عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 08-07-2011, 12:06 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

1- ما هي قواعد وشروط التكفير ؟

الجواب : قبل أن أذكر قواعد وشروط تكفير المسلم لا بد أن أبين أمر غفل عنه الكثير من علماء وشيوخ أدعياء الإسلام وهو : أن قواعد وشروط التكفير التي ذكرها العلماء تطبق على الذي ثبت إسلامه بيقين ظاهري بأنه حقق أصل الدين ثم ارتكب بعد ذلك كفراً . ولا تطبق على من لم يثبت دخوله الإسلام بعد ولم يثبت أنه حقق أصل الدين .
بعد هذا التنبيه المهم نأتي لقواعد وشروط تكفير المسلم الذي وضعها العلماء :
من خلال استقراء أهل العلم في النصوص الشرعية استنبطوا قواعد في تكفير المسلم , وهي كما يلي :
القاعدة الأولى : التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله لهذا لا يثبت التكفير على قول أو فعل إلا بدليل شرعي . فالتكفير حكم شرعي من أحكام الدين مثله مثل سائر الأحكام الشرعية ، له دليله وأسبابه وضوابطه وشروطه وموانعه وآثاره ، لهذا لا يجوز مجاوزة الحدِّ الشرعي فيه ، لابالإفراط ولا بالتفريط .
القاعدة الثانية : هناك فرق بين التكفير المطلق وتكفير المعين من المسلمين الذي ثبت إسلامه بيقين . فإن بعض العلماء قد يتكلم في مسألة باجتهاده فيخطئ فيها فلا يُكفر أما إن أصر على قوله بعد إقامة الحجة المكفرة عليه يكفر .
القاعدة الثالثة : الضوابط في تكفير المعين واجبة في المقدور عليه ، ولا تجب في الممتنع ولا المحارب ، فهناك فرق بين الحكم بتكفير المعين وبين إقامة أحكام الردة على ذلك المعين ، فإن كنا لا نستطيع ولا نملك القدرة على إقامة حكم الردة على المرتد المعين لا يلزم من ذلك عدم تكفيره .
القاعدة الرابعة : التوقف في تكفير المعين الذي ثبت إسلامه بيقين لإقامة الحجة لا يكون في نواقض أصل الدين ولا يكون في المعلوم من الدين بالضرورة بل يكون في الأشياء التي قد يخفى علمها على مثل ذلك المعيَّن . وما يُعلم بالضرورة أمرٌ نسبي إضافي .فكثير من العلماء يعلم بالضرورة أن النبي سجد للسهو ، وقضى بالدية على العاقلة ، وقضى أنَّ الولد للفراش ، وغير ذلك مما يعلمه الخاصة بالضرورة وأكثر الناس لا يعلمه البتة . فما قد يكون معلوما ًبالضرورة عند العالم قد لا يكون معلوماً عند طالب العلم , وما قد يكون معلوماً بالضرورة عند طالب العلم قد لا يكون معلوماً عند عامة الناس .
القاعدة الخامسة : أحكام الكفر في الدنيا تجُرى على الظاهر . فمن أظهر الكفر -وتوفرت فيه الشروط وانتفت الموانع - فإنه يُكَفَّرُ , وأما عن باطنه فعلمه عند الله تعالى .
أما شروطُ تكفير المعيَّنِ المسلم فهي :
1- إقامة الحجة في الأمور والمسائل التي تحتاج لإقامة الحجة . فمن تمكن من الوصول لحكم المسألة من القرآن الكريم أو من السنة الصحيحة بلغة يفهمها فقد أقيمت عليه الحجة في هذه المسألة .
2- شروط يجب أن تتوفر في الفاعل وهي : أن يكون مكلفاً ( أي بالغاً عاقلاً ) ، وأن يكون قاصداً لفعله وأن يكون مختاراً بإرادته غير مكره .
3- شروط يجب أن تتوفر في الفعل وهي: أن يكون الفعل مكفراً لا شبهة فيه .
وأن يكون فعل المكلف أو قوله صريح الدلالة على الكفر وأن يكون الدليل الشرعي المُكفِّر لذلك الفعل صريحَ الدلالة على التكفير.
4-يُشترطُ في إثباتِ فعل المكلف أنْ يثبت بطريقٍ شرعيٍ صحيح ، لا بظنٍ أو بتخريصٍ أو بشكٍ ، وذلك بأنْ يكون الإثبات إما بالإقرار أو البيِّنَة القطعية .

موانع تكفير المُعيَّن :
تنقسم موانع تكفير المعين إلى عدة أقسام وهي :
‌أ - موانع في الفاعل : وهي ما يعرض له فتجعله لا يؤاخذ بأفعاله وأقواله ، وتسمى عند الأصوليين بـ ( العوارض الأهلية ) وهي قسمان :
1- عوارض غير مكتسبة ( سماوية ) : مثل الصغر والجنون . ونُسبت إلى السماء لأنها نازلة منها بغير اختيار العبد وإرادته ، فلا دخل له في كسبها ، ، فمن كانت حاله هكذا لا يُؤاخذ بما يفعل عند الله ، وإنما يؤاخذ بما يتعلق بحقوق ِالعباد كالضمان .
2- عوارض مكتسبة : وهي التي للعبد نوع اختيارٍ في اكتسابها أو ترك إزالتها. والعوارض المكتسبة التي قد يعذر بها العبد هي أربع ، ثلاثة من العبد ، وهي : الخطأ والتأويل والجهل ، وواحدة من غيره وهي : الإكراه .
العارض الأول : الخطأ : وهو انتفاء القصد : مثل : سَبْقِ اللسان.
والدليل قوله تعالى: " وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " ( الأحزاب : 5)
العارض الثاني : التأويل : والمرادبه : وضع الدليل الشرعي في غير موضعه باجتهادٍ أو شبهةٍ تنشأ عن عدم فهم دلالة النص أو فهِمَهُ فهماً خاطئاً ظنهُ حقاً أو ظنَّ غير الدليل دليلاً . فيُقدم المكلف على الفعل الكفري وهو لا يراه كفراً ، فينتفي شرطُ العمد ، فإنْ أُقيمت عليه الحجة وبُيِّنَ خطأه وأصرَّ على فعله كَفَرَ حينئذٍ .
والتأويل المانع من التكفير : هو التأويل السائغ ، وهو الذي له مُسوِّغ في الشرع أو في اللغة ، مثاله : تأويل المتكلمين لليد بالقدرة .
وأما التأويل غير السائغ : فهو التأويل الذي ليس له مُسوِّغٌ في الشرع أو في اللغة ، ويكون صادراً عن محض رأي وهوى . مثاله : تأويل الرافضة لقوله تعالى : ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان ) بالحسن والحسين . والاستشهاد بقصة يوسف عليه السلام للدخول في البرلمانات الشركية ، وفهم كلمة ( يريدون ) في قوله تعالى : " يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ... " بأنها الإرادة القلبية فقط . وإجازة التحاكم لمحكمة الاستئناف بحجة الدفاع عن النفس ودفع الصائل والاستشهاد على ذلك برد يوسف عليه السلام لإتهام امرأة العزيز له بأنه أراد الاعتداء عليها ، فمثل هذا التأويل غير مقبول ولا يعذر صاحبه ، ويحكم عليه بالكفر بدون إقامة الحجة .
العارض الثالث : الجهل : ويكون مانعاً إذا كان من الجهل الذي لا يتمكن المكلف من دفعه أو إزالته . مثل شخص في مكان منقطع وليس لديه أي وسيلة للعلم وللتعلم .
أما المُعْرض إن تمكن من العلم فهو غير معذور بالإجماع .
والجهل مانع من تكفير المعين إن كان قد حقق أصل التوحيد ، لكن خفيت عليه بعض المسائل التي قد تخفى أو تُشكل على مثله ، ولا يوجد أي عذر في جهل أصل الدين . فمن أشرك بالله الشرك الأكبر فهو مشرك قبل الرسالة وبعدها وقبل الحجة وبعدها ، ولا عذر له بالجهل ولا في التأويل ، والأدلة الصريحة عليه في كتاب الله كثيرة وهذا مجمع عليه عند جميع طوائف الإسلام . أما مسألة تعذيبه في الدنيا والآخرة فهذا أمر آخر يحتاج لإقامة الحجة لقوله تعالى : " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا " (الإسراء :15)
العارض الرابع : الإكراه ، قال تعالى: ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ) (النحل: :106(
وحكم الأخذ به رخصة وعدم الأخذ به عزيمة .
وللإكراه شروطٌ لا يكون مانعاً بدون توفرها :
1- أنْ يكون المُكْرِهُ قادراً على إيقاع ما يهدد به ، والمُكْرَهُ عاجزٌ عن الدفع ولو بالفرار .
2- أنْ يغلب على ظن المُكْرَهِ أنه إذا امتنع أُوقِع به ما يُهدَّدُ به .
3- أنْ لا يظهر على المُكْرَهِ ما يدُّل على تماديه ، بأن يعمل أو يتكلم زيادة على ما يمكن أنْ يدفع به البلاء .
4- أنْ يُظهر إسلامه متى ما زال عنه الإكراه .
5- أنْ يكون ما يُهدَّدُ به مما لا طاقة لا به كأن يهدد بالقتل أو بقطع عضو منه أو بتعذيبه عذاباً مبرحاً لا يستطيع تحمله يؤدي به لعاهة دائمة .
6- أن يغلب على ظنه أنه إن أعطاهم ما يريدوه من كفر سيتركوه ، فإن غلب على ظنه أنهم لن يتركوه وأنهم سيكرهونه على البقاء على الكفر حتى وإن أعطاهم ما يريدوه فلا يرخص له بفعل الكفر والبقاء عليه بحجة الإكراه . فيجب التفريق بين النطق بكلمة الكفر أو فعله ثم العودة إلى إظهار الإسلام ، وبين الإقامة على الكفر والبقاء عليه .
قال ابن قدامة في المغني ( 9/31 ) : " وروى الأثرم عن أبي عبد الله - يعني الإمام أحمد - أنه سُئل عن الرجل يُؤمر فيعرض على الكفر ويكره عليه , أله أن يرتد ؟ فكرهه كراهةً شديدة , وقال : ما يُشبه هذا عندي الذين أُنزلت فيهم الآية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , أولئك كانوا يُرادون على الكلمة ثم يتركون يعملون ما شاءوا , وهؤلاء يريدونهم على الإقامة على الكفر وترك دينهم " ا.هـ.

‌ب- موانع في الفعل :
1- كون الفعل أو القول غير صريح في الدلالة على الكفر .
2- كون الدليل الشرعي الذي استُدِل به غير قطعي في دلالته على أن ذلك الفعل أو القول مكفراً .
‌ج- موانع في الثبوت : وذلك بأن لا يكون قد ثبت الكفر على فاعله أو قائله الثبوت الشرعي .

كتبه : ضياء الدين القدسي
رد مع اقتباس