منتدى دعوة الحق  

العودة   منتدى دعوة الحق > الأقسام الرئيسية > الـفتاوى الـشرعية > قسم فتاوى الفقه

تنبيهات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-15-2011, 07:01 PM
زائر2 زائر2 غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
المشاركات: 160
Question ابتداء المشرك بالسلام

بسم الله الرحمن الرحيم
ارجوا من أهل الإسلام التوضيح والبيان

هل يصح ابتداء المشرك بالسلام ؟
هل يصح أن نقيس المشرك الذي ليس من أهل الكتاب على مشرك أهل الكتاب في عدم ابتداء السلام ؟
ما هو الرد الشرعي على المشرك حين تسمعه يقول لك السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؟
هل يقتصر بالرد عليه فقط بـ وعليكم السلام أم يكمل ورحمة الله وبركاته ؟
هل يصح استناد المخالف على قول الله تعالى : { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } على أنه يجوز ابتداء المشرك بالسلام لكونه من البر والقسط ؟
هل يصح للموحد أن يبتدئ المشرك بتحية غير السلام ؟
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-03-2011, 02:39 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

قولك : هل يصح ابتداء المشرك بالسلام ؟

الجواب : اختلف العلماء في حكم بدء الكفار بالسلام إلى قولين :
القول الأول هو : المنع من ابتداءالكفار بالسلام . وهؤلاء المانعون اختلفوا في حكمه فجمهور الشافعية ، وأكثر الحنابلة قالوا بحرمته . والمالكية ، وبعض الشافعية ، والحنابلة في إحدى الروايتين قالوا : بكراهته .
قال النووي في الأذكار : " وأما أهل الذمة فاختلف أصحابنا في أهل الذمـة , فقطع الأكثرون بأنه لا يجوز ابتداؤهم بالسلام " .اهـ

وقال الإمام النووي في ( الأذكار ) : " قال بعـض أصحابنا يكره ابتداؤهم بالسلام ولا يحرم ، وهذا ضعيف ، لأن النهي للتحريم فالصواب تحريم ابتدائهم." اهـ
وقال النفراوي في ( الفواكه الدواني ) : " يكره أن تبدأ اليهود والنصارى وسائر فرق الضلال بالسلام ، لأن السلام تحية ، والكافر ليس من أهلها بل هو من أهل الإذلال" .اهـ
وقال ابن مفلح في ( الآداب الشرعية) : ( لأصحابنا وجهان في هذا اللفظ هل يحمل على التحريم أو على الكراهة ؟) .اهـ
أدلة المانعين :
1- عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام , فإذا لقيتم أحـدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه" .رواه مسلم

2- وقال صلى الله عليه و سلم : ( إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم ) متفق عليه .
القول الثاني : الجواز .

أجـاز بعض مشايخ الحنفية ، وطائفة من الشافعية والحنابلة بدء الكافر بالسلام .
قال ابن عابدين : ( لا بأس به بلا تفصيل وهو ما ذكره في الخانية عن بعض المشايخ )
وقال النووي في ( الأذكار ) : " وحكى الماوردي وجهاً لبعض أصحابنا أنه يجوز ابتداؤهم بالسلام " .اهـ
ونقل ابن مفلح في ( الآداب الشرعية ) : عن بعض العلماء القول بعدم التحريم .
جاء في ( الدر المختار ) : ( ويسلم المسلم على أهل الذمة لوله حاجة إليه وإلا كره وهو الصحيح ) .

قال ابن القيم في ابتداء الكفار بالتحية : ( و قالت طائفة - أي من العلماء - : يجوز الابتداء لمصلحة راجحة من حاجة تكون إليه ، أو خوف من أذاه ، أو لقرابة بينهما ، أو لسبب يقتضي ذلك ) (زاد المعاد الجزء الثاني ص424.)
أدلة المجيزين :
1
ـ قوله تعالى : " لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " (الممتحنة : 8)
2- قوله تعالى : " قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا "(مريم : 47)
3- قوله تعالى : " فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ " (الزخرف : 89)

4-ما رواه عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلاً سأل النبي أي الإسلام خير قال : تطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" رواه البخاري
قال الحافظ ابن حجر : ( تمسك به من أجاز ابتداء الكافر بالسلام ولا حجة فيه لأن الأصل مشروعية السلام للمسلم فيحمل قوله من عرفت عليه وأما من لم تعرف فلا دلالة فيه بل إن عرف أنه مسلم فذاك و إلا فلو سلم احتياطاً لم يمتنع حتى يعرف أنه كافر ) .( فتح الباري )


قولك : هل يصح أن نقيس المشرك الذي ليس من أهل الكتاب على مشرك أهل الكتاب في عدم ابتداء السلام ؟

الجواب : نعم يقاس عليه بالحرمة والجواز .

قولك :ما هو الرد الشرعي على المشرك حين تسمعه يقول لك السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؟


الجواب : تحيّه بمثلها إن أراد السلام عليك بالمعنى الصحيح .

قولك : هل يقتصر بالرد عليه فقط بـ وعليكم السلام أم يكمل ورحمة الله وبركاته ؟

الجواب : يجوز لك أن ترد عليه التحية إن علمت أنه سلم عليك السلام الحقيقي لا كما كان يفعله اليهود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال تعالى : " وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا" (النساء : 86)
قال ابن القيم : " فلو تحقق السامع أن الذمي قال له " سلام عليكم " لا شك فيه ، فهل له أن يقول وعليك السلام أو يقتصر على قوله وعليك ؟ فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية ، وقواعد الشريعة : أن يقال له : "وعليك السلام" ؛ فإن هذا من باب العدل ، والله يأمر بالعدل والإحسان …. ولا ينافي هذا شيئاً مِن أحاديث الباب بوجه ما ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالاقتصار على قول الرادّ "وعليكم" بناء على السبب المذكور الذي كانوا يعتمدونه في تحيتهم وأشار إليه في حديث عائشة رضي الله عنها ، فقال : " ألا ترَيْنني قلت وعليكم لمّا قالوا السام عليكم" ، ثم قال : " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم " ..
قال تعالى { وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول} ، فإذا زال هذا السبب وقال الكتابي : سلام عليكم ورحمة الله : فالعدل في التحية يقتضي أن يرد عليه نظير سلامه . أ.هـ " أحكام أهل الذمة " ( 1 / 425 ، 426 ) .

قال ابن القيم : واختلفوا في وجوب الرد عليهم فالجمهور على وجوبه وهو الصواب وقالت طائفة لا يجب الرد عليهم كما لا يجب على أهل البدع وأَوْلى ، والصواب الأول والفرق أنا مأمورون بهجر أهل البدع تعزيراً لهم وتحذيرا منهم بخلاف أهل الذمة . أ.هـ " زاد المعاد " ( 2 / 425 ، 426 ) .

قولك : هل يصح استناد المخالف على قول الله تعالى : (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) على أنه يجوز ابتداء المشرك بالسلام لكونه من البر والقسط ؟

الجواب : نعم يصح ، وقد استدل بهذه الآية من أجاز بدأ الكافر بالسلام من العلماء ولقد بينت ذلك في الأعلى .


قولك :هل يصح للموحد أن يبتدئ المشرك بتحية غير السلام ؟

الحواب : نعم يجوز .
الدليل : قوله تعالى : " لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " (الممتحنة : 8)
كتبه : ضياء الدين القدسي

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 07-04-2011, 11:15 PM
زائر2 زائر2 غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
المشاركات: 160
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

شيخنا الفاضل لقد تتبعت أقوال المجيزين لابتداء المشرك بالسلام فلم أجدهم قد ذكروا حديث "لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام"

ألا يدل هذا على عدم وصول الحديث إليهم ؟

وإذا كان قد وصلهم الحديث فماذا كان تعليقهم عليه ؟

ثم إني قد وجدت من قال أن النقل عن كثير منهم ( أي الذين قالوا بجواز ابتداء المشرك بالسلام ) لا يثبت ، وما ثبت فإنه محجوج بحديث "لا تبدءوا اليهود و لا النصارى بالسلام" .

ألا يعد الإحتجاج على جواز ابتدائهم بالسلام بقوله تعالى : { فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } وبقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام مخاطباً أباه : { سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي } لا دلالة فيه ؟

أما الآية الأولى : فقد نسخت بآية السيف وهي قوله تعالى في سورة { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } وعلي تقدير عدم النسخ فليس المراد بقوله (( سلام )) التحية ، وإنما المراد المتاركة ، والمباعدة ، وعدم مخاطبتهم بما يخاطبوننا به من الكلام الرديء , وأما الآية الثانية : فإن جمهور العلماء يرون أن معنى سلام إبراهيم : المسالمة التي هي المتاركة لا التحية . قال الطبري : معناه : أمنة مني لك .


نقولات إضافة إلى ما سبق من أقوال أهل العلم في مسألة ابتداء المشرك بالسلام :

جاء في أحكام القرآن للجصاص : قال مجاهد كان ناس من أهل الكتاب أسلموا فآذاهم المشركون فصفحوا عنهم يقولون سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين قال أبو بكر هذا سلام متاركة وليس بتحية وهو نحو قوله وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما وقوله واهجرني مليا وقال إبراهيم سلام عليك سأستغفر لك ربي ومن الناس من يظن أن هذا يجوز على جواز ابتداء الكافر بالسلام وليس كذلك لما وصفنا من أن السلام ينصرف على معنيين أحدهما المسالمة التي هي المتاركة والثاني التحية التي هي دعاء بالسلامة والأمن نحو تسليم المسلمين بعضهم على بعض .

جاء في شرح صحيح مسلم للنووي : فمذهبنا تحريم ابتدائهم به ، ودليلنا في الابتداء قوله صلى الله عليه وسلم : "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام" ، وبهذا الذي ذكرناه عن مذهبنا ، قال أكثر العلماء وعامة السلف .

جاء في فتح الباري لابن حجر : أَخْرَجَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ قَتَادَة قَالَ " السَّلَام عَلَى أَهْل الْكِتَاب إِذَا دَخَلْت عَلَيْهِمْ بُيُوتهمْ السَّلَام عَلَى مَنْ اِتَّبَعَ الْهُدَى " وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ مِثْله . وَمِنْ طَرِيق أَبِي مَالِك : إِذَا سَلَّمْت عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقُلْ " السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ فَيَحْسِبُونَ أَنَّك سَلَّمْت عَلَيْهِمْ وَقَدْ صَرَفْت السَّلَام عَنْهُمْ ... ونَقَلَ اِبْن الْعَرَبِيّ عَنْ مَالِك : لَوْ اِبْتَدَأَ شَخْصًا بِالسَّلَامِ وَهُوَ يَظُنّهُ مُسْلِمًا فَبَانَ كَافِرًا كَانَ اِبْن عُمَر يَسْتَرِدّ مِنْهُ سَلَامه ، وَقَالَ مَالِك : لَا . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : لِأَنَّ الِاسْتِرْدَاد حِينَئِذٍ لَا فَائِدَة لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُل لَهُ مِنْهُ شَيْء لِكَوْنِهِ قَصَدَ السَّلَام عَلَى الْمُسْلِم . وَقَالَ غَيْره لَهُ فَائِدَة وَهُوَ إِعْلَام الْكَافِر بِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ . قُلْت : وَيَتَأَكَّد إِذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُخْشَى إِنْكَاره لِذَلِكَ أَوْ اِقْتِدَاؤُهُ بِهِ إِذَا كَانَ الَّذِي سَلَّمَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ .
__________________

من مواضيع زائر2


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 07-05-2011, 01:59 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

قولك :شيخنا الفاضل لقد تتبعت أقوال المجيزين لابتداء المشرك بالسلام فلمأجدهم قد ذكروا حديث "لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام"
ألا يدل هذا على عدم وصول الحديث إليهم؟
وإذا كان قد وصلهم الحديث فماذا كان تعليقهم عليه ؟

الجواب : بل ذكروه وعللوه . وكان تعليل بعضهم على الحديث كما يلي :
قالوا : ( لا تبدؤوهم بالسلام ) إذا كان لغير سبب يدعوكم إلى أن تبدؤوهم بالسلام ، من قضاء ذمام أو حاجة تعرض لكم قبلهم ، أو حق صحبة أو جوار أو سفر.
وقال بعضهم : النهي عن مبادرة أهل الكتاب بالسلام ، معلل بكونهم يردون بـ ( وعليكم السام) يعني الموت.‏
‎‎ يؤخذ هذا التعليل مما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها ، أن رهطًا ( جماعة ) من اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا : ( السام عليك ) ، ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام : ( إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم )، وفي رواية أخرى : ( فإن أحدهم يقول : (السام عليك)

‎‎وقال بعضهم : لقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن السلام على أهل الكتاب حتى لا يكون هناك مقابل ( إلقاء السلام ) دعاء علينا بالموت ، فإذا انتفى ذلك فلا مانع من بدئهم في السلام .
‎‎وقد سئل الأوزاعي عن مسلم مر بكافر فسلّم عليه ، فقال : إن سلمتَ فقد سلّم الصالحون ، وإن تركتَ فقد ترك الصالحون قبلك .‏( ذكره النووي في شرح مسلم )

جاء في تفسير القرطبي لقوله تعالى : " قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا " (مريم : 47)
" قوله تعالى: "قال سلام عليك" لم يعارضه إبراهيم عليه السلام بسوء الرد ؛ لأنه لم يؤمر بقتاله على كفره . والجمهور على أن المراد بسلامه المسالمة التي هي المتاركة لا التحية ؛ قال الطبري : معناه أمنة مني لك . وعلى هذا لا يبدأ الكافر بالسلام . وقال النقاش: حليم خاطب سفيها ؛ كما قال : "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " [الفرقان: 63]. وقال بعضهم في معنى تسليمه : هو تحية مفارق ؛ وجوز تحية الكافر وأن يبدأ بها. قيل لابن عيينة : هل يجوز السلام على الكافر ؟ قال : نعم ؛ قال الله تعالى : " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم أن الله يحب المقسطين" [الممتحنة: 8]. وقال " قد كانت " لكم أسوة حسنة في إبراهيم " [الممتحنة:4] الآية ؛ وقال إبراهيم لأبيه "سلام عليك".
قلت: الأظهر من الآية ما قاله سفيان بن عيينة ؛ وفي الباب حديثان صحيحان : روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه ) خرجه البخاري ومسلم . وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حمارا عليه إكاف تحته قطيفة فدكيه ، وأردف وراءه أسامة بن زيد ؛ وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحرث بن الخزرج ، وذلك قبل وقعة بدر ، حتى مر في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود ، وفيهم عبد الله بن أبي بن سلول ، وفي المجلس عبد الله بن رواحة ، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة ، خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه ، ثم قال : لا تغبروا علينا ، فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ الحديث . فالأول يفيد ترك السلام عليهم ابتداء لأن ذلك إكرام ، والكافر ليس أهله . والحديث الثاني يجوز ذلك . قال الطبري : ولا يعارض ما رواه أسامة بحديث أبي هريرة فإنه ليس في أحدهما خلاف للأخر وذلك أن حديث أبي هريرة مخرجه العموم ، وخبر أسامة يبين أن معناه الخصوص. وقال النخعي : إذا كانت لك حاجة عند يهودي أو نصراني فابدأه بالسلام ، فبان بهذا أن حديث أبى هريرة ( لا تبدؤوهم بالسلام ) إذا كان لغير سبب يدعوكم إلى أن تبدؤوهم بالسلام ، من قضاء ذمام أو حاجة تعرض لكم قبلهم ، أو حق صحبة أو جوار أو سفر. قال الطبري : وقد روي عن السلف أنهم كانوا يسلمون على أهل الكتاب . وفعله ابن مسعود بدهقان صحبه في طريقه ؛ قال علقمة : فقلت له يا أبا عبد الرحمن أليس يكره أن يبدؤوا بالسلام ؟! قال نعم ، ولكن حق الصحبة. وكان أبو أسامة إذا انصرف إلى بيته لا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا سلم عليه ؛ قيل له في ذلك فقال : أمرنا أن نفشي السلام . وسئل الأوزاعي عن مسلم مر بكافر فسلم عليه ، فقال: إن سلمت فقد سلم الصالحون قبلك ، وإن تركت فقد ترك الصالحون قبلك . وروي عن الحسن البصري أنه قال : إذا مررت بمجلس فيه مسلمون وكفار فسلم عليهم ." اهـ ( تفسير القرطبي )


قولك :ثم إني قد وجدت من قال أن النقل عن كثير منهم ( أي الذين قالوا بجواز ابتداء المشرك بالسلام ) لا يثبت ، وما ثبت فإنه محجوج بحديث " لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام" .

الجواب : بل هو مروي عن ‎‎ جمع من السلف .
فقد نقل النووي في شرح مسلم وغيره جواز ابتدائهم بالسلام عن ابن عباس وأبي أمامة وابن محيريز . قال : وهو وجه لأصحابنا. كما نقل عن الأوزاعي قوله : إن سلّمت فقد سلّم الصالحون ، وإن تركت فقد ترك الصالحون . وقال - أي النووي -: حكى القاضي عياض عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم بالسلام للضرورة والحاجة أو لسبب ، وهو قول علقمة والنخعي.
ونقل ابن حجر العسقلاني في فتح الباري عن ابن أبي شيبة عن طريق عون بن عبد الله عن محمد بن كعب أنه سأل عمر بن عبد العزيز عن ابتداء أهل الذمة بالسلام فقال : نرد عليهم ولا نبدأهم . قال عون : فقلت له : كيف تقول أنت ؟ قال : ما أرى بأساً أن نبدأهم . قلت : لم ؟ قال : لقوله تعالى: { فاصفح عنهم وقل سلام } [سورة الزخرف، الآية 89].


قولك :ألا يعد الإحتجاج على جواز ابتدائهم بالسلام بقوله تعالى : { فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } وبقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام مخاطباً أباه : { سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي } لا دلالة فيه ؟
أما الآية الأولى : فقد نسخت بآية السيف وهي قوله تعالى في سورة { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } وعلي تقدير عدم النسخ فليس المراد بقوله (( سلام )) التحية ، وإنما المراد المتاركة ، والمباعدة ، وعدم مخاطبتهم بما يخاطبوننا به من الكلام الرديء , وأما الآية الثانية : فإن جمهور العلماء يرون أن معنى سلام إبراهيم : المسالمة التي هي المتاركة لا التحية . قال الطبري : معناه : أمنة مني لك .

الجواب : بل فيه دلالة اعتبرها بعض الصحابة والمجتهدين من هذه الأمة . والقول بأنه لا يوجد فيها دلالة على ذلك وتعليل ذلك بالنسخ أو أن المراد بقوله ( سلام ) ليس التحية وإنما المراد المتاركة ، والمباعدة ، وعدم مخاطبتهم بما يخاطبوننا به من الكلام الرديء ، أيضا اجتهاد معتبر . وكل مجتهد يعلل ما ذهب إليه اجتهاده ويسعى لإثبات خطأ ما ذهب إليه المجتهد المخالف له . وكل هذا لا يمنع القول بأن المسألة خلافية .
قولك :نقولات إضافة إلى ما سبق منأقوال أهل العلم في مسألة ابتداء المشرك بالسلام :
جاء في أحكام القرآن للجصاص : قال مجاهد كان ناس من أهل الكتاب أسلموافآذاهم المشركون فصفحوا عنهم يقولون سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين قال أبو بكر هذاسلام متاركة وليس بتحية وهو نحو قوله وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما وقولهواهجرني مليا وقال إبراهيم سلام عليك سأستغفر لك ربي ومن الناس من يظن أن هذا يجوزعلى جواز ابتداء الكافر بالسلام وليس كذلك لما وصفنا من أن السلام ينصرف على معنيينأحدهما المسالمة التي هي المتاركة والثاني التحية التي هي دعاء بالسلامة والأمن نحوتسليم المسلمين بعضهم على بعض .
جاء في شرح صحيح مسلم للنووي : فمذهبنا تحريم ابتدائهم به ، ودليلنا في الابتداء قوله صلى الله عليه وسلم : " لاتبدءوا اليهود والنصارى بالسلام " ، وبهذا الذي ذكرناه عن مذهبنا ، قال أكثر العلماءوعامة السلف .
جاء في فتح الباري لابن حجر : أَخْرَجَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَرعَنْ قَتَادَة قَالَ " السَّلَام عَلَى أَهْل الْكِتَاب إِذَا دَخَلْت عَلَيْهِمْبُيُوتهمْ السَّلَام عَلَى مَنْ اِتَّبَعَ الْهُدَى " وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِيشَيْبَة عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ مِثْله . وَمِنْ طَرِيق أَبِي مَالِك : إِذَاسَلَّمْت عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقُلْ " السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّهالصَّالِحِينَ فَيَحْسِبُونَ أَنَّك سَلَّمْت عَلَيْهِمْ وَقَدْ صَرَفْت السَّلَامعَنْهُمْ ... ونَقَلَ اِبْن الْعَرَبِيّ عَنْ مَالِك : لَوْ اِبْتَدَأَ شَخْصًابِالسَّلَامِ وَهُوَ يَظُنّهُ مُسْلِمًا فَبَانَ كَافِرًا كَانَ اِبْن عُمَريَسْتَرِدّ مِنْهُ سَلَامه ، وَقَالَ مَالِك : لَا . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : لِأَنَّ الِاسْتِرْدَاد حِينَئِذٍ لَا فَائِدَة لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُل لَهُمِنْهُ شَيْء لِكَوْنِهِ قَصَدَ السَّلَام عَلَى الْمُسْلِم . وَقَالَ غَيْره لَهُفَائِدَة وَهُوَ إِعْلَام الْكَافِر بِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلِابْتِدَاءِبِالسَّلَامِ . قُلْت : وَيَتَأَكَّد إِذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُخْشَى إِنْكَارهلِذَلِكَ أَوْ اِقْتِدَاؤُهُ بِهِ إِذَا كَانَ الَّذِي سَلَّمَ مِمَّنْ يُقْتَدَىبِهِ.

الجواب : هذه النقولات وغيرها كثير لا تمنع القول بأن المسألة فيها خلاف بين العلماء بل هي تثبت أن المسألة خلافية .
وإليك ما يثبت ذلك مما نقلت هنا :
" قال أكثر العلماء وعامة السلف."
فلا شك أن المسألة خلافية وستبقى خلافية ، لهذا يجب أن لا نجعلها مسألة خلاف وتشاحن بين المسلمين في دار الحرب . ولكل واحد من المسلمين أن يأخذ بالرأي الذي يناسب وضعه في دار الحرب . وهناك فرق كبير بين حال المسلم في دار الإسلام ودار الحرب وخاصة التي يعتقد أهلها المشركين أنهم على دين محمد صلى الله عليه وسلم .

كتبه : ضياء الدين القدسي

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
صلاة المسلم خلف المشرك مؤتماً به العباس قسم فتاوى الفقه 13 08-13-2011 03:30 AM
هل اكراه المشرك حقيق للمسلم؟ بريئ من مشركين قسم فتاوى الفقه 5 05-01-2011 09:13 PM


الساعة الآن 01:21 PM


جميع المشاركات تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر إدارة المنتدى