عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-05-2011, 08:35 AM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

ورثة الرجل إن كان له أولاد بنات وذكور ، هم أولاده وزوجته وأمه وأبيه .
فإن كان الأب مسلماً وبين ورثته مشرك ، فحسب حكم الشرع لا يحق للمشرك أن يرثه . لقوله تعالى : وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء: 141]
ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يرث المسلمُ الكافرَ ، ولا الكافرُ المسلمَ ) (متفق عليه )
ولكن حسب قوانين دار الحرب يحق له ذلك . فإن مُنع من الميراث فسوف يطالب بما له حسب قوانين الكفر ويحصل عليه حسب هذه القوانين بقوة القانون في دار الحرب . فلا مفر إذن من إعطائه ما أعطاه له هذا القانون . وإن استطاع المسلم أن لا يعطيه - بدون أن يتعرض للضرر - فله ذلك .
أما إن كان الأب مشركاً وله ورثة مسلمون فقد اختلف فيه العلماء . والرأي الراجح إن كان في دولة الإسلام وورثَتْه أهل ذمة أو عهد ، أنه لا يرثه المسلمون . ولكن إن كان الحال في دولة الكفر فيرجح الرأي القائل بأنه يرثه المسلمون ، حتى لا يذهب المال للكفار . لهذا أقول : يجوز للمسلم في دار الحرب أن يأخذ ما يرثه من مورثه الكافر إن استطاع ذلك ، والأفضل له أن لا يتركه للورثة الكفار . وله كامل الخيار بعد أخذه أن يتصرف فيه كما يشاء .
وممن يروى عنه من الصحابة أنه قال بجواز أن يرث المسلم من الكافرَ : عمر بن الخطاب ، ومعاذ ، ومعاوية - رضي الله عنهم –
وممن يروى عنه من التابعين أنه قال بجواز أن يرث المسلم من الكافر : محمد بن الحنفية ، وعلي بن الحسين ، وسعيد بن المسيب ، ومسروق ، وعبد الله بن معقل ، والشعبي ، والنخعي ، ويحيى بن يعمر ، وإسحاق. ( ذكر ذلك ابن قدامة في المغني 7/166. )
وإليك بعض أقوال العلماء في هذا الموضوع :
قال ابن رشد الحفيد رحمه الله : ( أجمع المسلمون على أن الكافرَ لا يرث المسلمَ ؛ لقوله تعالى : وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء: 141]، ولما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام: " لا يرث المسلمُ الكافرَ ، ولا الكافرُ المسلمَ " .. واختلفوا في ميراث المسلم الكافر ، وفي ميراث المسلم المرتد )( بداية المجتهد 1/1160 )
وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله : ( أجمع أهل العلم على أن الكافرَ لا يرث المسلمَ ... وقال جمهور الصحابة والفقهاء : لا يرث المسلمُ الكافرَ ، يُروى هذا عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وأسامة بن زيد ، وجابر بن عبد الله - رضي الله عنهم - وبه قال عمرو بن عثمان ، وعروة ، والزهري ، وعطاء ، وطاوس ، والحسن ، وعمر بن عبد العزيز ، وعمرو بن دينار ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، ومالك ، والشافعي ، وعامة الفقهاء ، وعليه العمل )) المغني 7/166 )
قال الإمام السَرَخْسي رحمه الله : ( ثم لا خلاف أن الكافر لا يرث المسلم بحال ، وكذلك لا يرث المسلمُ الكافرَ ، في قول أكثر الصحابة ، وهو مذهب الفقهاء) ( المبسوط 7/586 )
أدلة القائلين بجواز أن يرث المسلم من الكافرَ :
1. حديث معاذ – رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " الإسلام يزيد ، ولا ينقص " ( سنن أبي داود 2/140 ، مسند أحمد بن حنبل 5/ 230 ( الحديث ضعيف ) )
قالوا : " يعني يزيد في حق من أسلم ، ولا يُنقِص شيئاً من حقه ، وقد كان مستحقاً للإرث من قريبه الكافر قبل أن يسلم ، فلو صار بعد إسلامه محروماً من ذلك ، لنقص إسلامه من حقه ، وذلك لا يجوز" (المبسوط 7/586 ، بدائع الصنائع 3/636.)
2. واستدلوا بحديث عائذ بن عمرو المزني – رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال :" الإسلام يَعلُو ، ولا يُعلَى " ( سنن الدارقطني 3/252 ، سنن البيهقي الكبرى 6/ 205 ( وهو حديث حسن ) .
3. واستدلوا أيضاً على الجواز ، بالقياس على نكاح نسائهم . قالوا : يجوز لنا أن ننكح نساءهم في حين أنه لا يجوز لنا إنكاح نسائنا منهم ، فكذلك يقال نرثهم ، ولا يرثوننا " ( انظر : المغني 7/ 166 )
قال ابن رشد الحفيد : (وشبهوا ذلك بنسائهم فقالوا : كما يجوز لنا أن ننكح نساءهم ، ولا يجوز لنا أن نُنكِحهم نساءنا ، كذلك الإرث ) ( بداية المجتهد 1/1160.)
4- شبهوا الميراث بالقصاص في الدماء التي لا تتكافأ ، فقالوا : فكما يجوز القصاص في الدماء التي لا تتكافأ ، فكذلك يجوز التوارث بين المسلم والكافر .
قال ابن رشد رحمه الله : ( وشبهوه أيضاً بالقصاص في الدماء التي لا تتكافأ) ( بداية المجتهد 1/1160.)
5. وقالوا أيضاً بأن الإرث يُستحق بالسبب العام تارة ، وبالسبب الخاص أخرى ، ثم بالسبب العام يرث المسلمُ من الكافر ، فإن الذمي الذي لا وارث له في دار الإسلام ، يرثه المسلمون .. وقد أيدوا هذا النظر ، بأن المرتد يرثه المسلم ، ولا يرث هو من المسلم بحال ، كما أن المرتد كافر ؛ فيعتبر به غيره من الكفار . ) انظر : المبسوط 7/586 ، بدائع الصنائع 3/636.)
أقول : وإن كانت أدلة القائلين بعدم جواز أن يرث المسلم الكافرَ ، أقوى ، إلا أنه في زمننا الحاضر الذي انعدمت فيه الدولة المسلمة ، يرجح عند النظر في المصالح والمفاسد القول بجواز أن يرث المسلم الكافرَ في دار الحرب حتى لا يذهب المال للكفار .

كتبه : ضياء الدين القدسي

رد مع اقتباس