منتدى دعوة الحق  

العودة   منتدى دعوة الحق > الأقسام الرئيسية > الـحوارات الـعلمية > الحوار مع رؤوس وأئمة المخالفين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-04-2012, 11:08 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي حوار بين الدكتور ضياء الدين القدسي والدكتور محمد المسعري حول ما كتب في كتاب التوحيد

[align=justify]
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين .
سأبدأ بعون الله في وضع أسئلتي وملاحظاتي على " كتاب التوحيد ( أصل الإسلام وحقيقة التوحيد ) " للأستاذ محمد المسعري . وأنتظر منه أن يرد عليها هو بنفسه لأنه هو المخاطب بها وحده . آملاً من مشرفي المنتدى أن لا يسمحوا لأحد بالتدخل والتشويش على هذا الحوار والله من وراء القصد .

قولك : فصل: معنى (لا إله إلا الله)
أي: لا أحد يستحق أن يُحب ، ويُعظم ، ويقدس ، ويُتذلل له ؛ ويخضع لأمره ، ويُطاع ، لما لذاته من صفات الكمال ، ولما له من قدرة ذاتية مستقلة على الضر والنفع ، إلا الله.

أقول ( ضياء الدين ) : كلمة " لا إله إلا الله " وردت في القرآن الكريم وهي أول ما دعا كل الأنبياء الناس إليها. فلا بد أن يخاطبوهم بلغة يفهمونها . فماذا فهم العرب من هذه الكلمة حسب لغتهم عندما دعاهم الرسول عليه السلام أن يكونوا من أهلها ؟
وهل هناك بيان محكم لمعنى هذه الكلمة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة ؟
وكيف توصلت أنت لهذا المعنى التي قلت عنه أنه معنى كلمة " لا إله إلا الله " ؟

قولك : أي : لا معبود بحق إلا الله ، وغير الله إن عُبِد فباطل .

أقول ( ضياء الدين ) : ماذا تقصد بكلمة باطل ؟ هل باطل هنا بمعنى شرك وفاعله مشرك سواء أقيمت عليه الحجة أم لا ؟
أم تقصد أنه غير صحيح وغير مقبول وكفى ، ولا يترتب عليه حكماً على الشخص بأنه مشرك إن فعله ؟

قولك : أي : لا شيء يتمتع بصفات « الألوهية »، أي صفات « استحقاق العبادة »، من « القيومية » أي و« جوب الوجود»، أي القيام بالنفس والغنى عن الغير ، واتصافها بالقدرة الذاتية المستقلة المطلقة ، المنزهة عن كل قيد أو شرط : في الخلق من عدم ، وفي التصوير ، والتكوين ، والقهر والتدبير ، والأمر والنهي ، ...، لا شيء يتصف بذلك إلا الله ، وإن نسب بعض ذلك إلى غيره ، فكذب وإفك ، وخيال باطل ووهم ، خلاف الواقع والحقيقة.

أقول ( ضياء الدين ) : هل أفهم من كلامك هذا أن من اعتقد أنه لا شيء يتمتع بصفات « الألوهية » ، أي صفات « استحقاق العبادة »، من « القيومية » أي « وجوب الوجود » ، أي القيام بالنفس والغنى عن الغير ، واتصافها بالقدرة الذاتية المستقلة المطلقة ، المنزهة عن كل قيد أو شرط : في الخلق من عدم ، وفي التصوير ، والتكوين ، والقهر والتدبير ، والأمر والنهي ، ...، لا شيء يتصف بذلك إلا الله ، يكون قد حقق كلمة التوحيد وأتى بما طلبته منه الرسل ليدخل دين الله .؟

تقول : " لا شيء يتمتع بصفات « الألوهية » ، أي صفات « استحقاق العبادة »

أقول ( ضياء الدين ) : يفهم من هذا الكلام أن صفات الألوهية هي صفات « استحقاق العبادة »
فما هي هذه الصفات ؟ وما أدلتها ؟ وهل يعذر الجهل فيها ؟
وما حكم من اعتقد أنه لا شيء يتمتع بصفات « الألوهية » ، أي صفات « استحقاق العبادة » إلا الله ، ولكنه مع ذلك لم يعتقد أنه لا شيء يتمتع بصفات « الربوبية » إلا الله ؟
وهل نستطيع أن نقول : إن صفات الربوبية تختلف عن صفات « استحقاق العبادة » ؟
وأنه ليس كل من يتمتع بصفات الربوبية يستحق العبادة ؟

قولك : وإن نسب بعض ذلك إلى غيره ، فكذب وإفك ، وخيال باطل ووهم ، خلاف الواقع والحقيقة .

أقول ( ضياء الدين ) : هل يكفي لتحقيق كلمة التوحيد أن نقول : نسبة بعض ذلك إلى غير الله ، كذب وإفك ، وخيال باطل ووهم ، وخلاف الواقع والحقيقة ، بدون أن نحكم على فاعل ذلك بأنه غير موحد ؟
وهل يعذر من نسب ذلك لغير الله جاهلا ؟
وهل من نطق بكلمة التوحيد وهو لا يعرف هذه المعاني ( معاني كلمة التوحيد ) يدخل الإسلام ظاهراً ؟

قولك : وإن شئت فقل : لا شيء يستحق أن يطاع لذاته ، فيتلقى أمره بالقبول ، والرضا ، والتسليم ، والمحبة ، والاحترام ، والتعظيم ، والطاعة إلا الله ، وغيره فإنما يطاع بأمر الله ،

أقول ( ضياء الدين ) : ما حكم من اعتقد هذه الأمور ولكنه خالف أحدها بالعمل ؟
وهل يعذر بجهله "
وهل يكفي لدخول الإسلام أن يعتقد الشخص أنه لا شيء يستحق أن يطاع لذاته ، فيتلقى أمره بالقبول ، والرضا ، والتسليم ، والمحبة ، والاحترام ، والتعظيم ، والطاعة إلا الله ، وغيره فإنما يطاع بأمر الله ، بدون أن يعرف حكم من لا يعتقد ذلك ؟

قولك : وإن شئت فقل ، كما قال ربك : " ألا له الخلق والأمر "

أقول ( ضياء الدين ) : هل معنى كلمة التوحيد " ألا له الخلق والأمر " ؟

قولك : وإن شئت فقل ، كما قال ربك ، حاكياً مقولة يوسف ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه وأجداده ، الجامعة المانعة : " إن الحكم إلا لله ، أمر ألا تعبدوا إلا إياه "

أقول ( ضياء الدين ) : هل معنى كلمة التوحيد معنى قوله تعالى : " إن الحكم إلا لله ، أمر ألا تعبدوا إلا إياه " ؟
وهل يكفي لتحقيق كلمة التوحيد أن يعتقد الشخص أن الحكم لله وأنه أمر ألا يعبد غيره بدون أن يعرف حكم من أعطى بعض الحكم لغير الله " ؟

قولك : قال الله تعالى : ( ذلك بأن الله هو الحق ، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل ، وأن الله هو العلي الكبير ) (الحج ؛ 22:62).
قال الله تعالى : ( ذلك بأن الله هو الحق ، وأن ما يدعون من دونه الباطل ، وأن الله هو العلي الكبير ) ( لقمان ؛ 31:30 ).

أقول ( ضياء الدين ) : ممكن تبين لي ماذا تفهم من قوله تعالى : " وأن ما يدعون من دونه هو الباطل "
ما معنى يدعون ؟ وكيف تكون من الناحية العملية ؟
وما حكم من يفهم قولك ، بأنه ما دام معنى كلمة الشهادة هذه الآية فيكفي حتى يدخل المرء الإسلام أن يقول أو يعتقد أن الله هو الحق وما عداه باطل . ؟
وإن سألناه عن كيفية دعوة هذا الباطل ، لم يعرف ، وإن سألناه عن حكم هذا الباطل قال : باطل وكفى . وإن سألناه عن إسلام وعدم إسلام من يدعو هذا الباطل وعن حكم من يمارس هذا الباطل ، قال : أنا لا أكفره ولا أحكم بأنه مشرك حتى أقيم عليه الحجة . فما حكم هذا الشخص عندك ؟ وهل تحكم بإسلامه إن قال : لا إله إلا الله بهذا الفهم . ؟

قولك : وقال تعالى : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ...) ، (محمد؛ 47:19).

أقول ( ضياء الدين ) : هل تقصد أن هذه الآية تبين معنى كلمة التوحيد ؟
وإن قلت : نعم تبين ، فبين لي كيف تبين ذلك حسب لغة العرب .
وما حكم من تلفظ بكلمة التوحيد دون معرفة معناها ؟
وما هو المعنى لكلمة التوحيد الذي يجب على الشخص معرفته حتى يدخل الإسلام بقبوله والالتزام به ؟

تقول : " وإن شئت فقل ، وإن شئت فقل ، وإن شئت فقل ..

أقول ( ضياء الدين ) : هل أفهم من هذا القول ، أن كل واحدة من هذه التي قلت عنها " وإن شئت فقل " تكفي وحدها لبيان معنى كلمة التوحيد ؟ وأنه يكفي لمعرفة واحدة منها معرفة معنى كلمة التوحيد ؟

قولك : فالشهادة لها إذاً ركنان:
الأول: نفي الألوهية كلها عن غير الله نفيًا باتًا قاطعًا مطلقًا! فلا بد أولاً من الكفر بكل « معبود » ، أي كل « إله » ، أو كل « رب » ، إلا الله ، والبراءة منه ، ورفضه.

أقول ( ضياء الدين ) : هلا بينت لي كيفية نفي الألوهية كلها عن غير الله نفياً باتاً قاطعاً مطلقاً . وكيف تُطَبَّق من الناحية العملية ؟
هلّا بينت لي ما معنى الكفر بكل « معبود » ، أي كل « إله » ، أو كل « رب » ، إلا الله ؟
و هلّا بينت لي كيفية هذا الكفر من الناحية العملية ؟
وما هو معنى " البراءة منه " ومعنى " رفضه " من الناحية الإعتقادية والعملية ؟
هل يكفي لأن يدخل المرء الإسلام ويحقق الركن الأول لكلمة التوحيد قوله : كفرت بكل معبود من دون الله وتبرأت منه ورفضته وهو لا يعرف كيفية الكفر به ، ولا يعرف من هو المعبود وكيفية عبادته ، ولا يعرف معنى وكيفية البراءة منه ، ولا يعرف كيف يكون رفضه من الناحية العملية ؟

قولك : الثاني : إثبات كافة خصائص الألوهية وصفات الكمال والجمال والجلال لله تعالى ، بما في ذلك من أفعال الخلق والتكوين والتصرف والتدبير، والنفع والضر، والأمر والنهي، وكذلك العلم والمشيئة والتقدير لله وحده لا شريك له .

أقول ( ضياء الدين ) : ما هي خصائص الألوهية التي لا تصرف إلا لله ؟
ما حكم من تلفظ بكلمة التوحيد وهو لا يعرف ركني شهادة التوحيد كما بينته أنت هنا ؟

قولك : قال تعال : " فمن يكفر بالطاغوت ، ويؤمن بالله ، فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ) ( البقرة ؛ 2:256).

أقول ( ضياء الدين ) : ما معنى الطاغوت ؟ وما معنى الكفر به ؟
وما هي الأعمال والأقوال التي تدل على أن الشخص لم يكفر بالطاغوت ؟
وهل يدخل الإسلام من لا يعرف ما هو الطاغوت وكيفية الكفر به ؟

قولك : وقال تعالى حاكيا عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام مثنيا عليه بذلك : ( إننى برآء مما تعبدون ، إلا الذى فطرني ..) (الزخرف؛ 43:27).

أقول ( ضياء الدين ) : هلا بينت لي ما الذي تفهمه من البراءة في الآية وكيفيتها العملية ؟
وهل يكفي البراءة مما يعبد بدون البراءة من العابد ؟
وإن قلت لا يكفي فما معنى البراءة من العابد ؟
وما حكم الذي يتبرأ من المعبود ولا يتبرأ من العابد ؟
هل من يحكم على العابد بالإسلام قد تبرأ منه ؟

قولك : وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « من قال لا إله الا الله ، وكفر بما يعبد من دون الله، حَرُمَ ماله وَدمُهُ ، وحسابه على الله عز وجل ».
فالشهادة إذن نفي وإثبات، والنفي فيها مقدم على الإثبات. فلا بد أولاً من الكفر بالطواغيت وكل ما يُعَبَدُ من دون الله ، وإلا فلا انعقاد للإسلام ، ولا نجاة في الآخرة.

أقول ( ضياء الدين ) : ماذا تقصد بقولك : " وإلا فلا انعقاد للإسلام " ؟
هل تقصد أنه لا يتحقق دخول الإسلام الظاهري وإن تشهَّد بكلمة الشهادة ؟ أم أنك تقصد أمراً آخرا ؟
وهل ينعقد الإسلام بدون الكفر بمن لا يكفر بالطاغوت ؟

قولك : فصل : معنى ( محمد رسول الله )
أن محمداً هو المبلغ عن الله تبليغًا معصومًا لا يتطرق إليه نقص أو زيادة، ولا خطأ ، أو كذب ، أو نسيان . وهو ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لا ينسى، ولكنه يُنَسَّى، ليسن لأمته الأحكام المتعلقة بالنسيان، فهو خير الأسوة، ونعم القدوة. وهو، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لا ينطق عن الهوى، ولا يتلفظ إلا بحق، ولا يتكلم إلا بعلم من الله، ولا يقدم بين يدي ربه، إذا سئل في أمر جديد، بل يسكت، وينتظر، حتى يأتيه الوحي بحكم الله. فهو مبلغ عن الله فحسب، وهو لا يجتهد، ولا يحتاج أن يجتهد ، ولا ينبغي له أن يجتهد ، وقد نزهه الله عن الاجتهاد ، ولكنه شرف أمته ورحمها بإثابة كل مجتهد ، مصيباً كان أم مخطئآً، فمن أصاب فله أجران، أو أكثر، ومن أخطأ فله أجر واحد !!

أقول ( ضياء الدين ) : تقول أن الله نزه رسولنا عليه الصلاة والسلام عن الاجتهاد فهلَّا بينت لي الآية التي تبين هذا التنزيه ؟
وما حكم من قال بأن الرسول عليه الصلاة والسلام قد اجتهد في بعض المسائل ؟

قولك : فمعنى ( محمد رسول الله ) إذن : لا متبوع بحق إلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وغير رسول ، الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لا يتبع، ولا يطاع ، إلا بأمر من الله ورسوله، ثابت بالبرهان القاطع عنهما، ومن اتبع فيما لا برهان عليه فقد اتبع بباطل .

أقول ( ضياء الدين ) : ما المقصود من الإتباع هنا ؟
وما حكم من شهد أن محمداً رسول الله بدون أن يفهم هذا المعنى الذي بينتَه لشهادة محمد رسول الله ؟
وما حكم من شهد أن محمداً رسول الله واتبع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وما حكم من لم يطع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطاع غيره عن علم ؟
وهل يدخل في حكم قوله تعالى : " ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليماً ) (النساء : 65).
وقوله تعالى : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا) (الأحزاب؛ 33:26) ؟
وقوله تعالى : ( ومن يعص الله ورسوله ، فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدًا ) (الجن؛ 72:23).
وقوله تعالى : ( تلك حدود الله ، ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ، وذلك الفوز العظيم . ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارًا خالدًا فيها وله عذابٌ مهين ) (النساء؛ 4:65). ؟

قولك : وحتى الاتباع في « المباحات » يحتاج إلى دليل ، لأن الإباحة حكم شرعى تكليفي ، والاتباع في المباح ، أي في « الأحكام التخييرية » ، كالاتباع في غيره من « الأحكام التكليفية »: من واجب ، أو مندوب ، أو مكروه ، أو حرام ، أو الاتباع في « الأحكام الوضعية »: من سبب أو شرط ، أو رخصة ، أو عزيمة، أو صحة، أو بطلان، أو فساد، سواء بسواء. كل ذلك من أفعال العباد الإختيارية التى لا يعرف حكمها الشرعى إلا بالدليل الشرعي ، ولا فرق.

أقول ( ضياء الدين ) : ما حكم من لم يبحث عن دليل في المباحات وبحث عن دليل التحريم فقط . وقال الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يأت دليل على حرمتها ؟
هل مثل هذا الشخص لم يحقق شهادة أن محمداً رسول الله في الإتباع ؟
يتبع إن شاء الله

[/align]

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-05-2012, 01:57 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

[align=justify]
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

قولك : إلا أن الترتيب يستفاد من نصوص شرعية أخرى متواترة من الكتاب ، والسنة تفيد أن الإنسان يكون « مسلماً» عنده ، لا محالة أصل الإيمان ، وأصل الإحسان ، ولكنه لا يستحق أن يسمى «مؤمناً»، أو «محسناً»، هكذا على الإطلاق بدون قيد مناسب.

أقول ( ضياء الدين ) : هل يوجد في القرآن الكريم آية تبين بشكل واضح يفهمه كل مكلف كيف يدخل المكلف الإسلام . ؟ فإن كان الجواب بنعم فما هي هذه الآية ؟
ما هو أصل الإيمان الذي يجب أن يتوفر في كل مسلم مع الدليل ؟

قولك : بقيت مسألة واحدة مهمة ، في غاية الأهمية ، وهي قولهم : ( أن الأصل في العبادات الحظر ، حتي يأتي بها دليل ) ، التي جعلها البعض قاعدة كلية . فنقول : هذه جملة لا معنى لها ، يفترض القائلون بها أن هناك أفعال تستحق أن تسمَّى ( عبادة ) بذاتها من حيث كونها أفعالاً مجردة ، وهذا غير صحيح ، بل هو خطأ قاتل شنيع ، كما سنبرهن عليه في الأبواب والفصول التالية .

أقول ( ضياء الدين ) : لا أدري كيف فهمت هذه القاعدة حتى تقول هذا الكلام .
واسأل الله أن تكون قد فهمتها خطأً لتكون معذوراً نوعاً ما بهذا الكلام .
أما أن تقول هذا الكلام مع فهمك لها الفهم الصحيح فهذه كارثة وخطأ كبير بل هو الخطأ القاتل الشنيع .
هذه القاعدة متفق عليها وهي أصل من أصول الشريعة الإسلامية ومبنية على كثير من الأدلة الصحيحة تصل إلى درجة التواتر المعنوي . ومعناها : أن الأفعال التي يُتقرب بها إلى الله محصورة ، وهي مقصورة على مصدر واحد وهو الوحي ، فهي إنما تؤخذ من الشرع وحده ، فلا يجوز لأحد أن يتعبد الله وينسبه للشرع بما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى . ومن نسب للشرع أي عبادة وأدعى أنها مشروعة من قبل الله لا يصدق ولا تعتبر عبادته حتى يأتي بالدليل الشرعي أن الله فرضها على المكلفين .
فهذه القاعدة تفيد أن من تعبد الله بما شرعه فعبادته مشروعة مأذون فيها. وأن من تعبد الله بما لم يشرعه فعبادته باطلة مردودة . لأن التقرب إلى الله لا يكون إلا بما شرع ، وهذا مقتضى توحيد الله والإيمان به ، وهو توحيد الإتباع ، وهو أحد شرطي العمل الصالح ؛ إذ لا بد لقبول العمل من شرطين : الإخلاص والمتابعة .
فهذه القاعدة تختص بالشرط الثاني ، وهو شرط المتابعة .
قال تعالى : " فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " [الكهف: 110]
وقد وردت هذه القاعدة بعدة الألفاظ منها :
- " الأصل في العبادات البطلان ".
- "الأصل في العبادات المنع "
- " الأصل في العبادات المنع إلا ما شرعه الله "
- " الأصل في العبادات المنع والحظر إلا ما جاء به الشارع "
- " الأصل في العبادات البطلان إلا ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم "
- " الأصل في العبادات التوقيف"
وهذه الألفاظ كلها تدل على معنى واحد ، وهو أن العبادة التي لم يأت بها الشرع محرمة ممنوعة ، ثم إن وقعت فإنها تقع باطلة مردودة ، فحكمها يدور بين المنع والحظر والبطلان والرد .
ومعنى قول العلماء : " الأصل في العبادات التوقيف " أو " العبادات توقيفية " ، يعني أن العبادات في الشرع لا تؤخذ ولا تثبت بطريق الرأي والاجتهاد ، وإنما تؤخذ من جهة الوحي المجرد.
هذا ولقد تكاثرت الأدلة الدالة على " أن الأصل في العبادات الحظر ( المنع ) " ويمكن أن يقال : إنها بلغت مبلغ التواتر المعنوي . حيث تضافرت على تقرير هذه القاعدة : نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة وأقوال الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين وأئمة الهدى والدين . ولولا خشية الإطالة لبينت لك كل هذا بالتفصيل .
واستطيع أن أجمل أدلة هذه القاعدة بما يلي :
1- الأدلة الدالة على أن الحكم والتشريع لله وحده ؛ إذ لا يجوز إثبات حكم شرعي بغير الأدلة الشرعية التي جعلها الله طريقاً لمعرفة أحكامه وهذا أصل عظيم من أصول هذا الدين .
2- الأدلة الدالة على وجوب إتباع الوحي ، والعمل بالنصوص ، والاعتصام بالكتاب والسنة ، بل إن هذا مقتضى توحيد الله والإيمان به .
3- الأدلة الدالة على تحريم القول على الله بغير علم .
4- الأدلة الدالة على ذم الابتداع في الدين .
وإليك بعض الأدلة من صحيح السنة التي توضح المقصود من هذه القاعدة :
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » ( متفق عليه ) وفي رواية لمسلم: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ».
- وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه قال- : " جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي r يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها فقالوا : وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
قال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبدًا ، وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا .
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني " ( أخرجه البخاري )
- دخل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه على امرأة من أحمس يقال لها زينب ، فرآها لا تتكلم فقال : "ما لها لا تكلم ؟ " قالوا : حجَّت مصمته . قال لها : " تكلمي ، فإن هذا لا يحل ، هذا من عمل الجاهلية " فتكلمت فقالت : من أنت ؟ قال : " امرؤ من المهاجرين " قالت : أي المهاجرين ؟ قال : " من قريش" قالت : من أي قريش أنت ؟ قال: "إنك لسؤول ، أنا أبو بكر " ( أخرجه البخاري )
معنى قوله رضي الله عنه : "من عمل الجاهلية " أي مما انفرد به أهل الجاهلية ، ولم يشرع في الإسلام .
وأخيرا أقول : هل بعد هذا البيان ما زلت مصراً على أن : قاعدة : ( الأصل في العبادات المنع والحظر إلا ما جاء به الشارع ) جملة لا معنى لها ، وأنها خطأ قاتل شنيع . ؟؟

يتبع إن شاء الله

[/align]

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-14-2012, 10:17 PM
مراقب مراقب غير متواجد حالياً
مشرف عام
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 146
افتراضي مداخلة المسعري رقم 1

بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الرد الاول من قبل المسعري على مشاركات الشيخ ضياء حفظه الله تعالى نقلناها لكم من منتدى المسعري نصاً .


كتب المسعري ما يلي :
____________________________________________

بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّه وخَلِيلُه، وخِيرَتُه مِنْ خَلْقِهِ وحَبِيبُه.
أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ قَالَ اللَّه، جَلَّ جَلَالُهُ، وسما مَقَامَهُ: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، (النَّحْلِ؛16: 125)؛ وَقَالٍ تَبَارَكْتَ أَسْمَاؤُهُ: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، (فَصَلَّتْ؛ 41: 33).

يبدوا أن الأستاذ ضياء الدين القدسي لم يسبق له طلب العلم كما ينبغي، ولم يتعلم أصول المناظرة السليمة التي يراد بها الوصول إلى الحق، وإلا لعلم أن المناظرة تعني أن أحد الطرفين يخالف الطرف الآخر في مقولة معينة، فيقوم ببيان بطلانها، أو على الأقل بإبراز مسوغات تشكك في صحتها، وربما زاد: فتقدم بمقولة بديلة محررة، مع تقديم الأدلة على صحتها: هكذا تكون (المناظرة)، كما هو مفصل في موضع آخر.

أما مجرد توجيه الأسئلة المجردة، والسؤال عن كيفية الوصول إلى نتيجة معينة، من جنس:
(1) - (فماذا فهم العرب من هذه الكلمة حسب لغتهم عندما دعاهم الرسول عليه السلام أن يكونوا من أهلها؟ وهل هناك بيان محكم لمعنى هذه الكلمة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة؟ وكيف توصلت أنت لهذا المعنى التي قلت عنه أنه معنى كلمة " لا إله إلا الله "؟
(2) - (ماذا تقصد بكلمة باطل؟ هل باطل هنا بمعنى شرك وفاعله مشرك سواء أقيمت عليه الحجة أم لا؟ أم تقصد أنه غير صحيح وغير مقبول وكفى، ولا يترتب عليه حكماً على الشخص بأنه مشرك إن فعله؟
(3) - (هل أفهم من كلامك هذا أن من اعتقد أنه لا شيء يتمتع بصفات «الألوهية»، أي صفات «استحقاق العبادة»، من «القيومية» أي «وجوب الوجود»، أي القيام بالنفس والغنى عن الغير، واتصافها بالقدرة الذاتية المستقلة المطلقة، المنزهة عن كل قيد أو شرط: في الخلق من عدم، وفي التصوير، والتكوين، والقهر والتدبير، والأمر والنهي،...، لا شيء يتصف بذلك إلا الله، يكون قد حقق كلمة التوحيد وأتى بما طلبته منه الرسل ليدخل دين الله.؟)؛... إلخ.
أقول مجرد توجيه الأسئلة المجردة، والسؤال عن كيفية الوصول إلى نتيجة معينة، ليس هو شأن المناظر، وإنما هو شأن الدارس وطالب العلم؛ وهذا لا بأس به، بل هو مطلب حيوي. والدارس الجاد يعلم أنه لن يستوعب علماُ ما، أو مادة ما، أو كتاباً حتى يستكمل قراءته. وحتى في هذه لم يتعب الأستاذ المقدسي نفسه بقراءة كتاب التوحيد كاملاً، ولا حتى بمجرد تصفحه، وإلا:
(1) - لعلم، مثلاً، علم يقين أننا نقول: (أن الأصل في الأشياء، والأفعال، والأقوال الإباحة)، وقد أصلنا ذلك – بحمد الله – على نحو لم نسبق إليه، إلا من الإمام الفقيه الحافظ الحجة أبي محمد علي بن حزم في أجزاء جوهرية منه. فلا معنى إذاً لتساؤله أصلاً: (ما حكم من لم يبحث عن دليل في المباحات وبحث عن دليل التحريم فقط. وقال الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يأت دليل على حرمتها؟ هل مثل هذا الشخص لم يحقق شهادة أن محمداً رسول الله في الإتباع؟)؛ لا سيما أن الجملة: (ما حكم من لم يبحث عن دليل في المباحات وبحث عن دليل التحريم فقط) كلام فارغ، وهراء محض.
(2) - ولعلم – أيضاً – علم يقين، أننا لا نبالي بالفرق بين «الألوهية»، «الربوبية»، لأنهما - في التحليل النهائي - شيء واحد، ولا بالقسمة التقليدية الساقطة للتوحيد: «ألوهية»، «ربوبية»، و«أسماء وصفات» ولعلم أن عامة كتابنا (كتاب التوحيد: أصل الإسلام، وحقيقة التوحيد)، إنما هو تفنيد وهدم لهذه القسمة السطحية الركيكة، التي هي في الحقيقة: {قِسْمَةٌ ضِيزَى}، (النجم؛ 53: 22).

لذلك فإن نصيحتي الأخوية للأستاذ ضياء الدين القدسي:

أولاً: أن يدرس الكتاب بتدقيق وعناية أكبر، وإني على أتم الاستعداد للتواصل معه للتدارس المدقق والمناقشة المستفيضة مشافهة بواسطة (Skype)؛ ثم لتكن المناظرة بعد ذلك، إن شاء، وإن كنت أحتسب على الله أن لا تكون حينئذ ثمة حاجة إليها أصلاً.

ثانياً: أن يتحرر من وسوسة الحكم بالشرك أو الكفر على المعين، وأن يتباعد عن الدخول في متاهة العذر بالجهل، وغيره؛ حتى يتم استيعاب الأصول استيعاباً تاماً، وتحرير أمهات المسائل تحريراً متقناً. هذه الحالة النفسية تتضح بجلاء من أمثال الجمل التالية: (أم تقصد أنه غير صحيح وغير مقبول وكفى، ولا يترتب عليه حكماً على الشخص بأنه مشرك إن فعله؟)؛ (هل أفهم من كلامك هذا أن من اعتقد أنه لا شيء يتمتع بصفات «الألوهية»،.....إلخ، إلخ، يكون قد حقق كلمة التوحيد وأتى بما طلبته منه الرسل ليدخل دين الله.؟ فما هي هذه الصفات؟ وما أدلتها؟ وهل يعذر الجهل فيها؟)؛ (وما حكم من اعتقد أنه لا شيء يتمتع بصفات «الألوهية»،....، وهل من نطق بكلمة التوحيد وهو لا يعرف هذه المعاني (معاني كلمة التوحيد) يدخل الإسلام ظاهراً؟)؛ ( ما حكم من اعتقد هذه الأمور ولكنه خالف أحدها بالعمل؟ وهل يعذر بجهله؟ وهل يكفي لدخول الإسلام أن يعتقد الشخص أنه لا شيء يستحق أن يطاع لذاته، فيتلقى أمره بالقبول، والرضا، والتسليم، والمحبة، والاحترام، والتعظيم، والطاعة إلا الله، وغيره فإنما يطاع بأمر الله، بدون أن يعرف حكم من لا يعتقد ذلك؟)؛ (وما حكم من يفهم قولك، بأنه ما دام معنى كلمة الشهادة هذه الآية فيكفي حتى يدخل المرء الإسلام أن يقول أو يعتقد أن الله هو الحق وما عداه باطل؟)؛ (وما حكم من تلفظ بكلمة التوحيد دون معرفة معناها؟)؛ ( هلا بينت لي كيفية نفي الألوهية كلها عن غير الله نفياً باتاً قاطعاً مطلقاً. وكيف تُطَبَّق من الناحية العملية؟ هلّا بينت لي ما معنى الكفر بكل «معبود»، أي كل «إله»، أو كل «رب»، إلا الله؟ وهلّا بينت لي كيفية هذا الكفر من الناحية العملية؟ وما هو معنى "البراءة منه" ومعنى "رفضه" من الناحية الاعتقادية والعملية؟)؛ (هل يكفي لأن يدخل المرء الإسلام ويحقق الركن الأول لكلمة التوحيد قوله: كفرت بكل معبود من دون الله وتبرأت منه ورفضته وهو لا يعرف كيفية الكفر به، ولا يعرف من هو المعبود وكيفية عبادته، ولا يعرف معنى وكيفية البراءة منه، ولا يعرف كيف يكون رفضه من الناحية العملية؟)؛ (ما حكم من تلفظ بكلمة التوحيد وهو لا يعرف ركني شهادة التوحيد كما بينته أنت هنا؟ وما هي الأعمال والأقوال التي تدل على أن الشخص لم يكفر بالطاغوت؟ وهل يدخل الإسلام من لا يعرف ما هو الطاغوت وكيفية الكفر به؟)؛ (وهل يكفي البراءة مما يعبد بدون البراءة من العابد؟ وإن قلت لا يكفي فما معنى البراءة من العابد؟ وما حكم الذي يتبرأ من المعبود ولا يتبرأ من العابد؟ هل من يحكم على العابد بالإسلام قد تبرأ منه؟ وهل ينعقد الإسلام بدون الكفر بمن لا يكفر بالطاغوت؟)؛ (وما حكم من شهد أن محمداً رسول الله بدون أن يفهم هذا المعنى الذي بينتَه لشهادة محمد رسول الله؟ وما حكم من شهد أن محمداً رسول الله واتبع غير رسول الله، صلى الله عليه وسلم،؟ وما حكم من لم يطع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأطاع غيره عن علم؟)؛... إلخ. هذا كله جاء في نص قصير لا يتجاوز عدة صفحات، مما يشعر بحالة نفسية، أقرب إلى الوسوسة والهوس. ]
اهـ كلامه .

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04-15-2012, 10:31 AM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

[align=justify]
الرد على مداخلة الأستاذ المسعري رقم 4
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

قولك : يبدوا أن الأستاذ ضياء الدين القدسي لم يسبق له طلب العلم كما ينبغي ، ولم يتعلم أصول المناظرة السليمة التي يرادبها الوصول إلى الحق ، وإلا لعلم أن المناظرة تعني أن أحد الطرفين يخالف الطرف الآخر في مقولة معينة ، فيقوم ببيان بطلانها ، أو على الأقل بإبراز مسوغات تشكك في صحتها ،وربما زاد : فتقدم بمقولة بديلة محررة ، مع تقديم الأدلة على صحتها: هكذا تكون)المناظرة)، كما هو مفصل في موضع آخر.

أقول ( ضياء الدين ) : قولك بأني لم أطلب العلم كما ينبغي ، هذا رأيك وعليك إثباته ، والاتهام بدون إثبات ليس صعباً على أحد . وأدعوك أن تثبت ما قلته عني بالأدلة من خلال الحوار بيننا ، ولن أقول لك ما قلته عني قبل أن أثبت لك بالأدلة الواضحة الصريحة تدني فهمك لنصوص الشرع وكلام العلماء المعتبرين ، وأدعوك أن تلتزم بآداب الحوار العلمي وأن لا تتهم محاورك بدون إثبات ودليل واضح . ولا تنس أن رأيك المجرد من الدليل وقناعتك بي ليس هو دليل علمي على صحة هذه القناعة . بل القول بحق الغير العاري عن الدليل المعتبر هو افتراء في حكم الشرع .
أما ما تسميه " أصول المناظرة السليمة " والتي وصفتني بأني لم أتعلمها ، فلا أدري من أين أنت جئت بها ومن أين تعلمتها ؟
من قال لك أن توجيه أسئلة للمناظر تخالف أصول المناظرة السليمة ؟؟!!
ومن أين تعلمت هذا ؟
ثبت العرش ثم انقش .
لو كنتََ مطلعاً على المناظرات التي كانت تحدث بين علماء الأمة ومخالفيهم لما قلت هذا الكلام .
ولولا خشية الإطالة لجئتك بأمثلة عديدة منها تبين خطأ قولك وعدم معرفتك أنت لأصول المناظرة السليمة . وأكتفي بمثالين واحدهما يكفي بالمطلوب :
المثال الأول : مناظرة الرسول عليه الصلاة والسلام مع أحد كبار المشركين وهو حصين بن المنذر الخزاعي .
روى البيهقي وغيره بسند حسن : انه لما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته بين الناس .. حاول كفار قريش أن ينفروا الناس عنده ..
فقالوا : ساحر .. كاهن .. مجنون ..
لكنهم وجدوا أن أتباعه يزيدون ولا ينقصون ..
فأجتمع رأيهم على أن يغروهبمال ودنيا ..
فأرسلوا إليه حصين بن المنذر الخزاعي .. وكان من كبارهم ..
فلما دخل عليه حصين .. قال : يا محمد .. فرقت جماعتنا .. وشتت شملنا .. وفعلت .. وفعلت .. فان كنت تريد مالأ جمعنا لك حتى تكون أكثرنا مالآ .. وان أردت نساءزوجناك أجمل النساء .. وان كنت تريد ملكا ملكناك علينا .. ومضى في كلامه وإغرائه .. والنبي صلى الله عليه وسلم ينصت اليه ..
فلما انتهى من كلامه .. قال له صلىالله عليه وسلم : أفرغت يا أبا عمران ..
قال : نعم ..
قال : فأجبني عما أسألك ..
قال : سل عما بدا لك ..
قال : يا أبا عمران .. كم إلها تعبد ؟
قال : أعبدسبعة .. ستة في الأرض .. وواحداً في السماء !!
قال : فإذا هلك المال .. من تدعوا؟!!
قال : أدعو الذي في السماء ..
قال : فإذا انقطع القطر من تدعوا ؟
قال : أدعوا الذي في السماء ..
قال : فإذا جاع العيال .. من تدعوا ؟
قال : أدعواالذي في السماء ..
قال : فيستجيب لك وحده .. أم يستجيبون لك كلهم ..
قال : بليستجيب وحده ..
فقال صلى الله عليه وسلم : يستجيب لك واحد .. وينعم عليك وحده .. وتشركهم في الشكر .. أم أنك تخاف أن يغلبوه عليك ..
قال حصين : لا .. ما يقدرواعليه ..
فقال صلى الله عليه وسلم : يا حصين .. أسلم أعلمك كلمات ينفعك الله بهن .. "

المثال الثاني : مناظرة بين زعيم المعتزلة ابن أبي دواد وأحد علماء المسلمين :

" ويـُروى أن الخليفة الواثق أُتـِيَ إليه بشيخ مقيـّد يقول بقدم القرآن ليمتحنه. فلما أُدخل قال:‏ ‏ السلام عليك يا أمير المؤمنين.‏ ‏ فقال الواثق :‏ ‏ لا سلـَّم الله عليك.‏ ‏ قال الشيخ :‏ ‏ يا أمير المؤمنين ، بئس ما أدّبك به مؤدبك. قال الله تعالى : ( وإذا حـُيـِّيتم بتحيـَّة فحيُّوا بأحسنَ منها أو رُدُّوها ). والله ما حيـَّيتني بها ولا بأحسن منها .‏ ‏ فقال ابن أبي دواد :‏ ‏ يا أمير المؤمنين ، هذا رجل متكلم .‏ ‏ قال الواثق : كـَلـِّمـْه.‏ ‏ فقال:‏ ‏ يا شيخ ، ما تقول في القرآن : مخلوق هو أو غير مخلوق ؟‏ ‏ قال الشيخ :‏ ‏ أنا أسألك قبل :‏ ‏ فقال له : سـَلْ .‏ ‏ قال الشيخ :‏ ‏ ما تقول في القرآن ؟‏ ‏ فقال : مخلوق .‏ ‏ قال الشيخ :‏ ‏ هذا شيء عـَلـِمـَه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ ، أم شيء لم يعلموه ؟‏ ‏قال ابن أبي دواد :‏ ‏ شيء لم يعلموه .‏ ‏ فقال :‏ ‏ سبحان الله ! شيء لم يعلمه النبي ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا عليّ ، عـَلـِمـْتـَه أنت ؟!‏ ‏ فخجل ابن أبي دواد ، وقال: أَقـِلـْني.‏ ‏ قال : والمسألة بحالها ؟‏ ‏ قال : نعم .‏ ‏ قال : ما تقول في القرآن .‏ ‏ قال : مخلوق .‏ ‏ قال : هذا شيء عـَلـِمه النبي والخلفاء الراشدون أم لم يعلموه ؟‏ ‏ قال : علـِمـُوه .‏ ‏ قال : هل دعوا الناس إليه كما دعوتهم أنت أو سكتوا ؟‏‏ قال : بل سكتوا .‏ ‏ قال الشيخ : فهلاّ وَسـِعـَكَ ما وَسـِعـَهم من السكوت ؟!‏ ‏فقام الواثق ودخل مجلس الخـَلوة واستلقى على قفاه ، ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يقول : هذا شيء لم يعلمه النبي ولا الخلفاء الراشدون ، علمته أنت ؟ سبحان الله ، هذا شيء علمه النبي والخلفاء الراشدون ولم يدعوا الناس إليه ، أفلا وسعك ما وسعهم ؟!‏ ‏ثم دعا الحاجب ، وأمره أن يرفع عن الشيخ قيوده ، ويـُعطيـَه أربعمائة دينار . وسقط من عينه ابن أبي دواد ، ولم يمتحن بعد ذلك أحداً. ‏" " تاريخ بغداد " للخطـيب البغدادي .


قولك : أما مجرد توجيه الأسئلة المجردة ،والسؤال عن كيفية الوصول إلى نتيجة معينة ، من جنس: (1) - (فماذا فهم العرب من هذه الكلمة حسب لغتهم عندما دعاهم الرسول عليه السلام أن يكونوا من أهلها ؟ وهل هناك بيان محكم لمعنى هذه الكلمة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة ؟ وكيف توصلت أنت لهذا المعنى التي قلت عنه أنه معنى كلمة " لا إله إلا الله " ؟)؛
(2) - ( ماذا تقصد بكلمة باطل ؟ هل باطل هنا بمعنى شرك وفاعله مشرك سواء أقيمت عليه الحجة أم لا ؟ أم تقصد أنه غير صحيح وغير مقبول وكفى ، ولا يترتب عليه حكماً على الشخص بأنه مشرك إن فعله ؟ ) ؛
(3) - (هل أفهم من كلامك هذا أن من اعتقد أنه لا شيء يتمتع بصفات «الألوهية»، أي صفات « استحقاق العبادة » ، من « القيومية » أي « وجوب الوجود » ، أي القيام بالنفس والغنى عن الغير ، واتصافها بالقدرة الذاتية المستقلة المطلقة ، المنزهة عن كل قيد أو شرط : في الخلق من عدم ، وفي التصوير ، والتكوين ، والقهر والتدبير، والأمر والنهي ،...، لا شيء يتصف بذلك إلا الله ، يكون قد حقق كلمة التوحيد وأتى بما طلبته منه الرسل ليدخل دين الله.؟ ) ؛... إلخ.
أقول مجرد توجيه الأسئلة المجردة ، والسؤال عن كيفية الوصول إلى نتيجة معينة ، ليس هو شأن المناظر ، وإنما هو شأن الدارس وطالب العلم ؛ وهذا لا بأس به ، بل هو مطلب حيوي .

أقول ( ضياء الدين ) : لقد أثبت لك بعون الله بمثالين ، الواحد منهما يكفي لبيان عدم صحة كلامك هذا . ولولا خشية الإطالة والدخول في مسائل فرعية بعيدة عن موضوع الرد على الكتاب لزدتك من هذه الأمثلة . ولكن مثال واحد يكفي لمن أراد الحق ، ولقد أتيت بمثالين .
وعندما تجبني على أسئلتي سأبين لك الغاية والهدف من سؤالها . وآمل أن تجيب عليها ولا تتحجج للهروب من الإجابة بحجج واهية وشروط ما أنزل الله بها من سلطان .

قولك : والدارس الجاد يعلم أنه لن يستوعب علماُ ما ، أو مادة ما ، أو كتاباً حتى يستكمل قراءته. وحتى في هذه لم يتعب الأستاذ المقدسي نفسه بقراءة كتاب التوحيد كاملاً ، ولا حتى بمجرد تصفحه،

أقول ( ضياء الدين ) : هذا مجرد رجم بالغيب وظن ليس عليه دليل .
والأسئلة التي سألتك إياها لا يوجد جواب لها في كتابك . وإن كان كلامي هذا خطأ فأدعوك أن تبين لي أين أجبت على مثل هذه الأسئلة في كتابك ؟ ولك الشكر .

قولك : وإلا:
(1) – لعلم ، مثلاً ، علم يقين أننا نقول : (أن الأصل في الأشياء ، والأفعال ، والأقوال الإباحة)، وقد أصلنا ذلك – بحمد الله – على نحو لم نسبق إليه ، إلا من الإمام الفقيه الحافظ الحجة أبي محمد علي بن حزم في أجزاء جوهرية منه.

أقول ( ضياء الدين ) : سبحان الله وبحمده !!
أين ومتى سألتك هل تقول أو لا تقول بقاعدة : " الأصل في الأشياء ، والأفعال ، والأقوال الإباحة " ؟
أنا أعلم أنك تقول بهذه القاعدة ، وليس أنت ولا ابن حزم فقط يقولان بهذه القاعدة يا أستاذ كما تظن متفاخراً .
فهذه قاعدة قال بها قبل ابن حزم أكثر علماء الحنفية وأكثر علماء الحنابلة وبعض الشافعية وأبو الفرج المالكي من المالكية . فكيف تقول أنه لم يسبقك إليها إلا ابن حزم ؟
أما عن قولك بأنك أصلت لهذه القاعدة على نحو لم يسبقك أحد إليه فسيأتي إن شاء الله الرد على هذا الكلام في مكانه .

قولك : فلا معنى إذاً لتساؤله أصلا : (ما حكم من لم يبحث عن دليل في المباحات وبحث عن دليل التحريم فقط . وقال الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يأت دليل على حرمتها ؟ هل مثل هذا الشخص لم يحقق شهادة أن محمداً رسول الله في الإتباع ؟ )؛

أقول ( ضياء الدين ) : أنت قلتَ : " وحتى الاتباع في « المباحات » يحتاج إلى دليل ، لأن الإباحة حكم شرعى تكليفي ، والاتباع في المباح ، أي في « الأحكام التخييرية » ، كالاتباع في غيره من « الأحكام التكليفية »: من واجب ، أو مندوب ، أو مكروه ، أو حرام .. ؟"

أقول : فهذا الكلام يفيد أن المباحات عندك تحتاج لدليل لإباحتها كباقي الأحكام الشرعية التكليفية . لهذا سألتك : ما حكم من لم يبحث عن دليل في المباحات وبحث عن دليل التحريم فقط . وقال الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يأت دليل على حرمتها ؟
فأنا سألتك هنا عن حكم من لا يبحث عن دليل المباحات ؟ ولم أسألك هل تقول أو لا تقول بقاعدة : ( أن الأصل في الأشياء ، والأفعال ، والأقوالالإباحة )
فهل سؤالي هذا لا معنى له وأنه يدل على أنني لا أعرف أنك تقول : ( أن الأصل في الأشياء ، والأفعال ، والأقوال الإباحة ) ؟؟

قولك : لا سيما أن الجملة : (ما حكم من لم يبحث عندليل في المباحات وبحث عن دليل التحريم فقط ) كلام فارغ ، وهراء محض .

أقول ( ضياء الدين ) : كيف أصبح السؤال عن حكم من لم يبحث عن دليل للمباحات وبحث عن دليل التحريم فقط ، كلام فارغ وهراء محض ؟؟
ألم تقل أنت أنه : " حتى الإتباع في « المباحات » يحتاج إلى دليل ، لأن الإباحة حكم شرعى تكليفي ..؟
فأنا سألتك عن حكم من يقول : لا يحتاج الإتباع في « المباحات » إلى دليل . فهل مثل هذا السؤال كلام فارغ وهراء محض ؟؟

قولك :) ولعلمأيضاً – علم يقين ، أننا لا نبالي بالفرق بين « الألوهية » ، « الربوبية » ، لأنهما - فيالتحليل النهائي - شيء واحد ، ولا بالقسمة التقليدية الساقطة للتوحيد: « ألوهية» ، «ربوبية»، و« أسماء وصفات » ولعلم أن عامة كتابنا (كتاب التوحيد : أصل الإسلام ، وحقيقةالتوحيد)، إنما هو تفنيد وهدم لهذه القسمة السطحية الركيكة ، التي هي في الحقيقة: {قِسْمَةٌ ضِيزَى}، (النجم؛ 53: 22).

أقول ( ضياء الدين ) : أنت هنا تقول : أنك لا نبالي بالفرق بين « الألوهية » و « الربوبية » . إذاً هل تعتبر كلامك الذي استعملت به كلمة ( ألوهية ) صحيحاً إن وضعنا مكانها كلمة " ربوبية " ؟
كما يلي :
"لا شيء يتمتع بصفات « الربوبية »، أي صفات « استحقاق العبادة »، من « القيومية » أي و« جوب الوجود»، أي القيام بالنفس والغنى عن الغير ، واتصافها بالقدرة الذاتية المستقلة المطلقة ، المنزهة عن كل قيد أو شرط : في الخلق من عدم ، وفي التصوير ، والتكوين ، والقهر والتدبير ، والأمر والنهي ، ...، لا شيء يتصف بذلك إلا الله ، وإن نسب بعض ذلك إلى غيره ، فكذب وإفك ، وخيال باطل ووهم ، خلاف الواقع والحقيقة."

قولك : لذلك فإن نصيحتي الأخوية للأستاذ ضياء الدين القدسي :
أولاً: أن يدرس الكتاب بتدقيق وعناية أكبر ، وإني على أتم الاستعداد للتواصل معه للتدارس المدقق والمناقشة المستفيضة مشافهة بواسطة (Skype) ؛ ثم لتكن المناظرة بعد ذلك ، إن شاء ، وإن كنت أحتسب على الله أن لا تكون حينئذ ثمة حاجة إليها أصلاً .

أقول ( ضياء الدين ) : ستعلم من خلال حواري معك وردي على الأخطاء الشنيعة التي جاءت في كتابك أنني قرأت كتابك ودرسته بتدقيق وعناية كبيرة . وآمل منك أن لا تتهرب من الإجابة على أسئلتي بحجج واهية عرفناها جيداً .


قولك : ثانياً: أن يتحرر من وسوسة الحكم بالشرك أو الكفر على المعين ، وأن يتباعد عن الدخول في متاهة العذر بالجهل ، وغيره ؛ حتى يتم استيعاب الأصول استيعاباً تاماً ، وتحرير أمهات المسائل تحريراً متقناً.

أقول ( ضياء الدين ) : هل تسمي السؤال والبحث عن حكم المعين معلوم الحال ومكانته في الشريعة ، والسؤال عن حكم العذر بالجهل في أصل الدين ، وسوسة ومتاهات يجب الابتعاد عنها حتى يتم استيعاب الأصول استيعاباً تاماً وتحرير أمهات المسائل تحريراً متقنا ؟؟!!
أي أصول هذه وأي أمهات مسائل تقصد والتي تريد أن نستوعبها قبل أن نستوعب كيفية معرفة أصل دين الله الذي تدعيه ؟
هل معرفة أصل دين الإسلام ومعرفة من هو المشرك ومن هو الموحد بشكل معين يحتاج لمعرفة واستيعاب الأصول وأمهات المسائل ؟؟
وما هي هذه الأصول وأمهات المسائل التي يجب استيعابها قبل التكلم بأصل الدين وما يقتضيه على أرض الواقع ؟
أليس معرفة حكم المعين معلوم الحال من أصل الدين ؟
أليس معرفة حكم العذر بالجهل في أصل الدين من أصل الدين ؟
هل تستطيع أن تعرف أصل دين التوحيد بدون أن تعرف حكم المعين معلوم الحال الذي يخالفه ؟
وهل تستطيع أن تعرف أصل دين التوحيد بدون أن تعرف حكم من يجهله وهل يعذر بجهله به أم لا في أحكام الدنيا ؟

قولك : هذه الحالة النفسية تتضح بجلاء من أمثال الجمل التالية : (أم تقصد أنه غير صحيح وغير مقبول وكفى ، ولا يترتب عليه حكماً على الشخص بأنه مشرك إن فعله ؟ ) ؛ (هل أفهم من كلامك هذا أن من اعتقد أنه لا شيء يتمتع بصفات «الألوهية»،.....إلخ، إلخ، يكون قد حقق كلمة التوحيد وأتى بما طلبته منه الرسل ليدخل دين الله.؟ فما هي هذه الصفات ؟ وما أدلتها ؟ وهل يعذر الجهل فيها ؟ )؛ (وما حكم من اعتقد أنه لا شيء يتمتع بصفات «الألوهية»،....، وهل من نطق بكلمة التوحيد وهو لا يعرف هذه المعاني (معاني كلمة التوحيد) يدخل الإسلام ظاهراً ؟ )؛ (ما حكم من اعتقد هذه الأمور ولكنه خالف أحدها بالعمل ؟ وهل يعذر بجهله ؟ وهل يكفي لدخول الإسلام أن يعتقد الشخص أنه لا شيء يستحق أن يطاع لذاته ، فيتلقى أمره بالقبول، والرضا، والتسليم، والمحبة، والاحترام، والتعظيم، والطاعة إلا الله،وغيره فإنما يطاع بأمر الله ، بدون أن يعرف حكم من لا يعتقد ذلك؟)؛ (وما حكم من يفهم قولك ، بأنه ما دام معنى كلمة الشهادة هذه الآية فيكفي حتى يدخل المرء الإسلام أن يقول أو يعتقد أن الله هو الحق وما عداه باطل ؟ )؛ (وما حكم من تلفظ بكلمة التوحيد دون معرفة معناها ؟ ) ؛ (هلا بينت لي كيفية نفي الألوهية كلها عن غير الله نفياً باتاً قاطعاً مطلقاً. وكيف تُطَبَّق من الناحية العملية ؟ هلّا بينت لي ما معنى الكفر بكل «معبود»، أي كل «إله»، أو كل «رب»، إلا الله ؟ وهلّا بينت لي كيفية هذا الكفر من الناحية العملية ؟ وما هو معنى "البراءة منه" ومعنى "رفضه" من الناحية الاعتقادية والعملية ؟ )؛ (هل يكفي لأن يدخل المرء الإسلام ويحقق الركن الأول لكلمة التوحيد قوله : كفرت بكل معبود من دون الله وتبرأت منه ورفضته وهو لا يعرف كيفية الكفر به ، ولا يعرف من هو المعبود وكيفية عبادته ، ولا يعرف معنى وكيفية البراءة منه ، ولا يعرف كيف يكون رفضه من الناحية العملية ؟ ) ؛ (ما حكم من تلفظ بكلمة التوحيد وهو لا يعرف ركني شهادة التوحيد كما بينته أنت هنا ؟ وما هي الأعمال والأقوال التي تدل على أن الشخص لم يكفر بالطاغوت ؟ وهل يدخل الإسلام من لا يعرف ما هو الطاغوت وكيفية الكفربه ؟) ؛ (وهل يكفي البراءة مما يعبد بدون البراءة من العابد ؟ وإن قلت لا يكفي فما معنى البراءة من العابد ؟ وما حكم الذي يتبرأ من المعبود ولا يتبرأ من العابد ؟ هل من يحكم على العابد بالإسلام قد تبرأ منه ؟ وهل ينعقد الإسلام بدون الكفر بمن لا يكفر بالطاغوت ؟) ؛ (وما حكم من شهد أن محمداً رسول الله بدون أن يفهم هذا المعنى الذي بينتَه لشهادة محمد رسول الله ؟ وما حكم من شهد أن محمداً رسول الله واتبع غير رسولالله ، صلى الله عليه وسلم ؟ وما حكم من لم يطع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ،وأطاع غيره عن علم ؟)؛... إلخ. هذا كله جاء في نص قصير لا يتجاوز عدة صفحات ، مما يشعر بحالة نفسية ، أقرب إلى الوسوسة والهوس .

أقول ( ضياء الدين ) : سبحانك ربي !
تحول الحوار إلى حالة مريض جاء لعند طبيب فكان تشخيص الطبيب له كما يلي :
كل هذه الأسئلة لأنها جاءت في نص قصير لا يتجاوز عدة صفحات يعني أن من سألها يشعر بحالة نفسية ، أقرب إلى الوسوسة والهوس.
العلاج :
1- التحرر من وسوسة الحكم بالشرك أو الكفر على المعين .
2- التباعد عن الدخول في متاهة العذر بالجهل ، وغيره ؛ حتى يتم استيعابالأصول استيعاباً تاماً ، وتحرير أمهات المسائل تحريراً متقناً.
3- إتباع كل ما جاء في كتاب ( التوحيد ) للمسعري بدون التحري عن مدى صحته وخطئه .
ما شاء الله ! أحسن طريقة للتهرب من الجواب . ضرب المحاور الضربة القاضية قبل سماع الناس لكلامه . وكأننا في حلبة مصارعة .
يا أستاذ المسعري : كان الأولى بك أن تجيب على هذه الأسئلة بدل أن تهرب من الإجابة عنها بحجج واهية واتهامات لا تليق بمن يريد الحق .
ولقد رأينا أحوال من كنا نسأله مثل هذه الأسئلة التي يجب أن يعرفها أبسط موحد كيف يتحول حاله ليتهرب من الإجابة عنها وخاصة عندما يعلم أن بعد الجواب سيكون هناك سؤال عن الدليل .

[/align]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 04-16-2012, 08:56 AM
مراقب مراقب غير متواجد حالياً
مشرف عام
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 146
افتراضي مداخلة من قبل إدارة التجديد .

بسم الله الرحمن الرحيم .
تدخلت إدارة التجديد بما نصه :
________________________________________

الأخ ضياء الدين القدسي، ليستفيد الجميع من المناظرة نرجو منك الإلتزام بشروط المناظرة وتجدها على هذا الرابط
: {تم حذف الرابط من قبل إدارة منتدى دعوة الحق}

وبالتحديد الفقرة التالية:
8) عدم توجيه الأسئلة المجرّدة، والسؤال عن كيفية الوصول إلى نتيجة معينة، فليس هذا شأن المناظر، وإنما هو شأن الدارس وطالب العلم.


وأيضاً الفقرات التالية:
2) لابد من تحديد دقيق لموضوع المناظرة ومن ثم تحديد عناصره الأساسية، مثال ذلك: - كتاب التوحيد - البـــاب الثاني: ماهية الوحي و(الذكر المنزَّل)، وهكذا .3) الاكتفاء بمسألة واحدة بعينها أثناء المناظرة، وعدم التشعب أو الانتقال منها إلى أخرى قبل إشباعها، وحسمها ومناقشتها نقاشا كاملا مستفيضا .
4) تلخيص القول قبل البسط وقبل ذكر الأدلة و الأمثلة، فيعرض رأيه الصريح ملخصا بكلام واضح لا احتمال فيه (دون عرض احتمالات بديلة)، كالحُكم على مسألة ما بالخطأ أو الصواب، ثم الانتقال بعد ذلك ببسط الكلام بالأدلة والأمثلة.

ودمتم في رعاية الله
الإدارة ] . إهـ

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04-16-2012, 07:01 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

[align=justify]
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
إلى الأستاذ المسعري وإدارة منتدى التجديد :
أسئلتي لم تكن أسئلة مجردة لا تتعلق بما كتب في الكتاب .
ألا يحق لي أن أسال الاستاذ عن تفسير ومعنى ما كتبه في كتابه قبل أن أرد عليه؟
ألا يحق لي أن أسأله عن قصده مما كتبه حتى يُفهم جيداً ولا نُقوله ما لم يقل ويقصد .؟
ألا يحق لي أن أسأله عن لوازم قوله وما يلتزمه منه ؟
اسئلتي في المداخلة الأولى كانت في هذا المجال ؟ فلماذا لم يتم الإجابة عنها ؟
ولماذا لم يتم الإجابة على مداخلتي الثانية حتى أنتقل للمواضيع التالية في الكتاب ؟
أطلب من الإستاذ المسعري أن يجيب على الأسئلة التي سألتها له في موضوع ما كتبه في الكتاب والتي لا يوجد جواباً لها في الكتاب وإن وجد ولم أنتبه له أرجو أن يشير لمكانه في الكتاب وله جزيل الشكر .

[/align]

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 05-16-2012, 01:54 AM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

[align=justify]
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

لم يُجَب على أسئلتي في المداخلة الأولى بحجة أن هناك شرطاً للحوار وضع في المنتدى - لميُنزل الله به من سلطان - يمنع المحاور من طرح الأسئلة أثناء الحوار . سأتجاوز هذا ألأمر . ولكن أين الرد على المداخلة الثانية ؟ فلم يكن فيمداخلتي الثانية أسئلة كما كان في المداخلة الأولى تمنع من الرد بحجة مخالفة شروط الحوار ، ولقد انتظرت طويلاً حتى أرى الرد على المداخلة الثانية ولكن لا يوجد رد . وكنت غير راغب في كتابة رد آخر حتى يأتي الرد على المداخلة الثانية ولكن طال الجواب ، وهذا يدل على أنه لا رد . هذا ولقد أردت بداية أن أكتب الردود تباعاً حسب الترتيب الذي جاء في الكتاب بغض النظر عن الموضوع ، ولكن أجلت هذا النوع من الرد لأنه سيطول لكثرة الأخطاء العلمية في الكتاب وقررت أن أبدأ بالرد على الأخطاء التي تتعلق بالعقيدة والتوحيد لأنه هو الأهم .

يقول الأستاذ المسعري في كتابه : " لذلك فإن القول بأن المسيح عيسى بن مريم ، صلوات الله وسلامه وتبريكاته عليه وعلى والدته ، ابن الله ، حتى بمعنى « التبني » هذا ، باطل ، ومن قال به بعد نزول القرآن فهو كافر لأنه مكذب لله تعالى .
غير أن طوائف من النصارى ، من أتباع آريوس وكذلك أغلب اليهود المتنصرين الأوائل ، قد قالوا بذلك قديماً . وهم بذلك مخطؤون ، إلا أنهم ليسوا مشركين، إن شاء الله تعالى ،لأن الكتب الأولى لم تذكر من هذا شيئاً، بل قد جاءت ألفاظ في الكتب القديمة يفهم منها « التبني » بمعنى « الاصطفاء »، فهم إذاً مؤمنون موحدون ، لم يكذبوا لله خبراً ، ولم يجعلوا لله شريكاً ، ولم ينسبوا له ولداً «حقيقياً»، أي من طبيعة أو عنصر إلاهي ، مساوياً لأبيه في الجوهر ، كما فعل المثلثون ، وغيرهم من فرق الشرك والكفر ، كما سيأتي تفصيله .
وحتى من قال بـ « البنوة » الحقيقية ، وهي مقول شرك وكفر بذاتها ، كثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل ، أو بعض موانع التكفير المعروفة ، وذلك قبل بزوغ شمس الرسالة المحمدية ، وانبلاج نور الحجة الرسالية ،فإلى الله ينبغي تفويض أمرهم ،كما سيقول السيد المسيح عيسى بن مريم ،صلوات الله وسلامه وتبريكاته عليه وعلى والدته ، نفسه يوم القيامة : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك ، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )، وهكذا نقول ، والثانية أي المغفرة نرجو ، ولن يهلك على الله إلا هالك !" اهـ

أقول ( ضياء الدين ) :
1- قولك يا أستاذ : " حتى بمعنى « التبني » "ثم بعدها قولك : " غير أن طوائف من النصارى ، من أتباع آريوس وكذلك أغلب اليهود المتنصرين الأوائل ، قد قالوا بذلك قديماً . وهم بذلك مخطؤون ، إلا أنهم ليسوا مشركين ، إن شاء الله تعالى ، لأن الكتب الأولى لم تذكر من هذا شيئاً "
يفهم منه أن طوائف من النصارى ، من أتباع آريوس وكذلك أغلب اليهود المتنصرين الأوائل قالوا قديماً بأن عيسى عليه السلام ابن الله بمعنى ( التبني ) ومع ذلك لا تعتبرهم مشركين ، لأن الكتب الأولى على حد زعمك لم تذكر من هذا شيئاً . أي لا يوجد في التوراة الحقيقية ولا الإنجيل الحقيقي بيان أن الله لم يلد ولم يولد ، مع أن هذا الأمر من رأس التوحيد وله علاقة بتوحيد الذات كما قلت نفسك في موضع آخر .
ألا يعني هذا أن كتابا الله التوراة والإنجيل لم يبينا التوحيد حق البيان .؟!! حاشاهما .
ثم تقول : بأنه " قد جاءت ألفاظ في الكتب القديمة يفهم منها « التبني » بمعنى « الاصطفاء » " وبناء على هذه الكتب القديمة - التي لم يثبت صحتها - تستنتج أن من قال بأن عيسى ابن الله بمعنى (التبني ) يجب أن يفهم منها أنه يقصد « الاصطفاء » . لهذا فهو موحد وليس مشركاً عندك . ولكن يحكم بكفرهم عندك بعد نزول القرآن وإقامة الحجة عليهم بالرسالة المحمدية في هذا الموضوع إن ردوا ذلك ، أما قبل ذلك فهم موحدون ليسوا بمشركين . بل ذهبتَ لأبعد من ذلك فعذرت بالجهل والتأويل من قال بأن عيسى ابن الله وقصد « البنوة » الحقيقية . فمثل هذا عندك موحد غير مشرك ولا كافر حتى تقام عليه الحجة الرسالية المحمدية في هذه المسألة وينكر ذلك ، لأنه حسب زعمك الكتب الأولى التي أنزلها الله قبل القرآن لم تذكر من هذا شيئاً ..
فعلى حسب هذا الكلام ، النصراني الذي لم تصله الرسالة المحمدية في موضوع ( البنوة ) إن اعتقد أن عيسى عليه السلام ابن الله بمعنى التبني ليس مشركاً بل موحداً ، لا يكفر حتى تقام عليه حجة الرسالة المحمدية في هذا الموضوع لأنه قد يعتقد أن التبني بمعنى الاصطفاء ، وحتى لو كان يعتقد بـ « البنوة » الحقيقية يعذر بالجهل والتأويل ولا يحكم عليه بالشرك ولا يُكَفَّر حتى تقام عليه حجة الرسالة المحمدية في هذا الموضوع .
2- قول الأستاذ المسعري : " حتى بمعنى « التبني » هذا ، باطل ، ومن قال به بعد نزول القرآن فهو كافر لأنه مكذب لله تعالى ." اهـ
أقول ( ضياء الدين ) : لا يمكن أن يفهم من كلام الأستاذ المسعري أن الذي يكفر بعد نزول القرآن هو الذي يعتقد « التبني » بمعنى « الاصطفاء » لأن من يعتقد أن الله اصطفى عيسى عليه السلام وجميع الأنبياء لا يكفر حتى بعد نزول القرآن .
ولا يوجد في القرآن الكريم آية تمنع استعمال كلمة ابن بمعنى الاصطفاء حتى نحكم على من ينكرها بالكفر ؟؟!
بل جاء في القرآن الكريم أن اليهود والنصارى ادعوا أنهم أبناء الله ، قال تعالى عنهم :
" وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ " (المائدة : 18)
أقول : لا يفهم من إدعائهم أنهم أبناء الله ، أنهم أبناؤه على الحقيقة ، لأنه لا أحد من اليهود والنصارى يعتقد ذلك ، ولكنهم قصدوا [ أصفياؤه ] ، لهذا لم يُكذَّبوا على أنهم ادعوا البنوة الحقيقية لله ولم يكفروا لهذا القول ، لأنهم لم يكونوا يدعون أنهم أبناء الله على الحقيقة . وإنما كُذبوا على أنهم أصفياء الله وأحباؤه ، بقوله تعالى :" قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ " فالحبيب لا يعذب حبيبه ولا صفيه .
جاء في تفسير القرطبي في تفسير لهذه الآية : " وبالجملة. فإنهم رأوا لأنفسهم فضلا ؛ فرد عليهم قولهم فقال " فلم يعذبكم بذنوبكم " فلم يكونوا يخلون من أحد وجهين ؛ إما أن يقولوا هو يعذبنا. فيقال لهم : فلستم إذا أبناءه وأحباءه ؛ فإن الحبيب لا يعذب حبيبه ، وأنتم تقرون بعذابه ؛ فذلك دليل على كذبكم - وهذا هو المسمى عند الجدليين ببرهان الخلف - أو يقولوا : لا يعذبنا فيكذبوا ما في كتبهم ، وما جاءت به رسلهم ، ويبيحوا المعاصي وهم معترفون بعذاب العصاة منهم ؛ ولهذا يلتزمون أحكام كتبهم."

3- قولك : " غير أن طوائف من النصارى ، من أتباع آريوس وكذلك أغلب اليهود المتنصرين الأوائل ، قد قالوا بذلك قديماً . وهم بذلك مخطؤون ، إلا أنهم ليسوا مشركين "

أقول ( ضياء الدين ) : كيف عرفت يا أستاذ أن أتباع آريوس وأغلب اليهود المتنصرين الأوائل الموحدين قد قالوا بأن عيسى عليه السلام ابن الله بمعنى « التبني » ؟!
فهذه أمور غيبية فهل جاء في ذلك خبر صحيح عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم ؟!!
وأنت القائل في كتابك : " ومن قبل بدعوى ، حتى ولو كانت صحيحة في ذاتها ، بغير برهان، فهو متقول بغير دليل ، وهو من ثم كاذب ، حتى ولو كانت المقولة في ذاتها صادقة ، لأن من لم يأت بالبرهان كاذب : ( هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ! ) : أي إن كنت صادقاً فأرني برهانك ، وإلا فأنت كاذب ، لأنه ليس ثمة إلا : صادق أو كاذب ،لا ثالث لهما! " اهـ

4- يفهم من كلامك أيضاً : أن القول بأن المسيح عيسى عليه السلام ، هو ابن الله ، بمعنى « التبني » قول باطل ولكن لا يكفر قائله إلا بعد نزول القرآن . وعلة الحكم بكفره أنه مكذب لما جاء في القرآن . يعني لا يكفر حتى تقام عليه الحجة من القرآن . فمن لم تصله الآية التي تبين بأن عيسى عليه السلام ليس ابن الله بمعنى ( التبني ) وينكرها فهو ليس بكافر ولا بمشرك عند الأستاذ المسعري .
فلا النصراني قبل الرسالة المحمدية الذي يعتقد أن عيسى عليه السلام هو ابن الله بمعنى ( التبني ) مشرك كافر بهذا الاعتقاد ، ولا بعد الرسالة المحمدية من لم تصله الآية التي في القرآن التي تبين أن عيسى عليه السلام ليس ابن الله بمعنى ( التبني ) مشرك كافر عند الأستاذ المسعري ، لأنه لم يكذب ما وصله من كتاب الله ولم تُقَم عليه الحجة بذلك . فما دام لم يصل لأحد الآية من كتاب الله التي تبين أن عيسى عليه السلام ليس ابن الله بمعنى ( التبني ) فمعتقد ذلك ليس بكافر ولا مشرك وإن كان اعتقاده باطل . هذه عقيدة الأستاذ المسعري حسب هذا الكلام .
ثم مع هذا الاعتقاد لننظر ماذا يقول في مكان آخر من كتابه عن مسألة اعتقاد وجود ابن لله .
يقول الأستاذ المسعري في كتابه : " رأس أقسام التوحيد : تـوحـيـد الـذات
(توحيد الذات ) هو رأس أقسام التوحيد ، وهو الاعتقاد الجازم بأن الله سبحانه وتعالى هوالحي القيوم، وهو الحق المبين ، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم. فهو وحده الأول ، فليس قبله شيء ، وهو الآخر فليس بعده شىء ، وهو وحده واجب الوجود ، الغنى بذاته ، الأزلي القديم ، الأول الموجود بغير ابتداء قبل جميع الأزمنة والدهور ، الدائم الباقي بغير انتهاء بعد انقضاء الأزمنة والأيام والعصور . لم يتولد من شيء ، ولا يتولد منه شيء .
كل ذلك ثابت بالضرورة ، وبالبراهين العقلية والفطرية القاطعة ، قبل ورود الشرع." اهـ

أقول ( ضياء الدين ) : حسب هذا الكلام : الاعتقاد بأن الله لم يتولد منه شيء داخل في توحيد الذات الذي هو رأس التوحيد . والذي هو ثابت بالضرورة وبالبراهين العقلية والفطرية القاطعة ، قبل ورود الشرع . ومع ذلك يعذر الأستاذ المسعري من نقض هذا التوحيد بقوله في كتابه : " وحتى من قال بـ « البنوة » الحقيقية ، وهي مقول شرك وكفر بذاتها ،كثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل ، أو بعض موانع التكفير المعروفة"
فمثل هذا عند الأستاذ المسعري معذور بالجهل والتأويل ويعتبره من الموحدين حتى تقام عليه الحجة من كتاب الله . فإن أقيمت عليه الحجة من القرآن الكريم وأنكر ذلك فعندها فقط يصبح كافراً مشركاً . يعني أن من نقض توحيد الذات وأخل في رأس التوحيد يمكن أن يكون موحداً عند الأستاذ المسعري .
4- عند الأستاذ المسعري من يقول بـ « البنوة » الحقيقية أي ينسب لله ولداً « حقيقياً » ،أي من طبيعة أو عنصر إلهي ، مساوياً لأبيه في الجوهر ، كما فعل المثلثون ، يعذر بالجهل أو التأويل ، ويبقى موحداً ، ولكن قوله قول شرك وكفر ، ولكنه لا يكفر ولا يحكم عليه بالشرك وإن اعتقد ذلك حتى تبزغ شمس الرسالة المحمدية وتقام عليه الحجة من القرآن الكريم ويرد ذلك .
أقول ( ضياء الدين ) : هل يختلف رأس التوحيد ( توحيد الذات ) الذي جاء به عيسى عليه السلام عن رأس التوحيد ( توحيد الذات) الذي جاء به رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام حتى نظل نعذر معتقد « البنوة » الحقيقية بالجهل والتأويل حتى تبزغ شمس الرسالة المحمدية وتقام عليه الحجة من القرآن الكريم ؟
فما دمتَ تعذر بالجهل والتأويل من اعتقد « البنوة » الحقيقية لله ، أي نسب لله ولداً « حقيقياً » فلا بد لك أن تعذر بالجهل والتأويل من لم يجزم بأن الله سبحانه وتعالى هو الحي القيوم ، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن ، وهو بكل شيء عليم ، وهو وحده واجب الوجود ، الغنى بذاته ، الأزلي القديم ، الأول الموجود بغير ابتداء قبل جميع الأزمنة والدهور ، الدائم الباقي بغير انتهاء بعد انقضاء الأزمنة والأيام والعصور ، لأن كل هذه داخلة أيضاً في توحيد الذات مثلها مثل مسألة أن الذات الإلهية لا يتولد منه شيء.
فهل من لا يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله حي قيوم معذور بالجهل والتأويل ولا يكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية المحمدية .؟!!
وهل من لا يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله بكل شيء عليم معذور بالجهل والتأويل ولا يكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية المحمدية .؟!!
وهل من لا يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله الغنى بذاته ، الأزلي القديم ، الأول الموجود بغير ابتداء قبل جميع الأزمنة والدهور ، الدائم الباقي بغير انتهاء بعد انقضاء الأزمنة والأيام والعصور ، معذور بالجهل والتأويل ولا يكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية المحمدية .؟!
إن قلت غير معذور فلمَ فرقت بين هذا ومسألة اعتقاد « البنوة » الحقيقية بعيسى عليه السلام ؟!
وإن قلتَ : معذور بالجهل والتأويل ويبقى موحداً معذوراً بجهله وتأويله ولا يحكم عليه بالشرك والكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية المحمدية ، فقد حكمت بإسلام من لم يحقق رأس التوحيد ، وبهذا خالفت محكم آيات كتاب الله .

قولك : " .. فإلى الله ينبغي تفويض أمرهم ، كما سيقول السيد المسيح عيسى بن مريم ، صلوات الله وسلامه وتبريكاته عليه وعلى والدته ، نفسه يوم القيامة: ( إن تعذبهم فإنهم عبادك ، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )، وهكذا نقول ، والثانية أي المغفرة نرجو ، ولن يهلك على الله إلا هالك !" اهـ

أقول ( ضياء الدين ) :
ماذا تقصد من قولك : " فإلى الله ينبغي تفويض أمرهم " ؟
هل تقصد أن نعذرهم بجهلهم وتأويلهم ونحكم عليهم بالتوحيد ونفوض أمر آخرتهم لله ؟
إن كنت تقصد ذلك والظاهر من كلامك أنك تقصد ذلك ، فهذا يعني أن من اتخذ عيسى عليه السلام وأمه إلهين من دون الله يعذر بجهله وتأويله ولا يحكم عليه بالشرك ويفوض أمره لله يوم القيامة إن شاء عذبه وإن شاء غفر له بل ترجو له أن يغفر الله له .
يدل استشهادك بقول عيسى عليه السلام عمَّن اتخذه وأمه إلهين من دون الله " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " على أنك تقول بإمكانية المغفرة يوم القيامة لمن فعل الشرك الأكبر ، بل ترجو ذلك . وقد قال الله سبحانه في محكم كتابه : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا " (النساء : 48)
وقال أيضا عز من قائل : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا " (النساء : 116)
أم أنك تقول أن عدم المغفرة للمشرك لم يكن يعرفها عيسى عليه السلام أو قد اختلفت الشرائع فيها كحال استعمال كلمة التبني وأن في شريعة عيسى عليه السلام إمكانية المغفرة لمن يعتقد بإلوهية عيسى عليه السلام وأمه ؟؟!
للنظر كيف فسر علماء التفسير الآية التي استشهدت بها في غير موضعها :
جاء في تفسير ابن كثير : وقوله { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله عز وجل , فإنه الفعال لما يشاء, الذي لا يسأل عما يفعل, وهم يسألون, ويتضمن التبري من النصارى الذين كذبوا على الله وعلى رسوله, وجعلوا لله نداً وصاحبة وولداً, تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .
( قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (119)
يقول تعالى مجيباً لعبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام, فيما أنهاه إليه من التبري من النصارى الملحدين الكاذبين على الله وعلى رسوله, ومن رد المشيئة فيهم إلى ربه عز وجل, فعند ذلك يقول تعالى: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} قال الضحاك: عن ابن عباس يقول: يوم ينفع الموحدين توحيدهم ." اهـ
وجاء في تفسير الطبري :
" القول في تأويل قوله تعالى: {إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }..
يقول تعالى ذكره: إن تعذّب هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة بإماتتك إياهم عليها, فإنهم عبادك, مستسلمون لك, لا يمتنعون مما أردت بهم ولا يدفعون عن أنفسهم ضرّا ولا أمرا تنالهم به. وإن تغفر لهم بهدايتك إياهم إلى التوبة منها فتستر عليهم , فإنك أنت العزيز في انتقامه ممن أراد الانتقام منه لا يقدر أحد يدفعه عنه, الحكيم في هدايته من هدى من خلقه إلى التوبة وتوفيقه من وفق منهم لسبيل النجاة من العقاب." اهـ
وجاء في تفسير البغوي :
118- قوله تعالى " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم "، فإن قيل كيف طلب المغفرة لهم وهم كفار ، وكيف قال : وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ، وهذا لا يليق بسؤال المغفرة ، قيل : أما الأول فمعناه إن تعذبهم بإقامتهم على كفرهم وإن تغفر لهم بعد الإيمان وهذا يستقيم على قول السدي : إن هذا السؤال قبل يوم القيامة لأن الإيمان لا ينفع في القيامة . وقيل : هذا في فريقين منهم ، معناه: إن تعذب من كفر منهم وإن تغفر لمن آمن منهم . وقيل : ليس هذا على وجه طلب المغفرة ولو كان كذلك لقال : فإنك أنت الغفور الرحيم ، ولكنه على تسليم الأمر وتفويضه إلى مراده ." اهـ
أقول ( ضياء الدين ) : عيسى عليه السلام لم يفوض أمرهم بأن عذرهم بالجهل والتأويل وحكم عليهم بالتوحيد وعدم الكفر واشترط لتكفيرهم قيام الحجة الرسالية المحمدية . ولم يطلب من الله المغفرة لهم مع شركهم ولم يرجو المغفرة لهم على شركهم .
فالحق الذي لامرية فيه والذي تبينه الآيات المحكمة الصريحة في كتاب الله ، والذي يدين به كل موحد من لدن آدم عليه السلام ، أن من اعتقد « البنوة » الحقيقية لعيسى عليه السلام ، فهو مشرك غير موحد أقيمت عليه الحجة أم لم تقم ، ولا يعذر في أحكام الدنيا في الجهل ولا بالتأويل ولا يرجى له المغفرة في الآخرة .

قولك : وهكذا نقول ، والثانية أي المغفرة نرجو .

أقول ( ضياء الدين ) : ماذا تقول وأنت تفهم قول نبي الله عيسى خطأ ؟
كلامك هذا يدل على أنك تعتقد أن عيسى عليه السلام كان يرجو المغفرة ودخول الجنة لمن اتخذه وأمه إلهين من دون الله لهذا قلت : " وهكذا نقول ، والثانية أي المغفرة نرجو . "
ألم تقرأ قوله تعالى : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا " (النساء : 48) ؟
وقوله تعالى : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا " (النساء : 116) ؟
أنت ترجو أن يغفر الله لمن اتخذ عيسى عليه السلام وأمه إلهين من دون الله ويدخلهم الجنة وقد قال الله سبحانه في محكم كتابه جواباً على قول عيسى عليه السلام : " ( قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ؟؟
الله سبحانه وتعالى يقول : هذا يوم ينفع ( الصادقين ) الموحدين ( صدقهم ) توحيدهم ، ومع هذا ترجو المغفرة ودخول الجنة لمن اتخذ عيسى عليه السلام وأمه إلهين مندون الله .
ألم تقرأ قوله تعالى : " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ . لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " (المائدة : 72-73) ؟
عيسى عليه السلام يقول لبني أسرائيل : " يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ "
وانت ترجو أن يغفر الله لمن يشرك بالله وتنسب لعيسى عليه السلام أنه كان يرجو المغفرة لمن اتخذه وامه إلهين من دون الله .!!!

يتبع ان شاء الله
[/align]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 07-21-2012, 03:46 AM
طارق الطارق طارق الطارق غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
المشاركات: 12
افتراضي الرد الثاني لفضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الله المسعري على الدكتور ضياء الدين

الرد الثاني بتاريخ - 21-07-2012م



بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّه وخَلِيلُه، وخِيرَتُه مِنْ خَلْقِهِ وحَبِيبُه.
أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ قَالَ اللَّه، جَلَّ جَلَالُهُ، وسما مَقَامَهُ: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، (النَّحْلِ؛16: 125)؛ وَقَالٍ تَبَارَكْتَ أَسْمَاؤُهُ: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، (فَصَلَّتْ؛ 41: 33).
وبعد: سررت جداً عندما ساق الأستاذ ضياء الدين القدسي روايته لقصة حصين بن عمران الخزاعي التي نسبها إلى البيهقي، ونص على حسن إسنادها، لأن المشهور هو قصة عتبة بن ربيعة المذكورة في أسباب النزول، وكذلك مجادلة نفر من صناديد قريش له بألفاظ مشابهة.
* فأما قصة عتبة بن ربيعة المشهورة فحسبك بها مسندة في تاريخ دمشق لابن عساكر (38/242): [أخبرنا أبو عبد الله الفراوي أخبرنا أبو بكر البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي (ح) وأخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك أخبرنا أبو الحسن بن السقا وأبو محمد بن بالويه قالوا أخبرنا محمد بن يعقوب حدثنا عباس بن محمد حدثنا يحيى بن معين حدثنا محمد بن فضيل حدثنا الأجلح عن الذيال بن حرملة عن جابر بن عبد الله قال: قال أبو جهل والملأ من قريش لقد انتشر علينا أمر محمد فلو التمستم رجلا عالما بالسحر والكهانة والشعر فكلمه ثمن أتانا ببيان من أمره فقال عتبة لقد سمعت قول السحر والكهانة والشعر وعلمت من ذلك علما وما يخفى علي إن كان ذلك فأتاه فلما أتاه قال له عتبة يا محمد أنت خير أم هاشم أنت خير أم عبد المطلب أنت خير أم عبد الله قال فلم يجبه قال فيم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا فإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا ألويتنا لن فكنت رأسا ما بقيت وإن كان بك الباه زوجناك عشرة نسوة تختار من أي أبيات قريش شئت وإن كان بك المال جمعنا لم من أموالنا ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، ساكت لا يتكلم فلما فرغ قال رسول الله: {بسم الله الرحمن الرحيم * حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون}، فقرأ حتى بلغ {أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود}، فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم فقال أبو جهل يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه وما ذاك إلا من حاجة أصابته انطلقوا بنا إليه فأتوه فقال له أبو جهل والله يا عتبة ما حسبنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره فإن كان بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد فغضب وأقسم بالله لا يكلم محمد أبدا وقال لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ولكني أتيته فقص عليهم القصة فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا شعر ولا كهانة قرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعقلون}، قال يحيى هكذا قال فيه: {لقوم يعقلون}، حتى بلغ: {أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود}، فأمسكت بفيه وناشدته الرحم يكف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شئيا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب]؛ ثم قال ابن عساكر: [أخبرناه عاليا أبو المظفر بن القشيري أخبرنا أبو سعد الجنزرودي أخبرنا أبو عمرو بن حمدان (ح) وأخبرتنا أم المجتبى بنت ناصر قالت قرئ على إبراهيم بن منصور أخبرنا أبو بكر بن المقرئ قالا أخبرنا أبو يعلى الموصلي حدثنا أبو بكر حدثنا علي بن مسهر عن الأجلح عن الذيال بن حرملة الأسدي عن جابر؛ زاد ابن حمدان ابن عبد الله قال: [اجتمعت قريش للنبي، صلى الله عليه وسلم، يوما فقال انظروا أعلمكم السحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي قد فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا فليكلمه ولينظر ما يرد عليه قالوا ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة قالوا أنت يا أبا الوليد فأتاه عتبة فقال يا محمد أأنت خير أم عبد الله فسكت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال أنت خير أم عبد المطلب فسكت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منكم فقد عبدوا الآلهة التي عبدت وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك إنا والله ما رأينا سخلة قط أشم على قومك منك فرقت جماعتنا وشتت أمرنا وعبت ديننا فضحتنا في العرب حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرا وأن في قريش كاهنا والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضا إلى بعض السيوف حتى تبغانا أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش وإن كان إنما بك الباه فاختر أي نساء قريش فنزوجك عشرا قال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أفرغت قال نعم قال فقال رسول الله: {بسم الله الرحمن الرحيم * حم تنزيل من الرحمن الرحيم " حتى بلغ " فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود}، فأطال عتبة حسبك ما عندك غير هذا قال لا فرجع إلى قريش قالوا ما وراءك قال ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه به إلا كلمته]؛ زاد ابن المقرئ: (به)؛ [قالوا هل أجابك قال نعم والذي نفسي بيده ما فهمت شيئا مما قال غير أنه قال: {أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} قالوا ويلك يكلمك رجل بالعربية لا تدري ما قال: قال لا والله ما فهمت شيئا مما قال غير ذلك الصاعقة].
ــ وهو من طريق ثانية في تاريخ دمشق لابن عساكر (38/244): [أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد أخبرنا أحمد بن محمد بن النقور أخبرنا أبو القاسم عيسى بن علي أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي أخبرنا داود بن عمرو الضبي أخبرنا أبو راشد صاحب المغازي عن محمد بن إسحاق حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر أن قريشا اجتمعت لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، جالس في المسجد فقال لهم عتبة بن ربيعة دعوني حتى أقوم إليه فأكلمه فإني عسى أن أكون أرفق به منكم فقام عتبة حتى جلس إليه فقال يا ابن أخي إنك أوسطنا وأفضلنا فكأنا وقد أدخلت على قومك ما لم يدخل رجل على قومه قبلك فإن كنت تطلب بهذا الحديث مالا فذلك لك على قومك أن تجمع له حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت تريد شرفا فنحن مشرفوك حتى لا يكون أحد من قومك فوقك ولا تقطع الأمور دونك وإن كان هذا عن لمم يصيبك لا تقدر عن النزوع عنه بذلنا لك خزائننا حتى يعذر في طلب الطب لذلك منك وإن كنت تريد ملكا ملكناك قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أفرغت يا أبا الوليد قال نعم قال فقرأ عليه الصلاة والسلام " حم السجدة " حتى مر بالسجدة فسجد وعتبة ملق يده خلف ظهره حتى فرغ من قراءتها وقام عتبة لا يدري ما يراجعه به إلى نادي قومه فلما رأوه مقبلا قالوا لقد رجع إليكم بوجه ما قام به من عندكم فجلس إليهم فقال يا معشر قريش قد كلمته بالذي أمرتموني به حتى إذا فرغت كلمني بكلام لا والله ما سمعت أذناي بمثله قط فما دريت ما أقول له يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني فيما بعده اتركوا الرجل واعتزلوه فوالله ما هو بتارك ما هو عليه وخلوا بينه وبين سائر العرب فإن يظهر عليهم يكن شرفه شرفكم وعزه عزكم وملكه ملككم وإن يظهروا عليه تكونوا قد كفيتموه بغيركم قالوا صبأت يا أبا الوليد!]
ــ وهي من طريق ثالثة في تاريخ دمشق لابن عساكر (38/245): [أخبرنا أبو العز بن كادش إذنا ومناولة وقرأ على إسناده أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين أخبرنا المعافى بن زكريا حدثنا أبو بكر بن الأنباري حدثنا محمد بن يحيى المروزي حدثنا أحمد بن أيوب حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد مولى بني هاشم عن محمد بن كعب القرظي قال: قال عتبة بن ربيعة وهو جالس في نادي قريش ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، منفرد ناحية أريد أن أقوم إلى محمد فأعرض عليه أمرا ليكف عن أمره هذا فأيها شاء أعطينا إذا رجع لنا عن هذا فقالوا له شأنك يا أبا الوليد وكان عتبة سيدا حكيما فجاء إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال له يا ابن أخي إنك منا بحيث قد علمت من السطة في النسب والمكان من العشيرة وإنك قد أتيت قومك بما لم يأت أحد قومه بمثله سفهت أحلامنا وكفرت آباءنا وعبت آلهتنا وفرقت كلمتنا فإن كان هذا لمال تبغيه جمعنا لك أموالنا حتى تكون أيسرنا وإن كنت تميل إلى الرياسة رأسناك علينا ولم نقطع أمرا دونك وإن كان لرئي من الجن يعتادك أعذرنا في الجد والاجتهاد حتى ينصرف عنك فإن الرئي يحمل صاحبه على ما لا يصل معه إلى تركه ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، ساكت يسمع فلما سكت عتبة قال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اسمع يا أبا الوليد ما أقول: {بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون}، ومضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في القراءة حتى انتهى إلى السجدة فسجد وعتبة مصغ يستمع قد اعتمد على يديه من وراء ظهره فلما قطع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، القراءة قال له يا أبا الوليد قد سمعت الذي قرأت عليك فأنت وذاك فانصرف عتبة إلى قريش في ناديها فقالوا والله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي مضى به من عندكم ثم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد فقال والله لقد سمعت من محمد كلاما ما سمعت مثله قط والله ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة فأطيعوني في هذه وأنزلوها بي خلوا محمدا واعتزلوه فوالله ليكونن لما سمعت من قوله نبأ فإن أصابته العرب كفيتموه بأيدي غيركم وإن كان ملكا أو نبيا كنتم أسعد الناس به لأن ملكه مدككم وشرفه شرفكم فقالوا هيهات سحرك محمد يا أبا الوليد فقال هذا رأيي لكم فاصنعوا ما شئتم]؛ وقال ابن عساكر بعدها مباشرة في تاريخ دمشق لابن عساكر (38/246): [أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد أخبرنا أحمد بن أحمد أخبرنا أبو طاهر المخلص أخبرنا رضوان بن أحمد إجازة حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن زياد مولى بني هشام عن محمد بن كعب قال حدثت أن عتبة بن ربيعة وكان سيدا حليما؛...؛...إلخ، إلخ].
قلت: كل الطرق آنفة الذكر مرسلة، ولكنها تعضد بعضها بعضاً، ولا شك عندي في صحة الخبر في جوهره.

*وأما مجادلة صناديد قريش فلعلنا نكتفي بنص الإمام ابن كثير كما هو في السيرة النبوية لابن كثير (1/478 - 482): [وَقَدْ رَوَى يُونُسُ وَزِيَادٌ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ شَيْخٌ مَنْ أَهْلِ مِصْرَ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اجْتَمَعَ عِلْيَةٌ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، وَعَدَّدَ أَسْمَاءَهُمْ، بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ابْعَثُوا إِلَى مُحَمَّدٍ فكلموه، وخاصموه حَتَّى تعذروا فِيهِ. فَبَعَثُوا إِلَيْهِ: إِنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدِ اجْتَمَعُوا لَكَ لِيُكَلِّمُوكَ. فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، سَرِيعًا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ بدالهم فِي أمره بَدو، وَكَانَ حَرِيصًا يُحِبُّ رُشْدَهُمْ وَيَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتُهُمْ، حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِمْ.
فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا قَدْ بَعَثْنَا إِلَيْكَ لِنُعْذِرَ فِيكَ، وَإِنَّا وَاللَّهِ لَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَى قَوْمِهِ مَا أَدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِكَ، لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ، وَعِبْتَ الدِّينَ، وَسَفَّهْتَ الْأَحْلَامَ، وَشَتَمْتَ الْآلِهَةَ وَفَرَّقْتَ الْجَمَاعَةَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ قَبِيحٍ إِلَّا وَقَدْ جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ. فَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا جِئْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَطْلُبُ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا، حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تَطْلُبُ الشَّرَفَ فِينَا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنَّ كُنْتَ تُرِيدُ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِن كَانَ هَذَا الذى يَأْتِيك بِمَا يَأْتِيكَ رَئِيًّا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّابِعَ مِنَ الْجِنِّ الرَّئِيَّ - فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ، بَذَلْنَا أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ الطِّبِّ حَتَّى نبرئك مِنْهُ أَو نعذر.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: (مَا بِي مَا تَقُولُونَ، مَا جِئْتُكُمْ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا الشَّرَفَ فِيكُمْ، وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لكم بشيرا وَنَذِيرا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ مِنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم،. فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ فَإِنْ كُنْتَ غَيْرَ قَابِلٍ مِنَّا مَا عَرَضْنَا عَلَيْكَ فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَضْيَقَ بِلَادًا، وَلَا أَقَلَّ مَالًا، وَلَا أَشَدَّ عَيْشًا مِنَّا، فَسَلْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ بِمَا بَعَثَكَ بِهِ فَلْيُسَيِّرْ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ الَّتِي قَدْ ضَيَّقَتْ عَلَيْنَا، وَلَيَبْسُطْ لَنَا بِلَادَنَا، وَلْيُجْرِ فِيهَا أَنْهَارًا كَأَنْهَارِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَلْيَبْعَثْ لنا من مضى من آبَائِنَا، وَليكن فِيمَا يُبْعَثُ لَنَا مِنْهُمْ قُصَّيُّ بْنُ كِلَابٍ، فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخًا صَدُوقًا فَنَسْأَلَهُمْ عَمَّا تَقُولُ: أَحَقٌّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ؟ فَإِنْ فَعَلْتَ مَا سَأَلْنَاكَ وَصَدَّقُوكَ، صَدَّقْنَاكَ وَعَرَفْنَا بِهِ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَنَّهُ بَعَثَكَ رَسُولًا كَمَا تَقُولُ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: (مَا بِهَذَا بُعِثْتُ، إِنَّمَا جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِمَا بَعَثَنِي بِهِ، فَقَدْ بَلَّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوهُ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ). قَالُوا: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَنَا هَذَا فَخُذْ لِنَفْسِكَ، فَسَلْ رَبَّكَ أَنْ يَبْعَثَ لَنَا مَلَكًا يُصَدِّقُكَ بِمَا تَقُولُ، وَيُرَاجِعُنَا عَنْكَ، وَتَسْأَلُهُ فَيَجْعَلُ لَنَا جِنَانًا وَكُنُوزًا وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَيُغْنِيكَ عَمَّا نَرَاكَ تَبْتَغِي، فَإِنَّكَ تَقُومُ فِي الْأَسْوَاقِ وتلتمس المعاش كَمَا نَلْتَمِسُهُ، حَتَّى نَعْرِفَ فَضْلَ مَنْزِلَتِكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ كُنْتَ رَسُولًا كَمَا تَزْعُمُ. فَقَالَ لَهُمْ: (مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، مَا أَنَا بِالَّذِي يَسْأَلُ رَبَّهُ هَذَا، وَمَا بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ بِهَذَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَإِنْ تَقْبَلُوا مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ). قَالُوا: فَأَسْقِطِ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ أَنَّ رَبَّكَ إِنْ شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلَ. فَقَالَ: (ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ فَعَلَ بِكُمْ ذَلِكَ). فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ مَا عَلِمَ رَبُّكَ أَنَّا سَنَجْلِسُ مَعَكَ وَنَسْأَلُكَ عَمَّا سألناك عَنهُ، ونطلب مِنْكَ مَا نَطْلُبُ، فَيَتَقَدَّمُ إِلَيْكَ وَيُعْلِمُكَ مَا تُرَاجِعُنَا بِهِ وَيُخْبِرُكَ مَا هُوَ صَانِعٌ فِي ذَلِكَ بِنَا إِذَا لَمْ نَقْبَلْ مِنْكَ مَا جِئْتَنَا بِهِ. فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ إِنَّمَا يُعَلِّمُكَ هَذَا رَجُلٌ بِالْيَمَامَةِ يُقَالُ لَهُ الرَّحْمَنُ، وَإِنَّا وَاللَّهِ لَا نُؤْمِنُ بِالرَّحْمَنِ أَبَدًا، فَقَدْ أَعْذَرْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، أَمَا وَاللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ وَمَا فَعَلْتَ بِنَا حَتَّى نُهْلِكَكَ أَوْ تُهْلِكَنَا. وَقَالَ قَائِلُهُمْ: نَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ وَهِيَ بَنَاتُ اللَّهِ وَقَالَ قَائِلُهُمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا.
فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، عَنْهُمْ وَقَامَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُميَّة ابْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمَّتِهِ عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ عَرَضَ عَلَيْكَ قَوْمُكَ مَا عرضوا فَلم تقبله، ثُمَّ سَأَلُوكَ لِأَنْفُسِهِمْ أُمُورًا لِيَعْرِفُوا بِهَا مَنْزِلَتَكَ مِنَ اللَّهِ فَلَمْ تَفْعَلْ، ثُمَّ سَأَلُوكَ أَنْ تعجل مَا تخوفهم بِهِ من الْعَذَاب، فو الله لَا أَو من لَكَ أَبَدًا حَتَّى تَتَّخِذَ إِلَى السَّمَاءِ سُلَّمًا، ثمَّ ترقى مِنْهُ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى تَأْتِيَهَا، وَتَأْتِيَ مَعَكَ بِنُسْخَةٍ مَنْشُورَةٍ، وَمَعَكَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ لَكَ أَنَّكَ كَمَا تَقُولُ. وَايْمُ اللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَظَنَنْتُ أَنِّي لَا أُصَدِّقُكَ.
ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، إِلَى أَهْلِهِ حَزِينًا أَسِفًا لِمَا فَاتَهُ مِمَّا طَمِعَ فِيهِ مِنْ قَوْمِهِ حِينَ دَعَوْهُ، وَلِمَا رَأَى مِنْ مُبَاعَدَتِهِمْ إِيَّاهُ.
وَهَذَا الْمَجْلِسُ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمَلَأُ مَجْلِسُ ظُلْمٍ وَعُدْوَانٍ وعناد، وَلِهَذَا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ وَالرَّحْمَةُ الرَّبَّانِيَّةُ أَلَّا يُجَابُوا إِلَى مَا سَأَلُوا، لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ فَيُعَاجِلُهُمْ بِالْعَذَابِ]، انتهى نص الإمام ابن كثير، وجدير بنا أن نتأمل تعقيبه: (وَهَذَا الْمَجْلِسُ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمَلَأُ مَجْلِسُ ظُلْمٍ وَعُدْوَانٍ وعناد، وَلِهَذَا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ وَالرَّحْمَةُ الرَّبَّانِيَّةُ أَلَّا يُجَابُوا إِلَى مَا سَأَلُوا، لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ فَيُعَاجِلُهُمْ بِالْعَذَابِ).

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 07-21-2012, 03:47 AM
طارق الطارق طارق الطارق غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
المشاركات: 12
افتراضي

ــ وتجده أيضاً في تفسير ابن كثير [ت سلامة (5/118)]: [قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، قَدِمَ مُنْذُ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ، وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَرَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَأَبَا البَخْتَري أَخَا بَنِي أَسَدٍ، وَالْأَسْوَدَ بْنَ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، وَزَمَعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ، وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَام وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أمية، وأمية ابن خَلَفٍ، وَالْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ، ونُبَيها ومُنَبِّها ابْنَيِ الْحَجَّاجِ السَّهْمَيَّين، اجْتَمَعُوا، أَوْ: مَنِ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ، بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ابْعَثُوا إِلَى مُحَمَّدٍ فَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتَّى تُعْذَرُوا فِيه؛...إلخ، إلخ].
ــ وتجده أيضاً في سيرة ابن هشام [ت طه عبد الرؤوف سعد (1/262)] بدون إسناد: [اجْتَمَعَ عتبةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وشَيْبة بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو سُفيان بن حرب، والنَّضْر بن الحارث، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَأَبُو البَخْتَري بْنُ هِشَامٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ المطَّلب بْنِ أَسَدٍ، وزَمَعة بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ، ونُبَيْه ومُنبَّه أنبأنا الْحَجَّاجِ السَّهْمِيَّانِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، أَوْ مَنْ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ. قَالَ: اجْتَمِعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: ابْعَثُوا إلَى مُحَمَّدٍ فَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتَّى تُعذروا فِيهِ؛...إلخ، إلخ].
ليس في الإسناد من يحتاج إلى أن يتكلم فيه إلا شيخ ابن إسحاق: محمد بن أبي محمد؛ فقد جاء في تهذيب التهذيب (ج9/ص384/ت711): [(د - أبي داود) محمد بن أبي محمد الأنصاري مولى زيد بن ثابت مدني روى عن سعيد بن جبير وعكرمة وعنه محمد بن إسحاق ذكره بن حبان في الثقات قلت وقال الذهبي لا يعرف]؛ ثم قال في تقريب التهذيب (ج1/ص505/ت6276): [محمد بن أبي محمد الأنصاري مولى زيد بن ثابت مدني مجهول من السادسة تفرد عنه بن إسحاق (د)]؛ قلت: وربما كان من الخامسة، لأن ابن إسحاق عدَّه من أهل العلم، وذكر أنه قدم عليهم من مصر فسمع منه قبل بضع وأربعين سنة. وإخراج أبي داود له في سننه، وثناء ابن إسحاق عليه بقوله (من أهل العلم)، كما جاء في طرق أخرى، يبطل قول الذهبي: (لا يعرف)، وقول الحافظ: (مجهول). والظاهر أن الرجل رحالة: فهو مدني الأصل، نزل بمصر حيناً ثم قدم منها فسمع منه ابن إسحاق، ولعله نزل حيناً من الدهر في بلاد أخرى كاليمن والشام مثلاً، ومن كان هكذا حاله من كثرة التغرب، وعدم الاستقرار تقل تلاميذه، وتقل الرواية عنه.
ولكن جاء أيضاً في تهذيب التهذيب (ج9/ص384/ت711): [(تمييز) محمد بن أبي محمد المدني عن أبيه عن أبي هريرة بحديث حجوا قبل أن لا تحجوا وعنه عبد الرزاق قال أبو حاتم مجهول وذكره العقيلي في الضعفاء وساق حديثه من طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن بحير بن ريسان عنه وقال لا يتابع عليه وذكره البخاري من طريق عبد الرزاق أيضا عن عبد الله بن عيسى الجَنَدي عنه بهذا السند في قوله تعالى اخسؤوا فيها ولا تكلمون قال يغلق عليهم فلا يسمع لهم الا مثل طنين الطست]؛ ثم قال في تقريب التهذيب (ج1/ص505/ت6277): [محمد بن أبي محمد المدني شيخ لعبد الرزاق مجهول من السابعة (تمييز)]؛ قلت: هذا خطأ، وإنما هو شيخ لشيوخ عبد الرزاق، فيكون من السادسة أو الخامسة، كالسابق تماماً، وهذا يقوي كونه نفس الرجل، فمن البعيد جداً أن لا يوجد في طول العالم الإسلامي وعرضه في القرون الثلاثة أو الأربعة الأولى إلا هذان من نفس البلد ونفس الطبقة!
نعم: هناك ذكر لمحمد بن أبي محمد في المنفردات والوحدان (ج1/ص169/ت661) فيمن تفرد عنهم يعلى بن عطاء، من غير ذكر لنسب أو بلد، أو أي معلومة أخرى إطلاقاً، والظاهر أنه التالي:
حيث جاء في تهذيب التهذيب (ج9/ص384/ت711): [(تمييز) محمد بن أبي محمد عن عوف بن مالك وعنه يعلى بن عطاء ذكره البخاري وتبعه أبو حاتم وزاد مجهول قلت وهو أقدم من شيخ بن إسحاق وأفاد الخطيب في الموضح عن أبي نعيم أنه محمد بن كعب الغوطي الذي روى عنه موسى بن عبيدة الربذي]؛ قلت: حكم الحافظ بأنه أقدم من شيخ ابن إسحاق لا مستند له، لأن ابن إسحاق (المتوفي 151 هـ) سمع من شيخه حوالي 105 هـ، ولعله، أي: محمد بن أبي محمد شيخ كبير آنذاك، فما الذي يمنع أن يكون قد سمع منه يعلى بن عطاء (المتوفي 120 هـ) آنذاك، أو قبل ذاك، قبل نزوله، أي نزول يعلى بن عطاء، بواسط؟! وقول أبي نعيم "أنه محمد بن كعب الغوطي الذي روى عنه موسى بن عبيدة الربذي"، إن ثبت وصح، يقوي هذا لأن موسى بن عبيدة الربذي مدني أيضاً، يبقى أمر مشكل واحد، وهو هذه النسبة: (الغوطي)، إن لم تكن تصحيفاً، حيث أنها لا تكاد توجد إلا في قلة من الرجال، من المتأخرين، نسبة إلى غوطة دمشق. جاء في الأنساب للسمعاني (10/94/2936): [(الغُوطى): بضم الغين المعجمة والواو وفي آخرها الطاء المهملة، هذه النسبة إلى غوطة دمشق، وهي من جنان الدنيا، رأيتها فصادفتها كما وصفت، منها أبو على الحسن بن على بن روح بن عوانة الدمشقيّ الغوطي الكفر بطناني، يروى عن هشام بن خالد الأزرق، روى عنه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ الأصبهاني].
لذلك نستخير الله ونقول أن كل المذكورين في الروايات باسم: محمد بن أبي محمد، إنما هم رجل مدني واحد، كثير التغرب وعدم الاستقرار، فقلت تلاميذه والرواية عنه؛ روى عن: عوف بن مالك؛ وعن أبيه عن أبي هريرة؛ وعن عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس؛ روى عنه: الثقات: يعلى بن عطاء، ومحمد بن إسحاق، وعبد الله بن بحير بن ريسان؛ وكذلك: عبد الله بن عيسى الجَنَدي، وربما موسى بن عبيدة الربذي؛ فهو معروف، وهو صدوق لا بأس به في الرواية، من الرابعة أو الخامسة، والله أعلم وأحكم.

أما مجادلة الحصين الخزاعي، والد عمران بن حصين، رضي الله عنهما، قلم أجد نص الأستاذ ضياء الدين القدسي بعد طول بحث، ولكني وجدت التالي:
* ما جاء في سنن الترمذي [ت شاكر (5/519/3483)]: [حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، لِأَبِي: «يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ اليَوْمَ إِلَهًا»؟ قَالَ أَبِي: سَبْعَةً: سِتَّةً فِي الأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ. قَالَ: «فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ»؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ. قَالَ: «يَا حُصَيْنُ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ». قَالَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِيَ الكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي، فَقَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي»]؛ ثم قال أبو عيسى: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ».
ــ وهو في الدعاء للطبراني (ص:412/1393)؛ وفي المعجم الكبير للطبراني (18/174/396)؛ وكذلك في المعجم الأوسط (2/280/1985): [حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْقَطِرَانِيُّ، قَالَ: حدثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ قَالَ: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ قَالَ: حدثنا شَبِيبُ بْنُ شَيْبَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، لِأَبِي: «كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا؟» قَالَ: سَبْعَةً، سِتٌّ فِي الْأَرْضِ، وَوَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ قَالَ: «فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟» قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ: «يَا حُصَيْنُ، أَمَا إِنَّكَ إِنْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ». قَالَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ، أَتَى النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي. قَالَ: فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي»]؛ ثم قال الطبراني: (لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ إِلَّا أَبُو مُعَاوِيَةَ)، قلت: رحمك الله، بل قد رواه أبو عوانة أيضاً، وسيأتي، إن شاء الله.
ــ وفي مسند البزار البحر الزخار (9/53/3579 - 3580): [حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَا: حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حدثنا شَبِيبُ بْنُ شَيْبَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ،؛ وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حدثنا أَبُو خَالِدٍ، قَالَ: حدثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَاللَّفْظُ، لِشَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، لِأَبِي: (يَا حُصَيْنٍ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا؟ قَالَ: سَبْعَةً سِتَّةٌ فِي الْأَرْضِ وَوَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ، قَالَ: " فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ: «يَا حُصَيْنُ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ» فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ أَتَى النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي الَّذِي وَعَدْتَنِي، قَالَ: «قُلِ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي»]، ثم قال البزار: (وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، إِلَّا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَأَبَوهُ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي إِسْنَادِهِ، فَقَالَ رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ: عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِمْرَانَ أَنَّ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ لِحُصَيْنٍ: وَأَحْسَبُ أَنَّ حَدِيثَ عِمْرَانَ أَنَّ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ لِأَبِيهِ أَصَوْبُ).
ــ وفي مسند الروياني (1/105/85): [حدثنا ابْنُ إِسْحَاقَ، أخبرنا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، به]
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/721/1184): [أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الرَّوْيَانِيُّ به]
ــ وفي معجم ابن الأعرابي (3/904/1895): [حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي مَسَرَّةَ، حدثنا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، به]
ــ وفي أحاديث من أمالي أبي بكر ابن دوست - مخطوط (ن) (ص:7/17): [حدثنا أبو بكر محمد بن يوسف بن محمد العلاف إملاء قال حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثني جدي قال حدثنا أبو معاوية به].
ــ وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (2/836/2192): [حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيمَا، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ بَدِينَا، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ [ص:837] مَنِيعٍ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، به]؛ ثم قال أبو نعيم: (وَرَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم)
ــ وفي خلق أفعال العباد للبخاري (ص:43) تعليقاً: [وَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، لِأَبِي: «كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا؟» قَالَ: سَبْعَةٌ، سِتَّةٌ فِي الْأَرْضِ وَوَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «فأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَلِرَهْبَتِكَ؟» قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «أَمَا إِنَّكَ إِنْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ يَنْفَعَانِكَ»، فَلَمَّا أَسْلَمَ الْحُصَيْنُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي، قَالَ: «اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي»]
ــ وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 3/1، وابن أبي عاصم (2355)، والطبراني 4/(3551) و18/(186) و(396)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص 423 - 424 من طريق شبيب بن شيبة، عن الحسن البصري، عن عمران، وبعضهم يختصره.

* وتجد رواية أبي عوانة في الحجة في بيان المحجة [لقوام السنة إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي الطليحي التيمي الأصبهاني، أبي القاسم، (المتوفى: 535هـ)، (2/114/64)]: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ، أخبرنا أَبُو سَعِيدٍ النَّقَّاشُ، أخبرنا أَبُو الْقَاسِم البوسبخي، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حدثنا أَبُو الرَّبِيعِ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ، حدثنا شَبِيبُ بْنُ شَيْبَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَتَى حُصَيْنٌ الْخُزَاعِيَّ رَسُولَ الله، صلى الله عليه وسلم، - فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، -: (يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا)، قَالَ: سَبْعَةً؛ سِتَّةٌ فِي الأَرْضِ. وَوَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ. قَالَ: (فَأَيُّهُمْ تُعِدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟)، قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ. قَالَ: يَا حُصَيْنُ أَسْلِمْ، فَإِنَّكَ إِنْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ. قَالَ: فَذَهَبَ. يَعْنِي فَأَسْلَمَ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، - فَقَالَ: يَا رَسُول الله عَلمنِي الْكَلِمَتَيْنِ اللتين وَعَدْتَنِي. قَالَ: (قُلِ: اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي)].
وقال الألباني: (ضعيف)، فلم يوفق، لا سيما إذا لاحظنا ما جاء في العلل الكبير للترمذي [ترتيب علل الترمذي الكبير (ص:364/677)] بعد أن ساق الحديث بعينه: [سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَرَوَى مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ الْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، مُرْسَلًا. قَالَ أَبُو عِيسَى: وَحَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي هَذَا أَشْبَهُ عِنْدِي وَأَصَحُّ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. رَوَى إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، شَيْئًا مِنْ هَذَا]، فكيف يحكم الألباني بضعف الحديث؟!
وربما قيل أنه قصد ضعف هذا الإسناد فقط، وخانته العبارة، فنقول: وحتى هذه ليست بمسلمة لأن سماع الحسن من عمران بن حصين ثابت، لا يعقل غير ذلك، وإن كثرت المزاعم بخلاف ذلك، كما هو مبسوط في الدراسة القيمة المعنونة بـ(المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس) للشريف حاتم بن عارف العوني.
وأما شبيب بن شيبة فهو من فضلاء الناس ونبلائهم وفصحائهم، من أهل الصدق، وإن لم يكن متقناً في الحديث كما قال الحافظ في التقريب (ج1/ص263/ت2740): [شبيب بن شيبة بن عبد الله التميمي المنقري أبو معمر البصري الخطيب البليغ اخباري صدوق يهم في الحديث من السابعة مات في حدود السبعين ت]
ــ وجاء في تهذيب التهذيب (ج4/ص270/ت535): [(ت – الترمذي): شبيب بن شيبة بن عبد الله بن عمرو بن الأهتم، واسمه سنان بن شمر بن سنان بن خالد بن منقر التميمي المنقري الأهتمي أبو معمر البصري الخطيب روى عن أبيه وابن عمه خالد بن صفوان بن الأهتم والحسن وابن سيرن وعطاء ومحمد بن المنكدر وهشام بن عروة وغيرهم وعنه إبناه عبد الرحيم وعبد الصمد والأصمعي ووكيع وعيسى بن يونس وأبو معاوية وأبو بدر شجاع بن الوليد وجبارة بن مغلس ومسلم بن إبراهيم ويحيى بن يحيى النيسابوري وغيرهم قال الدوري عن بن معين ليس بثقة وقال أبو زرعة وأبو حاتم ليس بالقوي وقال أبو داود ليس بشيء وقال النسائي والدارقطني والبرقاني ضعيف وقال صالح بن محمد البغدادي صالح الحديث وقال الساجي صدوق يهم؛ وقال بن المبارك خذوا عنه فإنه أشرف من أن يكذب وقال بن عدي إنما قيل له الخطيب لفصاحته وكان ينادم خلقاء بني أمية وله أحاديث غير ما ذكرت وأرجو أنه لا يتعمد الكذب بل لعله يهم في بعض الشيء وقال الأصمعي كان شبيب رجلا شريفا يفزع إليه أهل البصرة في حوائجهم له في الترمذي حديث واحد في تعليم والد عمران بن حصين حين أسلم اللهم ألهمني رشدي وأعوذ بك من شر نفسي وقال حسن غريب قلت وقال بن حبان كان من فصحاء الناس ودهاتهم في زمانه وكان يهم في الأخبار ويخطئ إذا روى غير الأشعار لا يحتج بما انفرد به من الأخبار ولا يشتغل بما لا يتابع عليه من الآثار وكان يقال هو أعقل من بالبصرة وقال الدارقطني أيضا متروك وقال الصريفيني توفي في حدود السبعين ومائة]؛ قلت: الساجي إمام أهل البصرة في الجرح والتعديل بعد وفاة الأئمة علي بن المديني وعمرو بن علي الفلاس الصيرفي، وهو مشهور بالتعنت والشدة، فإذا قال عن راوية بصري: (صدوق يهم)، فاقبض عليها بيد من حديد.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 07-21-2012, 03:48 AM
طارق الطارق طارق الطارق غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
المشاركات: 12
افتراضي

ــ وترجم له ابن عساكر في تاريخ دمشق لابن عساكر (73/120/9951): [شبيب بن شيبة بن عبد الله بن عمرو بن الأهتم ابن سميّ بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن مقاعس ابن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، أبو معمر التميمي المنقري الأهتمي البصري الخطيب؛ حدث عن: الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، ومعاوية بن قرّة، وعلي بن زيد، وعطاء بن أبي رباح، وهشام بن عروة، وعمر بن عبد الله بن أبي حسين، ومحمد بن المنكدر، وخالد بن صفوان بن الأهتم. سمع منه: وكيع، والأصمعي وعيسى بن يونس، وهاشم بن القاسم أبو النّضر، وهشام بن عبيد الله الرازي، وموسى بن إسماعيل التبوذكي، ومسلم بن إبراهيم، وأبو بدر شجاع بن الوليد، ومنصور بن سلمة الخزاعي، وجبارة بن المغلّس، ومعلى بن منصور، وعبد الله بن صالح العجلي. وقدم دمشق مع المنصور، وسيأتي ذكر قدومه في ترجمة يزيد بن حاتم المهلبي، وكان من فصحاء أهل البصرة، وخطبائهم، وولّاه المهدي الري. أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر، أنبأ أبو سعد الجنزروذي، أخبرنا أبو أحمد الحسين ابن علي بن محمد بن يحيى التميمي إملاء، أنبأ أبو الليث نصر بن القاسم الفرائضي، حدثنا سريج بن يونس، حدثنا أبو معاوية محمد بن خازم، حدثنا شبيب بن شيبة. (ح) وأخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو بكر يوسف بن القاسم الميانجي (ح) وأخبرتنا أم المجتبى فاطمة بنت ناصر قالت: أخبرنا إبراهيم بن منصور، أخبرنا أبو بكر بن المقرئ، أخبرنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا سريج، حدثنا أبو معاوية، عن شبيب بن شيبة، عن الحسن، عن عمران بن حصين أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال لأبيه حصين: «كم تعبد اليوم إلها؟» قال: سبعة، ستة في الأرض وواحد في السماء، قال: «أيهم تعدّ لرغبتك ورهبتك» قال: الذي في السماء، قال: «يا حصين، إن أسلمت علّمتك كلمتين» فأسلم حصين، فجاء إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وفي حديث الفرائضي: فأتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: علّمني الكلمتين، قال: «قل اللهم ألهمني رشدي وأعذني من، وفي حديث أبي يعلى: وقني شر نفسي». رواه الروياني، عن الصنعاني، عن خلف بن الوليد، عن أبي معاوية]
وله ترجمة طويلة حسنة في تاريخ بغداد (ج9/ص274/ت4836) فيها شعر وطرائف، فارجع إليها.

* وجاء في مسند أحمد [ط الرسالة (33/197/19992)] بإسناد صحيح على شرط الشيخين: [حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَنَّ حُصَيْنًا، أَوْ حَصِينًا أَتَى رَسُولَ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ لَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ كَانَ خَيْرًا لِقَوْمِهِ مِنْكَ؛ كَانَ يُطْعِمُهُمُ الْكَبِدَ وَالسَّنَامَ، وَأَنْتَ تَنْحَرُهُمْ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم: مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ؛ فَقَالَ لَهُ: مَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَقُولَ؟ قَالَ: (قُلِ اللهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي، وَاعْزِمْ لِي عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِي). قَالَ: فَانْطَلَقَ فَأَسْلَمَ الرَّجُلُ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: إِنِّي أَتَيْتُكَ فَقُلْتَ لِي: (قُلِ اللهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي، وَاعْزِمْ لِي عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِي). فَمَا أَقُولُ الْآنَ؟ قَالَ: (قُلِ اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَخْطَأْتُ وَمَا عَمَدْتُ، وَمَا عَلِمْتُ وَمَا جَهِلْتُ)]؛ قلت: حسين: هو ابن محمد بن بهرام المرّوذي، وشيبان: هو ابن عبد الرحمن النحوي، ومنصور: هو ابن المعتمر؛ وإبهام الذي حدَّث ربعياً لا يضر، فقد علمنا يقيناً أنه عمران.
ــ وهو في الدعاء للطبراني (ص:412/1394) بحذف واختصار: [حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، أَنْبَأَ شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَوْ عَنْ رَجُلٍ أَنَّ حُصَيْنًا، أَتَى النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، عَبْدُ الْمُطَّلِبِ كَانَ خَيْرًا لِقَوْمِكَ مِنْكَ، كَانَ يُطْعِمُهُمُ الْكَبِدَ وَالسَّنَامَ، وَأَنْتَ تَنْحَرُهُمْ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، قَالَ: فَمَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَقُولَ؟ قَالَ: " قُلِ: اللَّهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي، وَاعْزِمْ لِي عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِي]
ــ وأخرجه الطبراني في "الكبير" 4/(3551) و18/(599) من طريقْ عبد الله ابن رجاء، عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي، بهذا الإسناد. وقال فيه: عن عمران أو عن رجل. ولم يسق لفظه في الموضع الأول. وأخرجه ابن أبي شيبة 10/267 - 268، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (994)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (2525)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1480) من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن منصور بن المعتمر، به.
وأخرجه الطبراني 4/(3551) من طريق جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن ربعي، قال: حدثت أن الحصين أبا عمران... ولم يسق لفظه.
ــ وأخرجه عبد بن حميد (476)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2354)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (993)، وابن حبان (899)، والحاكم 1/510 من طريق إسرائيل بن يونس، والنسائي (993 م) من طريق عمرو بن أبي قيس، والطحاوي في "شرح المشكل" (2526) من طريق يحيى ابن يعلى التيمي، ثلاثتهم عن منصور بن المعتمر، عن ربعي بن حراش، عن عمران، عن أبيه، به. فجعلوه من مسند حصين والد عمران. وهذا إسناد صحيح أيضاً.
قلت: متن حديث الترمذي، على ما في إسناده من مقال، أكثر استقامة، وأقرب إلى تسلسل الأحداث المعقول على الرغم من كون إسناد حديث ربعي بن حراش غاية في الصحة، من أصح أحاديث الدنيا. فمن المحال الممتنع أن يسأل حصين النبي، صلى الله عليه وسلم، عن شيء أصلا قبل إسلامه. أما الدعاء الثاني: (قُلِ اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَخْطَأْتُ وَمَا عَمَدْتُ، وَمَا عَلِمْتُ وَمَا جَهِلْتُ)، فلعله جاء بعد إسلامه وتعلمه الدعاء الأول مستزيداً، فزاده النبي، صلى الله عليه وسلم، هذا الدعاء الأخير؛ وتفرد ربعي بهذا الدعاء الثاني.
ولعلنا نلاحظ أن ربعي، أو غيره من رجال الإسناد، لم يعيروا كبير اهتمام لما دار بين حصين والنبي، صلى الله عليه وسلم، من حوار، ربما كان طويلاً، واكتفوا بجملتين: (يَا مُحَمَّدُ لَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ كَانَ خَيْرًا لِقَوْمِهِ مِنْكَ؛ كَانَ يُطْعِمُهُمُ الْكَبِدَ وَالسَّنَامَ، وَأَنْتَ تَنْحَرُهُمْ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم: مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ).
فهذه القصة أنموذج حي، وبرهان قاطع جلي، على أن صحة الإسناد لا تقتضي، بالضرورة، سلامة المتن وصحته؛ وهي كذلك درس قاسي لمن اعتاد ترك تتبع الطرق والألفاظ.

* وجاء الدعاء فقط من طرق أخرى، فقد أخرج الطبراني في معجمه الكبير (ج18/ص186/ح439): [حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ، حدثنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أخبرنا خَالِدٌ، عَنِ الْفَضْلِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي صَدَقَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم: (يَا عِمْرَانُ قُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَهْدِيكَ لِأَرْشَدِ أَمْرِي، وَأَسْتَجِيرُكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي)]؛ وهو بعينه في معجمه الأوسط (ج8/ص33/ح7875)؛
ــ وهو في تاريخ بغداد وذيوله [ط العلمية (ج14/ص293/ت7592)] خلال ترجمة (يعقوب بْن مُحَمَّد بْن الحارث، اللخمي: من أهل الأنبار. حَدَّث عَن وهب بْن بقيَّة الواسطي. رَوَى عَنْهُ الطبراني) من طريق ثانية مع زيادة في غاية الأهمية: [أَخْبَرَنَا ابْنُ شهريار، أخبرنا سليمان بن أحمد الطّبراني، حدثنا يعقوب بن محمّد ابن الحارث اللّخميّ الأنباريّ، حدثنا وهب بن بقية الواسطيّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْفَضْلِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي صَدَقَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: «يَا عِمْرَانُ» قُلْتُ لَبَّيْكَ قَالَ: «قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَهْدِيكَ لأَرْشَدِ أُمُورِي، وأستجير بك مِنْ شَرِّ نَفْسِي». قَالَ سُلَيْمَانُ: (لَمْ يَرْوِهِ عَنْ سَعِيدٍ إِلا الْفَضْلُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ، تَفَرَّدَ بِهِ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ)]؛ وبعينه في تاريخ بغداد [ت بشار (16/426/7544)]؛ فالإسناد صحيح إذاً.
ــ وأخرج الطبراني في معجمه الكبير (ج18/ص115/ح223): [حدثنا عبدان بن أحمد حدثنا خليفة بن خياط حدثنا يحيى بن أيوب الخاقاني عن الجريري عن أبي العلاء عن مطرف عن عمران قال: قال رجل يا رسول الله إني أسلمت فما تأمرني قال قل اللهم إني أستهديك أمري وأعوذ بك من شر نفسي]
*ولكن أخرج الإمام بن خزيمة [وهو: أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري (المتوفى: 311هـ)] في كتاب التوحيد لابن خزيمة (1/277): [حَدَّثَنَا رَجَاءُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُذْرِيُّ، قَالَ: حدثنا عِمْرَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ طَلِيقِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ قُرَيْشًا جَاءَتْ إِلَى الْحُصَيْنِ، وَكَانَتْ تُعَظِّمُهُ، فَقَالُوا لَهُ: كَلِّمْ لَنَا هَذَا الرَّجُلَ، فَإِنَّهُ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا وَيَسِبُّهُمْ، فَجَاءُوا مَعَهُ حَتَّى جَلَسُوا قَرِيبًا مِنْ بَابِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، وَدَخَلَ الْحُصَيْنُ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ»، وَعِمْرَانُ وَأَصْحَابُهُ مُتَوَافِدُونَ، فَقَالَ حُصَيْنٌ: مَا هَذَا الَّذِي يَبْلُغْنَا عَنْكَ، إِنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَتَذْكُرُهُمْ، وَقَدْ كَانَ أَبُوكَ جَفْنَةً وَخُبْزًا فَقَالَ: «يَا حُصَيْنُ، إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ، يَا حُصَيْنُ، كَمْ إِلَهًا تَعْبُدُ الْيَوْمَ؟» قَالَ: سَبْعَةً فِي الْأَرْضِ، وَإِلَهًا فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «فَإِذَا أَصَابَكَ الضُّرُّ مَنْ تَدْعُو؟» قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ، قَالَ: فَإِذَا هَلَكَ الْمَالُ مَنْ تَدْعُو؟ " قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «فَيَسْتَجِيبُ لَكَ وَحْدَهُ، وَتُشْرِكُهُمْ مَعَهُ؟» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَدْ أَمْلَيْتُهُ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ]
ــ وهو في إثبات صفة العلو - ابن قدامة (ص:75/5): [أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ) أَنْبَأَ (أَبُو الْفَضْلِ) أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خَيْرُونَ، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ، أَنْبَأَ أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحْمُدِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ أَنْبَأَ أَبُو يَحْيَى عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ (بْنِ زِيَادٍ) الديرعاقولي حدثَنَا رَجَاءُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ، حدثَنَا عِمْرَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ طَلِيقٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ إِلَى الْحُصَيْنِ أبي عِمْرَانَ، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا، فَنَحْنُ نُحِبُّ أَنْ تُكَلِّمَهُ وَتَعِظَهُ، فَمَشَوْا مَعَهُ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ بَابِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَجَلَسُوا وَدَخَلَ حُصَيْنٌ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ، فَأَوْسَعُوا لَهُ، وَعِمْرَانُ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، مُتَوَافِرُونَ، فَقَالَ حُصَيْنٌ: مَا هَذَا الَّذِي يَبْلُغُنَا عَنْكَ أَنَّكَ تَشْتِمُ آلِهَتَنَا وَتَذْكُرُهُمْ، وَقَدْ كَانَ أَبُوكَ جَفْنَةً وَخُبْزًا. فَقَالَ: (إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ)، يَا حُصَيْنُ كَمْ إِلَهًا تَعْبُدُ الْيَوْمَ؟ قَالَ: سَبْعَةً فِي الأَرْضِ وَإِلَهًا فِي السَّمَاءِ. قَالَ: فَإِذَا أَصَابَكَ الضِّيقُ فَمَنْ تَدْعُو؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ، قَالَ: فَإِذَا هَلَكَ الْمَالُ فَمَنْ تَدْعُو؟ قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ. قَالَ: فَيَسْتَجِيبُ لَكَ وَحْدَهُ وَتُشْرِكُهُمْ مَعَهُ؟! قَالَ: أَمَا (رَضِيتَهُ) أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، أَوَ تَخَافُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَيْكَ؟ قَالَ: لَا وَاحِدَةً مِنْ هَاتَيْنِ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَمْ أُكَلِّمْ مِثْلَهُ. فَقَالَ: يَا حُصَيْنُ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، قَالَ: إِنَّ لِي قَوْمًا (وَعَشِيرَةً) فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟ قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَهْدِيكَ لأَرْشَدِ أَمْرِي، وَأَسْتَجِيرُكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، عَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَانْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَزِدْنِي عِلْمًا يَنْفَعُنِي، فَقَالَهَا، فَلَمْ يَقُمْ حَتَّى أَسْلَمَ، فَوَثَبَ عِمْرَانُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: مِمَّا صَنَعَ عِمْرَانُ، دَخَلَ حُصَيْنٌ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى نَاحِيَتِهِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ قَضَى حَقَّهُ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ رِقَّةٌ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ حُصَيْنٌ قَالَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم: قُومُوا فَشَيِّعُوهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ سُدَّةِ الْبَابِ نَظَرَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ فَقَالَتْ: صَبَأَ وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ]؛ قلت: آخر القصة منكر عجيب، ويشبه أن يكون مكذوباً، فلا عجب أن دلَّسه جمهور الأئمة، كابن خزيمة، وقد مضى، والذهبي وسيأتي، مكتفين بقولهم: (وَذَكَرَ الْحَدِيثَ)، أو كلاماً نحو هذا.
ــ وأخرجه الإمام الذهبي في العلو للعلي الغفار (ص:24/43): [أَخْبَرَنَا الْقَاضِي تَاج الدّين بن عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ ببعلبك أخبرنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ سنة إِحْدَى عشر وسِتمِائَة أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْحَاجِبُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ الْقَطَّانُ حَدثنَا عبد الْكَرِيم الديرعاقولي حَدثنَا رَجَاء بن مرجا الْبَصْرِيّ حَدثنَا عِمْرَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ طُلَيْقٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ إِلَى حُصَيْنٍ وَالِدِ عِمْرَانَ فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا فَنُحِبُّ أَنْ تُكَلِّمَهُ وَتَعِظَهُ فَمَشَوْا مَعَهُ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ بَابِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، فَجَلَسُوا وَدَخَلَ حُصَيْنٌ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ؛ فَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي يبلغنَا عَنْكَ إِنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَتَذْكُرُهُمْ وَقَدْ كَانَ أَبُوكَ جَفْنَةً وَخُبْزًا؛ فَقَالَ إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ إِلَهًا الْيَوْمَ قَالَ سَبْعَةً فِي الأَرْضِ وَإِلَهًا فِي السَّمَاءِ؛ قَالَ فَإِذَا أَصَابَكَ الضِّيقُ فَمَنْ تَدْعُو قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ؛ قَالَ فَإِذَا هَلَكَ الْمَالُ فَمَنْ تَدْعُو قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ؛ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ]
ــ وأيضا في العلو للعلي الغفار (ص:25/44): [فَقَرَأْتُ عَلَى أسْحَاق الْأَسدي أَنبأَنَا ابْن خَلِيل أَنبأَنَا عبد الْخَالِق ابْن عبد الْوَهَّاب أخبرنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُؤَذِّنُ أَخْبَرَنَا أَحْمد بن مَنْصُور المغربي أخبرنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة أخبرنَا جدي أَبُو بكر حَدثنَا رَجَاء بن مُحَمَّد حَدثنَا عِمْرَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ طُلَيْقٍ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوًا مِمَّا تَقَدَّمَ بِطُولِه]ِ
ــ وفي العلو للعلي الغفار (ص:25/45): [أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ البعلي أخبرنَا الْبَهَاء عبد الرَّحْمَن حضورا أخبرنَا نَصْرُ بْنُ فَتْيَانَ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الشَّيْبَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن ابْن الْمُهْتَدي بِاللَّه حَدثنَا مُحَمَّد بن يُوسُف العلاف حَدثنَا مُحَمَّد بن يُوسُف حَدثنَا مُحَمَّد بن علاف الْبَغَوِيّ حَدثنَا جدي حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ به]
ــ وفي العرش للذهبي (2/76): [ورواه خالد بن طليق، عن أبيه، أتم من هذا فيما: أخبرنا عبد الخالق بن عبد السلام ببعلبك، أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه سنة إحدى عشر وستمائة، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا أبو الفضل بن خيرون، أخبرنا ابن شاذان، أخبرنا أبو سهل القطان أخبرنا عبد الكريم الديرعاقولي، حدثنا رجاء بن محمد البصري، حدثنا عمران بن خالد بن طليق، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده قال: "اختلفت قريش إلى حصين، والد عمران فقالوا: إن هذا الرجل يذكر آلهتنا، فنحب أن تكلمه، وتعظه، فمشوا معه إلى قريب من باب النبي، صلى الله عليه وسلم، فجلسوا، ودخل حصين، فلما رآه النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (أوسعوا للشيخ)، فقال: "ما هذا الذي يبلغنا عنك أنك تشتم آلهتنا، وتذكرهم؟ وقد كان أبوك جفنة وخبزاً" فقال: (إن أبي وأباك في النار: يا حصين، كم تعبد إلهاً اليوم؟)، قال: "ستة في الأرض، وإله في السماء" قال: (فإذا أصابك الضيق بمن تدعو؟)، قال: "الذي في السماء"؛ وذكر باقي الحديث، وإسلامه. أخرجه إمام الأئمة ابن خزيمة في التوحيد له بهذا الإسناد، وطليق هو ابن محمد بن عمران بن حصين]
قلت: عِمْرَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ طَلِيقِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الخزاعي، مجمع على ضعفه كما هو في لسان الميزان (ج4/ص345/ت997 - 998): [قال أبو حاتم ضعيف وقال بن حبان لا يجوز الاحتجاج به. قلت روى عنه معلى بن هلال وبشر بن معاذ العقدي وجماعة وقد روى عنه غير واحد عن ثابت عن أنس عن سلمان رضي الله عنه مرفوعا من دخل على أخيه المسلم فألقى له وسادة اكراما له لم يتفرقا حتى يغفر لهما ذنوبهما وهذا خبر ساقط انتهى وقال أحمد متروك الحديث؛ وعن أبائه حديث النظر إلى علي عبادة رواه يعقوب الفسوي وهذا باطل في نقدي انتهى وقال العلائي الحكم عليه بالبطلان فيه بعيد ولكنه كما قال الخطيب غريب قلت وخالد ضعفه الدارقطني كما تقدم]؛ وأبوه خَالِدِ بْنِ طَلِيقِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الخزاعي، ابتلي بالعجب بالنفس عجباً فاحشاً يخشى أن يوجب تفسيقه وإسقاط عدالته، فقد جاء في لسان الميزان (ج2/ص379/ت1568): [خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين الخزاعي عن أبيه قال الدارقطني ليس بالقوي انتهى وقال بن أبي حاتم كان قاضي البصرة روى عن الحسن وأبيه طليق وعنه ابنه عمران وسهل بن هاشم ولم يذكر فيه جرحا وقال الساجي صدوق يهم والذي أتى منه روايته غير الثقات وذكره بن حبان في الثقات وقال بن النديم في الفهرست كان إخباريا وانه من النسابين. وكان معجبا تياها ولاه المهدي قضاء البصرة وبلغ من تيهه انه كان إذا أقيمت الصلاة صلى في موضعه فربما قام وحده فقال له مرة انسان استوف الصف فقال بل يستوفى الصف بي؛ قلت: اف على هذا التيه. وقال بن الجوزي في المنظم ولاه المهدي قضاء البصرة بعد عزل العنبري فلم يحمد ولايته واستعفى أهل البصرة منه]، فنسأل الله العافية، ونعوذ به من الخذلان: فكيف يؤتمن مثل هذا أن لا يزيد في الحديث مناقب لآبائه وأجداده؟! وأسارع فأقول أن ابن حبان ما ذكره في الثقات قط، وإنما ذكر خالد بن طليق الشامي الذي يروى عن يزيد بن خمير اليزني عن عبد الرحمن بن شبل روى عنه الزبيدي كما هو في الثقات (ج2/ص379/ت1568).
قلت: والروايات أعلاه تثبت أن حصين، والد عمران، كان قد أسلم، وتثبت بطلان الرواية التي تزعم أنه مات مشركاً. فقد أخرج ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2356)، واللفظ له، والبزار في "مسنده" (3580)، والطحاوي في "شرح المشكل" (2527)، والطبراني في "الكبير" 4/(3552) و(3553) و18/(548) و(549) من طريق داود بن أبي هند، عن العباس بن عبد الرحمن بن ربيعة مولى الهاشميين، عن عمران: [أن أباه حصيناً أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: أرأيت رجلاً يَقرِي الضيف، ويصل الرَّحِم، مات قبلك، وهو أبوك؟ قال: إن أبي وأباك وأنت في النار، فمات حصين مشركاَ]. ثم قال ابن أبي عاصم: (المتقدم. (يعني حديث أنه أسلم) أحسن من هذا)؛ وقال الطبراني: (الصحيح أنه أسلم). والعباس بن عبد الرحمن مولى الهاشميين هذا مجهول لا يعرف، تفرد بالرواية عنه داود بن أبي هند، فالظاهر أن البلاء منه.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 07-21-2012, 03:49 AM
طارق الطارق طارق الطارق غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
المشاركات: 12
افتراضي

هذا كله فيما يتعلق بالمثال الأول للأستاذ ضياء القدسي فيما يتعلق بالإسناد ولفظ الخبر، ولم نجد اللفظ الذي ذكره منسوباً إلى البيهقي، ولا الإسناد الذي حسنه (هو، أو البيهقي، أو صاحب الكتاب الذي اقتبس كلام البيهقي)؛ فهذا دليل أول على أن الأستاذ ضياء القدسي لم يطلب العلم كما ينبغي.

وحتى لو سلمنا باللفظ، كما ذكره، وبصحة الخبر، كما زعمه، فهو حجة عليه لا له؛ لأن الخبر، والأخبار الأخرى المشابهة، هي قصص جدال ولجاجة قوم معاندين، وليس هو مناظرة بأصولها المعلومة. ولعلك تتأمل كلام ابن كثير: (وَهَذَا الْمَجْلِسُ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمَلَأُ مَجْلِسُ ظُلْمٍ وَعُدْوَانٍ وعناد، وَلِهَذَا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ وَالرَّحْمَةُ الرَّبَّانِيَّةُ أَلَّا يُجَابُوا إِلَى مَا سَأَلُوا، لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ فَيُعَاجِلُهُمْ بِالْعَذَابِ).
فالأستاذ ضياء القدسي لا يميز بين اللجاج والمجادلة من جانب والمناظرة من جانب آخر. فهذا دليل ثاني على أن الأستاذ ضياء القدسي لم يطلب العلم كما ينبغي.

ومن حقنا نطبق المثال الأول كما ذكره بحذافيره، على حالنا فنقول: نحن لم نأت إليك، بل أنت الذي إلينا جئت مجادلاً فحالك كحال حصين الخزاعي، فمن حقنا أن نلوذ بالصمت، كما فعل سيدي أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العدناني، رسول الله، وخاتم النبيين، حتى تفرغ من كلامك وجدالك ولجاجك، ثم نقول: إقرأ كتابنا (كتاب التوحيد) قراءة هضم واستيعاب ونقد؛ فإن فعلت: أفدناك، بإذن الله، فوائد أخرى تنفع في الدنيا والآخرة. فهذا دليل ثالث على أن الأستاذ ضياء القدسي لم يطلب العلم كما ينبغي.

أما المثال الثاني: فقد اقتبسه من مصدر ثانوي، كعادته، من غير ذكر المصدر، وهو مع ذلك ناقص. ولو أنه رجع إلى المكتبة الإلكترونية الشاملة لما احتاج إلا إلى بضع دقائق للقص واللزق، وسويعات لمراجعة أقوال الأئمة في إسناد القصة وثبوتها. فهذا دليل رابع على أن الأستاذ ضياء القدسي لم يطلب العلم كما ينبغي.

وإليك القصة بأحرفها كما ورت في تاريخ بغداد [ت بشار (5/233/2095)] خلال ترجمة (أَحْمَد بْن أَبِي دَؤاد بْن حريز، أَبُو عَبْد اللَّه الْقَاضِي الإيادي): [أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الفرج بْن عَلِيّ البزاز، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم بْن ماسي، قَالَ: حَدَّثَنَا جعفر بْن شُعَيْب الشاشي، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن يوسف الشاشي، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن مَنَّه، قَالَ: سَمِعْتُ طَاهِر بْن خلف، يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن الواثق الَّذِي يقال لَهُ المهتدى بالله، يَقُولُ: كَانَ أَبِي إذا أراد أن يقتل رجلا أحضرنا ذلك المجلس، فأتى بشيخ مخضوب مقيد، فَقَالَ أَبِي: ائذنوا لأبي عَبْد اللَّه وأصحابه يَعْنِي: ابْن أَبِي دؤاد، قَالَ: فأدخل الشيخ فِي مصلاه، قَالَ: السلام عليك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ لا سلم اللَّه عليك، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بئس ما أدبك مؤدبك، قَالَ اللَّه تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}، والله ما حييتني بها ولا بأحسن منها، فَقَالَ ابن أَبِي دؤاد: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الرجل متكلم.
فَقَالَ لَهُ كلمه، فَقَالَ: يا شيخ، ما تقول فِي القرآن، قَالَ الشيخ: لم تنصفني، يَعْنِي: (ولي السؤال)، فَقَالَ لَهُ: سل، فَقَالَ لَهُ الشيخ: ما نقول فِي القرآن؟ فَقَالَ: مخلوق، فَقَالَ: هَذَا شيء علمه النَّبِيّ، صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْر، وعمر، وعثمان، وعلي، والخلفاء الراشدون، أم شيء لم يعلموه، فَقَالَ: شيء لم يعلموه، فَقَالَ سبحان اللَّه: شيء لم يعلمه النَّبِيّ، صلى الله عليه وسلم، ولا أَبُو بَكْر، ولا عُمَر، ولا عُثْمَان، ولا عَلِيّ، ولا الخلفاء الراشدون، علمته أنت؟ قَالَ: فخجل، فَقَالَ: أقلني والمسألة بحالها، قَالَ: نعم، قَالَ: ما تقول فِي القرآن، فَقَالَ: مخلوق، فَقَالَ: هَذَا شيء علمه النَّبِيّ، صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْر، وعمر، وعثمان، وعلي، والخلفاء الراشدون، أم لم يعلموه؟ فَقَالَ: علموه، ولم يدعوا الناس إليه، قَالَ: أفلا وسعك ما وسعهم، قَالَ: ثم قام أَبِي فدخل مجلس الخلوة واستلقى على قفاه ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يَقُولُ: هَذَا شيء لم يعلمه النَّبِيّ، صلى الله عليه وسلم، ولا أَبُو بَكْر، ولا عُمَر، ولا عُثْمَان، ولا عَلِيّ، ولا الخلفاء الراشدون، علمته أنت؟ سبحان اللَّه! شيء علمه النَّبِيّ، صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْر، وعمر، وعثمان، وعلي، والخلفاء الراشدون، ولم يدعوا الناس إليه؟ أفلا وسعك ما وسعهم؟ ثم دعا عمارا الحاجب، فأمر أن يرفع عَنْهُ القيود ويعطيه أربع مائة دينار ويأذن لَهُ فِي الرجوع، وسقط من عينه ابْن أَبِي دؤاد. ولم يمتحن بعد ذلك أحدا]
قلت: هذه قصة لا تثبت، فيها رواة مجاهيل لا يعرفون كما قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء [ط الرسالة (11/313 - 316)]: [هَذِهِ قِصَّةٌ مَلِيْحَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي طَرِيْقِهَا مَنْ يُجهَلُ، وَلَهَا شَاهدٌ]؛ ثم ساق الشاهد، وهو وإن لم يكن في موضوعنا إلا أنه مفيد جداً لمن أصيب بهوس (التكفير) لمن قال بـ(خلق القرآن):
ــ فقد جاء في سير أعلام النبلاء ط الرسالة (11/313): [وبإِسْنَادِنَا إِلَى الخَطِيْبِ: أَخْبَرْنَا ابْنُ رَزْقُوَيْه، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنْدِي الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُمْتَنِعِ، أَخْبَرَنَا صَالِحُ بنُ عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ، قَالَ: حَضَرتُ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَجَلَسَ لِينظُرَ فِي أُمورِ المَظْلُوْمِيْنَ، فَنَظَرتُ فِي القَصصِ تُقرَأُ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرهَا، فَيَأمرُ بِالتَّوقيعِ فِيْهَا، وَتُحَرَّرُ، وَتُدفعُ إِلَى صَاحِبهَا، فَيَسرُّنِي ذَلِكَ، فَجَعَلتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَفَطِنَ، وَنَظَرَ إِلَيَّ، فَغَضضْتُ عَنْهُ، حَتَّى كَانَ ذَلِكَ مِنِّي وَمِنْهُ مِرَاراً، فَقَالَ: يَا صَالِحُ. قُلْتُ: لَبَّيكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَوَثَبْتُ. فَقَالَ: فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ تُرِيْدُ أَنْ تَقُولَه؟! قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: عُدْ إِلَى مَوْضِعِكَ. فَلَمَّا قَامَ، خَلاَ بِي، وَقَالَ: يَا صَالِحُ، تَقُوْلُ لِي مَا دَارَ فِي نَفْسِكَ أَوِ أَقُوْلُ أَنَا؟ قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، مَا تَأْمرُ؟ قَالَ: أَقُوْلُ: إِنَّه دَارَ فِي نَفْسِكَ أَنَّكَ اسْتحسنْتَ مَا رَأَيْتَ مِنَّا. فَقُلْتَ: أَيُّ خَلِيْفَةٍ خَلِيفتُنَا إِنْ لَمْ يَكُنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ. فَوَرَدَ عَلَيَّ أَمْرٌ عَظِيْمٌ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا نَفْسُ، هَلْ تَمُوتِينَ قَبْلَ أَجَلِكِ؟ فَقُلْتُ: مَا دَارَ فِي نَفْسِي إِلاَّ مَا قُلْتَ.
فَأَطرَقَ مَلِيّاً، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ! اسْمعْ، فَوَ اللهِ لَتَسْمَعنَّ الحَقَّ. فَسُرِّيَ عَنِّي، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، وَمَنْ أَوْلَى بِقَولِ الحَقِّ مِنْكَ، وَأَنْتَ خَلِيْفَةُ رَبِّ العَالِمِيْنَ. قَالَ: مَا زِلْتُ أَقُوْلُ: إِنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ صَدْراً مِنْ أَيَّامِ الوَاثِقِ – (قُلْتُ: كَانَ صَغِيْراً أَيَّامَ الوَاثِقِ، وَالحِكَايَةُ فَمُنْكَرَةٌ).ثُمَّ قَالَ: حَتَّى أَقدَمَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ عَلَيْنَا شَيْخاً مِنْ أَذَنَةَ، فَأُدخلَ عَلَى الوَاثِقِ مُقيَّداً، فَرَأَيْتُهُ اسْتَحيَا مِنْهُ، وَرَقَّ لَهُ، وَقَرَّبَه، فَسَلَّمَ، وَدَعَا، فَقَالَ: يَا شَيْخُ، نَاظِرِ ابْنَ أَبِي دُوَادَ. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، نَصَّبُوا ابْنَ أَبِي دُوَادَ، وَيَضعُفُ عَنِ المُنَاظَرَةِ. فَغَضِبَ الوَاثِقُ، وَقَالَ: أَيَضعُفُ عَنْ مُنَاظرتِكَ أَنْتَ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَائْذَنْ لِي فِي مُنَاظرتِهِ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَحْفَظَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ. قَالَ: أَفْعَلُ. فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا أَحْمَدُ، أَخْبِرْنِي عَنْ مَقَالتِكَ هَذِهِ، هِيَ مَقَالَةٌ وَاجبَةٌ دَاخلَةٌ فِي عَقْدِ الدِّينِ، فَلاَ يَكُوْنُ الدِّينُ كَامِلاً حَتَّى تُقَالَ فِيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ رَسُوْلِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، - حِيْنَ بُعثَ، هَلْ سَتَرَ شَيْئاً مِمَّا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ مِنْ أَمرِ دِينِهِم؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَدَعَا الأُمَّةَ إِلَى مَقَالتِكَ هَذِهِ؟ فَسَكَتَ، فَالتفتَ الشَّيْخُ إِلَى الوَاثِقِ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ وَاحِدَةٌ. قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ الشَّيْخُ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ اللهِ حِيْنَ قَالَ: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلِيْكُمْ نِعْمَتِي} (المَائدَةُ؛ 5: 3)، هَلْ كَانَ الصَّادِقُ فِي إِكمَالِ دِينِهِ، أَوْ أَنْتَ الصَّادِقُ فِي نُقصَانِهِ حَتَّى يُقَالَ بِمَقَالتِكَ هَذِهِ؟ فَسَكَتَ، فَقَالَ: أَجِبْ، فَلَمْ يُجِبْ. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، اثْنَتَانِ. ثُمَّ قَالَ: يَا أَحْمَدُ، أَخْبِرْنِي عَنْ مَقَالتِكَ، أَعَلِمَهَا رَسُوْلُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، أَمْ لاَ؟ قَالَ: عَلِمَهَا. قَالَ: فَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهَا؟ فَسَكَتَ. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، ثَلاَثٌ. ثُمَّ قَالَ: يَا أَحْمَدُ، فَاتَّسعَ لِرَسُوْلِ اللهِ أَنْ يَعلَمَهَا وَأَمسَكَ عَنْهَا كَمَا زَعمتَ، وَلَمْ يُطَالبْ أُمَّتَهُ بِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. وَاتَّسعَ ذَلِكَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَعرضَ الشَّيْخُ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ قَدَّمْتُ أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنِ المُنَاظَرَةِ، إِنْ لَمْ يَتَّسعْ لَنَا الإِمسَاكُ عَنْهَا، فَلاَ وَسَّعَ اللهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَّسعْ لَهُ مَا اتَّسَعَ لَهُم. فَقَالَ الوَاثِقُ: نَعَمْ، اقطَعُوا قَيْدَ الشَّيْخِ. فَلَمَّا قُطعَ، ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى القَيدِ ليَأْخُذَهُ، فَجَاذَبَهُ الحَدَّادُ عَلَيْهِ. فَقَالَ الوَاثِق: لِمَ أَخَذْتَهُ؟ قَالَ: لأَنِّي نَوَيتُ أَن أُوصِيَ أَنْ يُجعلَ فِي كَفَنِي حَتَّى أُخَاصِمَ بِهِ هَذَا الظَالِمَ غَداً. وَبَكَى، فَبَكَى الوَاثِقُ وَبَكَيْنَا، ثُمَّ سَألَهُ الوَاثِقُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي حِلٍّ، فَقَالَ: لَقَدْ جَعَلتُكَ فِي حِلٍّ وَسَعَةٍ مِنْ أَوّلِ يَوْمٍ إِكرَاماً لِرَسُوْلِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، لِكَونِكَ مِنْ أَهْلِهِ. فَقَالَ لَهُ: أَقِمْ قِبَلَنَا فَنَنْتَفِعْ بِكَ، وَتَنْتَفِعْ بِنَا. قَالَ: إِنَّ رَدَّكَ إِيَّايَ إِلَى مَوْضِعِي أَنفعُ لَكَ، أَصِيرُ إِلَى أَهْلِي وَوَلَدِي، فَأَكُفَّ دُعَاءَهُم عَلَيْكَ، فَقَدْ خَلَّفتُهُم عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: فَتَقبلُ مِنَّا صِلَةً؟ قَالَ: لاَ تَحِلُّ لِي، أَنَا عَنْهَا غَنِيٌّ. قَالَ المُهْتَدِي: فَرَجَعتُ عَنْ هَذِهِ المَقَالَةِ، وَأَظنُّ أَنَّ أَبِي رَجَعَ عَنْهَا مُنْذُ ذَلِكَ الوَقْتِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشِّيْرَازِيُّ الحَافِظُ: هَذَا الأَذَنِيُّ هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ الأَذْرَمِيُّ]؛ انتهى كلام الإمام الذهبي في سير الأعلام، ولعلك تلاحظ دقة الإمام في جملته المعترضة: (قُلْتُ: كَانَ صَغِيْراً أَيَّامَ الوَاثِقِ، وَالحِكَايَةُ فَمُنْكَرَةٌ)، فالحكاية منكرة، وإن كانت ممتعة لطيفة؛ وقد صاغها راويها – أو مخترعها - مراعياً بعض أصول المناظرة، ومن أهمها وجود مسألة معلومة محددة، حتى لا تنقلب المناظرة جدلاً إلى لا نهاية.
والحق أنه لم يثبت على نحو يقيني أن الواثق توقَّف عن امتحان الناس، كيف وهو ترك جثمان الإمام الشهيد المظلوم معلقاً مصلوباً عند أحد أبواب بغداد إلى وفاته؟!
فالسابق هو إذاً النص في تاريخ بغداد بعينه؛ لاحظ النص: (قَالَ الشيخ: لم تنصفني، يَعْنِي: (وَلِيَ السؤال)، فَقَالَ لَهُ: سل) مما يدل على أن الطرفين يعرفان أن للمناظرة أصولاً وقواعد: من له الحق أن يبدأ، وكيف تكون الإجابة،... إلخ؛ خلافاً لنص المحرَّف، الذي أورده الأستاذ ضياء القدسي: (قال الشيخ:‏ ‏ أنا أسألك قبل. ‏فقال له: سـَلْ) الذي لا يظهر منه ذلك إطلاقاً.
قال الأستاذ ضياء القدسي: [أين ومتى سألتك هل تقول أو لا تقول بقاعدة: "الأصل في الأشياء، والأفعال، والأقوال الإباحة"؟ أنا أعلم أنك تقول بهذه القاعدة، وليس أنت ولا ابن حزم فقط يقولان بهذه القاعدة يا أستاذ كما تظن متفاخراً. فهذه قاعدة قال بها قبل ابن حزم أكثر علماء الحنفية وأكثر علماء الحنابلة وبعض الشافعية وأبو الفرج المالكي من المالكية. فكيف تقول أنه لم يسبقك إليها إلا ابن حزم؟ أما عن قولك بأنك أصلت لهذه القاعدة على نحو لم يسبقك أحد إليه فسيأتي إن شاء الله الرد على هذا الكلام في مكانه]
وذلك رداً على قولنا: [وإلا لعلم، مثلاً، علم يقين أننا نقول: (أن الأصل في الأشياء، والأفعال، والأقوال الإباحة)، وقد أصلنا ذلك – بحمد الله – على نحو لم نسبق إليه، إلا من الإمام الفقيه الحافظ الحجة أبي محمد علي بن حزم في أجزاء جوهرية منه]
نص قولنا واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، وهو (وقد أصلنا ذلك – بحمد الله – على نحو لم نسبق إليه، إلا من الإمام الفقيه الحافظ الحجة أبي محمد علي بن حزم في أجزاء جوهرية منه)، فالكلام عن (التأصيل الجوهري) الذي من الله علينا به، ولا فخر أو تباهي، فلم يسبقنا إليه، أو إلى بعضه، سوى الإمام الفحل أبو محمد علي بن حزم؛ أما جمهور الفقهاء الذين قالوا بها، وهم أكثر بكثير ممن ذكر، فلم يأت منهم تأصيل معتبر، اللهم إلا الجملة أو الجملتان، في أسطر قلية. وأكثرهم إنما يراها تنطبق فقط على (الأشياء) أو (المنافع)، وليس على الأقوال والأفعال، وإلا لما غرقوا في مستنقع الأقيسة الفاسدة، والآراء المنتنة.
فالأستاذ ضياء القدسي، فيما يظهر، لا يستطيع قراءة النصوص العربية الواضحة، وهذا برهان خامس على أن الأستاذ ضياء القدسي لم يطلب العلم كما ينبغي.

أما ذكرنا للقاعدة فلأن ذكره ضروري في الرد على كلامه هو، الذي هو هراء محض: (ما حكم من لم يبحث عن دليل في المباحات وبحث عن دليل التحريم فقط. وقال الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يأت دليل على حرمتها؟ هل مثل هذا الشخص لم يحقق شهادة أن محمداً رسول الله في الإتباع؟)
نقول: (هراء محض) لأن من قال بأن الأصل في الأشياء (وسنتساهل ها هنا معتبرين أن لفظة الأشياء تشمل الأعيان، والأفعال والأقوال) الإباحة، وسنفترض أنه أصل ذلك تأصيلاً قاطعاً للعذر، تقوم به الحجة، كما فعلنا نحن، بحمد الله؛ من قال بالقاعدة المذكورة لا يتصور أن (يبحث عن دليل الإباحة لذلك الشيء المخصوص) لأن الدليل قد قام وفق القاعدة العامة، وانتهى الأمر، وفرغ من المسألة؛ مع أنه كثيراً ما نجد أدلة مخصوصة على إباحة أشياء معينة، وهذا مزيد بيان من فضل الله ونعمته، ولو لم يأت لكفتنا القاعدة العامة، تماماً كفرضية الصلاة والزكاة جاءت بها آيات وأحاديث كثيرة، ولو لم تأت إلا واحدة لكفت ووفت، كما هو الحال بالنسبة للصيام والحج، وهما كذلك من أركان الإسلام، ورؤوس فرائض الدين، إنما فرض كل منهما بآية واحدة فقط.

لذلك فإن الواجب على المفتي إذا سئل عن دليل معين لإباحة شيء معين أن يعلم السائل أن هذا النوع من السؤال خطأ، وإنما يكون السؤال عن حرمة شيء معين، أو وجوبه، أو كراهيته، أو استحبابه. فلا حاجة لي مثلاً أن أذكر دليلاً معيناً على جواز كشف المرأة لوجهها، وعلى من زعم خلاف ذلك (أي من زعم أنه حرام أو مكروه، او حتى من زعم أنه مستحب أو واجب، كمن زعم حرمة النقاب، أو أن النقاب بدعة تركية، مثلاً) أن يأتي بدليله.
ولا تناقض بين هذا، مع قولنا: (حتى الإتباع في «المباحات» يحتاج إلى دليل، لأن الإباحة حكم شرعي تكليفي)، كذا في الطبعة القديمة، وقد أصلحناها هكذا: (حتى الإتباع في «الإباحة» يحتاج إلى دليل، لأن الإباحة حكم شرعي تكليفي)؛ وقد جاء الشرع، ولله الحمد، بالدليل العام وفق قاعدتنا المذكورة آنفاً، ولأن ذلك في مقام الرد على من زعم أن الأصل في الأشياء (معتبرين أن لفظة الأشياء تشمل الأعيان، والأفعال والأقوال) قبل ورود الشرع: الإباحة؛ وهو باطل لأنها لا حكم لها أصلاً قبل ورود الشرع.
فتخليط الأستاذ ضياء القدسي في هذه المسألة دليل سادس على أن الأستاذ ضياء القدسي لم يطلب العلم كما ينبغي!

| فصل: مسألة (التبني):
ثم أضاف الأستاذ ضياء القدسي بحثاً عن (التبني)، صال فيه وجال، مسيئاً لفهم كلامنا كعادته. يقول الأستاذ ضياء القدسي: [لا يمكن أن يفهم من كلام الأستاذ المسعري أن الذي يكفر بعد نزول القرآن هو الذي يعتقد «التبني» بمعنى «الاصطفاء» لأن من يعتقد أن الله اصطفى عيسى عليه السلام وجميع الأنبياء لا يكفر حتى بعد نزول القرآن. ولا يوجد في القرآن الكريم آية تمنع استعمال كلمة ابن بمعنى الاصطفاء حتى نحكم على من ينكرها بالكفر؟؟!
بل جاء في القرآن الكريم أن اليهود والنصارى ادعوا أنهم أبناء الله، قال تعالى عنهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}، (المائدة: 18). أقول: لا يفهم من إدعائهم أنهم أبناء الله، أنهم أبناؤه على الحقيقة، لأنه لا أحد من اليهود والنصارى يعتقد ذلك، ولكنهم قصدوا [أصفياؤه]، لهذا لم يُكذَّبوا على أنهم ادعوا البنوة الحقيقية لله ولم يكفروا لهذا القول، لأنهم لم يكونوا يدعون أنهم أبناء الله على الحقيقة. وإنما كُذبوا على أنهم أصفياء الله وأحباؤه، بقوله تعالى: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ}، فالحبيب لا يعذب حبيبه ولا صفيه] انتهى كلام الأستاذ ضياء القدسي.
قلت: بل توجد آيات مكية كثيرة تنكر على من نسب إلى الله الولد، وعلى الذين خرقوا له بنين وبنات بغير علم،... إلخ. والتبني نوع مخصوص من الاصطفاء، وليس هو عين الاصطفاء، وكان المتبنى يحمل اسم متبنيه، وينتسب إليه، ويتوارثان، كابن الصلب تماماً، حتى نسخ هذا في السنة الخامسة للهجرة، أو بعدها بنزول الآيات الشهيرة في سورة الأحزاب.
ومن أوضح ذلك قوله، جل جلاله، وسما مقامه: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ * وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، (التوبة؛ 9: 29 - 31). فأنكر عليهم ذات التسمية: (ابن الله)، وجعلها مضاهاة لقول الكفار السابقين، فهي من أقوال الكفار، ومن جرأتهم وقلة أدبهم الخبيثة في الكلام عن الله، وأن كل ذك إفك وافتراء، لذلك قال: {قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}، ولم يزد، ولم يذكر شركاً أو كفراً؛ ثم شدَّد النكير، وصعَّد التصنيف، فعقب بما هو كفر وشرك متيقن، ألا وهو اتخاذ الأحبار والرهبان والمسيح بن مريم (أرباباً) من دون الله، وحتى لا تبقى شبه في معنى الربوبية ها هنا، وأنها متلازمة مع الألوهية، قال: {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، وفي هذا أيضاً بيان جلي أنهم خالفوا ما أمروا به من التوحيد.
ولعلنا نلاحظ أنه، جل جلاله، وسما مقامه، لم يكرر ذكر عزير، كما فعل بالنسبة للمسيح بن مريم، صلوات الله وسلامه وتبريكاته عليه وعلى والدته، مما يشعر بأن مقولة اليهود: (عزير ابن الله)، وإن تطابقت في اللفظ مع مقولة النصارى، إلا أنها لا تعبر عن نفس المعتقد: فمقولة اليهود: إفك وافتراء، ومضاهاة لقول الكفار السابقين، فقط والله أعلم، أما مقولة النصارى فهي كذلك، وزيادة: تعبر عن اعتقاد معين جعل المسيح بن مريم إلاهاً ورباً من دون الله.
فلعلنا إذاً نستخير الله ونقول:
أولاً: أن معتقد اليهود، أو بعض فرق اليهود، في عزير إنما هو بنوة (التبني)فقط، وليس بنوة (الصلب) أي الانتماء إلى (العنصر، أو الجوهر أو النسب الإلاهي)؛
ثانياً: أن القول ببنوة (التبني) إنما هو بدعة ابتدعوها، مضاهاة لقول الكفار السابقين، وما أمروا بها قط؛ كما أنه ليس في نص القرآن ما يشعر بأنهم أمروا بتركها قبل نزول القرآن؛
ثالثاً: أن القول ببنوة (التبني)، وإن كان مضاهاة لقول الكفار السابقين، قبل نزول القرآن، ليس من أقوال الكفر، وإن كان في أصله ومنشئه من أقوال الكفار، فليست كل أقوال الكفار كفراً (ولا العكس: فليس كل من قال بمقولة كفر أصبح بعينه كافراً!).
أما بعد نزول القرآن، لما سبق ذكره، ولقوله، تباركت أسماؤه: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}، (الزمر؛ 39: 4).
وقد قلنا في كتاب التوحيد بعد هذه الآية مباشرة ما نصه: [فهذا تقدير امتناع لامتناع من أوضح ما يكون: فلو فرض المحال، جدلاً، أن الله يشتهي الولد، ويريد أن يتخذ ولداً، تعالى وتقدس عن تلك الشهوات والإرادات، لما كان في الإمكان أكثر من أن «التبني»، أي أن «يصطفي» من مخلوقاته ما يشاء اصطفاءً خاصاً، فقط لا غير. أما ولد للصلب فمحال، وأما تبني كائنا إلاهيا آخر فيصبح ولداً متبنىً فمحال أيضاً، إذا ما ثم إلا كائن إلاهي واحد، فقط لا غير، من غير زيادة ولا نقصان، هو الله العزيز الحكيم. وهذا هو قولنا الذي سلف، حرفاً بحرف، فالحمد لله الذي أنزل الذكر، قرآناً وسنة، شفاءً لما في الصدور، وهدىً ورحمة لقوم يوقنون.
وهذا الهدى والنور الذي أنزله الله على خاتمة أنبياء الله، محمد بن عبد الله، عليه وعلى آله صلوات وتسليمات وتبريكات من الله، يبين أيضاً أن الله، جل جلاله، لا يشتهي الولد أصلاً، ولا يريده، ومن ثم فهو لا «يتبنى» مطلقاً، قلا يجوز أن يوصف إنسان من البشر في الأرض، أو ملك من ملائكة السماء، أو أي مخلوق آخر، بأنه «ابن» الله، أو «بنت» الله. لذلك فإن القول بأن المسيح عيسى بن مريم، صلوات الله وسلامه وتبريكاته عليه وعلى والدته، ابن الله، حتى بمعنى «التبني» هذا، باطل، ومن قال به بعد نزول القرآن فهو كافر لأنه مكذب لله تعالى]، انتهى النص المنقول.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 07-21-2012, 03:50 AM
طارق الطارق طارق الطارق غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
المشاركات: 12
افتراضي

ومع ذلك فإني شاكر ومقدر للأستاذ ضياء القدسي إثارة هذه القضية لأن نقاشها أوضح أن مقولتنا: (من قال به بعد نزول القرآن فهو كافر لأنه مكذب لله تعالى)، وإن كانت صحيحة راجحة، إن شاء الله، بمجموع الأدلة آنفة الذكر، إلا أنها ليست قطعية، لعدم سلامة كل دليل بمفرده من المعارضة، وإمكانية التأويل، وسنذكر هذا التفصيل والاحتياط في كتاب التوحيد، إن شاء الله.
والعجيب أن هذه البلورة، وهذا التصحيح، على العكس تماماً ما يريده الأستاذ ضياء القدسي، كما يبدو من كلامه، حيث قال: [يفهم من كلامك أيضاً: أن القول بأن المسيح عيسى عليه السلام، هو ابن الله، بمعنى «التبني» قول باطل ولكن لا يكفر قائله إلا بعد نزول القرآن. وعلة الحكم بكفره أنه مكذب لما جاء في القرآن. يعني لا يكفر حتى تقام عليه الحجة من القرآن. فمن لم تصله الآية التي تبين بأن عيسى عليه السلام ليس ابن الله بمعنى (التبني) وينكرها فهو ليس بكافر ولا بمشرك عند الأستاذ المسعري.
فلا النصراني قبل الرسالة المحمدية الذي يعتقد أن عيسى عليه السلام هو ابن الله بمعنى (التبني) مشرك كافر بهذا الاعتقاد، ولا بعد الرسالة المحمدية من لم تصله الآية التي في القرآن التي تبين أن عيسى عليه السلام ليس ابن الله بمعنى (التبني) مشرك كافر عند الأستاذ المسعري، لأنه لم يكذب ما وصله من كتاب الله ولم تُقَم عليه الحجة بذلك. فما دام لم يصل لأحد الآية من كتاب الله التي تبين أن عيسى عليه السلام ليس ابن الله بمعنى (التبني) فمعتقد ذلك ليس بكافر ولا مشرك وإن كان اعتقاده باطل. هذه عقيدة الأستاذ المسعري حسب هذا الكلام]، انتهى كلام الأستاذ ضياء القدسي.
فأقول: نعم، هذا هو الحق المبين الذي ندين الله به؛ ونصيحتي للأستاذ ضياء القدسي أن يتقي الله في المسلمين خاصة، وفي بني آدم عامة، وأن ينخلع من لوثة الغلو والتكفير؛ وأن يعلم علم يقين أن الله، جل وعز، قادر بمفرده على الحكم بإدخال الناس النار، أو إجارتهم منها، ويعلم تماماً كيف يملؤها، ولن يحتاج إلى رأي المسعري أو رأي الأستاذ ضياء القدسي!!!

وقبيل ذلك بقليل قال الأستاذ ضياء القدسي: [3 - قولك: "غير أن طوائف من النصارى، من أتباع آريوس وكذلك أغلب اليهود المتنصرين الأوائل، قد قالوا بذلك قديماً. وهم بذلك مخطؤون، إلا أنهم ليسوا مشركين". أقول (ضياء الدين): كيف عرفت يا أستاذ أن أتباع آريوس وأغلب اليهود المتنصرين الأوائل الموحدين قد قالوا بأن عيسى عليه السلام ابن الله بمعنى «التبني»؟! فهذه أمور غيبية فهل جاء في ذلك خبر صحيح عن الله أو عن رسوله، صلى الله عليه وسلم،؟!! وأنت القائل في كتابك: "ومن قبل بدعوى، حتى ولو كانت صحيحة في ذاتها، بغير برهان، فهو متقول بغير دليل، وهو من ثم كاذب، حتى ولو كانت المقولة في ذاتها صادقة، لأن من لم يأت بالبرهان كاذب: (هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين!): أي إن كنت صادقاً فأرني برهانك، وإلا فأنت كاذب، لأنه ليس ثمة إلا: صادق أو كاذب، لا ثالث لهما!" اهـ]، انتهى كلام الأستاذ ضياء القدسي.
أقول: أحوال المتنصرين الأوائل، وفرقهم، وأقوالهم المكتوبة، وردود خصومهم عليهم كتابة، وفرق اليهود والوثنيين المعاصرين لهم، وما دار بينهم من صراع، معلوم، في الجملة، من التاريخ بالتواتر. فلم يكن القوم ملائكة يطيرون في السماء، ولا من قبيل إبليس الذين يروننا ولا نراهم، بل بشر عاشوا على الأرض، وتركوا كتباً وآثاراً، ونحن لا نحتاج إلى خبر صحيح عن الله أو عن رسوله، صلى الله عليه وسلم، يخبرنا عنهم، وحسبنا قوله، جل جلاله، وسما مقامه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}، (يوسف؛ 12: 109)؛ وقال أيضاً: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}؛ (غافر؛ 40: 82)؛ وقد فعل الناس، وفعلنا ذلك، ولخصناه في فقرة قصيرة، وليس كتابنا كتاب تأريخ لأقوال فرق النصارى حتى يلزمنا التأصيل والبرهنة المفصلة.
فليست أحوالهم (أمور غيبية)، كما أفحش الأستاذ ضياء القدسي: فبدلاً من أن يعترف بجهله، ويسأل عن المستندات والمراجع، جعل القضية (غيبية)، ولا نستبعد أن يجعلها بعد مدة من أمور (العقيدة)، ثم ينطلق مسلسل التبديع والتكفير بعد ذلك.
وحسب الأستاذ ضياء القدسي أن يبحث في جوجل تحت لفظة (آريوس، أريوس، الأريوسية)؛
وكذلك بالإنجليزية تحت مفاتيح البحث: (Arius; Arians; Arianism; Semi - Arianism)؛ ولو فعل، لوجد الكثير، ولنطلق منه إلى الأكثر، إذا كان مهتماً بهذه القضايا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولعلنا نضع الأستاذ ضياء القدسي على أول الطريق، طريق البحث والتنقيب، وطلب العلم كما ينبغي، بتقديم بعض النصوص في الملحق مرتبة حسب تاريخ وفاة قائليها، وكلهم من أهل الإسلام، بل من أئمة أهل الإسلام، ابتداءً بأبي محمد علي بن حزم، رضي الله عنه (المتوفى: 452 هـ)، حاشا غريغوريوس (واسمه في الولادة يوحنا) ابن أهرون (أو هارون) بن توما الملطي، أبو الفرج المعروف بابن العبري (المتوفى: 685 هـ)؛ واختتمنا بنقل مقال جيد للدكتور سفر بن عبد الرحمن، وإن كنا نعيب عليه خلط أحكام الصور والتماثيل، بقضايا التوحيد والشرك، ولا عجب فهو لا يستطيع فكاكاً من هوس الدعوة الوهابية!
فعجز الأستاذ ضياء القدسي في التعامل مع هذه البديهيات دليل سابع على أن الأستاذ ضياء القدسي لم يطلب العلم كما ينبغي!

ثم أماط الأستاذ ضياء القدسي اللثام، وأظهر مقصده الحقيقي من كل هذا الجدل الطويل العريض، فقال بعد أن ساق كلامنا عن توحيد الذات، الذي هو رأس التوحيد: [حسب هذا الكلام: الاعتقاد بأن الله لم يتولد منه شيء داخل في توحيد الذات الذي هو رأس التوحيد. والذي هو ثابت بالضرورة وبالبراهين العقلية والفطرية القاطعة، قبل ورود الشرع. ومع ذلك يعذر الأستاذ المسعري من نقض هذا التوحيد بقوله في كتابه: "وحتى من قال بـ «البنوة» الحقيقية، وهي مقول شرك وكفر بذاتها، كثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل، أو بعض موانع التكفير المعروفة". فمثل هذا عند الأستاذ المسعري معذور بالجهل والتأويل ويعتبره من الموحدين حتى تقام عليه الحجة من كتاب الله. فإن أقيمت عليه الحجة من القرآن الكريم وأنكر ذلك فعندها فقط يصبح كافراً مشركاً. يعني أن من نقض توحيد الذات وأخل في رأس التوحيد يمكن أن يكون موحداً عند الأستاذ المسعري.
4 - عند الأستاذ المسعري من يقول بـ «البنوة» الحقيقية أي ينسب لله ولداً «حقيقياً»، أي من طبيعة أو عنصر إلهي، مساوياً لأبيه في الجوهر، كما فعل المثلثون، يعذر بالجهل أو التأويل، ويبقى موحداً، ولكن قوله قول شرك وكفر، ولكنه لا يكفر ولا يحكم عليه بالشرك وإن اعتقد ذلك حتى تبزغ شمس الرسالة المحمدية وتقام عليه الحجة من القرآن الكريم ويرد ذلك.
أقول (ضياء الدين): هل يختلف رأس التوحيد (توحيد الذات) الذي جاء به عيسى عليه السلام عن رأس التوحيد (توحيد الذات) الذي جاء به رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام حتى نظل نعذر معتقد «البنوة» الحقيقية بالجهل والتأويل حتى تبزغ شمس الرسالة المحمدية وتقام عليه الحجة من القرآن الكريم؟
فما دمتَ تعذر بالجهل والتأويل من اعتقد «البنوة» الحقيقية لله، أي نسب لله ولداً «حقيقياً» فلا بد لك أن تعذر بالجهل والتأويل من لم يجزم بأن الله سبحانه وتعالى هو الحي القيوم، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم، وهو وحده واجب الوجود، الغنى بذاته، الأزلي القديم، الأول الموجود بغير ابتداء قبل جميع الأزمنة والدهور، الدائم الباقي بغير انتهاء بعد انقضاء الأزمنة والأيام والعصور، لأن كل هذه داخلة أيضاً في توحيد الذات مثلها مثل مسألة أن الذات الإلهية لا يتولد منه شيء.
فهل من لا يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله حي قيوم معذور بالجهل والتأويل ولا يكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية المحمدية.؟!!
وهل من لا يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله بكل شيء عليم معذور بالجهل والتأويل ولا يكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية المحمدية.؟!!
وهل من لا يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله الغنى بذاته، الأزلي القديم، الأول الموجود بغير ابتداء قبل جميع الأزمنة والدهور، الدائم الباقي بغير انتهاء بعد انقضاء الأزمنة والأيام والعصور، معذور بالجهل والتأويل ولا يكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية المحمدية.؟!
إن قلت غير معذور فلمَ فرقت بين هذا ومسألة اعتقاد «البنوة» الحقيقية بعيسى عليه السلام؟!
وإن قلتَ: معذور بالجهل والتأويل ويبقى موحداً معذوراً بجهله وتأويله ولا يحكم عليه بالشرك والكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية المحمدية، فقد حكمت بإسلام من لم يحقق رأس التوحيد، وبهذا خالفت محكم آيات كتاب الله]، انتهى كلام الأستاذ ضياء القدسي، وإن كان بعض التسطير والتسويد من عندنا.

قلت: حسبنا هذه الجملة القصيرة لبيان الخلل الجوهري في تفكير الأستاذ ضياء القدسي: (يعني أن من نقض توحيد الذات وأخل في رأس التوحيد يمكن أن يكون موحداً عند الأستاذ المسعريوبرهان على أنه صاحب هوى، أعماه الهوى عن رؤية ما لا يقل وضوحاً عن الشمس في رابعة النهار: فوالله، الذي لا إله إلا هو، ما قلنا قط أن (من نقض توحيد الذات وأخل في رأس التوحيد يمكن أن يكون موحداً)، ومن المحال الممتنع أن يكون مثل هذا مسلماً موحداً؛ وإنما قلنا فقط أن من قال بمقولة كفر، أو عمل عملاً من أعمال الكفر، وإن جرت عليه أحكام الكفار في الدنيا في الأنكحة والذبائح والدفن والمواريث والعقوبات، كما هو مفصل في كتب الفقه، ليس هو بالضرورة (الكافر) المستحق للعقوبة الأخروية، كما هو في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ}، (البقرة؛ 2: 161 - 162)؛ وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ}، (آل عمران؛ 3: 91)؛ وغيرها كثير.

ولم يترك الله، جل جلاله وسما مقامه، هذا الأمر من غير بيان، حتى نحتاج إلى مزاعم المسعري، أو وساوس الأستاذ ضياء القدسي، فأبان ذلك لنا، فقال: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68)}، (الأحزاب؛ 33: 64 - 68)، فهؤلاء جاءهم رسول فعصوه،
ــ وقوله: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)}، (الملك؛ 67: 6 - 11)؛ ومعلوم أن قوله جلَّ وعلا: {كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ} يعم جميع الأفواج الملقين في النار. قال أبو حيان في «البحر المحيط» في تفسير هذه الآية التي نحن بصددها ما نصه: «وكلما» تدل على عموم أزمان الإلقاء فتعم الملقين. ومن ذلك قوله جلَّ وعلا: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ}، (الزمر؛ 39: 71)، وقوله في هذه الآية: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا} عام لجميع الكفار؛ وقد تقرر في الأصول: أن الموصولات كـ(الذي) و(التي) وفروعهما من صيغ العموم. لعمومها في كل ما تشمله صلاتها. قال في مراقي السعود في صيغ العموم:
صيغة كل أو الجميع وقد تلا الذي التي الفروع
فهؤلاء كلهم جاءتهم النذر فكذبوها، وقامت عليهم الحجة، واعترفوا بذنبهم، وفرغ من أمرهم؛
ــ وأيضاً قوله تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ؛ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ؟! فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ}، (فاطر؛ 35: 37)، عام أيضاً في جميع أهل النار. كما تقدم قريباً.
ــ وقال، جل جلاله وسما مقامه، أيضاً: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)}، (غافر؛ 40: 49 - 50)، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن جميع أهل النار أنذرتهم الرسل في الدنيا.
ــ وقال، جل جلاله وسما مقامه، أيضاً: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)}، (محمد؛ 47: 8 - 9)، ومن المحال الممتنع أن يكره الإنسان شيئاً لم يبلغه ولم يعرفه.

ولم يغب عنا أن جماعة أخرى ممن ينتسبون إلى العلم قد ذهبت إلى أن كل من مات على الكفر فهو في النار ولو لم يأته نذير، واستدلوا بظواهر آيات من كتاب الله، وبأحاديث عن النَّبي، صلى الله عليه وسلم،. فمن الآيات التي استدلوا بها:
ــ قوله تعالى: {وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}، طبعا بعد بتر الآية، عياذاً بالله، وإخراجها من سياقها: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}، (النساء؛ 4: 18)؛
ــ وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}، وإليك تمام السياق: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ (162)}، (البقرة؛ 2: 159 - 162)؛
ــ وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ}، وإليك تمام السياق الذي بتره هؤلاء، بترهم الله: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ (88) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ (89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (91)}، (آل عمران؛ 3: 85 - 91)؛

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 07-21-2012, 03:51 AM
طارق الطارق طارق الطارق غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
المشاركات: 12
افتراضي

ــ وقوله: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}، وإليك تمام السياق حتى تعرف حجم جناية هؤلاء المخذولين على الإسلام والقرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً (47) إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً (48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً (51)}، (النساء؛ 4: 47 - 51)؛
ــ وقوله: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}، وإليك السياق: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)}، (الحج؛ 22: 25 - 32)؛
ــ وقوله: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ}، وإليك تمامه: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)}، (المائدة؛ 5: 72)،
ــ وقوله: {قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}، وإليك أيضاً تمامه: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}، (الأعراف؛ 7: 50)، إلى غير ذلك من الآيات التي يحرصون على سوقها مبتورة، منزوعة من سياقها.

فما زاد هؤلاء المخذولون من أدعياء العلم على أن ضربوا عرض الحائط بقوله، جل جلاله، وسما مقامه: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}، (آل عمران؛ 3: 7)، فاتبعوا طريق هلكة: طريقة أهل الزيغ المتبعين لما تشابه منه؛ ومعلوم بضرورة الحس والعقل، التي بني عليها الشرع، أن العام يحتمل التخصيص، وأن المطلق يحتمل التقييد، وأن المجمل يحتاج إلى تفسير، فلو سلمنا جدلاً أن العام والمطلق والمجمل من المتشابه، فالتخصيص والتقييد والتفسير إحكام له، لأنه يرفع الاشتباه: فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً؟؟!!

فالواجب هو الإيمان بكل ما جاء عن الله، وتفسيره بحيث يصدق بعضه بعضاً: فما أجمل ها هنا، فسر هناك، والعموم في هذه الآية، جاء بيان مخصص له في تلك، وهكذا، وهكذا.
وكل الكفار المعذبين قد قامت عليهم الحجة، وبلغتهم الرسالة، واعترفوا بذنبهم، {فَسُحْقاً لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ}: والجاهل ليس مذنباُ، والمكره ليس مذنباً، والمتأول ليس مذنباً.

وقال الأستاذ ضياء القدسي: [ماذا تقصد من قولك: "فإلى الله ينبغي تفويض أمرهم"؟ هل تقصد أن نعذرهم بجهلهم وتأويلهم ونحكم عليهم بالتوحيد ونفوض أمر آخرتهم لله؟
إن كنت تقصد ذلك والظاهر من كلامك أنك تقصد ذلك، فهذا يعني أن من اتخذ عيسى عليه السلام وأمه إلهين من دون الله يعذر بجهله وتأويله ولا يحكم عليه بالشرك ويفوض أمره لله يوم القيامة إن شاء عذبه وإن شاء غفر له بل ترجو له أن يغفر الله له.
يدل استشهادك بقول عيسى عليه السلام عمَّن اتخذه وأمه إلهين من دون الله " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " على أنك تقول بإمكانية المغفرة يوم القيامة لمن فعل الشرك الأكبر، بل ترجو ذلك. وقد قال الله سبحانه في محكم كتابه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (النساء: 48)
وقال أيضا عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}، (النساء: 116)
أم أنك تقول أن عدم المغفرة للمشرك لم يكن يعرفها عيسى عليه السلام أو قد اختلفت الشرائع فيها كحال استعمال كلمة التبني وأن في شريعة عيسى عليه السلام إمكانية المغفرة لمن يعتقد بإلوهية عيسى عليه السلام وأمه؟؟!
للنظر كيف فسر علماء التفسير الآية التي استشهدت بها في غير موضعها]، ثم ساق كلام ابن كثير والطبري كعادته السيئة مبتوراً، مرسلاً، بدون ذكر لجزء أو صفحة، وهذا دليل ثامن على أن الأستاذ ضياء القدسي لم يطلب العلم كما ينبغي!

ونحن لن نفعل ذلك بل سنسوقها مسندة، وسنسوق بإذن الله غيرها، ولكن إليك الآيات الكريمات في تمام سياقا:
حيث قال الله، تعالى ذكره: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (109) إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (110) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112) قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ (115) وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)}، (المائدة؛ 5: 109 - 119).
هذا الحوار كله يوم القيامة، وإن ذكرت فيه أمور وقعت ومضت في الدنيا، في مثل قوله: {تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً}،... إلى قوله: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ}.

جاء في تفسير البغوي [إحياء التراث (2/105)]: [قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، اختلفوا فِي أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَتَى يَكُونُ، فَقَالَ السُّدِّيُّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْقَوْلَ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ لِأَنَّ حَرْفَ إِذْ يَكُونُ لِلْمَاضِي، وَقَالَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّمَا يَقُولُ اللَّهُ لَهُ هَذَا الْقَوْلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مِنْ قَبْلُ: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ [الْمَائِدَةِ: 109]، وقال من بعد هَذَا: يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [الْمَائِدَةَ: 119]، وَأَرَادَ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ تَجِيءُ (إِذْ) بِمَعْنَى إِذَا كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا [سبأ: 51]، أَيْ: إِذَا فَزِعُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْقِيَامَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَعْدُ وَلَكِنَّهَا كَالْكَائِنَةِ لِأَنَّهَا آتِيَةٌ لَا مَحَالَةَ]؛ فقول السدي شاذ، بل هو منكر، وهو من زلات العلماء القبيحة التي يستعاذ بالله منها.

وإليك الآن كلام الطبري كما هو في تفسير الطبري - جامع البيان [ت شاكر (11/240)]: [القول في تأويل قوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)}. قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنْ تعذب هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة، بإماتتك إياهم عليها "فإنهم عبادك"، مستسلمون لك، لا يمتنعون مما أردت بهم، ولا يدفعون عن أنفسهم ضرًّا ولا أمرًا تنالهم به "وإن تغفر لهم"، بهدايتك إياهم إلى التوبة منها، فتستر عليهم "فإنك أنت العزيز"، في انتقامه ممن أراد الانتقام منه، لا يقدر أحدٌ يدفعه عنه "الحكيم"، في هدايته من هدى من خلقه إلى التوبة، وتوفيقه من وفَّق منهم لسبيل النجاة من العقاب، كالذي: -
13037 - حثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم"، فتخرجهم من النصرانية، وتهديهم إلى الإسلام "فإنك أنت العزيز الحكيم". وهذا قول عيسى في الدنيا.
13038 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم"، قال: والله ما كانوا طعَّانين ولا لعَّانين]، انتهى كلام الطبري،
وتجد كلام السدي في روايتين عند ابن أبي حاتم:
فقد جاء في تفسير ابن أبي حاتم - محققا (4/1255/7060): [حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، حدثنا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلَهُ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ يَقُولُ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ تُمِيتُهُمْ بِنَصْرَانِيَّتِهِمْ فَيَحِقَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ]
وجاء في تفسير ابن أبي حاتم - محققا (4/1255/7062): [أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، حدثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلَهُ: وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَتُخْرِجْهُمْ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ، وَتَهْدِيهِمْ إِلَى الإِسْلامِ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. هَذَا قَوْلُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الدُّنْيَا]

قبول الإمام الطبري لرأي السدي، وقوله، بناءً على ذلك تفسيراً للآية: (إنْ تعذب هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة، بإماتتك إياهم عليها "فإنهم عبادك"، مستسلمون لك، لا يمتنعون مما أردت بهم، ولا يدفعون عن أنفسهم ضرًّا ولا أمرًا تنالهم به "وإن تغفر لهم"، بهدايتك إياهم إلى التوبة منها، فتستر عليهم "فإنك أنت العزيز"، في انتقامه ممن أراد الانتقام منه، لا يقدر أحدٌ يدفعه عنه "الحكيم"، في هدايته من هدى من خلقه إلى التوبة، وتوفيقه من وفَّق منهم لسبيل النجاة من العقاب)، وقد جاء خلاف عوائد الإمام الطبري الجميلة، كلام سقيم باطل، أضاف جملاً مثل: (بإماتتك إياهم عليها)، و(بهدايتك إياهم إلى التوبة منها، فتستر عليهم) من خياله الجامح، لا وجود لها في النص المنزَّل أصلاً، ولم تلجئ إليها ضرورة من الشرع، أو من الحس والعقل. واستند في ذلك على رواية سقيمة عن السدي، وإن كان السدي أحسن حالاً من الطبري بعض الشيء لأنه زعم أن ذلك هو (قول عيسى في الدنيا).
ولعل السدي اعتمد على ما جاء عن سلمان الفارسي، رضوان الله وسلامه عليه:
ــ كما جاء في تفسير ابن أبي حاتم - محققا (4/1255/7059): [أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، حدثنا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانِ الْخَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا سَأَلَ الحواريون عيسى بن مريم المائدة - أوحى الله إلى عيسى بن مَرْيَمَ أَنِّي مُعَذِّبٌ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ بِالْمَائِدَةِ بَعْدَ نُزُولِهَا عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ: فَقَالَ عِيسَى مُسْتَكِينًا لِرَبِّهِ إِلَهِي إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَلَمَّا أَمْسَى الْمُرْتَابُونَ بِهَا، وَأَخَذُوا مَضَاجِعَهُمْ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ مَعَ نِسَائِهِمْ آمِنِينَ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ مَسَخَهُمُ اللَّهُ خَنَازِيرَ، وَأَصْبَحُوا يَتَتَبَّعُونَ الأَقْذَارَ فِي الْكُنَاسَاتِ، وَأَمَّا سَائِرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُطِيفُونَ بِعِيسَى خَوْفًا وَرُعْبًا مِمَّا لَقِيَ أَصْحَابُهُمْ]

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 07-21-2012, 03:52 AM
طارق الطارق طارق الطارق غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
المشاركات: 12
افتراضي

ــ وجاءت القصة في تفسير البغوي - إحياء التراث (2/103) مطولة شنيعة: [وَقَالَ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ: لَمَّا سَأَلَ الْحَوَارِيُّونَ الْمَائِدَةَ لَبِسَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ صُوفًا وَبَكَى، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ الْآيَةَ، فَنَزَلَتْ سُفْرَةٌ حَمْرَاءُ بَيْنَ غَمَامَتَيْنِ غَمَامَةٍ مِنْ فَوْقِهَا وَغَمَامَةٍ مِنْ تَحْتِهَا وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَهِيَ تَهْوِي مُنْقَضَّةً حَتَّى سَقَطَتْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَبَكَى عِيسَى، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ الشَّاكِرِينَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً وَلَا تَجْعَلْهَا عُقُوبَةً، وَالْيَهُودُ يَنْظُرُونَ إِلَى شَيْءٍ لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ قَطُّ وَلَمْ يَجِدُوا رِيحًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِهِ، فَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: لِيَقُمْ أَحْسَنُكُمْ عَمَلًا فَيَكْشِفُ عَنْهَا وَيَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ شَمْعُونُ الصَّفَّارُ رَأْسُ الْحَوَارِيِّينَ: أَنْتَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنَّا، يا نبيّ الله، فَقَامَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى صَلَاةً طَوِيلَةً وَبَكَى كَثِيرًا، ثُمَّ كَشَفَ الْمِنْدِيلَ عَنْهَا، وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ خَيْرِ الرَّازِقِينَ فَإِذَا هُوَ سَمَكَةٌ مَشْوِيَّةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا فُلُوسُهَا وَلَا شَوْكَ عَلَيْهَا تَسِيلُ مِنَ الدَّسَمِ وَعِنْدَ رَأْسِهَا مِلْحٌ وَعِنْدَ ذَنَبِهَا خَلٌّ، وَحَوْلَهَا مِنْ أَلْوَانِ الْبُقُولِ مَا خَلَا الْكُرَّاثَ، وَإِذَا خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ عَلَى وَاحِدٍ زَيْتُونٌ، وَعَلَى الثَّانِي عَسَلٌ، وَعَلَى الثَّالِثِ سَمْنٌ، وَعَلَى الرَّابِعِ جُبْنٌ، وَعَلَى الْخَامِسِ قَدِيدٌ، فَقَالَ شَمْعُونُ: يَا رُوحَ اللَّهِ أَمِنْ طَعَامِ الدُّنْيَا هَذَا أَمْ مِنْ طَعَامِ الْآخِرَةِ؟ فَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا تَرَوْنَ مِنْ طَعَامِ الدُّنْيَا وَلَا مِنْ طَعَامِ الْآخِرَةِ، وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ افْتَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ الْغَالِبَةِ، كُلُوا مِمَّا سَأَلْتُمْ يَمْدُدْكُمْ وَيَزِدْكُمْ من فضله، فقالوا: يَا رُوحَ اللَّهِ كُنْ أَوَّلَ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهَا، فَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنَّ آكُلَ مِنْهَا وَلَكِنْ يَأْكُلُ مِنْهَا مَنْ سَأَلَهَا فَخَافُوا أَنْ يَأْكُلُوا منها، فدعا لها عيسى أَهْلَ الْفَاقَةِ وَالْمَرْضَى وَأَهْلَ الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ وَالْمُقْعَدِينَ وَالْمُبْتَلِينَ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَكُمُ الْمَهْنَأ وَلِغَيْرِكُمُ الْبَلَاءُ، فَأَكَلُوا وَصَدَرَ عَنْهَا أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ فَقِيرٍ وَمَرِيضٍ وَزَمِنٍ وَمُبْتَلًى كُلُّهُمْ شبعان، وإذ السمكة كهيئتها حين نزلت، ثم طارت الْمَائِدَةِ صُعُدًا وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا حتى توارت بالحجاب، فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا زَمِنٌ وَلَا مَرِيضٌ وَلَا مُبْتَلًى إِلَّا عُوفِيَ وَلَا فَقِيرٌ إِلَّا اسْتَغْنَى وَنَدِمَ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا فَلَبِثَتْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا تَنْزِلُ ضُحًى، فَإِذَا نزلت اجتمع الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ وَالصِّغَارُ وَالْكِبَارُ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَلَا تَزَالُ مَنْصُوبَةً يُؤَكَلُ مِنْهَا حَتَّى إِذَا فَاءَ الْفَيْءُ طارت صعدا وهم ينظرون إليها فِي ظِلِّهَا حَتَّى تَوَارَتْ عَنْهُمْ، وَكَانَتْ تَنْزِلُ غِبًّا تَنْزِلُ يَوْمًا وَلَا تَنْزِلُ يَوْمًا كَنَاقَةِ ثَمُودَ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: اجْعَلْ مَائِدَتِي وَرِزْقِي لِلْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ حَتَّى شَكُّوا وَشَكَّكُوا النَّاسَ فِيهَا، وَقَالُوا: أَتَرَوْنَ الْمَائِدَةَ حَقًّا تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنِّي شَرَطْتُ أَنَّ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ نُزُولِهَا عَذَّبْتُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، فمسخ منهم ثلاثمائة وثلاثة وَثَلَاثُونَ رَجُلًا بَاتُوا مِنْ لَيْلَتِهِمْ على فراشهم مَعَ نِسَائِهِمْ فَأَصْبَحُوا خَنَازِيرَ يَسْعَوْنَ في الطرقات والكنّاسات، ويأكلون القذرة فِي الْحُشُوشِ فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ فَزِعُوا إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبَكَوْا، فَلَمَّا أَبْصَرَتِ الْخَنَازِيرُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَكَتْ وَجَعَلَتْ تُطِيفُ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجَعَلَ عِيسَى يَدْعُوهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَيُشِيرُونَ بِرُؤُوسِهِمْ وَيَبْكُونَ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْكَلَامِ، فَعَاشُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ هَلَكُوا]!!!؛ وهو في العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (5/1534): [حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ لَيْثٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ، وَكَانَ مِنَ الْمُصَلِّيِينَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِرْدَاسٍ الْعَبْدَرِيُّ مَوْلَى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ الصَّنْعَانِيُّ الْمُجَدَّرُ يَسْكُنُ صَنْعَاءَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْخَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بنحوه أو أطول منه]؛ وهو في الفوائد الشهير بالغيلانيات لأبي بكر الشافعي (2/822/1135): [حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، حدثنا عَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ بنحوه]؛ وهو في فنون العجائب لأبي سعيد النقاش (ص:99/82): [أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ تَمِيمٍ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ الْخَوْلَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ بنحوه]؛
ولم يعقب الإمام البغوي بشيء، بخلاف الإمام ابن كثير الذي قال: (هذا أثر غريب جدا قطّعه ابن أبي حاتم في مواضع من هذه القصة، وقد جمعته أنا له ليكون سياقه أتم وأكمل، والله. سبحانه وتعالى أعلم)، في «التفسير» (2/152، 154) ونسبه لابن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سلمان الخير. وهذا يبين لك البون الشاسع بين فهم وعقل الرجلين: فهم وعقل البغوي، وفهم وعقل ابن كثير!

ــ أو لعل السدي اعتمد على نحو ما أخرجه الترمذي في سننه (ج5/ص260/ح3061): [حدثنا الحسن بن قزعة حدثنا سفيان بن حبيب حدثنا سعيد عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد فخانوا وادخروا ورفعوا لغد فمسخوا قردة وخنازير)]؛ قال أبو عيسى: (هذا حديث قد رواه أبو عاصم وغير واحد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس عن عمار بن ياسر موقوفا، ولا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث الحسن بن قزعة؛ حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا سفيان بن حبيب عن سعيد بن أبي عروبة نحوه ولم يرفعه وهذا أصح من حديث الحسن بن قزعة ولا نعلم للحديث المرفوع أصلا)؛ وأخرجه أبو يعلى في مسنده (ج3/ص213/ح1651) بعينه؛ والذي يظهر لي أن عماراً، رضي الله عنه، إنما أخذه من سلمان، فإنهما كانا خليلين.
قلت: لو ثبت هذا عن سلمان الخير بنقل التواتر لما كان فيه أي حجة، فليس سلمان شاهد عيان لهذا، ولا أبوه، ولا جده، ولا حتى جده العاشر، فما هي إلا أسطورة نصرانية، أو خرافة عربية. ولو كان ثمة مسخ لأحد زمن عيسى بن مريم، صلوات الله وسلامه وتبريكاته عليه وعلى والدته، لسارت به الركبان، ولنقل إلينا نقل التواتر!!!

أما قول قتادة فهو ليس من هذا الباب أصلاً، وإنما برر كلام عيسى بأنه لم يكن (طعاناً ولا لعَّاناً) فقط، فجعل الموضوع في باب الآداب، ولم يخض في إشكاليات العقائد.
وقد ساق الطبري كلام قتادة بتمامه في موضع آخر من تفسير الطبري - جامع البيان [ت شاكر (17/18)]: [وقوله (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) يقول: فمن تبعني على ما أنا عليه من الإيمان بك وإخلاص العبادة لك وفراق عبادة الأوثان، فإنه مني: يقول: فإنه مستنّ بسنَّتِي، وعامل بمثل عملي (وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يقول: ومن خالف أمري فلم يقبل مني ما دعوته إليه، وأشرك بك، فإنه غفور لذنوب المذنبين الخَطائين بفضلك، ورحيم بعبادك تعفو عمن تشاء منهم.
كما حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) اسمعوا إلى قول خليل الله إبراهيم لا والله ما كانوا طَعَّانين ولا لعَّانين، وكان يقال: إنّ من أشرّ عباد الله كلّ طعان لعان، قال نبيّ الله ابن مريم عليه السلام (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
حدثني المثنى، قال: حدثنا أصبغ بن الفرج، قال: أخبرني ابن وهب، قال: حدثنا عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة، حَدثه عن عبد الرحمن بن جُبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تلا قول إبراهيم (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وقال عيسى (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فرفع يديه ثم قال: اللَّهُمَّ أُمَّتِي، اللَّهُمَّ أُمَّتِي، وبكى، فقال اللَّه تعالى: يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فاسأله ما يُبكيه؟ فأتاه جبرئيل فسأله، فأخبره رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما قال، قال: فقال الله: يا جبرئيل اذهب إلى محمد وقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤُك]، انتهى كلام الطبري.
وقد ناقض الطبري نفس في الموضع آنف الذكر حيث قال كلاماً خطيراً: (وقوله (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) يقول: فمن تبعني على ما أنا عليه من الإيمان بك وإخلاص العبادة لك وفراق عبادة الأوثان، فإنه مني: يقول: فإنه مستنّ بسنَّتِي، وعامل بمثل عملي (وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يقول: ومن خالف أمري فلم يقبل مني ما دعوته إليه، وأشرك بك، فإنك غفور لذنوب المذنبين الخَطائين بفضلك، ورحيم بعبادك تعفو عمن تشاء منهم)!!
مع أن كلام إبراهيم كان قطعاً في الدنيا، وهو يتكلم عن معاصريه، وأغلبهم أحياء عند تلفظه بالدعاء، فلو قال الطبري مثلاً: (ومن خالف أمري فلم يقبل مني ما دعوته إليه، وأشرك بك، فإنك رحيم بعبادك تقيض لهم توبة قبل الموت، فتعفو عمن تاب منهم بفضلك)، فأضاف الإمام الطبري (من خياله طبعاً، إذ لا وجود لهذا في النص): (تقيض لهم توبة قبل الموت)، لو فعل الطبري هذا لكان، على بطلانه، أقرب لأن يقبل ويتحمَّل. فصح أن الطبري متناقض في هذه المسألة، وحتى لو لم يتناقض فلا حجة إلا في كلام الله ورسوله.

وربما عذرنا الطبري بعض العذر في قبوله كلام إبراهيم كما هو على ظاهره، مع أن الطبري لم يصرح بذلك، لأنه في الدنيا، ولأن إبراهيم ربما لم يكن يعلم بذلك بعد، كما قد يظهر من استغفاره لأبيه. مع أن هذا لا يستقيم مع قوله، جل جلاله، وسما مقامه: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ: إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ (25) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)}، (العنكبوت؛ 29: 24 - 26).

وإليك أيضاً ما جاء في تفسير ابن كثير [ت سلامة (3/232)] بتمامه، وليس مبتوراً كما أورده الأستاذ ضياء الدين القدسي: [هَذَا أَيْضًا مِمَّا يُخَاطِبُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عبده ورسوله عيسى ابن مريم، عليه السلام، قَائِلًا لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَضْرَةِ مَنِ اتَّخَذَهُ وَأَمَّهُ إِلَهَيْنِ مَنْ دُونِ اللَّهِ: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}؟ وَهَذَا تَهْدِيدٌ لِلنَّصَارَى وَتَوْبِيخٌ وَتَقْرِيعٌ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ. هَكَذَا قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ، وَاسْتَدَلَّ قَتَادَةُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}
وَقَالَ السُّدِّي: هَذَا الْخِطَابُ وَالْجَوَابُ فِي الدُّنْيَا. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَكَانَ ذَلِكَ حِينَ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا. وَاحْتَجَّ ابْنُ جَرِيرٍ عَلَى ذَلِكَ بِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكَلَامَ لُفْظُ الْمُضِيِّ؛ وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ} و{إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ}.
وَهَذَانَ الدَّلِيلَانِ فِيهِمَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ أُمُورِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ذُكِرَ بِلَفْظِ الْمُضِيِّ، لِيَدُلَّ عَلَى الْوُقُوعِ وَالثُّبُوتِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} الْآيَةَ: التَّبَرِّي مِنْهُمْ وَرَدُّ الْمَشِيئَةِ فِيهِمْ إِلَى اللَّهِ، وَتَعْلِيقُ ذَلِكَ عَلَى الشَّرْطِ لَا يَقْتَضِي وُقُوعَهُ، كَمَا فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَالَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لِيَدُلَّ عَلَى تَهْدِيدِ النَّصَارَى وَتَقْرِيعِهِمْ وَتَوْبِيخِهِمْ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَدْ رُوِيَ بِذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، رَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَانَ ثِقَةً، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دُعِيَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَأُمَمِهِمْ، ثُمَّ يُدْعَى بِعِيسَى فَيُذَكِّرُهُ اللَّهُ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ، فيقِر بِهَا، فيقولُ: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ} الْآيَةَ [الْمَائِدَةِ: 110] ثُمَّ يَقُولُ: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}؟ فَيُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ، فَيُؤْتَى بِالنَّصَارَى فَيُسْأَلُونَ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هُوَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ، قَالَ: فَيُطَوَّلُ شَعْرُ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَأْخُذُ كُلُّ مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِشَعْرَةٍ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ. فَيُجَاثِيهِمْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، مِقْدَارَ أَلْفِ عَامٍ، حَتَّى تُرْفَعَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ، وَيُرْفَعَ لَهُمُ الصَّلِيبُ، وَيُنْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ)، وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ عَزِيزٌ]؛ إلى أن قال: [وَقَوْلُهُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} هَذَا الْكَلَامُ يَتَضَمَّنُ رَدَّ الْمَشِيئَةِ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ الْفَعَّالُ لِمَا يَشَاءُ، الَّذِي لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. ويتضمن التَّبَرِّيَ مِنَ النَّصَارَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ، وَعَلَى رَسُولِهِ، وَجَعَلُوا لِلَّهِ نِدًّا وَصَاحِبَةً وَوَلَدًا، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًا كَبِيرًا، وَهَذِهِ الْآيَةُ لَهَا شَأْنٌ عَظِيمٌ وَنَبَأٌ عَجِيبٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قَامَ بِهَا لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ يُرَدِّدُهَا... إلخ]

قلت: لم يطل الإمام ابن كثير في مناقشة المسألة الشائكة، ولا نبالغ أنه فر منها، ولم يواجهها، أي أنه: (رضي من الغنيمة بالفرار). كما أنه لم يبين لنا، رضي الله عنه، كيف تضمنت الآية (التَّبَرِّيَ مِنَ النَّصَارَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ، وَعَلَى رَسُولِهِ، وَجَعَلُوا لِلَّهِ نِدًّا وَصَاحِبَةً وَوَلَدًا، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًا كَبِيرًا)؟! نعم: الآيات السابقة تتضمن، بل شك، تكذيب لقولهم، وتعظيم وتقديس الله عن فريتهم: هذه براءة من قولهم، والبراءة من قول أو فعل لا تقتضي ضرورة البراءة من القائل أو الفاعل، إلا عند من طمس الله على بصيرته، فقد أخرج البخاري في صحيحه (ج4/ص1577/ح4084)، و(ج6/ص2629/ح6766): [حدثني محمود حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر وحدثني نعيم أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه قال بعث النبي، صلى الله عليه وسلم، خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون: (صبأنا، صبأنا) فجعل خالد يقتل منهم ويأسر ودفع إلى كل رجل منا أسيره حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره فقلت والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره حتى قدمنا على النبي، صلى الله عليه وسلم، فذكرناه فرفع النبي، صلى الله عليه وسلم، يديه فقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)، مرتين]؛ وأخرجه النسائي في سننه ج8/ص237/ح5405؛ وابن حبان في صحيحه ج11/ص54/ح4749؛ والإمام أحمد بن حنبل في مسنده ج2/ص151/ح6382؛ والنسائي في سننه الكبرى ج3/ص474/ح5961، ج5/ص177/ح8596؛ والبيهقي في سننه الكبرى ج9/ص115/ح18044؛ وعبد بن حميد في مسنده ج1/ص240/ح731، والإمام عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه ج5/ص221/ح9434، ج10/ص174/ح18721: وربما غيرهم: فهل كان نبي الله، عليه وعلى آله صلوات وتسليمات وتبريكات من الله، متبرئاً من خالد بهذا؟!
وهبك تبرأت من إنسان بعينه، فهل هذا مانع من الدعاء له؟! إليك مثال إبراهيم، حيث قال الله، تقدست أسماؤه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}، (الممتحنة؛ 60: 4)، والأظهر أن هذا كان قبيل هجرته من بلد ولادته، حيث قال الله، جل جلاله، وسما مقامه: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ (25) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)}، (العنكبوت؛ 29: 24 - 26)، ومع تلك (البراءة)، وبالرغم منها، استمر إبراهيم أزمنة طويلة بعد ذلك يدعو لأبيه خاصة، ولمن عبد الأصنام عامة، كما ورد أعلاه في دعائه عند البلدة الحرام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (36) رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء (38) الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)}، (إبراهيم؛ 14: 35 - 41) وكان نبي الله الخاتم يفعل مثل ذلك، وكذلك الصحابة، يفعلون مثل ذلك، حتى نزلت (براءة) في السنة التاسعة من الهجرة.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 07-21-2012, 03:53 AM
طارق الطارق طارق الطارق غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
المشاركات: 12
افتراضي

فإن قيل: فقد جاء النهي عن ذلك بعد ذلك، فأقول: هذا حق يقيني مقطوع به، وهو حكم شرعي مخصوص، في دار التكليف، ليست له أي علاقة بمفهوم (البراءة) أو مفهوم (التوحيد)، وإلا لما خفي على أئمة الرشد، أرجح خلق الله عقلاً، وأعمقهم فهماً: إبراهيم ومحمد، صلوات الله وتسليماته وتبريكاته عليهما وعلى آلهما، وعلى أصحابهما العلماء العاملين، الهداة المهتدين.

وإليك المزيد من أقوال المفسرين واضطرابهم:
ــ فقد جاء في تفسير الثعلبي [الكشف والبيان عن تفسير القرآن (4/129 - 130)]: [إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وقرأ الحسن: فإنهم عبيدك وإن يتوبوا فيغفر لهم فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وقال السدي: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ وتميتهم بنصرانيتهم فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فتخرجهم من النصرانية وتهديهم إلى الإسلام فَإِنَّكَ الرب الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ في الملك والنقمة، الحكيم في قضائك. {قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} في الآخرة. قال قتادة: متكلمان خطها يوم القيامة وهو ما قص الله عليكم وعدو الله إبليس وهو قوله وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ فصدهم عن ذلك يومئذ وكان قبل ذلك كاذبا فلم ينفعه صدقه يومئذ، وأما عيسى فكان صادقا في الحياة وبعد الممات فنفعه صدقه. وقال عطاء: هذا يوم من أيام الدنيا لأن الآخرة ليس فيها عمل إنما فيها الثواب والجزاء]؛ فأفادنا أن عطاءً، إن صح الخبر عنه، يرى أن ذلك كان في الدنيا، كالسدًّي تماماً.

ــ وجاء في التفسير الوسيط للواحدي (2/248): [قوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] الآية: قال الحسن وأبو العالية إن تعذبهم: فبإقامتهم على كفرهم، {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} [المائدة: 118] فبتوبة كانت منهم.
وقال ابن الأنباري: هذا على التبعيض، أي: إن تعذب بعضهم الذين أقاموا على الكفر فهم عبادك، وإن تغفر لبعضهم الذين انتقلوا عن الكفر إلى الإسلام فأنت في ذلك قاهر غالب عادل لا يعترض عليك معترض.
وهذا اختيار الزجاج لأنه قال: والذي عندي: أن عيسى عليه السلام قد علم أن منهم من آمن ومنهم من أقام على الكفر، فقال عيسى في جميعهم: إن تعذب من كفر بك فإنهم عبادك، أنت العادل فيهم، وإن تغفر لهم لمن أقلع منهم وآمن فأنت في مغفرتك لهم عزيز لا يمتنع عليك ما تريد، حكيم في ذلك]؛ قلت: أفادنا الواحدي قول ابن الأنباري بالتبعيض، وهو في هذا موافق للزجَّاج.

ــ وجاء في تفسير السمعاني (2/83): [قَوْله - تَعَالَى -: {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك وَإِن تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم} فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ طلب الْمَغْفِرَة لَهُم، وهم كفار؟ وَكَيف قَالَ: {وَإِن تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم}، وَهَذَا لَا يَلِيق بسؤال الْمَغْفِرَة؟، قيل: أما الأول فَمَعْنَى قَوْله: وَإِن تغْفر لَهُم، يَعْنِي: بعد الْإِيمَان، وَهَذَا إِنَّمَا يَسْتَقِيم على قَول السّديّ؛ لِأَن الْإِيمَان لَا ينفع فِي الْقِيَامَة، وَالصَّحِيح آخر الْقَوْلَيْنِ، قَالَ بَعضهم: هَذَا فِي فريقين مِنْهُم فَقَوله: {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك} يَعْنِي: من كفر مِنْهُم {وَإِن تغْفر لَهُم} يَعْنِي: من آمن مِنْهُم. وَقَالَ أهل الْمعَانِي من أَرْبَاب النَّحْو: لَيْسَ هَذَا على وَجه طلب الْمَغْفِرَة، وَإِنَّمَا هَذَا على تَسْلِيم الْأَمر إِلَيْهِ، وتفويضه إِلَى مُرَاده؛ أَلا ترَاهُ يَقُول: " فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم " وَلَو كَانَ على وَجه طلب الْمَغْفِرَة لقَالَ: "فَإنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم"]؛
قلت: قوله: (لِأَن الْإِيمَان لَا ينفع فِي الْقِيَامَة) زعم مجرد، وهو مخالف لنصوص عدة تذكر أنواعاً من الامتحان للمعتوهين والشيوخ الخرفين وأهل الفترة. وهذه النصوص، وإن كان في أكثرها نظر، إلا أنها تشكك في صحة الزعم بأن (الْإِيمَان لَا ينفع فِي الْقِيَامَة)، ولعلنا نعود إلى أحوال الأطفال، والمجانين، وأهل الفترة، ومن ولد أصماً أبكماً في موضع آخر.

ــ وجاء في غرائب التفسير وعجائب التأويل لمحمود بن حمزة بن نصر، أبي القاسم برهان الدين الكرماني، ويعرف بتاج القراء (المتوفى: نحو 505هـ) (1/348): [قوله: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الآية. قوله في الآية (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) على قول السدي وصاحبيه ظاهر، لأنهم كانوا بعْدُ أحياء، ومن جعله في القيامة، ففيه إشكال. المبرد: (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) ما قالوا عليَّ خاصة. الزجاج: (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) لمن أقلع منهم وآمن. العجيب: قيل: جائز أن يكون الله لم يُعْلِمْ عيسى أنه لا يغفر الشرك. وهذا بعيد، ويحتمل معنى دقيقا، وهو: أنَّ قولَه: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ) شرط، وقوله: (فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ) جزاؤُه، فالعبودية صارت معلقة بالتعذيب، وهذا ليس بالسهل، لأن الظاهر يقتضي أن لا يكونوا عباده إذا لم يعذبهم، فاستدرك بقوله: (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) والمراد به: وإن لم تعذبهم لا سؤال المغفرة لهم، ولهذا لم يختم الآية بالغفران والرحمة، بل قال: (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، ومثله من الفقه، إن دخلت الدار فأنتَ حرٌّ وإن لم تدخل. عُتِقَ في الحال، لأن هذا كلام من شرط ثم أنجز - والله أعلم]؛ قلت: القول: (جائز أن يكون الله لم يُعْلِمْ عيسى أنه لا يغفر الشرك) هراء محض عند من استحضر قوله، جل جلاله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)}، (المائدة؛ 5: 72)!!!
ــ وجاء في تفسير البغوي - إحياء التراث (2/105 - 106): [قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ طَلَبَ الْمَغْفِرَةَ لَهُمْ وَهُمْ كُفَّارٌ، وَكَيْفَ قَالَ: وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَهَذَا لَا يَلِيقُ بِسُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ، قِيلَ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَعْنَاهُ إِنَّ تُعَذِّبْهُمْ بِإِقَامَتِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ بعد الإيمان، وهذا يستقيم عَلَى قَوْلِ السُّدِّيِّ: إِنَّ هَذَا السُّؤَالَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَنْفَعُ فِي الْقِيَامَةِ، وقيل: هذا في الفريقين مِنْهُمْ مَعْنَاهُ: إِنْ تُعَذِّبْ مَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَغْفِرْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: لَيْسَ هَذَا عَلَى وَجْهِ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ وَلَوْ كان كذلك لقال: إنك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَلَكِنَّهُ عَلَى تَسْلِيمِ الْأَمْرِ وَتَفْوِيضِهِ إِلَى مُرَادِهِ، وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْرَأُ «وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَفِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَعْرُوفَةِ قِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ: وإن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ فِي الْمُلْكِ الْحَكِيمُ فِي الْقَضَاءِ لَا يَنْقُصُ مِنْ عِزِّكَ شَيْءٌ، وَلَا يَخْرُجُ مَنْ حكمك وَيُدْخِلُ فِي حِكْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَسِعَةِ رَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ الْكُفَّارَ، لَكِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ وَهُوَ لَا يُخْلِفُ خَبَرَهُ
قلت: سنعود إلى هذه الجملة الخطيرة: (لَكِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ وَهُوَ لَا يُخْلِفُ خَبَرَهُ) قريباً، إن شاء الله تعالى.

ــ وجاء في تفسير الزمخشري [الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/696)]: [إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ الذين عرفتهم عاصين جاحدين لآياتك مكذبين لأنبيائك وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ القوى القادر على الثواب والعقاب الْحَكِيمُ الذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمة وصواب. فإن قلت: المغفرة لا تكون للكفار فكيف قال: (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) «*»؟ قلت: ما قال إنك تغفر لهم، ولكنه بنى الكلام على: إن غفرت، فقال: إن عذبتهم عدلت، لأنهم أحقاء بالعذاب، وإن غفرت لهم مع كفرهم لم تعدم في المغفرة وجه حكمة لأن المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول. بل متى كان الجرم أعظم جرما كان العفو عنه أحسن]؛ وذكر الناشر في الهامش: [«*» قال محمود: «إن قلت المغفرة لا تكون للكفار فكيف قال وإن تغفر لهم... الخ»؟ قال أحمد رحمه اللَّه: تذبذب الزمخشري في هذا الموضع فلا إلى أهل السنة ولا إلى القدرية. أما أهل السنة، فالمغفرة للكافر جائزة عندهم في حكم اللَّه تعالى عقلا، بل عقاب المتقي المخلص كذلك غير ممتنع عقلا من اللَّه تعالى، وإذا كان كذلك فهذا الكلام خرج على الجواز العقلي، وإن كان السمع ورد بتعذيب الكفار وعدم الغفران لهم، إلا أن ورود السمع بذلك لا يرفع الجواز العقلي. وأما القدرية فيزعمون أن المغفرة للكافر ممتنعة عقلا، لا تجوز على اللَّه تعالى لمناقضتها الحكمة، فمن ثم كفحتهم هذه الآية بالرد، إذ لو كان الأمر كزعمهم لما دخلت كلمة «إن» المستعملة عند الشك في وقوع الفعل بعدها لغة في فعل لا شك في عدم وقوعه عقلا، ولكان ذلك من باب التعليق بالمحال، كأن يبيض القار وأشباهه. وليس هذا مكان. فقول الزمخشري إذاً (إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) لم يعدم وجها من الحكمة في المغفرة لأن العفو عن المجرم حسن عقلا لا يأتلف بقواعد السنة، إذ لا يلتفت عندهم إلى التحسين العقلي، ولا يأتلف أيضا بنزغات القدرية، لأنهم يجزمون بأنه لا وجه من الحكمة في المغفرة للكافر، ويقطعون بمنافاتها الحكمة، فكيف يخاطب اللَّه تعالى به، فعلم أن عيسى عليه السلام يبرأ إلى اللَّه من هذا الإطلاق ومما اشتمل عليه من سوء الأدب، فان قول القائل لمن يخاطبه: ما فعل كذا فلن يعدم فيه عذراً ووجهاً من المصلحة كلام مبذول وعبارة نازلة عن أوفى مراتب الأدب، إنما يطلقها المتكلم لمن هو دونه عادة، فنسأل اللَّه إلهام الأدب وتجنب ما في إساءته من مزلات العطب]؛ قلت: (محمود) هو الزمخشري، و(أحمد) هو ابن المنير الإسكندري، علماً بإن الكتاب المطبوع مذيل بحاشية (الانتصاف فيما تضمنه الكشاف) لابن المنير الإسكندري (ت 683) وتخريج أحاديث الكشاف للإمام الزيلعي.

ــ وقال أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (المتوفى: 745هـ) في البحر المحيط في التفسير (4/419): [إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَالَّذِينَ عَذَّبْتَهُمْ جَاحِدِينَ لِآيَاتِكَ، مُكَذِّبِينَ لِأَنْبِيَائِكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْقَوِيُّ عَلَى الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ الْحَكِيمُ الَّذِي لَا يُثِيبُ وَلَا يُعَاقِبُ إِلَّا عَنْ حِكْمَةٍ وَصَوَابٍ. بِالْعَذَابِ، وَإِنْ غَفَرْتَ لَهُمْ مَعَ كُفْرِهِمْ، لَمْ تَعْدَمْ فِي الْمَغْفِرَةِ وَجْهَ حِكْمَةٍ لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ حَسَنَةٌ لِكُلِّ مُجْرِمٍ فِي الْمَعْقُولِ، بَلْ مَتَى كَانَ الْمُجْرِمُ أَعْظَمَ جُرْمًا كَانَ الْعَفْوُ عَنْهُ أَحْسَنَ. وَهَذَا مِنَ الزَّمَخْشَرِيِّ مَيْلٌ إِلَى مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَإِنَّ غُفْرَانَ الْكُفْرِ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ عَقْلًا، قَالُوا: لِأَنَّ الْعِقَابَ حَقٌّ لِلَّهِ عَلَى الذَّنْبِ وَفِي إسقاطه مَنْفَعَةٍ، وَلَيْسَ فِي إِسْقَاطِهِ عَلَى اللَّهِ مَضَرَّةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا وَدَلَّ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ فِي شَرْعِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ، فَلَعَلَّ هَذَا الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ مَا كَانَ مَوْجُودًا فِي شَرْعِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، انْتَهَى كَلَامُ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ.
وَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: مَقْصُودُ عِيسَى تَفْوِيضُ الْأُمُورِ كُلِّهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَرْكُ الِاعْتِرَاضِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلِذَلِكَ خَتَمَ الْكَلَامَ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أَيْ: قَادِرٌ عَلَى مَا تُرِيدُ فِي كُلِّ مَا تَفْعَلُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْكَ. وَقِيلَ لَمَّا قَالَ لِعِيسَى: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ الْآيَةَ.
عُلِمَ أَنَّ قَوْمًا مِنَ النَّصَارَى حَكَوْا هَذَا الْكَلَامَ عَنْهُ وَالْحَاكِي هَذَا الْكُفْرَ لَا يَكُونُ كَافِرًا بَلْ مُذْنِبًا حَيْثُ كَذَبَ وَغُفْرَانُ الذَّنْبِ جَائِزٌ فَلِهَذَا قَالَ: وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ. وَقِيلَ: كَانَ عِنْدَ عِيسَى أَنَّهُمْ أَحْدَثُوا الْمَعَاصِيَ وَعَمِلُوا بَعْدَهُ بِمَا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِهِ إِلَّا أَنَّهُمْ عَلَى عَمُودِ دِينِهِ، فَقَالَ: وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ مَا أَحْدَثُوا بَعْدِي مِنَ الْمَعَاصِي وَهَذَا يَتَوَجَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ لَهُ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ كَانَ وَقْتَ الرَّفْعِ، لِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ وَهُمْ أَحْيَاءٌ لَا يَدْرِي مَا يَمُوتُونَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي تُعَذِّبُهُمْ عَائِدٌ عَلَى مَنْ مَاتَ كَافِرًا وَفِي وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ عَائِدٌ عَلَى مَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْمَوْتِ. وَقِيلَ: قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْطَافِ لَهُمْ وَالرَّأْفَةِ بِهِمْ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يُغْفَرُ لَهُمْ وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ لِأَنَّهُمْ عَصَوْكَ؟ انْتَهَى وَهَذَا فِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ الِاسْتِعْطَافَ لَا يَحْسُنُ إِلَّا لِمَنْ يُرْجَى لَهُ الْعَفْوُ وَالتَّخْفِيفُ، وَالْكُفَّارُ لَا يُرْجَى لَهُمْ ذَلِكَ وَالَّذِي أَخْتَارُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ قَوْلٌ قَدْ صَدَرَ، وَمَعْنًى يَعْطِفُهُ عَلَى مَا صَدَرَ وَمَضَى، وَمَجِيئُهُ بإذ الَّتِي هِيَ ظَرْفٌ لِمَا مَضَى وَيُقَالُ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَاضِي فَجَمِيعُ مَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ إِذْ قَالَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُ عِيسَى وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَعَبَّرَ بِالسَّبَبِ عَنِ الْمُسَبَّبِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْغُفْرَانَ مُرَتَّبٌ عَلَى التَّوْبَةِ وَإِذَا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْآخِرَةِ، كَانُوا فِي مَعْرِضِ أَنْ يَرِدَ فِيهِمُ التَّعْذِيبُ أَوِ الْمَغْفِرَةُ النَّاشِئَةُ عَنِ التَّوْبَةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أَنَّهُ جَوَابُ الشَّرْطِ وَالْمَعْنَى فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الَّذِي لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْكَ مَا تُرِيدُهُ، الْحَكِيمُ فِيمَا تَفْعَلُهُ تُضِلُّ مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ، وَقَرَأَتْ جَمَاعَةٌ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ قَالَ عياض بن موسى: وليست مِنَ الْمُصْحَفِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَقَدْ طَعَنَ عَلَى الْقُرْآنِ. مَنْ قَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ: فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ إِلَّا مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَتَى نُقِلَ إِلَى مَا قَالَ هَذَا الطَّاعِنُ ضَعُفَ مَعْنَاهُ، فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ بِالشَّرْطِ الثَّانِي وَلَا يَكُونُ لَهُ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ تَعَلُّقٌ وَهُوَ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَجْمَعَ عَلَى قِرَاءَتِهِ الْمُسْلِمُونَ مَعْلُقٌ بِالشَّرْطَيْنِ كلاهما أَوَّلِهِمَا وَآخِرِهِمَا، إِذْ تَلْخِيصُهُ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَأَنْتَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَأَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فِي الْأَمْرَيْنِ كِلَاهُمَا مِنَ التَّعْذِيبِ وَالْغُفْرَانِ، فَكَانَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أَلْيَقَ بِهَذَا الْمَكَانِ لِعُمُومِهِ، وَأَنَّهُ يَجْمَعُ الشَّرْطَيْنِ وَلَمْ يَصْلُحِ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ أَنْ يَحْتَمِلَ مَا احْتَمَلَهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ انْتَهَى. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا تَقْدِيرُهُ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ قَوْلُ مَنِ اجْتَرَأَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ. (فَإِنْ قُلْتَ): الْمَغْفِرَةُ لَا تَكُونُ لِلْكُفَّارِ، فَكَيْفَ قَالَ: وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ؟ (قُلْتُ): مَا قَالَ: إِنَّكَ تَغْفِرُ لَهُمْ وَلَكِنَّهُ بَنَى الْكَلَامَ عَلَى أَنْ يُقَالَ: إِنْ عَذَّبْتَهُمْ عَدَلْتَ لِأَنَّهُمْ أَحِقَّاءُ]

ــ وجاء في تفسير ابن عطية [المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/263)]: [وإن تغفر لهم أي لو غفرت بتوبة كما غفرت لغيرهم فإنك أنت العزيز في قدرتك، الحكيم في أفعالك. لا تعارض على حال. فكأنه قال إن يكن لك في الناس معذبون فهم عبادك. وإن يكن مغفور لهم فعزتك وحكمتك تقتضي هذا كله. وهذا هو عندي القول الأرجح. ويتقوى ما بعده]

ــ وجاء في تفسير الرازي [مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (12/467)]: [فيه مَسَائِلُ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَعْنَى الْآيَةِ ظَاهِرٌ، وَفِيهِ سُؤَالٌ: وَهُوَ أَنَّهُ كَيْفَ جَازَ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَقُولَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ واللَّه لَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الْمَائِدَةِ: 116] عُلِمَ أَنَّ قَوْمًا مِنَ النَّصَارَى حَكَوْا هَذَا الْكَلَامَ عَنْهُ، وَالْحَاكِي لِهَذَا الْكُفْرِ عَنْهُ لَا يَكُونُ كَافِرًا بَلْ يَكُونُ مُذْنِبًا حَيْثُ كَذَبَ فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ وَغُفْرَانُ الذَّنْبِ جَائِزٌ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى: طَلَبَ الْمَغْفِرَةَ مِنَ اللَّه تَعَالَى، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِنَا مِنَ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُدْخِلَ الْكُفَّارَ الْجَنَّةَ وَأَنْ يُدْخِلَ الزُّهَّادَ وَالْعُبَّادَ النَّارَ، لِأَنَّ الْمُلْكَ مُلْكُهُ وَلَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ، فَذَكَرَ عِيسَى هَذَا الْكَلَامَ وَمَقْصُودُهُ مِنْهُ تَفْوِيضُ الْأُمُورِ كُلِّهَا إِلَى اللَّه، وَتَرَكَ التَّعَرُّضَ وَالِاعْتِرَاضَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلِذَلِكَ خَتَمَ الْكَلَامَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَعْنِي أَنْتَ قَادِرٌ عَلَى مَا تُرِيدُ، حَكِيمٌ فِي كُلِّ مَا تَفْعَلُ لَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ عَلَيْكَ، فَمَنْ أَنَا وَالْخَوْضُ فِي أَحْوَالِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَقَوْلُهُ إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ فَنَقُولُ: إِنَّ غُفْرَانَهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ قَالُوا: لِأَنَّ الْعِقَابَ حَقُّ اللَّه عَلَى الْمُذْنِبِ وَفِي إِسْقَاطِهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُذْنِبِ، وَلَيْسَ فِي إِسْقَاطِهِ عَلَى اللَّه مَضَرَّةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا بَلْ دَلَّ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ فِي شَرْعِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ، فَلَعَلَّ هَذَا الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ مَا كَانَ مَوْجُودًا فِي شَرْعِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
الوجه الثالث: في الجواب أن القوم قَالُوا هَذَا الْكُفْرَ فَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ قَدْ تَابَ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ عَلِمْتُ أَنَّ أُولَئِكَ الْمُعَذَّبِينَ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ فَلَكَ أَنْ تُعَذِّبَهُمْ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ عِبَادُكَ، وَأَنْتَ قَدْ حَكَمْتَ عَلَى كُلِّ مَنْ كَفَرَ مِنْ عِبَادِكَ بِالْعُقُوبَةِ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ عَلِمْتُ أَنَّهُمْ تَابُوا عَنِ الْكُفْرِ، وَأَنْتَ حَكَمْتَ عَلَى مَنْ تَابَ عَنِ الْكُفْرِ بِالْمَغْفِرَةِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّا ذَكَرْنَا أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إِنَّ قَوْلَ اللَّه تَعَالَى لِعِيسَى أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة: 116] إِنَّمَا كَانَ عِنْدَ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ لَا فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَعَلَى/هَذَا الْقَوْلِ فَالْجَوَابُ سَهْلٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ يَعْنِي إِنْ تَوَفَّيْتَهُمْ عَلَى هَذَا الْكُفْرِ وَعَذَّبْتَهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ فَلَكَ ذَاكَ، وَإِنْ أَخْرَجْتَهُمْ بِتَوْفِيقِكَ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ، وَغَفَرْتَ لَهُمْ مَا سَلَفَ مِنْهُمْ فَلَكَ أَيْضًا ذَاكَ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا إِشْكَالَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى شَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ، صلى الله عليه وسلم، فِي حَقِّ الْفُسَّاقِ قَالُوا: لِأَنَّ قَوْلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ لَيْسَ فِي حَقِّ أَهْلِ الثَّوَابِ لِأَنَّ التَّعْذِيبَ لَا يَلِيقُ بِهِمْ، وَلَيْسَ أَيْضًا فِي حَقِّ الْكُفَّارِ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَا يَلِيقُ بِهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إِلَّا فِي حَقِّ الْفُسَّاقِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ. وَإِذَا ثَبَتَ شَفَاعَةُ الْفُسَّاقِ فِي حَقِّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَبَتَ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ، صلى الله عليه وسلم، بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: رَوَى الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّه (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) سَمِعْتُ شَيْخِي وَوَالِدِي رَحِمَهُ اللَّه يَقُولُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ هَاهُنَا أَوْلَى مِنَ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ، لِأَنَّ كَوْنَهُ غَفُورًا رَحِيمًا يُشْبِهُ الْحَالَةَ الْمُوجِبَةَ لِلْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ لِكُلِّ مُحْتَاجٍ، وَأَمَّا الْعِزَّةُ وَالْحِكْمَةُ فَهُمَا لَا يُوجِبَانِ الْمَغْفِرَةَ، فَإِنَّ كَوْنَهُ عَزِيزًا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَأَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ فَإِذَا كَانَ عَزِيزًا مُتَعَالِيًا عَنْ جَمِيعِ جِهَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ، ثُمَّ حَكَمَ بِالْمَغْفِرَةِ كَانَ الْكَرَمُ هَاهُنَا أَتَمَّ مِمَّا إِذَا كَانَ كَوْنُهُ غَفُورًا رَحِيمًا يُوجِبُ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ، فَكَانَتْ عِبَارَتُهُ رَحِمَهُ اللَّه أَنْ يَقُولَ: عَزَّ عَنِ الْكُلِّ. ثُمَّ حَكَمَ بِالرَّحْمَةِ فَكَانَ هَذَا أَكْمَلَ. وَقَالَ قَوْمٌ آخَرُونَ: إِنَّهُ لَوْ قَالَ: فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، أَشْعَرَ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ شَفِيعًا لَهُمْ، فَلَمَّا قَالَ: فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى اللَّه تَعَالَى، وَتَرْكُ التَّعَرُّضِ لِهَذَا الْبَابِ من جميع الوجوه]
قلت: قوله: (فَلَعَلَّ هَذَا الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ مَا كَانَ مَوْجُودًا فِي شَرْعِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ) باطل بيقين، وهو هراء محض عند من استحضر قوله، جل جلاله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)}، (المائدة؛ 5: 72)!!!
أما قوله: (بَلْ دَلَّ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ فِي شَرْعِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ) يحتاج إلى مراجعة وتدقيق، وسنعود إليه في النقاش الختامي، إن شاء الله تعالى.

ــ وجاء في تفسير ابن جُزَيْ [التسهيل لعلوم التنزيل (1/252)]: [إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فيها سؤالان الأول كيف قال وإن تغفر لهم وهم كفار والكفار لا يغفر لهم؟ والجواب أن المعنى تسليم الأمر إلى الله، وأنه إن عذب أو غفر فلا اعتراض عليه، لأن الخلق عباده، والمالك يفعل في ملكه ما يشاء، ولا يلزم من هذا وقوع المغفرة للكفار، وإنما يقتضي جوازها في حكمة الله تعالى وعزته، وفرق بين الجواز والوقوع، وأما على قول من قال: إن هذا الخطاب لعيسى عليه السلام حين رفعه الله إلى السماء، فلا إشكال، لأن المعنى إن تغفر لهم بالتوبة، وكانوا حينئذ أحياء، وكل حيّ معرض للتوبة، السؤال الثاني: ما مناسبة قوله: فإنك أنت العزيز الحكيم، لقوله: وإن تغفر لهم والأليق مع ذكر المغفرة أن لو قيل: فإنك أنت الغفور الرحيم؟ والجواب من ثلاثة أوجه. الأول يظهر لي أنه لما قصد التسليم لله والتعظيم له، كان قوله: فإنك أنت العزيز الحكيم أليق، فإن الحكمة تقتضي التسليم له، والعزة تقتضي التعظيم له، فإن العزيز هو الذي يفعل ما يريد ولا يغلبه غيره، ولا يمتنع عليه شيء أراده، فاقتضى الكلام تفويض الأمر إلى الله في المغفرة لهم أو عدم المغفرة لأنه قادر على كلا الأمرين لعزته وأيهما فعل فهو جميل لحكمته. الجواب الثاني: قاله شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: إنما لم يقل الغفور الرحيم لئلا يكون في ذلك تعريض في طلب المغفرة لهم. فاقتصر على التسليم والتفويض دون الطلب. إذ لا تطلب المغفرة للكفار، وهذا قريب من قولنا. الثالث حكى شيخنا الخطيب أبو عبد الله بن رشيد عن شيخه إمام البلغاء في وقته حازم بن حازم أنه كان يقف على قوله: إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ ويجعل فإنك أنت العزيز استئنافا وجواب إن في قوله فإنهم عبادك كأنه قال إن تعذبهم وإن تغفر لهم فإنهم عبادك على كل حال]

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 07-21-2012, 03:54 AM
طارق الطارق طارق الطارق غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
المشاركات: 12
افتراضي

ــ وجاء أخيراً في لطائف الإشارات [تفسير القشيري، لعبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري (المتوفى: 465هـ)، (1/458)]: [بيّن أن حكم المولى في عبيده نافذ بحكم إطلاق ملكه، فقال إن تعذبهم يحسن منك تعذيبهم وكان ذلك لأنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم أي المعز لهم بمغفرتك لهم. ويقال أنت العزيز الحكيم الذي لا يضرك كفرهم. ويقال «الْعَزِيزُ» القادر على الانتقام منهم فالعفو عند القدرة سمة الكرم، وعند العجز أمارة الذّلّ. ويقال: إن تغفر لهم فإنك أعزّ من أن تتجمل بطاعة مطيع أو تنتقص بزلّة عاص. وقوله «الْحَكِيمُ» ردّ على من قال: غفران الشّرك ليس بصحيح فى الحكمة]
قلت: كلام القشيري، رحمه الله، في غاية الجودة، أعني بخاصة قوله: [«الْعَزِيزُ» القادر على الانتقام منهم فالعفو عند القدرة سمة الكرم، وعند العجز أمارة الذّلّ. ويقال: إن تغفر لهم فإنك أعزّ من أن تتجمل بطاعة مطيع أو تنتقص بزلّة عاص. وقوله «الْحَكِيمُ» ردّ على من قال: غفران الشّرك ليس بصحيح فى الحكمة]. وهو وإن لم يكن من أئمة التفسير المشاهير، إلا أنه قبل النص الإلاهي كما هو، ولم يسمح لخياله أن يشطح بالتأويلات الفاسدة، ففتح الله عليه بهذا الفهم الجميل. وهذا الفهم موافق للدليل العقلي، كما قاله الأشاعرة، وصاغه معتزلة البصرة: (لِأَنَّ الْعِقَابَ حَقُّ اللَّه عَلَى الْمُذْنِبِ وَفِي إِسْقَاطِهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُذْنِبِ، وَلَيْسَ فِي إِسْقَاطِهِ عَلَى اللَّه مَضَرَّةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا)
أما قوله: [إن تعذبهم يحسن منك تعذيبهم وكان ذلك لأنهم عبادك]، فهو بحاجة إلى بلورة وتحقيق. فإن كان المقصود (العذاب) الذي يقع وفق المشيئة الكونية في هذا الكون الابتلائي كالذي يصيب عامة الناس، والحيوان أيضا، من ألم الأمراض، والحرائق، والغرق، والأعاصير المدمرة، والخسوفات والزلازل الماحقة، وما شاكل ذلك؛ فذلك من الممكنات العقلية، فيمكن أن تتعلق به القدرة الإلاهية، إلا أنه يتناقض مع القداسة الإلاهية، والكمالات الصمدانية، لمنافاته للرحمة والكرم الإلاهي، إلا إذا كان لحكمة بالغة، وليس فقط لمجرد (نفاذ حكم المولى في عبيده بحكم إطلاق ملكه)، كما يزعم الأشاعرة، وعامة الجبرية، وأكثر المتصوفة. والجبرية، أخزاهم الله وأبعدهم، ما زادوا على أن جعلوا ربهم جباراً طاغية: فالله والشيطان عندهم (وجهان لعملة واحدة)؛ تعالى ربنا وتقدس، جل جلاله، وسما مقامه، حقَّاً وصدقاً، أزلاً وأبداً!
وبالرغم من وقوع ذلك لحكمة بالغة، أبت عزة الله، جل جلاله، وسما مقامه، وحكمته، وكرمه ورحمته، إلا أن يجزل العوض في ذلك، فجعل الله ذلك كفارات للذنوب، ورفعاً للدرجات، بمنح مراتب الشهداء للمبطون والغريق والحريق والمطعون، والإنسان يموت تحت الهدم، والمرأة تموت في النفاس، وجعل الأفراط شفعاء، وقبل تعنت السقط على ربه، حتى يسحب والديه بحبله السري إلى الجنة، وما شابه ذلك، وما الله به عليم. هذا ثابت، بدون أدنى شبهة، لأهل الإيمان، ولا شك أن لأهل الكفر معاوضات مناسبة، علمنا بها أو لم نعلم، وكذلك للبهائم، والله أوسع وأرحم، وأعز وأكرم.
أما العذاب على وجه العقوبة: فالعقوبة لا تكون إلا على مستحقها، وإلا فهو الظلم والعدوان، والإسراف والطغيان، حاشا لله، ثم حاشا لله: تعالى، وتقدس، وتكبر عن التردي في دركات الطغيان والسفالة، لذلك حرم الظلم على نفسه المقدسة أزلاً وأبداً. فتحريمه الظلم على نفسه، بموجب القداسة الإلاهية، والكمالات الصمدانية، جعل وقوعه منه، جل وعز، كأنه من المحالات العقلية، وكأن القدرة لا تتعلق به. ونار جهنم هي دار عقوبة محضة، فمن المحال الممتنع أن يدخلها أو أن يعذب بها إلا من استحق العقوبة بها.
فالواجب إذاً أن يقال: [إن تعذبهم، لحكمة بالغة، أو عقوبة مستحقة، يحسن منك ذلك لأنهم عبادك، وأنت القدوس السلام، العزيز الحكيم]؛ لأن حكم المولى القدوس السلام في عبيده نافذ بحكم إطلاق ملكه، لا يقيده إلا قداسته الإلاهية، وكمالاته الصمدانية؛

وقد آن لنا الآن أن نعود إلى الجملة الخطيرة: (لَكِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ وَهُوَ لَا يُخْلِفُ خَبَرَهُ)، وقول الرازي: (بَلْ دَلَّ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ فِي شَرْعِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ)، فلعلنا نحرر بعض الأمور المهمة قبل ذلك:

أولاً: لا شك أن الكذب، وهو الإخبار بخلاف الواقع، محال على الله، جل جلاله، وسما مقامه، بموجب القداسة الإلاهية، والكمالات الصمدانية، فلا يقع أبداً كأنه من المحالات العقلية، وكأن القدرة لا تتعلق به. ومن جنس الكذب: الخداع والمكر والاستدراج على وجه الابتداء؛ أما على وجه العقوبة فليس بقبيح، ويحسن في أحوال تقتضيها الحكمة. هذا ثابت بضرورة الحس والعقل، قبل مجيء الشرع، وإلا لسقطت الثقة بالحس والعقل، ولما كان ثمة فرق بين عقل وجنون، وإيمان وكفر، بل ووجود وعدم.

ثانياً: أن (الخبر) عما هو موجود أو واقع الآن، أو كان موجوداً وواقعاً مضى وذهب، هو (الخبر) حقيقة. وهو الذي يحتمل الصدق والكذب. فإن جاء عن الله خبر من هذا النوع، فهو خبر صادق ضرورة، وهو الحق الذي لا مرية فيه.

ثالثاً: (الخبر) عن المستقبل، أي عما لم يقع بعد، ولم يخرج من العدم إلى الوجود، ليس كله (خبر) على الحقيقة، وإن كان صيغ بشيء من صيغ الإخبار في اللغة. فقول الرجل لصاحبه: (ليس عندي الآن ما أقرضك، ولكن إئتني أول الشهر بعد استلامي أجرة عقاري) يتكون من جملتين: الجملة الأولى: (ليس عندي الآن ما أقرضك)، خبر حقيقة، لا يحتمل إلا الصدق أو الكذب، لا غير؛ أما الجملة الثانية فتتكون من أمرين: (توقع) استلام أجرة العقار، وهذا خارج عن سلطان المتكلم: فقد يعجز المستأجر عن الدفع، وقد يأخذ جبار من الجبابرة العقار غصباً، وقد يخسف بالعقار فلا يعود له وجود؛ وبطبيعة الحال لا يستطيع المتكلم أن يقرض صاحبه، ولا يمكن أن يوصف كلامه بأنه كذب، وإنما يقال: (خاب توقعه)، ولا يعتبر حينئذ مخلفاً لوعده لأنه علق الإقراض عل شرط استلام الأجرة؛ وفي العادة لا يكون شيء من ذلك ويستلم الرجل أجرته. فإن أقرض صاحبه، قيل: (وفى بوعده) أو (صدق وعده)؛ وإن لم يقرض قيل: (خاس بوعده)، ولا شك أن (عدم الوفاء بالوعد) أو (إخلاف الوعد) خسة ونذالة، وهو أخو الكذب، وفيه شبه من الكذب، ولكنه ليس عين الكذب الاصطلاحي، بل هو شيء آخر. وصدور هذا النوع من (الخبر) عن المستقبل من غير الله يختلف جذرياً عن صدوره عن الله، كما سنبينه بعد قليل.

رابعاً: أن كل ما هو كائن، باستثناء الله تبارك وتعالى، وكل ما سيكون من أعيان وصفات وأفعال وحوادث، كل ذلك واقع في ملك الله، وهو من مخلوقات الله في أصله ومنشئه، مهما تعددت الوسائط البينية، وتسلسلت الأسباب، وتطاولت الأزمنة، وما كان ليكون، أي أن يخرج من العدم إلى الوجود، إلا بتقدير الله وإذنه. والله، جل جلاله، وسما مقامه، قد أحاط بكل شيء علماً: أحاط علماً بما كان، وبما يمكن أن يكون، وبما لم يكن، لو كان: كيف يكون؛ وما من خالق إلا الله، وما في الوجود واجب للوجود بذاته إلا الله، فكل ما سوى الله خلقه وملكه، بيده مقاليد السموات والأرض، يقبض عليها "بيد من حديد": فمحال أن يكون في ملك الله شيء إلا بتقديره وإذنه الكوني: لا يعجزه شيء، ولا يغالبه غالب، ولا يفلت منه هارب.
خامساً: لا شك أن (إخلاف الوعد)، من القادر على الإنفاذ، خسة ونذالة، وهو أخو الكذب، وهو محال على الله، جل جلاله، وسما مقامه، بموجب القداسة الإلاهية، والكمالات الصمدانية، فلا يقع أبداً كأنه من المحالات العقلية، وكأن القدرة لا تتعلق به. ولما كان الله على كل شيء قدير، وقد أحاط بكل شيء علماً: فمن المحال الممتنع أيضاً أن لا يقع ما جعله الله شرطاً لوعد من وعوده. ونقصد بالوعد هنا فقط (الوعد الحسن)، أي ما كان (الموعود به) منفعة (أو مصلحة أو لذة أو تكريم) لـ(الموعود له)؛ بخلاف (الوعيد) أو (التهديد)، وهو ما كان (الموعود به) مضرة (أو مفسدة أو ألم أو إهانة) (للموعود له). وأمثلة هذا كثيرة في القرآن، كما يشهد بذلك قوله، جل وعز: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، (التوبة؛ 9: 111)؛ وقوله: {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً}، (الفرقان؛ 25: 16)؛ وقوله: {أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}، (القصص؛ 29: 61)؛ وقوله: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً}، (النساء؛ 4: 95): وقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً}، (النساء؛ 4: 122)؛ وقوله: {وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}، (المائدة؛ 5: 9)؛ وقوله: {وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، (التوبة؛ 9: 72)؛ وغيرها كثير، وكلها حق يقيني، ووعود صدق لا بد من تحققها؛ ومن الحديث، ما رُوِيَ حكاية عن الرب، تباركت أسماؤه، وتقدست صفاته، من مثل: {وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني}؛ وقوله لدعوة المظلوم: {وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين}؛ وقوله: {وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله}؛ وقوله: {وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلوما فقدر أن ينصره فلم يفعل}؛ فإن ثبت هذا عن الله فهي كذلك وعود حق وصدق، لا بد من تحققها، ويستحيل أن يخلف الرب، جل وعلا، وعده بها.

سادساً: وعيد وتهديد من الله، تباركت أسماؤه، بغض عن اللفظ الذي جاء به:
(1) - لفظ (الوعد) كقوله، جل جلاله، وسما مقامه: {وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ}، (التوبة؛ 9: 68)، وقوله: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً، فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}، (الأعراف؛ 7: 44)، فلفظ الوعد الأول في الآية (وعد)، أما الثاني فهو (وعيد)؛
(2) - أو صيغة الخبر، وهو الأكثر، كقوله، جل جلاله، وسما مقامه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ}، (فاطر؛ 35: 36)؛ وقوله: {إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً}، (الجن؛ 72: 23)؛ {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}، (التوبة؛ 9: 35)؛ {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ}، (التوبة؛ 9: 63)؛ {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً}، (الطور؛ 52: 13)؛ {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}، (البينة؛ 98: 6)؛ وفي الحديث الصحيح: (يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه ثم ينادي يا أهل النار فيشرئبون وينظرون فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه فيذبح ثم يقول يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت)، قوله: (خلود فلا موت) لأهل الجنة: وعد، ولأهل النار: وعيد.
وإنفاذ الوعيد ليس لازماً أو واجباً في الأصل، لأن الحق الذي لا ينبغي أن تكون فيه شبهة: (أَنَّ الْعِقَابَ حَقُّ اللَّه عَلَى الْمُذْنِبِ وَفِي إِسْقَاطِهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُذْنِبِ، وَلَيْسَ فِي إِسْقَاطِهِ عَلَى اللَّه مَضَرَّةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا). هذا هو الأصل ولكن قد توجد أحوال قليلة مخصوصة يلزم فيها إنفاذ الوعيد، مثال ذلك: قوله، جل جلاله، وسما مقامه: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)}، (هود؛ 11: 63 - 65)، لأن عدم إنفاذه يسقط الحجة القاطعة بنبوة النبي، فتسقط حجة الله على عباده، وهذا لا يجوز؛ غير أن هذا إنما يتصور في الدنيا، دار الابتلاء، ولا يتصور في الآخرة، دار الجزاء.
فإذا تأملت هذا حق تأمله ظهر لك وجاهة قول الإمام ابن القيم بـ(فناء النار) كما تجده مفصلاً في كتابه الممتع (حادي الأرواح إلى بلد الأفراح)، ولكن ليس هذا موضوعنا في هذا المقام!

سابعاً: التزامات ألزم الرب، جل جلاله، وسما مقامه، نفسه بها، وليست من جنس (الوعد)، ولا هي من باب (الوعيد)، وهي أنواع كثيرة متباينة، يصعب حصرها، وإنما تتضح بضرب الأمثال لها:
ــ كقوله: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ}، (يونس؛ 10: 4)؛ وقوله: {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}، (النحل؛ 16: 38)؛ وقوله: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}، (الأنبياء؛ 21: 104)؛ وقوله: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً}، (مريم؛ 19: 71)؛ هذا كله شرط لإنفاذ بعض ما وعد، فلا بد من وقوعه لا محالة، كالوعد تماماُ؛
ــ وقوله: {وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، (الأنعام؛ 6: 54)؛ وأعم منه، قوله: {قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}، (الأنعام؛ 6: 12)؛ وفي الحديث الصحيح: (إن الله حين خلق الخلق كتب بيده على نفسه: {إن رحمتي تغلب غضبي})، هذا هو اللفظ الذي أخرجه الإمام الترمذي في سننه (ج5/ص549/ح3543): [حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قاله]؛ وأخرجه الإمام البخاري في صحيحه (ج6/ص2694/ح6969) بلفظ: [حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي قال لما خلق الله الخلق كتب في كتابه، وهو يكتب على نفسه، وهو وضعه عنده على العرش: إن رحمتي تغلب غضبي]؛ وأخرجه مسلم في صحيحه (ج4/ص2108/ح2751)؛ وأخرجه جمهور الأئمة؛ وربما قال بعضهم: (إن رحمتي سبقت غضبي)، وهو نقل تواتر عن أبي هريرة: رواه أبو صالح ذكوان، والأعرج، وأبو رافع، وهمام بن منبه، وعجلان، وعطاء بن ميناء؛ وهذا كله في حقيقته وعد بالتفضل والإحسان، فلا بد من وقوعه لا محالة، كالوعد تماماُ؛

وبهذا حسمت القضية، وبان الحق لكل ذي عينين، وثبت يقيناً أن (الْعِقَابَ حَقُّ اللَّه عَلَى الْمُذْنِبِ وَفِي إِسْقَاطِهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُذْنِبِ، وَلَيْسَ فِي إِسْقَاطِهِ عَلَى اللَّه مَضَرَّةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا)؛ كما ثبت يقينا أن (إن تعذيب الخلق، لحكمة بالغة، أو عقوبة مستحقة، يحسن من الله لأنهم عباده، وهو القدوس السلام، العزيز الحكيم لأن حكم المولى القدوس السلام في عبيده نافذ بحكم إطلاق ملكه، لا يقيده إلا قداسته الإلاهية، وكمالاته الصمدانية)؛ وبطل يقينا زعم من قال أن (غفران الشّرك ليس بصحيح فى الحكمة)؛ كما بطل يقينا قول من زعم أن (الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ فِي شَرْعِنَا دَلَّ عَلَى أَنَّ غفران الشّرك لَا يَقَعُ).

والله أعلم وأحكم؛ وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وسلم.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 07-21-2012, 09:23 PM
طارق الطارق طارق الطارق غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
المشاركات: 12
افتراضي

الأريوسية
* جاء في الفصل في الملل والأهواء والنحل (1/47): [وَالنَّصَارَى فرق مِنْهُم أَصْحَاب أريوس وَكَانَ قسيساً بالإسكندرية وَمن قَوْله التَّوْحِيد الْمُجَرّد وَأَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام عبد مَخْلُوق وَأَنه كلمة الله تَعَالَى الَّتِي بهَا خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَكَانَ فِي زمن قسطنطين الأول باني الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَأول من تنصر من مُلُوك الرّوم وَكَانَ على مَذْهَب أريوس هَذَا
وَمِنْهُم أَصْحَاب بولس الشمشاطي وَكَانَ بطريركيا بأنطاكية قبل ظُهُور النَّصْرَانِيَّة وَكَانَ قَوْله التَّوْحِيد الْمُجَرّد الصَّحِيح وَأَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله كَأحد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام خلقه الله تَعَالَى فِي بطن مَرْيَم من غير ذكر وَأَنه إِنْسَان لَا إلهية فِيهِ وَكَانَ يَقُول لَا أَدْرِي مَا الْكَلِمَة وَلَا روح الْقُدس
وَكَانَ مِنْهُم مقدونيوس وَكَانَ بطريركاً فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة بعد ظُهُور النَّصْرَانِيَّة أَيَّام قسطنطين بن قسطنطين باني الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَكَانَ هَذَا الْملك أريوسياً كَاتبه وَكَانَ من قَول مقدونيوس هَذَا التَّوْحِيد الْمُجَرّد وَأَن عِيسَى عبد مَخْلُوق إِنْسَان نَبِي رَسُول الله كَسَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَأَن عِيسَى هُوَ روح الْقُدس وَكلمَة الله عز وَجل وَأَن روح الْقُدس والكلمة مخلوقان خلق الله كل ذَلِك
وَمِنْهُم البربرانية وهم يَقُولُونَ أَن عِيسَى وَأمه إلهان من دون الله عز وَجل وَهَذِه الْفرْقَة قد بادت وعمدتهم الْيَوْم ثَلَاث فرق فأعظمها فرقة الملكانية وَهِي مَذْهَب جَمِيع مُلُوك النَّصَارَى حَيْثُ كَانُوا حاشا الْحَبَشَة والنوبة وَمذهب عَامَّة أهل كل مملكة لِلنَّصَارَى حَيْثُ كَانُوا حاشا الْحَبَشَة والنوبة وَمذهب جَمِيع نَصَارَى أفريقية وصقلية والأندلس وَجُمْهُور الشَّام وَقَوْلهمْ أَن الله تَعَالَى عبارَة عَن قَوْلهم ثَلَاثَة أَسبَاب أَب وَابْن وروح الْقُدس كلهَا لم تزل وَأَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَه تَامّ كُله وإنسان تَامّ كُله لَيْسَ أَحدهمَا غير الآخر وَأَن الْإِنْسَان مِنْهُ هُوَ الَّذِي صلب وَقتل وَأَن الْإِلَه مِنْهُ لم ينله شَيْء من ذَلِك وَأَن مَرْيَم ولدت الْإِلَه وَالْإِنْسَان وأنهما مَعًا شيءٌ وَاحِد ابْن الله تَعَالَى الله عَن كفرهم وَقَالَت النسطورية مثل ذَلِك سَوَاء بِسَوَاء إِلَّا أَنهم قَالُوا إِن مَرْيَم لم تَلد الْإِلَه وَإِنَّمَا ولدت الْإِنْسَان وَأَن الله تَعَالَى لم يلد الْإِنْسَان وَإِنَّمَا ولد الْإِلَه تَعَالَى الله عَن كفرهم وَهَذِه الْفرْقَة غالبة على الْموصل وَالْعراق وَفَارِس وخراسان وهم منسوبون إِلَى نسطور بطريركاً بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَقَالَت اليعقوبية إِن الْمَسِيح هُوَ الله تَعَالَى نَفسه وَأَن الله تَعَالَى عَن عَظِيم كفرهم مَاتَ وصلب وَقتل وَأَن الْعَالم بَقِي ثَلَاثَة أَيَّام بِلَا مُدبر والفلك بِلَا مُدبر ثمَّ قَامَ وَرجع كَمَا كَانَ وَأَن الله تَعَالَى عَاد مُحدثا وَأَن الْمُحدث عَاد قَدِيما وَأَنه تَعَالَى هُوَ كَانَ فِي بطن مَرْيَم مَحْمُولا بِهِ وهم فِي أَعمال مصر وَجَمِيع النّوبَة وَجَمِيع الْحَبَشَة وملوك الأمتين المذكورتين
قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ وَلَوْلَا أَن الله تَعَالَى وصف قَوْلهم فِي كِتَابه إِذْ يَقُول تَعَالَى {لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم} وَإِذ يَقُول تَعَالَى حاكياً عَنْهُم {أَن الله ثَالِث ثَلَاثَة} وَإِذ يَقُول تَعَالَى {أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} لما انْطلق لِسَان مُؤمن بحكاية هَذَا القَوْل الْعَظِيم الشنيع السَّمْح السخيف وتالله لَوْلَا أننا شاهدنا النَّصَارَى مَا صدقنا أَن فِي الْعَالم عقلا يسع هَذَا الْجُنُون ونعوذ بِاللَّه من الخذلان.
فَأَما اليعقوبية فَإِنَّهُم ينسبون إِلَى يَعْقُوب البرذعاني مَعَ مَا ذكرنَا من أَن أول من تنصر وَكَانَ رَاهِبًا بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وهم فرقة نافرت الْعقل والحس منافرة وحشية تَامَّة لِأَن الاستحالة بقلة والبقلة والاستحالة لَا يُوصف بهما الأول الَّذِي لم يزل تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا وَلَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ مخلوقاً والمحدث يَقْتَضِي مُحدثا خَالِقًا لَهُ وَيَكْفِي من بطلَان هَذَا القَوْل دُخُوله فِي بَاب الْمحَال والممتنع الَّذِي قد أوجب الْعقل والحس بُطْلَانه وَلَيْسَ فِي بَاب الْمحَال أعظم من أَن يكون الَّذِي لم يزل يعود مُحدثا لم يكن ثمَّ كَانَ وَأَن يُشِير غير الْمُؤلف مؤلفاً وَيلْزم هَؤُلَاءِ الْقَوْم أَن يعرفونا من دبر السَّمَوَات وَالْأَرْض وأدار الْفلك هَذِه الثَّلَاثَة الْأَيَّام الَّتِي كَانَ فِيهَا مَيتا تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا]

* وجاء في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (4/84) نقل كلام أبي محمد علي بن حزم: [وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ: النَّصَارَى فِرَقٌ مِنْهُمْ أَصْحَابُ أَرِيُوسَ، وَكَانَ قِسِّيسًا بِالْأَسْكَنْدَرِيَّةِ، وَمِنْ قَوْلِهِ: التَّوْحِيدُ الْمُجَرَّدُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدٌ مَخْلُوقٌ، وَأَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ الَّتِي بِهَا خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَكَانَ فِي زَمَنِ " قُسْطَنْطِينَ " الْأَوَّلِ بَانِي الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَأَوَّلُ مَنْ تَنَصَّرَ مِنْ مَلُوكِ الرُّومِ، وَكَانَ عَلَى مَذْهَبِ أَرِيُوسَ هَذَا.
قَالَ: وَمِنْهُمْ أَصْحَابُ بُولُسَ الشِمْشَاطِيِّ، وَكَانَ بَطْرِيَارِكًا بِأَنْطَاكِيَةَ قَبْلَ ظُهُورِ النَّصْرَانِيَّةِ وَكَانَ قَوْلُهُ بِالتَّوْحِيدِ الْمُجَرَّدِ الصَّحِيحِ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ كَأَحَدِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ خَلَقَهُ اللَّهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مَرْيَمَ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ، وَأَنَّهُ إِنْسَانٌ لَا إِلَهِيَّةَ فِيهِ الْبَتَّةَ، وَكَانَ يَقُولُ: لَا أَدْرِي مَا الْكَلِمَةُ وَلَا الرُّوحُ الْقُدُسِ، قَالَ: وَكَانَ مِنْهُمْ أَصْحَابُ مَقْدِنْيُوسَ، كَانَ بَطْرِيَارِكًا بَالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ بَعْدَ ظُهُورِ النَّصْرَانِيَّةِ أَيَّامَ قُسْطَنْطِينَ بْنِ قُسْطَنْطِينَ بَانِي الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَكَانَ هَذَا الْمَلِكُ أَرِيُوسِيًّا كَأَبِيهِ، وَكَانَ مِنْ قَوْلِ مَقْدُونِيُوسَ هَذَا التَّوْحِيدُ الْمُجَرَّدُ وَأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَبْدٌ مَخْلُوقٌ إِنْسَانٌ نَبِيٌّ رَسُولٌ كَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَأَنَّ عِيسَى هُوَ رُوحُ الْقُدُسِ وَكَلِمَةُ اللَّهِ، وَأَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ وَالْكَلِمَةَ مَخْلُوقَانِ، خَلَقَ اللَّهُ كُلَّ ذَلِكَ، قَالَ: وَكَانَ مِنْهُمُ الْبَرْبَرَانِيَّةُ، وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ عِيسَى وَأُمَّهُ إِلَهَانِ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ: وَهَذِهِ الْفِرَقُ قَدْ بَادَتْ، وَعُمْدَتُهُمُ الْيَوْمَ ثَلَاثُ فِرَقٍ، وَأَعْظَمُهَا فِرَقُ الْمَلِكَانِيَّةِ، وَهِيَ مَذْهَبُ جَمِيعِ مُلُوكِ النَّصَارَى حَيْثُ كَانُوا حَاشَا الْحَبَشَةَ وَالنُّوبَةَ وَمَذْهَبُ عَامَّةِ أَهْلِ كُلِّ مَمْلَكَةِ النَّصَارَى حَاشَا النُّوبَةَ وَالْحَبَشَةَ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمِيعِ نَصَارَى أَفْرِيقِيَّةَ وَصِقِلِّيَّةَ وَالْأَنْدَلُسِ وَجُمْهُورِ الشَّامِ، وَقَوْلُهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: أَبٌ، وَابْنٌ، وَرُوحُ الْقُدُسِ، كُلُّهَا لَمْ تَزَلْ، وَأَنَّ عِيسَى إِلَهٌ تَامٌّ كُلُّهُ وَإِنْسَانٌ تَامٌّ لَيْسَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ الْآخَرِ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْهُ هُوَ الَّذِي صُلِبَ وَقُتِلَ، وَأَنَّ الْإِلَهَ مِنْهُ لَمْ يَنَلْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتِ الْإِلَهَ وَالْإِنْسَانَ، وَأَنَّهُمَا مَعًا شَيْءٌ وَاحِدٌ ابْنُ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ كُفْرِهِمْ.
وَقَالَتِ النَّسْطُورِيَّةُ مِثْلَ ذَلِكَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ مَرْيَمَ لَمْ تَلِدِ الْإِلَهَ، وَإِنَّمَا وَلَدَتِ الْإِنْسَانَ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَلِدِ الْإِنْسَانَ، وَإِنَّمَا وَلَدَ الْإِلَهَ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ كُفْرِهِمْ، وَهَذِهِ الْفِرْقَةُ غَالِبَةٌ عَلَى الْمَوْصِلِ وَالْعِرَاقِ وَفَارِسَ وَخُرَاسَانَ، وَهُمْ مَنْسُوبُونَ إِلَى نَسْطُورَ، وَكَانَ بَطْرِيَارِكًا بَالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ.
وَقَالَتِ الْيَعْقُوبِيَّةُ: إِنَّ الْمَسِيحَ هُوَ اللَّهُ نَفْسُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ عَظِيمِ كُفْرِهِمْ مَاتَ وَصُلِبَ وَقُتِلَ، وَأَنَّ الْعَالَمَ بَقِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا مُدَبِّرٍ، وَالْفَلَكَ بِلَا مُدَبِّرٍ، ثُمَّ قَامَ وَرَجَعَ كَمَا كَانَ، وَاللَّهُ تَعَالَى عَادَ مُحْدَثًا، وَالْمُحْدَثُ عَادَ قَدِيمًا، وَاللَّهُ تَعَالَى كَانَ فِي بَطْنِ مَرْيَمَ مَحْمُولًا بِهِ، وَهُمْ فِي أَعْمَالِ مِصْرَ وَجَمِيعِ النُّوبَةِ وَجَمِيعِ الْحَبَشَةِ، وَمُلُوكُ الْأُمَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ]

* وجاء في الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/71): [مَعَ مَا ذكرنَا من أَن أول من تنصر من الْمُلُوك قسطنطين بعد نَحْو ثَلَاثمِائَة سنة من رفع الْمَسِيح فو الله مَا قدر على إِظْهَار النصراينة حَتَّى رَحل عَن رُومِية مسيرَة شهر وَبني برنطية وَهِي قسطنطينية ثمَّ أجبر النَّاس على النصراينة بِالسَّيْفِ وَالعطَاء وَكَانَ من عهوده المحفوظة أَن لَا يولي ولَايَة إِلَّا من تنصر من النَّاس سراع إِلَى الدُّنْيَا نافرون عَن الْأَدْنَى وَكَانَ مَعَ هَذَا كُله على مَذْهَب أريوس لَا على التَّثْلِيث]

* وجاء في تخجيل من حرف التوراة والإنجيل لصالح بن الحسين الجعفري، أبي البقاء الهاشمي (المتوفى: 668هـ) (2/499): [في الإبانة عن تناقض الأمانة: نبيّن فيه فساد أمانتهم التي يلقبونها بشريعة الإيمان، وهي التي لا يتمّ لهم عيد ولا قربان إلاّ بها. وكيف أكذب بعضها بعضاً، وناقضه وعارضه، وأنه لا أصل لها في شرع الإنجيل.
قال المؤلِّف - عفا الله عنه -: ذكر المؤرخون <<جاء في هامش محقق الكتاب: يشير المؤلِّف إلى مجمع نيقية المسكوني الأوّل عام 325م، وقد اقتبس المؤلِّف خبر المجمع من كتاب التاريخ المعتمد عند النصارى وهو: "نظم الجوهر" لبطريرك الإسكندرية سعيد بن البطريق المتوفى سنة 328هـ والموافق 940م، وفي الكتاب ذكر مبدأ الخلق وتواريخ الأنبياء والملوك والأمم وأصحاب الكراسي بروما والقسطنطينية وغيرهما. ووصف دين النصرانية وفرق أهلها>> وأرباب النقل أنّ الباعث لأوائل للنصارى على ترتيب هذه الأمانة الملقبة أيضاً بالتسبيحة والشريعة ولعن من يخالفها منهم وحرمه - هو أن أريوس أحد أوائلهم، كان يعتقد هو وطائفته توحيد الباري ولا يشرك معه غيره، ولا يرى في المسيح ما يراه النصارى؛ بل يعتقد نبوته ورسالته، وأنه مخلوق بجسمه وروحه، ففشت مقالته في النصرانية فتكاتبوا واجتمعوا بمدينة نيقية عند الملك قسطنطين وتناظروا فشرح آريوس مقالته فردّ عليه الأكصيدروس بطريك الإسكندرية وشنع مقالته عند الملك قسطنطين،... إلخ]

* وجاء في تاريخ مختصر الدول (1/80) لغريغوريوس (واسمه في الولادة يوحنا) ابن أهرون (أو هارون) بن توما الملطي، أبو الفرج المعروف بابن العبري (المتوفى: 685هـ)؛ وتحقيق: أنطون صالحاني اليسوعي: [وفي هذا الزمان ظهر آريوس المبتدع. هذا كان قسيسا خطيبا بالإسكندرية. فعلا ذات يوم مشهود المنبر ليخطب كعادته وابتدأ بخطبته من كلام سليمان بن داود وهو قوله: الرب خلقني في أول خلائقه. وأخذ يقرر انه عنى بذلك كلمة الله فهي مخلوقة مباينة بالجوهر لذات الله لأنها عبارة عن العقل الذي هو المعلول الاول وهو أول ما خلق الله. فكتب الملك كتابا الى جميع الاساقفة وقال فيه: انه لا شيء آثر عندي ولا أزين في عيني من خشية الله ومراقبته. وقد رأيت الآن ان تعزموا على القدوم الى مدينة نيقيا من غير وني لكي تفحصوا عن أمر دينيّ دعت الحاجة الى تحقيقه. فاجتمع ثلاثمائة وثمانية عشر اسقفا ونظروا فيما تفوه به آريوس فوجدوه مخالفا لاصل المذهب فزيّفوا علمه الفاسد ورتبوا الامانة المشهورة واجتمعت الفرق المسيحية كلها على صحتها الى يومنا هذا. وكان اجتماعهم سنة ستمائة وست وثلثين للإسكندر. وكان في هذا المجمع اسقف يرى رأي ناباطيس. فقال له الملك: لم لا توافق الجمهور في قبول من تاب عن معاصيه منيبا الى الله. فأجابه الأسقف: انه لا مغفرة لمن فرطت منه كبيرة بعد الايمان والعماد بدليل قول فولوس الرسول حيث يقول: لا يستطيع الذين ذاقوا كلمة الله ان يدّنّسوا بالخطيئة ليطهروا بالتوبة ثانية. فقال له الملك هازئا به: ان كان الأمر كما تزعم فانصب لك سلما لترقى فيه وحدك الى السماء. ونهض بعض الاساقفة فرفع الى الملك كتابا فيه سعاية ببعض الاساقفة. فلما قرأه الملك أمر ان يحرق الكتاب بالنار وقال: لو وجدت أحدا من الكهنة في ريبة لسترته بأرجوانيّتي]

* وجاء في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (1/341 - 343): [فَالنَّصَارَى تَضَعُ لَهُمْ عَقَائِدَهُمْ وَشَرَائِعَهُمْ أَكَابِرُهُمْ بَعْدَ الْمَسِيحِ، كَمَا وَضَعَ لَهُمُ الثَّلَاثُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ قُسْطَنْطِينَ الْمَلِكِ الْأَمَانَةَ الَّتِي اتَّفَقُوا عَلَيْهَا، وَلَعَنُوا مَنْ خَالَفَهَا مِنَ الْأَرْيُوسِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَفِيهَا أُمُورٌ لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ بِهَا كِتَابًا، بَلْ تُخَالِفُ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنَ الْكُتُبِ مَعَ مُخَالَفَتِهَا لِلْعَقْلِ الصَّرِيحِ فَقَالُوا فِيهَا: نُؤْمِنُ بِإِلَهٍ وَاحِدٍ، أَبٍ ضَابِطِ الْكُلِّ، خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، كُلِّ مَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى، وَبِرَبٍّ وَاحِدٍ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللَّهِ الْوَحِيدِ الْمَوْلُودِ مِنَ الْأَبِ قَبْلَ كُلِّ الدُّهُورِ، نُورٍ مِنْ نُورِ إِلَهٍ حَقٍّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ مَوْلُودٍ غَيْرِ مَخْلُوقٍ مُسَاوِي الْأَبِ فِي الْجَوْهَرِ الَّذِي بِهِ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ، الَّذِي مِنْ أَجْلِنَا نَحْنُ الْبَشَرُ وَمِنْ أَجْلِ خَلَاصِنَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، وَتَجَسَّدَ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ وَمِنْ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ، وَتَأَنَّسَ وَصُلِبَ عَلَى عَهْدِ بَيْلَاطِسَ الْبِنْطِيِّ وَتَأَلَّمَ وَقُبِرَ، وَقَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَمَا فِي الْكُتُبِ، وَصَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ الْأَبِ، وَأَيْضًا فَسَيَأْتِي بِمَجْدِهِ لِيُدِينَ الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتِ الَّذِي لَا فَنَاءَ لِمُلْكِهِ، وَبِرُوحِ الْقُدُسِ الرَّبِّ الْمُحْيِي الْمُنْبَثِقِ مِنَ الْأَبِ مَعَ الْأَبِ وَالِابْنِ مَسْجُودٍ لَهُ وَبِمَجْدِ النَّاطِقِ فِي الْأَنْبِيَاءِ، وَبِكَنِيسَةٍ وَاحِدَةٍ جَامِعَةٍ مُقَدَّسَةٍ رَسُولِيَّةٍ، وَاعْتَرَفَ بِمَعْمُودِيَّةٍ وَاحِدَةٍ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا، وَنَتَرَجَّى قِيَامَةَ الْمَوْتَى، وَحَيَاةَ الدَّهْرِ الْآتِي آمِينَ]

* وجاء في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (2/406): [وَهَذَا مِثْلُ الْأَمَانَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ دِينِهِمْ وَصَلَاتُهُمْ إِلَى الْمَشْرِقِ وَإِحْلَالُ الْخِنْزِيرِ وَتَرْكُ الْخِتَانِ وَتَعْظِيمُ الصَّلِيبِ وَاتَخَادُ الصُّوَرِ فِي الْكَنَائِسِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِهِمْ لَيْسَتْ مَنْقُولَةً عَنِ الْمَسِيحِ وَلَا لَهَا ذِكْرٌ فِي الْأَنَاجِيلِ الَّتِي يَنْقُلُونَهَا عَنْهُ وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْأَمَانَةَ الَّتِي جَعَلُوهَا أَصْلَ دِينِهِمْ وَأَسَاسَ اعْتِقَادِهِمْ لَيْسَتْ أَلْفَاظُهَا مَوْجُودَةً فِي الْأَنَاجِيلِ وَلَا هِيَ مَأْثُورَةٌ عَنِ الْحَوَارِيِّينَ وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ وَضَعُوهَا أَهْلُ الْمَجْمَعِ الْأَوَّلِ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدَ قُسْطَنْطِينَ الَّذِي حَضَرَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَخَالَفُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَرْيُوسَ الَّذِي جَعَلَ الْمَسِيحَ عَبْدًا لِلَّهِ كَمَا يَقُولُ الْمُسْلِمُونَ وَوَضَعُوا هَذِهِ الْأَمَانَةَ]

* وجاء في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (4/82): [وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فَقَالَتِ النَّسْطُورِيَّةُ: إِنَّ الْمَسِيحَ جَوْهَرَانِ أُقْنُومَانِ قَدِيمٌ وَمُحَدَثٌ، وَأَنَّ اتِّحَادَهُ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَشِيئَةِ، وَأَنَّ مَشِيئَتَهُمَا وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَا جَوْهَرَيْنِ. وَقَالَتِ الْيَعْقُوبِيَّةُ: لَمَّا اتَّحَدَا صَارَ الْجَوْهَرَانِ الْجَوْهَرُ الْقَدِيمُ وَالْجَوْهَرُ الْمُحْدَثُ جَوْهَرًا وَاحِدًا. وَاخْتَلَفُوا هَاهُنَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْجَوْهَرُ الْمُحْدَثُ صَارَ قَدِيمًا، وَزَعَمَ آخَرُونَ أَنَّهُمَا لَمَّا اتَّحَدَا صَارَا جَوْهَرًا وَاحِدًا قَدِيمًا مِنْ وَجْهٍ مُحْدَثًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. وَقَالَتِ الْمَلِكَانِيَّةُ: إِنَّ الْمَسِيحَ جَوْهَرَانِ أُقْنُومٌ وَاحِدٌ. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أُقْنُومَانِ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ، وَقَالَتِ الْأَرِيُوسِيَّةُ: إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا أَقَانِيمَ لَهُ، وَأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يُصْلَبْ وَلَمْ يَقْتُلْ، وَأَنَّهُ نَبِيٌّ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: الْمَسِيحُ لَيْسَ بِابْنِ اللَّهِ، وَحَكَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ عَلَى التَّسْمِيَةِ وَالتَّقْرِيبِ]

* وجاء في هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (2/536): [وَقَالَتِ الْآرْيُوسِيَّةُ مِنْهُمْ، وَهُمْ أَتْبَاعُ آرِيُوسَ: إِنَّ الْمَسِيحَ عَبْدُ اللَّهِ كَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، وَهُوَ مَرْبُوبٌ مَخْلُوقٌ مَصْنُوعٌ. وَكَانَ النَّجَاشِيُّ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ]

* وجاء في البداية والنهاية [ط الفكر (2/147 - 151)]: [(ذِكْرُ تَحْرِيفِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَبْدِيلِهِمْ أَدْيَانَهُمْ) أَمَّا الْيَهُودُ فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ التَّوْرَاةَ عَلَى يَدَيْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَتْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ 6: 154 وَقَالَ تَعَالَى قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً 6: 91 وَقَالَ تَعَالَى وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ 21: 48 وَقَالَ تَعَالَى وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ 37: 117 - 118 وَقَالَ تَعَالَى إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا. وَمن لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ 5: 44 فَكَانُوا يَحْكُمُونَ بِهَا وَهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِهَا بُرْهَةً مِنَ الزَّمَانِ ثُمَّ شَرَعُوا فِي تَحْرِيفِهَا وَتَبْدِيلِهَا وَتَغْيِيرِهَا وَتَأْوِيلِهَا وَإِبْدَاءِ مَا لَيْسَ مِنْهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ 3: 78 فأخبر تعالى أنهم يفسرونها ويتأولونها ويضعونها على غير مواضعها وهذا مالا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِي مَعَانِيهَا وَيَحْمِلُونَهَا عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ كَمَا بدلوا حكم الرجم بالجلد وَالتَّحْمِيمِ مَعَ بَقَاءِ لَفْظِ الرَّجْمِ فِيهَا وَكَمَا أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ مَعَ أَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِاقَامَةِ الْحَدِّ وَالْقَطْعِ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ. فَأَمَّا تَبْدِيلُ أَلْفَاظِهَا فَقَالَ قَائِلُونَ بِأَنَّهَا جَمِيعَهَا بُدِّلَتْ وَقَالَ آخَرُونَ لَمْ تُبَدَّلْ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ 5: 43 وَقَوْلُهُ (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ 7: 157 الْآيَةَ) وَبِقَوْلِهِ (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) 3: 93 وَبِقِصَّةِ الرَّجْمِ فَإِنَّهُمْ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَفِي السُّنَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وغيره لما تحاكوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، في قصة اليهودي واليهودية الذين زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ فَقَالُوا نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، بِإِحْضَارِ التَّوْرَاةِ فَلَمَّا جَاءُوا بِهَا وَجَعَلُوا يَقْرَءُونَهَا وَيَكْتُمُونَ آيَةَ الرَّجْمِ الَّتِي فِيهَا وَوَضَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَا يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ وَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، ارْفَعْ يَدَكَ يَا أَعْوَرُ فَرَفَعَ يَدَهُ فَاذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، بِرَجْمِهِمَا وَقَالَ (اللَّهمّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ) وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُمْ لَمَّا جَاءُوا بِهَا نَزَعَ الْوِسَادَةَ مِنْ تَحْتِهِ فَوَضَعَهَا تَحْتَهَا وَقَالَ آمَنْتُ بِكِ وَبِمَنْ أَنْزَلَكِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ قَامَ لَهَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى إِسْنَادِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا كُلُّهُ يُشْكِلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ إِنَّ التَّوْرَاةَ انْقَطَعَ تَوَاتُرُهَا فِي زَمَنِ بخت نصّر وَلَمْ يَبْقَ مَنْ يَحْفَظُهَا إِلَّا الْعُزَيْرُ ثُمَّ الْعُزَيْرُ إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَهُوَ مَعْصُومٌ وَالتَّوَاتُرُ إِلَى الْمَعْصُومِ يَكْفِي اللَّهمّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا لَمْ تَتَوَاتَرْ إِلَيْهِ لَكِنْ بَعْدَهُ زَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَكُلُّهُمْ كَانُوا مُتَمَسِّكِينَ بِالتَّوْرَاةِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً مَعْمُولًا بِهَا لَمَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهَا وَهُمْ أَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ. ثُمَّ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ مُنْكِرًا عَلَى الْيَهُودِ فِي قَصْدِهِمُ الْفَاسِدِ إِذْ عَدَلُوا عَمَّا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ عِنْدَهُمْ وَأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِهِ حَتْمًا إِلَى التَّحَاكُمِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وهم يُعَانِدُونَ مَا جَاءَ بِهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي زَعْمِهِمْ مَا قَدْ يُوَافِقُهُمْ عَلَى مَا ابْتَدَعُوهُ مِنَ الْجَلْدِ وَالتَّحْمِيمِ الْمُصَادِمِ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ حَتْمًا وَقَالُوا إِنْ حَكَمَ لَكُمْ بِالْجَلْدِ وَالتَّحْمِيمِ فَاقْبَلُوهُ وَتَكُونُونَ قَدِ اعْتَذَرْتُمْ بِحُكْمِ نبي لكم عند الله يوم القيمة وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ لَكُمْ بِهَذَا بَلْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا أَنْ تَقْبَلُوا مِنْهُ فَأَنْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الْقَصْدِ الْفَاسِدِ الَّذِي إِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَيْهِ الْغَرَضُ الْفَاسِدُ وَمُوَافَقَةُ الْهَوَى لَا الدِّينُ الْحَقُّ فَقَالَ (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا من كِتابِ الله 5: 43 - 44 الآية) ولهذا حَكَمَ بِالرَّجْمِ قَالَ اللَّهمّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أحيى أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ وَسَأَلَهُمْ مَا حَمَلَهُمْ عَلَى هَذَا وَلِمَ تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ الَّذِي بِأَيْدِيهِمْ فَقَالُوا إِنَّ الزِّنَا قَدْ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا وَلَمْ يُمْكِنَّا أَنْ نُقِيمَهُ عَلَيْهِمْ وَكُنَّا نَرْجُمُ مَنْ زَنَى مِنْ ضُعَفَائِنَا فَقُلْنَا تَعَالَوْا إِلَى أَمْرٍ نِصْفٍ نَفْعَلُهُ مَعَ الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ فَاصْطَلَحْنَا عَلَى الْجَلْدِ وَالتَّحْمِيمِ فَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ تَحْرِيفِهِمْ وَتَبْدِيلِهِمْ وَتَغْيِيرِهِمْ وَتَأْوِيلِهِمُ الْبَاطِلِ وَهَذَا إِنَّمَا فَعَلُوهُ فِي الْمَعَانِي مَعَ بَقَاءِ لَفْظِ الرَّجْمِ فِي كِتَابِهِمْ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ هَذَا مِنَ النَّاسِ إِنَّهُ لَمْ يَقَعْ تَبْدِيلُهُمْ إِلَّا فِي الْمَعَانِي وَإِنَّ الْأَلْفَاظَ بَاقِيَةٌ وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِذْ لَوْ أَقَامُوا مَا فِي كِتَابِهِمْ جَمِيعِهِ لَقَادَهُمْ ذَلِكَ إِلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ وَمُتَابَعَةِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ، صلى الله عليه وسلم، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ 7: 157 الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ 5: 66 الآية وقال تعالى قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ من رَبِّكُمْ 5: 68 الْآيَةَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَهُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّ التَّبْدِيلَ إِنَّمَا وَقَعَ فِي مَعَانِيهَا لَا فِي أَلْفَاظِهَا حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي آخِرِ كِتَابِهِ الصَّحِيحِ وَقَرَّرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ وَحَكَاهُ العلامة فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَكْثَرِ المتكلمين.
(ليس للجنب لمس التوراة) وَذَهَبَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ مَسُّ التَّوْرَاةِ وَهُوَ مُحْدِثٌ وَحَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا. وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى التَّوَسُّطِ فِي هَذَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مِنْهُمْ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ أَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا كُلَّهَا مُبَدَّلَةٌ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا حَرْفٌ إِلَّا بِدَّلُوهُ فَهَذَا بِعِيدٌ وَكَذَا مَنْ قَالَ لَمْ يُبَدَّلْ شَيْءٌ مِنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ بَعِيدٌ أَيْضًا وَالْحَقُّ أَنَّهُ دَخَلَهَا تَبْدِيلٌ وَتَغْيِيرٌ وَتَصَرَّفُوا فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهَا بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ كَمَا تَصَرَّفُوا فِي مَعَانِيهَا وَهَذَا مَعْلُومٌ عِنْدَ التَّأَمُّلِ وَلِبَسْطِهِ مَوْضِعٌ آخَرُ وَاللَّهُ أعلم كما في قوله فِي قِصَّةِ الذَّبِيحِ اذْبَحِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ وَفِي نُسْخَةٍ بِكْرَكَ إِسْحَاقُ فَلَفْظَةُ إِسْحَاقَ مُقْحَمَةٌ مَزِيدَةٌ بِلَا مِرْيَةٍ لِأَنَّ الْوَحِيدَ وَهُوَ الْبِكْرُ إِسْمَاعِيلُ لأنه ولد قبل إسحاق بأربع عشر سَنَةً فَكَيْفَ يَكُونُ الْوَحِيدُ الْبِكْرَ إِسْحَاقُ. وَإِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَسَدُ الْعَرَبِ أَنْ يَكُونَ إسماعيل غير الذَّبِيحُ فَأَرَادُوا أَنْ يَذْهَبُوا بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ لَهُمْ فَزَادُوا ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ افْتِرَاءً عَلَى الله وعلى رسوله، صلى الله عليه وسلم، وَقَدِ اغْتَرَّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ وَوَافَقُوهُمْ عَلَى أَنَّ الذَّبِيحَ إِسْحَاقُ والصحيح الذَّبِيحَ إِسْمَاعِيلُ كَمَا قَدَّمْنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَكَذَا فِي تَوْرَاةِ السَّامِرَةِ فِي الْعَشْرِ الْكَلِمَاتِ زِيَادَةُ الْأَمْرِ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الطُّورِ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ نُسَخِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
وَهَكَذَا يُوجَدُ فِي الزَّبُورِ الْمَأْثُورِ عَنْ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُخْتَلِفًا كَثِيرًا وَفِيهِ أَشْيَاءُ مَزِيدَةٌ مُلْحَقَةٌ فِيهِ وَلَيْسَتْ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قُلْتُ وَأَمَّا مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ التَّوْرَاةِ الْمُعَرَّبَةِ فَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ فِي تَبْدِيلِهَا وَتَحْرِيفِ كَثِيرٍ مِنْ أَلْفَاظِهَا وَتَغْيِيرِ الْقَصَصِ وَالْأَلْفَاظِ وَالزِّيَادَاتِ وَالنَّقْصِ الْبَيِّنِ الْوَاضِحِ وَفِيهَا مِنَ الْكَذِبِ الْبَيِّنِ وَالْخَطَأِ الْفَاحِشِ شَيْءٌ كَثِيرٌ جِدًّا فَأَمَّا مَا يَتْلُونَهُ بِلِسَانِهِمْ وَيَكْتُبُونَهُ بِأَقْلَامِهِمْ فَلَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهِ وَالْمَظْنُونُ بِهِمْ أَنَّهُمْ كَذَبَةُ خَوَنَةٌ يُكْثِرُونَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَكُتُبِهِ.
وَأَمَّا النَّصَارَى فَأَنَاجِيلُهُمُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ طريق مُرْقُسٍ وَلُوقَا وَمَتَّى وَيُوحَنَّا أَشَدُّ اخْتِلَافًا وَأَكْثَرُ زِيَادَةً وَنَقْصًا وَأَفْحَشُ تَفَاوُتًا مِنَ التَّوْرَاةِ وَقَدْ خَالَفُوا أَحْكَامَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فِي غَيْرِ مَا شَيْءٍ قَدْ شَرَعُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ فَمِنْ ذَلِكَ صَلَاتُهُمْ إِلَى الشَّرْقِ وَلَيْسَتْ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا وَلَا مَأْمُورًا بِهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَنَاجِيلِ الْأَرْبَعَةِ وَهَكَذَا تَصْوِيرُهُمْ كَنَائِسَهُمْ وَتَرْكُهُمُ الْخِتَانَ وَنَقْلُهُمْ صِيَامَهُمْ إِلَى زمن الربيع وزيادته إِلَى خَمْسِينَ يَوْمًا وَأَكَلُهُمُ الْخِنْزِيرَ وَوَضْعُهُمُ الْأَمَانَةَ الْكَبِيرَةَ وَإِنَّمَا هِيَ الْخِيَانَةُ الْحَقِيرَةُ وَالرَّهْبَانِيَّةُ وَهِيَ تَرْكُ التَّزْوِيجِ لِمَنْ أَرَادَ التَّعَبُّدَ وَتَحْرِيمَهُ عَلَيْهِ وَكَتْبُهُمُ الْقَوَانِينَ الَّتِي وَضَعَتْهَا لَهُمُ الْأَسَاقِفَةُ الثَّلَاثُمِائَةِ وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَ فَكُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ابْتَدَعُوهَا وَوَضَعُوهَا فِي أَيَّامِ قُسْطَنْطِينَ بْنِ قسطن بَانِي الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَكَانَ زَمَنُهُ بَعْدَ الْمَسِيحِ بِثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ وَكَانَ أَبُوهُ أَحَدَ مُلُوكِ الرُّومِ وَتَزَوَّجَ أُمَّهُ هِيلَانَةَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ لِلصَّيْدِ مِنْ بِلَادِ حَرَّانَ وَكَانَتْ نَصْرَانِيَّةً عَلَى دِينِ الرَّهَابِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ فَلَمَّا وُلِدَ لَهَا مِنْهُ قُسْطَنْطِينُ الْمَذْكُورُ تعلم الفلسفة وبهر فِيهَا وَصَارَ فِيهِ مَيْلٌ بَعْضَ الشَّيْءِ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ الَّتِي أُمُّهُ عَلَيْهَا فَعَظَّمَ الْقَائِمِينَ بِهَا بَعْضَ الشَّيْءِ وَهُوَ عَلَى اعْتِقَادِ الْفَلَاسِفَةِ فَلَمَّا مَاتَ أَبَوْهُ وَاسْتَقَلَّ هُوَ فِي الْمَمْلَكَةِ سَارَ فِي رَعِيَّتِهِ سِيرَةً عَادِلَةً فَأَحَبَّهُ النَّاسُ وَسَادَ فِيهِمْ وَغَلَبَ عَلَى مَلِكِ الشَّامِ بِأَسْرِهِ مَعَ الْجَزِيرَةِ وَعَظُمَ شَأْنُهُ وَكَانَ أَوَّلَ الْقَيَاصِرَةِ ثُمَّ اتَّفَقَ اخْتِلَافٌ فِي زَمَانِهِ بَيْنَ النَّصَارَى وَمُنَازَعَةٌ بين بترك الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ إِكْصَنْدَرُوسَ وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ يُقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْيُوسَ فَذَهَبَ إِكْصَنْدَرُوسَ إلى أن عيسى بن اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِ وَذَهَبَ ابْنُ أَرْيُوسَ إِلَى أَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ واتبعه على هذا طائفة من النصارى واتفق الأكثرون الأخسرون على قول بتركهم وَمَنْعِ ابْنِ أَرْيُوسَ مِنْ دُخُولِ الْكَنِيسَةِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَذَهَبَ يَسْتَعْدِي عَلَى إِكْصَنْدَرُوسَ وَأَصْحَابِهِ إِلَى ملك قُسْطَنْطِينَ فَسَأَلَهُ الْمَلِكُ عَنْ مَقَالَتِهِ فَعَرَضَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْيُوسَ مَا يَقُولُ فِي الْمَسِيحِ مِنْ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَاحْتَجَّ على ذلك فحال إِلَيْهِ وَجَنَحَ إِلَى قَوْلِهِ فَقَالَ لَهُ قَائِلُونَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَبْعَثَ إِلَى خَصْمِهِ فَتَسْمَعُ كَلَامَهُ فَأَمَرَ الْمَلِكُ بِإِحْضَارِهِ وَطَلَبَ مِنْ سَائِرِ الْأَقَالِيمِ كل أسقف وكل من عنده في دين النصرانية وجمع البتاركة الْأَرْبَعَةَ مِنَ الْقُدْسِ وَأَنْطَاكِيَةَ وَرُومِيَّةَ وَالْإِسْكَنْدَرِيَّةَ فَيُقَالَ إِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا فِي مُدَّةِ سَنَةٍ وَشَهْرَيْنِ مَا يَزِيدُ عَلَى أَلْفَيْ أُسْقُفٍ فَجَمَعَهُمْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمَجْمَعُ الْأَوَّلُ مِنْ مَجَامِعِهِمُ الثَّلَاثَةِ الْمَشْهُورَةِ وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا مُنْتَشِرًا جِدًّا. فَمِنْهُمُ الشِّرْذِمَةُ عَلَى الْمَقَالَةِ الَّتِي لَا يُوَافِقُهُمْ أَحَدٌ مِنَ الْبَاقِينَ عَلَيْهَا فَهَؤُلَاءِ خَمْسُونَ عَلَى مَقَالَةٍ.
وَهَؤُلَاءِ ثَمَانُونَ عَلَى مَقَالَةٍ أُخْرَى. وَهَؤُلَاءِ عَشَرَةٌ عَلَى مَقَالَةٍ وَأَرْبَعُونَ عَلَى أُخْرَى وَمِائَةٌ عَلَى مَقَالَةٍ وَمِائَتَانِ عَلَى مَقَالَةٍ وَطَائِفَةٌ عَلَى مَقَالَةِ ابْنِ أَرْيُوسَ وَجَمَاعَةٌ عَلَى مَقَالَةٍ أُخْرَى فَلَمَّا تَفَاقَمَ أَمْرُهُمْ وَانْتَشَرَ اخْتِلَافُهُمْ حَارَ فِيهِمُ الْمَلِكُ قُسْطَنْطِينُ مَعَ أَنَّهُ سَيِّئُ الظَّنِّ بِمَا عَدَا دِينَ الصَّابِئِينَ مِنْ أَسْلَافِهِ الْيُونَانِيِّينَ فَعَمَدَ إِلَى أَكْثَرِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عَلَى مَقَالَةٍ مِنْ مَقَالَاتِهِمْ فَوَجَدَهُمْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أُسْقُفًا قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى مَقَالَةِ إِكْصَنْدَرُوسَ وَلَمْ يَجِدْ طَائِفَةً بَلَغَتْ عِدَّتَهُمْ فَقَالَ هَؤُلَاءِ أَوْلَى بِنَصْرِ قَوْلِهِمْ لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ الْفِرَقِ فَاجْتَمَعَ بِهِمْ خُصُوصًا وَوَضْعَ سَيْفَهُ وَخَاتَمَهُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرَ الْفِرَقِ قَدِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى مَقَالَتِكُمْ هَذِهِ فَأَنَا أَنْصُرُهَا وَأَذْهَبُ إِلَيْهَا فَسَجَدُوا لَهُ وَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَضَعُوا لَهُ كِتَابًا فِي الْأَحْكَامِ وَأَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ إِلَى الشَّرْقِ لِأَنَّهَا مَطْلِعُ الْكَوَاكِبِ النَّيِّرَةِ وَأَنْ يُصَوِّرُوا فِي كَنَائِسِهِمْ صُوَرًا لَهَا جُثَثٌ فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنْ تَكُونَ فِي الْحِيطَانِ فَلَمَّا تَوَافَقُوا عَلَى ذَلِكَ أَخَذَ فِي نَصْرِهِمْ وَإِظْهَارِ كَلِمَتِهِمْ وَإِقَامَةِ مَقَالَتِهِمْ وَإِبْعَادِ مَنْ خَالَفَهُمْ وَتَضْعِيفِ رَأْيِهِ وَقَوْلِهِ فَظَهَرَ أَصْحَابُهُ بجاهه على مخالفيهم وَانْتَصَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَمَرَ بِبِنَاءِ الْكَنَائِسِ عَلَى دِينِهِمْ وَهُمُ الْمَلِكِيَّةُ نِسْبَةً إِلَى دِينِ الْمَلِكِ فَبُنِيَ فِي أَيَّامِ قُسْطَنْطِينَ بِالشَّامِ وَغَيْرِهَا فِي الْمَدَائِنِ والقرى أزيد من اثنتي عشر أَلْفَ كَنِيسَةٍ وَاعْتَنَى الْمَلِكُ بِبِنَاءِ بَيْتِ لَحْمٍ يَعْنِي عَلَى مَكَانِ مَوْلِدِ الْمَسِيحِ وَبَنَتْ أُمُّهُ هِيلَانَةُ قُمَامَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى مَكَانِ الْمَصْلُوبِ الّذي زعمت اليهود والنصارى بجهلهم وقلة علمهم أَنَّهُ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَيُقَالُ إِنَّهُ قتل من أعداء أُولَئِكَ وَخَدَّ لَهُمُ الْأَخَادِيدَ فِي الْأَرْضِ وَأَجَّجَ فِيهَا النَّارَ وَأَحْرَقَهُمْ بِهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْبُرُوجِ وَعَظُمَ دِينُ النَّصْرَانِيَّةِ وَظَهَرَ أَمْرُهُ جِدًّا بِسَبَبِ الْمَلِكِ قُسْطَنْطِينَ وَقَدْ أَفْسَدَهُ عَلَيْهِمْ فسادا لا إصلاح لَهُ وَلَا نَجَاحَ مَعَهُ وَلَا فَلَاحَ عِنْدِهِ وَكَثُرَتْ أَعْيَادُهُمْ بِسَبَبِ عُظَمَائِهِمْ وَكَثُرَتْ كَنَائِسُهُمْ عَلَى أَسْمَاءِ عُبَّادِهِمْ وَتَفَاقَمَ كُفْرُهُمْ وَغَلُظَتْ مُصِيبَتُهُمْ وَتَخَلَّدَ ضَلَالُهُمْ وَعَظُمَ وَبَالُهُمْ وَلَمْ يَهْدِ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَلَا أَصْلَحَ بَالَهُمْ بَلْ صَرَفَ قُلُوبَهُمْ عَنِ الحق وامال عن الاستقامة ثُمَّ اجْتَمَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَجْمَعَيْنِ فِي قَضِيَّةِ النُّسْطُورِيَّةِ وَالْيَعْقُوبِيَّةِ وَكُلُّ فِرْقَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ تُكَفِّرُ الْأُخْرَى وَتَعْتَقِدُ تَخْلِيدَهُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَلَا يرى مُجَامَعَتَهُمْ فِي الْمَعَابِدِ وَالْكَنَائِسِ وَكُلُّهُمْ يَقُولُ بِالْأَقَانِيمِ الثَّلَاثَةِ أُقْنُومُ الْأَبِ وَأُقْنُومُ الِابْنِ وَأُقْنُومُ الْكَلِمَةِ وَلَكِنْ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافٌ فِي الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ فِيمَا بَيْنُ اللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ هَلْ تَدَرَّعَهُ أَوْ حَلَّ فِيهِ أَوِ اتَّحَدَ بِهِ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ شَدِيدٌ وَكُفْرُهُمْ بِسَبَبِهِ غَلِيظٌ وَكُلُّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ إِلَّا مَنْ قَالَ مِنَ الْأَرْيُوسِيَّةِ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرْيُوسَ إِنَّ الْمَسِيحَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ كَمَا يَقُولُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَكِنْ لَمَّا اسْتَقَرَّ أَمْرُ الْأَرْيُوسِيَّةِ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ تَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ الْفَرْقُ الثَّلَاثَةُ بِالْإِبْعَادِ وَالطَّرْدِ حَتَّى قَلُّوا فَلَا يُعْرَفُ الْيَوْمَ مِنْهُمْ أَحَدٌ فيما يعلم وَاللَّهُ أَعْلَمُ]

* وجاء في تفسير المنار (3/213): [وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَلَّا يَنْظِمَ الْآيَةَ (يعني: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)) فِي سِمْطِ أَخْبَارِ التَّارِيخِ، وَلَا فِي سِلْكِ عِلْمِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ، أَوْ عِلْمِ الْمُنَاظَرَةِ وَالْجَدَلِ، بَلْ يَتْلُوهَا مُتَذَكِّرًا أَنَّهَا مَا أُنْزِلَتْ إِلَّا هِدَايَةً وَعِبْرَةً لِمَنْ يُؤْمِنُ بِالْقُرْآنِ ; لِيَتَّقُوا الْخِلَافَ فِي الدِّينِ وَالتَّفَرُّقَ فِيهِ إِلَى شِيَعٍ وَمَذَاهِبَ اتِّبَاعًا لِسُنَنِ مَنْ قَبْلَهُمْ. نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ نَعْتَقِدُ أَنَّ دِينَ الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي بَيَّنَّا مَعْنَاهُ آنِفًا، وَأَنَّ أَسَاسَهُ التَّوْحِيدُ وَالتَّنْزِيهُ، وَأَنَّ الرُّؤَسَاءَ الرُّوحِيِّينَ وَغَيْرَ الرُّوحِيِّينَ لَا سِيَّمَا الْمُلُوكُ وَالْأَحْبَارُ الرُّومَانِيِّينَ هُمُ الَّذِينَ بِتَفَرُّقِهِمْ جَعَلُوا ذَلِكَ الدِّينَ الْإِلَهِيَّ الْوَاحِدَ مَذَاهِبَ يَنْقُضُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَأَهْلَهُ شِيَعًا يَفْتِكُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَأَنَّهُ لَوْلَا بَغْيُهُمْ لَمَا تَمَزَّقَ شَمْلَ آرْيُوسَ وَأَتْبَاعِهِ الَّذِينَ دَعَوْا إِلَى التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ بَعْدَ فُشُوِّ الشِّرْكِ وَالتَّشْبِيهِ، إِذْ حَكَمَ الْمَجْمَعُ الَّذِي أَلَّفَهُ الْمَلِكُ قُسْطَنْطِينُ سَنَةَ 325 م بِمُقَاوَمَةِ آرْيُوسَ وَإِحْرَاقِ كُتُبِهِ وَتَحْرِيمِ اقْتِنَائِهَا، وَلَمَّا انْتَشَرَ تَعْلِيمُهُ مِنْ بَعْدِهِ قَضَى تُيُو دُو سْيُوسَ الثَّانِي بِاسْتِئْصَالِ مَذْهَبِهِ وَإِبَادَةِ الْآرْيُوسِيَّةِ بِقَانُونٍ رُومَانِيٍّ صَدَرَ فِي سَنَةِ 628م، وَبَقِيَتْ مَذَاهِبُ التَّثْلِيثِ يُكَافِحُ بَعْضُهَا بَعْضًا، [نَحْنُ] نَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْنَا أَلَّا نَنْسَى أَنْفُسَنَا وَلَا يَغِيبُ عَنَّا مَا أَصَبْنَا بِهِ مِنَ الْخِلَافِ وَالتَّفَرُّقِ عَسَى أَنْ يَسْعَى أَهْلُ الْإِيمَانِ الصَّادِقِ وَالْغَيْرَةِ فِي نَبْذِ الِاخْتِلَافِ وَالشِّقَاقِ، وَالْعَوْدِ إِلَى الْوَحْدَةِ وَالِاتِّفَاقِ، كَمَا كُنَّا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ عَلَيْهِمُ الرِّضْوَانُ]

(الموحدون من النصارى: أصولهم.. واقعهم.. معاناتهم) لد. سفر بن عبدالرحمن الحوالي كما هو مثلاً في أرشيف ملتقى أهل الحديث - 3 (28/358): [في ظل الصراع بين الإسلام والغرب الذي تتضح ملامحه يوماً بعد يوم، وتجتهد قوى مؤثرة في الغرب في إيقاده، يبدو جهل الغرب بالإسلام من أهم أسباب إخفاقه في التعامل مع قضايا الصراع؛ حيث يتعامل وفقاً لصورة نمطية مقتضبة. ولكيلا نقع في الخطأ نفسه، ينبغي للأمة الإسلامية أن تعرف خصمها معرفة مفصلة، بدلاً من النظر إليه باعتباره كتلة واحدة ذات توجه واحد، ومن أهم أسباب المعرفة المطلوبة: ربط اتجاهات الصراع بأصولها العقدية، وقياس مدى تأثير تلك الأصول في توجيه الصراع، لا سيما وقد بدأ الغرب يتمايز، وقد تزيده المرحلة القادمة تمايزاً.
وهذه المقالة تلقي الضوء على طائفة نصرانية تكاد تكون مجهولة لدى المسلمين، مع أهميتها عقدياً وعراقتها تاريخياً؛ فقد كان منها خمسة من رؤساء الولايات المتحدة، فضلاً عن حضورها الثقافي والسياسي في الساحة الأمريكية؛ فهم يمثلون دينياً النقيض للحركة الأصولية المتطرفة، وهم في الجملة محسوبون كجزء من التيار الليبرالي الذي لا يرى صراع الحضارات حتماً، ويرفض المشروع الصليبي المسمى «الحرب على الإرهاب».
المقصود بالموحّدين من النصارى:
لا توحيد ـ على الحقيقة ـ إلا ما أرسل الله به رسله وأنزله في كتبه، وهو الإيمان بأن الله ـ تعالى ـ واحد، وعبادته وحده لا شريك له؛ فهذا هو التوحيد المطلق. أما إذا قُيِّد بطائفة أو أحد من الناس فهو بحسب من يضاف إليه. ونحن هنا حين نتحدث عن الموحدين من النصارى فإننا نعني بها الفرقة النصرانية التي تعتقد أن الله واحد، وأن المسيح رسول الله، وترفض التثليث، وتتمثل في كنيسة (جماعة دينية) تؤمن بالوحي والعبادة، وبذلك يتميزون عن عامة الكنائس النصرانية التي تؤمن بعقيدة التثليث المنصوص عليها في قانون الإيمان الذي أقرّه مجمع «نيقية»، كما يتميزون في العصر الحديث عن منكري التثليث على أساس إنكار الخالق ـ تعالى ـ مطلقاً، أو على أساس إنكار الوحي مع الإقرار بالخالق؛ لأن هؤلاء على الحقيقة ليسوا من النصرانية في شيء، وإن كان هذا التمييز غير جلي في تاريخ الفكر الغربي الحديث كما سنرى.
أصولهم وأسماؤهم:
تعود جذور عقيدة الموحدين النصارى إلى الدين نفسه الذي علَّمه المسيح عليه السلام، وهو الإسلام في العقيدة، واتباع التوراة في الشريعة؛ فهم في الأصل الطائفة التي آمنت من بني إسرائيل كما قال ـ تعالى ـ: {فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ} [الصف: 14] وتمسكوا بالإيمان الذي أعلنه الحواريون كما في قوله ـ تعالى ـ: {نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52] وظل بعضهم على هذا الإيمان إلى البعثة المحمدية، وخلط آخرون ذلك بأنواع من البدع من قبل البعثة وبعدها لا مجال لتقصِّيها الآن.
ومن أسمائهم «الناصريون»: إما نسبة إلى النُّصرة وهو الأقرب؛ كما في الآية، وإما إلى (الناصرة) البلدة التي ينسبون إليها المسيح عليه السلام، فيقولون: (يسوع الناصري)، وفي انتسابهم هذا إعلان لبراءتهم من البدع التي أحدثها بولس وأتباعه.
أما الاسم الذي ظلوا يشتهرون به حتى مطلع العصر الحديث فهو «الآريوسية» ـ أو «الأريانية» ـ نسبة إلى آريوس، أو «السوسنيانية» نسبة إلى «سوسنيان» الذي سنأتي على سيرته.
وقد كان للاضطهاد الذي نالهم من المخالفين أثره في تشويه تاريخهم وطمس كثير من معالمه. فوقع خلط كبير بينهم وبين غيرهم من الفرق المنشقة عن الكنيسة الملكية الرومانية التي تسمي المنشقين جميعاً «هراطقة».
ومن ذلك أنك تجد من لا يفرق بينهم وبين «النسطورية» أو «اليعقوبية» وربما كان سبب ذلك أن الكنيسة الرومانية الملكية الكاثوليكية كانت تنبزهم بأنهم نسطورية أو يعقوبية، وفي الوقت نفسه تنبز النسطورية واليعقوبية بأنهم «موحدون» لتخرجهم من النصرانية وتكفِّرهم عند العامة. وشبهتها في هذا أن النَّسطورية مع اعتقادهم التثليث ينكرون أن يقال عن مريم: والدة الإله، ويقولون: إنما ولدت الناسوت وليس اللاهوت؛ فكفّرتهم الكنيسة الملكية بذلك، واشتبه الأمر على كثير من الباحثين ـ وبعضهم من الموحدين الأوروبيين أنفسهم ـ فظنوا أن النَّسطورية في الشرق يعتقدون أن عيسى ـ عليه السلام ـ مجرد بشر؛ فهم بذلك موحِّدون.
أما اليعقوبية فهم مع اعتقادهم التثليث ينكرون أن يكون للمسيح طبيعتان، ويجعلونها طبيعة واحدة «إلهية» فكفَّرتهم الكنيسة الملكية بإنكار التثليث في نظرها.
ومن هنا أخطأ كثير من الباحثين أيضاً فظنوا ما جعلته الكنيسة توحيداً على سبيل التهمة هو التوحيد الذي عليه الموحدون.
أما نسبة الموحدين إلى «أريوس الإسكندري» و«بولس الشمشياطي»، فهي أقرب إلى الصواب، من جهة أن المنسوب إليهم في كتب النصارى هو إنكار لاهوت المسيح ـ لا سيما الأول منهما ـ على أن وصف الناصريين يظل أصدق الأوصاف وأبعدها عما أحاط بالأوصاف الأخرى من اضطراب.
اضطهادهم:
تعرض الموحدون لاضطهاد هائل من الكنائس الرسمية، ولعنتهم المجامع النصرانية المخالفة، ووصمتهم بالكفر والهرطقة، ومزقتهم كل ممزق. ومن هنا ـ مع ما أصاب بعضهم من الابتداع ـ صدق على المتمسكين منهم أنهم «بقايا» كما جاء في الحديث: «إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب» وفي قوله ـ تعالى ـ: {مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [آل عمران: 113] فإن من كانوا على بقية من الحق عند بعثته، صلى الله عليه وسلم، - أعم من أن يكونوا من أتباع المسيح ـ عليه السلام ـ فحسب؛ وذلك أن كثيراً من اليهود خارج فلسطين لم تبلغهم دعوة المسيح عليه السلام، أو لم يتبينوا حقيقة رسالته، وظلوا على الحق الذي في التوراة حتى أشرق نور الإسلام.
فلما ظهر نور الإسلام وأضاء ما بين الخافقين دخل أكثر الموحدين فيه وبقيت منهم بقية على حالها وكانت على صنفين:
الأول: من بلغته دعوة محمد، صلى الله عليه وسلم، - فلم يؤمن به، وعن هؤلاء يقول العالم المهتدي الحسن بن أيوب من علماء القرن الرابع الهجري: «ولما نظرت في مقالات النصارى وجدت صنفاً منهم يعرفون بالأريوسية يجردون توحيد الله ويعترفون بعبودية المسيح ـ عليه السلام ـ ولا يقولون فيه شيئاً مما يقوله النصارى من ربوبية ولا بُنُوة خاصة ولا غيرهما، وهم متمسكون بإنجيل المسيح، مقرون بما جاء به تلامذته والحاملون عنه. فكانت هذه الطبقة قريبة من الحق، مخالفة لبعضه في جحود نبوة محمد - ، صلى الله عليه وسلم، ودفع ما جاء من الكتاب والسنة».
والآخر: من لم تبلغه الدعوة لبعد الشُّقَّة، أو بلغته على الصورة البالغة التشويه التي نشرتها الكنيسة الحاقدة على الإسلام ولا سيما كنيسة روما.
والثابت تاريخياً أن التوحيد كان عقيدة منتشرة في أوروبا في القرون الميلادية الأولى، لكن اختلفت أحوال الشعوب الموحِّدة، فبعضها مثل «الأيرلنديين» استطاعت الكنيسة البابوية استئصاله قبل الإسلام، وبعضها مثل «الأندلسيين» ظهر الإسلام والحرب لا تزال قائمة بينهم وبين روما.
ومن الظواهر البارزة في التاريخ الديني الأوروبي أن الشعوب البعيدة عن تأثير السيطرة الرومانية كانت أقرب إلى الفطرة، ومن ثَمَّ أكثر قبولاً للتوحيد من غيرها، وربما كان الاضطهاد الذي مارسه الرومان على الشعوب الخاضعة لهم أعظم أسباب قلة الموحدين فيها.
ففي بريطانيا كان الموحدون أول من أدخل النصرانية إلى الجزر البريطانية، وكان لهم فيها تاريخ طويل حتى انتقال مركزهم إلى أمريكا كما سيأتي. وفي إيرلندا كان الناس يدينون بالتوحيد ويعملون بشرائع التوراة، بل يسمون أنفسهم «ناصريين» حتى غزاهم الرومان في القرن الخامس الميلادي، واستأصلوا عقائدهم، وأحرقوا أناجيلهم المعروفة بالأناجيل «السلتية» (1)، التي كانت خالية من عقيدة التثليث. وفي الأندلس ظلت الحروب بين الرومان وبين الموحدين حتى ظهور الإسلام، ويعزو المؤرخون من شرقيين وغربيين سرعة انتشار الإسلام هناك إلى أنهم كانوا في الأصل على التوحيد.
وإجمالاً يمكن القول: إن تاريخ شعوب أوروبا الغربية وشمال أفريقية قبل الإسلام تاريخ للصراع بين الكنيسة الرومانية وبين الآريوسية ويشمل ذلك القوط والفاندال والسلت والبربر وغيرهم (2). يقول سلفستر شولر: (من المعلوم أن جميع البرابرة الذين استقروا على ضفاف الدانوب وعلى ضفاف الإمبراطورية (الرومانية) قد اعتنقوا أمة بعد أمة المسيحية الآريوسية... وهكذا أخذت الآريوسية تجتاح البلاد التي يقيم فيها البرغوند والسويف والفندال واللومبارد، وغدت ديانة هذه الشعوب الوطنية)، هذا عدا انتشار الموحدين في مصر وبلاد الشام والعراق وفارس والحبشة ومليبار.
ثم كان أبرز الأحداث في تاريخ الموحدين هو قيام مملكة لهم في رومانيا في القرن السادس عشر؛ حيث كان الملك «جون سيقموند» المتوفى سنة 1571م موحداً، ولا يزال فيها أكبر تجمّع للموحِّدين في العالم بعد الولايات المتحدة؛ حيث يبلغ عددهم ثمانين ألفاً. وفي بولندا تكاثر الموحِّدون حتى أرغمهم البرلمان سنة 1658م على اعتناق الكاثوليكية، إلا من فرّ منهم إلى هولندا وإنجلترا، وهناك التقوا مع الفارين من الأندلس بعد سقوطها في يد الملكين الكاثوليكيين «فردِنَنْد» و«إيزابيلا». وفي فرنسا ظهر الموحدون سنة 1550م باسم «الهجونوت» إلا أن الكاثوليك شنوا عليهم حرباً ضروساً في أيام الملكة «كاترين» وابنها «هنري» حتى استأصلوهم سنة 1572م إلا من استطاع الفرار إلى هولندا ثم إلى أمريكا.
روافد وأشباه:
فيما بين عقيدة الموحدين ـ هؤلاء ـ وعقيدة الطائفة الملكية، وهي الطائفة النصرانية الكبرى المتحكمة في الإمبراطورية الرومانية، يوجد عقائد كثيرة تأثرت بالمد الإسلامي العظيم؛ إذ كان استعلاء الإسلام ووضوح حجته قد بهر العالم أجمع، فحرصت كل ملة على أن تفسر عقيدتها وإيمانها بما يشبهه أو يقاربه، حتى إن الطائفة الملكية نفسها أصبحت تدعي التوحيد على تفسير خاص لها.
وقد بلغ التأثير ذروته في الحركتين المشهورتين في التاريخ الأوروبي، وهما: حركة تحريم الصور والتماثيل، والحركة الإصلاحية. وقد وفّر كلٌّ منهما نوعاً من الغطاء لعقيدة الموحدين التي كانت تظهر وتختفي بمقدار الحرية المتاحة لها.
1 - حركة تحطيم الصور والتماثيل:
ظهرت هذه الحركة بظهور الإسلام الذي كان حكمه حاسماً جداً في هذا الشأن؛ فعندما عاد المهاجرون إلى الحبشة وذكروا للرسول، صلى الله عليه وسلم، - ما رأوا في الكنائس الحبشية ـ وهي يعقوبية المذهب ـ قال، صلى الله عليه وسلم، -: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً، وصوَّروا فيه تلك الصور؛ أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة».
وهكذا طمس المسلمون ـ وحطموا ـ الصور والتّماثيل والصّلبان ليس فقط في الكنائس التي أسلم أهلها أو فتحوها عنوة، بل في كل مظاهر الحياة، وبذلك استيقظت الحركة الكتابية التي كانت تفعل ذلك قبل الإسلام عملاً بما جاء في الوصية الثانية من الوصايا العشر في التوراة.
وقد بلغت هذه الحركة أوجَها في عهد الإمبراطور البيزنطي (قسطنطين الخامس) الذي عقد مجمعاً خاصاً لذلك في القسطنطينية سنة 754م. ونلاحظ أن الإمبراطورية الشرقية البيزنطية هي الأكثر تأثراً؛ وذلك لقربها من دار الإسلام.
2 - الحركة الإصلاحية:
تأخر ظهور الحركة الإصلاحية في الإمبراطورية الغربية، بسبب بعدها الجغرافي عن دار الإسلام، والحُجُب الكثيفة من الافتراء والتشويه التي فرضتها الكنيسة الكاثوليكية على أوروبا الغارقة حينئذ في الجهل والهمجية، ولكن الاتصال بالمسلمين الذي حدث من طرق شتى - منها مراكز الحضارة الإسلامية في جنوب أوروبا، والحروب الصليبية، والتعامل التجاري، وغيرها ـ أدى إلى ظهور الحركة الإصلاحية البروتستانتية، التي كانت فاتحة التاريخ الأوروبي الحديث، والتي أحدثت زلزالاً هائلاً في الكنيسة الغربية، بل في الحياة الأوروبية عامة. إلا أن تأثيرها الإصلاحي لم يمسّ الجوهر (عقيدة التثليث) بل اقتصر أساساً على الحد من طغيان البابوات، وفساد رجال الدين عامة، وتحطيم الصور والتماثيل، وتعديل بعض الشعائر والطقوس. ويتمثل تأثيرها التاريخي الهائل في تأسيس كنائس جديدة منسوبة لزعماء الحركة، مثل «لوثر» «كالفن» «زونجلي» وكانت الاستجابة الواسعة لها تمثيلاً عميقاً لما عانته النفسية الأوروبية من كبت وضجر تحت سيطرة الاضطهاد البابوي، ولكنها ما لبثت أن ارتكبت كل الخطايا التي ارتكبتها كنيسة روما، ولا سيما اضطهاد المخالفين، وربما زادت عليها أحياناً، وهو الأمر الذي أدخل أوروبا في دوّامة من العنف لم يشهد لها التاريخ العالمي مثيلاً. وحدث من الفظائع والمنكرات ـ من الطرفين ـ ما اقشعرت لها أبدان المؤرخين، ووصفوها بأنها وحشية تترفع عنها الوحوش. وقد نالت هذه الوحشيةُ طائفةَ الموحدين التي انتهزت ـ بادئ الأمر ـ فرصة الصراع وانكسار باب السجن الكاثوليكي لتخرج في جملة من خرج من المأسورين، ولكن الاضطهاد الذي حلّ بها من قِبَل البروتستانت كان أفظع مما تصورت، بل كان مثار دهشة المؤرخين الغربيين ولا يزال.
الموحدون والحركة الإصلاحية النصرانية:
كان أعداء الموحدين ـ من الكاثوليك والبروتستانت سواء ـ ينبزونهم بلقب «سوسنيانية» نسبة إلى رجل دين إيطالي يدعى «سوسنيان» أو «سوسنيوس» (1539ـ 1604م)، ظهرت آراؤه في عنفوان الثورة البروتستانتية على الكنيسة الكاثوليكية بقيادة زعيميها الشهيرين «مارتن لوثر» و«كالفن».
وكان «كالفن» ينافس «لوثر» في تزعّم الإصلاح، إلا أنه كان أكثر منه اعتماداً على التوراة ـ لا سيما في انتهاج القوة ـ وقد قرر كثير من المؤرخين أنه يهودي الأصل، ولعل هذا سبب خطأ من يظن أنه كان موحِّداً، وقد عاصر من الموحدين غير «سوسنيان» الذي تنتسب إليه الطائفة «ميخائيل سرفت» صاحب الآراء المتناقضة والمحسوب على الموحدين، وإن كان بعض مؤرخي الفكر الغربي يجعلونه المؤسس.
اتخذ كالفن «جنيف» مقراً لدعوته، وحكمها حكماً لاهوتياً شديد الصرامة، ويقول «ديورانت»: (إن «كالفن» كان يرى في مذهب الموحدين بداية النهاية للمسيحية، وخشي هذه الهرطقة أكثر من أي شيء آخر؛ لأنه وجدها متفشية في مدينة «جنيف» ذاتها، وفوق كل شيء بين اللاجئين البروتستانت الفارين من إيطاليا، وهذه إشارة إلى سوسنيان وأمثاله). وقد بلغت فظاظة كالفن وبشاعة أحكامه حداً جعل أتباعه وأعداءه يشتركون في التعنيف عليه، وكان الموحدون أكثر المتضررين بذلك، ولا تزال مأساة «سرفت» تعد عند مؤرخي الفكر وصمة عار في جبين الإصلاحيين عامة و(كالفن) خاصة؛ فقد حكم (كالفن) على (سرفت) بأن يحرق حياً على نار بطيئة عقوبة له على إنكار التثليث سنة 1553م. وكان هذا ـ إضافة إلى نبز (لوثر) لـ (سرفت) بأنه «مراكشي» ـ دليل على أن الضغينة عليه كانت بسبب تأثره بالإسلام أكثر من كونه كافراً بالتثليث؛ إذ يقول ديورانت، بعد أن نقل فقرات من كلامه: (إن مفهومه عن المسيح قريب جداً من مفهوم محمد) فنظراً لأصله الأسباني وقراءته للقرآن، واطلاعه على العقائد الإسلامية كان يستحق عندهم أن ينزل عليه أشد العقاب، فيكون عبرة لغيره من الخارجين على عقيدة (لوثر) و(كالفن).

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 07-21-2012, 09:25 PM
طارق الطارق طارق الطارق غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
المشاركات: 12
افتراضي

كان (سرفت) في أول الأمر مندفعاً جداً في الثورة على النصرانية، فألّف كتابه «خطأ التثليث» سنة 1531م وفيه شبّه الرب الذي يعبده النصارى بالصنم الخرافي الوثني «سربيروس» الذي كان أتباعه يعتقدون أن له ثلاثة رؤوس، ولكنه آخر الأمر عاد ليكتب كتاباً عنوانه «إعادة المسيحية». وسواء كان ذلك تراجعاً ظاهرياً أو اضطراباً في المعتقد، فالنتيجة أن ذلك لم ينقذه من العقوبة، وكان إحراقه نذيراً صارخاً لأصحاب مذهب التوحيد بالفرار إلى بلاد غير خاضعة للإصلاحيين، فاتجهوا إلى بولندا وهولندا ورومانيا ـ إقليم ترانسلفانيا ـ حيث كان الملك الموحِّد «جون سيقموند» يوفر حماية للفارين منهم في مملكته.
إن مصادر التوحيد لهذه المملكة مجهولة، والظاهر أنها من بقايا الأريوسيين وأن حياتهم في غابة إقليم «ترانسلفانيا» النائي وَقَتْهم شر التسلط الكاثوليكي، ومن المحتمل جداً وجود علاقة لهم بالمسلمين؛ فقد شهدت روسيا وأوروبا الشرقية مرحلة من التواصل مع المسلمين تميز في عهد الخليفة المقتدر العباسي وبعده.
على أن العقيدة التوحيدية ظهرت في أوروبا الغربية، ولا سيما في هولندا وبريطانيا، ومنها إلى أمريكا ضمن الخليط الناتج من الأفكار التي شهدها عصر التنوير الأوروبي الذي تُعَدُّ حركة التوحيديين أحد روافده، كما تعد أحد المستفيدين من ثورته.
عقائد عصر التنوير الأوروبي:
يسمى عصر الثورة العامة على المعتقدات الدينية النصرانية: (عصر التنوير)، وهو يشمل المرحلة ما بين اشتداد الحروب الدينية في أوروبا، وبين ظهور الثورتين الأمريكية والفرنسية، أي أن القرن الثامن عشر الميلادي ـ على سبيل التقريب ـ هو عصر التنوير الذي أحدث في الفكر العالمي عامة والغربي خاصة زلزالاً لا تزال توابعه حتى الآن؛ فقد خلَّف آثاراً عظيمة في السياسة والاجتماع والأدب والفن. بيد أن أعظم آثاره تجلى في الصراع العنيف بين الكنيسة والعقل.
ولا ريب أن عصر التنوير يعد امتداداً طبيعياً لعصر النهضة الأوروبية الذي يدين بالفضل للإسلام؛ فقد كان تأثير الحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية واضحاً في إيطاليا منطلق النهضة الأوروبية الحديثة، بل هو أكبر أسباب النهضة؛ فقد كان الإمبراطور «فردريك» الثاني في القرن الثالث عشر عاشقاً للثقافة الإسلامية، ولما رأت الكنيسة حرصه على تعلم العربية، وكثرة المسلمين في بلاطه، وتأثره الواضح بهم، أصدرت بحقه حرماناً وسمته «الزنديق الأعظم»، ولكن المؤرخين في الفكر يسمونه «أول المحدثين» تقديراً لريادته في الحضارة والإنسانيات.
وفي الأندلس كان التواصل الثقافي مستمراً خاصة مع أوروبا الغربية، لا سيما الجزر البريطانية التي كادت أن تسلم ـ حيث يتحدث التاريخ عن إسلام أحد ملوكها، وكذلك إسلام ملك النرويج، وهما حدثان جديران بالبحث والاهتمام ـ فلما استطاعت الكاثوليكية استرداد البرتغال وأسبانيا من المسلمين، وأقامت محاكم التفتيش، لجأ كثير من أصحاب الفكر الحرِّ إلى أوروبا الغربية، لا سيما هولندا التي ظهرت فيها العقيدة التوحيدية بوضوح إلى جانب العقائد الأخرى المتحررة من ربقة الكنيسة الرومانية.
وفي المرحلة التالية لم يقف الصراع الكبير الذي أحدثته الحركة الإصلاحية عند حد التمرد على البابا، بل انقلب تمرداً على كل العقائد الكنسيّة باسم «العقل» و«حرية التفكير» و«الدين المنطقي» و«الدين الطبيعي» ونحو ذلك من الشعارات التي كثرت في ذلك العصر واختلفت، وكان الجامع بينها رفض العقيدة النصرانية.
ومن هنا اختلط الأمر على الباحثين، وصعب التفريق بين منكري الدين كلِّه ـ أي من ينكر وجود الله تعالى ـ وبين من ينكر عقائد الكنائس النصرانية ـ لا سيما التثليث ـ لكنه يؤمن بالوحي والكتب المقدسة، وبين من يقف بين ذلك فينكر الكتب والقدر، ويعترف بنوع من الوحي والتعبد. وفي غمرة هذا الاختلاط نجد تفسيراً للتنازع الشديد في عقيدة بعض الأعلام المشهورين بالعلم والفكر والفلسفة مثل «جون لوك» «إسحاق نيوتن» «شارل ديكنز»، «روسو»، «داروين» فالكنيسة الموحدة تدعي أنهم من أتباعها، وغيرهم لا يسلم لها بذلك، بل يجعلونهم «ربوبيين»، أو «لا أدريين» أو «طبيعيين»... إلخ.
وكان لبريطانيا نصيب الأسد في ظهور هذه العقائد، ويعزى ذلك إلى الحرية المحدودة فيها وإلى طريقة التفكير البريطاني؛ حيث يمثل الإنجليز غالباً ما سماه المفكر العالمي (علي عزت بيجوفتش): «الطريق الثالث خارج الإسلام»، فقد رفضوا العقيدة الكاثوليكية، لكنهم لم يتطرفوا فيذهبوا مذهب الملاحدة العقلانيين في فرنسا، ولم يندفعوا مع اللوثرية اندفاع الألمان، بل سلكوا طريقاً وسطاً ـ تماماً كما فعلت بريطانيا في العصر الحاضر، حيث لم تكن شيوعية مثل روسيا، ولكنها أيضاً ليست في الرأسمالية مثل أمريكا.
هناك ـ في بريطانيا ـ فشت عقيدة التوحيد هذه، وكادت تسيطر على مفكري عصر التنوير الإنجليزي، لولا أن منافساً ظهر أيضاً بقوة وهو دين الربوبيين ـ المؤمنين بالله مع إنكار الوحي ـ وكثيراً ما يقع الخلط بين هاتين العقيدتين، ويدعي أتباعهما أن رموز الأخرى هم من رموزها ـ كما سبق ـ. والواقع أن بريطانيا في ذلك العصر كانت تموج بالشك والتمرد بل التقلب والاضطراب لدى المفكر الواحد. وكان أبرز الأحداث هو إعلان الموحدين لعقيدتهم في التوحيد صراحة في بيان وجهوه إلى طلاب جامعتي «أوكسفورد» و«كامبردج» سنة 1790م.
على أن أهمية الكنيسة في بريطانيا تتجلى في كونها المصدر الأكبر للحركة في أمريكا، وهنا لا بد من بيان الفرق بين أوروبا وأمريكا في هذا الشأن؛ فأوربا كانت هائجة مضطربة تنتقل من فعل إلى ردة فعل أعنف، وهذا يصدق على كثير من مفكريها مع شيء من الاعتدال يتسم به شمالها. أما أمريكا فجذورها الدينية واضحة؛ بحيث يمكن القول إن ملاحدة أمريكا أقرب إلى الانتماء الديني، وأن متديني أوروبا أقرب إلى الملاحدة.
وحين نصل إلى أمريكا نجد أنفسنا أمام تاريخٍ مستفيض، ووجود متميز للحركة الموحّديّة.
الموحدون في أمريكا:
تقول المصادر الرسمية للولايات المتحدة الأمريكية إنها ثاني الدول الغربية تديناً بعد إيرلندا، ويقول المفكر إدوارد سعيد: (إن أمريكا هي أكثر دول العالم انشغالاً بالدين). والواقع أن بين الدين الذي أسست عليه هذه الدولة والدين الذي تدين به اليوم بَوْناً شاسعاً، وهذا يصدق على حركة الموحٍّدين الأولى وواقع الموحدين اليوم.
فالمؤسسون الأوائل لأمريكا كان منهم جمع غفير من المهاجرين بدينهم المتسمين باسم (الحجاج)، وقد تحملوا مشقة الرحلة الطويلة إلى بلاد نائية فراراً من الحروب الدينية الضروس التي اجتاحت أوروبا لا سيما منذ ظهور الحركة الإصلاحية، وكان من بين المؤسسين مفكرون وساسة يؤمنون بالتسامح، ويمقتون الاضطهاد بنفس المقدار الذي كان عليه مفكرو التنوير في أوروبا أو أكثر، وهكذا أسسوا الدولة الناشئة على مبدأ فصل الدين عن الدولة، لكن بسبب وبشكل يختلفان عما هو الحال عليه في أوروبا؛ ففي فرنسا مثلاً كانت الثورة الفرنسية معادية للدين، وكان فصل الكنيسة عن الدولة إقصاء للمتدينين، وسلباً لمكانة الكنيسة. أما في أمريكا فقد جعلوه صيانة للدين وحفظاً لمكانة الكنائس، وأتاحوا للمتدينين الحرية في الانتماء إلى الكنيسة التي يريدون، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تجاوزه إلى الاتفاق على نفي أن تكون الدولة نصرانية رسمياً (1)؛ وذلك أن المؤسسين الكبار كانوا يؤمنون بأفكار عصر التنوير وفلسفاته التي ذكرنا مع تفاوت بينهم في الالتزام الديني الشخصي بالذهاب إلى الكنائس أو الانتساب إليها. إلا أن كنيسة واحدة فقط كان الانتماء إليها ينسجم مع الأفكار التنويرية وهي الكنيسة الموحِّدة؛ بحيث يمكن القول إنه لو كان للحكومة الناشئة أن تختار ديناً رسمياً للدولة لما كان إلا دين الموحِّدين. وهذا ظاهر من استقراء عقائد الرؤساء الأوائل وعقائد المفكرين الأوائل مثل: بنيامين فرانكلين، ورالف أمرسن.
ففي سنة 1785م تحولت كنيسة الملك في بوسطن إلى كنيسة موحِّدة؛ حيث قرر أعضاؤها حذف الألفاظ الدالة على التثليث في الصلوات، ثم أسست كنيسة موحِّدية في «فيلادلفيا» سنة 1794م، وبعد ذلك حدث تحول آخر مهم، وهو انتقال كنيسة الحجاج التي أسست سنة 1620م إلى كنيسة موحِّدية سنة 1802م.
وتوّجَ هذه الأحداث حدثٌ من أعظم الأحداث في التاريخ الديني النصراني، وهو قيام الرئيس الأمريكي الثالث «توماس جيفرسن» بتأليف إنجيل جديد هذَّب فيه الأناجيل المعروفةَ في نسخةٍ منقّحةٍ محذوف منها كل ما يدل على التثليث، كما حذف ما يدل على المعجزات ـ وهنا يظهر عليه أثر عقلانية عصر التنوير ـ إلا أن «جيفرسن» لم يكن منتمياً إلى كنيسة، ومن ثمَّ يحسبه الباحثون ـ غالباً ـ بين الفلاسفة لا بين المتدينين، ونحن سوف نتسامح في هذا الشرط عند ذكر رؤساء أمريكا من الموحدين عما قليل.
في سنة 1825م أسست المنظمة الموحدية في أمريكا، ثم أسس المجمع الوطني للموحدين في سنة 1865م، ولم تزل الحركة في صعود مستمر ـ لا سيما بين الطبقة المثقفة ـ حتى بلغ الذروة في تولي أحد الموحدين وهو (وليام تافت) رئاسة الولايات المتحدة، وأعقب ذلك تولِّيه رئاسة الكنيسة الموحدية سنة 1917م.
وآخر المشهورين من السياسيين الموحدين هو «ادلاي ستيفنس» المرشح الرياسي الذي كان وزيراً في حكومة جون كندي ـ الرئيس الكاثوليكي الوحيد للولايات المتحدة ـ وقد توفي سنة 1965م ولم ينجح في أن يصبح رئيساً.
إنه باسترجاع مرحلة تأسيس أمريكا يجدر القول بأن المسلمين بسبب تخلفهم الديني والحضاري حينئذ، قد فوَّتوا فرصة عظيمة حيث كانت الدولة الأمريكية الناشئة مهيأة لاعتناق التوحيد الحقيقي، والدخول في دين الإسلام، وإن شئت فقل: إنه كان يمكن أن يكون للمسلمين مكانة كبرى في ذلك المجتمع الجديد، لو أن الأمة والدعوة في ذلك الحين كانت في حال أفضل.
واقع الحركة الموحدية في أمريكا اليوم:
يمكن إيجاز الواقع في العقود الأخيرة بأنه انتشار للعقيدة وانتكاسة للكنيسة. أما العقيدة ذاتها (أي إنكار التثليث أو إنكار ألوهية المسيح) فقد تنامت حتى يمكن القول إنها عقيدة الأغلبية في أمريكا هذه الأيام، وفقاً لاستبانات كثيرة لا مجال للتفصيل فيها. وأما الكنيسة فقد تقلصت، بل انتكست ـ مع أن تقديراتها تقول إن لها زهاء ألف معبد ينتمي إليها حوالي 160ألف عضو ـ وانحرف كثير من أتباعها انحرافاً خطيراً؛ وذلك أن الغليان الفكري والاجتماعي في أمريكا لدى جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، أدى إلى ظهور موجة من التحلل والتفسخ والانقسامات الدينية الحادة والحركات المتطرفة، وشمل ذلك الكنيسة الموحِّدية التي تحولت تحولاً كبيراً إلى الاتجاه الليبرالي، واتخذت خطوة بعيدة بتوحدها مع «كنيسة الخلاص للجميع» «اليونيفرسالية»، وهي كنيسة تدعي التوحيد أسست سنة 1793م، والواقع أنها لا تؤمن بالتثليث، لكنها تؤمن بعقيدة الخلاص للجميع. ومع تنامي موجة التحرر والانحلال، تحوّلت هذه العقيدة إلى إقرار عام لجميع الأديان والأفكار، وكان الاندماج بين الكنيستين سنة 1961م، ومن ثم بدأت مسيرة الذوبان مع كنائس كثيرة في بوتقة الليبرالية الحديثة التي تشمل تنوعاً مدهشاً من العقائد الشرقية والغربية تعطي برهاناً ساطعاً على حاجة هذه الأمة إلى الدين الصحيح، وتلقي على كاهل المسلمين واجباً عظيماً في إنقاذ هؤلاء الحيارى في مجتمع يظل ـ بغض النظر عن مواقف حكومته ـ من أكثر مجتمعات العالم تقبلاً للإسلام وإقبالاً على التعرف عليه، ومما يزيد ذلك توكيداً أن الاتجاه المقابل للاتجاه الليبرالي ـ ونعني به الاتجاه الأصولي الصهيوني ـ قد أخذ في التقهقر، وقد يسقط سقوطاً سريعاً في حالة إخفاق (جورج دبليو بوش) في الفوز بالرئاسة ثانية، وهو احتمال وارد بعد تورطه في الحرب الصليبية المسماة «الحرب على الإرهاب» وما تضمنته من فضائح أخلاقية وإخفاقات سياسية وعسكرية أسهمت في كشف الوجه القبيح لأمريكا على المستوى العالمي.
إنها لمفارقة عجيبة أن تؤسَّس أمريكا لتكون تنويرية توحيدية، وينتهي بها الأمر لتكون إنجيلية صهيونية صليبية، ولكن هذا التحوّل البعيد ينبغي أن يفتح باب الأمل لأمة التوحيد الحقيقي لأن تجتهد في تحويلها إلى أمة مسلمة تعبد الله وحده لا شريك له، وتتخلى عن الغطرسة والاستكبار لتصبح أمة عدل وسلام؛ وذلك لا يكون إلا بالإسلام.
الرؤساء الأمريكيون الموحدون:
1 - الرئيس الثاني «جون آدمز» تولى الرئاسة ما بين عامي 1797 ـ 1801م وإليه تنسب معاهدة طرابلس مع الرئيس الأول «جورج واشنطن» التي نفى فيها أن تكون الجمهورية الأمريكية الحديثة ـ حينئذٍ ـ دولة نصرانية، وعليه فهي ليست معادية للإسلام بأي وجه من الوجوه.
2 - الرئيس الثالث «توماس جفرسُن» تولى الرئاسة ما بين عامي 1801م ـ 1809م وكتب الإنجيل المعدل عام 1804م، وقد كان نائباً للرئيس الثاني «جون آدمز» وهو أكثر المؤسسين أثراً في تكوين الفكر الأمريكي، وكان «جيمس ماديسون» المشهور بأبي الدستور الأمريكي متأثراً بفكره، وقد عينه وزيراً في حكومته، ثم خليفة له في الحكم.
3 - الرئيس السادس «جون قوينسي آدمز» تولى الرئاسة ما بين عامي 1825م ـ 1829م وهو ابن الرئيس الثاني.
4 - الرئيس الثالث عشر «ميلارد فلمور» تولى الرئاسة ما بين عامي1850م ـ 1853م.
5 - الرئيس السابع والعشرون «وليام تافت» تولى الرئاسة ما بين عامي 1909م ـ 1913م وهو الذي ترأس الكنيسة الموحدية عام 1917م توفي عام 1930م.
الموحدون في العالم:
خارج الولايات المتحدة ورومانيا توجد أقليات منتمية إلى كنيسة التوحيد في بلاد كثيرة أهمها جمهورية التشيك، وهنغاريا، والهند، والفلبين، وألمانيا، ونيجيريا، وكندا، وإيرلندا، وإسكندنافيا.
على أنه ينبغي أن يُعْلم أن الذين لا يؤمنون بالتثليث ولا يعتقدون ألوهية المسيح ولا يجمعهم الانتماء إلى هذه الكنيسة هم أكثر عدداً، وهم ينتشرون في هذه الدول وغيرها منتسبين إلى كنائس أخرى أو متحررين من أي نسبة. وهم منجم خصب للدعوة إلى الله، وسيظل هؤلاء جميعاً برهاناً ساطعاً على أن الإسلام هو دين الفطرة، وأن وعد الله ـ تعالى ـ بإظهاره حق. {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].
(منقول من مجلة البيان)]؛ انتهى كذا من أرشيف منتدى أهل الحديث.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 07-25-2012, 01:51 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

[align=justify]
الرد على الرد الثاني للأستاذ المسعري :
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
يا أستاذ المسعري هداك الله : أنا سألتك أسئلة عما جاء في كتابك لأستوضح منك بعض الأمور حتى لا تقول لي فهمتَ كلامي خطأ ، ولكنك مع الأسف لم تجب على هذه الأسئلة الاستيضاحية لكلامك بحجة أنها لا تتفق مع شروط المناظرة في منتداكم والتي لم تأت بدليل شرعي عليها لحد الآن ، واتهمتني بالوسوسة والهوس . ولم أقف على هذا الاتهام الباطل الذي لا يستند إلا لهوى وغاية في النفس . مع علمي - بسبب طبيعة وظيفتي ودراستي للطب - أنني لو سألتك عن معنى الوسوسة والهوس من الناحية العلمية وكيف تُشخَّص وثُبْت علمياً ، لما استطعت الإجابة على ذلك . ولا أريد أن أضع تشخيصي العلمي لحالتك النفسية عند قراءتك الأسئلة حتى لا أشخصن المسائل وحتى لا أبتعد عن الهدف من حواري معك والذي هو بداية بيان الحق لك وإرشادك لطريق الهداية والحق أنت ومن تبعك من المقلدة المؤجرين عقولهم لك . وتجاوزت مسألة عدم جوابك على الأسئلة بعد ذكر مثالين يدلان على أن طرح الأسئلة أثناء الحوار على المخالف لاستيضاح كلامه ولبيان تناقضه في فكره لا تخالف قواعد المناظرة العلمية ، بل هي طريقة علمية ثابتة استعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده فطاحل العلماء في حواراتهم . ولكن للهروب من الجواب على الأسئلة جاء الإصرار على شرط الالتزام بقواعد المناظرة التي وضعت في منتداكم والتي لم يوضع لها أي دليل شرعي . فتجاوزت الأمر وبدأت ببيان ما في الكتاب من أخطاء عقدية لأنها الأهم من كل هذا . وتم كتابة ردين على ما جاء من أخطاء في الكتاب ، وانتظرت الرد حتى أتابع بقية الردود وبيان الأخطاء الشنيعة في العقيدة التي احتواها الكتاب . فجاء ردَّك بعد زمن طويل أدهشني ما فيه من كلام وتطويل وإسهاب مُمِل للقارئ لا حاجة له في بيان أمور ليست في صلب الموضوع ، وواضح أن الهدف من هذا الإسهاب والتطويل وكثرة النقولات هو عرض العضلات قبل دخول الصراع والقتال والمناطحة .
وكانت بداية ردك يا أستاذ المسعري أن قلتَ : " سررت جداً عندما ساق الأستاذ ضياء الدين القدسي روايته لقصة حصين بن عمران الخزاعي التي نسبها إلى البيهقي ، ونص على حسن إسنادها ، لأن المشهور هو قصة عتبة بن ربيعة المذكورة في أسباب النزول ، وكذلك مجادلة نفر من صناديد قريش له بألفاظ مشابهة. "
ثم بدأت تذكر قصة عتبة بن ربيعة بإسهاب بجميع رواياتها وبلغ ما كتبته عن هذه القصة أكثر من تسع صفحات وكأن الحوار بيننا يدور حولها والخلاف فيها وحول سندها وصحته ، مع أنني لم استشهد بها مطلقاً . فما الداعي لكل هذا الحشو وكثرة الكلام في غير موضعه ؟
ولولا عدم رغبتي بأن ينحرف الحوار لشخصت - كطبيب مختص - حالتك هذه وفعلتك.
ثم بعد أن أنهيتَ قصة عتبة بن ربيعة قلتَ : " أما مجادلة الحصين الخزاعي ، والد عمران بن حصين ، رضي الله عنهما ، قلم أجد نص الأستاذ ضياء الدين القدسي بعد طول بحث ، ولكني وجدت التالي: "
وبدأت تذكر الروايات لقصة الحصين الخزاعي بإسهاب مُمِل للقارئ بلغ أكثر من عشرة صفحات . بعدها قلت : " هذا كله فيما يتعلق بالمثال الأول للأستاذ ضياء القدسي فيما يتعلق بالإسناد ولفظ الخبر ، ولم نجد اللفظ الذي ذكره منسوباً إلى البيهقي ، ولا الإسناد الذي حسنه ( هو ، أو البيهقي ، أو صاحب الكتاب الذي اقتبس كلام البيهقي ) ؛فهذا دليل أول على أن الأستاذ ضياء القدسي لم يطلب العلم كما ينبغي . "

أقول ( ضياء الدين ) : عندما استشهدتُ بقصة الحصين الخزاعي ذكرت في بدايتها أن القصة رواها البيهقي وغيره بسند حسن ولكن كلمة ( وغيره ) سقطت ، فالقصة
رواها البيهقي وغيره بسند حسن لهذا يصح الاستشهاد بها . وكون البيهقي لم يذكر تفاصيلها مع ذكره القصة وذكر غيره تفاصيلها لا يعني أن أصل القصة غير موجودة عنده .
وأنت نفسك ذكرت بعض الروايات للقصة بالتفصيل الذي ذكرته أنا ومن هذه الروايات :
أخرج الإمام بن خزيمة (وهو: أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري (المتوفى: 311هـ)] في كتاب التوحيد لابن خزيمة (1/277): [حَدَّثَنَا رَجَاءُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُذْرِيُّ، قَالَ: حدثنا عِمْرَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ طَلِيقِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ قُرَيْشًا جَاءَتْ إِلَى الْحُصَيْنِ، وَكَانَتْ تُعَظِّمُهُ،فَقَالُوا لَهُ: كَلِّمْ لَنَا هَذَا الرَّجُلَ، فَإِنَّهُ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا وَيَسِبُّهُمْ ، فَجَاءُوا مَعَهُ حَتَّى جَلَسُوا قَرِيبًا مِنْ بَابِ النَّبِيِّ ، صلى الله عليه وسلم ، وَدَخَلَ الْحُصَيْنُ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ»، وَعِمْرَانُ وَأَصْحَابُهُ مُتَوَافِدُونَ ، فَقَالَ حُصَيْنٌ : مَا هَذَا الَّذِي يَبْلُغْنَا عَنْكَ ، إِنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَتَذْكُرُهُمْ ، وَقَدْ كَانَ أَبُوكَ جَفْنَةً وَخُبْزاً فَقَالَ : « يَا حُصَيْنُ ، إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ ، يَا حُصَيْنُ ، كَمْ إِلَهًا تَعْبُدُ الْيَوْمَ ؟ » قَالَ : سَبْعَةً فِي الْأَرْضِ ، وَإِلَهًا فِي السَّمَاءِ ، قَالَ : « فَإِذَا أَصَابَكَ الضُّرُّ مَنْ تَدْعُو ؟ » قَالَ : الَّذِي فِي السَّمَاءِ ، قَالَ: فَإِذَا هَلَكَ الْمَالُ مَنْ تَدْعُو ؟ " قَالَ : الَّذِي فِي السَّمَاءِ ، قَالَ : « فَيَسْتَجِيبُ لَكَ وَحْدَهُ ، وَتُشْرِكُهُمْ مَعَهُ ؟» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَقَدْ أَمْلَيْتُهُ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ]
ــوهو في إثبات صفة العلو - ابن قدامة (ص:75/5): [أَخْبَرَنَا أَبُوالْفَتْحِ (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ) أَنْبَأَ (أَبُو الْفَضْلِ) أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خَيْرُونَ، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ، أَنْبَأ َأَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحْمُدِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ أَنْبَأَ أَبُو يَحْيَى عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ ( بْنِ زِيَادٍ ) الدير عاقولي حدثَنَا رَجَاءُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ، حدثَنَا عِمْرَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ طَلِيقٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ إِلَى الْحُصَيْنِ أبي عِمْرَانَ، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا،فَنَحْنُ نُحِبُّ أَنْ تُكَلِّمَهُ وَتَعِظَهُ، فَمَشَوْا مَعَهُ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ بَابِ النَّبِيِّ ، صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: فَجَلَسُوا وَدَخَلَ حُصَيْنٌ ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ ،فَأَوْسَعُوا لَهُ ، وَعِمْرَانُ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ ، صلى الله عليه وسلم ، مُتَوَافِرُونَ ، فَقَالَ حُصَيْنٌ : مَا هَذَا الَّذِي يَبْلُغُنَا عَنْكَ أَنَّكَ تَشْتِمُ آلِهَتَنَا وَتَذْكُرُهُمْ ، وَقَدْ كَانَ أَبُوكَ جَفْنَةً وَخُبْزًا . فَقَالَ: (إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ)، يَا حُصَيْنُ كَمْ إِلَهًا تَعْبُدُ الْيَوْمَ ؟ قَالَ : سَبْعَةً فِي الأَرْضِ وَإِلَهًا فِي السَّمَاءِ. قَالَ: فَإِذَا أَصَابَكَ الضِّيقُ فَمَنْ تَدْعُو؟ قَالَ : الَّذِي فِي السَّمَاء ِ، قَالَ: فَإِذَا هَلَكَ الْمَالُ فَمَنْ تَدْعُو ؟ قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ . قَالَ: فَيَسْتَجِيبُ لَكَ وَحْدَهُ وَتُشْرِكُهُمْ مَعَهُ؟! قَالَ: أَمَا (رَضِيتَهُ) أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ، أَوَ تَخَافُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَيْكَ ؟ قَالَ: لَا وَاحِدَةً مِنْ هَاتَيْنِ ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَمْ أُكَلِّمْ مِثْلَهُ.. "

وأخرجه الإمام الذهبي في العلو للعلي الغفار (ص:24/43): [أَخْبَرَنَا الْقَاضِي تَاج الدّين بن عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَبْدِ السَّلام ِببعلبك أخبرنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ سنة إِحْدَى عشر وسِتمِائَة أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْحَاجِبُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ الْقَطَّانُ حَدثنَا عبد الْكَرِيم الديرعاقولي حَدثنَا رَجَاء بن مرجا الْبَصْرِيّ حَدثنَا عِمْرَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ طُلَيْقٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ إِلَى حُصَيْنٍ وَالِدِ عِمْرَانَ فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا فَنُحِبُّ أَنْ تُكَلِّمَهُ وَتَعِظَهُ فَمَشَوْا مَعَهُ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ بَابِ النَّبِيِّ ، صلى الله عليه وسلم، فَجَلَسُوا وَدَخَلَ حُصَيْنٌ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ ؛ فَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي يبلغنَا عَنْكَ إِنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَتَذْكُرُهُمْ وَقَدْكَانَ أَبُوكَ جَفْنَةً وَخُبْزًا ؛ فَقَالَ إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ إِلَهًا الْيَوْمَ قَالَ سَبْعَةً فِي الأَرْضِ وَإِلَهًا فِي السَّمَاءِ ؛ قَالَ فَإِذَا أَصَابَكَ الضِّيقُ فَمَنْ تَدْعُو قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ ؛ قَالَ فَإِذَا هَلَكَ الْمَالُ فَمَنْ تَدْعُو قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ؛ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ "
أقول ( ضياء الدين ) : فالرواية التي ذكرتها لك جمعت في طياتها أكثر من رواية ، المهم أن القصة موجودة وسندها حسن بمجموع رواياتها ويصح الاستشهاد بها وهي دليل عليك لا لك . فهذه الروايات تُثبت أن طريقة طرح السؤال في الحوار طريقة شرعية فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي كافية لوحدها لإثبات بطلان قولك وشروطك للمناظرة وما اعترضت عليه من طرحي للأسئلة عليك . وهذا الإثبات لا يلغيه كون الرواية لم تذكر عند البيهقي بهذا التفصيل ، المهم أن أصل القصة موجود عند البيهقي والمتن الذي ذكر موجود في رواياتها المتعددة في المصادر الأخرى لهذا وجه الإستدلال بها صحيح وهذا ما يهمنا هنا الآن .
أما ما ذكر عند البيهقي فهو كما يلي :
جاء في الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 329) :

وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ ، ثنا سَهْلٌ ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي حُصَيْنٍ: «كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ مِنْ إِلَهٍ ؟ » قَالَ : سَبْعَةً : سِتَّةٌ فِي الْأَرْضِ ، وَوَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ. قَالَ : فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَهْبَتِكَ وَلِرَغْبَتِكَ ؟ قَالَ : الَّذِي فِي السَّمَاءِ. قَالَ : أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ. قَالَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَلِّمْنِي الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِيهِمَا. قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلِ
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « قُلِ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَعَافِنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي» ." اهـ


قولك : " وحتى لو سلمنا باللفظ ، كما ذكره ، وبصحة الخبر ، كما زعمه ، فهو حجة عليه لا له ؛ لأن الخبر ، والأخبار الأخرى المشابهة ، هي قصص جدال ولجاجة قوم معاندين ، وليس هو مناظرة بأصولها المعلومة. "


أقول ( ضياء الدين ) : لا أدري بأي فهم أصبح المتن حجة علي لا لي ؟!
فالمتن قد ثبت بأكثر من رواية ويفيد أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد استعمل أسلوب طرح الأسئلة على المخالف لبيان تناقضه وبطلال اعتقاده . فكيف يقال عن هذا الأسلوب بأنه مخالف لقواعد المناظرة الصحيحة ؟!
والقصة التي استشهدتُ بها على بطلان شروطك للحوار هي قصة حصين بن عمران وليس قصة عتبة بن ربيعة التي حشوتَها في الحوار وأسهبْتَ في ذكر رواياتها بأكثر من عشرة صفحات . فقصة حصين بن عمران ليس فيها جدال ولجاج قوم معاندين ، بل قد أسلم في نهايتها حصين بن عمران بعد أن تبين له سفاهة عقله وتناقضه وبطلان معتقدة عندما عجز عن الجواب عمَّا طرح عليه من أسئلة .
وحتى قصة عتبة بن ربيعة التي حشوتها في الحوار ليست دليلاً لك كما تقول بل هي دليل لي . فهل كون القصة تدل على جدال ولجاج قوم معاندين يلغي استعمال الرسول صلى الله عليه وسلم معهم أسلوب السؤال لبيان تناقضهم في ما يعتقدونه ؟!
ألم يثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقضهم وباطلهم بطريقة طرح السؤال عليهم ؟!
لا شك أن الجواب سيكون - ممن يفهم القصة - نعم . وبهذا يصح الاستشهاد بها أيضاً على بطلان شروط المناظرة التي وضعتها .

قولك : ولعلك تتأمل كلام ابن كثير: وَهَذَا الْمَجْلِسُ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمَلَأُ مَجْلِسُ ظُلْمٍ وَعُدْوَانٍ وعناد ، وَلِهَذَا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ وَالرَّحْمَةُ الرَّبَّانِيَّةُ أَلَّا يُجَابُوا إِلَى مَا سَأَلُوا ، لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ فَيُعَاجِلُهُمْ بِالْعَذَابِ (.

أقول ( ضياء الدين ) : أنا استشهدتُ بحوار رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الحصين ، والمتن الذي استشهدتُ به وأنت قد أثبته في أكثر من رواية ثبت فيه أن الرسول عليه الصلاة والسلام استقبل الحصين استقبالاً جيداً وأكرمه بأمر الصحابة بتوسيع المكان له بقوله صلى الله عليه وسلم : " « أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ » "
فليس هو مجلس ظلم وعدوان وعناد كما تقول ، بل الحصين جاء لعند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقنعه بترك ما هو عليه من سب آلهة قريش وتضليل آبائهم .
فاستعمل معه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلوب طرح الأسئلة عليه ليثبت له تناقضه في ما يعتقد ، فكانت النتيجة أن بان للحصين تناقضه وفساد معتقده ، فأسلم وترك معتقده الباطل . ولو أجبتني على أسئلتي التي سألتك إياها لبان مدى تناقضك فيما كتبته في كتابك ولكنك أحجمت عن الإجابة بحجة مخالفتها لشروط المناظرة التي وضعتها بدون أدنا دليل عليها .
فابن كثير لم يصف مجلس الحصين الذي استشهدتُ به على بطلان شروطك للمناظرة بأنه " مَجْلِسُ ظُلْمٍ وَعُدْوَانٍ وعناد " بل المجلس الذي وصفه ابن كثير بأنه " مَجْلِسُ ظُلْمٍ وَعُدْوَانٍ وعناد " هو المجلس الذي طلب فيه المشركون من رسول الله صلى الله عليه وسلم مطالب تعجيزية علم الله أنه لو أجابهم ما آمنوا ولاستحقوا العذاب بعد ذلك مباشرة ، لهذا لم يجبهم رحمة بهم . لهذا قال ابن كثير : " وَلِهَذَا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُالْإِلَهِيَّةُ وَالرَّحْمَةُ الرَّبَّانِيَّةُ أَلَّا يُجَابُوا إِلَى مَاسَأَلُوا ، لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِذَلِكَفَيُعَاجِلُهُمْ بِالْعَذَابِ "
فلا تخلط بين المسائل هداك الله .


قولك : " فالأستاذ ضياء القدسي لا يميز بين اللجاج والمجادلة من جانب والمناظرة من جانب آخر . فهذا دليل ثاني على أن الأستاذ ضياء القدسي لم يطلب العلم كما ينبغي" .


أقول ( ضياء الدين ) : ما هو دليلك على أنني لا أميز بين اللجاج والمناظرة ؟ أم هي عادتك بالاتهام بدون أدنى دليل ؟
وما علاقة اللجاج والمجادلة في ما سألتك به ؟
هل استفساري منك عن بعض ما جاء في كتابك قبل أن أجيبك لجاج ومجادلة ؟! سبحانك ربي !
على كلٍ سوف لا أنساق مع هذه الترهات والكلام العاري عن الأدلة وسوف لا أنزل لمثل هذا المستوى .


قولك : ومن حقنا نطبق المثال الأول كما ذكره بحذافيره ، على حالنا فنقول : نحن لم نأت إليك ، بل أنت الذيإلينا جئت مجادلاً فحالك كحال حصين الخزاعي ، فمن حقنا أن نلوذ بالصمت ، كما فعل سيديأبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العدناني ، رسول الله ،وخاتم النبيين ، حتى تفرغ من كلامك وجدالك ولجاجك ، ثم نقول : إقرأ كتابنا (كتاب التوحيد) قراءة هضم واستيعاب ونقد ؛ فإن فعلت : أفدناك ، بإذن الله ، فوائد أخرى تنفعفي الدنيا والآخرة. فهذا دليل ثالث على أن الأستاذ ضياءالقدسي لم يطلب العلم كما ينبغي.


أقول ( ضياء الدين ) : الظاهر أنك نسيت المثال الأول الذي استشهدتُ به على فساد شروطك للمناظرة وما زلتَ على ضلالك بأن كلام ابن كثير فيه ، ولقد بينت لك عمن تحدث ابن كثير رحمه الله ولماذا تحدث فانتبه هداك الله .
أما أن تطبق كلام ابن كثير على نفسك وتشبه وضعك بوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجعلني مثل صناديد قريش فهذا والله من العجب العجاب .
فهل أنا سألتكَ أسئلة تعجيزية اقتضت الحكمة الإلهية والرحمة الربانية أن لا تجبني لما طلبته منك لأن الله علم وأخبرك أنك إن أجبتني عليها لم أقبلها لهذا سوف يعاجلني الله بالعذاب ؟
يا رجل ما هذا الوضع الذي وضعت نفسك فيه ؟ ألا تتق الله وتدعو بالدعاء الذي علمه رسول الله للحصين بعدما أسلم فتقول : " اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَعَافِنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي "
يا رجل أسئلتي لك كانت استفساراً عمَّا جاء في كتابك فكيف تُشبه أسئلتي بما طلبه صناديد قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
ثم تقول بعدها متفاخراً لتُفرح أتباعك : " فهذا دليل ثالث على أن الأستاذ ضياءالقدسي لم يطلب العلم كما ينبغي.
سبحانك ربي !!
يا رجل ، القصة التي استشهدتُ بها على بطلان شروطك كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يسأل والمشرك هو من كان يجيب ، فلا سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا امتنع المشرك عن الإجابة . وكانت نتيجة هذه الأسئلة أن عرف المسئول بطلان عقيدته وتناقضه فدخل الإسلام .
ثم هل حدث في تاريخ دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أن سأله أحد عن معنى شيء في القرآن الكريم ولم يجبه ؟! أو سأله عن معنى كلام له قاله وامتنع عن الإجابة ؟
كل أسئلتي لك كانت لاستيضاح كلامك في كتابك فكيف تسمي هذا جدالاً ولجاحاً لا يستحق الجواب عليه ؟!
أما قولك : " ثم نقول : إقرأ كتابنا (كتاب التوحيد) قراءة هضم واستيعاب ونقد "
فأقول لك : اعلم أنني قرأت كتابك أكثر من مرة قراءة هضم واستيعاب ونقد ، فوجدت فيه الشرك الصريح والضلال المبين والتناقض العجيب ، وسوف يأتيك بيان ذلك مفصلاً بعون الله ، فلا تَحْرف مسار الحوار وتُشتت القارئ وتُسئمه بالتكثير من النقولات التي ليست لها علاقة بموضوع الحوار لتظهر للقارئ أنك مُطلع ، مع أن ما تفعله هو بحث ثم قص ولصق لا يعجز عنه أحد . فأنصحك أن تركز في نقدني لكتابك وتترك الكِبْر والتعالي والإعجاب بالنفس وتبتعد عن أسلوب التجهيل والتصغير في محاورك والطعن في علمه ، فهذا الأسلوب لا يعجز عنه أحد بدون دليل .


قولك : أما المثال الثاني : فقد اقتبسه من مصدر ثانوي ، كعادته ، من غير ذكر المصدر ، وهو مع ذلك ناقص . ولو أنه رجع إلى المكتبة الإلكترونية الشاملة لما احتاج إلا إلى بضع دقائق للقص واللزق ، وسويعات لمراجعة أقوال الأئمة في إسناد القصة وثبوتها . فهذا دليل رابع على أن الأستاذ ضياء القدسي لم يطلب العلم كما ينبغي.


أقول ( ضياء الدين ) : مصدر الرواية تم ذكره وهو " تاريخ بغداد "للخطـيب البغدادي وهذا يكفي في مثل هذا الحوار . وقد قال عنها الإمام الذهبي [هَذِهِ قِصَّةٌ مَلِيْحَةٌ ، وَإِنْ كَانَ فِي طَرِيْقِهَا مَنْ يُجهَلُ ، وَلَهَا شَاهدٌ ] . فهي قصة مَلِيْحَةٌ لها شاهد قد ذكره الإمام الذهبي ، فهي إذن تصلح للاستئناس بها حتى ولو كان في طريقها من يُجهل لأن لها شاهد . ولم يكن دليلي على بطلان شروطك هذه القصة فقط . ولا أريد أن أتكلم في هذا أكثر من ذلك حتى لا ننحرف عن موضوع الحوار ، فقد تجاوزت هذه المسألة .

يتبع إن شاء الله
[/align]

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 07-25-2012, 02:33 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

[align=justify]
تكملة 1 الرد على الرد الثاني للمسعري
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

قولك : ثم أضاف الأستاذ ضياء القدسي بحثاً عن ( التبني ) ، صال فيه وجال ، مسيئاً لفهم كلامنا كعادته. يقول الأستاذ ضياء القدسي: [ لا يمكن أن يفهم من كلام الأستاذ المسعري أن الذي يكفر بعد نزول القرآن هو الذي يعتقد « التبني » بمعنى « الاصطفاء » لأن من يعتقد أن الله اصطفى عيسى عليه السلام وجميع الأنبياء لا يكفر حتى بعد نزول القرآن. ولا يوجد في القرآن الكريم آية تمنع استعمال كلمة ابن بمعنى الاصطفاء حتى نحكم على من ينكرها بالكفر ؟؟!
بل جاء في القرآن الكريم أن اليهود والنصارى ادعوا أنهم أبناء الله ، قال تعالى عنهم : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}، (المائدة: 18). أقول: لا يفهم من إدعائهم أنهم أبناء الله ، أنهم أبناؤه على الحقيقة ، لأنه لا أحد من اليهود والنصارى يعتقد ذلك ،ولكنهم قصدوا [أصفياؤه]، لهذا لم يُكذَّبوا على أنهم ادعوا البنوة الحقيقية لله ولم يكفروا لهذا القول ، لأنهم لم يكونوا يدعون أنهم أبناء الله على الحقيقة. وإنما كُذبوا على أنهم أصفياء الله وأحباؤه ، بقوله تعالى : {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم ْبِذُنُوبِكُمْ }، فالحبيب لا يعذب حبيبه ولا صفيه] انتهى كلام الأستاذ ضياء القدسي.
قلت: بل توجد آيات مكية كثيرة تنكر على من نسب إلى الله الولد ، وعلى الذين خرقوا له بنين وبنات بغير علم ،... إلخ.

أقول ( ضياء الدين ) : بداية أين أسأت فهم كلامك حتى تقول : " مسيئاً لفهم كلامنا كعادته " ؟
ثم أين هذه الآيات المكية التي تُنكر على من نسب إلى الله الولد بمعنى الاصطفاء وتُكَفِّر من نسب ذلك لله ؟
أتحداك أن تأتي بآية واحدة تُنكر على من استعمل كلمة ابن لله بمعنى الاصطفاء بحق عيسى عليه السلام وتكفره على ذلك .
تقول : بل توجد آيات مكية كثيرة تنكر على من نسب إلى الله الولد ، وعلى الذين خرقوا له بنين وبنات بغير علم ،... إلخ.
ولا تأتي بمثال واحد ، بينما نراك تسهب وتطيل وتملأ الصفحات الطوال في ذكر الروايات عن قصة عتبة بن ربيعة وقصة حصين بن عمران الخزاعي من غير حاجة لذلك سوى عرض العضلات .
يا رجل يا من طلبت العلم كما ينبغي ، اعلم أن جميع الآيات التي تُنكر نسبة الابن إلى الله تُنكر النسبة الحقيقية وليس بمعنى الاصطفاء . وإليك بعضها :
قوله تعالى فيمن خرقوا له بنين وبنات بغير علم والتي ذكرتها أنت كمثال على نسبة الولد بمعنى الاصطفاء وهي ليست كذلك : " وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ . بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ . (الأنعام : 100-101)
نسبة البنين والبنات هنا لله نسبة بنوة حقيقية وليست بمعنى الاصطفاء كما تعتقد . والآية التي جاءت بعدها لأكبر دليل على ذلك فقد قال الله سبحانه بعدها : " بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ."
فلا يقول بأن المقصود هنا في الآية بنوة الاصطفاء إلا جاهل متعالم لا يفهم أبسط كلام الله .
جاء في تفسير ابن كثير لهذه الآية :
" وقوله تعالى: {وخرقوا له بنين وبنات بغير علم} ينبه به تعالى عن ضلال من ضل , في وصفه تعالى بأن له ولداً كما يزعم من قاله من اليهود في عزير , ومن قال من النصارى في عيسى , ومن قال من مشركي العرب في الملائكة , إنها بنات الله تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً ومعنى وخرقوا أي اختلقوا وائتفكوا وتخرصوا وكذبوا , كما قاله علماء السلف: قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: وخرقوا يعني تخرصوا, وقال العوفي عنه {وخرقوا له بنين وبنات بغير علم} قال كذبوا وكذا قال الحسن, وقال الضحاك , وضعوا, وقال السدي قطعوا , قال ابن جرير: وتأويله إذاً وجعلوا لله الجن شركاء في عبادتهم إياهم , وهو المنفرد بخلقهم بغير شريك ولا معين ولا ظهير , {وخرقوا له بنين وبنات بغير علم} بحقيقة ما يقولون , ولكن جهلاً بالله وبعظمته, فإنه لا ينبغي لمن كان إلهاً, أن يكون له بنون وبنات, ولا صاحبة , ولا أن يشركه في خلقه شريك, ولهذا قال {سبحانه وتعالى عما يصفون} أي تقدس وتنزه وتعاظم , عما يصفه هؤلاء الجهلة الضالون, من الأولاد والأنداد والنظراء والشركاء." أهـ
وقال تعالى : " وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا . لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا . تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا . أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا . وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا . إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا " (مريم 88-93)
أيضا هنا المقصود هو اتخاذ البنوة الحقيقية وليس البنوة بمعنى الاصطفاء .
وقال تعالى : " أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا " (الإسراء : 40)
أيضا المقصود هنا من إتخاذ الملائكة إناثاً البنوة الحقيقية وليس البنوة بمعنى الاصطفاء .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية :
" ( أَفَأَصْفَاكُمْ رَبّكُم بِالْبَنِينَ وَاتّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثاً إِنّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً )
يقول تعالى راداً على المشركين الكاذبين الزاعمين, عليهم لعائن الله : أن الملائكة بنات الله, فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً, ثم ادعوا أنهم بنات الله , ثم عبدوهم فأخطئوا في كل من المقامات الثلاث خطأ عظيماً, فقال تعالى منكراً عليهم { أفأصفاكم ربكم بالبنين} أي خصصكم بالذكور {واتخذ من الملائكة إناثاً} أي واختار لنفسه على زعمكم البنات, ثم شدد الإنكار عليهم فقال : {إنكم لتقولون قولاً عظيماً} أي في زعمكم أن لله ولداً, ثم جعلكم ولده الإناث التي تأنفون أن يكن لكم وربما قتلتموهن بالوأد, فتلك إداً قسمة ضيزى , وقال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً * لقد جئتم شيئاً إدّاً * تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً * أن دعوا للرحمن ولداً * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً * إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً, لقد أحصاهم وعدهم عداً * وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً}. " اهـ

قولك : والتبني نوع مخصوص من الاصطفاء ، وليس هو عين الاصطفاء ، وكان المتبنى يحمل اسم متبنيه ، وينتسب إليه، ويتوارثان، كابن الصلب تماماً، حتى نسخ هذا في السنة الخامسة للهجرة ، أو بعدها بنزول الآيات الشهيرة في سورة الأحزاب.
ومن أوضح ذلك قوله ، جل جلاله ، وسما مقامه : {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ * وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، (التوبة؛ 9: 29 - 31). فأنكر عليهم ذات التسمية : ( ابن الله)، وجعلها مضاهاة لقول الكفار السابقين ، فهي من أقوال الكفار ، ومن جرأتهم وقلة أدبهم الخبيثة في الكلام عن الله ، وأن كل ذك إفك وافتراء ، لذلك قال: ( قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}، ولم يزد ، ولم يذكر شركاً أو كفراً ؛ ثم شدَّد النكير ، وصعَّد التصنيف، فعقب بما هو كفر وشرك متيقن ، ألا وهو اتخاذ الأحبار والرهبان والمسيح بن مريم (أرباباً) من دون الله ، وحتى لا تبقى شبه في معنى الربوبية ها هنا، وأنها متلازمة مع الألوهية ، قال: {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّلِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، وفي هذا أيضاً بيان جلي أنهم خالفوا ما أمروا به من التوحيد .
ولعلنا نلاحظ أنه ، جل جلاله ، وسما مقامه ، لم يكرر ذكر عزير ، كما فعل بالنسبة للمسيح بن مريم ، صلوات الله وسلامه وتبريكاته عليه وعلى والدته ، مما يشعر بأن مقولة اليهود: (عزير ابن الله)، وإن تطابقت في اللفظ مع مقولة النصارى ، إلا أنها لا تعبر عن نفس المعتقد: فمقولة اليهود : إفك وافتراء ، ومضاهاة لقول الكفار السابقين ، فقط والله أعلم ، أما مقولة النصارى فهي كذلك ، وزيادة : تعبر عن اعتقاد معين جعل المسيح بن مريم إلاهاً ورباً من دون الله.

أقول ( ضياء الدين ) : إن كان وصف البنوة لعزير بمعنى الاصطفاء كما تعتقد فلماذا ينكرها الله عليهم ويعدها أفك ؟ وعزير أقل أحواله أنه رجل صالح اصطفاه الله بالرعاية الخاصة .
يا رجل يا من تدعي أنك طلبت العلم كما ينبغي ، اعلم أن المقصود بقوله تعالى : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُعُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ ) البنوة الحقيقية وعليه إجماع المفسرين قاطبة ، لأن هذا ما يفهمه كل من يعرف العربية ويعرف كيف يفهم الكلام ، ولم يقل بمثل قولك أحد من علماء المسلمين ومفسريهم ، إلا أن تدعي أنه قد نزل عليك وحي من السماء أخبرك بذلك عندما استخرت الله .
اعلم أنه كان هناك من اليهود مَن كان يعتقد بالبنوة الحقيقة لعزير كما يعتقدها النصارى في المسيح وهم من وصفوا في هذه الآية . لهذا وصفها الله في محكم كتابه بأنها أفك وضلال ولعنهم على هذا القول والاعتقاد حيث قال عز من قائل : " قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ " .
جاء في تفسير الطبري :
" اختلف أهل التأويل في القائل: عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ فقال بعضهم: كان ذلك رجلاً واحدا, هو فنحاص. ذكر من قال ذلك:
12986ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير, قوله: وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ, قال: قالها رجل واحد, قالوا: إن اسمه فنحاص, وقالوا: هو الذي قال: إنّ اللّهَ فَقِيرٌ ونَحنُ أغْنِياءُ.
وقال آخرون: بل كان ذلك قول جماعة منهم. ذكر من قال ذلك:
12987ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: حدثنا محمد بن إسحاق, قال: ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت, قال: ثني سعيد بن جبير أو عكرمة, عن ابن عباس, قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلامُ بن مشكم, ونعمان بن أوفى, وشاس بن قيس, ومالك بن الصيف, فقالوا: كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا, وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله ؟ فأنزل في ذلك من قولهم: وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقالَتِ النّصَارَى المَسِيحُ ابْنُ اللّهِ... إلى: أنّى يُؤْفَكُونَ.
12988ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وإنما قالوا: هو ابن الله من أجل أن عزيرا كان في أهل الكتاب وكانت التوراة عندهم يعملون بها ما شاء الله أن يعملوا, ثم أضاعوها وعملوا بغير الحقّ. وكان التابوت فيهم فلما رأى الله أنهم قد أضاعوا التوراة وعملوا بالأهواء, رفع الله عنهم التابوت, وأنساهم التوراة ونسخها من صدورهم, وأرسل الله عليهم مرضا, فاستطلقت بطونهم, حتى جعل الرجل يمشي كَبِدُه, حتى نسوا التوراة, ونسخت من صدورهم, وفيهم عزير. فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا بعد ما نسخت التوراة من صدورهم, وكان عزير قبل من علمائهم, فدعا عزير الله وابتهل إليه أن يردّ إليه الذي نسخ من صدره من التوراة. فبينما هو يصلي مبتهلاً إلى الله, نزل نور من الله فدخل جوفه, فعاد إليه الذي كان ذهب من جوفه من التوراة, فأذن في قومه فقال: يا قوم قد آتاني الله التوراة, وردّها إليّ فعلق يعلمهم, فمكثوا ما شاء الله وهو يعلمهم. ثم إن التابوت نزل بعد ذلك, وبعد ذهابه منهم فلما رأوا التابوت عرضوا ما كان فيه على الذي كان عزير يعلمهم, فوجدوه مثله, فقالوا: والله ما أوتي عزير هذا إلا أنه ابن الله.
12989ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ إنما قالت ذلك, لأنهم ظهرت عليهم العمالقة فقتلوهم, وأخذوا التوراة, وذهب علماؤهم الذين بقوا فدفنوا كتب التوراة في الجبال. وكان عزير غلاما يتعبد في رءوس الجبال لا ينزل إلا يوم عيد, فجعل الغلام يبكي ويقول: ربّ تركت بني إسرائيل بغير عالم فلم يزل يبكي حتى سقطت أشفار عينيه. فنزل مرّة إلى العيد فلما رجع إذا هو بامرأة قد مثلت له عند قبر من تلك القبور تبكي وتقول: يا مطعماه, ويا كاسياه فقال لها: ويحك, من كان يطعمك ويكسوك ويسقيك وينفعك قبل هذا الرجل؟ قالت: الله. قال: فإن الله حيّ لم يمت. قالت: يا عزير, فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل؟ قال: الله. قالت: فلم تبكي عليهم؟ فلما عرف أنه قد خُصِم ولى مدبرا, فدعته فقالت: يا عزير إذا أصبحت غدا فأت نهر كذا وكذا فاغتسل فيه, ثم اخرج فصلّ ركعتين, فإنه يأتيك شيخ فما أعطاك فخذه فلما أصبح, انطلق عزير إلى ذلك النهر, فاغتسل فيه, ثم خرج فصلى ركعتين, فجاءه الشيخ فقال: افتح فمك ففتح فمه, فألقى فيه شيئا كهيئة الجمرة العظيمة مجتمعا كهيئة القوارير ثلاث مرار. فرجع عزير وهو من أعلم الناس بالتوراة, فقال: يا بني إسرائيل, إني قد جئتكم بالتوراة. فقالوا يا عزير ما كنت كذّابا. فعمد فربط على كلّ أصبع له قلما, وكتب بأصابعه كلها, فكتب التوراة كلها. فلما رجع العلماء أخبروا بشأن عزير, فاستخرج أولئك العلماء كتبهم التي كانوا دفنوها من التوراة في الجبال, وكانت في خوابٍ مدفونة, فعارضوها بتوراة عزير فوجدوها مثلها, فقالوا: ما أعطاك الله هذا إلا أنك ابنه." اهـ
وجاء في تفسير القرطبي :
" قوله تعالى: "وقالت اليهود" هذا لفظ خرج على العموم ومعناه الخصوص ، لأن ليس كل اليهود قالوا ذلك. وهذا مثل قوله تعالى : " الذين قال لهم الناس" [آل عمران:173] ولم يقل ذلك كل الناس . وقيل: إن قائل ما حكى عن اليهود سلام بن مشكم ونعمان بن أبي أوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف، قالوه للنبي صلى الله عليه وسلم. قال النقاش: لم يبق يهودي يقولها بل انقرضوا فإذا قالها واحد فيتوجه أن تلزم الجماعة شنعة المقالة، لأجل نباهة القائل فيهم. وأقوال النبهاء أبدا مشهورة في الناس يحتج بها. فمن ههنا صح أن تقول الجماعة قول نبيهها. والله أعلم. وقد روي أن سبب ذلك القول أن اليهود قتلوا الأنبياء بعد موسى عليه السلام فرفع الله عنهم التوراة ومحاها من قلوبهم ، فخرج عزير يسيح في الأرض ، فأتاه جبريل فقال: (أين تذهب ) ؟ قال : أطلب العلم ، فعلمه التوراة كلها فجاء عزير بالتوراة إلى بني إسرائيل فعلمهم. وقيل : بل حفظها الله عزيرا كرامة منه له، فقال لبني إسرائيل: إن الله قد حفظني التوراة ، فجعلوا يدرسونها من عنده. وكانت التوراة مدفونة، كان دفنها علماؤهم حين أصابهم من الفتن والجلاء والمرض ما أصاب وقتل بختنصر إياهم. ثم إن التوراة المدفونة وجدت فإذا هي متساوية لما كان عزير يدرس فضلوا عند ذلك وقالوا: إن هذا لم يتهيأ لعزير إلا وهو ابن الله حكاه الطبري. وظاهر قول النصارى أن المسيح ابن الله، إنما أرادوا بنوة النسل كما قالت العرب في الملائكة. وكذلك يقتضي قول الضحاك والطبري وغيرهما. وهذا أشنع الكفر. قال أبو المعالي: أطبقت النصارى على أن المسيح إله وإنه ابن إله. قال ابن عطية: ويقال إن بعضهم يعتقدها بنوة حنو ورحمة. وهذا المعنى أيضا لا يحل أن تطلق البنوة عليه وهو كفر." أهـ
وجاء في تفسير ابن كثير :
" فأما اليهود فقالوا في العزير: إنه ابن الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .. "
ولولا خشية الإطالة لأتيتك بكلام كل المفسرين قاطبة مثبتاً لك أن المقصود من قوله تعالى ( وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ ) البنوة الحقيقية وليس كما فهمتها أنت بمعنى الاصطفاء .ولكن في نقلته كفاية لم أراد الحق .

قولك : وجعلها مضاهاة لقول الكفار السابقين ، فهي من أقوال الكفار ، ومن جرأتهم وقلة أدبهم الخبيثة في الكلام عن الله ، وأن كل ذك إفك وافتراء، لذلك قال: ( قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}، ولم يزد ، ولم يذكر شركاً أو كفراً .

أقول ( ضياء الدين ) : (يُضَاهِئُونَ ) يعني يشابهون يوافقون يواطئون . والمشابهة والموافقة بالشرك والكفر شرك وكفر .
جاء في تفسير البغوي لمعنى يضاهئون :
" يضاهئون "، قرأ عاصم بكسر الهاء مهموزا، والآخرون بضم الهاء غير مهموز، وهما لغتان يقال: ضاهيتة وضاهأته ، ومعناهما واحد. قال ابن عباس رضي الله عنه: يشابهون. والمضاهاة المشابهة. وقال مجاهد: يواطؤون. وقال الحسن : يوافقون ،"قول الذين كفروا من قبل " ، قال قتادة والسدي: ضاهت النصارى قول اليهود من قبل، فقالوا: المسيح ابن الله ، كما قالت اليهود عزير ابن الله ، وقال مجاهد : يضاهؤن قول المشركين من قبل الذين كانوا يقولون اللات والعزى ومناة بنات الله . وقال الحسن: شبه كفرهم بكفر الذين مضوا من الأمم الكافرة كما قال في مشركي العرب : "كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم " ( البقرة-188)." اهـ
وبهذا يظهر خطأ قولك : " مما يشعر بأن مقولة اليهود : ( عزير ابن الله ) ، وإن تطابقت في اللفظ مع مقولة النصارى ، إلا أنها لا تعبر عن نفس المعتقد "

قولك : فلعلنا إذاً نستخير الله ونقول:
أولاً: أن معتقد اليهود ، أو بعض فرق اليهود ، في عزير إنما هو بنوة (التبني) فقط ، وليس بنوة (الصلب) أي الانتماء إلى (العنصر، أو الجوهر أو النسب الإلاهي)؛

أقول ( ضياء الدين ) : هذا الكلام خطأ فاحش لا دليل عليه بل كل الأدلة تخالفه ولا يُفهم من لفظ الآية البتة . إلا أن تقول أنك عندما استخرت الله نزل عليك الوحي وأخبرك بذلك .

قولك : ثانياً: أن القول ببنوة (التبني) إنما هو بدعة ابتدعوها، مضاهاة لقول الكفار السابقين ، وما أمروا بها قط ؛ كما أنه ليس في نص القرآن ما يشعر بأنهم أمروا بتركها قبل نزول القرآن ؛

أقول ( ضياء الدين ) : كيف تصفها بأنها بدعة مخالفة لشريعتهم وتقول أنهم لم يؤمروا بتركها ؟
أم أنك تقول هي فقط بدعة مخالفة لشريعتنا وليس مخالفة لشريعتهم ؟
فإن لم يؤمروا بتركها قبل نزول القرآن فهذا يعني أنها لا تخالف شريعتهم . فكيف يحاسبون على ذلك ويُلْعنون ويوصفون بمجانبة الحق والافتراء على الله ومشابهة الكفار ؟
كيف يقال في حقهم مع عدم مخالفتهم لشرعهم : " قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ " ؟؟!

قولك : ثالثاً: أن القول ببنوة ( التبني ) ، وإن كان مضاهاة لقول الكفار السابقين، قبل نزول القرآن ، ليس من أقوال الكفر ، وإن كان في أصله ومنشئه من أقوال الكفار ، فليست كل أقوال الكفار كفراً (ولا العكس : فليس كل من قال بمقولة كفر أصبح بعينه كافراً!).

أقول ( ضياء الدين ) : إن لم تكن من أقوال الكفر ولم ينهوا عنها فلماذا يقال عنهم : " قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} ؟
وأنت نفسك قلت : " ومن جرأتهم وقلة أدبهم الخبيثة في الكلام عن الله ، وأن كل ذك إفك وافتراء "
أقول ( ضياء الدين ) : مع أنك هنا وصفت فعلهم بأنه افتراء وكذب على الله ، تقول أن فعلهم ليس بكفر . يعني أن الكذب والافتراء على الله ليس كفراً في عقيدتك .
اسمع ما قاله الإمام حسن رحمه الله : " وقال الحسن : شبه كفرهم بكفر الذين مضوا من الأمم الكافرة كما قال في مشركي العرب : " كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم " ( البقرة-188)." ( تفسير البغوي )
وليكن في علمك يا من تدعي أنك طلبت العلم كما ينبغي ، أن كل مقالة " كفر " محرمة في كل شرائع الأنبياء بغض النظر عن تكفير قائلها المعين أو عدم تكفيره . فتكفير المعين في المسائل التي لا تعلم إلا بالوحي تحتاج لإقامة الحجة عليه ولكن لا يمنع هذا أن يوصف الكلام الكفر بأنه كفر .

قولك : أما بعد نزول القرآن ، لما سبق ذكره ، ولقوله ، تباركت أسماؤه: ( لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (( الزمر ؛ 39: 4)
وقد قلنا في كتاب التوحيد بعد هذه الآية مباشرة ما نصه : [ فهذا تقدير امتناع لامتناع من أوضح ما يكون: فلو فرض المحال ، جدلاً ، أن الله يشتهي الولد ، ويريد أن يتخذ ولداً ، تعالى وتقدس عن تلك الشهوات والإرادات ، لما كان في الإمكان أكثر من أن «التبني »، أي أن « يصطفي » من مخلوقاته ما يشاء اصطفاءً خاصاً ، فقط لا غير . أما ولد للصلب فمحال ، وأما تبني كائنا إلاهيا آخر فيصبح ولداً متبنىً فمحال أيضاً ، إذا ما ثم إلا كائن إلاهي واحد ، فقط لا غير ، من غير زيادة ولا نقصان ، هو الله العزيز الحكيم. وهذا هو قولنا الذي سلف ، حرفاً بحرف ، فالحمد لله الذي أنزل الذكر، قرآناً وسنة ، شفاءً لما في الصدور ، وهدىً ورحمة لقوم يوقنون .
وهذا الهدى والنور الذي أنزله الله على خاتمة أنبياء الله ، محمد بن عبد الله ، عليه وعلى آله صلوات وتسليمات وتبريكات من الله ، يبين أيضاً أن الله ، جل جلاله ، لا يشتهي الولد أصلاً ، ولا يريده ، ومن ثم فهو لا « يتبنى » مطلقاً ، قلا يجوز أن يوصف إنسان من البشر في الأرض ، أو ملك من ملائكة السماء ، أو أي مخلوق آخر ، بأنه « ابن» الله ، أو « بنت » الله . لذلك فإن القول بأن المسيح عيسى بن مريم ، صلوات الله وسلامه وتبريكاته عليه وعلى والدته ، ابن الله، حتى بمعنى « التبني » هذا ، باطل ، ومن قال به بعد نزول القرآن فهو كافر لأنه مكذب لله تعالى]، انتهى النص المنقول.

أقول ( ضياء الدين ) : هذا فهم عقيم لقوله تعالى : " لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ " (الزمر : 4) لم يقل به أحد من المفسرين .
فلم يقل أحد من المفسرين أن الآية تعني : " فلو فرض المحال ، جدلاً، أن الله يشتهي الولد ، ويريد أن يتخذ ولداً ، تعالى وتقدس عن تلك الشهوات والإرادات ، لما كان في الإمكان أكثر من أن ) التبني ) ، أي أن (يصطفي ) من مخلوقاته ما يشاء اصطفاءً خاصاً، فقط لا غير."
لم يذكر أحد من المفسرين في تفسير هذه الآية تعبير ( التبني ) بمعنى الاصطفاء . فهل أتاك هذا الفهم للآية نتيجة الاستخارة ؟!
وإليك يا من طلبت العلم كما ينبغي ما جاء في تفسير هذه الآية في تفسير ابن كثير :
" وقوله عز وجل : {إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} أي لا يرشد إلى الهداية من قصده الكذب والافتراء على الله تعالى وقلبه كافر بآياته وحججه وبراهينه, ثم بين تعالى أنه لا ولد له كما يزعمه جهلة المشركين في الملائكة والمعاندون من اليهود والنصارى في العزير وعيسى فقال تبارك وتعالى: {لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء} أي لكان الأمر على خلاف ما يزعمون وهذا شرط لا يلزم وقوعه ولا جوازه بل هو محال وإنما قصد تجهيلهم فيما ادعوه وزعموه كما قال عز وجل : { لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين } {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } كل هذا من باب الشرط ويجوز تعليق الشرط على المستحيل لمقصد المتكلم .
وقوله تعالى: {سبحانه هو الله الواحد القهار} أي تعالى وتنزه وتقدس عن أن يكون له ولد , فإنه الواحد الأحد الفرد الصمد , الذي كل شيء عبد لديه فقير إليه وهو الغني عما سواه الذي قد قهر الأشياء فدانت وذلت وخضعت تبارك وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً. " اهـ
فإن كان المقصود من الآية اتخاذ الولد بمعنى الاصطفاء الخاص فقط كما تقول ، فلماذا قال الله سبحانه في الآية منزهاً نفسه (سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) ؟!
هل يُنزه الله نفسه عن عمل جائز في حقه لا يُخِلُّ في ربوبيته أو ألوهيته ؟!

قولك : ومع ذلك فإني شاكر ومقدر للأستاذ ضياء القدسي إثارة هذه القضية لأن نقاشها أوضح أن مقولتنا : ( من قال به بعد نزول القرآن فهو كافر لأنه مكذب لله تعالى) ، وإن كانت صحيحة راجحة ، إن شاء الله ، بمجموع الأدلة آنفة الذكر ، إلا أنها ليست قطعية، لعدم سلامة كلدليل بمفرده من المعارضة ، وإمكانية التأويل ، وسنذكر هذا التفصيل والاحتياط في كتاب التوحيد ، إن شاء الله.

أقول ( ضياء الدين ) : كنت أتمنى بدل من شكرك لي أن تعلن خطأك في مسألة التبني وتعلن توبتك مما قلته فيها وتعلن رجوعك للحق . فهذا سيسعدني كثيراً .

قولك : والعجيب أن هذه البلورة ، وهذا التصحيح ، على العكس تماماً ما يريده الأستاذ ضياء القدسي ، كما يبدو من كلامه ، حيث قال: [ يفهم من كلامك أيضاً: أن القول بأن المسيح عيسى عليه السلام ، هو ابن الله، بمعنى « التبني » قول باطل ولكن لا يكفر قائله إلا بعد نزول القرآن. وعلة الحكم بكفره أنه مكذب لما جاء في القرآن. يعني لا يكفر حتى تقام عليه الحجة من القرآن . فمن لم تصله الآية التي تبين بأن عيسى عليه السلام ليس ابن الله بمعنى (التبني) وينكرها فهو ليس بكافر ولا بمشرك عند الأستاذ المسعري.
فلا النصراني قبل الرسالة المحمدية الذي يعتقد أن عيسى عليه السلام هو ابن الله بمعنى (التبني) مشرك كافر بهذا الاعتقاد ، ولا بعد الرسالة المحمدية من لم تصله الآية التي في القرآن التي تبين أن عيسى عليه السلام ليس ابن الله بمعنى (التبني) مشرك كافر عند الأستاذ المسعري ، لأنه لم يكذب ما وصله من كتاب الله ولم تُقَم عليه الحجة بذلك. فما دام لم يصل لأحد الآية من كتاب الله التي تبين أن عيسى عليه السلام ليس ابن الله بمعنى (التبني) فمعتقد ذلك ليس بكافر ولا مشرك وإن كان اعتقاده باطل . هذه عقيدة الأستاذ المسعري حسب هذا الكلام انتهى كلام الأستاذ ضياء القدسي.
فأقول : نعم ، هذا هو الحق المبين الذي ندين الله به ؛

أقول ( ضياء الدين ) : ليكن في علمك يا من تدعي أنك طلبت العلم كما ينبغي أن كل من يقول من النصارى ببنوة عيسى عليه السلام فقط دون غيره يعتقد بالبنوة الحقيقية وليس بمعنى الاصطفاء . فكفره وشركه ثابت قبل الرسالة وبعدها ، فلا داعي لتحريف الحقائق .
فقد أخبر الله عن اعتقادهم الشركي قبل نزول الوحي حيث قال عز من قائل :
" وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى . اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ " (التوبة :30- 31)
فاصطلاح بنوة عيسى بمعنى التبني والاصطفاء لم يذكرها القرآن ولا يوجد نص واحد يدل على هذا المعنى في حق عيسى عليه السلام . فالبنوة الخاصة التي كان يقول بها النصارى في حق عيسى عليه السلام قبل نزول الوحي والتي ذكرت في القرآن والبنوة التي كان يقول بها بعض اليهود في عزير خاصة هي البنوة الحقيقة والتي هي شرك بالله عند كل الأنبياء قاطبة ، وليس صحيحاً ما تقول به بأن الموحدين أتباع عيسى عليه السلام كانوا يقولون بأن عيسى عليه السلام ابن الله بمعنى الاصطفاء وأن هذا كان غير محرم في شريعتهم ، وكذلك من قال ببنوة عزير لم يقل ببنوة الاصطفاء بل بالبنوة الحقيقة وهذا واضح بَيِّن في كتاب الله لكل من يفهم الخطاب . ولا يوجد دليل صحيح واحد لا عندك ولا عند غيرك يثبت أن الموحدين أتباع عيسى عليه السلام الحقيقيين كانوا يسمون عيسى عليه السلام خاصة بأنه ابن الله بمعنى الاصطفاء .
وليكن في علمك - يا من طلبت العلم كما ينبغي - أن شريعة الموحدين الحقيقيين أتباع عيسى عليه السلام لا تُعرف المعرفة الصحيحة المعتبرة ولا تؤخذ إلا من عدل مسلم بسند صحيح فقط . فشريعة عيسى عليه السلام هي وحي من الله غيب بالنسبة لنا لا تُعرف المعرفة الصحية المعتبرة التي يبنى عليها أحكام إلا بسند صحيح معتبر . أما ما رواه المؤرخون الكفار بحق عيسى عليه السلام وأتباعه فليس دليل شرعي في ديننا نبني عليه عقيدتنا وأفكارنا . ومن الخطأ الفاحش أن ننسب للموحدين أتباع عيسى عليه السلام عقيدة أو قولاً يخالف شرعنا استناداً على ما كتبه الكفار . وإن كانت فرقة الأريوسية من أتباع عيسى عليه السلام الحقيقيين حقاً فإني أجزم أنهم لم يكونوا يسمون عيسى عليه السلام ابن الله لا بمعنى الاصطفاء ولا بغيره ، فهم يعتقدون في عيسى عليه السلام كما نعتقد أنه عبد الله ورسوله ويسمونه كما نسميه ، ولا يوجد في عقيدتهم بحق عيسى عليه السلام وأمه ما يخالف عقيدتنا قيد شعرة ، هذا إن كانوا أتباع عيسى عليه السلام بالمعنى الحقيقي .
قال المهتدي الحسن بن أيوب من علماء القرن الرابع الهجري : " ولما نظرت في مقالات النصارى وجدت صنفاً منهم يعرفون بالأريوسية يجردون توحيد الله ويعترفون بعبودية المسيح عليه السلام ولا يقولون فيه شيئا مما يقوله النصارى من ربوبية ولا بُنوة خاصة ولا غيرها ، وهم متمسكون بإنجيل المسيح ، مقرون بما جاء به تلامذته والحاملون عنه . فكانت هذه الطبقة قريبة من الحق ، مخالفة لبعضه في جحود نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ودفع ما جاء من الكتاب والسنة ." أهـ ( الموحدون من النصارى : أصولهم وواقعهم ومعاناتهم لسفر الحوالي . )
أما ما ذكره ابن تيمية أنه حكي عن بعض الأريوسية أنه كان يسمي عيسى عليه السلام ابن الله على التسمية والتقريب فقد ذكره بصيغة التمريض لا بصيغة الجزم ، والحاكي ليس بمسلم فكلامه غير معتبر ولا يبنى عليه عقيدة ولا فكر صحيح . والخبر الصحيح المعتبر عن فرقة الأريوسية إن كانت من أتباع عيسى عليه السلام بحق هو ما قاله عنها المهتدي الحسن بن أيوب من علماء القرن الرابع الهجري : بأنها تجرد توحيد الله وتعترف بعبودية المسيح عليه السلام ولا تقول فيه شيئاً مما يقوله النصارى من ربوبية ولا بُنوة خاصة ولا غيرها .

يتبع إن شاء الله

[/align]

رد مع اقتباس
  #21  
قديم 07-26-2012, 02:02 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

[align=justify]
تكملة 2 الرد على المداخلة الثانية للأستاذ المسعري :
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

قولك : ونصيحتي للأستاذ ضياء القدسي أن يتقي الله في المسلمين خاصة ، وفي بني آدم عامة ، وأن ينخلع من لوثة الغلو والتكفير ؛

أقول ( ضياء الدين ) : يعلم الله أني حريص على المسلمين خاصة وعامة وكذلك حريص على هداية المشركين عامة وخاصة . ولم أكفر أي مسلم ثبت إسلامه حسب شرع الله إلا بدليل قطعي . وأنصحك قبل أن تتهمني بأني صاحب لوثة في الغلو والتكفير أن تُثبت عني ذلك أولاً . وأطالبك بل أتحداك أن تثبت بمثال واحد أنني كفَّرت مسلماً واحداً ثبت إسلامه حسب شرع الله .
فعقيدتي واضحة مُبَيَّنة في كتبي مع أدلتها قطعية الثبوت قطعية الدلالة . وسوف أثبت بعون الله بالأدلة القطعية من كتابك أنك ومن يعتقد اعتقادك لم تدخلوا الإسلام بعد وأسأل الله بل حريص ويسعدني هدايتكم .
اعلم - يا من طلبت العلم كما ينبغي - أن مسألة التكفير والتفسيق والأسلمة مسائل وأحكام شرعية بينها الإسلام أتم بيان ، بل لقد نزل القرآن لبيانها فقد قال تعالى في محكم كتابه : " وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ " (الأنعام : 55)
فالتكفير وكذلك الأسلمة لا تكون حسب الأهواء والنزوات والعادات والتقاليد والأعراف ، فهي أحكام شرعية منضبطة بأدلة قطعية الثبوت قطعية الدلالة يبنى عليها كثير من الأحكام والمعاملات .

قولك : وأن يعلم علم يقين أن الله ، جل وعز ، قادر بمفرده على الحكم بإدخال الناس النار ، أو إجارتهم منها ، ويعلم تماماً كيف يملؤها ، ولن يحتاج إلى رأي المسعري أو رأي الأستاذ ضياء القدسي !!!

أقول ( ضياء الدين ) : لا أحد يُدخل النار والجنة إلا الله . فهذا حق خالص له لا ينازعه فيه أحد . فالله سبحانه : " لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ "
وما كُلفنا به من قِبل الله عز وجل هو أن نحكم على الناس بما ظهر منهم حسب شرع ربنا والله يتولى سرائرهم وسوف يجازيهم يوم القيامة بحسبها . هذا ما ندين الله به ولا نتعداه ولا نتألَّى على الله .

قولك : وقبيل ذلك بقليل قال الأستاذ ضياء القدسي : [3 – قولك : " غير أن طوائف من النصارى ، من أتباع آريوس وكذلك أغلب اليهود المتنصرين الأوائل ، قد قالوا بذلك قديماً. وهم بذلك مخطؤون ، إلا أنهم ليسوا مشركين ".
أقول ( ضياء الدين ) : كيف عرفت يا أستاذ أن أتباع آريوس وأغلب اليهود المتنصرين الأوائل الموحدين قد قالوا بأن عيسى عليه السلام ابن الله بمعنى " التبني " ؟! فهذه أمور غيبية فهل جاء في ذلك خبر صحيح عن الله أو عن رسوله ، صلى الله عليه وسلم ؟!! وأنت القائل في كتابك: " ومن قبل بدعوى ، حتى ولو كانت صحيحة في ذاتها ، بغير برهان ، فهو متقول بغير دليل ، وهو من ثم كاذب ، حتى ولو كانت المقولة في ذاتها صادقة ، لأن من لم يأت بالبرهان كاذب : (هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين!): أي إن كنتصادقاً فأرني برهانك ، وإلا فأنت كاذب، لأنه ليس ثمة إلا: صادق أو كاذب، لا ثالثل هما ! " اهـ]، انتهى كلام الأستاذ ضياء القدسي.
أقول : أحوال المتنصرين الأوائل ، وفرقهم ، وأقوالهم المكتوبة ، وردود خصومهم عليهم كتابة ، وفرق اليهود والوثنيين المعاصرين لهم ، وما دار بينهم من صراع ، معلوم ، في الجملة ، من التاريخ بالتواتر . فلم يكن القوم ملائكة يطيرون في السماء، ولا من قبيل إبليس الذين يروننا ولا نراهم ، بل بشر عاشوا على الأرض ، وتركوا كتباً وآثاراً ، ونحن لا نحتاج إلى خبر صحيح عن الله أو عن رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، يخبرنا عنهم ، وحسبنا قوله ، جل جلاله ، وسما مقامه : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}، (يوسف ؛ 12: 109)؛ وقال أيضاً: {أَفَلَم ْيَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ }؛ (غافر ؛ 40: 82) ؛ وقد فعل الناس ، وفعلنا ذلك ، ولخصناه في فقرة قصيرة ، وليس كتابنا كتاب تأريخ لأقوال فرق النصارى حتى يلزمنا التأصيل والبرهنة المفصلة.
فليست أحوالهم (أمور غيبية ) ، كما أفحش الأستاذ ضياء القدسي : فبدلاً من أن يعترف بجهله ، ويسأل عن المستندات والمراجع ، جعل القضية ( غيبية ) ، ولا نستبعد أن يجعلها بعد مدة من أمور ( العقيدة ) ، ثم ينطلق مسلسل التبديع والتكفير بعد ذلك.

أقول ( ضياء الدين ) : يا رجل أنت تنسب أمراً تدعي أنه من شريعة عيسى عليه السلام لأتباع عيسى عليه السلام الموحدين وتقول أنه في ديننا كفر ، ألا يحتاج هذا لدليل صحيح مروي عن ثقات مسلمين بسند صحيح معتبر ؟؟
أليس هذا من الأمور التي تمس العقيدة والدين ؟؟
يا من طلبت العلم كما ينبغي هل أخبار الموحدين وشريعتهم التي أرسلها الله لهم تؤخذ من تاريخ رَواه وكتبه كفار مشركين ؟!
والله سبحانه في محكم كتابه يقول : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ "
يا رجل ، تَنسب لأتباع عيسى ( عليه السلام ) الموحدين أنهم يقولون أن عيسى ابن الله بمعنى التبني والاصطفاء مستنداً على أخبار نقلها كفار ، وتبني على ذلك عدم تكفير من قال من النصارى أن عيسى ابن الله لأنه يقولها بزعمك بمعنى الاصطفاء وليس بمعنى النبوة الحقيقية ولا تكفره حتى تقيم عليه الحجة المحمدية ، ثم تقول لي أن الأمر لا يمس العقيدة ؟!
هل الحكم على الناس ومعرفة الكافر من المسلم لا يمس العقيدة عندك ؟
يا رجل ليس خلافنا في وجود طائفة من الطوائف النصرانية اسمها الأريوسية ، بل الخلاف بيننا - الذي لا زلتَ غير مدرك له - هو قبول أمر يخص شريعة عيسى عليه السلام وأتباعه من حكايات التاريخ غير الموثقة ثم بناء على ذلك أحكام شرعية .
ولو فهمت كلامي وما سألتك عنه لما قلت : " فليست أحوالهم ( أمور غيبية ) ، كما أفحش الأستاذ ضياء القدسي : فبدلاً من أن يعترف بجهله ، ويسأل عن المستندات والمراجع ، جعل القضية ( غيبية ) ،ولا نستبعد أن يجعلها بعد مدة من أمور ( العقيدة ) ، ثم ينطلق مسلسل التبديع والتكفير بعد ذلك. "

أقول ( ضياء الدين ) : يا من طلبت العلم كما ينبغي ، أنا لا أتحدث عن مجرد وجود قوم من الأقوام يعتقدون عقيدة ما ، تحدث عنهم وعن عقيدتهم رواة التاريخ . أنا أتحدث عن مدى صحة تلك الروايات المتعلقة بنبي الله عيسى عليه السلام وبشريعته وأتباعه . فالمسألة التي نتحدث عنها ليست مجرد حوادث تاريخية ذكرت بل نتحدث عن دين وشريعة ننسبها لنبي من أنبياء الله ونعتقد أنها جاءت من عند الله . فهل - يا من طلبت العلم كما ينبغي - في مثل هذه تكفي الروايات التاريخية التي رواها كفار عن كفار عن كفار عن كفار ؟؟!!
لا أعتقد أن يقول أبسط طالب علم ، نعم ، تكفي .
فاتق الله في نفسك وفي أتباعك وركز في المسألة وتب إلى الله واعترف بخطئك فهو واضح بين لأبسط طالب علم ، ولا تجادل بالباطل وتشتت المسألة بكثرة الحشو الذي لا علاقة له بما نتحدث فيه .

قولك : أحوال المتنصرين الأوائل ، وفرقهم ، وأقوالهم المكتوبة ، وردودخصومهم عليهم كتابة ، وفرق اليهود والوثنيين المعاصرين لهم ، وما دار بينهم من صراع ،معلوم ، في الجملة ، من التاريخ بالتواتر . فلم يكن القوم ملائكة يطيرون في السماء،ولا من قبيل إبليس الذين يروننا ولا نراهم ، بل بشر عاشوا على الأرض ، وتركوا كتباًوآثاراً ، ونحن لا نحتاج إلى خبر صحيح عن الله أو عن رسوله ، صلى الله عليه وسلم ،يخبرنا عنهم .

أقول ( ضياء الدين ) : كيف هو معلوم في الجملة من التاريخ بالتواتر ؟!
هل كل ما كُتب وسُطِّر ودُوِّن صحيح ؟!
التوراة والإنجيل المحرفان قد كُتبا ودُوِّنا ويدعي أصحابها أنها وصلتهم بالتواتر لهذا يدينون إلى الله بها مستيقنين بصحتها . فهل يعني ذلك صحتها عند الله وعند المسلمين ؟؟!
يا أستاذ المسعري يا من طلبت العلم كما ينبغي ، حسب كلامك هذا فأنت تعتبر ما كتبه الكفار عن شريعة عيسى عليه السلام وعن أحوال عيسى عليه السلام وأتباعه والمتنصرين الأوائل ، وفرقهم ، وأقوالهم ، وعقائدهم حقائق علمية وأدلة متواترة وبديهيات تصلح للاستدلال بها والاعتماد عليها في بيان أحوال عيسى عليه السلام وأتباعه وشريعة . مع أن العلماء المسلمين قاطبة متفقون على أن ما رواه وكتبه المسلمون عن تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام والمسلمين بعدهم لا يعتبر دليلاً حتى يثبت صحة سنده وعدالة رواته مع أنهم مسلمون ، فكيف تقبل أنت مع هذا رواية كفَّار في حق شرع نبي من الأنبياء وفي حق أتباعه وتحكم بتواترها وصحتها وتبني عليها عقيدة وفكر ؟
أليس شريعة عيسى عليه السلام من عند الله وهي من أمور الغيب التي تنسب لله ؟
هل يُقبل قول الكفار بغض النظر عن عددهم في حق شرع الله ؟
ألا تعلم أن تاريخ النصارى قد روى بالتواتر أن عيسى عليه السلام قد صلب وقتل لهذا يعتبر النصارى هذا الخبر خبر متواتر لا شك فيه عندهم ؟

قولك : ونحن لا نحتاج إلى خبر صحيح عن الله أو عن رسوله ، صلى الله عليه وسلم ،يخبرنا عنهم .

أقول ( ضياء الدين ) :نحن لا نتحدث عن مجرد وجودهم ولا عن الأخبار التي تخبر عن وجودهم ولا عن الأخبار التي تحدثت عن عقائدهم ، نحن نتحدث عن مدى صحة ما رواه الكفار من أخبار الشريعة المنسوبة إلى الله وعن أخبار عيسى عليه السلام وأتباعه الكرام . فهذه تحتاج لخبر صحيح رواته مسلمين عدول ضابطين ، وما يرويه الكفار من أخبار عن شرع الله وعن الأنبياء وأتباعهم ، غير معتبر في عقيدتنا نحن المسلمين .
فأنت قلتَ استناداً على روايات رواها كفار عن كفار عن كفار ، أن فرقة الأريوسية فرقة موحدة التوحيد الصحيح وكانت تدين بشرع عيسى عليه السلام ونسبت إليها أنها تقول بأن عيسى عليه السلام ابن الله بمعنى التبني والاصطفاء ، وقلت أن ذلك كان غير منهي عنه في شريعة عيسى عليه السلام ، وبنيت على ذلك عقيدة وأحكام ، ولم تأت بدليل واحد صحيح معتبر يثبت هذا . وعندما طالبتك بالدليل كان جوابك : " أحوال المتنصرين الأوائل ، وفرقهم ، وأقوالهم المكتوبة ، وردودخصومهم عليهم كتابة ، وفرق اليهود والوثنيين المعاصرين لهم ، وما دار بينهم من صراع ،معلوم ، في الجملة ، من التاريخ بالتواتر فلم يكن القوم ملائكة يطيرون في السماء ،ولا من قبيل إبليس الذين يروننا ولا نراهم ، بل بشر عاشوا على الأرض ، وتركوا كتباًوآثاراً ، ونحن لا نحتاج إلى خبر صحيح عن الله أو عن رسوله ، صلى الله عليه وسلم ،يخبرنا عنهم . "

أقول ( ضياء الدين ) : فهذا الجواب يدل دلالة واضحة أنك لم تدرك ما هي النقطة التي نتحدث عنها وما هو الذي طالبتك بإثباته .أو أنك لا تدري كيف يُستدل على أنبياء الله وشريعتهم وأتباعهم الموحدين . ومع هذا تماديت في جهلك وسوء فهمك واتهامك لمحاورك بالجهل زورا وبهتانا بأن قلت : " فليست أحوالهم ( أمور غيبية ) ، كما أفحش الأستاذ ضياء القدسي : فبدلاً من أن يعترف بجهله ، ويسأل عن المستندات والمراجع ، جعل القضية ( غيبية ) ، ولا نستبعد أن يجعلها بعد مدة من أمور ( العقيدة ) ، ثم ينطلق مسلسل التبديع والتكفير بعد ذلك. "

أقول ( ضياء الدين ) : إما أنك تعتقد أن المستندات والمراجع التي كتبها الكفار بروايات كافر عن كافر عن كافر ، أدلة معتبرة يُستند عليها لمعرفة شريعة عيسى عليه السلام وأخبار أتباعه الموحدين ، وإما أنك تحسبني جاهل لهذه الدرجة حتى أسألك أين الأدلة من المستندات والمراجع التي كتبها الكفار برواية كافر عن كافر عن كافر ، عما نسبته لشريعة عيسى عليه السلام وأتباعه الموحدين . وأنا أرجح الأولى لأنها واضحة من كلامك .
اعلم يا رجل ، يا من طلبت العلم كما ينبغي ، أن ما جاءت به شريعة عيسى عليه السلام وأخبار عيسى عليه السلام وأتباعه الموحدين أخبار غيبية بالنسبة لنا لم نشهدها لهذا لا نأخذها إلا برواية مسلم عدل ضابط عن مسلم عدل ضابط عن مسلم عدل ضابط حتى تصلنا موثقة هكذا . فمثل هذه الأخبار والحقائق لا تؤخذ وتعلم من روايات التاريخ ومستنداته ومراجعه التي كتبها الكفار برواية كُفار عن كُفار عن كفار عن كفار عن كفار عن كفار منذ مئات السنين .


قولك : وحسب الأستاذ ضياء القدسي أن يبحث في جوجل تحت لفظة (آريوس، أريوس ، الأريوسية)؛
وكذلك بالإنجليزية تحت مفاتيح البحث: (Arius; Arians; Arianism; Semi - Arianism)؛ ولو فعل ، لوجد الكثير، ولنطلق منه إلى الأكثر ، إذا كان مهتماً بهذه القضايا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

أقول ( ضياء الدين ) : ما هذا الكلام يا رجل وهذه البساطة في الطرح ؟!
ألم أقل لك أنك لا زلت لم تدرك ما نتحدث عنه وما طالبتك بإثباته بالدليل ، إلَّا إن كنت تقول لي أنني إن بحثت في الجوجل تحت لفظة ( أريوس ، أريوس ، الأريوسية )ستأتيني الأدلة المعتبرة على أنه كان في شريعة عيسى عليه السلام جواز تسمية عيسى عليه السلام ابن الله بمعنى التبني والاصطفاء . أو سيأتيني الإثبات أن فرقة الأريوسية فرقة موحده التوحيد الصحيح وكانت تدين بدين عيسى عليه السلام وكانت تقول أن عيسى ابن الله ولكن بمعنى التبني والاصطفاء ولم تنه عن ذلك في شريعة عيسى عليه السلام . إن كان البحث في الجوجل سيوصلني لمثل هذه المعلومات بالدليل الصحيح كما تقول فقد قدم الجوجل للمسلمين أكبر خدمة في التاريخ . ولكن مع الأسف واقع الجوجل يُكذِّب ويسخر مما قلته .


قولك : ولعلنا نضع الأستاذ ضياء القدسي على أول الطريق ، طريق البحث والتنقيب ، وطلب العلم كما ينبغي ، بتقديم بعض النصوص في الملحق مرتبة حسب تاريخ وفاة قائليها، وكلهم من أهل الإسلام ، بل من أئمة أهل الإسلام ، ابتداءً بأبي محمد علي بن حزم ، رضي الله عنه (المتوفى: 452 هـ) ، حاشا غريغوريوس ( واسمه في الولادة يوحنا ) ابن أهرون ( أو هارون ) بن توما الملطي ، أبو الفرج المعروف بابن العبري ( المتوفى : 685 هـ)؛ واختتمنا بنقل مقال جيد للدكتور سفربن عبد الرحمن ، وإن كنا نعيب عليه خلط أحكام الصور والتماثيل ، بقضايا التوحيد والشرك ، ولا عجب فهو لا يستطيع فكاكاً من هوس الدعوة الوهابية !
فعجز الأستاذ ضياء القدسي في التعامل مع هذه البديهيات دليل سابع على أن الأستاذ ضياء القدسي لم يطلب العلم كما ينبغي !

أقول ( ضياء الدين ) : إن كان طلب العلم كما ينبغي عندك الخطوة الأولى فيه هذه فكيف سيكون باقي خطواته ؟! عجباً والله . فنحن في آخر الزمان .
مِن متى أصبحت الأخبار التاريخية التي ينقلها كفار مشركين عن كفار مشركين عن كفار مشركين بديهيات وحقائق وأدلة تصلح لأن نعتمد عليها في معرفة شرائع الأنبياء وأخبار الموحدين أتباع الأنبياء ؟؟
إن كانت هذه أول خطوة عندك لتعلم العلم كما ينبغي فلا أدري كيف ستكون آخر خطوة . ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولقد دُهشت كثيراً عندما قرأت الملف الطويل الذي سميته الأريوسية ، واعتبرته أنت أول طريق البحث والتنقيب ، وطلب العلم كما ينبغي .
فأقول لك : إما أنك لم تفهم ما طلبته منك ووجه اعتراضي عليك ، وإما أنك لا تفهم دلالة ما نقلته ولا تدرك درجته في الاستدلال .
يا رجل ، لا يوجد دليل واحد مما نقلته في الملحق ( الأريوسيه ) يصلح دليلاً على ما طلبته منك . فلا يوجد دليل واحد معتبر يدل على أنه كان في شريعة عيسى عليه السلام جواز تسمية عيسى عليه السلام ابن الله بمعنى التبني والاصطفاء . ولا يوجد دليل واحد معتبر يدل على أن فرقة الأريوسية فرقة موحده التوحيد الصحيح وكانت تدين بدين عيسى عليه السلام وأنها كانت تقول أن عيسى ابن الله ولكن بمعنى التبني والاصطفاء ولم تُنه عن ذلك في شريعة عيسى عليه السلام . فهذا ما طلبت منك الدليل عليه . ولكنك مع الأسف إما أنك لم تفهم ما طلبته منك وإما أنك لا تفهم دلالة ما نقلتَ ولا تدرك درجته في الاستدلال أو أنك تستخف بعقول المتابعين بكثرة طرح النقولات التي لا علاقة لها بما طلبته منك ، وكأن كثرة ذكر الأدلة التي ليست لها علاقة بالمسألة المختلف فيها دليل على علم صاحبها ، بل العكس هو الصحيح .
والعجيب أنك نقلتَ في الملحق كلاماً عن عالم مسلم من علماء القرن الرابع الهجري يدل على عكس ما قلتَهُ ونسَبته لفرقة الأريوسية . ألا يدل ذلك على قوة فهمك ودرجة علمك في كيفية الاستدلال يا من أردت أن تعلمني العلم كما ينبغي ؟!
وإليك هذا النقل الذي جاء في ملحقك ( الأريوسية ) والذي هو دليل واضح على خطأ ما ذهبت إليه :
" عن المهتدي الحسن بن أيوب من علماء القرن الرابع الهجري : " ولما نظرت في مقالات النصارى وجدت صنفاً منهم يعرفون بالأريوسية يجردون توحيد الله ويعترفون بعبودية المسيح عليه السلام ولا يقولون فيه شيئا مما يقوله النصارى من ربوبية ولا بُنوة خاصة ولا غيرها ، وهم متمسكون بإنجيل المسيح ، مقرون بما جاء به تلامذته والحاملون عنه . فكانت هذه الطبقة قريبة من الحق ، مخالفة لبعضه في جحود نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ودفع ما جاء من الكتاب والسنة ." أهـ ( الموحدون من النصارى : أصولهم وواقعهم ومعاناتهم لسفر الحوالي . )

يتبع إن شاء الله
[/align]

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 07-27-2012, 12:22 AM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

[align=justify]
تكملة رقم 3 للرد على الرد الثاني للأستاذ المسعري :
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

قولك : ثم أماط الأستاذ ضياء القدسي اللثام ، وأظهر مقصده الحقيقي من كل هذا الجدل الطويل العريض ، فقال بعد أن ساق كلامنا عن توحيد الذات ، الذي هو رأس التوحيد: [حسب هذا الكلام : الاعتقاد بأن الله لم يتولد منه شيء داخل في توحيد الذات الذي هو رأس التوحيد. والذي هو ثابت بالضرورة وبالبراهين العقلية والفطرية القاطعة، قبل ورود الشرع. ومع ذلك يعذر الأستاذ المسعري من نقض هذا التوحيد بقوله في كتابه : "وحتى من قال بـ «البنوة» الحقيقية ، وهي مقول شرك وكفر بذاتها، كثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل ، أوبعض موانع التكفير المعروفة ". فمثل هذا عند الأستاذ المسعري معذور بالجهل والتأويل ويعتبره من الموحدين حتى تقام عليه الحجة من كتاب الله. فإن أقيمت عليه الحجة من القرآن الكريم وأنكر ذلك فعندها فقط يصبح كافراً مشركاً. يعني أن من نقض توحيد الذات وأخل في رأس التوحيد يمكن أن يكون موحداً عند الأستاذ المسعري .
4-عند الأستاذ المسعري من يقول بـ «البنوة» الحقيقية أي ينسب لله ولداً «حقيقياً»، أي من طبيعة أو عنصر إلهي ، مساوياً لأبيه في الجوهر ، كما فعل المثلثون ، يعذر بالجهل أو التأويل ، ويبقى موحداً ، ولكن قوله قول شرك وكفر ، ولكنه لا يكفر ولا يحكم عليه بالشرك وإن اعتقد ذلك حتى تبزغ شمس الرسالة المحمدية وتقام عليه الحجة من القرآن الكريم ويرد ذلك .
أقول (ضياء الدين) : هل يختلف رأس التوحيد (توحيد الذات) الذي جاء به عيسى عليه السلام عن رأس التوحيد (توحيد الذات) الذي جاءبه رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام حتى نظل نعذر معتقد «البنوة» الحقيقية بالجهل والتأويل حتى تبزغ شمس الرسالة المحمدية وتقام عليه الحجة من القرآن الكريم ؟
فما دمتَ تعذر بالجهل والتأويل من اعتقد "البنوة» الحقيقية لله ، أي نسب لله ولداً «حقيقياً» فلا بد لك أن تعذر بالجهل والتأويل من لم يجزم بأن الله سبحانه وتعالى هو الحي القيوم ، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن ، وهو بكل شيء عليم ، وهو وحده واجب الوجود ، الغنى بذاته ، الأزلي القديم ، الأول الموجود بغير ابتداء قبل جميع الأزمنة والدهور ، الدائم الباقي بغير انتهاء بعد انقضاء الأزمنة والأيام والعصور ، لأن كل هذه داخلة أيضاً في توحيد الذات مثلها مثل مسألة أن الذات الإلهية لا يتولد منه شيء.
فهل من لا يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله حي قيوم معذور بالجهل والتأويل ولا يكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية المحمدية.؟!!
وهل من لا يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله بكل شيء عليم معذور بالجهل والتأويل ولا يكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية المحمدية.؟!!
وهل من لا يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله الغنى بذاته، الأزلي القديم ، الأول الموجود بغير ابتداء قبل جميع الأزمنة والدهور، الدائم الباقي بغير انتهاء بعد انقضاء الأزمنة والأيام والعصور، معذور بالجهل والتأويل ولا يكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية المحمدية.؟!
إن قلت غير معذور فلمَ فرقت بين هذا ومسألة اعتقاد «البنوة» الحقيقية بعيسى عليه السلام ؟!
وإن قلتَ : معذور بالجهل والتأويل ويبقى موحداً معذوراً بجهله وتأويله ولا يحكم عليه بالشرك والكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية المحمدية ، فقد حكمت بإسلام من لم يحقق رأس التوحيد ، وبهذا خالفت محكم آيات كتاب الله ]، انتهى كلام الأستاذ ضياء القدسي ، وإن كان بعض التسطير والتسويد من عندنا .
قلتُ ( المسعري ) : حسبنا هذه الجملة القصيرة لبيان الخلل الجوهري في تفكير الأستاذ ضياء القدسي : ( يعني أن من نقض توحيد الذات وأخل في رأس التوحيد يمكن أن يكون موحداً عند الأستاذ المسعري ) ؛ وبرهان على أنه صاحب هوى ، أعماه الهوى عن رؤية ما لا يقل وضوحاً عن الشمس في رابعة النهار : فو الله ، الذي لا إله إلا هو ، ما قلنا قط أن ( من نقض توحيد الذات وأخل في رأس التوحيد يمكن أن يكون موحداً ) ، ومن المحال الممتنع أن يكون مثل هذا مسلماً موحداً ؛ وإنما قلنا فقط أن من قال بمقولة كفر ، أو عمل عملاً من أعمال الكفر ، وإن جرت عليه أحكام الكفار في الدنيا في الأنكحة والذبائح والدفن والمواريث والعقوبات ، كما هو مفصل في كتب الفقه ، ليس هو بالضرورة (الكافر) المستحق للعقوبة الأخروية ، كما هو في قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ}، (البقرة؛ 2: 161 - 162)؛ وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ }، (آل عمران؛ 3: 91)؛ وغيرها كثير .

أقول ( ضياء الدين ) : أنا لم أقل أنك قلت بالحرف الواحد : " ( من نقض توحيد الذات وأخل في رأس التوحيد يمكن أن يكون موحداً ) ولم أنسب لك مثل هذا القول حرفياً ، ولكن ما قلته بحق من يقول بالبنوة الحقيقية لعيسى عليه السلام يفهم منه ذلك وإليك بيان ذلك من كلامك يا من طلب العلم كما ينبغي .
1- كلامك بحرفه كان كما يلي تابعه معي جيداً بدون نقص منه لنرى ماذا يفهم منه قلت : " غير أن طوائف من النصارى ، من أتباع آريوس وكذلك أغلب اليهود المتنصرين الأوائل ، قد قالوا بذلك قديماً. وهم بذلك مخطؤون ، إلا أنهم ليسوا مشركين ، إن شاء الله تعالى ، لأن الكتب الأولى لم تذكر من هذا شيئاً ، بل قد جاءت ألفاظ في الكتب القديمة يفهم منها «التبني» بمعتى «الاصطفاء» ، فهم إذاً مؤمنون موحدون ، لم يكذبوا لله خبراً، ولم يجعلوا لله شريكاً، ولم ينسبوا له ولداً «حقيقياً»، أي من طبيعة أو عنصر إلاهي، مساوياً لأبيه في الجوهر ، كما فعل المثلثون ، وغيرهم من فرق الشرك والكفر ، كما سيأتي تفصيله .
وحتى من قال بـ «البنوة» الحقيقية ، وهي مقول شرك وكفر بذاتها، كثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل ، أو بعض موانع التكفير المعروفة ، وذلك قبل بزوغ شمس الرسالة المحمدية ، وانبلاج نور الحجة الرسالية .. "

أقول ( ضياء الدين ) : أنت قلت أن من أتباع آريوس وكذلك أغلب اليهود المتنصرين الأوائل ، كانوا يقولون بأن عيسى عليه السلام ابن الله ولكن بمعنى التبني والاصطفاء ووصفتهم بأنهم ليسوا مشركين بل فقط مخطئين ولكنهم مؤمنين موحدين يكفروا إن أصروا على قول ذلك بعد الرسالة المحمدية ، ثم بعد ذلك قلت : وحتى من قال بـ « البنوة » الحقيقية ، وهي مقول شرك وكفر بذاتها، كثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل ، أو بعض موانع التكفير المعروفة ، وذلك قبل بزوغ شمس الرسالة المحمدية ، وانبلاج نور الحجة الرسالية .. "
كلمة وحتى ، تعني أنه وحتى لو كان منهم من يقول بـ «البنوة» الحقيقية فكثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل ، أو بعض موانع التكفير المعروفة . ..
ثم قولك بعدها : " وذلك قبل بزوغ شمس الرسالة المحمدية ، وانبلاج نور الحجة الرسالية .. "
يعني أنه قد يكون كثير منهم معذورين بالجهل أو التأويل أو بعض موانع التكفير المعروفة قبل بزوغ شمس الرسالة المحمدية أما بعدها فهم غير معذورين بذلك .
ألا يعني هذا أن كثيراً منهم معذورين ويحكم بإسلامهم وإيمانهم وتوحيدهم في الدنيا حتى بزوغ شمس الرسالة المحمدية .؟ وإلا لما كان لتكفيرهم في الدنيا بعد بزوغ الرسالة المحمدية سبب .
فواضح من كلامك أنك تتكلم عن أحكام الدنيا وليس عن أحكام الآخرة .
لأنك لو كنت تتكلم عن أحكام الآخرة فلا فرق بين حالهم قبل الرسالة المحمدية وبعدها . فأنت حكمت بكفرهم بعد الرسالة المحمدية ولم تعذرهم بالجهل والتأويل .
فهل حكمك بكفرهم بعد الرسالة المحمدية في أحكام الدنيا أم الآخرة ؟
فإن كان في أحكام الدنيا فهذا يعني أنهم قبلها كانوا غير كفار ، وإن كان في أحكام الآخرة فيكف سيكونون غير كفار في أحكام الآخرة قبل الرسالة المحمدية ومعذورين بالجهل أو التأويل وقد جاءهم رسول بلغهم التوحيد ولا يكونون بعد الرسالة المحمدية معذورين في أحكام الآخرة بالجهل والتأويل ؟!!!
أليس عملية التأويل موجودة قبل وبعد الرسالة المحمدية ؟
فقولك : وذلك قبل بزوغ شمس الرسالة المحمدية ، وانبلاج نور الحجة الرسالية .. "
دليل واضح أنك تتكلم عن أحكام الدنيا وليس عن أحكام الآخرة فقط .
أرجو أن تكون وضحت هذه النقطة .
2- قلت : " كثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل ، أو بعض موانع التكفير المعروفة "
أقول ( ضياء الدين ) : يعني هذا الكلام أن منهم غير معذور بجهل أو تأويل أو بعض موانع التكفير المعروفة . فمن هم هؤلاء غير المعذورين وما هو حالهم قبل الرسالة المحمدية ؟
ما هو الفارق بين من يعذر منهم ومن لا يعذر في أحكام الآخرة كما تقول وكلهم قد أرسل له رسول ؟

3- جاء في كلامك ما يلي : " .... لم يتولد من شيء ، ولا يتولد منه شيء.
كل ذلك ثابت بالضرورة ، وبالبراهين العقلية والفطرية القاطعة ، قبل ورود الشرع." اهـ

أقول ( ضياء الدين ) : حسب هذا الكلام اعتقاد البنوة الحقيقية لله مخالف لما ثبت بالضرورة ومخالف للبراهين العقلية والفطرة القاطعة قبل ورود الشرع . فكيف مع هذا تعذر من أخل به بالجهل والتأويل وموانع التكفير ؟!
العذر بالجهل والتأويل يا استاذ مسعري مجاله نصوص الوحي التي لا تعرف إلا عن طريق الرسول . أما الأمور البديهية التي تعرف بالضرورة وتعرف بالعقل السليم فكيف يقال أن فيها عذر بالجهل والتأويل .؟ هذه واحدة .
فكيف سَتُفَهِّمَ الجاهل والمتأول لأمور بديهية يفهمها كل عاقل ؟
كيف سَتُفَهِّم الجاهل والمتأول لأمور يفهمها كل عاقل بالضرورة ؟
وهل الأمور التي تُعرف بالضرورة وببداهة العقول تُجهل أو يقبل تأويلها ؟
4- أنت قلت : " وحتى من قال بـ «البنوة» الحقيقية ، وهي مقول شرك وكفر بذاتها، كثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل ، أوبعض موانع التكفير المعروفة "

أقول ( ضياء الدين ) : أنت هنا عذرت من يقول بالبنوة الحقيقية استناداً إلى بعض موانع التكفير المعروفة . فهذا الكلام يدل على أنك تتكلم عن أحكام الدنيا وأنَّ قولك أنك تكفر في الدنيا كل من يقول بالبنوة الحقيقية ولا تَعذره بالجهل والتأويل في الدنيا يتعارض مع هذا الكلام .
أسألك هنا يا من طلب العلم كما ينبغي ، موانع التكفير ، هل هي لأحكام الدنيا أم للآخرة ؟؟
يعلم أبسط طالب علم أن موانع التكفير وضعها العلماء لضبط حكم تكفير المعين المسلم الذي ارتكب كفرا ً . وهي لأحكام الدنيا فقط وللمسلم الذي ثبت إسلامه بيقين ثم بعد ذلك وقع في كفر أو صدر عنه كفر . فليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه ، فلا بد من تحقيق شروط وانتفاع موانع في حق المسلم المعين للحكم عليه بالكفر . ولا علاقة لها بأحكام الآخرة البتة وكذلك لا علاقة لها بالكافر الأصلي .
ثم اعلم يا رجل أنه لا يوجد في حق الله موانع تكفير لهذا فهي لا تتعلق بأحكام الآخرة البتة فاتق الله واعترف بخطئك وجهلك وتب إلى الله .
أسأل الله بعد هذا البيان لك والتوضيح أن تكون قد عرفت أنني لم أفترِ عليك عندما قلت لك استناداً لقولك أنك تعذر ولا تُكفِّر في الدنيا كثيراً ممن يقول بالبنوة الحقيقة لله .
فأنت ظلمتني عندما حكمت بأن عندي خلل جوهري في التفكير وأني صاحب هوى ، أعماني عن رؤية ما لا يقل وضوحاً عن الشمس في رابعة النهار . ومن حقي أن أعيدها عليك ، ولكن حسبي الله ونعم الوكيل .

4- أنت قلت بالحرف الواحد : " وحتى من قال بـ «البنوة» الحقيقية ، وهي مقول شرك وكفر بذاتها ، كثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل ، أوبعض موانع التكفير المعروفة "

فأنت هنا أطلقت ولم تبين أنه معذور في الآخرة وليس في الدنيا . فأحكام الآخرة ليست لنا ، فهي لله . وما كُلِّفنا به هو أحكام الدنيا .
ثم أنت قلت : أن المقولة شرك وكفر ، يعني حكمت على الفعل هنا ، وعندما انتقلت لحكم فاعلها قلتَ : كثير منهم قد يكون معذوراً بجهل أو تأويل أو بعض موانع التكفير المعروفة .
فيفهم من كلامك - ولا بد – أنه في أحكام الدنيا قد يعذر بالجهل والتأويل وموانع التكفير المعروفة كثير ممن قال ذلك ، فلا يحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة .
هذا ما يفهم من كلامك وخاصة عند استعمالك جملة " وموانع التكفير المعروفه " .
ولا يفهم البتة عند استعمالك جملة " وموانع التكفير المعروفه " أنك كنت تقصد أحكام الآخرة وليس أحكام الدنيا . إلا إن كنت تجهل على مَن وأين تطبق موانع التكفير .

قولك : ومن المحال الممتنع أن يكون مثل هذا مسلماً موحداً ؛ وإنما قلنا فقط أن من قال بمقولة كفر ، أو عمل عملاً من أعمال الكفر ، وإن جرت عليه أحكام الكفار في الدنيا في الأنكحة والذبائح والدفن والمواريث والعقوبات ، كما هو مفصل في كتب الفقه ، ليس هو بالضرورة (الكافر) المستحق للعقوبة الأخروية .. .."

أقول ( ضياء الدين ) : أين قلتَ هذا في حق كل من يقول ببنوة عيسى الحقيقية لله ؟ إن كنتَ قلتَ ذلك فأنت متناقض في كلامك وقد بينت ذلك لك في الأعلى .


قولك : ولم يترك الله ،جل جلاله وسما مقامه ، هذا الأمر من غير بيان ، حتى نحتاج إلى مزاعم المسعري ، أو وساوس الأستاذ ضياء القدسي ، فأبان ذلك لنا ، فقال : إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68)}، (الأحزاب؛ 33: 64 - 68)، فهؤلاء جاءهم رسول فعصوه ..

أقول ( ضياء الدين ) : ما هي وساوسي يا رجل ؟
أم أنك تجد متعة في صرف مثل هذه الكلمات لي ؟ حسناً ، تمتع بها . فقد مر علي لطبيعة مهنتي مثل هذه الحالات كثيراً . لا يهم خلينا في الحوار .
أين ومتى خالفتك بأنه قد يُحكم على الشخص في الدنيا بالكفر ويكون عند الله معذوراً ؟
لماذا هذا التطويل والحشو ثم الاتهامات التي لا أساس لها ؟
ألا يدل ذلك أن ما اتهمتني به من وسوسة هو موجود فيك ؟
وأريد هنا أن أسالك سؤالاً قد سألتك إياه من قبل ولم تجب عليه وسأسأله بصيغة أخرى ، أرجو أن لا تمتنع عن الإجابة عليه بحجج واهية :
_ هل العاقل البالغ الذي لم يعتقد بأن الله سبحانه وتعالى هو الحي القيوم ، وهو الأول والآخروالظاهر والباطن ، وهو بكل شيء عليم ، وهو وحده واجب الوجود ، الغنى بذاته ، الأزليالقديم ، الأول الموجود بغير ابتداء قبل جميع الأزمنة والدهور ، الدائم الباقي بغيرانتهاء بعد انقضاء الأزمنة والأيام والعصور ، قد يكون معذوراً بالجهل والتأويل في الآخرة ؟

قولك :فهؤلاء جاءهم رسول فعصوه ..

أقول ( ضياء الدين ) : وهؤلاء الذين قالوا بالبنوة الحقيقية لله والذي عذرت أكثرهم في أحكام الآخرة كما تقول بالجهل والتأويل أو بعض موانع التكفير المعروفة ، وذلك قبل بزوغ شمس الرسالة المحمدية ، وانبلاج نور الحجة الرسالية ، ألم يأتهم رسول يبلغهم التوحيد ؟؟!
فأنت نسبتهم لعيسى عليه السلام ، فهل عيسى عليه السلام لم يبلغهم ما يليق وما لا يليق في حق الله ؟

قولك : والجاهل ليس مذنباُ ، والمكره ليس مذنباً ، والمتأول ليس مذنباً .

أقول ( ضياء الدين ) : هذا الكلام في حق الجاهل والمتأول لا يصح على إطلاقه ولولا خشية الانحراف عن موضوع الحوار لبينت لك ذلك بالتفصيل .
وهل هناك أمكانية الجهل والتأويل الخاطئ في ما يعرف بالضرورة وبديهية العقول ؟
اعلم يا من طلب العلم كما ينبغي، أن العلم الضروري هو ما يُعرف بدون بذل جهد ، فهو ما يستوي فيه الجاهل والعالم ، فلا يقال هذا جاهل في حكم ما هو معلوم له بالضرورة ، لأنه لا أحد يجهل ما هو معلوم له بالضرورة .
وبديهية العقول هي ما لا خلاف فيها بين عاقلين .

يتبع إن شاء الله
[/align]

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 07-28-2012, 11:12 AM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

[align=justify]
تتمة للرد على الرد الثاني للأستاذ المسعري
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

يا أستاذ المسعري هداك الله ، أنا سألتك سؤالاً بسيطاً كان : ماذا تقصد من قولك: " فإلى الله ينبغي تفويض أمرهم " ؟ هل تقصد أن نعذرهم بجهلهم وتأويلهم ونحكم عليهم بالتوحيد ونفوض أمر آخرتهم لله ؟
إن كنت تقصد ذلك والظاهر من كلامك أنك تقصد ذلك ، فهذا يعني أن من اتخذ عيسى عليه السلام وأمه إلهين من دون الله يعذر بجهله وتأويله ولا يحكم عليه بالشرك ويفوض أمره لله يوم القيامة إن شاء عذبه وإن شاء غفر له بل ترجو له أن يغفر الله له.
يدل استشهادك بقول عيسى عليه السلام عمَّن اتخذه وأمه إلهين من دون الله " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " على أنك تقول بإمكانية المغفرة يوم القيامة لمن فعل الشرك الأكبر ، بل ترجو ذلك. وقد قال الله سبحانه في محكم كتابه: {إِنَّ اللَّهَ لَايَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (النساء: 48)
وقال أيضا عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَن ْيُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}، (النساء: 116)
أم أنك تقول أن عدم المغفرة للمشرك لم يكن يعرفها عيسى عليه السلام أو قد اختلفت الشرائع فيها كحال استعمال كلمة التبني وأن في شريعة عيسى عليه السلام إمكانية المغفرة لمن يعتقد بإلوهية عيسى عليه السلام وأمه ؟؟! " اهـ
فكتبتَ لي جواباً بلغ أكثر من ثلاثين صفحة . لماذا هذا التطويل والإسهاب الممل للقارئ الذي لا داعي له ؟
هل أنت غاوي تطويل ونقل نقولات لا داعي لها ؟ أم أنك تظن أن كثرة النقولات والحشو الذي لا داعي له يظهرك أنك مطلع وعندك علم ؟
يا رجل أنا سألتك سؤالاً محدداً تستطيع أن تجيب عليه باختصار وببساطة تُعرفنا فيه على عقيدتك في هذه المسألة ، فإن كان ما ستقوله مخالف لما نؤمن به وما فهمناه من كتاب الله ردننا عليك بالأدلة ، وإن كان غير مخالف صدَّقناك ، وإن كان يسع فيه الخلاف لم نُركز عليه وانتقلنا لغيره .
فأرجوا منك أن تجبني على سؤالي مباشرة دون لف ولا دوران ولا تشتيت الحوار لأني لم أجد في جوابك جواباً وافياً على ما سألتك عنه ، وأنصحك رحمة بالقارئ المتابع أن تبتعد عن التطويل الممل وكثرة النقولات التي لا داعي لها .
ولا تنسَ أن من نتكلم عنهم قد جاءهم رسول ، وأن الخلل عندهم كان في رأس التوحيد الذي معرفته من الضروريات والبديهيات عند كل عاقل كما قلت .

الرد القادم إن شاء الله سيكون عن موضوع التحاكم للطاغوت
[/align]

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 08-03-2012, 02:37 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

[align=justify]
الرد الثالث على ما جاء في " كتاب التوحيد " للمسعري
مسألة التحاكم للطاغوت
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الأستاذ المسعري يتخبط ويتناقض في مسألة التحاكم تخبطاً وتناقضاً كبيراً ، وإليكم إثبات ذلك من كلامه :
قال الأستاذ المسعري : " قلت: صدق الإمام ، إلا أن الآية لم تكتف بذم من تحاكم إلى الطاغوت ، بل صنفت عملهم هذا على أنه:
1- إيمان بالطاغوت ، مع أنهم قد أمرو بالكفر به ورفضه ومقته. فالتحاكم إلى شئ هو «إيمان» بذلك الشئ ، لا محالة . وهذا الإيمان » المذكور ها هنا هو مقابل « الكفر » ونقيضه . لذلك فإن التحاكم إلى الله ورسوله هو من أصل « الإيمان »، وعدمه هو «الكفر»، المناقض للإسلام كل المناقضة ، المخرج من الملة ، وليس هو مجرد فسوق أو عصيان ، فحسب ، كما أسلفنا،
(2) أن مراد الشيطان من تزيين ذلك لهم ليس هو مجرد إيقاعهم في ذنب، أو استنقاص من حسنات ، ولكنه يريد لهم ( الضلال البعيد ) ، والضلال البعيد لا يكون إلا بالكفر ،والخروج من الإسلام ، المحبط للعمل كله ، أوله وآخره ، عياذاً بالله تعالى.
وهذا أيضاً ما ذهب إليه ابن القيم حيث يقول : ( إن من تحاكم ، أو حاكم ، إلى غير ما جاء به الرسول ، فقد حكم بالطاغوت وتحاكم إليه)، انتهى كلام ابن القيم.
وقد أمرنا سبحانه باجتناب الطاغوت ، قال سبحانه: ( والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ، وأنابوا إلى الله ، لهم البشرى ، فبشر عباد ) ( الزمر ؛ 42:17)، فالاحتكام إلى شريعة الطاغوت هو نوع من أنواع العبادة التي أمر الله بهجرها واجتنابها ، وجعل ذلك الاجتناب مقدمة وسابقة للإنابة إلى الله.

أقول ( ضياء الدين ) : يفهم من هذا الكلام ما يلي :
1- أن التحاكم للطاغوت إيمان به وكفر بالله مخرج من ملة الإسلام .
2- أن من تحاكم إلى شئ فقد آمن به لا محالة ، وهذا الإيمان مقابل «الكفر» ونقيضه.
3- الاحتكام إلى شريعة الطاغوت هو نوع من أنواع العبادة التي أمر الله بهجرها واجتنابها ، وجعل ذلك الاجتناب مقدمة وسابقة للإنابة إلى الله.
4- من تحاكم ، أو حاكم ، إلى غير ما جاء به الرسول ، فقد حكم بالطاغوت وتحاكم إليه .

أقول ( ضياء الدين ) : هذا كلام كله حق وندين الله به ولا نحكم بإسلام وتوحيد من لا يؤمن به ويخالفه باعتقاد أو عمل أو قول ، لأن ذلك هو الشرك الصريح الذي يناقض التوحيد ، ولكن إنظروا كيف يخالفه الأستاذ المسعري في التطبيق العملي على نفسه وعلى من يعتبرهم مسلمين مؤمنين . قال الأستاذ المسعري :

بقيت قضية مهمة تقلق مضاجع المؤمنين في زمننا هذا الذي تحولت فيه الدنيا بأسرها إلى دار كفر ، تسود فيها أنظمة الكفر ، ولا يحكم فيها بما أنزل الله
( اللهم في بعض المسائل الجزئية مثل ما يسمُّونه بـ«الأحوال الشخصية»، وفي التحاكم الاختياري بين الورعين من المؤمنين)، ألا وهي الترافع والتخاصم إلى محاكم وأنظمة تقوم أساساً على الكفر ، وإلى قضاة لم يتم تعيينهم بطريقة شرعية ، لا سيما إذا كان أطراف النزاع في بلد أكثر أهلها من الكفار الأصليين كبريطانيا مثلاً .
من الواضح أن الإشكالية هنا في التحاكم بمعني القضاء والتنفيذ . أما الفتيا، أي طلب حكم الله في المسألة على وجه غير ملزم فلا يتصور إلا بالرجوع إلى ما أنزل الله ، أي إلى كتاب الله وسنة رسوله . وكذلك التشريع ، أي سن اللوائح والأنظمة والقوانين، فلا يتصور إلا من ذي سلطان ، أو مشارك في السلطان. ولا يجوز لذي السلطان المسلم إلا أن يسن ما تم استنباطه بطريقة صحيحة من الكتاب والسنة لا غير ، ولا يجوز له غير ذلك إن كان متفرداً بالسلطان . كما لا يجوز له أن يقبل السلطان مشروطاً بأن يحكم بغير ما أنزل الله ، ولا بحال من الأحوال . والمسلم لا يجوز له أن يشارك مختاراً في حكم الكفر بحال من الأحوال ، كما سنبرهن عليه في كتابنا: (الحاكمية ، وسيادة الشرع ) بما لا مزيد عليه ، إن شاء الله ، جل وعز .
فالإشكالية إذاً هي : ماذا يفعل الفرد المسلم ، الذي يعيش في دار الكفر ، أي تحت سلطان الكفر ، أو تحت حكم الكفار ، إذا ادعى عليه مدعي وطلبه إلى القضاء ، أو كان له حق على أحد ولم يستطع الوصول إليه بصلح أو تحكيم اختياري أو شفاعة أو وساطة خير ، أو أصابته مظلمة من السلطة الحاكمة نفسها، أو من جهة أخرى ، وعجز عن دفعها بشتى الوسائل ولم يبقى إلا التظلم إلى القضاء المختص أو إلى جهة إدارية أعلى . فما ذا يكون العمل حينئذ ؟!
الحق الذي تدل عليه الأدلة أعلاه أنه يجوز له ذلك بشرط أن لا يطالب بحق أو يدفع مطالبة أو ظلم إلا فيما وافق شرع الله، كما يعلمه هو يقيناً إما باجتهاده واستنباطه هو ، أو إتباعاً لغيره من المجتهدين وفق الدليل ، أو تقليداً لمن يثق به من أهل الاجتهاد والفتيا. هذا ينطبق على الشكل والموضوع ، فليس أحدهما أولى من الآخر بلزومية التحاكم إلى ما أنزل له فيه . فلا يجوز له ، مثلاً ، الدفع في قضية من القضايا بسقوط الحق فيها بالتقادم ، أو بفوات المدة الزمنية المحددة في نظام الكفر للترافع بها ، حتى ولو كان في ذلك تسهيلاً وتسريعاً للترافع ، لأن كل ذلك لا يجوز في شرع الله ، فلا سقوط حقوق بالتقادم ، ولا أمد زمني في الترافع .
وإذا كان له دين على أحد لم يجز له إلا أن يطالب إلا برأس ماله من مقتدر مليء ، من غير زيادة ربوية قد ينص نظام الكفر على استحقاقه لها، كما هو حال الأغلبية الساحقة من الأنظمة الكفرية تعتبر الربا حقاً مشروعاً. ولا يجوز له حتى المطالبة بتلك الزيادة الربوية ، على وجه المناورة و«التكتيك»، لتخويف الخصم ودفعه إلى التسليم برأس المال ، وسرعة دفعه ، في مقابل «التنازل» عن ذلك الربا ، مثلاً . وإذا حكم له بمثل تلك الزيادة الربوية وجب عليه رفضها ، وإبلاغ القاضي بذلك ، وعدم استلامها ولا حيازتها. فالمؤمن في كل تلك الأحوال إنما يتحاكم إلى شرع الله ، لا إلى الطاغوت ، ولو وجد قاضياً شرعياً، لا يحكم إلا بالشرع وقد تم تنصيبه تنصيباً صحيحاً، لما ترافع إلا إليه.
فالمطالب يحقه الشرعي في رأس المال ، مثلاً ، المترافع بموجب الضرورة إلى ذي سلطان أو قاضي كافر أو قاضي يحكم بنظام كفر ، أو قاضي لم يعين بطريقة شرعية صحيحة لم يتحاكم إلا إلى ما أنزل الله ، وهو بذلك مسلم مؤمن.
في حين أن القاضي أو المتنفذ الذي يحكم له بحقه أو ينفذ له ذلك الحق ويستحصله له لأن ذلك هو نص القانون الذي سنه البرلمان صاحب السيادة ، أو الملك صاحب الحق «الإلاهي»، أو هو العرف المتوارث الساري الذي قبله الناس على تطاول القرون، والناس هم مصدر السلطات، هو بذلك المعتقد مشرك كافر ، وهو من أهل النار يوم القيامة إن كانت بلغته رسالة الله ، وقامت عليه الحجة ، بغض النظر عن موافقة حكمه في تلك المسألة العينية لحكم الله ورسوله مصادفة ، أو عدم موافقته.
أما من زعم أن ذلك الترافع تحاكم إلى الطاغوت فهو لم ينظر إلى المسألة في جوهرها بعمق ودقة ؛ فاستحقاق رأس المال للدائن على المدين تتفق فيه أكثر الشرائع ، إن لم يكن جميعها. فمن رد ذلك إلى أمر الله ونهيه فهو المسلم المؤمن ، ومن رده إلى عرف، أو عقل ، أو مصلحة ، أو أمر برلمان أو مرسوم ملكي فهو مشرك كافر . فالقضية قضية اعتقاد في مرجعية معينة والرد إليها ، أي أن القضية هي :
أولاً: قضية اعتقاد المتحاكم ومرجعيته ،
وثانياً: قضية نص النظام ومحتواه ، في المقام الأول وليست شخصية من يطبقه ، أو إحسان هذا للتطبيق من عدمه ،
فالطاغوت ليس شخصاً معيناً ، وإنما هو اعتقاد معين ، ينبثق منه نظام معين ، أو هو كيان معنوي ، قد يمثله أشخاص أو مؤسسات أو دول.
فليست القضية إذاً هي سداد رأس المال أو عدمه ، أو من له سلطة الحكم أو صلاحية تنفيذ ذلك الحكم. وهكذا في كافة المسائل والقضايا.
ومما يدل على بطلان قول هؤلاء أنهم عموماً يميزون بين الترافع إلى المحاكم ، والرجوع إلى الشرطة والجهات التنفيذية ، فيحرمون الأول ، وربما كفروا بسببه ، ولا يرون بأساً بالثاني.
والظاهر أنهم فهموا التحاكم على أنه التقاضي أو الترافع إلى المحاكم فحسب ، وهذا كذلك باطل كنا بيناه أعلاه ، وهو تخصيص بدون مخصص . نعم هناك فروق بين عمل القاضي وعمل الجهات التنفيذية ، ولكن التحاكم هو التحاكم ، وهو الرد إلى مرجعية معينة : إلى الله ورسوله عند أهل الإسلام ، وإلى غيرهما أو إليهما بالشراكة مع غيرهما عند أهل الكفر ، ولا ثالث لهما. لا يؤثر في جوهر ذلك أن ما يقوم به القاضي يختلف عما يقوم به الشرطي ، وهذان يختلفان ضرورة عن المفتي والمشرع ، لأن البحث ليس في خصوصيات أعمالهم ، وحدود صلاحيات كل واحد منهم ، ولكن البحث هو في: الرد إلى الله ورسوله وحدهما فيكون إسلاماً وإيماناً وتوحيداً ، أم إلى غيرهما منفرداً أو معهما فيكون كفراً وشركاً.
ويزداد هذا وضوحاً بما جاء في مرافعة جعفر بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، المشهورة أمام النجاشي ، رضي الله عنه: ( ثم يذكر قصة جعفر بن أبي طالب مع النجاشي وسف نأتي لها إن شاء الله )

قولك : " بقيت قضية مهمة تقلق مضاجع المؤمنين في زمننا هذا الذي تحولت فيه الدنيا بأسرها إلى دار كفر ، تسود فيها أنظمة الكفر ، ولا يحكم فيها بما أنزل الله

أقول ( ضياء الدين ) : يصف الأستاذ المسعري ديار اليوم بأنها ديار كفر تسود فيها أنظمة الكفر ، ولا يُحكم فيها بما أنزل الله .
حسب هذا الكلام واستناداً لما قرره الأستاذ المسعري سابقاً : أن من تحاكم إلى مَن يحكم بهذه القوانين فقد تحاكم لنظام كفري لا يحكم بما أنزل الله . فحسب كلام المسعري ، من تحاكم إلى مَن يحكم بهذه القوانين فهو مؤمن بهذا النظام وقوانينه لا محالة
وبما أن الأستاذ المسعري وصف هذه الأنظمة بأنها لا تحكم بما أنزل الله فهذا يعني حسب ما قرره الأستاذ نفسه ، أن من تحاكم إليها تحاكم للطاغوت .

وبما أن الاستاذ المسعري وصف هذه الأنظمة بأنها لا تحكم بما أنزل الله فهذا يعني أنها تحكم بشريعة الطاغوت ، لأنه إما شريعة الله وإما شريعة الطاغوت ولا ثالث لهما ، فحسب كلام الاستاذ المسعري من تحاكم لقاضٍ كافر يحكم بمثل هذه الشريعة فقد عبد غير الله ولم يجتنب الطاغوت .
ومع كل هذا أنظروا كيف يخالف هذه الحقائق عندما يأتي للتطبيق العملي ، يقول الأستاذ المسعري هداه الله : " الحق الذي تدل عليه الأدلة أعلاه أنه يجوز له ذلك ( يعني التحاكم لقاضي كافر يحكم بغير ما أنزل وبشريعة غير شريعة الله ) بشرط أن لا يطالب بحق أو يدفع مطالبة أو ظلم إلا فيما وافق شرع الله ، كما يعلمه هو يقيناً إما باجتهاده واستنباطه هو ، أو إتباعاً لغيره من المجتهدين وفق الدليل ، أو تقليداً لمن يثق به من أهل الاجتهاد والفتيا."

أقول ( ضياء الدين ) : هل بعد هذا التناقض تناقض ؟!
وهل بعد هذا التلبيس والتدليس والتحريف لمسألة التحاكم تحريف وتلبيس وتدليس؟!

قولك : " بقيت قضية مهمة تقلق مضاجع المؤمنين في زمننا هذا الذي تحولت فيه الدنيا بأسرها إلى دار كفر ، تسود فيها أنظمة الكفر ، ولا يحكم فيها بما أنزل الله ( اللهم في بعض المسائل الجزئية مثل ما يسمُّونه بـ«الأحوال الشخصية»، وفي التحاكم الاختياري بين الورعين من المؤمنين)، ألا وهي الترافع والتخاصم إلى محاكم وأنظمة تقوم أساساً على الكفر ........."
وقولك :" فالإشكالية إذاً هي : ماذا يفعل الفرد المسلم ، الذي يعيش في دار الكفر ، أي تحت سلطان الكفر ، أو تحت حكم الكفار ، إذا ادعى عليه مدعي وطلبه إلى القضاء ، أو كان له حق على أحد ولم يستطع الوصول إليه بصلح أو تحكيم اختياري أو شفاعة أو وساطة خير ، أو أصابته مظلمة من السلطة الحاكمة نفسها، أو من جهة أخرى ، وعجز عن دفعها بشتى الوسائل ولم يبقى إلا التظلم إلى القضاء المختص أو إلى جهة إدارية أعلى . فما ذا يكون العمل حينئذ ؟!
الحق الذي تدل عليه الأدلة أعلاه أنه يجوز له ذلك بشرط أن لا يطالب بحق أو يدفع مطالبة أو ظلم إلا فيما وافق شرع الله ، كما يعلمه هو يقيناً إما باجتهاده واستنباطه هو ، أو إتباعاً لغيره من المجتهدين وفق الدليل ، أو تقليداً لمن يثق به من أهل الاجتهاد والفتيا. "
وقولك : " فالمطالب بحقه الشرعي في رأس المال ، مثلاً ، المترافع بموجب الضرورة إلى ذي سلطان أو قاضي كافر أو قاضي يحكم بنظام كفر ، أو قاضي لم يعين بطريقة شرعية صحيحة لم يتحاكم إلا إلى ما أنزل الله ، وهو بذلك مسلم مؤمن.

أقول ( ضياء الدين ) : يُفهم من هذا الكلام أنك يا أستاذ هداك الله ، تجيز للمسلم المضطر الذي يعيش في دار الكفر إن أراد أن يحصل على حقه ، تُجيز له التحاكم إلى القاضي الكافر الذي يحكم بغير شرع الله وبإسم غير الله ، وليس فقط تجيز له ذلك بل تعتبره في هذه الحالة قد تحاكم لشرع الله لا لشرع الطاغوت ، لأن القاضي الكافر سوف يحكم له بما يشابه حكم الله وأنه لم يطالب إلا بحقه فقط .
فحسب عقيدتك التي تصرح فيها وبشكل واضح أن المسلم الذي يعيش في دار الكفر إن علم يقيناً باجتهاده واستنباطه هو ، أو إتباعاً لغيره من المجتهدين وفق الدليل ، أو تقليداً لمن يثق به من أهل الاجتهاد والفتيا ، أن له حق على آخر فيجوز له في هذه الحالة أن يتحاكم للقاضي الكافر الذي يحكم بغير شرع الله وبإسم غير الله ، بشرط أن لا يطالب إلا بحقه الشرعي ، فإن طالب بحقه الشرعي فهو في هذه الحالة لا يعد متحاكماً للطاغوت بل هو متحاكماً إلى ما أنزل الله وإلى شرع الله . وليس هذا وحسب بل تتجرَّأ على شرع الله ودينه وتقول : أن من يزعم أن ذلك الترافع ( التحاكم ) تحاكم إلى الطاغوت فهو لم ينظر إلى المسألة في جوهرها بعمق ودقة .
فقد قلت بالحرف الواحد : " فالمطالب بحقه الشرعي في رأس المال ، مثلاً ، المترافع بموجب الضرورة إلى ذي سلطان أو قاضي كافر أو قاضي يحكم بنظام كفر ، أو قاضي لم يعين بطريقة شرعية صحيحة لم يتحاكم إلا إلى ما أنزل الله ، وهو بذلك مسلم مؤمن. "

أقول ( ضياء الدين ) : يُفهم من هذا الكلام : أن المتحاكم للطاغوت عند الأستاذ المسعري ، هو فقط من يتحاكم لما يخالف شرع الله أو هو من تحاكم للقاضي الكافر ليأخذ أكثر من حقه .
أمَّا مَن يتحاكم لقاضي كافر يحكم بغير شرع الله وباسم غير الله ليأخذ حقه فقط دون زيادة ، فهو قد تحاكم إلى ما أنزل الله وإلى شرع الله ولم يتحاكم للطاغوت وهو بذلك مسلم مؤمن .
وبهذا أصبح عند الأستاذ المسعري تعريفان للتحاكم تعريف للتحاكم بشكل عام وهو : طلب الحكم من أي نوع كان ، من نوع : الفتيا ، أو القضاء ، أو التنفيذ ، أو التشريع . وتعريف للتحاكم للطاغوت وهو : التحاكم لقاضي كافر يحكم بغير شرع الله وبغير اسم الله لأجل الحصول على حق الغير أو لأجل الحصول على أكثر من حقه الشرعي .
وكذلك أصبح عند الأستاذ المسعري تعريفان للتحاكم لما أنزل الله :
التعريف الأول : التحاكم إلى قاضي مسلم يحكم بشرع الله وباسم الله .
التعريف الثاني : التحاكم لقاضي كافر يحكم بغير شرع الله وباسم غير اسم الله لأجل الحصول على حق مشروع .
أقول ( ضياء الدين ) : أليس هذا تناقض عجيب مُعيب ؟!
بل هو افتراء على شرع الله وتلبيس وتحريف للركن الأول للتوحيد .
وبالرغم من هذه الحقيقة البينة ، والتناقض العجيب المخالف لعقيدة الموحدين أتباع خاتم النبيين عليه أفضل الصلاة والتسليم ، يقول الأستاذ المسعري وبدون خوف من الله ولقائه مستخفاً بعقول أتباعه : أن من زعم أن التحاكم لقاضي كافر يحكم بغير شرع الله وباسم غير اسم الله لأجل الحصول على حق مشروع قد تحاكم إلى الطاغوت فهو مخطئ لم ينظر إلى المسألة في جوهرها بعمق ودقة .
أقول للأستاذ المسعري : هداك الله ، ألم تقل أنت نفسك : " فالتحاكم إلى شئ هو « إيمان » بذلك الشئ ، لا محالة . وهذا الإيمان » المذكور ها هنا هو مقابل « الكفر » ونقيضه . لذلك فإن التحاكم إلى الله ورسوله هو من أصل «الإيمان»، وعدمه هو «الكفر»، المناقض للإسلام كل المناقضة ، المخرج من الملة " ؟
ثم وصفت أنت نفسك من جعلت فعله تحاكماً لما أنزل الله ، أنه لم يبق له إلا الترافع والتخاصم إلى محاكم وأنظمة تقوم أساساً على الكفر .
ووصفت المرجع الذي تحاكم إليه أنه لا يحكم بما أنزل الله .
يعني حسب كلامك هذا ، الفعل الذي فعله من حكمت بإسلامه وإيمانه هو التخاصم والتحاكم لقاضي كافر يحكم بغير شرع الله . يعني حسب كلامك السابق بما أنه تحاكم لمن لا يحكم بما أنزل الله يعني أنه آمن بهذا الحُكم والحَكم لا محالة . وقد وصف الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه أن من حكم بغير شرع الله بأنه طاغوت ، ومن تحاكم إليه فقد آمن بالطاغوت وكفر بالله العظيم . فيكون هذا الذي وصفته بأنه مسلم مؤمن قد تحاكم إلى الطاغوت ولكنك حرَّفت المسألة الواضحة البينة واستخففت قومك وأتباعك وجعلتها تحاكم لما أنزل الله فأطاعوك في ذلك .
قل لي بالله عليك ، بأي شرع وأي منطق وأي لغة أصبح من تحاكم لقاضي كافر يحكم بغير شرع الله وبغير اسم الله قد تحاكم لما أنزل الله .؟
وكيف أصبح من تحاكم لأخذ حقه لقاضي كافر يحكم بغير شرع الله وبغير اسم الله قد تحاكم إلى شرع الله ورسوله ؟
سأبسط لك كلامك لعل وعسى يُدرك أتباعك ومقلديك ولعلك تدرك أنت أيضاً التناقض العجيب المعيب الذي وقعت به لترقع لنفسك ما وقعت به من شرك وتحاكم للطاغوت ولتدافع عمَّن تحاكم لمحاكم الطاغوت اليوم ممن تعتبرهم مسلمين موحدين وتعتبر من يُكفرهم قد أصيب بهوس التكفير .
تابع معي هداك الله :
مُسلم ، لأخذ حقه الشرعي تحاكم لقاضي كافر يحكم بغير شرع الله = مسلم تحاكم لما أنزل الله ولشرع الله ورسوله .
يعني : غير شرع الله = شرع الله ورسوله
قل لي بالله عليك بأي شرع وأي منطق وأي عقل تستقيم هذه المعادلة ؟!
فنتيجة هذه المعادلة : ما حَكم به هذا القاضي الكافر ليعطي به حق المسلم له ، هو شرع الله وما أنزله على رسوله محمد عليه الصلاة والسلام وليس هو شرع الطاغوت. يعني كل ما يشابه ويوافق شرع الله من دستور الكفر وقوانينه هو شرع الله وما أنزله على رسوله محمد عليه الصلاة والسلام . ومَن يحكم به بغض النظر باسم مَن يحكم ، فقد حكم بما أنزل الله وحكم بشرع الله ، ومن رده فقد رد شرع الله ، ولا يجوز بناء على ذلك أن يُوصف من حكم به بأنه طاغوت وأن من تحاكم إليه قد تحاكم للطاغوت ، ومن لا يدرك ذلك فهو لم ينظر إلى المسألة في جوهرها بعمق ودقة .
يعني لو كانت كل قوانين هذا القاضي الكافر توافق شرع الله بغض النظر ممن جاءت ومَن وضعها وباسم من يحكم بها ، فهذا القاضي الكافر يجب أن يوصف بأنه يحكم بما أنزل الله وبشرع الله ، ولا يجوز أن نصفه بأنه طاغوت يحكم بغير ما أنزل الله وبغير شرع الله حتى ولو قال القاضي الكافر نفسه أنه لم يحكم بما أنزل الله ولم يحكم بشرع الله وباسم الله ، فهو كاذب يجب عدم تصديقه ، ومن لا يدرك ذلك فهو عند المسعري لم ينظر إلى المسألة في جوهرها بعمق ودقة . وليس هذا وحسب بل حسب الأستاذ المسعري أن هذا هو الحق الذي تدل عليه الأدلة .
فحسب عقيدة الأستاذ المسعري ، كل ما شابه ووافق شرع الله من شرع الطاغوت فهو شرع الله وشرع رسوله صلى الله عليه وسلم . وهذا والله من تزين الشيطان وإضلاله الضلال البعيد . ونسي الأستاذ المسعري ما قاله سابقاً : " في حين أن القاضي أو المتنفذ الذي يحكم له بحقه أو ينفذ له ذلك الحق ويستحصله له لأن ذلك هو نص القانون الذي سنه البرلمان صاحب السيادة ، أو الملك صاحب الحق «الإلاهي »، أو هو العرف المتوارث الساري الذي قبله الناس على تطاول القرون ، والناس هم مصدر السلطات ، هو بذلك المعتقد مشرك كافر ، وهو من أهل النار يوم القيامة إن كانت بلغته رسالة الله ، وقامت عليه الحجة ، بغض النظر عن موافقة حكمه في تلك المسألة العينية لحكم الله ورسوله مصادفة ، أو عدم موافقته.

أقول ( ضياء الدين ) : فكيف أصبح يا أستاذ المسعري هداك الله ، نص القانون الذي سنه البرلمان صاحب السيادة ، أو الملك صاحب الحق « الإلاهي »، أو العرف المتوارث الساري الذي قبله الناس على تطاول القرون ، شرع الله وشرع محمد صلى الله عليه وسلم . ؟!

يتبع إن شاء الله
[/align]

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 08-04-2012, 07:45 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

[align=justify]
تكملة 1 للرد الثالث على ما جاء في " كتاب التوحيد " للمسعري
مسألة التحاكم للطاغوت
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

قولك : وإذا حكم له بمثل تلك الزيادة الربوية وجب عليه رفضها ، وإبلاغ القاضي بذلك ، وعدم استلامها ولا حيازتها. فالمؤمن في كل تلك الأحوال إنما يتحاكم إلى شرع الله ، لا إلى الطاغوت ، ولو وجد قاضياً شرعياً، لا يحكم إلا بالشرع وقد تم تنصيبه تنصيباً صحيحاً، لما ترافع إلا إليه.
فالمطالب بحقه الشرعي في رأس المال ، مثلاً ، المترافع بموجب الضرورة إلى ذي سلطان أو قاضي كافر أو قاضي يحكم بنظام كفر ، أو قاضي لم يعين بطريقة شرعية صحيحة لم يتحاكم إلا إلى ما أنزل الله ، وهو بذلك مسلم مؤمن.

أقول ( ضياء الدين ) : يا رجل ، كيف وبالرغم أن القاضي الكافر قد حكم له بالزيادة الربوية ومع ذلك تقول : " فالمؤمن في كل تلك الأحوال إنما يتحاكم إلى شرع الله ، لا إلى الطاغوت ؟
هل رَفْض المتحاكم الزيادة الربوية وإبلاغ القاضي بذلك يجعل حكم القاضي الكافر حكماً بما شرع الله بالرغم من أنه حكم بالزيادة الربوية ، ويجعل من تحاكم إليه قد تحاكم إلى شرع الله ؟!
هل هذا الكلام يقوله من يفهم ما يقول يا من طلب العلم كما ينبغي ؟!
أم أنك تستخف بعقول من يسمعك ؟
حسب هذا الكلام أصبح لا يهم ما سيحكم به القاضي الكافر هل وافق شرع الله أم لم يوافق ، هل حكم باسم الله أو باسم غيره . المهم نية وقصد من تحاكم إليه ، فإن كان الذي تحاكم إليه يريد حقه فقط فهو بذلك قد تحاكم إلى شرع الله وإلى ما أنزل الله ولم يتحاكم للطاغوت ، بغض النظر عن عقيدة ودين وقانون ومرجعية من تحاكم إليه ، فكل هذا لا يهم عند الأستاذ المسعري هداه الله .
ثم قولك : " ولو وجد قاضياً شرعياً ، لا يحكم إلا بالشرع وقد تم تنصيبه تنصيباً صحيحاً ، لما ترافع إلا إليه."
هذا من أعجب وأغرب ما سمعت .
فإن كان التحاكم بنية أخذ الحق للقاضي الكافر الذي يحكم بغير شرع الله وباسم غير الله هو تحاكم لشرع الله وقانون الله ولما أنزل الله ، وليس تحاكماً للطاغوت كما تقول يا أستاذ ، يا من تعلمت العلم كما ينبغي ، فلا فرق إذن في هذه الحالة بين التحاكم لقاضي كافر يحكم بغير شرع الله وباسم غير الله وبين قاضي مسلم يحكم بشرع الله وباسم الله . فكلاهما عندك تحاكم لما أنزل الله وتحاكم لشرع الله . فلا داعي إذن أن تقول : " ولو وجد قاضياً شرعياً ، لا يحكم إلا بالشرع وقد تم تنصيبه تنصيباً صحيحاً ، لما ترافع إلا إليه."
وهنا أسال : ما حكمه إن تحاكم لأخذ حقه لقاضي كافر يحكم بغير شرع الله وباسم غير الله مع وجود قاضي شرعي يحكم بشرع الله ، ما دام التحاكم لكليهما تحاكم لشرع الله ولما أنزل الله كما تقول ؟

قولك : أما من زعم أن ذلك الترافع تحاكم إلى الطاغوت فهو لم ينظر إلى المسألة في جوهرها بعمق ودقة ؛ فاستحقاق رأس المال للدائن على المدين تتفق فيه أكثر الشرائع ، إن لم يكن جميعها. فمن رد ذلك إلى أمر الله ونهيه فهو المسلم المؤمن ، ومن رده إلى عرف ، أو عقل ، أو مصلحة ، أو أمر برلمان أو مرسوم ملكي فهو مشرك كافر . فالقضية قضية اعتقاد في مرجعية معينة والرد إليها . أي أن القضية هي :
أولاً : قضية اعتقاد المتحاكم ومرجعيته ،
وثانياً : قضية نص النظام ومحتواه ، في المقام الأول وليست شخصية من يطبقه ، أو إحسان هذا للتطبيق من عدمه ،
فالطاغوت ليس شخصاً معيناً ، وإنما هو اعتقاد معين ، ينبثق منه نظام معين ، أو هو كيان معنوي ، قد يمثله أشخاص أو مؤسسات أو دول .
فليست القضية إذاً هي سداد رأس المال أو عدمه ، أو من له سلطة الحكم أو صلاحية تنفيذ ذلك الحكم . وهكذا في كافة المسائل والقضايا.

أقول ( ضياء الدين ) : يا رجل عن أي جوهر وأي عمق ودقة تتحدث . المسألة واضحة لكل موحد لأنها من الركن الأول لدخول الدين . فلا داعي لفلسفة الأمور واستخفاف بعقل القارئ .
وهل لو اتفقت كل الشرائع على حكم ، هل يعني أن حكم هذه الشرائع هو حكم الله وأن التحاكم له تحاكم لشرع الله حتى ولو حُكم به بغير اسم الله ؟!
أنت تُقر وتعترف أن رد الحكم لغير الله شرك وكفر ، فكيف وبأي دليل وعقل ومنطق وعلم تحكم على من تحاكم للقاضي الكافر الذي يحكم بغير شرع الله وباسم غير الله بمجرد أنه أراد أن يأخذ حقه ، بأنه قد رد الحكم لله وتحاكم لما أنزل الله ولشرع الله ولم يتحاكم للطاغوت ، مع أنك نفسك تصفه بأنه تحاكم للقاضي الكافر الذي يحكم بغير شرع الله ؟ أليس هذا تناقض عجيب ؟!
هل هذه هي الدقة والعمق الذي تقصد ؟!
هل هذا هو طلب العلم كما ينبغي ؟
بل هي والله من تزين الشيطان وإضلاله الضلال البعيد لك ولمن يقول بقولك .
اعلم أن من تحاكم لقاضي كافر يحكم بغير شرع الله وباسم غير اسم الله فقد تحاكم للطاغوت ، هذا ما نصت عليه آية ( النساء : 60 ) المحكمة ولا يُفهم منها غير ذلك . فإن كان من تحاكم له يحكم باسم العرف فقد رد الحكم لمن يحكم بالعرف ولم يردها لله ولا لشرعه . وإن كان من تحاكم له يحكم باسم العقل فقد رد الحكم لمن يحكم بالعقل ولم يردها لله ولا لشرعه . وإن كان من تحاكم له يحكم باسم المصلحة فقد رد الحكم لمن يحكم بالمصلحة ولم يردها لله ولا لشرعه . وإن كان من تحاكم له يحكم باسم البرلمان فقد رد الحكم للبرلمان ولم يردها لله ولا لشرعه . وإن كان من تحاكم له يحكم باسم مرسوم ملكي فقد رد الحكم للملك ولم يردها لله ولا لشرعه . فالقضية ليست قضية اعتقاد كما تقول بل قضية عمل ظاهر يُحكم بحسبه في الدنيا . وإلا على حسب قولك لا يَكفر المسلم ولا يسمى متحاكماً للطاغوت في كل مكان وزمان إن تحاكم لقاضي كافر يحكم بغير شرع الله وباسم غير الله ، إن أراد المسلم أن يأخذ حقه فقط ، لأنه على حسب قولك لا يكون بهذا قد تحاكم للطاغوت بل يكون قد تحاكم لما أنزل الله .
وبحسب عقيدتك هذه علينا أن نفهم آية (النساء : 60 ) كما يلي : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ )
" يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ " يعني يريدون أن يتحاكموا للطاغوت لأجل أن يأخذوا أكثر من حقهم وليس لأجل أن يأخذوا حقهم فقط ، ولو كانوا عندما تحاكموا للطاغوت ( القاضي الذي يحكم بغير شرع الله وباسم غير الله ) ينوون ويقصدون أخذ حققهم فقط لكانوا متحاكمين لما أنزل الله ولشرع الله وغير متحاكمين للطاغوت ، لأن القضية قضية اعتقاد في مرجعية معينة والرد إليها . فهم بما أنهم لا يعتقدون بمرجعية الطاغوت ويريدون أن يأخذوا حقهم فقط ، فتحاكمهم للقاضي الكافر الذي يحكم بغير شرع الله وباسم غير الله لا يعد تحاكماً للطاغوت بل تحاكماً لما أنزل الله ولشرع الله . أما إن اعتقدوا بمرجعية الطاغوت فقد تحاكموا لغير ما أنزل الله ولم يكفروا بالطاغوت ، وفي هذه الحالة فقط يكونون قد ضلوا ضلالاً بعيداً .
أقول ( ضياء الدين ) : سبحان ربي ! هذا والله فهم لآيات الله عقيم وبهتان عظيم وتحريف لمحكم آيات القرآن كبير . وتزيين من الشيطان الرجيم .

قولك : " فاستحقاق رأس المال للدائن على المدين تتفق فيه أكثر الشرائع ، إن لم يكن جميعها. فمن رد ذلك إلى أمر الله ونهيه فهو المسلم المؤمن ، ومن رده إلى عرف ، أو عقل ، أو مصلحة ، أو أمر برلمان أو مرسوم ملكي فهو مشرك كافر. فالقضية قضية اعتقاد في مرجعية معينة والرد إليها . "

أقول ( ضياء الدين ) : هل من تحاكم لقاضي كافر يحكم بالعرف وباسم العرف رد الأمر لله ولحكمه أم للعرف ولمن يحكم به ؟
هل من تحاكم لقاضي كافر يحكم بالعقل وباسم العقل رد الأمر لله ولحكمه أم لحكم العقل ولمن يحكم به ؟
هل من تحاكم لقاضي كافر يحكم بالمصلحة وباسم المصلحة رد الأمر لله ولحكمه أم للمصلحة ولمن يحكم بها ؟
هل من تحاكم لقاضي كافر يحكم باسم البرلمان وحسب قوانين البرلمان رد الأمر لله أم لقوانين البرلمان ولمن يحكم بها ؟
هل من تحاكم لقاضي كافر يحكم باسم الملك وبمرسوم الملك رد الأمر لله ولحكمه أم للملك ولمن يحكم بمراسيمه ؟
الطاغوت يقول لك إن أردت أن تُرجع حقك فعليك أن تتحاكم لي ولقوانيني ، وأنت تراجعه للتحاكم له وتقول له : أريد أن تحكم بيني وبين خصمي . ثم إن قلتُ لك : أنت بهذا قد تحاكمت إلى الطاغوت وقوانينه ، تقول لي : لا ، أنا لم أتحاكم للطاغوت بل تحاكمت لشرع الله لأن القانون الذي سيحكم به الطاغوت يتوافق مع شرع الله .
أقول : هذا والله استخفاف بعقول العقلاء ومن يفهمون الكلام بالشكل الصحيح .
هذا من خداع النفس .
هذا من تزين الشيطان .
هذا من إضلال الشيطان البعيد .
هذا مِثل تغير اسم الخمر والربا والزنا والفواحش لاستحلاله .
هذا كمن يزني بإمرة غيره ويقول أنا لم أجامع إمرأة غيري بل جامعت إمرأتي لأن هذه المرأة تشبهها .
يا رجل أنت الظاهر لم تقرأ ما يكتبه المشتكي عندما يريد أن يتحاكم للطاغوت .
فاتق الله ولا تخدع نفس ومن أجر عقله لك من أتباعك .
التحاكم لشرع الله هو أن يكون التحاكم لمن يحكم بشرع الله الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن يحكم به بإسم الله لا باسم غيره .وليس التحاكم لشرع الله وقانون الله هو التحاكم لما يشابه أو يوافق شرع الله ولمن يحكم به بغير اسم الله . فالتوافق والتشابه لا تعني أن الأمر هو نفسه بل تعني أنه ليس هو بل متوافق معه ومتشابه .
وعندما يقول الله سبحانه : " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا . . " ( المائدة : 48 )
يعني بقوله : " بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ " أي بالكتاب الذي أنزلناه عليك بالحق وليس بما يشابهه أو بما يوافقه من قوانين الكفار .
وكذلك عندما يقول الله سبحانه : " وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ " (المائدة : 49)
لا يفهم من قوله تعالى " بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ " بما يوافق ويشابه ما أنزل الله .
وكذلك عندما يقول الله سبحانه : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا " (النساء : 61)
لا يُفهم من قوله تعالى : " تَعَالَوْاإِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ " تعالوا إلى ما يوافق ويشابه ما أنزل الله ولو حكم به باسم غير الله .
ولا يفهم من قوله تعالى " وَإِلَى الرَّسُولِ " تعالوا لمن يحكم بما يشابه ويوافق قول الرسول حتى ولو حكم به باسم غير الله .

قولك : أي أن القضية هي :
أولاً : قضية اعتقاد المتحاكم ومرجعيته ،

أقول ( ضياء الدين ) : ماذا تقصد بقولك أنها قضية اعتقاد ومرجعية ؟
وما علاقة الاعتقاد بفعل التحاكم الظاهر المضبوط المعروف معناه وكيف يكون وبأي صيغة ولفظ يكون ؟!
فمن فَعل فِعل التحاكم لا يُوصف إلا أنه تحاكم . بغض النظر عن اعتقاده ورضاه أو عدمه ، فهذه لها أحكام أخرى سواء فعل فِعل التحاكم أو لم يفعله .
نعم هي قضية لمن مرجعية الحكم ، فإن كانت لمن يحكم باسم الله وبشرعه فهي التحاكم لله ولشرعه ، وإن كانت لمن يحكم باسم غير الله وشرع غير الله ، فهي التحاكم للطاغوت بغض النظر عن مدى موافقة حكمه لحكم الشرع أو عدم موافقته . وقد أقررت بذلك أنت نفسك عندما قلت : " في حين أن القاضي أو المتنفذ الذي يحكم له بحقه أو ينفذ له ذلك الحق ويستحصله له لأن ذلك هو نص القانون الذي سنه البرلمان صاحب السيادة ، أو الملك صاحب الحق «الإلاهي»، أو هو العرف المتوارث الساري الذي قبله الناس على تطاول القرون ، والناس هم مصدر السلطات ، هو بذلك المعتقد مشرك كافر ، وهو من أهل النار يوم القيامة إن كانت بلغته رسالة الله ، وقامت عليه الحجة ، بغض النظر عن موافقة حكمه في تلك المسألة العينية لحكم الله ورسوله مصادفة ، أو عدم موافقته .

اقول ( ضياء الدين ) : فإن كان ما حكم به وباسمه القاضي الكافر ، هو ما نص عليه القانون الذي سنه البرلمان أو الملك صاحب الحق «الإلاهي»، أو هو العرف المتوارث الساري الذي قبله الناس على تطاول القرون حسب قولك وليس ما نص عليه الله وما سنه رسوله صلى الله عليه وسلم ، فكيف تصف من تحاكم إليه قد تحاكم لما أنزل الله وشرع الله ولم يتحاكم للطاغوت مع أنك حكمت على من حكم به لأنه حكم به أنه مشرك كافر .؟؟
أما مسألة الاعتقاد فهي قد تكون قبل فعل التحاكم ، فمن اعتقد جواز التحاكم لمن يحكم بغير شرع الله وباسم غير الله فهو مشرك كافر بهذا الاعتقاد حتى ولو تحاكم لشرع الله ولم يتحاكم لغيره . فإن تحاكم مع هذا الاعتقاد لمن يحكم بغير شرع الله فقد أضاف لكفر الاعتقاد كفر العمل المخرج من الملة .

قولك : وثانياً : قضية نص النظام ومحتواه ، في المقام الأول وليست شخصية من يطبقه ، أو إحسان هذا للتطبيق من عدمه ،

أقول ( ضياء الدين ) : وما هي علاقة النص الذي سيحكم به القاضي الكافر الذي يحكم بغير ما أنزل الله وباسم غير الله ، في فعل التحاكم له ؟
من أين لك وعلى أي دليل تستند بأن التحاكم للقاضي الكافر الذي يحكم بغير شرع الله ، وباسم غير الله ، للحكم على من تحاكم إليه أنه تحاكم إلى الطاغوت أو إلى شرع الله ، يعتمد على النص الذي يحكم به القاضي الكافر ومدى مخالفته وموافقته لشرع الله ؟
لا شك أن شخص المتحاكم له وشكله غير مهم ، المهم باسم من يحكم وبأي شرع يحكم .
فمن تحاكم لمن يحكم بغير شرع الله وباسم غير الله فقد تحاكم للطاغوت مهما كان قصده ومهما كانت عقيدته ومهما شابه ووافق حكم من يحكم بما أنزل الله وباسم غير الله ، حكم الشرع . هذا ما يفهم من آية ( النساء : 60 ) المحكمة . ومن يدعي غير ذلك فعليه الإثبات ولن يستطع .

قولك : فالطاغوت ليس شخصاً معيناً ، وإنما هو اعتقاد معين ، ينبثق منه نظام معين ، أو هو كيان معنوي ، قد يمثله أشخاص أو مؤسسات أو دول .

أقول ( ضياء الدين ) : الطاغوت كما عرفه ابن القيم تعريفاً مانعاً جامعاً قال : " الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله ، أو يعبدونه من دون الله ، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله ، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله ، فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها ، رأيت أكثرهم عدلوا من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت ، وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت ، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته " ( أعلام الموقعين : 1/50.)
وقال ابن القيم ايضاً : ( إن من تحاكم ، أو حاكم ، إلى غير ما جاء به الرسول ، فقد حكم بالطاغوت وتحاكم إليه) اهـ
ولم يقل أحد من علماء السلف ولا علماء الخلف أن الطاغوت هو اعتقاد معين ...
فلم تَرد كلمة ( اعتقاد ) في كلام السلف الصالح البتة .

قولك : فليست القضية إذاً هي سداد رأس المال أو عدمه ، أو من له سلطة الحكم أو صلاحية تنفيذ ذلك الحكم . وهكذا في كافة المسائل والقضايا.

أقول ( ضياء الدين ) : نعم القضية ليست سداد رأس المال أو عدمه وليست كذلك قضية الحصول على الحق أو أكثر منه . ولكنها قضية ، باسم من يُحكم وبأي قانون يُحكم . فمن تحاكم لمن يَحكم بغير شرع الله وباسم غير الله ، فقد تحاكم للطاغوت مهما كانت نيته وقصده .

يتبع إن شاء الله
[/align]

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فهرس مؤلفات الشيخ ضياء الدين القدسي حفظه الله ..(متجدد) أنصار التوحيد الكتب 0 04-02-2011 02:48 AM


الساعة الآن 12:42 AM


جميع المشاركات تعبّر عن وجهة نظر صاحبها ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر إدارة المنتدى