عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 07-21-2012, 03:46 AM
طارق الطارق طارق الطارق غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
المشاركات: 12
افتراضي الرد الثاني لفضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الله المسعري على الدكتور ضياء الدين

الرد الثاني بتاريخ - 21-07-2012م



بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّه وخَلِيلُه، وخِيرَتُه مِنْ خَلْقِهِ وحَبِيبُه.
أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ قَالَ اللَّه، جَلَّ جَلَالُهُ، وسما مَقَامَهُ: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، (النَّحْلِ؛16: 125)؛ وَقَالٍ تَبَارَكْتَ أَسْمَاؤُهُ: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، (فَصَلَّتْ؛ 41: 33).
وبعد: سررت جداً عندما ساق الأستاذ ضياء الدين القدسي روايته لقصة حصين بن عمران الخزاعي التي نسبها إلى البيهقي، ونص على حسن إسنادها، لأن المشهور هو قصة عتبة بن ربيعة المذكورة في أسباب النزول، وكذلك مجادلة نفر من صناديد قريش له بألفاظ مشابهة.
* فأما قصة عتبة بن ربيعة المشهورة فحسبك بها مسندة في تاريخ دمشق لابن عساكر (38/242): [أخبرنا أبو عبد الله الفراوي أخبرنا أبو بكر البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي (ح) وأخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك أخبرنا أبو الحسن بن السقا وأبو محمد بن بالويه قالوا أخبرنا محمد بن يعقوب حدثنا عباس بن محمد حدثنا يحيى بن معين حدثنا محمد بن فضيل حدثنا الأجلح عن الذيال بن حرملة عن جابر بن عبد الله قال: قال أبو جهل والملأ من قريش لقد انتشر علينا أمر محمد فلو التمستم رجلا عالما بالسحر والكهانة والشعر فكلمه ثمن أتانا ببيان من أمره فقال عتبة لقد سمعت قول السحر والكهانة والشعر وعلمت من ذلك علما وما يخفى علي إن كان ذلك فأتاه فلما أتاه قال له عتبة يا محمد أنت خير أم هاشم أنت خير أم عبد المطلب أنت خير أم عبد الله قال فلم يجبه قال فيم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا فإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا ألويتنا لن فكنت رأسا ما بقيت وإن كان بك الباه زوجناك عشرة نسوة تختار من أي أبيات قريش شئت وإن كان بك المال جمعنا لم من أموالنا ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، ساكت لا يتكلم فلما فرغ قال رسول الله: {بسم الله الرحمن الرحيم * حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون}، فقرأ حتى بلغ {أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود}، فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم فقال أبو جهل يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه وما ذاك إلا من حاجة أصابته انطلقوا بنا إليه فأتوه فقال له أبو جهل والله يا عتبة ما حسبنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره فإن كان بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد فغضب وأقسم بالله لا يكلم محمد أبدا وقال لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ولكني أتيته فقص عليهم القصة فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا شعر ولا كهانة قرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعقلون}، قال يحيى هكذا قال فيه: {لقوم يعقلون}، حتى بلغ: {أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود}، فأمسكت بفيه وناشدته الرحم يكف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شئيا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب]؛ ثم قال ابن عساكر: [أخبرناه عاليا أبو المظفر بن القشيري أخبرنا أبو سعد الجنزرودي أخبرنا أبو عمرو بن حمدان (ح) وأخبرتنا أم المجتبى بنت ناصر قالت قرئ على إبراهيم بن منصور أخبرنا أبو بكر بن المقرئ قالا أخبرنا أبو يعلى الموصلي حدثنا أبو بكر حدثنا علي بن مسهر عن الأجلح عن الذيال بن حرملة الأسدي عن جابر؛ زاد ابن حمدان ابن عبد الله قال: [اجتمعت قريش للنبي، صلى الله عليه وسلم، يوما فقال انظروا أعلمكم السحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي قد فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا فليكلمه ولينظر ما يرد عليه قالوا ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة قالوا أنت يا أبا الوليد فأتاه عتبة فقال يا محمد أأنت خير أم عبد الله فسكت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال أنت خير أم عبد المطلب فسكت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منكم فقد عبدوا الآلهة التي عبدت وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك إنا والله ما رأينا سخلة قط أشم على قومك منك فرقت جماعتنا وشتت أمرنا وعبت ديننا فضحتنا في العرب حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرا وأن في قريش كاهنا والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضا إلى بعض السيوف حتى تبغانا أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش وإن كان إنما بك الباه فاختر أي نساء قريش فنزوجك عشرا قال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أفرغت قال نعم قال فقال رسول الله: {بسم الله الرحمن الرحيم * حم تنزيل من الرحمن الرحيم " حتى بلغ " فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود}، فأطال عتبة حسبك ما عندك غير هذا قال لا فرجع إلى قريش قالوا ما وراءك قال ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه به إلا كلمته]؛ زاد ابن المقرئ: (به)؛ [قالوا هل أجابك قال نعم والذي نفسي بيده ما فهمت شيئا مما قال غير أنه قال: {أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} قالوا ويلك يكلمك رجل بالعربية لا تدري ما قال: قال لا والله ما فهمت شيئا مما قال غير ذلك الصاعقة].
ــ وهو من طريق ثانية في تاريخ دمشق لابن عساكر (38/244): [أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد أخبرنا أحمد بن محمد بن النقور أخبرنا أبو القاسم عيسى بن علي أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي أخبرنا داود بن عمرو الضبي أخبرنا أبو راشد صاحب المغازي عن محمد بن إسحاق حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر أن قريشا اجتمعت لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، جالس في المسجد فقال لهم عتبة بن ربيعة دعوني حتى أقوم إليه فأكلمه فإني عسى أن أكون أرفق به منكم فقام عتبة حتى جلس إليه فقال يا ابن أخي إنك أوسطنا وأفضلنا فكأنا وقد أدخلت على قومك ما لم يدخل رجل على قومه قبلك فإن كنت تطلب بهذا الحديث مالا فذلك لك على قومك أن تجمع له حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت تريد شرفا فنحن مشرفوك حتى لا يكون أحد من قومك فوقك ولا تقطع الأمور دونك وإن كان هذا عن لمم يصيبك لا تقدر عن النزوع عنه بذلنا لك خزائننا حتى يعذر في طلب الطب لذلك منك وإن كنت تريد ملكا ملكناك قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أفرغت يا أبا الوليد قال نعم قال فقرأ عليه الصلاة والسلام " حم السجدة " حتى مر بالسجدة فسجد وعتبة ملق يده خلف ظهره حتى فرغ من قراءتها وقام عتبة لا يدري ما يراجعه به إلى نادي قومه فلما رأوه مقبلا قالوا لقد رجع إليكم بوجه ما قام به من عندكم فجلس إليهم فقال يا معشر قريش قد كلمته بالذي أمرتموني به حتى إذا فرغت كلمني بكلام لا والله ما سمعت أذناي بمثله قط فما دريت ما أقول له يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني فيما بعده اتركوا الرجل واعتزلوه فوالله ما هو بتارك ما هو عليه وخلوا بينه وبين سائر العرب فإن يظهر عليهم يكن شرفه شرفكم وعزه عزكم وملكه ملككم وإن يظهروا عليه تكونوا قد كفيتموه بغيركم قالوا صبأت يا أبا الوليد!]
ــ وهي من طريق ثالثة في تاريخ دمشق لابن عساكر (38/245): [أخبرنا أبو العز بن كادش إذنا ومناولة وقرأ على إسناده أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين أخبرنا المعافى بن زكريا حدثنا أبو بكر بن الأنباري حدثنا محمد بن يحيى المروزي حدثنا أحمد بن أيوب حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد مولى بني هاشم عن محمد بن كعب القرظي قال: قال عتبة بن ربيعة وهو جالس في نادي قريش ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، منفرد ناحية أريد أن أقوم إلى محمد فأعرض عليه أمرا ليكف عن أمره هذا فأيها شاء أعطينا إذا رجع لنا عن هذا فقالوا له شأنك يا أبا الوليد وكان عتبة سيدا حكيما فجاء إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال له يا ابن أخي إنك منا بحيث قد علمت من السطة في النسب والمكان من العشيرة وإنك قد أتيت قومك بما لم يأت أحد قومه بمثله سفهت أحلامنا وكفرت آباءنا وعبت آلهتنا وفرقت كلمتنا فإن كان هذا لمال تبغيه جمعنا لك أموالنا حتى تكون أيسرنا وإن كنت تميل إلى الرياسة رأسناك علينا ولم نقطع أمرا دونك وإن كان لرئي من الجن يعتادك أعذرنا في الجد والاجتهاد حتى ينصرف عنك فإن الرئي يحمل صاحبه على ما لا يصل معه إلى تركه ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، ساكت يسمع فلما سكت عتبة قال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اسمع يا أبا الوليد ما أقول: {بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون}، ومضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في القراءة حتى انتهى إلى السجدة فسجد وعتبة مصغ يستمع قد اعتمد على يديه من وراء ظهره فلما قطع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، القراءة قال له يا أبا الوليد قد سمعت الذي قرأت عليك فأنت وذاك فانصرف عتبة إلى قريش في ناديها فقالوا والله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي مضى به من عندكم ثم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد فقال والله لقد سمعت من محمد كلاما ما سمعت مثله قط والله ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة فأطيعوني في هذه وأنزلوها بي خلوا محمدا واعتزلوه فوالله ليكونن لما سمعت من قوله نبأ فإن أصابته العرب كفيتموه بأيدي غيركم وإن كان ملكا أو نبيا كنتم أسعد الناس به لأن ملكه مدككم وشرفه شرفكم فقالوا هيهات سحرك محمد يا أبا الوليد فقال هذا رأيي لكم فاصنعوا ما شئتم]؛ وقال ابن عساكر بعدها مباشرة في تاريخ دمشق لابن عساكر (38/246): [أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد أخبرنا أحمد بن أحمد أخبرنا أبو طاهر المخلص أخبرنا رضوان بن أحمد إجازة حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن زياد مولى بني هشام عن محمد بن كعب قال حدثت أن عتبة بن ربيعة وكان سيدا حليما؛...؛...إلخ، إلخ].
قلت: كل الطرق آنفة الذكر مرسلة، ولكنها تعضد بعضها بعضاً، ولا شك عندي في صحة الخبر في جوهره.

*وأما مجادلة صناديد قريش فلعلنا نكتفي بنص الإمام ابن كثير كما هو في السيرة النبوية لابن كثير (1/478 - 482): [وَقَدْ رَوَى يُونُسُ وَزِيَادٌ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ شَيْخٌ مَنْ أَهْلِ مِصْرَ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اجْتَمَعَ عِلْيَةٌ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، وَعَدَّدَ أَسْمَاءَهُمْ، بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ابْعَثُوا إِلَى مُحَمَّدٍ فكلموه، وخاصموه حَتَّى تعذروا فِيهِ. فَبَعَثُوا إِلَيْهِ: إِنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدِ اجْتَمَعُوا لَكَ لِيُكَلِّمُوكَ. فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، سَرِيعًا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ بدالهم فِي أمره بَدو، وَكَانَ حَرِيصًا يُحِبُّ رُشْدَهُمْ وَيَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتُهُمْ، حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِمْ.
فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا قَدْ بَعَثْنَا إِلَيْكَ لِنُعْذِرَ فِيكَ، وَإِنَّا وَاللَّهِ لَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَى قَوْمِهِ مَا أَدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِكَ، لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ، وَعِبْتَ الدِّينَ، وَسَفَّهْتَ الْأَحْلَامَ، وَشَتَمْتَ الْآلِهَةَ وَفَرَّقْتَ الْجَمَاعَةَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ قَبِيحٍ إِلَّا وَقَدْ جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ. فَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا جِئْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَطْلُبُ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا، حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تَطْلُبُ الشَّرَفَ فِينَا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنَّ كُنْتَ تُرِيدُ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِن كَانَ هَذَا الذى يَأْتِيك بِمَا يَأْتِيكَ رَئِيًّا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّابِعَ مِنَ الْجِنِّ الرَّئِيَّ - فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ، بَذَلْنَا أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ الطِّبِّ حَتَّى نبرئك مِنْهُ أَو نعذر.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: (مَا بِي مَا تَقُولُونَ، مَا جِئْتُكُمْ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا الشَّرَفَ فِيكُمْ، وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لكم بشيرا وَنَذِيرا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ مِنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم،. فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ فَإِنْ كُنْتَ غَيْرَ قَابِلٍ مِنَّا مَا عَرَضْنَا عَلَيْكَ فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَضْيَقَ بِلَادًا، وَلَا أَقَلَّ مَالًا، وَلَا أَشَدَّ عَيْشًا مِنَّا، فَسَلْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ بِمَا بَعَثَكَ بِهِ فَلْيُسَيِّرْ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ الَّتِي قَدْ ضَيَّقَتْ عَلَيْنَا، وَلَيَبْسُطْ لَنَا بِلَادَنَا، وَلْيُجْرِ فِيهَا أَنْهَارًا كَأَنْهَارِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَلْيَبْعَثْ لنا من مضى من آبَائِنَا، وَليكن فِيمَا يُبْعَثُ لَنَا مِنْهُمْ قُصَّيُّ بْنُ كِلَابٍ، فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخًا صَدُوقًا فَنَسْأَلَهُمْ عَمَّا تَقُولُ: أَحَقٌّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ؟ فَإِنْ فَعَلْتَ مَا سَأَلْنَاكَ وَصَدَّقُوكَ، صَدَّقْنَاكَ وَعَرَفْنَا بِهِ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَنَّهُ بَعَثَكَ رَسُولًا كَمَا تَقُولُ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: (مَا بِهَذَا بُعِثْتُ، إِنَّمَا جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِمَا بَعَثَنِي بِهِ، فَقَدْ بَلَّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوهُ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ). قَالُوا: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَنَا هَذَا فَخُذْ لِنَفْسِكَ، فَسَلْ رَبَّكَ أَنْ يَبْعَثَ لَنَا مَلَكًا يُصَدِّقُكَ بِمَا تَقُولُ، وَيُرَاجِعُنَا عَنْكَ، وَتَسْأَلُهُ فَيَجْعَلُ لَنَا جِنَانًا وَكُنُوزًا وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَيُغْنِيكَ عَمَّا نَرَاكَ تَبْتَغِي، فَإِنَّكَ تَقُومُ فِي الْأَسْوَاقِ وتلتمس المعاش كَمَا نَلْتَمِسُهُ، حَتَّى نَعْرِفَ فَضْلَ مَنْزِلَتِكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ كُنْتَ رَسُولًا كَمَا تَزْعُمُ. فَقَالَ لَهُمْ: (مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، مَا أَنَا بِالَّذِي يَسْأَلُ رَبَّهُ هَذَا، وَمَا بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ بِهَذَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَإِنْ تَقْبَلُوا مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ). قَالُوا: فَأَسْقِطِ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ أَنَّ رَبَّكَ إِنْ شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلَ. فَقَالَ: (ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ فَعَلَ بِكُمْ ذَلِكَ). فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ مَا عَلِمَ رَبُّكَ أَنَّا سَنَجْلِسُ مَعَكَ وَنَسْأَلُكَ عَمَّا سألناك عَنهُ، ونطلب مِنْكَ مَا نَطْلُبُ، فَيَتَقَدَّمُ إِلَيْكَ وَيُعْلِمُكَ مَا تُرَاجِعُنَا بِهِ وَيُخْبِرُكَ مَا هُوَ صَانِعٌ فِي ذَلِكَ بِنَا إِذَا لَمْ نَقْبَلْ مِنْكَ مَا جِئْتَنَا بِهِ. فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ إِنَّمَا يُعَلِّمُكَ هَذَا رَجُلٌ بِالْيَمَامَةِ يُقَالُ لَهُ الرَّحْمَنُ، وَإِنَّا وَاللَّهِ لَا نُؤْمِنُ بِالرَّحْمَنِ أَبَدًا، فَقَدْ أَعْذَرْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، أَمَا وَاللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ وَمَا فَعَلْتَ بِنَا حَتَّى نُهْلِكَكَ أَوْ تُهْلِكَنَا. وَقَالَ قَائِلُهُمْ: نَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ وَهِيَ بَنَاتُ اللَّهِ وَقَالَ قَائِلُهُمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا.
فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، عَنْهُمْ وَقَامَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُميَّة ابْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمَّتِهِ عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ عَرَضَ عَلَيْكَ قَوْمُكَ مَا عرضوا فَلم تقبله، ثُمَّ سَأَلُوكَ لِأَنْفُسِهِمْ أُمُورًا لِيَعْرِفُوا بِهَا مَنْزِلَتَكَ مِنَ اللَّهِ فَلَمْ تَفْعَلْ، ثُمَّ سَأَلُوكَ أَنْ تعجل مَا تخوفهم بِهِ من الْعَذَاب، فو الله لَا أَو من لَكَ أَبَدًا حَتَّى تَتَّخِذَ إِلَى السَّمَاءِ سُلَّمًا، ثمَّ ترقى مِنْهُ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى تَأْتِيَهَا، وَتَأْتِيَ مَعَكَ بِنُسْخَةٍ مَنْشُورَةٍ، وَمَعَكَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ لَكَ أَنَّكَ كَمَا تَقُولُ. وَايْمُ اللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَظَنَنْتُ أَنِّي لَا أُصَدِّقُكَ.
ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، إِلَى أَهْلِهِ حَزِينًا أَسِفًا لِمَا فَاتَهُ مِمَّا طَمِعَ فِيهِ مِنْ قَوْمِهِ حِينَ دَعَوْهُ، وَلِمَا رَأَى مِنْ مُبَاعَدَتِهِمْ إِيَّاهُ.
وَهَذَا الْمَجْلِسُ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمَلَأُ مَجْلِسُ ظُلْمٍ وَعُدْوَانٍ وعناد، وَلِهَذَا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ وَالرَّحْمَةُ الرَّبَّانِيَّةُ أَلَّا يُجَابُوا إِلَى مَا سَأَلُوا، لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ فَيُعَاجِلُهُمْ بِالْعَذَابِ]، انتهى نص الإمام ابن كثير، وجدير بنا أن نتأمل تعقيبه: (وَهَذَا الْمَجْلِسُ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمَلَأُ مَجْلِسُ ظُلْمٍ وَعُدْوَانٍ وعناد، وَلِهَذَا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ وَالرَّحْمَةُ الرَّبَّانِيَّةُ أَلَّا يُجَابُوا إِلَى مَا سَأَلُوا، لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ فَيُعَاجِلُهُمْ بِالْعَذَابِ).

رد مع اقتباس