عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-20-2016, 10:33 PM
أبو سلمان الصومالي أبو سلمان الصومالي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 26
افتراضي فتوى حول مسألة التحاكم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إلي الشيخ أبي عبد الرحمن الصومالي حفظه الله:
كما نعلم في ديننا الحنيف أن شرك الإعتقاد والإتباع متساويان لا فرق بينهما ولذلك أضرب مثلا لتقريب فهم السآل:
ــ شخص مسلم طلب منه المشركون أن يقدم لآلهتهم ويذبح أمامها أول الصورة رأيناه ظاهرا أنه قبل مطلبهم مذعنا من دون إكراه ساكتا مقدما فاعلا فعل الذبح فهذا حكمه معلوم أنه كافر مرتد.

ــ والصورة الثانية طلبوا منه نفس المطلب لكن رفض وقال بلسانه (دليل المقال ) هذا الأمر باطل وأنا لا أذبح ولا أتقرب إلا الله وحده وهذا حكمه معلوم أنه مسلم.

ــ ثم إن عاودو معه الطلب مرارا فظاهر الصورة التي يفعلها هي التي تعطينا الحكم عليه إما بدلالة حال أو دلالة مقال فإن عدمت دلالة المقال أخذنا الحكم بدلالة الحال لإصدار الحكم عليه:

أليست هكذا ياشيخ في قضية التحاكم فأنا لما يأتيني إستدعاء من المحكمة (القاضي) من دون إكراه فمعناه أن أستجيب وأذعن للدخول في التحاكم فذهابي إلى المحكمة ومثولي أمام القاضي بدون دلالة مقال تظهر عدم موافقتي في الدخول في التحاكم أليست قبولا للتحاكم؟. وهل ينفعني قصدي الذي أحويه؟.

لقد تولدت هذا السآل بعد قراءة مرارا وتكرارا رسالة "اضواء على قضية التحاكم"
ولم يتسع صدري فهم هذه المسألة في الرسالة
افيدونا مشكورين مأجورين بارك الله فيكم

(الجواب)
(وعليكمُ السلامُ ورحمةُ الله وبركاتُه)
أعتذرُ إليكم من تأخّر الجواب، والسببُ هو الشغل الكثير، أمّا عن جواب المسألة، فأقُولُ:
(أولا) إنّ شرك الإعتقاد والإتباع متساويان؛ من حيث ما يترتّب منهما من العقوبة في الدنيا والآخرة، وكذلك من حيث الحكم الذي يستحقُّهُ فاعلهما في أحكام الدُنيا. ولكن عند النظر إلى أفعال النّاس، تجدها منقسمة إلى قسمين:

(الأول) ما لا يحتملُ إلا الكُفرَ:
مثل السجود للصليب، أو الصنم أو القبر. ومثل الذبح على النُّصب أو قبر المعتقَدِ بولايته. ومثل إظهار شعائر النّصارى من فحص الرؤُوس وشذّ الزنانير ودخُول الكنيسة. وسب الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ودينه، وإهانة المصحف، وغير ذلك. ومن ظهر منه ذلك فقد صرح العلماءُ بكُفره، لأنّ هذه الأفعال لا تصدُرُ إلا من الكُفار.

(الثاني) ما يحتملُ الكُفرَ وغيره:
مثل السجود لإنسان يحتملُ أن يكون عبادة لغير الله، فهو حينئذ كفر أكبر، ويحتمل أن يكون تحية، فهو حينئذ معصية؛ ولذلك استفصل النبي - صلى الله عليه وسلم – لما سجد لهُ معاذ - رضي الله عنه – ولم يحكُم بكفره بمجرد السجود.

ومثل إفشاء سرِّ المسلمين إلى الكفار، فقد يكونُ كُفرًا وولاءً للكفرة، وقد يقعُ ذلك من المسلم لسبب آخر، فيُحتاجُ إلى الاستفصال. كما استفصل النبي - صلى الله عليه وسلم – لما أفشى حاطب رضي الله عنه سرّه.

ومثل ذلك الدخُول على الطاغُوت، فمن دخل عليه ليُعينهُ على كُفره، أو ليتحاكم إليه، أو ليعترف بشرعيّته، أو شرعيّة أحكامه، فهو كالطاغُوت في تلك الحالة. ومن دخل عليه لغرض آخر مباح أو واجب في الشريعة فلا يكونُ آثمًا ولا كافرًا، بل قد يكُونُ مأجُورًا.

(ثانيًا) إنّ الله تعالى أمر عبادهُ أن يعبُدُوهُ بالصلاة والنسك والدعاء وغير ذلك من العبادات. ونهى عن الشركِ بالله في العبادة. فمن صرفَ هذه العبادات لغير الله فقد وقع في شركِ العبادة، وخرج من ملّةِ الإسلام. ومن دعاهُ الطاغُوتُ فذهبَ إليهِ، فلما وقفَ أمامهُ أمرهُ أن يذبح للصنم، فأبى وقال: "هذا الأمر باطلٌ وأنا لا أذبحُ إلا لله، ولا أتقرَّبُ إلا اليه وحده". فهذا حكمه معلوم أنه مسلم. لم يكفُرْ بإجابةِ دعوة الطاغُوت، ولا بالمثُول أمامهُ، ولا بمُحاورته، وإنما كفرَ لصرفه العبادة لغير الله.

ومن دعاهُ الطاغُوتُ فذهبَ إليهِ، فلما وقفَ أمامهُ أمرهُ أن يذبح للصنم، فأجابَ وذبحَ للصنم. فهذا حكمه معلوم أنه كافرٌ مرتدٌّ إذا كان قبل ذلك على الإسلام. ولكن اعلم أنّهُ لم يكفُرْ بإجابةِ دعوة الطاغُوت، ولا بالمثُول أمامهُ، ولا بمُحاورته، وإنما كفرَ لصرفه العبادة لغير الله.

ومن دعاهُ الطاغُوتُ فذهبَ إليهِ، فلما وقفَ أمامهُ أمرهُ أن يشربَ خمرًا، أو يزنيَ، فأجابَ وفعل الفاحشة، من غير إكراه، حُبًّا في الخمر أو الزنى لا انقيادًا ومحبّة لأمر الطاغُوت. فهذا حكمه معلوم أنه فاسقٌ قد وجبَ عليه الحدُّ. ولكن اعلم أنّهُ لم يفسُقْ بإجابةِ دعوة الطاغُوت، ولا بالمثُول أمامهُ، ولا بمُحاورته، وإنما فسقَ لوقُوعه في الكبيرة باختياره.

ومن دعاهُ الطاغُوتُ فذهبَ إليهِ، فلما وقفَ أمامهُ لم يأمُرهُ بالشركِ وصرفِ العبادة لغير الله، ولم يأمُرهُ بفعلِ فاحشةٍ، ولكن أمرهُ أن يُجيبَ عن بعضِ الأسئلة؛ التي لا تُحرّمُ الشريعةُ الجواب عنها،. مثل: "لقد اتّهمك هذا وهذا بأنّك قتلتَ صاحبهم فما تقُولُ؟". فأجابَ: "هذا كذبٌ وافتراءٌ عليَّ وأنا بريءٌ من قتلِ صاحبهم".

فهذا حكمه معلوم وأنّهُ قائلٌ للحقّ ـ إن كان صادقًا ـ ليس بكافرٍ ولا فاسقٍ. لم يكفُرْ ولم يفسُقْ بإجابةِ دعوة الطاغُوت، ولا بالمثُول أمامهُ، ولا بمُحاورته وتبرئةِ نفسه مما ألصقَ بها. ومن ظنَّ أنّ هذا قد كفرَ، وأنّهُ أعظمُ إثمًا من الّذي تكلّم أمام الطاغُوت وأبى أن يذبحَ لغير الله، والّذي أطاع الطاغُوت في الزنا، من قال بذلك فقد جهلَ جهلا عظيمًا؛ أو أصابهُ اختلالٌ في العقلِ.

إنَّ من حقِّ الله تعالى على عباده أن يتحاكمُوا إلى كتابه وسنّة نبيّه صلّى اللهُ عليه وسلّم، ويرجعُوا إليهما عند الاختلافِ، وأن لا يكون في أنفسهم حرجٌ مما قضاهُ الله ورسُولهُ، وأن يستسلمُوا وينقادُوا له. كما قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء:65)

فمن خاصم في شيء، فقرّر من تلقاء نفسه، أو من تزيين غيره لهُ، أن يذهبَ إلى القاضي الكافر، ليفصلَ في الخصُومة بشرعه الكفري المدوّن، أو بأقواله الشفوية، فهو الذي تجعلهُ شريعة الله متحاكمًا كافرًا. لكونه قد صرفَ إلى الطاغُوت حقَّ الله الّذي هو التحاكم إلى شريعته.

أمّا الّذي يعتقدُ بأنّ فعلَ ذلك التحاكم كُفرٌ بالله وخرُوجٌ من الإسلام، ولا يُريدُ التحاكم إليه وإن ذهبت دنياه، فمثل هذا الرجل إذا دعاهُ القاضي الكافر إلى المثُول بين يديه، فاستجاب وذهبَ إليه، فإنّ شريعةَ الله لا تجعلُهُ مُتحاكمًا إلى الطاغُوت، بل تجعلهُ مسلمًا دعاهُ كافرٌ فأجاب الدعوة. ولا يجعلُهُ قولُهُ بالحقِّ مُتحاكمًا. بل إنّهُ يستيقنُ بأنّهُ في مجلس طاغُوت؛ ليس له شرعيّة وإذنٌ في الحكم والقضاء بين النّاس، فصارت أحكامُه كُلّها لغوًا لا يُؤثِّرُ في التحليل والتحريم وحقُوق النّاس.

فقولك: (فأنا لما يأتيني إستدعاء من المحكمة (القاضي) من دون إكراه فمعناه أن أستجيب وأذعن للدخول في التحاكم فذهابي إلى المحكمة ومثولي أمام القاضي بدون دلالة مقال تظهر عدم موافقتي في الدخول في التحاكم أليست قبولا للتحاكم؟. وهل ينفعني قصدي الذي أحويه؟.). هو خطأٌ محضٌ من أوجُه:

(الأول) خرجتَ من تعريف "التحاكُم"، وجعلت الدخُول على الطاغُوت بعد استدعائه إياك "تحاكمًا" منك، وليس تحاكُمًا في كتاب الله.

(الثاني) إنّك تنازلت عن نيّتك وشريعتك، ووافقتَ نيّةَ الكافر وشريعته. وذلك أنّ نيّتك أن لا تتحاكم إلى الطاغُوت وإن ذهب مالُك وولدك، وإنّما أجبت دعوة الطاغُوت لمصلحة قائمة، كما أجاب الصحابة لدعوة النجاشي. وشريعة الله تأذنُ لك في أن تأتيه وإن كان يطلبُ منك كُفرًا، ولا تُكفّرك إلا بوقُوع الكفر منك.

ونيّةُ الطاغُوت هو أنّهُ صاحب الحقّ في الفصل بين النّاس، وأنّ شريعتهُ تجعلُ كُلَّ من جاء إليه طالبًا فصل القضاء، ومن جاء إليه بدعوته سواءً. وتُسمّيهم مُتحاكمين. فأنتَ عندما اعتقدتَ أنّك أصبحت متحاكمًا بمجرّد المثول بين يديه بعد دعوته، قد وافقتَ الكافرَ في نيّته وشريعته، وتنازلتَ عن نيّتك وشريعتك، وهذا أمرٌ خطير.

وقولُك: (فمعناه أن أستجيب وأذعن للدخول في التحاكم) هو تقرير لإرادةِ الطاغُوت ونيّته، أمّا إرادتُك فأمرٌ آخر، فإنّك لا تتحاكمُ إليه وإن ذهبت دُنياك، وتُؤمنُ بأنّ أحكامه من لغو القول. وإنّما استجبت إليه اتّقاءً لشرّه وما يتربُ من عدم الاجابة، مع الرخصة التي في شريعتك في إباحة الدخُول عليه إذا دعاك.

(الثالث) أنّك زدتَ في كتاب الله ما ليس فيه. فليس في الآية إلا نهيُ أصحابِ الحقُوقِ عن أن يطلبُوا فصلَ القضاء من الطواغيت عند التنازع والتخاصُمِ. فقُلتَ: "من انقاد للآية ولم يطلبْ فصلَ القضاء من الطواغيت عند التنازع والتخاصُمِ، يكونُ متحاكمًا إذا جاء إلى الطاغُوت بسبب دعوته". وهذه زيادةٌ وتقدُّمٌ بين يدي الله ورسُوله.
(واللهُ المُوفّق للصواب، ولا حول ولا قُوّة إلا به)

كتبه أبو عبد الرحمن الصومالي
رد مع اقتباس