عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-13-2012, 02:24 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
لا شك أن كسب الحجَّام المختص الخبير حلال ، والدليل على ذلك :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " احْتَجَمَ النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ" ( أخرجه البخاري في البيوع (2103) ، ومسلم في المساقاة (4124)، وأحمد (3035) )
وفي رواية عند أبي داود بسند صحيح : "وَلَوْ عَلِمَهُ خَبِيثًا لَمْ يُعْطِهِ " ( أخرجه أبو داود في الإجارة (3425) )
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم دَعَا حَجَّاماً فَحَجَّمَهُ وَسَأَلَهُ : " كَمْ خَرَاجُكَ ؟ فَقَالَ : ثَلاَثَة آصُعٍ ، فَوَضَعَ عَنْهُ صَاعاً وَأَعْطَاهُ أَجْرَهُ " (أخرجه الترمذي في الشمائل المحمدية بسند صحيح (1/301) رقم (364))
وعن علي رضي الله عنه : " أنَّ النبي صلى الله عليه وآله احْتَجَمَ وَأَمَرَنِي فَأَعْطَيْتُ الْحَجَّامَ أَجْرَهُ " ( أخرجه ابن ماجه في التجارات (2247)، وأحمد (1142) وسنده صحيح )
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلَّمَ أَهْلَهُ فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ " ( أخرجه البخاري في البيوع (2102) ، ومسلم في المساقاة (4121) ، وأبو داود في الإجارة (3426) ، والترمذي في البيوع (1325) ، ومالك في الموطأ (1791) ، وأحمد (12291))
فهذه الأحاديث وغيرها تدل دلالة واضحة على جواز وحِل أخذ الحجَّام المختص الخبير الأجرة على عمله .
أما ما ورد من أحاديث تنهى عن كسب الحجَّام وتعتبره من الكسب الخبيث فيجب فهمها في ضوء هذه الأحاديث الصحيحة حتى لا يحدث تعارض بينهما ، لأنه لا يوجد في كلام الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم تعارض البتة .
فعن أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال : " نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ كَسْبِ الحَجَّامِ " ( أخرجه ابن ماجه في التجارات (2165) ، من حديث. وصححه العراقي في تخريج الإحياء (2/143))
النهي هنا يجب أن يُفهم على أنه نهي التنزيه وليس الحرمة حتى لا يحدث تعارض .
وعن رافع بن خديج أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ " ( أخرجه مسلم في المساقاة (4095) ، وأبو داود الإجارة (3423) ، والترمذي في البيوع (1322) ، وأحمد (16227) ، والدارمي في سننه (2677)
فهذه الأحاديث لا يُقصد منها التحريم ويجب أن لا تُفهم كذلك ، لأن الأحاديث التي تجيز أخذ الأجرة على الحجامة أحاديث صحيحة صريحة واضحة ، وإنما المقصود من هذه الأحاديث أن مثل هذا العمل يشوبه بعض المحاذير بسبب ما فيه من مخاطر قد يتعرض لها الحجام والمحجوم ، وخاصة عندما يكون الحجام غير خبير بمثل هذه العملية . فالحجامة كانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُعمل بطريقة بدائية فيها كثير من المخاطر على الحجام والمحجوم إن كان من يمارسها غير خبير ، فقد كان الحجَّام يستعمل قرون الحيوانات وكان يمص الدم بها بفمه ، وهذا العمل قد يعرضه لمخاطر كبيرة إن كان غير خبير ، فقد يدخل الدم السيئ كثير السموم والشوائب والأمراض إلى حلقه بسبب هذا المص ، وكذلك إن لم يعتن أثناء عمله الحجامة بالتعقيم والنظافة فقد يؤدي ذلك إلى انتقال الأمراض له ولمن يحجمه ، لهذا وصِف بأن كسبه خبيث يعني رديء ولا يعني ذلك أنه حرام ، فالخبث لا يطلق على المحرم فقط ، فمعنى خبيث في هذه الأحاديث يعني رديء غير مستساغ ، لاحتمالية تعرض من يريد الحصول عليه لمخاطر العدوى وكذلك لاحتمالية تعرض من يحجمه لمخاطر العدوى وانتقال الأمراض إن لم يكن خبيراً . وليس كل من يوصف بأنه خبيث يعني أنه محرم ، فقد قال تعالى : " وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267] الخبيث : يعني : رديء الطعامورديء الأشياء.
فالطعام الرديء يقال له طعام خبيث ، مثل حبوب خبيثة أي رديئة . ولا يعني ذلك أنها محرمة . فخبيث هنا يقصد به الرديء الذي تعافه النفس وتكرهه ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم في البصل والثوم : " إنها شجرة خبيثة " يعني : تكرهها النفوس وتعافها ويتضرر بعض الناس برائحتها الكريهة .ولم يحرم أكلها ولا بيعها .

فالخبث لا يطلق على المحرم فقط ، بل قد يطلقعلى الشيء الرديء من الشيء المباح الذي لا حرمة فيه ، وهكذا يجب أن يفهم قوله صلى الله عليه وسلم : " كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ " لهذا قال ابن عباس رضي الله عنه :" وَلَوْ كَانَ حَرَاماً ( كسب الحجام ) لَمْ يُعْطِهِ "
ومما لا شك فيه أن الحجامة من فنون الطبِّ ، وفيها نفع وصلاح الأبدان ، ويجوز فيها ما يجوز في الطبِّ كما يشترط فيها ما يشترط فيه . وقد روي بفضل الحجامة وفوائدها ما لا يقل عن سبعين حديثاً صحيحاً .

أما عن حُكم أخذ الأجرة على رقية المريض المسلم أو الكافر فأقول بعون الله .
لا حرج في ذلك ، فقد ثبت في الصحيحين ( أن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وفدوا على حي من العرب فلم يقروهم ( أي : لم يضيفوهم ) ولدغ سيدهم وفعلوا كل شيء ؛ لا ينفعه , فأتوا الوفد من الصحابة رضي الله عنهم فقالوا لهم : هل فيكم من راق فإن سيدنا قد لدغ ؟ فقالوا : نعم , ولكنكم لم تقرونا فلا نرقيه إلا بجُعْلٍ ( أي : أجرة ) فاتفقوا معهم على قطيع من الغنم , فرقاه أحد الصحابة بفاتحة الكتاب فشفي فأعطوهم ما جُعل لهم فقال الصحابة فيما بينهم : لن نفعل شيئاً حتى نخبر النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدموا المدينة أخبروه صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : قد أصبتم ) رواه البخاري (2115) ، ومسلم (4080) .
وينبغي لمن امتهن هذه المهنة أن يكون تقياً في السر والعلن ، متبعاً السنة ونهج السلف الصالح في العلاج . مذكراً من يعالجه بأن الشفاء بيد الله تعالى وحده ، ناصحاً له أن يتوب إلى الله من كل شرك وكفر ومعصية وظلم للناس وأن ينصحه أن يحرص على تعلم التوحيد والتزامه ، وأن يكون سهلاً سمحاً مع الناس لا يثقل عليهم في أجرة أو ثمن دواء .

كتبه : ضياء الدين القدسي


رد مع اقتباس