيحه (ج6/ص2694/ح6969) بلفظ: [حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي قال لما خلق الله الخلق كتب في كتابه، وهو يكتب على نفسه، وهو وضعه عنده على العرش: إن رحمتي تغلب غضبي]؛ وأخرجه مسلم في صحيحه (ج4/ص2108/ح2751)؛ وأخرجه جمهور الأئمة؛ وربما قال بعضهم: (إن رحمتي سبقت غضبي)، وهو نقل تواتر عن أبي هريرة: رواه أبو صالح ذكوان، والأعرج، وأبو رافع، وهمام بن منبه، وعجلان، وعطاء بن ميناء؛ وهذا كله في حقيقته وعد بالتفضل والإحسان، فلا بد من وقوعه لا محالة، كالوعد تماماُ؛

وبهذا حسمت القضية، وبان الحق لكل ذي عينين، وثبت يقيناً أن (الْعِقَابَ حَقُّ اللَّه عَلَى الْمُذْنِبِ وَفِي إِسْقَاطِهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُذْنِبِ، وَلَيْسَ فِي إِسْقَاطِهِ عَلَى اللَّه مَضَرَّةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا)؛ كما ثبت يقينا أن (إن تعذيب الخلق، لحكمة بالغة، أو عقوبة مستحقة، يحسن من الله لأنهم عباده، وهو القدوس السلام، العزيز الحكيم لأن حكم المولى القدوس السلام في عبيده نافذ بحكم إطلاق ملكه، لا يقيده إلا قداسته الإلاهية، وكمالاته الصمدانية)؛ وبطل يقينا زعم من قال أن (غفران الشّرك ليس بصحيح فى الحكمة)؛ كما بطل يقينا قول من زعم أن (الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ فِي شَرْعِنَا دَلَّ عَلَى أَنَّ غفران الشّرك لَا يَقَعُ).

والله أعلم وأحكم؛ وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وسلم.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-21-2012, 09:23 PM
طارق الطارق طارق الطارق غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
المشاركات: 12
افتراضي

الأريوسية
* جاء في الفصل في الملل والأهواء والنحل (1/47): [وَالنَّصَارَى فرق مِنْهُم أَصْحَاب أريوس وَكَانَ قسيساً بالإسكندرية وَمن قَوْله التَّوْحِيد الْمُجَرّد وَأَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام عبد مَخْلُوق وَأَنه كلمة الله تَعَالَى الَّتِي بهَا خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَكَانَ فِي زمن قسطنطين الأول باني الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَأول من تنصر من مُلُوك الرّوم وَكَانَ على مَذْهَب أريوس هَذَا
وَمِنْهُم أَصْحَاب بولس الشمشاطي وَكَانَ بطريركيا بأنطاكية قبل ظُهُور النَّصْرَانِيَّة وَكَانَ قَوْله التَّوْحِيد الْمُجَرّد الصَّحِيح وَأَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله كَأحد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام خلقه الله تَعَالَى فِي بطن مَرْيَم من غير ذكر وَأَنه إِنْسَان لَا إلهية فِيهِ وَكَانَ يَقُول لَا أَدْرِي مَا الْكَلِمَة وَلَا روح الْقُدس
وَكَانَ مِنْهُم مقدونيوس وَكَانَ بطريركاً فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة بعد ظُهُور النَّصْرَانِيَّة أَيَّام قسطنطين بن قسطنطين باني الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَكَانَ هَذَا الْملك أريوسياً كَاتبه وَكَانَ من قَول مقدونيوس هَذَا التَّوْحِيد الْمُجَرّد وَأَن عِيسَى عبد مَخْلُوق إِنْسَان نَبِي رَسُول الله كَسَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَأَن عِيسَى هُوَ روح الْقُدس وَكلمَة الله عز وَجل وَأَن روح الْقُدس والكلمة مخلوقان خلق الله كل ذَلِك
وَمِنْهُم البربرانية وهم يَقُولُونَ أَن عِيسَى وَأمه إلهان من دون الله عز وَجل وَهَذِه الْفرْقَة قد بادت وعمدتهم الْيَوْم ثَلَاث فرق فأعظمها فرقة الملكانية وَهِي مَذْهَب جَمِيع مُلُوك النَّصَارَى حَيْثُ كَانُوا حاشا الْحَبَشَة والنوبة وَمذهب عَامَّة أهل كل مملكة لِلنَّصَارَى حَيْثُ كَانُوا حاشا الْحَبَشَة والنوبة وَمذهب جَمِيع نَصَارَى أفريقية وصقلية والأندلس وَجُمْهُور الشَّام وَقَوْلهمْ أَن الله تَعَالَى عبارَة عَن قَوْلهم ثَلَاثَة أَسبَاب أَب وَابْن وروح الْقُدس كلهَا لم تزل وَأَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَه تَامّ كُله وإنسان تَامّ كُله لَيْسَ أَحدهمَا غير الآخر وَأَن الْإِنْسَان مِنْهُ هُوَ الَّذِي صلب وَقتل وَأَن الْإِلَه مِنْهُ لم ينله شَيْء من ذَلِك وَأَن مَرْيَم ولدت الْإِلَه وَالْإِنْسَان وأنهما مَعًا شيءٌ وَاحِد ابْن الله تَعَالَى الله عَن كفرهم وَقَالَت النسطورية مثل ذَلِك سَوَاء بِسَوَاء إِلَّا أَنهم قَالُوا إِن مَرْيَم لم تَلد الْإِلَه وَإِنَّمَا ولدت الْإِنْسَان وَأَن الله تَعَالَى لم يلد الْإِنْسَان وَإِنَّمَا ولد الْإِلَه تَعَالَى الله عَن كفرهم وَهَذِه الْفرْقَة غالبة على الْموصل وَالْعراق وَفَارِس وخراسان وهم منسوبون إِلَى نسطور بطريركاً بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَقَالَت اليعقوبية إِن الْمَسِيح هُوَ الله تَعَالَى نَفسه وَأَن الله تَعَالَى عَن عَظِيم كفرهم مَاتَ وصلب وَقتل وَأَن الْعَالم بَقِي ثَلَاثَة أَيَّام بِلَا مُدبر والفلك بِلَا مُدبر ثمَّ قَامَ وَرجع كَمَا كَانَ وَأَن الله تَعَالَى عَاد مُحدثا وَأَن الْمُحدث عَاد قَدِيما وَأَنه تَعَالَى هُوَ كَانَ فِي بطن مَرْيَم مَحْمُولا بِهِ وهم فِي أَعمال مصر وَجَمِيع النّوبَة وَجَمِيع الْحَبَشَة وملوك الأمتين المذكورتين
قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ وَلَوْلَا أَن الله تَعَالَى وصف قَوْلهم فِي كِتَابه إِذْ يَقُول تَعَالَى {لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم} وَإِذ يَقُول تَعَالَى حاكياً عَنْهُم {أَن الله ثَالِث ثَلَاثَة} وَإِذ يَقُول تَعَالَى {أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} لما انْطلق لِسَان مُؤمن بحكاية هَذَا القَوْل الْعَظِيم الشنيع السَّمْح السخيف وتالله لَوْلَا أننا شاهدنا النَّصَارَى مَا صدقنا أَن فِي الْعَالم عقلا يسع هَذَا الْجُنُون ونعوذ بِاللَّه من الخذلان.
فَأَما اليعقوبية فَإِنَّهُم ينسبون إِلَى يَعْقُوب البرذعاني مَعَ مَا ذكرنَا من أَن أول من تنصر وَكَانَ رَاهِبًا بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وهم فرقة نافرت الْعقل والحس منافرة وحشية تَامَّة لِأَن الاستحالة بقلة والبقلة والاستحالة لَا يُوصف بهما الأول الَّذِي لم يزل تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا وَلَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ مخلوقاً والمحدث يَقْتَضِي مُحدثا خَالِقًا لَهُ وَيَكْفِي من بطلَان هَذَا القَوْل دُخُوله فِي بَاب الْمحَال والممتنع الَّذِي قد أوجب الْعقل والحس بُطْلَانه وَلَيْسَ فِي بَاب الْمحَال أعظم من أَن يكون الَّذِي لم يزل يعود مُحدثا لم يكن ثمَّ كَانَ وَأَن يُشِير غير الْمُؤلف مؤلفاً وَيلْزم هَؤُلَاءِ الْقَوْم أَن يعرفونا من دبر السَّمَوَات وَالْأَرْض وأدار الْفلك هَذِه الثَّلَاثَة الْأَيَّام الَّتِي كَانَ فِيهَا مَيتا تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا]

* وجاء في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (4/84) نقل كلام أبي محمد علي بن حزم: [وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ: النَّصَارَى فِرَقٌ مِنْهُمْ أَصْحَابُ أَرِيُوسَ، وَكَانَ قِسِّيسًا بِالْأَسْكَنْدَرِيَّةِ، وَمِنْ قَوْلِهِ: التَّوْحِيدُ الْمُجَرَّدُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدٌ مَخْلُوقٌ، وَأَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ الَّتِي بِهَا خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَكَانَ فِي زَمَنِ " قُسْطَنْطِينَ " الْأَوَّلِ بَانِي الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَأَوَّلُ مَنْ تَنَصَّرَ مِنْ مَلُوكِ الرُّومِ، وَكَانَ عَلَى مَذْهَبِ أَرِيُوسَ هَذَا.
قَالَ: وَمِنْهُمْ أَصْحَابُ بُولُسَ الشِمْشَاطِيِّ، وَكَانَ بَطْرِيَارِكًا بِأَنْطَاكِيَةَ قَبْلَ ظُهُورِ النَّصْرَانِيَّةِ وَكَانَ قَوْلُهُ بِالتَّوْحِيدِ الْمُجَرَّدِ الصَّحِيحِ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ كَأَحَدِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ خَلَقَهُ اللَّهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مَرْيَمَ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ، وَأَنَّهُ إِنْسَانٌ لَا إِلَهِيَّةَ فِيهِ الْبَتَّةَ، وَكَانَ يَقُولُ: لَا أَدْرِي مَا الْكَلِمَةُ وَلَا الرُّوحُ الْقُدُسِ، قَالَ: وَكَانَ مِنْهُمْ أَصْحَابُ مَقْدِنْيُوسَ، كَانَ بَطْرِيَارِكًا بَالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ بَعْدَ ظُهُورِ النَّصْرَانِيَّةِ أَيَّامَ قُسْطَنْطِينَ بْنِ قُسْطَنْطِينَ بَانِي الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَكَانَ هَذَا الْمَلِكُ أَرِيُوسِيًّا كَأَبِيهِ، وَكَانَ مِنْ قَوْلِ مَقْدُونِيُوسَ هَذَا التَّوْحِيدُ الْمُجَرَّدُ وَأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَبْدٌ مَخْلُوقٌ إِنْسَانٌ نَبِيٌّ رَسُولٌ كَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَأَنَّ عِيسَى هُوَ رُوحُ الْقُدُسِ وَكَلِمَةُ اللَّهِ، وَأَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ وَالْكَلِمَةَ مَخْلُوقَانِ، خَلَقَ اللَّهُ كُلَّ ذَلِكَ، قَالَ: وَكَانَ مِنْهُمُ الْبَرْبَرَانِيَّةُ، وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ عِيسَى وَأُمَّهُ إِلَهَانِ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ: وَهَذِهِ الْفِرَقُ قَدْ بَادَتْ، وَعُمْدَتُهُمُ الْيَوْمَ ثَلَاثُ فِرَقٍ، وَأَعْظَمُهَا فِرَقُ الْمَلِكَانِيَّةِ، وَهِيَ مَذْهَبُ جَمِيعِ مُلُوكِ النَّصَارَى حَيْثُ كَانُوا حَاشَا الْحَبَشَةَ وَالنُّوبَةَ وَمَذْهَبُ عَامَّةِ أَهْلِ كُلِّ مَمْلَكَةِ النَّصَارَى حَاشَا النُّوبَةَ وَالْحَبَشَةَ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمِيعِ نَصَارَى أَفْرِيقِيَّةَ وَصِقِلِّيَّةَ وَالْأَنْدَلُسِ وَجُمْهُورِ الشَّامِ، وَقَوْلُهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: أَبٌ، وَابْنٌ، وَرُوحُ الْقُدُسِ، كُلُّهَا لَمْ تَزَلْ، وَأَنَّ عِيسَى إِلَهٌ تَامٌّ كُلُّهُ وَإِنْسَانٌ تَامٌّ لَيْسَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ الْآخَرِ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْهُ هُوَ الَّذِي صُلِبَ وَقُتِلَ، وَأَنَّ الْإِلَهَ مِنْهُ لَمْ يَنَلْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتِ الْإِلَهَ وَالْإِنْسَانَ، وَأَنَّهُمَا مَعًا شَيْءٌ وَاحِدٌ ابْنُ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ كُفْرِهِمْ.
وَقَالَتِ النَّسْطُورِيَّةُ مِثْلَ ذَلِكَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ مَرْيَمَ لَمْ تَلِدِ الْإِلَهَ، وَإِنَّمَا وَلَدَتِ الْإِنْسَانَ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَلِدِ الْإِنْسَانَ، وَإِنَّمَا وَلَدَ الْإِلَهَ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ كُفْرِهِمْ، وَهَذِهِ الْفِرْقَةُ غَالِبَةٌ عَلَى الْمَوْصِلِ وَالْعِرَاقِ وَفَارِسَ وَخُرَاسَانَ، وَهُمْ مَنْسُوبُونَ إِلَى نَسْطُورَ، وَكَانَ بَطْرِيَارِكًا بَالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ.
وَقَالَتِ الْيَعْقُوبِيَّةُ: إِنَّ الْمَسِيحَ هُوَ اللَّهُ نَفْسُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ عَظِيمِ كُفْرِهِمْ مَاتَ وَصُلِبَ وَقُتِلَ، وَأَنَّ الْعَالَمَ بَقِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا مُدَبِّرٍ، وَالْفَلَكَ بِلَا مُدَبِّرٍ، ثُمَّ قَامَ وَرَجَعَ كَمَا كَانَ، وَاللَّهُ تَعَالَى عَادَ مُحْدَثًا، وَالْمُحْدَثُ عَادَ قَدِيمًا، وَاللَّهُ تَعَالَى كَانَ فِي بَطْنِ مَرْيَمَ مَحْمُولًا بِهِ، وَهُمْ فِي أَعْمَالِ مِصْرَ وَجَمِيعِ النُّوبَةِ وَجَمِيعِ الْحَبَشَةِ، وَمُلُوكُ الْأُمَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ]

* وجاء في الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/71): [مَعَ مَا ذكرنَا من أَن أول من تنصر من الْمُلُوك قسطنطين بعد نَحْو ثَلَاثمِائَة سنة من رفع الْمَسِيح فو الله مَا قدر على إِظْهَار النصراينة حَتَّى رَحل عَن رُومِية مسيرَة شهر وَبني برنطية وَهِي قسطنطينية ثمَّ أجبر النَّاس على النصراينة بِالسَّيْفِ وَالعطَاء وَكَانَ من عهوده المحفوظة أَن لَا يولي ولَايَة إِلَّا من تنصر من النَّاس سراع إِلَى الدُّنْيَا نافرون عَن الْأَدْنَى وَكَانَ مَعَ هَذَا كُله على مَذْهَب أريوس لَا على التَّثْلِيث]

* وجاء في تخجيل من حرف التوراة والإنجيل لصالح بن الحسين الجعفري، أبي البقاء الهاشمي (المتوفى: 668هـ) (2/499): [في الإبانة عن تناقض الأمانة: نبيّن فيه فساد أمانتهم التي يلقبونها بشريعة الإيمان، وهي التي لا يتمّ لهم عيد ولا قربان إلاّ بها. وكيف أكذب بعضها بعضاً، وناقضه وعارضه، وأنه لا أصل لها في شرع الإنجيل.
قال المؤلِّف - عفا الله عنه -: ذكر المؤرخون <<جاء في هامش محقق الكتاب: يشير المؤلِّف إلى مجمع نيقية المسكوني الأوّل عام 325م، وقد اقتبس المؤلِّف خبر المجمع من كتاب التاريخ المعتمد عند النصارى وهو: "نظم الجوهر" لبطريرك الإسكندرية سعيد بن البطريق المتوفى سنة 328هـ والموافق 940م، وفي الكتاب ذكر مبدأ الخلق وتواريخ الأنبياء والملوك والأمم وأصحاب الكراسي بروما والقسطنطينية وغيرهما. ووصف دين النصرانية وفرق أهلها>> وأرباب النقل أنّ الباعث لأوائل للنصارى على ترتيب هذه الأمانة الملقبة أيضاً بالتسبيحة والشريعة ولعن من يخالفها منهم وحرمه - هو أن أريوس أحد أوائلهم، كان يعتقد هو وطائفته توحيد الباري ولا يشرك معه غيره، ولا يرى في المسيح ما يراه النصارى؛ بل يعتقد نبوته ورسالته، وأنه مخلوق بجسمه وروحه، ففشت مقالته في النصرانية فتكاتبوا واجتمعوا بمدينة نيقية عند الملك قسطنطين وتناظروا فشرح آريوس مقالته فردّ عليه الأكصيدروس بطريك الإسكندرية وشنع مقالته عند الملك قسطنطين،... إلخ]

* وجاء في تاريخ مختصر الدول (1/80) لغريغوريوس (واسمه في الولادة يوحنا) ابن أهرون (أو هارون) بن توما الملطي، أبو الفرج المعروف بابن العبري (المتوفى: 685هـ)؛ وتحقيق: أنطون صالحاني اليسوعي: [وفي هذا الزمان ظهر آريوس المبتدع. هذا كان قسيسا خطيبا بالإسكندرية. فعلا ذات يوم مشهود المنبر ليخطب كعادته وابتدأ بخطبته من كلام سليمان بن داود وهو قوله: الرب خلقني في أول خلائقه. وأخذ يقرر انه عنى بذلك كلمة الله فهي مخلوقة مباينة بالجوهر لذات الله لأنها عبارة عن العقل الذي هو المعلول الاول وهو أول ما خلق الله. فكتب الملك كتابا الى جميع الاساقفة وقال فيه: انه لا شيء آثر عندي ولا أزين في عيني من خشية الله ومراقبته. وقد رأيت الآن ان تعزموا على القدوم الى مدينة نيقيا من غير وني لكي تفحصوا عن أمر دينيّ دعت الحاجة الى تحقيقه. فاجتمع ثلاثمائة وثمانية عشر اسقفا ونظروا فيما تفوه به آريوس فوجدوه مخالفا لاصل المذهب فزيّفوا علمه الفاسد ورتبوا الامانة المشهورة واجتمعت الفرق المسيحية كلها على صحتها الى يومنا هذا. وكان اجتماعهم سنة ستمائة وست وثلثين للإسكندر. وكان في هذا المجمع اسقف يرى رأي ناباطيس. فقال له الملك: لم لا توافق الجمهور في قبول من تاب عن معاصيه منيبا الى الله. فأجابه الأسقف: انه لا مغفرة لمن فرطت منه كبيرة بعد الايمان والعماد بدليل قول فولوس الرسول حيث يقول: لا يستطيع الذين ذاقوا كلمة الله ان يدّنّسوا بالخطيئة ليطهروا بالتوبة ثانية. فقال له الملك هازئا به: ان كان الأمر كما تزعم فانصب لك سلما لترقى فيه وحدك الى السماء. ونهض بعض الاساقفة فرفع الى الملك كتابا فيه سعاية ببعض الاساقفة. فلما قرأه الملك أمر ان يحرق الكتاب بالنار وقال: لو وجدت أحدا من الكهنة في ريبة لسترته بأرجوانيّتي]

* وجاء في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (1/341 - 343): [فَالنَّصَارَى تَضَعُ لَهُمْ عَقَائِدَهُمْ وَشَرَائِعَهُمْ أَكَابِرُهُمْ بَعْدَ الْمَسِيحِ، كَمَا وَضَعَ لَهُمُ الثَّلَاثُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ قُسْطَنْطِينَ الْمَلِكِ الْأَمَانَةَ الَّتِي اتَّفَقُوا عَلَيْهَا، وَلَعَنُوا مَنْ خَالَفَهَا مِنَ الْأَرْيُوسِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَفِيهَا أُمُورٌ لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ بِهَا كِتَابًا، بَلْ تُخَالِفُ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنَ الْكُتُبِ مَعَ مُخَالَفَتِهَا لِلْعَقْلِ الصَّرِيحِ فَقَالُوا فِيهَا: نُؤْمِنُ بِإِلَهٍ وَاحِدٍ، أَبٍ ضَابِطِ الْكُلِّ، خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، كُلِّ مَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى، وَبِرَبٍّ وَاحِدٍ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللَّهِ الْوَحِيدِ الْمَوْلُودِ مِنَ الْأَبِ قَبْلَ كُلِّ الدُّهُورِ، نُورٍ مِنْ نُورِ إِلَهٍ حَقٍّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ مَوْلُودٍ غَيْرِ مَخْلُوقٍ مُسَاوِي الْأَبِ فِي الْجَوْهَرِ الَّذِي بِهِ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ، الَّذِي مِنْ أَجْلِنَا نَحْنُ الْبَشَرُ وَمِنْ أَجْلِ خَلَاصِنَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، وَتَجَسَّدَ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ وَمِنْ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ، وَتَأَنَّسَ وَصُلِبَ عَلَى عَهْدِ بَيْلَاطِسَ الْبِنْطِيِّ وَتَأَلَّمَ وَقُبِرَ، وَقَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَمَا فِي الْكُتُبِ، وَصَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ الْأَبِ، وَأَيْضًا فَسَيَأْتِي بِمَجْدِهِ لِيُدِينَ الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتِ الَّذِي لَا فَنَاءَ لِمُلْكِهِ، وَبِرُوحِ الْقُدُسِ الرَّبِّ الْمُحْيِي الْمُنْبَثِقِ مِنَ الْأَبِ مَعَ الْأَبِ وَالِابْنِ مَسْجُودٍ لَهُ وَبِمَجْدِ النَّاطِقِ فِي الْأَنْبِيَاءِ، وَبِكَنِيسَةٍ وَاحِدَةٍ جَامِعَةٍ مُقَدَّسَةٍ رَسُولِيَّةٍ، وَاعْتَرَفَ بِمَعْمُودِيَّةٍ وَاحِدَةٍ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا، وَنَتَرَجَّى قِيَامَةَ الْمَوْتَى، وَحَيَاةَ الدَّهْرِ الْآتِي آمِينَ]

* وجاء في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (2/406): [وَهَذَا مِثْلُ الْأَمَانَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ دِينِهِمْ وَصَلَاتُهُمْ إِلَى الْمَشْرِقِ وَإِحْلَالُ الْخِنْزِيرِ وَتَرْكُ الْخِتَانِ وَتَعْظِيمُ الصَّلِيبِ وَاتَخَادُ الصُّوَرِ فِي الْكَنَائِسِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِهِمْ لَيْسَتْ مَنْقُولَةً عَنِ الْمَسِيحِ وَلَا لَهَا ذِكْرٌ فِي الْأَنَاجِيلِ الَّتِي يَنْقُلُونَهَا عَنْهُ وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْأَمَانَةَ الَّتِي جَعَلُوهَا أَصْلَ دِينِهِمْ وَأَسَاسَ اعْتِقَادِهِمْ لَيْسَتْ أَلْفَاظُهَا مَوْجُودَةً فِي الْأَنَاجِيلِ وَلَا هِيَ مَأْثُورَةٌ عَنِ الْحَوَارِيِّينَ وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ وَضَعُوهَا أَهْلُ الْمَجْمَعِ الْأَوَّلِ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدَ قُسْطَنْطِينَ الَّذِي حَضَرَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَخَالَفُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَرْيُوسَ الَّذِي جَعَلَ الْمَسِيحَ عَبْدًا لِلَّهِ كَمَا يَقُولُ الْمُسْلِمُونَ وَوَضَعُوا هَذِهِ الْأَمَانَةَ]

* وجاء في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (4/82): [وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فَقَالَتِ النَّسْطُورِيَّةُ: إِنَّ الْمَسِيحَ جَوْهَرَانِ أُقْنُومَانِ قَدِيمٌ وَمُحَدَثٌ، وَأَنَّ اتِّحَادَهُ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَشِيئَةِ، وَأَنَّ مَشِيئَتَهُمَا وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَا جَوْهَرَيْنِ. وَقَالَتِ الْيَعْقُوبِيَّةُ: لَمَّا اتَّحَدَا صَارَ الْجَوْهَرَانِ الْجَوْهَرُ الْقَدِيمُ وَالْجَوْهَرُ الْمُحْدَثُ جَوْهَرًا وَاحِدًا. وَاخْتَلَفُوا هَاهُنَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْجَوْهَرُ الْمُحْدَثُ صَارَ قَدِيمًا، وَزَعَمَ آخَرُونَ أَنَّهُمَا لَمَّا اتَّحَدَا صَارَا جَوْهَرًا وَاحِدًا قَدِيمًا مِنْ وَجْهٍ مُحْدَثًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. وَقَالَتِ الْمَلِكَانِيَّةُ: إِنَّ الْمَسِيحَ جَوْهَرَانِ أُقْنُومٌ وَاحِدٌ. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أُقْنُومَانِ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ، وَقَالَتِ الْأَرِيُوسِيَّةُ: إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا أَقَانِيمَ لَهُ، وَأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يُصْلَبْ وَلَمْ يَقْتُلْ، وَأَنَّهُ نَبِيٌّ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: الْمَسِيحُ لَيْسَ بِابْنِ اللَّهِ، وَحَكَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ عَلَى التَّسْمِيَةِ وَالتَّقْرِيبِ]

* وجاء في هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (2/536): [وَقَالَتِ الْآرْيُوسِيَّةُ مِنْهُمْ، وَهُمْ أَتْبَاعُ آرِيُوسَ: إِنَّ الْمَسِيحَ عَبْدُ اللَّهِ كَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، وَهُوَ مَرْبُوبٌ مَخْلُوقٌ مَصْنُوعٌ. وَكَانَ النَّجَاشِيُّ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ]

* وجاء في البداية والنهاية [ط الفكر (2/147 - 151)]: [(ذِكْرُ تَحْرِيفِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَبْدِيلِهِمْ أَدْيَانَهُمْ) أَمَّا الْيَهُودُ فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ التَّوْرَاةَ عَلَى يَدَيْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَتْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ 6: 154 وَقَالَ تَعَالَى قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً 6: 91 وَقَالَ تَعَالَى وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ 21: 48 وَقَالَ تَعَالَى وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ 37: 117 - 118 وَقَالَ تَعَالَى إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا. وَمن لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ 5: 44 فَكَانُوا يَحْكُمُونَ بِهَا وَهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِهَا بُرْهَةً مِنَ الزَّمَانِ ثُمَّ شَرَعُوا فِي تَحْرِيفِهَا وَتَبْدِيلِهَا وَتَغْيِيرِهَا وَتَأْوِيلِهَا وَإِبْدَاءِ مَا لَيْسَ مِنْهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ 3: 78 فأخبر تعالى أنهم يفسرونها ويتأولونها ويضعونها على غير مواضعها وهذا مالا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِي مَعَانِيهَا وَيَحْمِلُونَهَا عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ كَمَا بدلوا حكم الرجم بالجلد وَالتَّحْمِيمِ مَعَ بَقَاءِ لَفْظِ الرَّجْمِ فِيهَا وَكَمَا أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ مَعَ أَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِاقَامَةِ الْحَدِّ وَالْقَطْعِ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ. فَأَمَّا تَبْدِيلُ أَلْفَاظِهَا فَقَالَ قَائِلُونَ بِأَنَّهَا جَمِيعَهَا بُدِّلَتْ وَقَالَ آخَرُونَ لَمْ تُبَدَّلْ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ 5: 43 وَقَوْلُهُ (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ 7: 157 الْآيَةَ) وَبِقَوْلِهِ (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) 3: 93 وَبِقِصَّةِ الرَّجْمِ فَإِنَّهُمْ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَفِي السُّنَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وغيره لما تحاكوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، في قصة اليهودي واليهودية الذين زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ فَقَالُوا نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، بِإِحْضَارِ التَّوْرَاةِ فَلَمَّا جَاءُوا بِهَا وَجَعَلُوا يَقْرَءُونَهَا وَيَكْتُمُونَ آيَةَ الرَّجْمِ الَّتِي فِيهَا وَوَضَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَا يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ وَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، ارْفَعْ يَدَكَ يَا أَعْوَرُ فَرَفَعَ يَدَهُ فَاذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، بِرَجْمِهِمَا وَقَالَ (اللَّهمّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ) وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُمْ لَمَّا جَاءُوا بِهَا نَزَعَ الْوِسَادَةَ مِنْ تَحْتِهِ فَوَضَعَهَا تَحْتَهَا وَقَالَ آمَنْتُ بِكِ وَبِمَنْ أَنْزَلَكِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ قَامَ لَهَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى إِسْنَادِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا كُلُّهُ يُشْكِلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ إِنَّ التَّوْرَاةَ انْقَطَعَ تَوَاتُرُهَا فِي زَمَنِ بخت نصّر وَلَمْ يَبْقَ مَنْ يَحْفَظُهَا إِلَّا الْعُزَيْرُ ثُمَّ الْعُزَيْرُ إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَهُوَ مَعْصُومٌ وَالتَّوَاتُرُ إِلَى الْمَعْصُومِ يَكْفِي اللَّهمّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا لَمْ تَتَوَاتَرْ إِلَيْهِ لَكِنْ بَعْدَهُ زَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَكُلُّهُمْ كَانُوا مُتَمَسِّكِينَ بِالتَّوْرَاةِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً مَعْمُولًا بِهَا لَمَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهَا وَهُمْ أَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ. ثُمَّ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ مُنْكِرًا عَلَى الْيَهُودِ فِي قَصْدِهِمُ الْفَاسِدِ إِذْ عَدَلُوا عَمَّا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ عِنْدَهُمْ وَأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِهِ حَتْمًا إِلَى التَّحَاكُمِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وهم يُعَانِدُونَ مَا جَاءَ بِهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي زَعْمِهِمْ مَا قَدْ يُوَافِقُهُمْ عَلَى مَا ابْتَدَعُوهُ مِنَ الْجَلْدِ وَالتَّحْمِيمِ الْمُصَادِمِ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ حَتْمًا وَقَالُوا إِنْ حَكَمَ لَكُمْ بِالْجَلْدِ وَالتَّحْمِيمِ فَاقْبَلُوهُ وَتَكُونُونَ قَدِ اعْتَذَرْتُمْ بِحُكْمِ نبي لكم عند الله يوم القيمة وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ لَكُمْ بِهَذَا بَلْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا أَنْ تَقْبَلُوا مِنْهُ فَأَنْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الْقَصْدِ الْفَاسِدِ الَّذِي إِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَيْهِ الْغَرَضُ الْفَاسِدُ وَمُوَافَقَةُ الْهَوَى لَا الدِّينُ الْحَقُّ فَقَالَ (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا من كِتابِ الله 5: 43 - 44 الآية) ولهذا حَكَمَ بِالرَّجْمِ قَالَ اللَّهمّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أحيى أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ وَسَأَلَهُمْ مَا حَمَلَهُمْ عَلَى هَذَا وَلِمَ تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ الَّذِي بِأَيْدِيهِمْ فَقَالُوا إِنَّ الزِّنَا قَدْ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا وَلَمْ يُمْكِنَّا أَنْ نُقِيمَهُ عَلَيْهِمْ وَكُنَّا نَرْجُمُ مَنْ زَنَى مِنْ ضُعَفَائِنَا فَقُلْنَا تَعَالَوْا إِلَى أَمْرٍ نِصْفٍ نَفْعَلُهُ مَعَ الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ فَاصْطَلَحْنَا عَلَى الْجَلْدِ وَالتَّحْمِيمِ فَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ تَحْرِيفِهِمْ وَتَبْدِيلِهِمْ وَتَغْيِيرِهِمْ وَتَأْوِيلِهِمُ الْبَاطِلِ وَهَذَا إِنَّمَا فَعَلُوهُ فِي الْمَعَانِي مَعَ بَقَاءِ لَفْظِ الرَّجْمِ فِي كِتَابِهِمْ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ هَذَا مِنَ النَّاسِ إِنَّهُ لَمْ يَقَعْ تَبْدِيلُهُمْ إِلَّا فِي الْمَعَانِي وَإِنَّ الْأَلْفَاظَ بَاقِيَةٌ وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِذْ لَوْ أَقَامُوا مَا فِي كِتَابِهِمْ جَمِيعِهِ لَقَادَهُمْ ذَلِكَ إِلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ وَمُتَابَعَةِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ، صلى الله عليه وسلم، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ 7: 157 الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ 5: 66 الآية وقال تعالى قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ من رَبِّكُمْ 5: 68 الْآيَةَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَهُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّ التَّبْدِيلَ إِنَّمَا وَقَعَ فِي مَعَانِيهَا لَا فِي أَلْفَاظِهَا حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي آخِرِ كِتَابِهِ الصَّحِيحِ وَقَرَّرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ وَحَكَاهُ العلامة فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَكْثَرِ المتكلمين.
(ليس للجنب لمس التوراة) وَذَهَبَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ مَسُّ التَّوْرَاةِ وَهُوَ مُحْدِثٌ وَحَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا. وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى التَّوَسُّطِ فِي هَذَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مِنْهُمْ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ أَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا كُلَّهَا مُبَدَّلَةٌ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا حَرْفٌ إِلَّا بِدَّلُوهُ فَهَذَا بِعِيدٌ وَكَذَا مَنْ قَالَ لَمْ يُبَدَّلْ شَيْءٌ مِنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ بَعِيدٌ أَيْضًا وَالْحَقُّ أَنَّهُ دَخَلَهَا تَبْدِيلٌ وَتَغْيِيرٌ وَتَصَرَّفُوا فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهَا بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ كَمَا تَصَرَّفُوا فِي مَعَانِيهَا وَهَذَا مَعْلُومٌ عِنْدَ التَّأَمُّلِ وَلِبَسْطِهِ مَوْضِعٌ آخَرُ وَاللَّهُ أعلم كما في قوله فِي قِصَّةِ الذَّبِيحِ اذْبَحِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ وَفِي نُسْخَةٍ بِكْرَكَ إِسْحَاقُ فَلَفْظَةُ إِسْحَاقَ مُقْحَمَةٌ مَزِيدَةٌ بِلَا مِرْيَةٍ لِأَنَّ الْوَحِيدَ وَهُوَ الْبِكْرُ إِسْمَاعِيلُ لأنه ولد قبل إسحاق بأربع عشر سَنَةً فَكَيْفَ يَكُونُ الْوَحِيدُ الْبِكْرَ إِسْحَاقُ. وَإِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَسَدُ الْعَرَبِ أَنْ يَكُونَ إسماعيل غير الذَّبِيحُ فَأَرَادُوا أَنْ يَذْهَبُوا بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ لَهُمْ فَزَادُوا ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ افْتِرَاءً عَلَى الله وعلى رسوله، صلى الله عليه وسلم، وَقَدِ اغْتَرَّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ وَوَافَقُوهُمْ عَلَى أَنَّ الذَّبِيحَ إِسْحَاقُ والصحيح الذَّبِيحَ إِسْمَاعِيلُ كَمَا قَدَّمْنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَكَذَا فِي تَوْرَاةِ السَّامِرَةِ فِي الْعَشْرِ الْكَلِمَاتِ زِيَادَةُ الْأَمْرِ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الطُّورِ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ نُسَخِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
وَهَكَذَا يُوجَدُ فِي الزَّبُورِ الْمَأْثُورِ عَنْ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُخْتَلِفًا كَثِيرًا وَفِيهِ أَشْيَاءُ مَزِيدَةٌ مُلْحَقَةٌ فِيهِ وَلَيْسَتْ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قُلْتُ وَأَمَّا مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ التَّوْرَاةِ الْمُعَرَّبَةِ فَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ فِي تَبْدِيلِهَا وَتَحْرِيفِ كَثِيرٍ مِنْ أَلْفَاظِهَا وَتَغْيِيرِ الْقَصَصِ وَالْأَلْفَاظِ وَالزِّيَادَاتِ وَالنَّقْصِ الْبَيِّنِ الْوَاضِحِ وَفِيهَا مِنَ الْكَذِبِ الْبَيِّنِ وَالْخَطَأِ الْفَاحِشِ شَيْءٌ كَثِيرٌ جِدًّا فَأَمَّا مَا يَتْلُونَهُ بِلِسَانِهِمْ وَيَكْتُبُونَهُ بِأَقْلَامِهِمْ فَلَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهِ وَالْمَظْنُونُ بِهِمْ أَنَّهُمْ كَذَبَةُ خَوَنَةٌ يُكْثِرُونَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَكُتُبِهِ.
وَأَمَّا النَّصَارَى فَأَنَاجِيلُهُمُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ طريق مُرْقُسٍ وَلُوقَا وَمَتَّى وَيُوحَنَّا أَشَدُّ اخْتِلَافًا وَأَكْثَرُ زِيَادَةً وَنَقْصًا وَأَفْحَشُ تَفَاوُتًا مِنَ التَّوْرَاةِ وَقَدْ خَالَفُوا أَحْكَامَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فِي غَيْرِ مَا شَيْءٍ قَدْ شَرَعُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ فَمِنْ ذَلِكَ صَلَاتُهُمْ إِلَى الشَّرْقِ وَلَيْسَتْ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا وَلَا مَأْمُورًا بِهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَنَاجِيلِ الْأَرْبَعَةِ وَهَكَذَا تَصْوِيرُهُمْ كَنَائِسَهُمْ وَتَرْكُهُمُ الْخِتَانَ وَنَقْلُهُمْ صِيَامَهُمْ إِلَى زمن الربيع وزيادته إِلَى خَمْسِينَ يَوْمًا وَأَكَلُهُمُ الْخِنْزِيرَ وَوَضْعُهُمُ الْأَمَانَةَ الْكَبِيرَةَ وَإِنَّمَا هِيَ الْخِيَانَةُ الْحَقِيرَةُ وَالرَّهْبَانِيَّةُ وَهِيَ تَرْكُ التَّزْوِيجِ لِمَنْ أَرَادَ التَّعَبُّدَ وَتَحْرِيمَهُ عَلَيْهِ وَكَتْبُهُمُ الْقَوَانِينَ الَّتِي وَضَعَتْهَا لَهُمُ الْأَسَاقِفَةُ الثَّلَاثُمِائَةِ وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَ فَكُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ابْتَدَعُوهَا وَوَضَعُوهَا فِي أَيَّامِ قُسْطَنْطِينَ بْنِ قسطن بَانِي الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَكَانَ زَمَنُهُ بَعْدَ الْمَسِيحِ بِثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ وَكَانَ أَبُوهُ أَحَدَ مُلُوكِ الرُّومِ وَتَزَوَّجَ أُمَّهُ هِيلَانَةَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ لِلصَّيْدِ مِنْ بِلَادِ حَرَّانَ وَكَانَتْ نَصْرَانِيَّةً عَلَى دِينِ الرَّهَابِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ فَلَمَّا وُلِدَ لَهَا مِنْهُ قُسْطَنْطِينُ الْمَذْكُورُ تعلم الفلسفة وبهر فِيهَا وَصَارَ فِيهِ مَيْلٌ بَعْضَ الشَّيْءِ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ الَّتِي أُمُّهُ عَلَيْهَا فَعَظَّمَ الْقَائِمِينَ بِهَا بَعْضَ الشَّيْءِ وَهُوَ عَلَى اعْتِقَادِ الْفَلَاسِفَةِ فَلَمَّا مَاتَ أَبَوْهُ وَاسْتَقَلَّ هُوَ فِي الْمَمْلَكَةِ سَارَ فِي رَعِيَّتِهِ سِيرَةً عَادِلَةً فَأَحَبَّهُ النَّاسُ وَسَادَ فِيهِمْ وَغَلَبَ عَلَى مَلِكِ الشَّامِ بِأَسْرِهِ مَعَ الْجَزِيرَةِ وَعَظُمَ شَأْنُهُ وَكَانَ أَوَّلَ الْقَيَاصِرَةِ ثُمَّ اتَّفَقَ اخْتِلَافٌ فِي زَمَانِهِ بَيْنَ النَّصَارَى وَمُنَازَعَةٌ بين بترك الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ إِكْصَنْدَرُوسَ وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ يُقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْيُوسَ فَذَهَبَ إِكْصَنْدَرُوسَ إلى أن عيسى بن اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِ وَذَهَبَ ابْنُ أَرْيُوسَ إِلَى أَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ واتبعه على هذا طائفة من النصارى واتفق الأكثرون الأخسرون على قول بتركهم وَمَنْعِ ابْنِ أَرْيُوسَ مِنْ دُخُولِ الْكَنِيسَةِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَذَهَبَ يَسْتَعْدِي عَلَى إِكْصَنْدَرُوسَ وَأَصْحَابِهِ إِلَى ملك قُسْطَنْطِينَ فَسَأَلَهُ الْمَلِكُ عَنْ مَقَالَتِهِ فَعَرَضَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْيُوسَ مَا يَقُولُ فِي الْمَسِيحِ مِنْ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَاحْتَجَّ على ذلك فحال إِلَيْهِ وَجَنَحَ إِلَى قَوْلِهِ فَقَالَ لَهُ قَائِلُونَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَبْعَثَ إِلَى خَصْمِهِ فَتَسْمَعُ كَلَامَهُ فَأَمَرَ الْمَلِكُ بِإِحْضَارِهِ وَطَلَبَ مِنْ سَائِرِ الْأَقَالِيمِ كل أسقف وكل من عنده في دين النصرانية وجمع البتاركة الْأَرْبَعَةَ مِنَ الْقُدْسِ وَأَنْطَاكِيَةَ وَرُومِيَّةَ وَالْإِسْكَنْدَرِيَّةَ فَيُقَالَ إِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا فِي مُدَّةِ سَنَةٍ وَشَهْرَيْنِ مَا يَزِيدُ عَلَى أَلْفَيْ أُسْقُفٍ فَجَمَعَهُمْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمَجْمَعُ الْأَوَّلُ مِنْ مَجَامِعِهِمُ الثَّلَاثَةِ الْمَشْهُورَةِ وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا مُنْتَشِرًا جِدًّا. فَمِنْهُمُ الشِّرْذِمَةُ عَلَى الْمَقَالَةِ الَّتِي لَا يُوَافِقُهُمْ أَحَدٌ مِنَ الْبَاقِينَ عَلَيْهَا فَهَؤُلَاءِ خَمْسُونَ عَلَى مَقَالَةٍ.
وَهَؤُلَاءِ ثَمَانُونَ عَلَى مَقَالَةٍ أُخْرَى. وَهَؤُلَاءِ عَشَرَةٌ عَلَى مَقَالَةٍ وَأَرْبَعُونَ عَلَى أُخْرَى وَمِائَةٌ عَلَى مَقَالَةٍ وَمِائَتَانِ عَلَى مَقَالَةٍ وَطَائِفَةٌ عَلَى مَقَالَةِ ابْنِ أَرْيُوسَ وَجَمَاعَةٌ عَلَى مَقَالَةٍ أُخْرَى فَلَمَّا تَفَاقَمَ أَمْرُهُمْ وَانْتَشَرَ اخْتِلَافُهُمْ حَارَ فِيهِمُ الْمَلِكُ قُسْطَنْطِينُ مَعَ أَنَّهُ سَيِّئُ الظَّنِّ بِمَا عَدَا دِينَ الصَّابِئِينَ مِنْ أَسْلَافِهِ الْيُونَانِيِّينَ فَعَمَدَ إِلَى أَكْثَرِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عَلَى مَقَالَةٍ مِنْ مَقَالَاتِهِمْ فَوَجَدَهُمْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أُسْقُفًا قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى مَقَالَةِ إِكْصَنْدَرُوسَ وَلَمْ يَجِدْ طَائِفَةً بَلَغَتْ عِدَّتَهُمْ فَقَالَ هَؤُلَاءِ أَوْلَى بِنَصْرِ قَوْلِهِمْ لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ الْفِرَقِ فَاجْتَمَعَ بِهِمْ خُصُوصًا وَوَضْعَ سَيْفَهُ وَخَاتَمَهُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرَ الْفِرَقِ قَدِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى مَقَالَتِكُمْ هَذِهِ فَأَنَا أَنْصُرُهَا وَأَذْهَبُ إِلَيْهَا فَسَجَدُوا لَهُ وَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَضَعُوا لَهُ كِتَابًا فِي الْأَحْكَامِ وَأَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ إِلَى الشَّرْقِ لِأَنَّهَا مَطْلِعُ الْكَوَاكِبِ النَّيِّرَةِ وَأَنْ يُصَوِّرُوا فِي كَنَائِسِهِمْ صُوَرًا لَهَا جُثَثٌ فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنْ تَكُونَ فِي الْحِيطَانِ فَلَمَّا تَوَافَقُوا عَلَى ذَلِكَ أَخَذَ فِي نَصْرِهِمْ وَإِظْهَارِ كَلِمَتِهِمْ وَإِقَامَةِ مَقَالَتِهِمْ وَإِبْعَادِ مَنْ خَالَفَهُمْ وَتَضْعِيفِ رَأْيِهِ وَقَوْلِهِ فَظَهَرَ أَصْحَابُهُ بجاهه على مخالفيهم وَانْتَصَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَمَرَ بِبِنَاءِ الْكَنَائِسِ عَلَى دِينِهِمْ وَهُمُ الْمَلِكِيَّةُ نِسْبَةً إِلَى دِينِ الْمَلِكِ فَبُنِيَ فِي أَيَّامِ قُسْطَنْطِينَ بِالشَّامِ وَغَيْرِهَا فِي الْمَدَائِنِ والقرى أزيد من اثنتي عشر أَلْفَ كَنِيسَةٍ وَاعْتَنَى الْمَلِكُ بِبِنَاءِ بَيْتِ لَحْمٍ يَعْنِي عَلَى مَكَانِ مَوْلِدِ الْمَسِيحِ وَبَنَتْ أُمُّهُ هِيلَانَةُ قُمَامَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى مَكَانِ الْمَصْلُوبِ الّذي زعمت اليهود والنصارى بجهلهم وقلة علمهم أَنَّهُ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَيُقَالُ إِنَّهُ قتل من أعداء أُولَئِكَ وَخَدَّ لَهُمُ الْأَخَادِيدَ فِي الْأَرْضِ وَأَجَّجَ فِيهَا النَّارَ وَأَحْرَقَهُمْ بِهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْبُرُوجِ وَعَظُمَ دِينُ النَّصْرَانِيَّةِ وَظَهَرَ أَمْرُهُ جِدًّا بِسَبَبِ الْمَلِكِ قُسْطَنْطِينَ وَقَدْ أَفْسَدَهُ عَلَيْهِمْ فسادا لا إصلاح لَهُ وَلَا نَجَاحَ مَعَهُ وَلَا فَلَاحَ عِنْدِهِ وَكَثُرَتْ أَعْيَادُهُمْ بِسَبَبِ عُظَمَائِهِمْ وَكَثُرَتْ كَنَائِسُهُمْ عَلَى أَسْمَاءِ عُبَّادِهِمْ وَتَفَاقَمَ كُفْرُهُمْ وَغَلُظَتْ مُصِيبَتُهُمْ وَتَخَلَّدَ ضَلَالُهُمْ وَعَظُمَ وَبَالُهُمْ وَلَمْ يَهْدِ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَلَا أَصْلَحَ بَالَهُمْ بَلْ صَرَفَ قُلُوبَهُمْ عَنِ الحق وامال عن الاستقامة ثُمَّ اجْتَمَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَجْمَعَيْنِ فِي قَضِيَّةِ النُّسْطُورِيَّةِ وَالْيَعْقُوبِيَّةِ وَكُلُّ فِرْقَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ تُكَفِّرُ الْأُخْرَى وَتَعْتَقِدُ تَخْلِيدَهُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَلَا يرى مُجَامَعَتَهُمْ فِي الْمَعَابِدِ وَالْكَنَائِسِ وَكُلُّهُمْ يَقُولُ بِالْأَقَانِيمِ الثَّلَاثَةِ أُقْنُومُ الْأَبِ وَأُقْنُومُ الِابْنِ وَأُقْنُومُ الْكَلِمَةِ وَلَكِنْ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافٌ فِي الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ فِيمَا بَيْنُ اللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ هَلْ تَدَرَّعَهُ أَوْ حَلَّ فِيهِ أَوِ اتَّحَدَ بِهِ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ شَدِيدٌ وَكُفْرُهُمْ بِسَبَبِهِ غَلِيظٌ وَكُلُّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ إِلَّا مَنْ قَالَ مِنَ الْأَرْيُوسِيَّةِ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرْيُوسَ إِنَّ الْمَسِيحَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ كَمَا يَقُولُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَكِنْ لَمَّا اسْتَقَرَّ أَمْرُ الْأَرْيُوسِيَّةِ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ تَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ الْفَرْقُ الثَّلَاثَةُ بِالْإِبْعَادِ وَالطَّرْدِ حَتَّى قَلُّوا فَلَا يُعْرَفُ الْيَوْمَ مِنْهُمْ أَحَدٌ فيما يعلم وَاللَّهُ أَعْلَمُ]

* وجاء في تفسير المنار (3/213): [وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَلَّا يَنْظِمَ الْآيَةَ (يعني: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)) فِي سِمْطِ أَخْبَارِ التَّارِيخِ، وَلَا فِي سِلْكِ عِلْمِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ، أَوْ عِلْمِ الْمُنَاظَرَةِ وَالْجَدَلِ، بَلْ يَتْلُوهَا مُتَذَكِّرًا أَنَّهَا مَا أُنْزِلَتْ إِلَّا هِدَايَةً وَعِبْرَةً لِمَنْ يُؤْمِنُ بِالْقُرْآنِ ; لِيَتَّقُوا الْخِلَافَ فِي الدِّينِ وَالتَّفَرُّقَ فِيهِ إِلَى شِيَعٍ وَمَذَاهِبَ اتِّبَاعًا لِسُنَنِ مَنْ قَبْلَهُمْ. نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ نَعْتَقِدُ أَنَّ دِينَ الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي بَيَّنَّا مَعْنَاهُ آنِفًا، وَأَنَّ أَسَاسَهُ التَّوْحِيدُ وَالتَّنْزِيهُ، وَأَنَّ الرُّؤَسَاءَ الرُّوحِيِّينَ وَغَيْرَ الرُّوحِيِّينَ لَا سِيَّمَا الْمُلُوكُ وَالْأَحْبَارُ الرُّومَانِيِّينَ هُمُ الَّذِينَ بِتَفَرُّقِهِمْ جَعَلُوا ذَلِكَ الدِّينَ الْإِلَهِيَّ الْوَاحِدَ مَذَاهِبَ يَنْقُضُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَأَهْلَهُ شِيَعًا يَفْتِكُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَأَنَّهُ لَوْلَا بَغْيُهُمْ لَمَا تَمَزَّقَ شَمْلَ آرْيُوسَ وَأَتْبَاعِهِ الَّذِينَ دَعَوْا إِلَى التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ بَعْدَ فُشُوِّ الشِّرْكِ وَالتَّشْبِيهِ، إِذْ حَكَمَ الْمَجْمَعُ الَّذِي أَلَّفَهُ الْمَلِكُ قُسْطَنْطِينُ سَنَةَ 325 م بِمُقَاوَمَةِ آرْيُوسَ وَإِحْرَاقِ كُتُبِهِ وَتَحْرِيمِ اقْتِنَائِهَا، وَلَمَّا انْتَشَرَ تَعْلِيمُهُ مِنْ بَعْدِهِ قَضَى تُيُو دُو سْيُوسَ الثَّانِي بِاسْتِئْصَالِ مَذْهَبِهِ وَإِبَادَةِ الْآرْيُوسِيَّةِ بِقَانُونٍ رُومَانِيٍّ صَدَرَ فِي سَنَةِ 628م، وَبَقِيَتْ مَذَاهِبُ التَّثْلِيثِ يُكَافِحُ بَعْضُهَا بَعْضًا، [نَحْنُ] نَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْنَا أَلَّا نَنْسَى أَنْفُسَنَا وَلَا يَغِيبُ عَنَّا مَا أَصَبْنَا بِهِ مِنَ الْخِلَافِ وَالتَّفَرُّقِ عَسَى أَنْ يَسْعَى أَهْلُ الْإِيمَانِ الصَّادِقِ وَالْغَيْرَةِ فِي نَبْذِ الِاخْتِلَافِ وَالشِّقَاقِ، وَالْعَوْدِ إِلَى الْوَحْدَةِ وَالِاتِّفَاقِ، كَمَا كُنَّا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ عَلَيْهِمُ الرِّضْوَانُ]

(الموحدون من النصارى: أصولهم.. واقعهم.. معاناتهم) لد. سفر بن عبدالرحمن الحوالي كما هو مثلاً في أرشيف ملتقى أهل الحديث - 3 (28/358): [في ظل الصراع بين الإسلام والغرب الذي تتضح ملامحه يوماً بعد يوم، وتجتهد قوى مؤثرة في الغرب في إيقاده، يبدو جهل الغرب بالإسلام من أهم أسباب إخفاقه في التعامل مع قضايا الصراع؛ حيث يتعامل وفقاً لصورة نمطية مقتضبة. ولكيلا نقع في الخطأ نفسه، ينبغي للأمة الإسلامية أن تعرف خصمها معرفة مفصلة، بدلاً من النظر إليه باعتباره كتلة واحدة ذات توجه واحد، ومن أهم أسباب المعرفة المطلوبة: ربط اتجاهات الصراع بأصولها العقدية، وقياس مدى تأثير تلك الأصول في توجيه الصراع، لا سيما وقد بدأ الغرب يتمايز، وقد تزيده المرحلة القادمة تمايزاً.
وهذه المقالة تلقي الضوء على طائفة نصرانية تكاد تكون مجهولة لدى المسلمين، مع أهميتها عقدياً وعراقتها تاريخياً؛ فقد كان منها خمسة من رؤساء الولايات المتحدة، فضلاً عن حضورها الثقافي والسياسي في الساحة الأمريكية؛ فهم يمثلون دينياً النقيض للحركة الأصولية المتطرفة، وهم في الجملة محسوبون كجزء من التيار الليبرالي الذي لا يرى صراع الحضارات حتماً، ويرفض المشروع الصليبي المسمى «الحرب على الإرهاب».
المقصود بالموحّدين من النصارى:
لا توحيد ـ على الحقيقة ـ إلا ما أرسل الله به رسله وأنزله في كتبه، وهو الإيمان بأن الله ـ تعالى ـ واحد، وعبادته وحده لا شريك له؛ فهذا هو التوحيد المطلق. أما إذا قُيِّد بطائفة أو أحد من الناس فهو بحسب من يضاف إليه. ونحن هنا حين نتحدث عن الموحدين من النصارى فإننا نعني بها الفرقة النصرانية التي تعتقد أن الله واحد، وأن المسيح رسول الله، وترفض التثليث، وتتمثل في كنيسة (جماعة دينية) تؤمن بالوحي والعبادة، وبذلك يتميزون عن عامة الكنائس النصرانية التي تؤمن بعقيدة التثليث المنصوص عليها في قانون الإيمان الذي أقرّه مجمع «نيقية»، كما يتميزون في العصر الحديث عن منكري التثليث على أساس إنكار الخالق ـ تعالى ـ مطلقاً، أو على أساس إنكار الوحي مع الإقرار بالخالق؛ لأن هؤلاء على الحقيقة ليسوا من النصرانية في شيء، وإن كان هذا التمييز غير جلي في تاريخ الفكر الغربي الحديث كما سنرى.
أصولهم وأسماؤهم:
تعود جذور عقيدة الموحدين النصارى إلى الدين نفسه الذي علَّمه المسيح عليه السلام، وهو الإسلام في العقيدة، واتباع التوراة في الشريعة؛ فهم في الأصل الطائفة التي آمنت من بني إسرائيل كما قال ـ تعالى ـ: {فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ} [الصف: 14] وتمسكوا بالإيمان الذي أعلنه الحواريون كما في قوله ـ تعالى ـ: {نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52] وظل بعضهم على هذا الإيمان إلى البعثة المحمدية، وخلط آخرون ذلك بأنواع من البدع من قبل البعثة وبعدها لا مجال لتقصِّيها الآن.
ومن أسمائهم «الناصريون»: إما نسبة إلى النُّصرة وهو الأقرب؛ كما في الآية، وإما إلى (الناصرة) البلدة التي ينسبون إليها المسيح عليه السلام، فيقولون: (يسوع الناصري)، وفي انتسابهم هذا إعلان لبراءتهم من البدع التي أحدثها بولس وأتباعه.
أما الاسم الذي ظلوا يشتهرون به حتى مطلع العصر الحديث فهو «الآريوسية» ـ أو «الأريانية» ـ نسبة إلى آريوس، أو «السوسنيانية» نسبة إلى «سوسنيان» الذي سنأتي على سيرته.
وقد كان للاضطهاد الذي نالهم من المخالفين أثره في تشويه تاريخهم وطمس كثير من معالمه. فوقع خلط كبير بينهم وبين غيرهم من الفرق المنشقة عن الكنيسة الملكية الرومانية التي تسمي المنشقين جميعاً «هراطقة».
ومن ذلك أنك تجد من لا يفرق بينهم وبين «النسطورية» أو «اليعقوبية» وربما كان سبب ذلك أن الكنيسة الرومانية الملكية الكاثوليكية كانت تنبزهم بأنهم نسطورية أو يعقوبية، وفي الوقت نفسه تنبز النسطورية واليعقوبية بأنهم «موحدون» لتخرجهم من النصرانية وتكفِّرهم عند العامة. وشبهتها في هذا أن النَّسطورية مع اعتقادهم التثليث ينكرون أن يقال عن مريم: والدة الإله، ويقولون: إنما ولدت الناسوت وليس اللاهوت؛ فكفّرتهم الكنيسة الملكية بذلك، واشتبه الأمر على كثير من الباحثين ـ وبعضهم من الموحدين الأوروبيين أنفسهم ـ فظنوا أن النَّسطورية في الشرق يعتقدون أن عيسى ـ عليه السلام ـ مجرد بشر؛ فهم بذلك موحِّدون.
أما اليعقوبية فهم مع اعتقادهم التثليث ينكرون أن يكون للمسيح طبيعتان، ويجعلونها طبيعة واحدة «إلهية» فكفَّرتهم الكنيسة الملكية بإنكار التثليث في نظرها.
ومن هنا أخطأ كثير من الباحثين أيضاً فظنوا ما جعلته الكنيسة توحيداً على سبيل التهمة هو التوحيد الذي عليه الموحدون.
أما نسبة الموحدين إلى «أريوس الإسكندري» و«بولس الشمشياطي»، فهي أقرب إلى الصواب، من جهة أن المنسوب إليهم في كتب النصارى هو إنكار لاهوت المسيح ـ لا سيما الأول منهما ـ على أن وصف الناصريين يظل أصدق الأوصاف وأبعدها عما أحاط بالأوصاف الأخرى من اضطراب.
اضطهادهم:
تعرض الموحدون لاضطهاد هائل من الكنائس الرسمية، ولعنتهم المجامع النصرانية المخالفة، ووصمتهم بالكفر والهرطقة، ومزقتهم كل ممزق. ومن هنا ـ مع ما أصاب بعضهم من الابتداع ـ صدق على المتمسكين منهم أنهم «بقايا» كما جاء في الحديث: «إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب» وفي قوله ـ تعالى ـ: {مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [آل عمران: 113] فإن من كانوا على بقية من الحق عند بعثته، صلى الله عليه وسلم، - أعم من أن يكونوا من أتباع المسيح ـ عليه السلام ـ فحسب؛ وذلك أن كثيراً من اليهود خارج فلسطين لم تبلغهم دعوة المسيح عليه السلام، أو لم يتبينوا حقيقة رسالته، وظلوا على الحق الذي في التوراة حتى أشرق نور الإسلام.
فلما ظهر نور الإسلام وأضاء ما بين الخافقين دخل أكثر الموحدين فيه وبقيت منهم بقية على حالها وكانت على صنفين:
الأول: من بلغته دعوة محمد، صلى الله عليه وسلم، - فلم يؤمن به، وعن هؤلاء يقول العالم المهتدي الحسن بن أيوب من علماء القرن الرابع الهجري: «ولما نظرت في مقالات النصارى وجدت صنفاً منهم يعرفون بالأريوسية يجردون توحيد الله ويعترفون بعبودية المسيح ـ عليه السلام ـ ولا يقولون فيه شيئاً مما يقوله النصارى من ربوبية ولا بُنُوة خاصة ولا غيرهما، وهم متمسكون بإنجيل المسيح، مقرون بما جاء به تلامذته والحاملون عنه. فكانت هذه الطبقة قريبة من الحق، مخالفة لبعضه في جحود نبوة محمد - ، صلى الله عليه وسلم، ودفع ما جاء من الكتاب والسنة».
والآخر: من لم تبلغه الدعوة لبعد الشُّقَّة، أو بلغته على الصورة البالغة التشويه التي نشرتها الكنيسة الحاقدة على الإسلام ولا سيما كنيسة روما.
والثابت تاريخياً أن التوحيد كان عقيدة منتشرة في أوروبا في القرون الميلادية الأولى، لكن اختلفت أحوال الشعوب الموحِّدة، فبعضها مثل «الأيرلنديين» استطاعت الكنيسة البابوية استئصاله قبل الإسلام، وبعضها مثل «الأندلسيين» ظهر الإسلام والحرب لا تزال قائمة بينهم وبين روما.
ومن الظواهر البارزة في التاريخ الديني الأوروبي أن الشعوب البعيدة عن تأثير السيطرة الرومانية كانت أقرب إلى الفطرة، ومن ثَمَّ أكثر قبولاً للتوحيد من غيرها، وربما كان الاضطهاد الذي مارسه الرومان على الشعوب الخاضعة لهم أعظم أسباب قلة الموحدين فيها.
ففي بريطانيا كان الموحدون أول من أدخل النصرانية إلى الجزر البريطانية، وكان لهم فيها تاريخ طويل حتى انتقال مركزهم إلى أمريكا كما سيأتي. وفي إيرلندا كان الناس يدينون بالتوحيد ويعملون بشرائع التوراة، بل يسمون أنفسهم «ناصريين» حتى غزاهم الرومان في القرن الخامس الميلادي، واستأصلوا عقائدهم، وأحرقوا أناجيلهم المعروفة بالأناجيل «السلتية» (1)، التي كانت خالية من عقيدة التثليث. وفي الأندلس ظلت الحروب بين الرومان وبين الموحدين حتى ظهور الإسلام، ويعزو المؤرخون من شرقيين وغربيين سرعة انتشار الإسلام هناك إلى أنهم كانوا في الأصل على التوحيد.
وإجمالاً يمكن القول: إن تاريخ شعوب أوروبا الغربية وشمال أفريقية قبل الإسلام تاريخ للصراع بين الكنيسة الرومانية وبين الآريوسية ويشمل ذلك القوط والفاندال والسلت والبربر وغيرهم (2). يقول سلفستر شولر: (من المعلوم أن جميع البرابرة الذين استقروا على ضفاف الدانوب وعلى ضفاف الإمبراطورية (الرومانية) قد اعتنقوا أمة بعد أمة المسيحية الآريوسية... وهكذا أخذت الآريوسية تجتاح البلاد التي يقيم فيها البرغوند والسويف والفندال واللومبارد، وغدت ديانة هذه الشعوب الوطنية)، هذا عدا انتشار الموحدين في مصر وبلاد الشام والعراق وفارس والحبشة ومليبار.
ثم كان أبرز الأحداث في تاريخ الموحدين هو قيام مملكة لهم في رومانيا في القرن السادس عشر؛ حيث كان الملك «جون سيقموند» المتوفى سنة 1571م موحداً، ولا يزال فيها أكبر تجمّع للموحِّدين في العالم بعد الولايات المتحدة؛ حيث يبلغ عددهم ثمانين ألفاً. وفي بولندا تكاثر الموحِّدون حتى أرغمهم البرلمان سنة 1658م على اعتناق الكاثوليكية، إلا من فرّ منهم إلى هولندا وإنجلترا، وهناك التقوا مع الفارين من الأندلس بعد سقوطها في يد الملكين الكاثوليكيين «فردِنَنْد» و«إيزابيلا». وفي فرنسا ظهر الموحدون سنة 1550م باسم «الهجونوت» إلا أن الكاثوليك شنوا عليهم حرباً ضروساً في أيام الملكة «كاترين» وابنها «هنري» حتى استأصلوهم سنة 1572م إلا من استطاع الفرار إلى هولندا ثم إلى أمريكا.
روافد وأشباه:
فيما بين عقيدة الموحدين ـ هؤلاء ـ وعقيدة الطائفة الملكية، وهي الطائفة النصرانية الكبرى المتحكمة في الإمبراطورية الرومانية، يوجد عقائد كثيرة تأثرت بالمد الإسلامي العظيم؛ إذ كان استعلاء الإسلام ووضوح حجته قد بهر العالم أجمع، فحرصت كل ملة على أن تفسر عقيدتها وإيمانها بما يشبهه أو يقاربه، حتى إن الطائفة الملكية نفسها أصبحت تدعي التوحيد على تفسير خاص لها.
وقد بلغ التأثير ذروته في الحركتين المشهورتين في التاريخ الأوروبي، وهما: حركة تحريم الصور والتماثيل، والحركة الإصلاحية. وقد وفّر كلٌّ منهما نوعاً من الغطاء لعقيدة الموحدين التي كانت تظهر وتختفي بمقدار الحرية المتاحة لها.
1 - حركة تحطيم الصور والتماثيل:
ظهرت هذه الحركة بظهور الإسلام الذي كان حكمه حاسماً جداً في هذا الشأن؛ فعندما عاد المهاجرون إلى الحبشة وذكروا للرسول، صلى الله عليه وسلم، - ما رأوا في الكنائس الحبشية ـ وهي يعقوبية المذهب ـ قال، صلى الله عليه وسلم، -: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً، وصوَّروا فيه تلك الصور؛ أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة».
وهكذا طمس المسلمون ـ وحطموا ـ الصور والتّماثيل والصّلبان ليس فقط في الكنائس التي أسلم أهلها أو فتحوها عنوة، بل في كل مظاهر الحياة، وبذلك استيقظت الحركة الكتابية التي كانت تفعل ذلك قبل الإسلام عملاً بما جاء في الوصية الثانية من الوصايا العشر في التوراة.
وقد بلغت هذه الحركة أوجَها في عهد الإمبراطور البيزنطي (قسطنطين الخامس) الذي عقد مجمعاً خاصاً لذلك في القسطنطينية سنة 754م. ونلاحظ أن الإمبراطورية الشرقية البيزنطية هي الأكثر تأثراً؛ وذلك لقربها من دار الإسلام.
2 - الحركة الإصلاحية:
تأخر ظهور الحركة الإصلاحية في الإمبراطورية الغربية، بسبب بعدها الجغرافي عن دار الإسلام، والحُجُب الكثيفة من الافتراء والتشويه التي فرضتها الكنيسة الكاثوليكية على أوروبا الغارقة حينئذ في الجهل والهمجية، ولكن الاتصال بالمسلمين الذي حدث من طرق شتى - منها مراكز الحضارة الإسلامية في جنوب أوروبا، والحروب الصليبية، والتعامل التجاري، وغيرها ـ أدى إلى ظهور الحركة الإصلاحية البروتستانتية، التي كانت فاتحة التاريخ الأوروبي الحديث، والتي أحدثت زلزالاً هائلاً في الكنيسة الغربية، بل في الحياة الأوروبية عامة. إلا أن تأثيرها الإصلاحي لم يمسّ الجوهر (عقيدة التثليث) بل اقتصر أساساً على الحد من طغيان البابوات، وفساد رجال الدين عامة، وتحطيم الصور والتماثيل، وتعديل بعض الشعائر والطقوس. ويتمثل تأثيرها التاريخي الهائل في تأسيس كنائس جديدة منسوبة لزعماء الحركة، مثل «لوثر» «كالفن» «زونجلي» وكانت الاستجابة الواسعة لها تمثيلاً عميقاً لما عانته النفسية الأوروبية من كبت وضجر تحت سيطرة الاضطهاد البابوي، ولكنها ما لبثت أن ارتكبت كل الخطايا التي ارتكبتها كنيسة روما، ولا سيما اضطهاد المخالفين، وربما زادت عليها أحياناً، وهو الأمر الذي أدخل أوروبا في دوّامة من العنف لم يشهد لها التاريخ العالمي مثيلاً. وحدث من الفظائع والمنكرات ـ من الطرفين ـ ما اقشعرت لها أبدان المؤرخين، ووصفوها بأنها وحشية تترفع عنها الوحوش. وقد نالت هذه الوحشيةُ طائفةَ الموحدين التي انتهزت ـ بادئ الأمر ـ فرصة الصراع وانكسار باب السجن الكاثوليكي لتخرج في جملة من خرج من المأسورين، ولكن الاضطهاد الذي حلّ بها من قِبَل البروتستانت كان أفظع مما تصورت، بل كان مثار دهشة المؤرخين الغربيين ولا يزال.
الموحدون والحركة الإصلاحية النصرانية:
كان أعداء الموحدين ـ من الكاثوليك والبروتستانت سواء ـ ينبزونهم بلقب «سوسنيانية» نسبة إلى رجل دين إيطالي يدعى «سوسنيان» أو «سوسنيوس» (1539ـ 1604م)، ظهرت آراؤه في عنفوان الثورة البروتستانتية على الكنيسة الكاثوليكية بقيادة زعيميها الشهيرين «مارتن لوثر» و«كالفن».
وكان «كالفن» ينافس «لوثر» في تزعّم الإصلاح، إلا أنه كان أكثر منه اعتماداً على التوراة ـ لا سيما في انتهاج القوة ـ وقد قرر كثير من المؤرخين أنه يهودي الأصل، ولعل هذا سبب خطأ من يظن أنه كان موحِّداً، وقد عاصر من الموحدين غير «سوسنيان» الذي تنتسب إليه الطائفة «ميخائيل سرفت» صاحب الآراء المتناقضة والمحسوب على الموحدين، وإن كان بعض مؤرخي الفكر الغربي يجعلونه المؤسس.
اتخذ كالفن «جنيف» مقراً لدعوته، وحكمها حكماً لاهوتياً شديد الصرامة، ويقول «ديورانت»: (إن «كالفن» كان يرى في مذهب الموحدين بداية النهاية للمسيحية، وخشي هذه الهرطقة أكثر من أي شيء آخر؛ لأنه وجدها متفشية في مدينة «جنيف» ذاتها، وفوق كل شيء بين اللاجئين البروتستانت الفارين من إيطاليا، وهذه إشارة إلى سوسنيان وأمثاله). وقد بلغت فظاظة كالفن وبشاعة أحكامه حداً جعل أتباعه وأعداءه يشتركون في التعنيف عليه، وكان الموحدون أكثر المتضررين بذلك، ولا تزال مأساة «سرفت» تعد عند مؤرخي الفكر وصمة عار في جبين الإصلاحيين عامة و(كالفن) خاصة؛ فقد حكم (كالفن) على (سرفت) بأن يحرق حياً على نار بطيئة عقوبة له على إنكار التثليث سنة 1553م. وكان هذا ـ إضافة إلى نبز (لوثر) لـ (سرفت) بأنه «مراكشي» ـ دليل على أن الضغينة عليه كانت بسبب تأثره بالإسلام أكثر من كونه كافراً بالتثليث؛ إذ يقول ديورانت، بعد أن نقل فقرات من كلامه: (إن مفهومه عن المسيح قريب جداً من مفهوم محمد) فنظراً لأصله الأسباني وقراءته للقرآن، واطلاعه على العقائد الإسلامية كان يستحق عندهم أن ينزل عليه أشد العقاب، فيكون عبرة لغيره من الخارجين على عقيدة (لوثر) و(كالفن).

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 07-21-2012, 09:25 PM
طارق الطارق طارق الطارق غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
المشاركات: 12
افتراضي

كان (سرفت) في أول الأمر مندفعاً جداً في الثورة على النصرانية، فألّف كتابه «خطأ التثليث» سنة 1531م وفيه شبّه الرب الذي يعبده النصارى بالصنم الخرافي الوثني «سربيروس» الذي كان أتباعه يعتقدون أن له ثلاثة رؤوس، ولكنه آخر الأمر عاد ليكتب كتاباً عنوانه «إعادة المسيحية». وسواء كان ذلك تراجعاً ظاهرياً أو اضطراباً في المعتقد، فالنتيجة أن ذلك لم ينقذه من العقوبة، وكان إحراقه نذيراً صارخاً لأصحاب مذهب التوحيد بالفرار إلى بلاد غير خاضعة للإصلاحيين، فاتجهوا إلى بولندا وهولندا ورومانيا ـ إقليم ترانسلفانيا ـ حيث كان الملك الموحِّد «جون سيقموند» يوفر حماية للفارين منهم في مملكته.
إن مصادر التوحيد لهذه المملكة مجهولة، والظاهر أنها من بقايا الأريوسيين وأن حياتهم في غابة إقليم «ترانسلفانيا» النائي وَقَتْهم شر التسلط الكاثوليكي، ومن المحتمل جداً وجود علاقة لهم بالمسلمين؛ فقد شهدت روسيا وأوروبا الشرقية مرحلة من التواصل مع المسلمين تميز في عهد الخليفة المقتدر العباسي وبعده.
على أن العقيدة التوحيدية ظهرت في أوروبا الغربية، ولا سيما في هولندا وبريطانيا، ومنها إلى أمريكا ضمن الخليط الناتج من الأفكار التي شهدها عصر التنوير الأوروبي الذي تُعَدُّ حركة التوحيديين أحد روافده، كما تعد أحد المستفيدين من ثورته.
عقائد عصر التنوير الأوروبي:
يسمى عصر الثورة العامة على المعتقدات الدينية النصرانية: (عصر التنوير)، وهو يشمل المرحلة ما بين اشتداد الحروب الدينية في أوروبا، وبين ظهور الثورتين الأمريكية والفرنسية، أي أن القرن الثامن عشر الميلادي ـ على سبيل التقريب ـ هو عصر التنوير الذي أحدث في الفكر العالمي عامة والغربي خاصة زلزالاً لا تزال توابعه حتى الآن؛ فقد خلَّف آثاراً عظيمة في السياسة والاجتماع والأدب والفن. بيد أن أعظم آثاره تجلى في الصراع العنيف بين الكنيسة والعقل.
ولا ريب أن عصر التنوير يعد امتداداً طبيعياً لعصر النهضة الأوروبية الذي يدين بالفضل للإسلام؛ فقد كان تأثير الحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية واضحاً في إيطاليا منطلق النهضة الأوروبية الحديثة، بل هو أكبر أسباب النهضة؛ فقد كان الإمبراطور «فردريك» الثاني في القرن الثالث عشر عاشقاً للثقافة الإسلامية، ولما رأت الكنيسة حرصه على تعلم العربية، وكثرة المسلمين في بلاطه، وتأثره الواضح بهم، أصدرت بحقه حرماناً وسمته «الزنديق الأعظم»، ولكن المؤرخين في الفكر يسمونه «أول المحدثين» تقديراً لريادته في الحضارة والإنسانيات.
وفي الأندلس كان التواصل الثقافي مستمراً خاصة مع أوروبا الغربية، لا سيما الجزر البريطانية التي كادت أن تسلم ـ حيث يتحدث التاريخ عن إسلام أحد ملوكها، وكذلك إسلام ملك النرويج، وهما حدثان جديران بالبحث والاهتمام ـ فلما استطاعت الكاثوليكية استرداد البرتغال وأسبانيا من المسلمين، وأقامت محاكم التفتيش، لجأ كثير من أصحاب الفكر الحرِّ إلى أوروبا الغربية، لا سيما هولندا التي ظهرت فيها العقيدة التوحيدية بوضوح إلى جانب العقائد الأخرى المتحررة من ربقة الكنيسة الرومانية.
وفي المرحلة التالية لم يقف الصراع الكبير الذي أحدثته الحركة الإصلاحية عند حد التمرد على البابا، بل انقلب تمرداً على كل العقائد الكنسيّة باسم «العقل» و«حرية التفكير» و«الدين المنطقي» و«الدين الطبيعي» ونحو ذلك من الشعارات التي كثرت في ذلك العصر واختلفت، وكان الجامع بينها رفض العقيدة النصرانية.
ومن هنا اختلط الأمر على الباحثين، وصعب التفريق بين منكري الدين كلِّه ـ أي من ينكر وجود الله تعالى ـ وبين من ينكر عقائد الكنائس النصرانية ـ لا سيما التثليث ـ لكنه يؤمن بالوحي والكتب المقدسة، وبين من يقف بين ذلك فينكر الكتب والقدر، ويعترف بنوع من الوحي والتعبد. وفي غمرة هذا الاختلاط نجد تفسيراً للتنازع الشديد في عقيدة بعض الأعلام المشهورين بالعلم والفكر والفلسفة مثل «جون لوك» «إسحاق نيوتن» «شارل ديكنز»، «روسو»، «داروين» فالكنيسة الموحدة تدعي أنهم من أتباعها، وغيرهم لا يسلم لها بذلك، بل يجعلونهم «ربوبيين»، أو «لا أدريين» أو «طبيعيين»... إلخ.
وكان لبريطانيا نصيب الأسد في ظهور هذه العقائد، ويعزى ذلك إلى الحرية المحدودة فيها وإلى طريقة التفكير البريطاني؛ حيث يمثل الإنجليز غالباً ما سماه المفكر العالمي (علي عزت بيجوفتش): «الطريق الثالث خارج الإسلام»، فقد رفضوا العقيدة الكاثوليكية، لكنهم لم يتطرفوا فيذهبوا مذهب الملاحدة العقلانيين في فرنسا، ولم يندفعوا مع اللوثرية اندفاع الألمان، بل سلكوا طريقاً وسطاً ـ تماماً كما فعلت بريطانيا في العصر الحاضر، حيث لم تكن شيوعية مثل روسيا، ولكنها أيضاً ليست في الرأسمالية مثل أمريكا.
هناك ـ في بريطانيا ـ فشت عقيدة التوحيد هذه، وكادت تسيطر على مفكري عصر التنوير الإنجليزي، لولا أن منافساً ظهر أيضاً بقوة وهو دين الربوبيين ـ المؤمنين بالله مع إنكار الوحي ـ وكثيراً ما يقع الخلط بين هاتين العقيدتين، ويدعي أتباعهما أن رموز الأخرى هم من رموزها ـ كما سبق ـ. والواقع أن بريطانيا في ذلك العصر كانت تموج بالشك والتمرد بل التقلب والاضطراب لدى المفكر الواحد. وكان أبرز الأحداث هو إعلان الموحدين لعقيدتهم في التوحيد صراحة في بيان وجهوه إلى طلاب جامعتي «أوكسفورد» و«كامبردج» سنة 1790م.
على أن أهمية الكنيسة في بريطانيا تتجلى في كونها المصدر الأكبر للحركة في أمريكا، وهنا لا بد من بيان الفرق بين أوروبا وأمريكا في هذا الشأن؛ فأوربا كانت هائجة مضطربة تنتقل من فعل إلى ردة فعل أعنف، وهذا يصدق على كثير من مفكريها مع شيء من الاعتدال يتسم به شمالها. أما أمريكا فجذورها الدينية واضحة؛ بحيث يمكن القول إن ملاحدة أمريكا أقرب إلى الانتماء الديني، وأن متديني أوروبا أقرب إلى الملاحدة.
وحين نصل إلى أمريكا نجد أنفسنا أمام تاريخٍ مستفيض، ووجود متميز للحركة الموحّديّة.
الموحدون في أمريكا:
تقول المصادر الرسمية للولايات المتحدة الأمريكية إنها ثاني الدول الغربية تديناً بعد إيرلندا، ويقول المفكر إدوارد سعيد: (إن أمريكا هي أكثر دول العالم انشغالاً بالدين). والواقع أن بين الدين الذي أسست عليه هذه الدولة والدين الذي تدين به اليوم بَوْناً شاسعاً، وهذا يصدق على حركة الموحٍّدين الأولى وواقع الموحدين اليوم.
فالمؤسسون الأوائل لأمريكا كان منهم جمع غفير من المهاجرين بدينهم المتسمين باسم (الحجاج)، وقد تحملوا مشقة الرحلة الطويلة إلى بلاد نائية فراراً من الحروب الدينية الضروس التي اجتاحت أوروبا لا سيما منذ ظهور الحركة الإصلاحية، وكان من بين المؤسسين مفكرون وساسة يؤمنون بالتسامح، ويمقتون الاضطهاد بنفس المقدار الذي كان عليه مفكرو التنوير في أوروبا أو أكثر، وهكذا أسسوا الدولة الناشئة على مبدأ فصل الدين عن الدولة، لكن بسبب وبشكل يختلفان عما هو الحال عليه في أوروبا؛ ففي فرنسا مثلاً كانت الثورة الفرنسية معادية للدين، وكان فصل الكنيسة عن الدولة إقصاء للمتدينين، وسلباً لمكانة الكنيسة. أما في أمريكا فقد جعلوه صيانة للدين وحفظاً لمكانة الكنائس، وأتاحوا للمتدينين الحرية في الانتماء إلى الكنيسة التي يريدون، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تجاوزه إلى الاتفاق على نفي أن تكون الدولة نصرانية رسمياً (1)؛ وذلك أن المؤسسين الكبار كانوا يؤمنون بأفكار عصر التنوير وفلسفاته التي ذكرنا مع تفاوت بينهم في الالتزام الديني الشخصي بالذهاب إلى الكنائس أو الانتساب إليها. إلا أن كنيسة واحدة فقط كان الانتماء إليها ينسجم مع الأفكار التنويرية وهي الكنيسة الموحِّدة؛ بحيث يمكن القول إنه لو كان للحكومة الناشئة أن تختار ديناً رسمياً للدولة لما كان إلا دين الموحِّدين. وهذا ظاهر من استقراء عقائد الرؤساء الأوائل وعقائد المفكرين الأوائل مثل: بنيامين فرانكلين، ورالف أمرسن.
ففي سنة 1785م تحولت كنيسة الملك في بوسطن إلى كنيسة موحِّدة؛ حيث قرر أعضاؤها حذف الألفاظ الدالة على التثليث في الصلوات، ثم أسست كنيسة موحِّدية في «فيلادلفيا» سنة 1794م، وبعد ذلك حدث تحول آخر مهم، وهو انتقال كنيسة الحجاج التي أسست سنة 1620م إلى كنيسة موحِّدية سنة 1802م.
وتوّجَ هذه الأحداث حدثٌ من أعظم الأحداث في التاريخ الديني النصراني، وهو قيام الرئيس الأمريكي الثالث «توماس جيفرسن» بتأليف إنجيل جديد هذَّب فيه الأناجيل المعروفةَ في نسخةٍ منقّحةٍ محذوف منها كل ما يدل على التثليث، كما حذف ما يدل على المعجزات ـ وهنا يظهر عليه أثر عقلانية عصر التنوير ـ إلا أن «جيفرسن» لم يكن منتمياً إلى كنيسة، ومن ثمَّ يحسبه الباحثون ـ غالباً ـ بين الفلاسفة لا بين المتدينين، ونحن سوف نتسامح في هذا الشرط عند ذكر رؤساء أمريكا من الموحدين عما قليل.
في سنة 1825م أسست المنظمة الموحدية في أمريكا، ثم أسس المجمع الوطني للموحدين في سنة 1865م، ولم تزل الحركة في صعود مستمر ـ لا سيما بين الطبقة المثقفة ـ حتى بلغ الذروة في تولي أحد الموحدين وهو (وليام تافت) رئاسة الولايات المتحدة، وأعقب ذلك تولِّيه رئاسة الكنيسة الموحدية سنة 1917م.
وآخر المشهورين من السياسيين الموحدين هو «ادلاي ستيفنس» المرشح الرياسي الذي كان وزيراً في حكومة جون كندي ـ الرئيس الكاثوليكي الوحيد للولايات المتحدة ـ وقد توفي سنة 1965م ولم ينجح في أن يصبح رئيساً.
إنه باسترجاع مرحلة تأسيس أمريكا يجدر القول بأن المسلمين بسبب تخلفهم الديني والحضاري حينئذ، قد فوَّتوا فرصة عظيمة حيث كانت الدولة الأمريكية الناشئة مهيأة لاعتناق التوحيد الحقيقي، والدخول في دين الإسلام، وإن شئت فقل: إنه كان يمكن أن يكون للمسلمين مكانة كبرى في ذلك المجتمع الجديد، لو أن الأمة والدعوة في ذلك الحين كانت في حال أفضل.
واقع الحركة الموحدية في أمريكا اليوم:
يمكن إيجاز الواقع في العقود الأخيرة بأنه انتشار للعقيدة وانتكاسة للكنيسة. أما العقيدة ذاتها (أي إنكار التثليث أو إنكار ألوهية المسيح) فقد تنامت حتى يمكن القول إنها عقيدة الأغلبية في أمريكا هذه الأيام، وفقاً لاستبانات كثيرة لا مجال للتفصيل فيها. وأما الكنيسة فقد تقلصت، بل انتكست ـ مع أن تقديراتها تقول إن لها زهاء ألف معبد ينتمي إليها حوالي 160ألف عضو ـ وانحرف كثير من أتباعها انحرافاً خطيراً؛ وذلك أن الغليان الفكري والاجتماعي في أمريكا لدى جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، أدى إلى ظهور موجة من التحلل والتفسخ والانقسامات الدينية الحادة والحركات المتطرفة، وشمل ذلك الكنيسة الموحِّدية التي تحولت تحولاً كبيراً إلى الاتجاه الليبرالي، واتخذت خطوة بعيدة بتوحدها مع «كنيسة الخلاص للجميع» «اليونيفرسالية»، وهي كنيسة تدعي التوحيد أسست سنة 1793م، والواقع أنها لا تؤمن بالتثليث، لكنها تؤمن بعقيدة الخلاص للجميع. ومع تنامي موجة التحرر والانحلال، تحوّلت هذه العقيدة إلى إقرار عام لجميع الأديان والأفكار، وكان الاندماج بين الكنيستين سنة 1961م، ومن ثم بدأت مسيرة الذوبان مع كنائس كثيرة في بوتقة الليبرالية الحديثة التي تشمل تنوعاً مدهشاً من العقائد الشرقية والغربية تعطي برهاناً ساطعاً على حاجة هذه الأمة إلى الدين الصحيح، وتلقي على كاهل المسلمين واجباً عظيماً في إنقاذ هؤلاء الحيارى في مجتمع يظل ـ بغض النظر عن مواقف حكومته ـ من أكثر مجتمعات العالم تقبلاً للإسلام وإقبالاً على التعرف عليه، ومما يزيد ذلك توكيداً أن الاتجاه المقابل للاتجاه الليبرالي ـ ونعني به الاتجاه الأصولي الصهيوني ـ قد أخذ في التقهقر، وقد يسقط سقوطاً سريعاً في حالة إخفاق (جورج دبليو بوش) في الفوز بالرئاسة ثانية، وهو احتمال وارد بعد تورطه في الحرب الصليبية المسماة «الحرب على الإرهاب» وما تضمنته من فضائح أخلاقية وإخفاقات سياسية وعسكرية أسهمت في كشف الوجه القبيح لأمريكا على المستوى العالمي.
إنها لمفارقة عجيبة أن تؤسَّس أمريكا لتكون تنويرية توحيدية، وينتهي بها الأمر لتكون إنجيلية صهيونية صليبية، ولكن هذا التحوّل البعيد ينبغي أن يفتح باب الأمل لأمة التوحيد الحقيقي لأن تجتهد في تحويلها إلى أمة مسلمة تعبد الله وحده لا شريك له، وتتخلى عن الغطرسة والاستكبار لتصبح أمة عدل وسلام؛ وذلك لا يكون إلا بالإسلام.
الرؤساء الأمريكيون الموحدون:
1 - الرئيس الثاني «جون آدمز» تولى الرئاسة ما بين عامي 1797 ـ 1801م وإليه تنسب معاهدة طرابلس مع الرئيس الأول «جورج واشنطن» التي نفى فيها أن تكون الجمهورية الأمريكية الحديثة ـ حينئذٍ ـ دولة نصرانية، وعليه فهي ليست معادية للإسلام بأي وجه من الوجوه.
2 - الرئيس الثالث «توماس جفرسُن» تولى الرئاسة ما بين عامي 1801م ـ 1809م وكتب الإنجيل المعدل عام 1804م، وقد كان نائباً للرئيس الثاني «جون آدمز» وهو أكثر المؤسسين أثراً في تكوين الفكر الأمريكي، وكان «جيمس ماديسون» المشهور بأبي الدستور الأمريكي متأثراً بفكره، وقد عينه وزيراً في حكومته، ثم خليفة له في الحكم.
3 - الرئيس السادس «جون قوينسي آدمز» تولى الرئاسة ما بين عامي 1825م ـ 1829م وهو ابن الرئيس الثاني.
4 - الرئيس الثالث عشر «ميلارد فلمور» تولى الرئاسة ما بين عامي1850م ـ 1853م.
5 - الرئيس السابع والعشرون «وليام تافت» تولى الرئاسة ما بين عامي 1909م ـ 1913م وهو الذي ترأس الكنيسة الموحدية عام 1917م توفي عام 1930م.
الموحدون في العالم:
خارج الولايات المتحدة ورومانيا توجد أقليات منتمية إلى كنيسة التوحيد في بلاد كثيرة أهمها جمهورية التشيك، وهنغاريا، والهند، والفلبين، وألمانيا، ونيجيريا، وكندا، وإيرلندا، وإسكندنافيا.
على أنه ينبغي أن يُعْلم أن الذين لا يؤمنون بالتثليث ولا يعتقدون ألوهية المسيح ولا يجمعهم الانتماء إلى هذه الكنيسة هم أكثر عدداً، وهم ينتشرون في هذه الدول وغيرها منتسبين إلى كنائس أخرى أو متحررين من أي نسبة. وهم منجم خصب للدعوة إلى الله، وسيظل هؤلاء جميعاً برهاناً ساطعاً على أن الإسلام هو دين الفطرة، وأن وعد الله ـ تعالى ـ بإظهاره حق. {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].
(منقول من مجلة البيان)]؛ انتهى كذا من أرشيف منتدى أهل الحديث.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 07-25-2012, 01:51 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

[align=justify]
الرد على الرد الثاني للأستاذ المسعري :
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
يا أستاذ المسعري هداك الله : أنا سألتك أسئلة عما جاء في كتابك لأستوضح منك بعض الأمور حتى لا تقول لي فهمتَ كلامي خطأ ، ولكنك مع الأسف لم تجب على هذه الأسئلة الاستيضاحية لكلامك بحجة أنها لا تتفق مع شروط المناظرة في منتداكم والتي لم تأت بدليل شرعي عليها لحد الآن ، واتهمتني بالوسوسة والهوس . ولم أقف على هذا الاتهام الباطل الذي لا يستند إلا لهوى وغاية في النفس . مع علمي - بسبب طبيعة وظيفتي ودراستي للطب - أنني لو سألتك عن معنى الوسوسة والهوس من الناحية العلمية وكيف تُشخَّص وثُبْت علمياً ، لما استطعت الإجابة على ذلك . ولا أريد أن أضع تشخيصي العلمي لحالتك النفسية عند قراءتك الأسئلة حتى لا أشخصن المسائل وحتى لا أبتعد عن الهدف من حواري معك والذي هو بداية بيان الحق لك وإرشادك لطريق الهداية والحق أنت ومن تبعك من المقلدة المؤجرين عقولهم لك . وتجاوزت مسألة عدم جوابك على الأسئلة بعد ذكر مثالين يدلان على أن طرح الأسئلة أثناء الحوار على المخالف لاستيضاح كلامه ولبيان تناقضه في فكره لا تخالف قواعد المناظرة العلمية ، بل هي طريقة علمية ثابتة استعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده فطاحل العلماء في حواراتهم . ولكن للهروب من الجواب على الأسئلة جاء الإصرار على شرط الالتزام بقواعد المناظرة التي وضعت في منتداكم والتي لم يوضع لها أي دليل شرعي . فتجاوزت الأمر وبدأت ببيان ما في الكتاب من أخطاء عقدية لأنها الأهم من كل هذا . وتم كتابة ردين على ما جاء من أخطاء في الكتاب ، وانتظرت الرد حتى أتابع بقية الردود وبيان الأخطاء الشنيعة في العقيدة التي احتواها الكتاب . فجاء ردَّك بعد زمن طويل أدهشني ما فيه من كلام وتطويل وإسهاب مُمِل للقارئ لا حاجة له في بيان أمور ليست في صلب الموضوع ، وواضح أن الهدف من هذا الإسهاب والتطويل وكثرة النقولات هو عرض العضلات قبل دخول الصراع والقتال والمناطحة .
وكانت بداية ردك يا أستاذ المسعري أن قلتَ : " سررت جداً عندما ساق الأستاذ ضياء الدين القدسي روايته لقصة حصين بن عمران الخزاعي التي نسبها إلى البيهقي ، ونص على حسن إسنادها ، لأن المشهور هو قصة عتبة بن ربيعة المذكورة في أسباب النزول ، وكذلك مجادلة نفر من صناديد قريش له بألفاظ مشابهة. "
ثم بدأت تذكر قصة عتبة بن ربيعة بإسهاب بجميع رواياتها وبلغ ما كتبته عن هذه القصة أكثر من تسع صفحات وكأن الحوار بيننا يدور حولها والخلاف فيها وحول سندها وصحته ، مع أنني لم استشهد بها مطلقاً . فما الداعي لكل هذا الحشو وكثرة الكلام في غير موضعه ؟
ولولا عدم رغبتي بأن ينحرف الحوار لشخصت - كطبيب مختص - حالتك هذه وفعلتك.
ثم بعد أن أنهيتَ قصة عتبة بن ربيعة قلتَ : " أما مجادلة الحصين الخزاعي ، والد عمران بن حصين ، رضي الله عنهما ، قلم أجد نص الأستاذ ضياء الدين القدسي بعد طول بحث ، ولكني وجدت التالي: "
وبدأت تذكر الروايات لقصة الحصين الخزاعي بإسهاب مُمِل للقارئ بلغ أكثر من عشرة صفحات . بعدها قلت : " هذا كله فيما يتعلق بالمثال الأول للأستاذ ضياء القدسي فيما يتعلق بالإسناد ولفظ الخبر ، ولم نجد اللفظ الذي ذكره منسوباً إلى البيهقي ، ولا الإسناد الذي حسنه ( هو ، أو البيهقي ، أو صاحب الكتاب الذي اقتبس كلام البيهقي ) ؛فهذا دليل أول على أن الأستاذ ضياء القدسي لم يطلب العلم كما ينبغي . "

أقول ( ضياء الدين ) : عندما استشهدتُ بقصة الحصين الخزاعي ذكرت في بدايتها أن القصة رواها البيهقي وغيره بسند حسن ولكن كلمة ( وغيره ) سقطت ، فالقصة
رواها البيهقي وغيره بسند حسن لهذا يصح الاستشهاد بها . وكون البيهقي لم يذكر تفاصيلها مع ذكره القصة وذكر غيره تفاصيلها لا يعني أن أصل القصة غير موجودة عنده .
وأنت نفسك ذكرت بعض الروايات للقصة بالتفصيل الذي ذكرته أنا ومن هذه الروايات :
أخرج الإمام بن خزيمة (وهو: أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري (المتوفى: 311هـ)] في كتاب التوحيد لابن خزيمة (1/277): [حَدَّثَنَا رَجَاءُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُذْرِيُّ، قَالَ: حدثنا عِمْرَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ طَلِيقِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ قُرَيْشًا جَاءَتْ إِلَى الْحُصَيْنِ، وَكَانَتْ تُعَظِّمُهُ،فَقَالُوا لَهُ: كَلِّمْ لَنَا هَذَا الرَّجُلَ، فَإِنَّهُ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا وَيَسِبُّهُمْ ، فَجَاءُوا مَعَهُ حَتَّى جَلَسُوا قَرِيبًا مِنْ بَابِ النَّبِيِّ ، صلى الله عليه وسلم ، وَدَخَلَ الْحُصَيْنُ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ»، وَعِمْرَانُ وَأَصْحَابُهُ مُتَوَافِدُونَ ، فَقَالَ حُصَيْنٌ : مَا هَذَا الَّذِي يَبْلُغْنَا عَنْكَ ، إِنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَتَذْكُرُهُمْ ، وَقَدْ كَانَ أَبُوكَ جَفْنَةً وَخُبْزاً فَقَالَ : « يَا حُصَيْنُ ، إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ ، يَا حُصَيْنُ ، كَمْ إِلَهًا تَعْبُدُ الْيَوْمَ ؟ » قَالَ : سَبْعَةً فِي الْأَرْضِ ، وَإِلَهًا فِي السَّمَاءِ ، قَالَ : « فَإِذَا أَصَابَكَ الضُّرُّ مَنْ تَدْعُو ؟ » قَالَ : الَّذِي فِي السَّمَاءِ ، قَالَ: فَإِذَا هَلَكَ الْمَالُ مَنْ تَدْعُو ؟ " قَالَ : الَّذِي فِي السَّمَاءِ ، قَالَ : « فَيَسْتَجِيبُ لَكَ وَحْدَهُ ، وَتُشْرِكُهُمْ مَعَهُ ؟» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَقَدْ أَمْلَيْتُهُ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ]
ــوهو في إثبات صفة العلو - ابن قدامة (ص:75/5): [أَخْبَرَنَا أَبُوالْفَتْحِ (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ) أَنْبَأَ (أَبُو الْفَضْلِ) أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خَيْرُونَ، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ، أَنْبَأ َأَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحْمُدِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ أَنْبَأَ أَبُو يَحْيَى عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ ( بْنِ زِيَادٍ ) الدير عاقولي حدثَنَا رَجَاءُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ، حدثَنَا عِمْرَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ طَلِيقٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ إِلَى الْحُصَيْنِ أبي عِمْرَانَ، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا،فَنَحْنُ نُحِبُّ أَنْ تُكَلِّمَهُ وَتَعِظَهُ، فَمَشَوْا مَعَهُ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ بَابِ النَّبِيِّ ، صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: فَجَلَسُوا وَدَخَلَ حُصَيْنٌ ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ ،فَأَوْسَعُوا لَهُ ، وَعِمْرَانُ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ ، صلى الله عليه وسلم ، مُتَوَافِرُونَ ، فَقَالَ حُصَيْنٌ : مَا هَذَا الَّذِي يَبْلُغُنَا عَنْكَ أَنَّكَ تَشْتِمُ آلِهَتَنَا وَتَذْكُرُهُمْ ، وَقَدْ كَانَ أَبُوكَ جَفْنَةً وَخُبْزًا . فَقَالَ: (إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ)، يَا حُصَيْنُ كَمْ إِلَهًا تَعْبُدُ الْيَوْمَ ؟ قَالَ : سَبْعَةً فِي الأَرْضِ وَإِلَهًا فِي السَّمَاءِ. قَالَ: فَإِذَا أَصَابَكَ الضِّيقُ فَمَنْ تَدْعُو؟ قَالَ : الَّذِي فِي السَّمَاء ِ، قَالَ: فَإِذَا هَلَكَ الْمَالُ فَمَنْ تَدْعُو ؟ قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ . قَالَ: فَيَسْتَجِيبُ لَكَ وَحْدَهُ وَتُشْرِكُهُمْ مَعَهُ؟! قَالَ: أَمَا (رَضِيتَهُ) أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ، أَوَ تَخَافُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَيْكَ ؟ قَالَ: لَا وَاحِدَةً مِنْ هَاتَيْنِ ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَمْ أُكَلِّمْ مِثْلَهُ.. "

وأخرجه الإمام الذهبي في العلو للعلي الغفار (ص:24/43): [أَخْبَرَنَا الْقَاضِي تَاج الدّين بن عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَبْدِ السَّلام ِببعلبك أخبرنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ سنة إِحْدَى عشر وسِتمِائَة أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْحَاجِبُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ الْقَطَّانُ حَدثنَا عبد الْكَرِيم الديرعاقولي حَدثنَا رَجَاء بن مرجا الْبَصْرِيّ حَدثنَا عِمْرَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ طُلَيْقٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ إِلَى حُصَيْنٍ وَالِدِ عِمْرَانَ فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا فَنُحِبُّ أَنْ تُكَلِّمَهُ وَتَعِظَهُ فَمَشَوْا مَعَهُ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ بَابِ النَّبِيِّ ، صلى الله عليه وسلم، فَجَلَسُوا وَدَخَلَ حُصَيْنٌ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ ؛ فَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي يبلغنَا عَنْكَ إِنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَتَذْكُرُهُمْ وَقَدْكَانَ أَبُوكَ جَفْنَةً وَخُبْزًا ؛ فَقَالَ إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ إِلَهًا الْيَوْمَ قَالَ سَبْعَةً فِي الأَرْضِ وَإِلَهًا فِي السَّمَاءِ ؛ قَالَ فَإِذَا أَصَابَكَ الضِّيقُ فَمَنْ تَدْعُو قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ ؛ قَالَ فَإِذَا هَلَكَ الْمَالُ فَمَنْ تَدْعُو قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ؛ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ "
أقول ( ضياء الدين ) : فالرواية التي ذكرتها لك جمعت في طياتها أكثر من رواية ، المهم أن القصة موجودة وسندها حسن بمجموع رواياتها ويصح الاستشهاد بها وهي دليل عليك لا لك . فهذه الروايات تُثبت أن طريقة طرح السؤال في الحوار طريقة شرعية فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي كافية لوحدها لإثبات بطلان قولك وشروطك للمناظرة وما اعترضت عليه من طرحي للأسئلة عليك . وهذا الإثبات لا يلغيه كون الرواية لم تذكر عند البيهقي بهذا التفصيل ، المهم أن أصل القصة موجود عند البيهقي والمتن الذي ذكر موجود في رواياتها المتعددة في المصادر الأخرى لهذا وجه الإستدلال بها صحيح وهذا ما يهمنا هنا الآن .
أما ما ذكر عند البيهقي فهو كما يلي :
جاء في الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 329) :

وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ ، ثنا سَهْلٌ ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي حُصَيْنٍ: «كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ مِنْ إِلَهٍ ؟ » قَالَ : سَبْعَةً : سِتَّةٌ فِي الْأَرْضِ ، وَوَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ. قَالَ : فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَهْبَتِكَ وَلِرَغْبَتِكَ ؟ قَالَ : الَّذِي فِي السَّمَاءِ. قَالَ : أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ. قَالَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَلِّمْنِي الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِيهِمَا. قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلِ
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « قُلِ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَعَافِنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي» ." اهـ


قولك : " وحتى لو سلمنا باللفظ ، كما ذكره ، وبصحة الخبر ، كما زعمه ، فهو حجة عليه لا له ؛ لأن الخبر ، والأخبار الأخرى المشابهة ، هي قصص جدال ولجاجة قوم معاندين ، وليس هو مناظرة بأصولها المعلومة. "


أقول ( ضياء الدين ) : لا أدري بأي فهم أصبح المتن حجة علي لا لي ؟!
فالمتن قد ثبت بأكثر من رواية ويفيد أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد استعمل أسلوب طرح الأسئلة على المخالف لبيان تناقضه وبطلال اعتقاده . فكيف يقال عن هذا الأسلوب بأنه مخالف لقواعد المناظرة الصحيحة ؟!
والقصة التي استشهدتُ بها على بطلان شروطك للحوار هي قصة حصين بن عمران وليس قصة عتبة بن ربيعة التي حشوتَها في الحوار وأسهبْتَ في ذكر رواياتها بأكثر من عشرة صفحات . فقصة حصين بن عمران ليس فيها جدال ولجاج قوم معاندين ، بل قد أسلم في نهايتها حصين بن عمران بعد أن تبين له سفاهة عقله وتناقضه وبطلان معتقدة عندما عجز عن الجواب عمَّا طرح عليه من أسئلة .
وحتى قصة عتبة بن ربيعة التي حشوتها في الحوار ليست دليلاً لك كما تقول بل هي دليل لي . فهل كون القصة تدل على جدال ولجاج قوم معاندين يلغي استعمال الرسول صلى الله عليه وسلم معهم أسلوب السؤال لبيان تناقضهم في ما يعتقدونه ؟!
ألم يثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقضهم وباطلهم بطريقة طرح السؤال عليهم ؟!
لا شك أن الجواب سيكون - ممن يفهم القصة - نعم . وبهذا يصح الاستشهاد بها أيضاً على بطلان شروط المناظرة التي وضعتها .

قولك : ولعلك تتأمل كلام ابن كثير: وَهَذَا الْمَجْلِسُ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمَلَأُ مَجْلِسُ ظُلْمٍ وَعُدْوَانٍ وعناد ، وَلِهَذَا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ وَالرَّحْمَةُ الرَّبَّانِيَّةُ أَلَّا يُجَابُوا إِلَى مَا سَأَلُوا ، لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ فَيُعَاجِلُهُمْ بِالْعَذَابِ (.

أقول ( ضياء الدين ) : أنا استشهدتُ بحوار رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الحصين ، والمتن الذي استشهدتُ به وأنت قد أثبته في أكثر من رواية ثبت فيه أن الرسول عليه الصلاة والسلام استقبل الحصين استقبالاً جيداً وأكرمه بأمر الصحابة بتوسيع المكان له بقوله صلى الله عليه وسلم : " « أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ » "
فليس هو مجلس ظلم وعدوان وعناد كما تقول ، بل الحصين جاء لعند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقنعه بترك ما هو عليه من سب آلهة قريش وتضليل آبائهم .
فاستعمل معه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلوب طرح الأسئلة عليه ليثبت له تناقضه في ما يعتقد ، فكانت النتيجة أن بان للحصين تناقضه وفساد معتقده ، فأسلم وترك معتقده الباطل . ولو أجبتني على أسئلتي التي سألتك إياها لبان مدى تناقضك فيما كتبته في كتابك ولكنك أحجمت عن الإجابة بحجة مخالفتها لشروط المناظرة التي وضعتها بدون أدنا دليل عليها .
فابن كثير لم يصف مجلس الحصين الذي استشهدتُ به على بطلان شروطك للمناظرة بأنه " مَجْلِسُ ظُلْمٍ وَعُدْوَانٍ وعناد " بل المجلس الذي وصفه ابن كثير بأنه " مَجْلِسُ ظُلْمٍ وَعُدْوَانٍ وعناد " هو المجلس الذي طلب فيه المشركون من رسول الله صلى الله عليه وسلم مطالب تعجيزية علم الله أنه لو أجابهم ما آمنوا ولاستحقوا العذاب بعد ذلك مباشرة ، لهذا لم يجبهم رحمة بهم . لهذا قال ابن كثير : " وَلِهَذَا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُالْإِلَهِيَّةُ وَالرَّحْمَةُ الرَّبَّانِيَّةُ أَلَّا يُجَابُوا إِلَى مَاسَأَلُوا ، لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِذَلِكَفَيُعَاجِلُهُمْ بِالْعَذَابِ "
فلا تخلط بين المسائل هداك الله .


قولك : " فالأستاذ ضياء القدسي لا يميز بين اللجاج والمجادلة من جانب والمناظرة من جانب آخر . فهذا دليل ثاني على أن الأستاذ ضياء القدسي لم يطلب العلم كما ينبغي" .


أقول ( ضياء الدين ) : ما هو دليلك على أنني لا أميز بين اللجاج والمناظرة ؟ أم هي عادتك بالاتهام بدون أدنى دليل ؟
وما علاقة اللجاج والمجادلة في ما سألتك به ؟
هل استفساري منك عن بعض ما جاء في كتابك قبل أن أجيبك لجاج ومجادلة ؟! سبحانك ربي !
على كلٍ سوف لا أنساق مع هذه الترهات والكلام العاري عن الأدلة وسوف لا أنزل لمثل هذا المستوى .


قولك : ومن حقنا نطبق المثال الأول كما ذكره بحذافيره ، على حالنا فنقول : نحن لم نأت إليك ، بل أنت الذيإلينا جئت مجادلاً فحالك كحال حصين الخزاعي ، فمن حقنا أن نلوذ بالصمت ، كما فعل سيديأبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العدناني ، رسول الله ،وخاتم النبيين ، حتى تفرغ من كلامك وجدالك ولجاجك ، ثم نقول : إقرأ كتابنا (كتاب التوحيد) قراءة هضم واستيعاب ونقد ؛ فإن فعلت : أفدناك ، بإذن الله ، فوائد أخرى تنفعفي الدنيا والآخرة. فهذا دليل ثالث على أن الأستاذ ضياءالقدسي لم يطلب العلم كما ينبغي.


أقول ( ضياء الدين ) : الظاهر أنك نسيت المثال الأول الذي استشهدتُ به على فساد شروطك للمناظرة وما زلتَ على ضلالك بأن كلام ابن كثير فيه ، ولقد بينت لك عمن تحدث ابن كثير رحمه الله ولماذا تحدث فانتبه هداك الله .
أما أن تطبق كلام ابن كثير على نفسك وتشبه وضعك بوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجعلني مثل صناديد قريش فهذا والله من العجب العجاب .
فهل أنا سألتكَ أسئلة تعجيزية اقتضت الحكمة الإلهية والرحمة الربانية أن لا تجبني لما طلبته منك لأن الله علم وأخبرك أنك إن أجبتني عليها لم أقبلها لهذا سوف يعاجلني الله بالعذاب ؟
يا رجل ما هذا الوضع الذي وضعت نفسك فيه ؟ ألا تتق الله وتدعو بالدعاء الذي علمه رسول الله للحصين بعدما أسلم فتقول : " اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَعَافِنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي "
يا رجل أسئلتي لك كانت استفساراً عمَّا جاء في كتابك فكيف تُشبه أسئلتي بما طلبه صناديد قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
ثم تقول بعدها متفاخراً لتُفرح أتباعك : " فهذا دليل ثالث على أن الأستاذ ضياءالقدسي لم يطلب العلم كما ينبغي.
سبحانك ربي !!
يا رجل ، القصة التي استشهدتُ بها على بطلان شروطك كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يسأل والمشرك هو من كان يجيب ، فلا سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا امتنع المشرك عن الإجابة . وكانت نتيجة هذه الأسئلة أن عرف المسئول بطلان عقيدته وتناقضه فدخل الإسلام .
ثم هل حدث في تاريخ دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أن سأله أحد عن معنى شيء في القرآن الكريم ولم يجبه ؟! أو سأله عن معنى كلام له قاله وامتنع عن الإجابة ؟
كل أسئلتي لك كانت لاستيضاح كلامك في كتابك فكيف تسمي هذا جدالاً ولجاحاً لا يستحق الجواب عليه ؟!
أما قولك : " ثم نقول : إقرأ كتابنا (كتاب التوحيد) قراءة هضم واستيعاب ونقد "
فأقول لك : اعلم أنني قرأت كتابك أكثر من مرة قراءة هضم واستيعاب ونقد ، فوجدت فيه الشرك الصريح والضلال المبين والتناقض العجيب ، وسوف يأتيك بيان ذلك مفصلاً بعون الله ، فلا تَحْرف مسار الحوار وتُشتت القارئ وتُسئمه بالتكثير من النقولات التي ليست لها علاقة بموضوع الحوار لتظهر للقارئ أنك مُطلع ، مع أن ما تفعله هو بحث ثم قص ولصق لا يعجز عنه أحد . فأنصحك أن تركز في نقدني لكتابك وتترك الكِبْر والتعالي والإعجاب بالنفس وتبتعد عن أسلوب التجهيل والتصغير في محاورك والطعن في علمه ، فهذا الأسلوب لا يعجز عنه أحد بدون دليل .


قولك : أما المثال الثاني : فقد اقتبسه من مصدر ثانوي ، كعادته ، من غير ذكر المصدر ، وهو مع ذلك ناقص . ولو أنه رجع إلى المكتبة الإلكترونية الشاملة لما احتاج إلا إلى بضع دقائق للقص واللزق ، وسويعات لمراجعة أقوال الأئمة في إسناد القصة وثبوتها . فهذا دليل رابع على أن الأستاذ ضياء القدسي لم يطلب العلم كما ينبغي.


أقول ( ضياء الدين ) : مصدر الرواية تم ذكره وهو " تاريخ بغداد "للخطـيب البغدادي وهذا يكفي في مثل هذا الحوار . وقد قال عنها الإمام الذهبي [هَذِهِ قِصَّةٌ مَلِيْحَةٌ ، وَإِنْ كَانَ فِي طَرِيْقِهَا مَنْ يُجهَلُ ، وَلَهَا شَاهدٌ ] . فهي قصة مَلِيْحَةٌ لها شاهد قد ذكره الإمام الذهبي ، فهي إذن تصلح للاستئناس بها حتى ولو كان في طريقها من يُجهل لأن لها شاهد . ولم يكن دليلي على بطلان شروطك هذه القصة فقط . ولا أريد أن أتكلم في هذا أكثر من ذلك حتى لا ننحرف عن موضوع الحوار ، فقد تجاوزت هذه المسألة .

يتبع إن شاء الله
[/align]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 07-25-2012, 02:33 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

[align=justify]
تكملة 1 الرد على الرد الثاني للمسعري
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

قولك : ثم أضاف الأستاذ ضياء القدسي بحثاً عن ( التبني ) ، صال فيه وجال ، مسيئاً لفهم كلامنا كعادته. يقول الأستاذ ضياء القدسي: [ لا يمكن أن يفهم من كلام الأستاذ المسعري أن الذي يكفر بعد نزول القرآن هو الذي يعتقد « التبني » بمعنى « الاصطفاء » لأن من يعتقد أن الله اصطفى عيسى عليه السلام وجميع الأنبياء لا يكفر حتى بعد نزول القرآن. ولا يوجد في القرآن الكريم آية تمنع استعمال كلمة ابن بمعنى الاصطفاء حتى نحكم على من ينكرها بالكفر ؟؟!
بل جاء في القرآن الكريم أن اليهود والنصارى ادعوا أنهم أبناء الله ، قال تعالى عنهم : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}، (المائدة: 18). أقول: لا يفهم من إدعائهم أنهم أبناء الله ، أنهم أبناؤه على الحقيقة ، لأنه لا أحد من اليهود والنصارى يعتقد ذلك ،ولكنهم قصدوا [أصفياؤه]، لهذا لم يُكذَّبوا على أنهم ادعوا البنوة الحقيقية لله ولم يكفروا لهذا القول ، لأنهم لم يكونوا يدعون أنهم أبناء الله على الحقيقة. وإنما كُذبوا على أنهم أصفياء الله وأحباؤه ، بقوله تعالى : {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم ْبِذُنُوبِكُمْ }، فالحبيب لا يعذب حبيبه ولا صفيه] انتهى كلام الأستاذ ضياء القدسي.
قلت: بل توجد آيات مكية كثيرة تنكر على من نسب إلى الله الولد ، وعلى الذين خرقوا له بنين وبنات بغير علم ،... إلخ.

أقول ( ضياء الدين ) : بداية أين أسأت فهم كلامك حتى تقول : " مسيئاً لفهم كلامنا كعادته " ؟
ثم أين هذه الآيات المكية التي تُنكر على من نسب إلى الله الولد بمعنى الاصطفاء وتُكَفِّر من نسب ذلك لله ؟
أتحداك أن تأتي بآية واحدة تُنكر على من استعمل كلمة ابن لله بمعنى الاصطفاء بحق عيسى عليه السلام وتكفره على ذلك .
تقول : بل توجد آيات مكية كثيرة تنكر على من نسب إلى الله الولد ، وعلى الذين خرقوا له بنين وبنات بغير علم ،... إلخ.
ولا تأتي بمثال واحد ، بينما نراك تسهب وتطيل وتملأ الصفحات الطوال في ذكر الروايات عن قصة عتبة بن ربيعة وقصة حصين بن عمران الخزاعي من غير حاجة لذلك سوى عرض العضلات .
يا رجل يا من طلبت العلم كما ينبغي ، اعلم أن جميع الآيات التي تُنكر نسبة الابن إلى الله تُنكر النسبة الحقيقية وليس بمعنى الاصطفاء . وإليك بعضها :
قوله تعالى فيمن خرقوا له بنين وبنات بغير علم والتي ذكرتها أنت كمثال على نسبة الولد بمعنى الاصطفاء وهي ليست كذلك : " وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ . بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ . (الأنعام : 100-101)
نسبة البنين والبنات هنا لله نسبة بنوة حقيقية وليست بمعنى الاصطفاء كما تعتقد . والآية التي جاءت بعدها لأكبر دليل على ذلك فقد قال الله سبحانه بعدها : " بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ."
فلا يقول بأن المقصود هنا في الآية بنوة الاصطفاء إلا جاهل متعالم لا يفهم أبسط كلام الله .
جاء في تفسير ابن كثير لهذه الآية :
" وقوله تعالى: {وخرقوا له بنين وبنات بغير علم} ينبه به تعالى عن ضلال من ضل , في وصفه تعالى بأن له ولداً كما يزعم من قاله من اليهود في عزير , ومن قال من النصارى في عيسى , ومن قال من مشركي العرب في الملائكة , إنها بنات الله تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً ومعنى وخرقوا أي اختلقوا وائتفكوا وتخرصوا وكذبوا , كما قاله علماء السلف: قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: وخرقوا يعني تخرصوا, وقال العوفي عنه {وخرقوا له بنين وبنات بغير علم} قال كذبوا وكذا قال الحسن, وقال الضحاك , وضعوا, وقال السدي قطعوا , قال ابن جرير: وتأويله إذاً وجعلوا لله الجن شركاء في عبادتهم إياهم , وهو المنفرد بخلقهم بغير شريك ولا معين ولا ظهير , {وخرقوا له بنين وبنات بغير علم} بحقيقة ما يقولون , ولكن جهلاً بالله وبعظمته, فإنه لا ينبغي لمن كان إلهاً, أن يكون له بنون وبنات, ولا صاحبة , ولا أن يشركه في خلقه شريك, ولهذا قال {سبحانه وتعالى عما يصفون} أي تقدس وتنزه وتعاظم , عما يصفه هؤلاء الجهلة الضالون, من الأولاد والأنداد والنظراء والشركاء." أهـ
وقال تعالى : " وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا . لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا . تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا . أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا . وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا . إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا " (مريم 88-93)
أيضا هنا المقصود هو اتخاذ البنوة الحقيقية وليس البنوة بمعنى الاصطفاء .
وقال تعالى : " أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا " (الإسراء : 40)
أيضا المقصود هنا من إتخاذ الملائكة إناثاً البنوة الحقيقية وليس البنوة بمعنى الاصطفاء .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية :
" ( أَفَأَصْفَاكُمْ رَبّكُم بِالْبَنِينَ وَاتّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثاً إِنّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً )
يقول تعالى راداً على المشركين الكاذبين الزاعمين, عليهم لعائن الله : أن الملائكة بنات الله, فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً, ثم ادعوا أنهم بنات الله , ثم عبدوهم فأخطئوا في كل من المقامات الثلاث خطأ عظيماً, فقال تعالى منكراً عليهم { أفأصفاكم ربكم بالبنين} أي خصصكم بالذكور {واتخذ من الملائكة إناثاً} أي واختار لنفسه على زعمكم البنات, ثم شدد الإنكار عليهم فقال : {إنكم لتقولون قولاً عظيماً} أي في زعمكم أن لله ولداً, ثم جعلكم ولده الإناث التي تأنفون أن يكن لكم وربما قتلتموهن بالوأد, فتلك إداً قسمة ضيزى , وقال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً * لقد جئتم شيئاً إدّاً * تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً * أن دعوا للرحمن ولداً * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً * إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً, لقد أحصاهم وعدهم عداً * وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً}. " اهـ

قولك : والتبني نوع مخصوص من الاصطفاء ، وليس هو عين الاصطفاء ، وكان المتبنى يحمل اسم متبنيه ، وينتسب إليه، ويتوارثان، كابن الصلب تماماً، حتى نسخ هذا في السنة الخامسة للهجرة ، أو بعدها بنزول الآيات الشهيرة في سورة الأحزاب.
ومن أوضح ذلك قوله ، جل جلاله ، وسما مقامه : {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ * وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، (التوبة؛ 9: 29 - 31). فأنكر عليهم ذات التسمية : ( ابن الله)، وجعلها مضاهاة لقول الكفار السابقين ، فهي من أقوال الكفار ، ومن جرأتهم وقلة أدبهم الخبيثة في الكلام عن الله ، وأن كل ذك إفك وافتراء ، لذلك قال: ( قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}، ولم يزد ، ولم يذكر شركاً أو كفراً ؛ ثم شدَّد النكير ، وصعَّد التصنيف، فعقب بما هو كفر وشرك متيقن ، ألا وهو اتخاذ الأحبار والرهبان والمسيح بن مريم (أرباباً) من دون الله ، وحتى لا تبقى شبه في معنى الربوبية ها هنا، وأنها متلازمة مع الألوهية ، قال: {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّلِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، وفي هذا أيضاً بيان جلي أنهم خالفوا ما أمروا به من التوحيد .
ولعلنا نلاحظ أنه ، جل جلاله ، وسما مقامه ، لم يكرر ذكر عزير ، كما فعل بالنسبة للمسيح بن مريم ، صلوات الله وسلامه وتبريكاته عليه وعلى والدته ، مما يشعر بأن مقولة اليهود: (عزير ابن الله)، وإن تطابقت في اللفظ مع مقولة النصارى ، إلا أنها لا تعبر عن نفس المعتقد: فمقولة اليهود : إفك وافتراء ، ومضاهاة لقول الكفار السابقين ، فقط والله أعلم ، أما مقولة النصارى فهي كذلك ، وزيادة : تعبر عن اعتقاد معين جعل المسيح بن مريم إلاهاً ورباً من دون الله.

أقول ( ضياء الدين ) : إن كان وصف البنوة لعزير بمعنى الاصطفاء كما تعتقد فلماذا ينكرها الله عليهم ويعدها أفك ؟ وعزير أقل أحواله أنه رجل صالح اصطفاه الله بالرعاية الخاصة .
يا رجل يا من تدعي أنك طلبت العلم كما ينبغي ، اعلم أن المقصود بقوله تعالى : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُعُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ ) البنوة الحقيقية وعليه إجماع المفسرين قاطبة ، لأن هذا ما يفهمه كل من يعرف العربية ويعرف كيف يفهم الكلام ، ولم يقل بمثل قولك أحد من علماء المسلمين ومفسريهم ، إلا أن تدعي أنه قد نزل عليك وحي من السماء أخبرك بذلك عندما استخرت الله .
اعلم أنه كان هناك من اليهود مَن كان يعتقد بالبنوة الحقيقة لعزير كما يعتقدها النصارى في المسيح وهم من وصفوا في هذه الآية . لهذا وصفها الله في محكم كتابه بأنها أفك وضلال ولعنهم على هذا القول والاعتقاد حيث قال عز من قائل : " قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ " .
جاء في تفسير الطبري :
" اختلف أهل التأويل في القائل: عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ فقال بعضهم: كان ذلك رجلاً واحدا, هو فنحاص. ذكر من قال ذلك:
12986ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير, قوله: وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ, قال: قالها رجل واحد, قالوا: إن اسمه فنحاص, وقالوا: هو الذي قال: إنّ اللّهَ فَقِيرٌ ونَحنُ أغْنِياءُ.
وقال آخرون: بل كان ذلك قول جماعة منهم. ذكر من قال ذلك:
12987ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: حدثنا محمد بن إسحاق, قال: ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت, قال: ثني سعيد بن جبير أو عكرمة, عن ابن عباس, قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلامُ بن مشكم, ونعمان بن أوفى, وشاس بن قيس, ومالك بن الصيف, فقالوا: كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا, وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله ؟ فأنزل في ذلك من قولهم: وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقالَتِ النّصَارَى المَسِيحُ ابْنُ اللّهِ... إلى: أنّى يُؤْفَكُونَ.
12988ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وإنما قالوا: هو ابن الله من أجل أن عزيرا كان في أهل الكتاب وكانت التوراة عندهم يعملون بها ما شاء الله أن يعملوا, ثم أضاعوها وعملوا بغير الحقّ. وكان التابوت فيهم فلما رأى الله أنهم قد أضاعوا التوراة وعملوا بالأهواء, رفع الله عنهم التابوت, وأنساهم التوراة ونسخها من صدورهم, وأرسل الله عليهم مرضا, فاستطلقت بطونهم, حتى جعل الرجل يمشي كَبِدُه, حتى نسوا التوراة, ونسخت من صدورهم, وفيهم عزير. فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا بعد ما نسخت التوراة من صدورهم, وكان عزير قبل من علمائهم, فدعا عزير الله وابتهل إليه أن يردّ إليه الذي نسخ من صدره من التوراة. فبينما هو يصلي مبتهلاً إلى الله, نزل نور من الله فدخل جوفه, فعاد إليه الذي كان ذهب من جوفه من التوراة, فأذن في قومه فقال: يا قوم قد آتاني الله التوراة, وردّها إليّ فعلق يعلمهم, فمكثوا ما شاء الله وهو يعلمهم. ثم إن التابوت نزل بعد ذلك, وبعد ذهابه منهم فلما رأوا التابوت عرضوا ما كان فيه على الذي كان عزير يعلمهم, فوجدوه مثله, فقالوا: والله ما أوتي عزير هذا إلا أنه ابن الله.
12989ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ إنما قالت ذلك, لأنهم ظهرت عليهم العمالقة فقتلوهم, وأخذوا التوراة, وذهب علماؤهم الذين بقوا فدفنوا كتب التوراة في الجبال. وكان عزير غلاما يتعبد في رءوس الجبال لا ينزل إلا يوم عيد, فجعل الغلام يبكي ويقول: ربّ تركت بني إسرائيل بغير عالم فلم يزل يبكي حتى سقطت أشفار عينيه. فنزل مرّة إلى العيد فلما رجع إذا هو بامرأة قد مثلت له عند قبر من تلك القبور تبكي وتقول: يا مطعماه, ويا كاسياه فقال لها: ويحك, من كان يطعمك ويكسوك ويسقيك وينفعك قبل هذا الرجل؟ قالت: الله. قال: فإن الله حيّ لم يمت. قالت: يا عزير, فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل؟ قال: الله. قالت: فلم تبكي عليهم؟ فلما عرف أنه قد خُصِم ولى مدبرا, فدعته فقالت: يا عزير إذا أصبحت غدا فأت نهر كذا وكذا فاغتسل فيه, ثم اخرج فصلّ ركعتين, فإنه يأتيك شيخ فما أعطاك فخذه فلما أصبح, انطلق عزير إلى ذلك النهر, فاغتسل فيه, ثم خرج فصلى ركعتين, فجاءه الشيخ فقال: افتح فمك ففتح فمه, فألقى فيه شيئا كهيئة الجمرة العظيمة مجتمعا كهيئة القوارير ثلاث مرار. فرجع عزير وهو من أعلم الناس بالتوراة, فقال: يا بني إسرائيل, إني قد جئتكم بالتوراة. فقالوا يا عزير ما كنت كذّابا. فعمد فربط على كلّ أصبع له قلما, وكتب بأصابعه كلها, فكتب التوراة كلها. فلما رجع العلماء أخبروا بشأن عزير, فاستخرج أولئك العلماء كتبهم التي كانوا دفنوها من التوراة في الجبال, وكانت في خوابٍ مدفونة, فعارضوها بتوراة عزير فوجدوها مثلها, فقالوا: ما أعطاك الله هذا إلا أنك ابنه." اهـ
وجاء في تفسير القرطبي :
" قوله تعالى: "وقالت اليهود" هذا لفظ خرج على العموم ومعناه الخصوص ، لأن ليس كل اليهود قالوا ذلك. وهذا مثل قوله تعالى : " الذين قال لهم الناس" [آل عمران:173] ولم يقل ذلك كل الناس . وقيل: إن قائل ما حكى عن اليهود سلام بن مشكم ونعمان بن أبي أوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف، قالوه للنبي صلى الله عليه وسلم. قال النقاش: لم يبق يهودي يقولها بل انقرضوا فإذا قالها واحد فيتوجه أن تلزم الجماعة شنعة المقالة، لأجل نباهة القائل فيهم. وأقوال النبهاء أبدا مشهورة في الناس يحتج بها. فمن ههنا صح أن تقول الجماعة قول نبيهها. والله أعلم. وقد روي أن سبب ذلك القول أن اليهود قتلوا الأنبياء بعد موسى عليه السلام فرفع الله عنهم التوراة ومحاها من قلوبهم ، فخرج عزير يسيح في الأرض ، فأتاه جبريل فقال: (أين تذهب ) ؟ قال : أطلب العلم ، فعلمه التوراة كلها فجاء عزير بالتوراة إلى بني إسرائيل فعلمهم. وقيل : بل حفظها الله عزيرا كرامة منه له، فقال لبني إسرائيل: إن الله قد حفظني التوراة ، فجعلوا يدرسونها من عنده. وكانت التوراة مدفونة، كان دفنها علماؤهم حين أصابهم من الفتن والجلاء والمرض ما أصاب وقتل بختنصر إياهم. ثم إن التوراة المدفونة وجدت فإذا هي متساوية لما كان عزير يدرس فضلوا عند ذلك وقالوا: إن هذا لم يتهيأ لعزير إلا وهو ابن الله حكاه الطبري. وظاهر قول النصارى أن المسيح ابن الله، إنما أرادوا بنوة النسل كما قالت العرب في الملائكة. وكذلك يقتضي قول الضحاك والطبري وغيرهما. وهذا أشنع الكفر. قال أبو المعالي: أطبقت النصارى على أن المسيح إله وإنه ابن إله. قال ابن عطية: ويقال إن بعضهم يعتقدها بنوة حنو ورحمة. وهذا المعنى أيضا لا يحل أن تطلق البنوة عليه وهو كفر." أهـ
وجاء في تفسير ابن كثير :
" فأما اليهود فقالوا في العزير: إنه ابن الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .. "
ولولا خشية الإطالة لأتيتك بكلام كل المفسرين قاطبة مثبتاً لك أن المقصود من قوله تعالى ( وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ ) البنوة الحقيقية وليس كما فهمتها أنت بمعنى الاصطفاء .ولكن في نقلته كفاية لم أراد الحق .

قولك : وجعلها مضاهاة لقول الكفار السابقين ، فهي من أقوال الكفار ، ومن جرأتهم وقلة أدبهم الخبيثة في الكلام عن الله ، وأن كل ذك إفك وافتراء، لذلك قال: ( قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}، ولم يزد ، ولم يذكر شركاً أو كفراً .

أقول ( ضياء الدين ) : (يُضَاهِئُونَ ) يعني يشابهون يوافقون يواطئون . والمشابهة والموافقة بالشرك والكفر شرك وكفر .
جاء في تفسير البغوي لمعنى يضاهئون :
" يضاهئون "، قرأ عاصم بكسر الهاء مهموزا، والآخرون بضم الهاء غير مهموز، وهما لغتان يقال: ضاهيتة وضاهأته ، ومعناهما واحد. قال ابن عباس رضي الله عنه: يشابهون. والمضاهاة المشابهة. وقال مجاهد: يواطؤون. وقال الحسن : يوافقون ،"قول الذين كفروا من قبل " ، قال قتادة والسدي: ضاهت النصارى قول اليهود من قبل، فقالوا: المسيح ابن الله ، كما قالت اليهود عزير ابن الله ، وقال مجاهد : يضاهؤن قول المشركين من قبل الذين كانوا يقولون اللات والعزى ومناة بنات الله . وقال الحسن: شبه كفرهم بكفر الذين مضوا من الأمم الكافرة كما قال في مشركي العرب : "كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم " ( البقرة-188)." اهـ
وبهذا يظهر خطأ قولك : " مما يشعر بأن مقولة اليهود : ( عزير ابن الله ) ، وإن تطابقت في اللفظ مع مقولة النصارى ، إلا أنها لا تعبر عن نفس المعتقد "

قولك : فلعلنا إذاً نستخير الله ونقول:
أولاً: أن معتقد اليهود ، أو بعض فرق اليهود ، في عزير إنما هو بنوة (التبني) فقط ، وليس بنوة (الصلب) أي الانتماء إلى (العنصر، أو الجوهر أو النسب الإلاهي)؛

أقول ( ضياء الدين ) : هذا الكلام خطأ فاحش لا دليل عليه بل كل الأدلة تخالفه ولا يُفهم من لفظ الآية البتة . إلا أن تقول أنك عندما استخرت الله نزل عليك الوحي وأخبرك بذلك .

قولك : ثانياً: أن القول ببنوة (التبني) إنما هو بدعة ابتدعوها، مضاهاة لقول الكفار السابقين ، وما أمروا بها قط ؛ كما أنه ليس في نص القرآن ما يشعر بأنهم أمروا بتركها قبل نزول القرآن ؛

أقول ( ضياء الدين ) : كيف تصفها بأنها بدعة مخالفة لشريعتهم وتقول أنهم لم يؤمروا بتركها ؟
أم أنك تقول هي فقط بدعة مخالفة لشريعتنا وليس مخالفة لشريعتهم ؟
فإن لم يؤمروا بتركها قبل نزول القرآن فهذا يعني أنها لا تخالف شريعتهم . فكيف يحاسبون على ذلك ويُلْعنون ويوصفون بمجانبة الحق والافتراء على الله ومشابهة الكفار ؟
كيف يقال في حقهم مع عدم مخالفتهم لشرعهم : " قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ " ؟؟!

قولك : ثالثاً: أن القول ببنوة ( التبني ) ، وإن كان مضاهاة لقول الكفار السابقين، قبل نزول القرآن ، ليس من أقوال الكفر ، وإن كان في أصله ومنشئه من أقوال الكفار ، فليست كل أقوال الكفار كفراً (ولا العكس : فليس كل من قال بمقولة كفر أصبح بعينه كافراً!).

أقول ( ضياء الدين ) : إن لم تكن من أقوال الكفر ولم ينهوا عنها فلماذا يقال عنهم : " قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} ؟
وأنت نفسك قلت : " ومن جرأتهم وقلة أدبهم الخبيثة في الكلام عن الله ، وأن كل ذك إفك وافتراء "
أقول ( ضياء الدين ) : مع أنك هنا وصفت فعلهم بأنه افتراء وكذب على الله ، تقول أن فعلهم ليس بكفر . يعني أن الكذب والافتراء على الله ليس كفراً في عقيدتك .
اسمع ما قاله الإمام حسن رحمه الله : " وقال الحسن : شبه كفرهم بكفر الذين مضوا من الأمم الكافرة كما قال في مشركي العرب : " كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم " ( البقرة-188)." ( تفسير البغوي )
وليكن في علمك يا من تدعي أنك طلبت العلم كما ينبغي ، أن كل مقالة " كفر " محرمة في كل شرائع الأنبياء بغض النظر عن تكفير قائلها المعين أو عدم تكفيره . فتكفير المعين في المسائل التي لا تعلم إلا بالوحي تحتاج لإقامة الحجة عليه ولكن لا يمنع هذا أن يوصف الكلام الكفر بأنه كفر .

قولك : أما بعد نزول القرآن ، لما سبق ذكره ، ولقوله ، تباركت أسماؤه: ( لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (( الزمر ؛ 39: 4)
وقد قلنا في كتاب التوحيد بعد هذه الآية مباشرة ما نصه : [ فهذا تقدير امتناع لامتناع من أوضح ما يكون: فلو فرض المحال ، جدلاً ، أن الله يشتهي الولد ، ويريد أن يتخذ ولداً ، تعالى وتقدس عن تلك الشهوات والإرادات ، لما كان في الإمكان أكثر من أن «التبني »، أي أن « يصطفي » من مخلوقاته ما يشاء اصطفاءً خاصاً ، فقط لا غير . أما ولد للصلب فمحال ، وأما تبني كائنا إلاهيا آخر فيصبح ولداً متبنىً فمحال أيضاً ، إذا ما ثم إلا كائن إلاهي واحد ، فقط لا غير ، من غير زيادة ولا نقصان ، هو الله العزيز الحكيم. وهذا هو قولنا الذي سلف ، حرفاً بحرف ، فالحمد لله الذي أنزل الذكر، قرآناً وسنة ، شفاءً لما في الصدور ، وهدىً ورحمة لقوم يوقنون .
وهذا الهدى والنور الذي أنزله الله على خاتمة أنبياء الله ، محمد بن عبد الله ، عليه وعلى آله صلوات وتسليمات وتبريكات من الله ، يبين أيضاً أن الله ، جل جلاله ، لا يشتهي الولد أصلاً ، ولا يريده ، ومن ثم فهو لا « يتبنى » مطلقاً ، قلا يجوز أن يوصف إنسان من البشر في الأرض ، أو ملك من ملائكة السماء ، أو أي مخلوق آخر ، بأنه « ابن» الله ، أو « بنت » الله . لذلك فإن القول بأن المسيح عيسى بن مريم ، صلوات الله وسلامه وتبريكاته عليه وعلى والدته ، ابن الله، حتى بمعنى « التبني » هذا ، باطل ، ومن قال به بعد نزول القرآن فهو كافر لأنه مكذب لله تعالى]، انتهى النص المنقول.

أقول ( ضياء الدين ) : هذا فهم عقيم لقوله تعالى : " لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ " (الزمر : 4) لم يقل به أحد من المفسرين .
فلم يقل أحد من المفسرين أن الآية تعني : " فلو فرض المحال ، جدلاً، أن الله يشتهي الولد ، ويريد أن يتخذ ولداً ، تعالى وتقدس عن تلك الشهوات والإرادات ، لما كان في الإمكان أكثر من أن ) التبني ) ، أي أن (يصطفي ) من مخلوقاته ما يشاء اصطفاءً خاصاً، فقط لا غير."
لم يذكر أحد من المفسرين في تفسير هذه الآية تعبير ( التبني ) بمعنى الاصطفاء . فهل أتاك هذا الفهم للآية نتيجة الاستخارة ؟!
وإليك يا من طلبت العلم كما ينبغي ما جاء في تفسير هذه الآية في تفسير ابن كثير :
" وقوله عز وجل : {إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} أي لا يرشد إلى الهداية من قصده الكذب والافتراء على الله تعالى وقلبه كافر بآياته وحججه وبراهينه, ثم بين تعالى أنه لا ولد له كما يزعمه جهلة المشركين في الملائكة والمعاندون من اليهود والنصارى في العزير وعيسى فقال تبارك وتعالى: {لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء} أي لكان الأمر على خلاف ما يزعمون وهذا شرط لا يلزم وقوعه ولا جوازه بل هو محال وإنما قصد تجهيلهم فيما ادعوه وزعموه كما قال عز وجل : { لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين } {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } كل هذا من باب الشرط ويجوز تعليق الشرط على المستحيل لمقصد المتكلم .
وقوله تعالى: {سبحانه هو الله الواحد القهار} أي تعالى وتنزه وتقدس عن أن يكون له ولد , فإنه الواحد الأحد الفرد الصمد , الذي كل شيء عبد لديه فقير إليه وهو الغني عما سواه الذي قد قهر الأشياء فدانت وذلت وخضعت تبارك وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً. " اهـ
فإن كان المقصود من الآية اتخاذ الولد بمعنى الاصطفاء الخاص فقط كما تقول ، فلماذا قال الله سبحانه في الآية منزهاً نفسه (سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) ؟!
هل يُنزه الله نفسه عن عمل جائز في حقه لا يُخِلُّ في ربوبيته أو ألوهيته ؟!

قولك : ومع ذلك فإني شاكر ومقدر للأستاذ ضياء القدسي إثارة هذه القضية لأن نقاشها أوضح أن مقولتنا : ( من قال به بعد نزول القرآن فهو كافر لأنه مكذب لله تعالى) ، وإن كانت صحيحة راجحة ، إن شاء الله ، بمجموع الأدلة آنفة الذكر ، إلا أنها ليست قطعية، لعدم سلامة كلدليل بمفرده من المعارضة ، وإمكانية التأويل ، وسنذكر هذا التفصيل والاحتياط في كتاب التوحيد ، إن شاء الله.

أقول ( ضياء الدين ) : كنت أتمنى بدل من شكرك لي أن تعلن خطأك في مسألة التبني وتعلن توبتك مما قلته فيها وتعلن رجوعك للحق . فهذا سيسعدني كثيراً .

قولك : والعجيب أن هذه البلورة ، وهذا التصحيح ، على العكس تماماً ما يريده الأستاذ ضياء القدسي ، كما يبدو من كلامه ، حيث قال: [ يفهم من كلامك أيضاً: أن القول بأن المسيح عيسى عليه السلام ، هو ابن الله، بمعنى « التبني » قول باطل ولكن لا يكفر قائله إلا بعد نزول القرآن. وعلة الحكم بكفره أنه مكذب لما جاء في القرآن. يعني لا يكفر حتى تقام عليه الحجة من القرآن . فمن لم تصله الآية التي تبين بأن عيسى عليه السلام ليس ابن الله بمعنى (التبني) وينكرها فهو ليس بكافر ولا بمشرك عند الأستاذ المسعري.
فلا النصراني قبل الرسالة المحمدية الذي يعتقد أن عيسى عليه السلام هو ابن الله بمعنى (التبني) مشرك كافر بهذا الاعتقاد ، ولا بعد الرسالة المحمدية من لم تصله الآية التي في القرآن التي تبين أن عيسى عليه السلام ليس ابن الله بمعنى (التبني) مشرك كافر عند الأستاذ المسعري ، لأنه لم يكذب ما وصله من كتاب الله ولم تُقَم عليه الحجة بذلك. فما دام لم يصل لأحد الآية من كتاب الله التي تبين أن عيسى عليه السلام ليس ابن الله بمعنى (التبني) فمعتقد ذلك ليس بكافر ولا مشرك وإن كان اعتقاده باطل . هذه عقيدة الأستاذ المسعري حسب هذا الكلام انتهى كلام الأستاذ ضياء القدسي.
فأقول : نعم ، هذا هو الحق المبين الذي ندين الله به ؛

أقول ( ضياء الدين ) : ليكن في علمك يا من تدعي أنك طلبت العلم كما ينبغي أن كل من يقول من النصارى ببنوة عيسى عليه السلام فقط دون غيره يعتقد بالبنوة الحقيقية وليس بمعنى الاصطفاء . فكفره وشركه ثابت قبل الرسالة وبعدها ، فلا داعي لتحريف الحقائق .
فقد أخبر الله عن اعتقادهم الشركي قبل نزول الوحي حيث قال عز من قائل :
" وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى . اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ " (التوبة :30- 31)
فاصطلاح بنوة عيسى بمعنى التبني والاصطفاء لم يذكرها القرآن ولا يوجد نص واحد يدل على هذا المعنى في حق عيسى عليه السلام . فالبنوة الخاصة التي كان يقول بها النصارى في حق عيسى عليه السلام قبل نزول الوحي والتي ذكرت في القرآن والبنوة التي كان يقول بها بعض اليهود في عزير خاصة هي البنوة الحقيقة والتي هي شرك بالله عند كل الأنبياء قاطبة ، وليس صحيحاً ما تقول به بأن الموحدين أتباع عيسى عليه السلام كانوا يقولون بأن عيسى عليه السلام ابن الله بمعنى الاصطفاء وأن هذا كان غير محرم في شريعتهم ، وكذلك من قال ببنوة عزير لم يقل ببنوة الاصطفاء بل بالبنوة الحقيقة وهذا واضح بَيِّن في كتاب الله لكل من يفهم الخطاب . ولا يوجد دليل صحيح واحد لا عندك ولا عند غيرك يثبت أن الموحدين أتباع عيسى عليه السلام الحقيقيين كانوا يسمون عيسى عليه السلام خاصة بأنه ابن الله بمعنى الاصطفاء .
وليكن في علمك - يا من طلبت العلم كما ينبغي - أن شريعة الموحدين الحقيقيين أتباع عيسى عليه السلام لا تُعرف المعرفة الصحيحة المعتبرة ولا تؤخذ إلا من عدل مسلم بسند صحيح فقط . فشريعة عيسى عليه السلام هي وحي من الله غيب بالنسبة لنا لا تُعرف المعرفة الصحية المعتبرة التي يبنى عليها أحكام إلا بسند صحيح معتبر . أما ما رواه المؤرخون الكفار بحق عيسى عليه السلام وأتباعه فليس دليل شرعي في ديننا نبني عليه عقيدتنا وأفكارنا . ومن الخطأ الفاحش أن ننسب للموحدين أتباع عيسى عليه السلام عقيدة أو قولاً يخالف شرعنا استناداً على ما كتبه الكفار . وإن كانت فرقة الأريوسية من أتباع عيسى عليه السلام الحقيقيين حقاً فإني أجزم أنهم لم يكونوا يسمون عيسى عليه السلام ابن الله لا بمعنى الاصطفاء ولا بغيره ، فهم يعتقدون في عيسى عليه السلام كما نعتقد أنه عبد الله ورسوله ويسمونه كما نسميه ، ولا يوجد في عقيدتهم بحق عيسى عليه السلام وأمه ما يخالف عقيدتنا قيد شعرة ، هذا إن كانوا أتباع عيسى عليه السلام بالمعنى الحقيقي .
قال المهتدي الحسن بن أيوب من علماء القرن الرابع الهجري : " ولما نظرت في مقالات النصارى وجدت صنفاً منهم يعرفون بالأريوسية يجردون توحيد الله ويعترفون بعبودية المسيح عليه السلام ولا يقولون فيه شيئا مما يقوله النصارى من ربوبية ولا بُنوة خاصة ولا غيرها ، وهم متمسكون بإنجيل المسيح ، مقرون بما جاء به تلامذته والحاملون عنه . فكانت هذه الطبقة قريبة من الحق ، مخالفة لبعضه في جحود نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ودفع ما جاء من الكتاب والسنة ." أهـ ( الموحدون من النصارى : أصولهم وواقعهم ومعاناتهم لسفر الحوالي . )
أما ما ذكره ابن تيمية أنه حكي عن بعض الأريوسية أنه كان يسمي عيسى عليه السلام ابن الله على التسمية والتقريب فقد ذكره بصيغة التمريض لا بصيغة الجزم ، والحاكي ليس بمسلم فكلامه غير معتبر ولا يبنى عليه عقيدة ولا فكر صحيح . والخبر الصحيح المعتبر عن فرقة الأريوسية إن كانت من أتباع عيسى عليه السلام بحق هو ما قاله عنها المهتدي الحسن بن أيوب من علماء القرن الرابع الهجري : بأنها تجرد توحيد الله وتعترف بعبودية المسيح عليه السلام ولا تقول فيه شيئاً مما يقوله النصارى من ربوبية ولا بُنوة خاصة ولا غيرها .

يتبع إن شاء الله

[/align]

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 07-26-2012, 02:02 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

[align=justify]
تكملة 2 الرد على المداخلة الثانية للأستاذ المسعري :
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

قولك : ونصيحتي للأستاذ ضياء القدسي أن يتقي الله في المسلمين خاصة ، وفي بني آدم عامة ، وأن ينخلع من لوثة الغلو والتكفير ؛

أقول ( ضياء الدين ) : يعلم الله أني حريص على المسلمين خاصة وعامة وكذلك حريص على هداية المشركين عامة وخاصة . ولم أكفر أي مسلم ثبت إسلامه حسب شرع الله إلا بدليل قطعي . وأنصحك قبل أن تتهمني بأني صاحب لوثة في الغلو والتكفير أن تُثبت عني ذلك أولاً . وأطالبك بل أتحداك أن تثبت بمثال واحد أنني كفَّرت مسلماً واحداً ثبت إسلامه حسب شرع الله .
فعقيدتي واضحة مُبَيَّنة في كتبي مع أدلتها قطعية الثبوت قطعية الدلالة . وسوف أثبت بعون الله بالأدلة القطعية من كتابك أنك ومن يعتقد اعتقادك لم تدخلوا الإسلام بعد وأسأل الله بل حريص ويسعدني هدايتكم .
اعلم - يا من طلبت العلم كما ينبغي - أن مسألة التكفير والتفسيق والأسلمة مسائل وأحكام شرعية بينها الإسلام أتم بيان ، بل لقد نزل القرآن لبيانها فقد قال تعالى في محكم كتابه : " وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ " (الأنعام : 55)
فالتكفير وكذلك الأسلمة لا تكون حسب الأهواء والنزوات والعادات والتقاليد والأعراف ، فهي أحكام شرعية منضبطة بأدلة قطعية الثبوت قطعية الدلالة يبنى عليها كثير من الأحكام والمعاملات .

قولك : وأن يعلم علم يقين أن الله ، جل وعز ، قادر بمفرده على الحكم بإدخال الناس النار ، أو إجارتهم منها ، ويعلم تماماً كيف يملؤها ، ولن يحتاج إلى رأي المسعري أو رأي الأستاذ ضياء القدسي !!!

أقول ( ضياء الدين ) : لا أحد يُدخل النار والجنة إلا الله . فهذا حق خالص له لا ينازعه فيه أحد . فالله سبحانه : " لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ "
وما كُلفنا به من قِبل الله عز وجل هو أن نحكم على الناس بما ظهر منهم حسب شرع ربنا والله يتولى سرائرهم وسوف يجازيهم يوم القيامة بحسبها . هذا ما ندين الله به ولا نتعداه ولا نتألَّى على الله .

قولك : وقبيل ذلك بقليل قال الأستاذ ضياء القدسي : [3 – قولك : " غير أن طوائف من النصارى ، من أتباع آريوس وكذلك أغلب اليهود المتنصرين الأوائل ، قد قالوا بذلك قديماً. وهم بذلك مخطؤون ، إلا أنهم ليسوا مشركين ".
أقول ( ضياء الدين ) : كيف عرفت يا أستاذ أن أتباع آريوس وأغلب اليهود المتنصرين الأوائل الموحدين قد قالوا بأن عيسى عليه السلام ابن الله بمعنى " التبني " ؟! فهذه أمور غيبية فهل جاء في ذلك خبر صحيح عن الله أو عن رسوله ، صلى الله عليه وسلم ؟!! وأنت القائل في كتابك: " ومن قبل بدعوى ، حتى ولو كانت صحيحة في ذاتها ، بغير برهان ، فهو متقول بغير دليل ، وهو من ثم كاذب ، حتى ولو كانت المقولة في ذاتها صادقة ، لأن من لم يأت بالبرهان كاذب : (هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين!): أي إن كنتصادقاً فأرني برهانك ، وإلا فأنت كاذب، لأنه ليس ثمة إلا: صادق أو كاذب، لا ثالثل هما ! " اهـ]، انتهى كلام الأستاذ ضياء القدسي.
أقول : أحوال المتنصرين الأوائل ، وفرقهم ، وأقوالهم المكتوبة ، وردود خصومهم عليهم كتابة ، وفرق اليهود والوثنيين المعاصرين لهم ، وما دار بينهم من صراع ، معلوم ، في الجملة ، من التاريخ بالتواتر . فلم يكن القوم ملائكة يطيرون في السماء، ولا من قبيل إبليس الذين يروننا ولا نراهم ، بل بشر عاشوا على الأرض ، وتركوا كتباً وآثاراً ، ونحن لا نحتاج إلى خبر صحيح عن الله أو عن رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، يخبرنا عنهم ، وحسبنا قوله ، جل جلاله ، وسما مقامه : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}، (يوسف ؛ 12: 109)؛ وقال أيضاً: {أَفَلَم ْيَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ }؛ (غافر ؛ 40: 82) ؛ وقد فعل الناس ، وفعلنا ذلك ، ولخصناه في فقرة قصيرة ، وليس كتابنا كتاب تأريخ لأقوال فرق النصارى حتى يلزمنا التأصيل والبرهنة المفصلة.
فليست أحوالهم (أمور غيبية ) ، كما أفحش الأستاذ ضياء القدسي : فبدلاً من أن يعترف بجهله ، ويسأل عن المستندات والمراجع ، جعل القضية ( غيبية ) ، ولا نستبعد أن يجعلها بعد مدة من أمور ( العقيدة ) ، ثم ينطلق مسلسل التبديع والتكفير بعد ذلك.

أقول ( ضياء الدين ) : يا رجل أنت تنسب أمراً تدعي أنه من شريعة عيسى عليه السلام لأتباع عيسى عليه السلام الموحدين وتقول أنه في ديننا كفر ، ألا يحتاج هذا لدليل صحيح مروي عن ثقات مسلمين بسند صحيح معتبر ؟؟
أليس هذا من الأمور التي تمس العقيدة والدين ؟؟
يا من طلبت العلم كما ينبغي هل أخبار الموحدين وشريعتهم التي أرسلها الله لهم تؤخذ من تاريخ رَواه وكتبه كفار مشركين ؟!
والله سبحانه في محكم كتابه يقول : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ "
يا رجل ، تَنسب لأتباع عيسى ( عليه السلام ) الموحدين أنهم يقولون أن عيسى ابن الله بمعنى التبني والاصطفاء مستنداً على أخبار نقلها كفار ، وتبني على ذلك عدم تكفير من قال من النصارى أن عيسى ابن الله لأنه يقولها بزعمك بمعنى الاصطفاء وليس بمعنى النبوة الحقيقية ولا تكفره حتى تقيم عليه الحجة المحمدية ، ثم تقول لي أن الأمر لا يمس العقيدة ؟!
هل الحكم على الناس ومعرفة الكافر من المسلم لا يمس العقيدة عندك ؟
يا رجل ليس خلافنا في وجود طائفة من الطوائف النصرانية اسمها الأريوسية ، بل الخلاف بيننا - الذي لا زلتَ غير مدرك له - هو قبول أمر يخص شريعة عيسى عليه السلام وأتباعه من حكايات التاريخ غير الموثقة ثم بناء على ذلك أحكام شرعية .
ولو فهمت كلامي وما سألتك عنه لما قلت : " فليست أحوالهم ( أمور غيبية ) ، كما أفحش الأستاذ ضياء القدسي : فبدلاً من أن يعترف بجهله ، ويسأل عن المستندات والمراجع ، جعل القضية ( غيبية ) ،ولا نستبعد أن يجعلها بعد مدة من أمور ( العقيدة ) ، ثم ينطلق مسلسل التبديع والتكفير بعد ذلك. "

أقول ( ضياء الدين ) : يا من طلبت العلم كما ينبغي ، أنا لا أتحدث عن مجرد وجود قوم من الأقوام يعتقدون عقيدة ما ، تحدث عنهم وعن عقيدتهم رواة التاريخ . أنا أتحدث عن مدى صحة تلك الروايات المتعلقة بنبي الله عيسى عليه السلام وبشريعته وأتباعه . فالمسألة التي نتحدث عنها ليست مجرد حوادث تاريخية ذكرت بل نتحدث عن دين وشريعة ننسبها لنبي من أنبياء الله ونعتقد أنها جاءت من عند الله . فهل - يا من طلبت العلم كما ينبغي - في مثل هذه تكفي الروايات التاريخية التي رواها كفار عن كفار عن كفار عن كفار ؟؟!!
لا أعتقد أن يقول أبسط طالب علم ، نعم ، تكفي .
فاتق الله في نفسك وفي أتباعك وركز في المسألة وتب إلى الله واعترف بخطئك فهو واضح بين لأبسط طالب علم ، ولا تجادل بالباطل وتشتت المسألة بكثرة الحشو الذي لا علاقة له بما نتحدث فيه .

قولك : أحوال المتنصرين الأوائل ، وفرقهم ، وأقوالهم المكتوبة ، وردودخصومهم عليهم كتابة ، وفرق اليهود والوثنيين المعاصرين لهم ، وما دار بينهم من صراع ،معلوم ، في الجملة ، من التاريخ بالتواتر . فلم يكن القوم ملائكة يطيرون في السماء،ولا من قبيل إبليس الذين يروننا ولا نراهم ، بل بشر عاشوا على الأرض ، وتركوا كتباًوآثاراً ، ونحن لا نحتاج إلى خبر صحيح عن الله أو عن رسوله ، صلى الله عليه وسلم ،يخبرنا عنهم .

أقول ( ضياء الدين ) : كيف هو معلوم في الجملة من التاريخ بالتواتر ؟!
هل كل ما كُتب وسُطِّر ودُوِّن صحيح ؟!
التوراة والإنجيل المحرفان قد كُتبا ودُوِّنا ويدعي أصحابها أنها وصلتهم بالتواتر لهذا يدينون إلى الله بها مستيقنين بصحتها . فهل يعني ذلك صحتها عند الله وعند المسلمين ؟؟!
يا أستاذ المسعري يا من طلبت العلم كما ينبغي ، حسب كلامك هذا فأنت تعتبر ما كتبه الكفار عن شريعة عيسى عليه السلام وعن أحوال عيسى عليه السلام وأتباعه والمتنصرين الأوائل ، وفرقهم ، وأقوالهم ، وعقائدهم حقائق علمية وأدلة متواترة وبديهيات تصلح للاستدلال بها والاعتماد عليها في بيان أحوال عيسى عليه السلام وأتباعه وشريعة . مع أن العلماء المسلمين قاطبة متفقون على أن ما رواه وكتبه المسلمون عن تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام والمسلمين بعدهم لا يعتبر دليلاً حتى يثبت صحة سنده وعدالة رواته مع أنهم مسلمون ، فكيف تقبل أنت مع هذا رواية كفَّار في حق شرع نبي من الأنبياء وفي حق أتباعه وتحكم بتواترها وصحتها وتبني عليها عقيدة وفكر ؟
أليس شريعة عيسى عليه السلام من عند الله وهي من أمور الغيب التي تنسب لله ؟
هل يُقبل قول الكفار بغض النظر عن عددهم في حق شرع الله ؟
ألا تعلم أن تاريخ النصارى قد روى بالتواتر أن عيسى عليه السلام قد صلب وقتل لهذا يعتبر النصارى هذا الخبر خبر متواتر لا شك فيه عندهم ؟

قولك : ونحن لا نحتاج إلى خبر صحيح عن الله أو عن رسوله ، صلى الله عليه وسلم ،يخبرنا عنهم .

أقول ( ضياء الدين ) :نحن لا نتحدث عن مجرد وجودهم ولا عن الأخبار التي تخبر عن وجودهم ولا عن الأخبار التي تحدثت عن عقائدهم ، نحن نتحدث عن مدى صحة ما رواه الكفار من أخبار الشريعة المنسوبة إلى الله وعن أخبار عيسى عليه السلام وأتباعه الكرام . فهذه تحتاج لخبر صحيح رواته مسلمين عدول ضابطين ، وما يرويه الكفار من أخبار عن شرع الله وعن الأنبياء وأتباعهم ، غير معتبر في عقيدتنا نحن المسلمين .
فأنت قلتَ استناداً على روايات رواها كفار عن كفار عن كفار ، أن فرقة الأريوسية فرقة موحدة التوحيد الصحيح وكانت تدين بشرع عيسى عليه السلام ونسبت إليها أنها تقول بأن عيسى عليه السلام ابن الله بمعنى التبني والاصطفاء ، وقلت أن ذلك كان غير منهي عنه في شريعة عيسى عليه السلام ، وبنيت على ذلك عقيدة وأحكام ، ولم تأت بدليل واحد صحيح معتبر يثبت هذا . وعندما طالبتك بالدليل كان جوابك : " أحوال المتنصرين الأوائل ، وفرقهم ، وأقوالهم المكتوبة ، وردودخصومهم عليهم كتابة ، وفرق اليهود والوثنيين المعاصرين لهم ، وما دار بينهم من صراع ،معلوم ، في الجملة ، من التاريخ بالتواتر فلم يكن القوم ملائكة يطيرون في السماء ،ولا من قبيل إبليس الذين يروننا ولا نراهم ، بل بشر عاشوا على الأرض ، وتركوا كتباًوآثاراً ، ونحن لا نحتاج إلى خبر صحيح عن الله أو عن رسوله ، صلى الله عليه وسلم ،يخبرنا عنهم . "

أقول ( ضياء الدين ) : فهذا الجواب يدل دلالة واضحة أنك لم تدرك ما هي النقطة التي نتحدث عنها وما هو الذي طالبتك بإثباته .أو أنك لا تدري كيف يُستدل على أنبياء الله وشريعتهم وأتباعهم الموحدين . ومع هذا تماديت في جهلك وسوء فهمك واتهامك لمحاورك بالجهل زورا وبهتانا بأن قلت : " فليست أحوالهم ( أمور غيبية ) ، كما أفحش الأستاذ ضياء القدسي : فبدلاً من أن يعترف بجهله ، ويسأل عن المستندات والمراجع ، جعل القضية ( غيبية ) ، ولا نستبعد أن يجعلها بعد مدة من أمور ( العقيدة ) ، ثم ينطلق مسلسل التبديع والتكفير بعد ذلك. "

أقول ( ضياء الدين ) : إما أنك تعتقد أن المستندات والمراجع التي كتبها الكفار بروايات كافر عن كافر عن كافر ، أدلة معتبرة يُستند عليها لمعرفة شريعة عيسى عليه السلام وأخبار أتباعه الموحدين ، وإما أنك تحسبني جاهل لهذه الدرجة حتى أسألك أين الأدلة من المستندات والمراجع التي كتبها الكفار برواية كافر عن كافر عن كافر ، عما نسبته لشريعة عيسى عليه السلام وأتباعه الموحدين . وأنا أرجح الأولى لأنها واضحة من كلامك .
اعلم يا رجل ، يا من طلبت العلم كما ينبغي ، أن ما جاءت به شريعة عيسى عليه السلام وأخبار عيسى عليه السلام وأتباعه الموحدين أخبار غيبية بالنسبة لنا لم نشهدها لهذا لا نأخذها إلا برواية مسلم عدل ضابط عن مسلم عدل ضابط عن مسلم عدل ضابط حتى تصلنا موثقة هكذا . فمثل هذه الأخبار والحقائق لا تؤخذ وتعلم من روايات التاريخ ومستنداته ومراجعه التي كتبها الكفار برواية كُفار عن كُفار عن كفار عن كفار عن كفار عن كفار منذ مئات السنين .


قولك : وحسب الأستاذ ضياء القدسي أن يبحث في جوجل تحت لفظة (آريوس، أريوس ، الأريوسية)؛
وكذلك بالإنجليزية تحت مفاتيح البحث: (Arius; Arians; Arianism; Semi - Arianism)؛ ولو فعل ، لوجد الكثير، ولنطلق منه إلى الأكثر ، إذا كان مهتماً بهذه القضايا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

أقول ( ضياء الدين ) : ما هذا الكلام يا رجل وهذه البساطة في الطرح ؟!
ألم أقل لك أنك لا زلت لم تدرك ما نتحدث عنه وما طالبتك بإثباته بالدليل ، إلَّا إن كنت تقول لي أنني إن بحثت في الجوجل تحت لفظة ( أريوس ، أريوس ، الأريوسية )ستأتيني الأدلة المعتبرة على أنه كان في شريعة عيسى عليه السلام جواز تسمية عيسى عليه السلام ابن الله بمعنى التبني والاصطفاء . أو سيأتيني الإثبات أن فرقة الأريوسية فرقة موحده التوحيد الصحيح وكانت تدين بدين عيسى عليه السلام وكانت تقول أن عيسى ابن الله ولكن بمعنى التبني والاصطفاء ولم تنه عن ذلك في شريعة عيسى عليه السلام . إن كان البحث في الجوجل سيوصلني لمثل هذه المعلومات بالدليل الصحيح كما تقول فقد قدم الجوجل للمسلمين أكبر خدمة في التاريخ . ولكن مع الأسف واقع الجوجل يُكذِّب ويسخر مما قلته .


قولك : ولعلنا نضع الأستاذ ضياء القدسي على أول الطريق ، طريق البحث والتنقيب ، وطلب العلم كما ينبغي ، بتقديم بعض النصوص في الملحق مرتبة حسب تاريخ وفاة قائليها، وكلهم من أهل الإسلام ، بل من أئمة أهل الإسلام ، ابتداءً بأبي محمد علي بن حزم ، رضي الله عنه (المتوفى: 452 هـ) ، حاشا غريغوريوس ( واسمه في الولادة يوحنا ) ابن أهرون ( أو هارون ) بن توما الملطي ، أبو الفرج المعروف بابن العبري ( المتوفى : 685 هـ)؛ واختتمنا بنقل مقال جيد للدكتور سفربن عبد الرحمن ، وإن كنا نعيب عليه خلط أحكام الصور والتماثيل ، بقضايا التوحيد والشرك ، ولا عجب فهو لا يستطيع فكاكاً من هوس الدعوة الوهابية !
فعجز الأستاذ ضياء القدسي في التعامل مع هذه البديهيات دليل سابع على أن الأستاذ ضياء القدسي لم يطلب العلم كما ينبغي !

أقول ( ضياء الدين ) : إن كان طلب العلم كما ينبغي عندك الخطوة الأولى فيه هذه فكيف سيكون باقي خطواته ؟! عجباً والله . فنحن في آخر الزمان .
مِن متى أصبحت الأخبار التاريخية التي ينقلها كفار مشركين عن كفار مشركين عن كفار مشركين بديهيات وحقائق وأدلة تصلح لأن نعتمد عليها في معرفة شرائع الأنبياء وأخبار الموحدين أتباع الأنبياء ؟؟
إن كانت هذه أول خطوة عندك لتعلم العلم كما ينبغي فلا أدري كيف ستكون آخر خطوة . ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولقد دُهشت كثيراً عندما قرأت الملف الطويل الذي سميته الأريوسية ، واعتبرته أنت أول طريق البحث والتنقيب ، وطلب العلم كما ينبغي .
فأقول لك : إما أنك لم تفهم ما طلبته منك ووجه اعتراضي عليك ، وإما أنك لا تفهم دلالة ما نقلته ولا تدرك درجته في الاستدلال .
يا رجل ، لا يوجد دليل واحد مما نقلته في الملحق ( الأريوسيه ) يصلح دليلاً على ما طلبته منك . فلا يوجد دليل واحد معتبر يدل على أنه كان في شريعة عيسى عليه السلام جواز تسمية عيسى عليه السلام ابن الله بمعنى التبني والاصطفاء . ولا يوجد دليل واحد معتبر يدل على أن فرقة الأريوسية فرقة موحده التوحيد الصحيح وكانت تدين بدين عيسى عليه السلام وأنها كانت تقول أن عيسى ابن الله ولكن بمعنى التبني والاصطفاء ولم تُنه عن ذلك في شريعة عيسى عليه السلام . فهذا ما طلبت منك الدليل عليه . ولكنك مع الأسف إما أنك لم تفهم ما طلبته منك وإما أنك لا تفهم دلالة ما نقلتَ ولا تدرك درجته في الاستدلال أو أنك تستخف بعقول المتابعين بكثرة طرح النقولات التي لا علاقة لها بما طلبته منك ، وكأن كثرة ذكر الأدلة التي ليست لها علاقة بالمسألة المختلف فيها دليل على علم صاحبها ، بل العكس هو الصحيح .
والعجيب أنك نقلتَ في الملحق كلاماً عن عالم مسلم من علماء القرن الرابع الهجري يدل على عكس ما قلتَهُ ونسَبته لفرقة الأريوسية . ألا يدل ذلك على قوة فهمك ودرجة علمك في كيفية الاستدلال يا من أردت أن تعلمني العلم كما ينبغي ؟!
وإليك هذا النقل الذي جاء في ملحقك ( الأريوسية ) والذي هو دليل واضح على خطأ ما ذهبت إليه :
" عن المهتدي الحسن بن أيوب من علماء القرن الرابع الهجري : " ولما نظرت في مقالات النصارى وجدت صنفاً منهم يعرفون بالأريوسية يجردون توحيد الله ويعترفون بعبودية المسيح عليه السلام ولا يقولون فيه شيئا مما يقوله النصارى من ربوبية ولا بُنوة خاصة ولا غيرها ، وهم متمسكون بإنجيل المسيح ، مقرون بما جاء به تلامذته والحاملون عنه . فكانت هذه الطبقة قريبة من الحق ، مخالفة لبعضه في جحود نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ودفع ما جاء من الكتاب والسنة ." أهـ ( الموحدون من النصارى : أصولهم وواقعهم ومعاناتهم لسفر الحوالي . )

يتبع إن شاء الله
[/align]

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 07-27-2012, 12:22 AM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

[align=justify]
تكملة رقم 3 للرد على الرد الثاني للأستاذ المسعري :
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

قولك : ثم أماط الأستاذ ضياء القدسي اللثام ، وأظهر مقصده الحقيقي من كل هذا الجدل الطويل العريض ، فقال بعد أن ساق كلامنا عن توحيد الذات ، الذي هو رأس التوحيد: [حسب هذا الكلام : الاعتقاد بأن الله لم يتولد منه شيء داخل في توحيد الذات الذي هو رأس التوحيد. والذي هو ثابت بالضرورة وبالبراهين العقلية والفطرية القاطعة، قبل ورود الشرع. ومع ذلك يعذر الأستاذ المسعري من نقض هذا التوحيد بقوله في كتابه : "وحتى من قال بـ «البنوة» الحقيقية ، وهي مقول شرك وكفر بذاتها، كثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل ، أوبعض موانع التكفير المعروفة ". فمثل هذا عند الأستاذ المسعري معذور بالجهل والتأويل ويعتبره من الموحدين حتى تقام عليه الحجة من كتاب الله. فإن أقيمت عليه الحجة من القرآن الكريم وأنكر ذلك فعندها فقط يصبح كافراً مشركاً. يعني أن من نقض توحيد الذات وأخل في رأس التوحيد يمكن أن يكون موحداً عند الأستاذ المسعري .
4-عند الأستاذ المسعري من يقول بـ «البنوة» الحقيقية أي ينسب لله ولداً «حقيقياً»، أي من طبيعة أو عنصر إلهي ، مساوياً لأبيه في الجوهر ، كما فعل المثلثون ، يعذر بالجهل أو التأويل ، ويبقى موحداً ، ولكن قوله قول شرك وكفر ، ولكنه لا يكفر ولا يحكم عليه بالشرك وإن اعتقد ذلك حتى تبزغ شمس الرسالة المحمدية وتقام عليه الحجة من القرآن الكريم ويرد ذلك .
أقول (ضياء الدين) : هل يختلف رأس التوحيد (توحيد الذات) الذي جاء به عيسى عليه السلام عن رأس التوحيد (توحيد الذات) الذي جاءبه رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام حتى نظل نعذر معتقد «البنوة» الحقيقية بالجهل والتأويل حتى تبزغ شمس الرسالة المحمدية وتقام عليه الحجة من القرآن الكريم ؟
فما دمتَ تعذر بالجهل والتأويل من اعتقد "البنوة» الحقيقية لله ، أي نسب لله ولداً «حقيقياً» فلا بد لك أن تعذر بالجهل والتأويل من لم يجزم بأن الله سبحانه وتعالى هو الحي القيوم ، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن ، وهو بكل شيء عليم ، وهو وحده واجب الوجود ، الغنى بذاته ، الأزلي القديم ، الأول الموجود بغير ابتداء قبل جميع الأزمنة والدهور ، الدائم الباقي بغير انتهاء بعد انقضاء الأزمنة والأيام والعصور ، لأن كل هذه داخلة أيضاً في توحيد الذات مثلها مثل مسألة أن الذات الإلهية لا يتولد منه شيء.
فهل من لا يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله حي قيوم معذور بالجهل والتأويل ولا يكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية المحمدية.؟!!
وهل من لا يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله بكل شيء عليم معذور بالجهل والتأويل ولا يكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية المحمدية.؟!!
وهل من لا يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله الغنى بذاته، الأزلي القديم ، الأول الموجود بغير ابتداء قبل جميع الأزمنة والدهور، الدائم الباقي بغير انتهاء بعد انقضاء الأزمنة والأيام والعصور، معذور بالجهل والتأويل ولا يكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية المحمدية.؟!
إن قلت غير معذور فلمَ فرقت بين هذا ومسألة اعتقاد «البنوة» الحقيقية بعيسى عليه السلام ؟!
وإن قلتَ : معذور بالجهل والتأويل ويبقى موحداً معذوراً بجهله وتأويله ولا يحكم عليه بالشرك والكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية المحمدية ، فقد حكمت بإسلام من لم يحقق رأس التوحيد ، وبهذا خالفت محكم آيات كتاب الله ]، انتهى كلام الأستاذ ضياء القدسي ، وإن كان بعض التسطير والتسويد من عندنا .
قلتُ ( المسعري ) : حسبنا هذه الجملة القصيرة لبيان الخلل الجوهري في تفكير الأستاذ ضياء القدسي : ( يعني أن من نقض توحيد الذات وأخل في رأس التوحيد يمكن أن يكون موحداً عند الأستاذ المسعري ) ؛ وبرهان على أنه صاحب هوى ، أعماه الهوى عن رؤية ما لا يقل وضوحاً عن الشمس في رابعة النهار : فو الله ، الذي لا إله إلا هو ، ما قلنا قط أن ( من نقض توحيد الذات وأخل في رأس التوحيد يمكن أن يكون موحداً ) ، ومن المحال الممتنع أن يكون مثل هذا مسلماً موحداً ؛ وإنما قلنا فقط أن من قال بمقولة كفر ، أو عمل عملاً من أعمال الكفر ، وإن جرت عليه أحكام الكفار في الدنيا في الأنكحة والذبائح والدفن والمواريث والعقوبات ، كما هو مفصل في كتب الفقه ، ليس هو بالضرورة (الكافر) المستحق للعقوبة الأخروية ، كما هو في قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ}، (البقرة؛ 2: 161 - 162)؛ وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ }، (آل عمران؛ 3: 91)؛ وغيرها كثير .

أقول ( ضياء الدين ) : أنا لم أقل أنك قلت بالحرف الواحد : " ( من نقض توحيد الذات وأخل في رأس التوحيد يمكن أن يكون موحداً ) ولم أنسب لك مثل هذا القول حرفياً ، ولكن ما قلته بحق من يقول بالبنوة الحقيقية لعيسى عليه السلام يفهم منه ذلك وإليك بيان ذلك من كلامك يا من طلب العلم كما ينبغي .
1- كلامك بحرفه كان كما يلي تابعه معي جيداً بدون نقص منه لنرى ماذا يفهم منه قلت : " غير أن طوائف من النصارى ، من أتباع آريوس وكذلك أغلب اليهود المتنصرين الأوائل ، قد قالوا بذلك قديماً. وهم بذلك مخطؤون ، إلا أنهم ليسوا مشركين ، إن شاء الله تعالى ، لأن الكتب الأولى لم تذكر من هذا شيئاً ، بل قد جاءت ألفاظ في الكتب القديمة يفهم منها «التبني» بمعتى «الاصطفاء» ، فهم إذاً مؤمنون موحدون ، لم يكذبوا لله خبراً، ولم يجعلوا لله شريكاً، ولم ينسبوا له ولداً «حقيقياً»، أي من طبيعة أو عنصر إلاهي، مساوياً لأبيه في الجوهر ، كما فعل المثلثون ، وغيرهم من فرق الشرك والكفر ، كما سيأتي تفصيله .
وحتى من قال بـ «البنوة» الحقيقية ، وهي مقول شرك وكفر بذاتها، كثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل ، أو بعض موانع التكفير المعروفة ، وذلك قبل بزوغ شمس الرسالة المحمدية ، وانبلاج نور الحجة الرسالية .. "

أقول ( ضياء الدين ) : أنت قلت أن من أتباع آريوس وكذلك أغلب اليهود المتنصرين الأوائل ، كانوا يقولون بأن عيسى عليه السلام ابن الله ولكن بمعنى التبني والاصطفاء ووصفتهم بأنهم ليسوا مشركين بل فقط مخطئين ولكنهم مؤمنين موحدين يكفروا إن أصروا على قول ذلك بعد الرسالة المحمدية ، ثم بعد ذلك قلت : وحتى من قال بـ « البنوة » الحقيقية ، وهي مقول شرك وكفر بذاتها، كثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل ، أو بعض موانع التكفير المعروفة ، وذلك قبل بزوغ شمس الرسالة المحمدية ، وانبلاج نور الحجة الرسالية .. "
كلمة وحتى ، تعني أنه وحتى لو كان منهم من يقول بـ «البنوة» الحقيقية فكثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل ، أو بعض موانع التكفير المعروفة . ..
ثم قولك بعدها : " وذلك قبل بزوغ شمس الرسالة المحمدية ، وانبلاج نور الحجة الرسالية .. "
يعني أنه قد يكون كثير منهم معذورين بالجهل أو التأويل أو بعض موانع التكفير المعروفة قبل بزوغ شمس الرسالة المحمدية أما بعدها فهم غير معذورين بذلك .
ألا يعني هذا أن كثيراً منهم معذورين ويحكم بإسلامهم وإيمانهم وتوحيدهم في الدنيا حتى بزوغ شمس الرسالة المحمدية .؟ وإلا لما كان لتكفيرهم في الدنيا بعد بزوغ الرسالة المحمدية سبب .
فواضح من كلامك أنك تتكلم عن أحكام الدنيا وليس عن أحكام الآخرة .
لأنك لو كنت تتكلم عن أحكام الآخرة فلا فرق بين حالهم قبل الرسالة المحمدية وبعدها . فأنت حكمت بكفرهم بعد الرسالة المحمدية ولم تعذرهم بالجهل والتأويل .
فهل حكمك بكفرهم بعد الرسالة المحمدية في أحكام الدنيا أم الآخرة ؟
فإن كان في أحكام الدنيا فهذا يعني أنهم قبلها كانوا غير كفار ، وإن كان في أحكام الآخرة فيكف سيكونون غير كفار في أحكام الآخرة قبل الرسالة المحمدية ومعذورين بالجهل أو التأويل وقد جاءهم رسول بلغهم التوحيد ولا يكونون بعد الرسالة المحمدية معذورين في أحكام الآخرة بالجهل والتأويل ؟!!!
أليس عملية التأويل موجودة قبل وبعد الرسالة المحمدية ؟
فقولك : وذلك قبل بزوغ شمس الرسالة المحمدية ، وانبلاج نور الحجة الرسالية .. "
دليل واضح أنك تتكلم عن أحكام الدنيا وليس عن أحكام الآخرة فقط .
أرجو أن تكون وضحت هذه النقطة .
2- قلت : " كثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل ، أو بعض موانع التكفير المعروفة "
أقول ( ضياء الدين ) : يعني هذا الكلام أن منهم غير معذور بجهل أو تأويل أو بعض موانع التكفير المعروفة . فمن هم هؤلاء غير المعذورين وما هو حالهم قبل الرسالة المحمدية ؟
ما هو الفارق بين من يعذر منهم ومن لا يعذر في أحكام الآخرة كما تقول وكلهم قد أرسل له رسول ؟

3- جاء في كلامك ما يلي : " .... لم يتولد من شيء ، ولا يتولد منه شيء.
كل ذلك ثابت بالضرورة ، وبالبراهين العقلية والفطرية القاطعة ، قبل ورود الشرع." اهـ

أقول ( ضياء الدين ) : حسب هذا الكلام اعتقاد البنوة الحقيقية لله مخالف لما ثبت بالضرورة ومخالف للبراهين العقلية والفطرة القاطعة قبل ورود الشرع . فكيف مع هذا تعذر من أخل به بالجهل والتأويل وموانع التكفير ؟!
العذر بالجهل والتأويل يا استاذ مسعري مجاله نصوص الوحي التي لا تعرف إلا عن طريق الرسول . أما الأمور البديهية التي تعرف بالضرورة وتعرف بالعقل السليم فكيف يقال أن فيها عذر بالجهل والتأويل .؟ هذه واحدة .
فكيف سَتُفَهِّمَ الجاهل والمتأول لأمور بديهية يفهمها كل عاقل ؟
كيف سَتُفَهِّم الجاهل والمتأول لأمور يفهمها كل عاقل بالضرورة ؟
وهل الأمور التي تُعرف بالضرورة وببداهة العقول تُجهل أو يقبل تأويلها ؟
4- أنت قلت : " وحتى من قال بـ «البنوة» الحقيقية ، وهي مقول شرك وكفر بذاتها، كثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل ، أوبعض موانع التكفير المعروفة "

أقول ( ضياء الدين ) : أنت هنا عذرت من يقول بالبنوة الحقيقية استناداً إلى بعض موانع التكفير المعروفة . فهذا الكلام يدل على أنك تتكلم عن أحكام الدنيا وأنَّ قولك أنك تكفر في الدنيا كل من يقول بالبنوة الحقيقية ولا تَعذره بالجهل والتأويل في الدنيا يتعارض مع هذا الكلام .
أسألك هنا يا من طلب العلم كما ينبغي ، موانع التكفير ، هل هي لأحكام الدنيا أم للآخرة ؟؟
يعلم أبسط طالب علم أن موانع التكفير وضعها العلماء لضبط حكم تكفير المعين المسلم الذي ارتكب كفرا ً . وهي لأحكام الدنيا فقط وللمسلم الذي ثبت إسلامه بيقين ثم بعد ذلك وقع في كفر أو صدر عنه كفر . فليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه ، فلا بد من تحقيق شروط وانتفاع موانع في حق المسلم المعين للحكم عليه بالكفر . ولا علاقة لها بأحكام الآخرة البتة وكذلك لا علاقة لها بالكافر الأصلي .
ثم اعلم يا رجل أنه لا يوجد في حق الله موانع تكفير لهذا فهي لا تتعلق بأحكام الآخرة البتة فاتق الله واعترف بخطئك وجهلك وتب إلى الله .
أسأل الله بعد هذا البيان لك والتوضيح أن تكون قد عرفت أنني لم أفترِ عليك عندما قلت لك استناداً لقولك أنك تعذر ولا تُكفِّر في الدنيا كثيراً ممن يقول بالبنوة الحقيقة لله .
فأنت ظلمتني عندما حكمت بأن عندي خلل جوهري في التفكير وأني صاحب هوى ، أعماني عن رؤية ما لا يقل وضوحاً عن الشمس في رابعة النهار . ومن حقي أن أعيدها عليك ، ولكن حسبي الله ونعم الوكيل .

4- أنت قلت بالحرف الواحد : " وحتى من قال بـ «البنوة» الحقيقية ، وهي مقول شرك وكفر بذاتها ، كثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل ، أوبعض موانع التكفير المعروفة "

فأنت هنا أطلقت ولم تبين أنه معذور في الآخرة وليس في الدنيا . فأحكام الآخرة ليست لنا ، فهي لله . وما كُلِّفنا به هو أحكام الدنيا .
ثم أنت قلت : أن المقولة شرك وكفر ، يعني حكمت على الفعل هنا ، وعندما انتقلت لحكم فاعلها قلتَ : كثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل أو بعض موانع التكفير المعروفة .
فيفهم من كلامك - ولا بد – أنه في أحكام الدنيا قد يعذر بالجهل والتأويل وموانع التكفير المعروفة كثير ممن قال ذلك ، فلا يحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة .
هذا ما يفهم من كلامك وخاصة عند استعمالك جملة " وموانع التكفير المعروفه " .
ولا يفهم البتة عند استعمالك جملة " وموانع التكفير المعروفه " أنك كنت تقصد أحكام الآخرة وليس أحكام الدنيا . إلا إن كنت تجهل على مَن وأين تطبق موانع التكفير .

قولك : ومن المحال الممتنع أن يكون مثل هذا مسلماً موحداً ؛ وإنما قلنا فقط أن من قال بمقولة كفر ، أو عمل عملاً من أعمال الكفر ، وإن جرت عليه أحكام الكفار في الدنيا في الأنكحة والذبائح والدفن والمواريث والعقوبات ، كما هو مفصل في كتب الفقه ، ليس هو بالضرورة (الكافر) المستحق للعقوبة الأخروية .. .."

أقول ( ضياء الدين ) : أين قلتَ هذا في حق كل من يقول ببنوة عيسى الحقيقية لله ؟ إن كنتَ قلتَ ذلك فأنت متناقض في كلامك وقد بينت ذلك لك في الأعلى .


قولك : ولم يترك الله ،جل جلاله وسما مقامه ، هذا الأمر من غير بيان ، حتى نحتاج إلى مزاعم المسعري ، أو وساوس الأستاذ ضياء القدسي ، فأبان ذلك لنا ، فقال : إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68)}، (الأحزاب؛ 33: 64 - 68)، فهؤلاء جاءهم رسول فعصوه ..

أقول ( ضياء الدين ) : ما هي وساوسي يا رجل ؟
أم أنك تجد متعة في صرف مثل هذه الكلمات لي ؟ حسناً ، تمتع بها . فقد مر علي لطبيعة مهنتي مثل هذه الحالات كثيراً . لا يهم خلينا في الحوار .
أين ومتى خالفتك بأنه قد يُحكم على الشخص في الدنيا بالكفر ويكون عند الله معذوراً ؟
لماذا هذا التطويل والحشو ثم الاتهامات التي لا أساس لها ؟
ألا يدل ذلك أن ما اتهمتني به من وسوسة هو موجود فيك ؟
وأريد هنا أن أسالك سؤالاً قد سألتك إياه من قبل ولم تجب عليه وسأسأله بصيغة أخرى ، أرجو أن لا تمتنع عن الإجابة عليه بحجج واهية :
_ هل العاقل البالغ الذي لم يعتقد بأن الله سبحانه وتعالى هو الحي القيوم ، وهو الأول والآخروالظاهر والباطن ، وهو بكل شيء عليم ، وهو وحده واجب الوجود ، الغنى بذاته ، الأزليالقديم ، الأول الموجود بغير ابتداء قبل جميع الأزمنة والدهور ، الدائم الباقي بغيرانتهاء بعد انقضاء الأزمنة والأيام والعصور ، قد يكون معذوراً بالجهل والتأويل في الآخرة ؟

قولك :فهؤلاء جاءهم رسول فعصوه ..

أقول ( ضياء الدين ) : وهؤلاء الذين قالوا بالبنوة الحقيقية لله والذي عذرت أكثرهم في أحكام الآخرة كما تقول بالجهل والتأويل أو بعض موانع التكفير المعروفة ، وذلك قبل بزوغ شمس الرسالة المحمدية ، وانبلاج نور الحجة الرسالية ، ألم يأتهم رسول يبلغهم التوحيد ؟؟!
فأنت نسبتهم لعيسى عليه السلام ، فهل عيسى عليه السلام لم يبلغهم ما يليق وما لا يليق في حق الله ؟

قولك : والجاهل ليس مذنباُ ، والمكره ليس مذنباً ، والمتأول ليس مذنباً .

أقول ( ضياء الدين ) : هذا الكلام في حق الجاهل والمتأول لا يصح على إطلاقه ولولا خشية الانحراف عن موضوع الحوار لبينت لك ذلك بالتفصيل .
وهل هناك أمكانية الجهل والتأويل الخاطئ في ما يعرف بالضرورة وبديهية العقول ؟
اعلم يا من طلب العلم كما ينبغي، أن العلم الضروري هو ما يُعرف بدون بذل جهد ، فهو ما يستوي فيه الجاهل والعالم ، فلا يقال هذا جاهل في حكم ما هو معلوم له بالضرورة ، لأنه لا أحد يجهل ما هو معلوم له بالضرورة .
وبديهية العقول هي ما لا خلاف فيها بين عاقلين .

يتبع إن شاء الله
[/align]

رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فهرس مؤلفات الشيخ ضياء الدين القدسي حفظه الله ..(متجدد) أنصار التوحيد الكتب 0 04-02-2011 02:48 AM


الساعة الآن 03:03 PM


جميع المشاركات تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر إدارة المنتدى