عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 07-06-2012, 11:40 PM
أنصار التوحيد أنصار التوحيد غير متواجد حالياً
وفقه الله
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 159
افتراضي

أبو شعيب :
بسم الله الرحمن الرحيم ،

هذا مختصر لما أدين لله تعالى به في المسائل التي سألني عنها الأخ مسلم1 في مشاركة رقم #12 .

فأقول مستعيناً بالله :

في مسألة الجهل بحقيقة لا إله إلا الله ، يجب أن يُعلم أنه كل من خالف مدلول ومقتضى هذه الكلمة فهو عنده جهل بحقيقة لا إله إلا الله .

من زنى أو رابى أو قتل أو سرق .. فإن عنده جهل ببعض جوانب لا إله إلا الله ، تجعله يفسق وينقص إيمانه .

ومن ترك الصلاة عمداً ، كسلاً منه ، مع العلم بوجوبها ؛ أو الزكاة عمداً ، بخلاً بماله ، مع العلم بوجوبها ؛ أو لبس الصليب مختاراً مع علمه بكنه الصليب ، أو قال القرآن مخلوق ، وغير ذلك من المكفرات ، فإنه يجهل حقيقة وأصل لا إله إلا الله .

فالعلم بـ " لا إله إلا الله " ليس قطعة واحدة كما يقول الخوارج .. بل هناك علم شامل ، ولا يحوزه إلا العلماء الربانيون الذين قال الله فيهم : { شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [آل عمران : 18]

وقال أيضاً : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } [فاطر : 28]

فهل يُمكن لمن يعلم يقيناً أن الله يراه ، ويعلم مدى عظمة الله تعالى وجلالته وشديد بطشه وأليم عذابه ، هل يمكن لمن تحقق عنده هذا العلم تحققاً صحيحاً أن يزني أو يسرق أو يقترف أيّاً من المعاصي ؟؟

ومثل ذلك يُقال في الانقياد لأمر الله تعالى ، والذي هو شرط من شروط شهادة التوحيد .

================

في مسألة الجهل بكفر المشرك ، يجب أن يُعلم أن تحديد وصف الفعل بأنه شرك أكبر أو شرك أصغر ، أو كفر أكبر أو أصغر ، هذا راجع إلى الأدلة الشرعية ، لا إلى العقل .

لا يُمكن أن يأتي أحد باستحسانه وفهمه المجرد لكلمة التوحيد فيقول : هذا شرك أكبر .. أو هذا شرك أصغر ؛ أو هذا كفر أكبر أو هذا كفر أصغر ، بل ما يحدد ذلك هو الدليل الشرعي لا غير .

وغاية ما للعقل المجرّد من حكم في هذه المسائل هو معرفة الحق من الباطل . فأعلم أن هذا فعل لا يرضاه الله ، وهو مخالف لكلمة التوحيد ، فأجتنبه .. وأسمي أهله : مبطلين .

وأعلم أن الفعل الآخر مما يرضاه الله ، وهو مما تتضمنه كلمة التوحيد ، فأتبعه ، وأسمي أهله : محقين .

أما تفصيل ذلك ، فهو عائد إلى الأدلة الشرعية تفصل فيه وتحدد درجة هذا الحق أو درجة هذا الباطل .

ومن أبى ذلك : لزمه تكفير كل من خالف في الحكم بدلالة الأفعال .. فمن قال عن فعل إنه شرك أكبر يلزمه تكفير من قال إنه شرك أصغر بحجة أنه لا يعلم حقيقة التوحيد ، وهذا في جميع الأفعال .. وما أفضح تناقض من يجعل هذا في مسائل الإجماع دون مسائل الخلاف ، بعدما قرر بنفسه من قبل أن العقل هو ما يحدد كنه الشرك الأكبر من الأصغر .

ومن يرى أن فعلاً ما هو كفر أكبر (كترك الصلاة) ، يلزمه تكفير من لا يراه كفراً أكبر ، بحجة أنه لا يعلم حقيقة التوحيد ، ولا يعلم أن الانقياد شرط من شروط التوحيد ، بل أعظم شروطه .

================

في مسألة إعذار المشرك بالجهل ، يجب أن يُعلم أن الأعذار الشرعية إنما تثبت بالدليل الشرعي ، وليس للعقل مدخل فيه .

ولو كان للعقل مدخل ، لكان الإكراه أولى الأدلة بالإسقاط وعدم الاعتبار ، لأنه إيثار للنفس وسلامتها على دين الله (هكذا يفهمها العقل) .

ولو كان العقل يقرر الإكراه ، لكان الإكراه عذراً في جميع الأمم السالفة ، ولم يكن هو مما اختص الله به أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - .

ولو كان كذلك ، لما جهله عمار بن ياسر - رضي الله عنه - عندما ظنّ أنه كفر بالله وهو تحت الإكراه .

وأخيراً ، لو كان كذلك ، لما صحّ تأثيم المكره على قتل النفس المحرمة . وهذا التأثيم هو بإجماع الأمة ، لم يخالف فيه أحد .

فمن جعل الجهل عذراً في مثل هذه المسائل ، قياساً له على الكفر الأكبر ، أو اتباعاً لبعض عمومات الأدلة التي لم يحسن فهمها جيداً ، مع اعتقاده أن هذا الفعل شرك وكفر ومناقض لكلمة التوحيد ، فهذا لا يمكن تكفيره بحال ، بل إن من فعل ذلك فقد جازف بدينه .

فإن قالوا : الجهل لا يمكن إقراره بالعقل .. قلت : وكذلك الإكراه .

================

في مسألة تصور المسائل ، قال العلماء : الحكم على الشيء فرع عن تصوره .. فلا ريب عندئذ أن من أخطأ في تصور مسألة ما ، ولم تجتمع عنده جميع جوانبها ، أو أخطأ في ضبطها وفق أدلة الشرع ، لا ريب أن مثل هذا يخطئ الحكم .

فكون الشافعية لا يكفرون لابس الصليب ، في حين إنه شرك أكبر ، وحيث يكفره جمهور العلماء ، لا يدفعنا ذلك إلى تكفيرهم بسبب خطئهم في تصور المسألة مما نجم عنه الخطأ في الحكم .


---

أما باقي مشاركات الأخ مسلم1 ، فسآتي عليها قريباً ، إن شاء الله تعالى .

رد مع اقتباس