عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 07-25-2012, 02:33 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

[align=justify]
تكملة 1 الرد على الرد الثاني للمسعري
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

قولك : ثم أضاف الأستاذ ضياء القدسي بحثاً عن ( التبني ) ، صال فيه وجال ، مسيئاً لفهم كلامنا كعادته. يقول الأستاذ ضياء القدسي: [ لا يمكن أن يفهم من كلام الأستاذ المسعري أن الذي يكفر بعد نزول القرآن هو الذي يعتقد « التبني » بمعنى « الاصطفاء » لأن من يعتقد أن الله اصطفى عيسى عليه السلام وجميع الأنبياء لا يكفر حتى بعد نزول القرآن. ولا يوجد في القرآن الكريم آية تمنع استعمال كلمة ابن بمعنى الاصطفاء حتى نحكم على من ينكرها بالكفر ؟؟!
بل جاء في القرآن الكريم أن اليهود والنصارى ادعوا أنهم أبناء الله ، قال تعالى عنهم : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}، (المائدة: 18). أقول: لا يفهم من إدعائهم أنهم أبناء الله ، أنهم أبناؤه على الحقيقة ، لأنه لا أحد من اليهود والنصارى يعتقد ذلك ،ولكنهم قصدوا [أصفياؤه]، لهذا لم يُكذَّبوا على أنهم ادعوا البنوة الحقيقية لله ولم يكفروا لهذا القول ، لأنهم لم يكونوا يدعون أنهم أبناء الله على الحقيقة. وإنما كُذبوا على أنهم أصفياء الله وأحباؤه ، بقوله تعالى : {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم ْبِذُنُوبِكُمْ }، فالحبيب لا يعذب حبيبه ولا صفيه] انتهى كلام الأستاذ ضياء القدسي.
قلت: بل توجد آيات مكية كثيرة تنكر على من نسب إلى الله الولد ، وعلى الذين خرقوا له بنين وبنات بغير علم ،... إلخ.

أقول ( ضياء الدين ) : بداية أين أسأت فهم كلامك حتى تقول : " مسيئاً لفهم كلامنا كعادته " ؟
ثم أين هذه الآيات المكية التي تُنكر على من نسب إلى الله الولد بمعنى الاصطفاء وتُكَفِّر من نسب ذلك لله ؟
أتحداك أن تأتي بآية واحدة تُنكر على من استعمل كلمة ابن لله بمعنى الاصطفاء بحق عيسى عليه السلام وتكفره على ذلك .
تقول : بل توجد آيات مكية كثيرة تنكر على من نسب إلى الله الولد ، وعلى الذين خرقوا له بنين وبنات بغير علم ،... إلخ.
ولا تأتي بمثال واحد ، بينما نراك تسهب وتطيل وتملأ الصفحات الطوال في ذكر الروايات عن قصة عتبة بن ربيعة وقصة حصين بن عمران الخزاعي من غير حاجة لذلك سوى عرض العضلات .
يا رجل يا من طلبت العلم كما ينبغي ، اعلم أن جميع الآيات التي تُنكر نسبة الابن إلى الله تُنكر النسبة الحقيقية وليس بمعنى الاصطفاء . وإليك بعضها :
قوله تعالى فيمن خرقوا له بنين وبنات بغير علم والتي ذكرتها أنت كمثال على نسبة الولد بمعنى الاصطفاء وهي ليست كذلك : " وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ . بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ . (الأنعام : 100-101)
نسبة البنين والبنات هنا لله نسبة بنوة حقيقية وليست بمعنى الاصطفاء كما تعتقد . والآية التي جاءت بعدها لأكبر دليل على ذلك فقد قال الله سبحانه بعدها : " بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ."
فلا يقول بأن المقصود هنا في الآية بنوة الاصطفاء إلا جاهل متعالم لا يفهم أبسط كلام الله .
جاء في تفسير ابن كثير لهذه الآية :
" وقوله تعالى: {وخرقوا له بنين وبنات بغير علم} ينبه به تعالى عن ضلال من ضل , في وصفه تعالى بأن له ولداً كما يزعم من قاله من اليهود في عزير , ومن قال من النصارى في عيسى , ومن قال من مشركي العرب في الملائكة , إنها بنات الله تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً ومعنى وخرقوا أي اختلقوا وائتفكوا وتخرصوا وكذبوا , كما قاله علماء السلف: قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: وخرقوا يعني تخرصوا, وقال العوفي عنه {وخرقوا له بنين وبنات بغير علم} قال كذبوا وكذا قال الحسن, وقال الضحاك , وضعوا, وقال السدي قطعوا , قال ابن جرير: وتأويله إذاً وجعلوا لله الجن شركاء في عبادتهم إياهم , وهو المنفرد بخلقهم بغير شريك ولا معين ولا ظهير , {وخرقوا له بنين وبنات بغير علم} بحقيقة ما يقولون , ولكن جهلاً بالله وبعظمته, فإنه لا ينبغي لمن كان إلهاً, أن يكون له بنون وبنات, ولا صاحبة , ولا أن يشركه في خلقه شريك, ولهذا قال {سبحانه وتعالى عما يصفون} أي تقدس وتنزه وتعاظم , عما يصفه هؤلاء الجهلة الضالون, من الأولاد والأنداد والنظراء والشركاء." أهـ
وقال تعالى : " وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا . لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا . تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا . أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا . وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا . إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا " (مريم 88-93)
أيضا هنا المقصود هو اتخاذ البنوة الحقيقية وليس البنوة بمعنى الاصطفاء .
وقال تعالى : " أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا " (الإسراء : 40)
أيضا المقصود هنا من إتخاذ الملائكة إناثاً البنوة الحقيقية وليس البنوة بمعنى الاصطفاء .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية :
" ( أَفَأَصْفَاكُمْ رَبّكُم بِالْبَنِينَ وَاتّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثاً إِنّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً )
يقول تعالى راداً على المشركين الكاذبين الزاعمين, عليهم لعائن الله : أن الملائكة بنات الله, فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً, ثم ادعوا أنهم بنات الله , ثم عبدوهم فأخطئوا في كل من المقامات الثلاث خطأ عظيماً, فقال تعالى منكراً عليهم { أفأصفاكم ربكم بالبنين} أي خصصكم بالذكور {واتخذ من الملائكة إناثاً} أي واختار لنفسه على زعمكم البنات, ثم شدد الإنكار عليهم فقال : {إنكم لتقولون قولاً عظيماً} أي في زعمكم أن لله ولداً, ثم جعلكم ولده الإناث التي تأنفون أن يكن لكم وربما قتلتموهن بالوأد, فتلك إداً قسمة ضيزى , وقال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً * لقد جئتم شيئاً إدّاً * تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً * أن دعوا للرحمن ولداً * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً * إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً, لقد أحصاهم وعدهم عداً * وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً}. " اهـ

قولك : والتبني نوع مخصوص من الاصطفاء ، وليس هو عين الاصطفاء ، وكان المتبنى يحمل اسم متبنيه ، وينتسب إليه، ويتوارثان، كابن الصلب تماماً، حتى نسخ هذا في السنة الخامسة للهجرة ، أو بعدها بنزول الآيات الشهيرة في سورة الأحزاب.
ومن أوضح ذلك قوله ، جل جلاله ، وسما مقامه : {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ * وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، (التوبة؛ 9: 29 - 31). فأنكر عليهم ذات التسمية : ( ابن الله)، وجعلها مضاهاة لقول الكفار السابقين ، فهي من أقوال الكفار ، ومن جرأتهم وقلة أدبهم الخبيثة في الكلام عن الله ، وأن كل ذك إفك وافتراء ، لذلك قال: ( قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}، ولم يزد ، ولم يذكر شركاً أو كفراً ؛ ثم شدَّد النكير ، وصعَّد التصنيف، فعقب بما هو كفر وشرك متيقن ، ألا وهو اتخاذ الأحبار والرهبان والمسيح بن مريم (أرباباً) من دون الله ، وحتى لا تبقى شبه في معنى الربوبية ها هنا، وأنها متلازمة مع الألوهية ، قال: {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّلِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، وفي هذا أيضاً بيان جلي أنهم خالفوا ما أمروا به من التوحيد .
ولعلنا نلاحظ أنه ، جل جلاله ، وسما مقامه ، لم يكرر ذكر عزير ، كما فعل بالنسبة للمسيح بن مريم ، صلوات الله وسلامه وتبريكاته عليه وعلى والدته ، مما يشعر بأن مقولة اليهود: (عزير ابن الله)، وإن تطابقت في اللفظ مع مقولة النصارى ، إلا أنها لا تعبر عن نفس المعتقد: فمقولة اليهود : إفك وافتراء ، ومضاهاة لقول الكفار السابقين ، فقط والله أعلم ، أما مقولة النصارى فهي كذلك ، وزيادة : تعبر عن اعتقاد معين جعل المسيح بن مريم إلاهاً ورباً من دون الله.

أقول ( ضياء الدين ) : إن كان وصف البنوة لعزير بمعنى الاصطفاء كما تعتقد فلماذا ينكرها الله عليهم ويعدها أفك ؟ وعزير أقل أحواله أنه رجل صالح اصطفاه الله بالرعاية الخاصة .
يا رجل يا من تدعي أنك طلبت العلم كما ينبغي ، اعلم أن المقصود بقوله تعالى : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُعُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ ) البنوة الحقيقية وعليه إجماع المفسرين قاطبة ، لأن هذا ما يفهمه كل من يعرف العربية ويعرف كيف يفهم الكلام ، ولم يقل بمثل قولك أحد من علماء المسلمين ومفسريهم ، إلا أن تدعي أنه قد نزل عليك وحي من السماء أخبرك بذلك عندما استخرت الله .
اعلم أنه كان هناك من اليهود مَن كان يعتقد بالبنوة الحقيقة لعزير كما يعتقدها النصارى في المسيح وهم من وصفوا في هذه الآية . لهذا وصفها الله في محكم كتابه بأنها أفك وضلال ولعنهم على هذا القول والاعتقاد حيث قال عز من قائل : " قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ " .
جاء في تفسير الطبري :
" اختلف أهل التأويل في القائل: عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ فقال بعضهم: كان ذلك رجلاً واحدا, هو فنحاص. ذكر من قال ذلك:
12986ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير, قوله: وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ, قال: قالها رجل واحد, قالوا: إن اسمه فنحاص, وقالوا: هو الذي قال: إنّ اللّهَ فَقِيرٌ ونَحنُ أغْنِياءُ.
وقال آخرون: بل كان ذلك قول جماعة منهم. ذكر من قال ذلك:
12987ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: حدثنا محمد بن إسحاق, قال: ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت, قال: ثني سعيد بن جبير أو عكرمة, عن ابن عباس, قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلامُ بن مشكم, ونعمان بن أوفى, وشاس بن قيس, ومالك بن الصيف, فقالوا: كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا, وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله ؟ فأنزل في ذلك من قولهم: وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقالَتِ النّصَارَى المَسِيحُ ابْنُ اللّهِ... إلى: أنّى يُؤْفَكُونَ.
12988ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وإنما قالوا: هو ابن الله من أجل أن عزيرا كان في أهل الكتاب وكانت التوراة عندهم يعملون بها ما شاء الله أن يعملوا, ثم أضاعوها وعملوا بغير الحقّ. وكان التابوت فيهم فلما رأى الله أنهم قد أضاعوا التوراة وعملوا بالأهواء, رفع الله عنهم التابوت, وأنساهم التوراة ونسخها من صدورهم, وأرسل الله عليهم مرضا, فاستطلقت بطونهم, حتى جعل الرجل يمشي كَبِدُه, حتى نسوا التوراة, ونسخت من صدورهم, وفيهم عزير. فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا بعد ما نسخت التوراة من صدورهم, وكان عزير قبل من علمائهم, فدعا عزير الله وابتهل إليه أن يردّ إليه الذي نسخ من صدره من التوراة. فبينما هو يصلي مبتهلاً إلى الله, نزل نور من الله فدخل جوفه, فعاد إليه الذي كان ذهب من جوفه من التوراة, فأذن في قومه فقال: يا قوم قد آتاني الله التوراة, وردّها إليّ فعلق يعلمهم, فمكثوا ما شاء الله وهو يعلمهم. ثم إن التابوت نزل بعد ذلك, وبعد ذهابه منهم فلما رأوا التابوت عرضوا ما كان فيه على الذي كان عزير يعلمهم, فوجدوه مثله, فقالوا: والله ما أوتي عزير هذا إلا أنه ابن الله.
12989ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ إنما قالت ذلك, لأنهم ظهرت عليهم العمالقة فقتلوهم, وأخذوا التوراة, وذهب علماؤهم الذين بقوا فدفنوا كتب التوراة في الجبال. وكان عزير غلاما يتعبد في رءوس الجبال لا ينزل إلا يوم عيد, فجعل الغلام يبكي ويقول: ربّ تركت بني إسرائيل بغير عالم فلم يزل يبكي حتى سقطت أشفار عينيه. فنزل مرّة إلى العيد فلما رجع إذا هو بامرأة قد مثلت له عند قبر من تلك القبور تبكي وتقول: يا مطعماه, ويا كاسياه فقال لها: ويحك, من كان يطعمك ويكسوك ويسقيك وينفعك قبل هذا الرجل؟ قالت: الله. قال: فإن الله حيّ لم يمت. قالت: يا عزير, فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل؟ قال: الله. قالت: فلم تبكي عليهم؟ فلما عرف أنه قد خُصِم ولى مدبرا, فدعته فقالت: يا عزير إذا أصبحت غدا فأت نهر كذا وكذا فاغتسل فيه, ثم اخرج فصلّ ركعتين, فإنه يأتيك شيخ فما أعطاك فخذه فلما أصبح, انطلق عزير إلى ذلك النهر, فاغتسل فيه, ثم خرج فصلى ركعتين, فجاءه الشيخ فقال: افتح فمك ففتح فمه, فألقى فيه شيئا كهيئة الجمرة العظيمة مجتمعا كهيئة القوارير ثلاث مرار. فرجع عزير وهو من أعلم الناس بالتوراة, فقال: يا بني إسرائيل, إني قد جئتكم بالتوراة. فقالوا يا عزير ما كنت كذّابا. فعمد فربط على كلّ أصبع له قلما, وكتب بأصابعه كلها, فكتب التوراة كلها. فلما رجع العلماء أخبروا بشأن عزير, فاستخرج أولئك العلماء كتبهم التي كانوا دفنوها من التوراة في الجبال, وكانت في خوابٍ مدفونة, فعارضوها بتوراة عزير فوجدوها مثلها, فقالوا: ما أعطاك الله هذا إلا أنك ابنه." اهـ
وجاء في تفسير القرطبي :
" قوله تعالى: "وقالت اليهود" هذا لفظ خرج على العموم ومعناه الخصوص ، لأن ليس كل اليهود قالوا ذلك. وهذا مثل قوله تعالى : " الذين قال لهم الناس" [آل عمران:173] ولم يقل ذلك كل الناس . وقيل: إن قائل ما حكى عن اليهود سلام بن مشكم ونعمان بن أبي أوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف، قالوه للنبي صلى الله عليه وسلم. قال النقاش: لم يبق يهودي يقولها بل انقرضوا فإذا قالها واحد فيتوجه أن تلزم الجماعة شنعة المقالة، لأجل نباهة القائل فيهم. وأقوال النبهاء أبدا مشهورة في الناس يحتج بها. فمن ههنا صح أن تقول الجماعة قول نبيهها. والله أعلم. وقد روي أن سبب ذلك القول أن اليهود قتلوا الأنبياء بعد موسى عليه السلام فرفع الله عنهم التوراة ومحاها من قلوبهم ، فخرج عزير يسيح في الأرض ، فأتاه جبريل فقال: (أين تذهب ) ؟ قال : أطلب العلم ، فعلمه التوراة كلها فجاء عزير بالتوراة إلى بني إسرائيل فعلمهم. وقيل : بل حفظها الله عزيرا كرامة منه له، فقال لبني إسرائيل: إن الله قد حفظني التوراة ، فجعلوا يدرسونها من عنده. وكانت التوراة مدفونة، كان دفنها علماؤهم حين أصابهم من الفتن والجلاء والمرض ما أصاب وقتل بختنصر إياهم. ثم إن التوراة المدفونة وجدت فإذا هي متساوية لما كان عزير يدرس فضلوا عند ذلك وقالوا: إن هذا لم يتهيأ لعزير إلا وهو ابن الله حكاه الطبري. وظاهر قول النصارى أن المسيح ابن الله، إنما أرادوا بنوة النسل كما قالت العرب في الملائكة. وكذلك يقتضي قول الضحاك والطبري وغيرهما. وهذا أشنع الكفر. قال أبو المعالي: أطبقت النصارى على أن المسيح إله وإنه ابن إله. قال ابن عطية: ويقال إن بعضهم يعتقدها بنوة حنو ورحمة. وهذا المعنى أيضا لا يحل أن تطلق البنوة عليه وهو كفر." أهـ
وجاء في تفسير ابن كثير :
" فأما اليهود فقالوا في العزير: إنه ابن الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .. "
ولولا خشية الإطالة لأتيتك بكلام كل المفسرين قاطبة مثبتاً لك أن المقصود من قوله تعالى ( وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ ) البنوة الحقيقية وليس كما فهمتها أنت بمعنى الاصطفاء .ولكن في نقلته كفاية لم أراد الحق .

قولك : وجعلها مضاهاة لقول الكفار السابقين ، فهي من أقوال الكفار ، ومن جرأتهم وقلة أدبهم الخبيثة في الكلام عن الله ، وأن كل ذك إفك وافتراء، لذلك قال: ( قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}، ولم يزد ، ولم يذكر شركاً أو كفراً .

أقول ( ضياء الدين ) : (يُضَاهِئُونَ ) يعني يشابهون يوافقون يواطئون . والمشابهة والموافقة بالشرك والكفر شرك وكفر .
جاء في تفسير البغوي لمعنى يضاهئون :
" يضاهئون "، قرأ عاصم بكسر الهاء مهموزا، والآخرون بضم الهاء غير مهموز، وهما لغتان يقال: ضاهيتة وضاهأته ، ومعناهما واحد. قال ابن عباس رضي الله عنه: يشابهون. والمضاهاة المشابهة. وقال مجاهد: يواطؤون. وقال الحسن : يوافقون ،"قول الذين كفروا من قبل " ، قال قتادة والسدي: ضاهت النصارى قول اليهود من قبل، فقالوا: المسيح ابن الله ، كما قالت اليهود عزير ابن الله ، وقال مجاهد : يضاهؤن قول المشركين من قبل الذين كانوا يقولون اللات والعزى ومناة بنات الله . وقال الحسن: شبه كفرهم بكفر الذين مضوا من الأمم الكافرة كما قال في مشركي العرب : "كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم " ( البقرة-188)." اهـ
وبهذا يظهر خطأ قولك : " مما يشعر بأن مقولة اليهود : ( عزير ابن الله ) ، وإن تطابقت في اللفظ مع مقولة النصارى ، إلا أنها لا تعبر عن نفس المعتقد "

قولك : فلعلنا إذاً نستخير الله ونقول:
أولاً: أن معتقد اليهود ، أو بعض فرق اليهود ، في عزير إنما هو بنوة (التبني) فقط ، وليس بنوة (الصلب) أي الانتماء إلى (العنصر، أو الجوهر أو النسب الإلاهي)؛

أقول ( ضياء الدين ) : هذا الكلام خطأ فاحش لا دليل عليه بل كل الأدلة تخالفه ولا يُفهم من لفظ الآية البتة . إلا أن تقول أنك عندما استخرت الله نزل عليك الوحي وأخبرك بذلك .

قولك : ثانياً: أن القول ببنوة (التبني) إنما هو بدعة ابتدعوها، مضاهاة لقول الكفار السابقين ، وما أمروا بها قط ؛ كما أنه ليس في نص القرآن ما يشعر بأنهم أمروا بتركها قبل نزول القرآن ؛

أقول ( ضياء الدين ) : كيف تصفها بأنها بدعة مخالفة لشريعتهم وتقول أنهم لم يؤمروا بتركها ؟
أم أنك تقول هي فقط بدعة مخالفة لشريعتنا وليس مخالفة لشريعتهم ؟
فإن لم يؤمروا بتركها قبل نزول القرآن فهذا يعني أنها لا تخالف شريعتهم . فكيف يحاسبون على ذلك ويُلْعنون ويوصفون بمجانبة الحق والافتراء على الله ومشابهة الكفار ؟
كيف يقال في حقهم مع عدم مخالفتهم لشرعهم : " قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ " ؟؟!

قولك : ثالثاً: أن القول ببنوة ( التبني ) ، وإن كان مضاهاة لقول الكفار السابقين، قبل نزول القرآن ، ليس من أقوال الكفر ، وإن كان في أصله ومنشئه من أقوال الكفار ، فليست كل أقوال الكفار كفراً (ولا العكس : فليس كل من قال بمقولة كفر أصبح بعينه كافراً!).

أقول ( ضياء الدين ) : إن لم تكن من أقوال الكفر ولم ينهوا عنها فلماذا يقال عنهم : " قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} ؟
وأنت نفسك قلت : " ومن جرأتهم وقلة أدبهم الخبيثة في الكلام عن الله ، وأن كل ذك إفك وافتراء "
أقول ( ضياء الدين ) : مع أنك هنا وصفت فعلهم بأنه افتراء وكذب على الله ، تقول أن فعلهم ليس بكفر . يعني أن الكذب والافتراء على الله ليس كفراً في عقيدتك .
اسمع ما قاله الإمام حسن رحمه الله : " وقال الحسن : شبه كفرهم بكفر الذين مضوا من الأمم الكافرة كما قال في مشركي العرب : " كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم " ( البقرة-188)." ( تفسير البغوي )
وليكن في علمك يا من تدعي أنك طلبت العلم كما ينبغي ، أن كل مقالة " كفر " محرمة في كل شرائع الأنبياء بغض النظر عن تكفير قائلها المعين أو عدم تكفيره . فتكفير المعين في المسائل التي لا تعلم إلا بالوحي تحتاج لإقامة الحجة عليه ولكن لا يمنع هذا أن يوصف الكلام الكفر بأنه كفر .

قولك : أما بعد نزول القرآن ، لما سبق ذكره ، ولقوله ، تباركت أسماؤه: ( لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (( الزمر ؛ 39: 4)
وقد قلنا في كتاب التوحيد بعد هذه الآية مباشرة ما نصه : [ فهذا تقدير امتناع لامتناع من أوضح ما يكون: فلو فرض المحال ، جدلاً ، أن الله يشتهي الولد ، ويريد أن يتخذ ولداً ، تعالى وتقدس عن تلك الشهوات والإرادات ، لما كان في الإمكان أكثر من أن «التبني »، أي أن « يصطفي » من مخلوقاته ما يشاء اصطفاءً خاصاً ، فقط لا غير . أما ولد للصلب فمحال ، وأما تبني كائنا إلاهيا آخر فيصبح ولداً متبنىً فمحال أيضاً ، إذا ما ثم إلا كائن إلاهي واحد ، فقط لا غير ، من غير زيادة ولا نقصان ، هو الله العزيز الحكيم. وهذا هو قولنا الذي سلف ، حرفاً بحرف ، فالحمد لله الذي أنزل الذكر، قرآناً وسنة ، شفاءً لما في الصدور ، وهدىً ورحمة لقوم يوقنون .
وهذا الهدى والنور الذي أنزله الله على خاتمة أنبياء الله ، محمد بن عبد الله ، عليه وعلى آله صلوات وتسليمات وتبريكات من الله ، يبين أيضاً أن الله ، جل جلاله ، لا يشتهي الولد أصلاً ، ولا يريده ، ومن ثم فهو لا « يتبنى » مطلقاً ، قلا يجوز أن يوصف إنسان من البشر في الأرض ، أو ملك من ملائكة السماء ، أو أي مخلوق آخر ، بأنه « ابن» الله ، أو « بنت » الله . لذلك فإن القول بأن المسيح عيسى بن مريم ، صلوات الله وسلامه وتبريكاته عليه وعلى والدته ، ابن الله، حتى بمعنى « التبني » هذا ، باطل ، ومن قال به بعد نزول القرآن فهو كافر لأنه مكذب لله تعالى]، انتهى النص المنقول.

أقول ( ضياء الدين ) : هذا فهم عقيم لقوله تعالى : " لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ " (الزمر : 4) لم يقل به أحد من المفسرين .
فلم يقل أحد من المفسرين أن الآية تعني : " فلو فرض المحال ، جدلاً، أن الله يشتهي الولد ، ويريد أن يتخذ ولداً ، تعالى وتقدس عن تلك الشهوات والإرادات ، لما كان في الإمكان أكثر من أن ) التبني ) ، أي أن (يصطفي ) من مخلوقاته ما يشاء اصطفاءً خاصاً، فقط لا غير."
لم يذكر أحد من المفسرين في تفسير هذه الآية تعبير ( التبني ) بمعنى الاصطفاء . فهل أتاك هذا الفهم للآية نتيجة الاستخارة ؟!
وإليك يا من طلبت العلم كما ينبغي ما جاء في تفسير هذه الآية في تفسير ابن كثير :
" وقوله عز وجل : {إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} أي لا يرشد إلى الهداية من قصده الكذب والافتراء على الله تعالى وقلبه كافر بآياته وحججه وبراهينه, ثم بين تعالى أنه لا ولد له كما يزعمه جهلة المشركين في الملائكة والمعاندون من اليهود والنصارى في العزير وعيسى فقال تبارك وتعالى: {لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء} أي لكان الأمر على خلاف ما يزعمون وهذا شرط لا يلزم وقوعه ولا جوازه بل هو محال وإنما قصد تجهيلهم فيما ادعوه وزعموه كما قال عز وجل : { لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين } {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } كل هذا من باب الشرط ويجوز تعليق الشرط على المستحيل لمقصد المتكلم .
وقوله تعالى: {سبحانه هو الله الواحد القهار} أي تعالى وتنزه وتقدس عن أن يكون له ولد , فإنه الواحد الأحد الفرد الصمد , الذي كل شيء عبد لديه فقير إليه وهو الغني عما سواه الذي قد قهر الأشياء فدانت وذلت وخضعت تبارك وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً. " اهـ
فإن كان المقصود من الآية اتخاذ الولد بمعنى الاصطفاء الخاص فقط كما تقول ، فلماذا قال الله سبحانه في الآية منزهاً نفسه (سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) ؟!
هل يُنزه الله نفسه عن عمل جائز في حقه لا يُخِلُّ في ربوبيته أو ألوهيته ؟!

قولك : ومع ذلك فإني شاكر ومقدر للأستاذ ضياء القدسي إثارة هذه القضية لأن نقاشها أوضح أن مقولتنا : ( من قال به بعد نزول القرآن فهو كافر لأنه مكذب لله تعالى) ، وإن كانت صحيحة راجحة ، إن شاء الله ، بمجموع الأدلة آنفة الذكر ، إلا أنها ليست قطعية، لعدم سلامة كلدليل بمفرده من المعارضة ، وإمكانية التأويل ، وسنذكر هذا التفصيل والاحتياط في كتاب التوحيد ، إن شاء الله.

أقول ( ضياء الدين ) : كنت أتمنى بدل من شكرك لي أن تعلن خطأك في مسألة التبني وتعلن توبتك مما قلته فيها وتعلن رجوعك للحق . فهذا سيسعدني كثيراً .

قولك : والعجيب أن هذه البلورة ، وهذا التصحيح ، على العكس تماماً ما يريده الأستاذ ضياء القدسي ، كما يبدو من كلامه ، حيث قال: [ يفهم من كلامك أيضاً: أن القول بأن المسيح عيسى عليه السلام ، هو ابن الله، بمعنى « التبني » قول باطل ولكن لا يكفر قائله إلا بعد نزول القرآن. وعلة الحكم بكفره أنه مكذب لما جاء في القرآن. يعني لا يكفر حتى تقام عليه الحجة من القرآن . فمن لم تصله الآية التي تبين بأن عيسى عليه السلام ليس ابن الله بمعنى (التبني) وينكرها فهو ليس بكافر ولا بمشرك عند الأستاذ المسعري.
فلا النصراني قبل الرسالة المحمدية الذي يعتقد أن عيسى عليه السلام هو ابن الله بمعنى (التبني) مشرك كافر بهذا الاعتقاد ، ولا بعد الرسالة المحمدية من لم تصله الآية التي في القرآن التي تبين أن عيسى عليه السلام ليس ابن الله بمعنى (التبني) مشرك كافر عند الأستاذ المسعري ، لأنه لم يكذب ما وصله من كتاب الله ولم تُقَم عليه الحجة بذلك. فما دام لم يصل لأحد الآية من كتاب الله التي تبين أن عيسى عليه السلام ليس ابن الله بمعنى (التبني) فمعتقد ذلك ليس بكافر ولا مشرك وإن كان اعتقاده باطل . هذه عقيدة الأستاذ المسعري حسب هذا الكلام انتهى كلام الأستاذ ضياء القدسي.
فأقول : نعم ، هذا هو الحق المبين الذي ندين الله به ؛

أقول ( ضياء الدين ) : ليكن في علمك يا من تدعي أنك طلبت العلم كما ينبغي أن كل من يقول من النصارى ببنوة عيسى عليه السلام فقط دون غيره يعتقد بالبنوة الحقيقية وليس بمعنى الاصطفاء . فكفره وشركه ثابت قبل الرسالة وبعدها ، فلا داعي لتحريف الحقائق .
فقد أخبر الله عن اعتقادهم الشركي قبل نزول الوحي حيث قال عز من قائل :
" وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى . اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ " (التوبة :30- 31)
فاصطلاح بنوة عيسى بمعنى التبني والاصطفاء لم يذكرها القرآن ولا يوجد نص واحد يدل على هذا المعنى في حق عيسى عليه السلام . فالبنوة الخاصة التي كان يقول بها النصارى في حق عيسى عليه السلام قبل نزول الوحي والتي ذكرت في القرآن والبنوة التي كان يقول بها بعض اليهود في عزير خاصة هي البنوة الحقيقة والتي هي شرك بالله عند كل الأنبياء قاطبة ، وليس صحيحاً ما تقول به بأن الموحدين أتباع عيسى عليه السلام كانوا يقولون بأن عيسى عليه السلام ابن الله بمعنى الاصطفاء وأن هذا كان غير محرم في شريعتهم ، وكذلك من قال ببنوة عزير لم يقل ببنوة الاصطفاء بل بالبنوة الحقيقة وهذا واضح بَيِّن في كتاب الله لكل من يفهم الخطاب . ولا يوجد دليل صحيح واحد لا عندك ولا عند غيرك يثبت أن الموحدين أتباع عيسى عليه السلام الحقيقيين كانوا يسمون عيسى عليه السلام خاصة بأنه ابن الله بمعنى الاصطفاء .
وليكن في علمك - يا من طلبت العلم كما ينبغي - أن شريعة الموحدين الحقيقيين أتباع عيسى عليه السلام لا تُعرف المعرفة الصحيحة المعتبرة ولا تؤخذ إلا من عدل مسلم بسند صحيح فقط . فشريعة عيسى عليه السلام هي وحي من الله غيب بالنسبة لنا لا تُعرف المعرفة الصحية المعتبرة التي يبنى عليها أحكام إلا بسند صحيح معتبر . أما ما رواه المؤرخون الكفار بحق عيسى عليه السلام وأتباعه فليس دليل شرعي في ديننا نبني عليه عقيدتنا وأفكارنا . ومن الخطأ الفاحش أن ننسب للموحدين أتباع عيسى عليه السلام عقيدة أو قولاً يخالف شرعنا استناداً على ما كتبه الكفار . وإن كانت فرقة الأريوسية من أتباع عيسى عليه السلام الحقيقيين حقاً فإني أجزم أنهم لم يكونوا يسمون عيسى عليه السلام ابن الله لا بمعنى الاصطفاء ولا بغيره ، فهم يعتقدون في عيسى عليه السلام كما نعتقد أنه عبد الله ورسوله ويسمونه كما نسميه ، ولا يوجد في عقيدتهم بحق عيسى عليه السلام وأمه ما يخالف عقيدتنا قيد شعرة ، هذا إن كانوا أتباع عيسى عليه السلام بالمعنى الحقيقي .
قال المهتدي الحسن بن أيوب من علماء القرن الرابع الهجري : " ولما نظرت في مقالات النصارى وجدت صنفاً منهم يعرفون بالأريوسية يجردون توحيد الله ويعترفون بعبودية المسيح عليه السلام ولا يقولون فيه شيئا مما يقوله النصارى من ربوبية ولا بُنوة خاصة ولا غيرها ، وهم متمسكون بإنجيل المسيح ، مقرون بما جاء به تلامذته والحاملون عنه . فكانت هذه الطبقة قريبة من الحق ، مخالفة لبعضه في جحود نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ودفع ما جاء من الكتاب والسنة ." أهـ ( الموحدون من النصارى : أصولهم وواقعهم ومعاناتهم لسفر الحوالي . )
أما ما ذكره ابن تيمية أنه حكي عن بعض الأريوسية أنه كان يسمي عيسى عليه السلام ابن الله على التسمية والتقريب فقد ذكره بصيغة التمريض لا بصيغة الجزم ، والحاكي ليس بمسلم فكلامه غير معتبر ولا يبنى عليه عقيدة ولا فكر صحيح . والخبر الصحيح المعتبر عن فرقة الأريوسية إن كانت من أتباع عيسى عليه السلام بحق هو ما قاله عنها المهتدي الحسن بن أيوب من علماء القرن الرابع الهجري : بأنها تجرد توحيد الله وتعترف بعبودية المسيح عليه السلام ولا تقول فيه شيئاً مما يقوله النصارى من ربوبية ولا بُنوة خاصة ولا غيرها .

يتبع إن شاء الله

[/align]

رد مع اقتباس