عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 02-20-2012, 01:20 AM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
قولك : 1- إن كانت خصائص الله (كالخلق والسمع المطلق وو ) لا يأذن بها الله لغيره ألبتة ، فكيف أصبح عيسى عليه السلام يخلق لهم مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَينْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ، وكيف يبرئ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ ، وكيف ينَبِّئُهمْ بِمَا يأْكُلُونَ وَمَا يدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِهم .. أو ليس علم الغيب خاصية من خصائص الله ؟ أو ليس الخلق والإحياء والإماتة من خصائص الله ؟ فكيف وصلت لعيسى بإذن الله ؟؟ وكيف أصبح سليمان عليه السلام يسمع حتى دبيب النمل ؟ إن قلنا أن (السمع المطلق ) من خصائص الله ولا يأذن لغيره بها أبدا ، فهل أذن بها عند المعجزة أم ماذا ؟

أقول ( ضياء الدين ) : خلق عيسى عليه السلام من الطين الطير وإبراؤه للأكمه والأبرص وإحياؤه للموتى ، كل هذه الصفات ليس كصفات الله الواحد الأحد ، فهذه الخصائص والميزات أعطيت من قبل الله لنبيه كمعجزة ودليل على نبوته وإرساله من قِبل الله سبحانه وتعالى . لهذا جاء التعبير القرآني " بإذن الله " . فهذه الصفات ليست صفات مطلقة كصفات الله الواحد الأحد . بل أعطيت لعيسى عليه السلام من الله ليثبت أنه مرسل من قبل الله سبحانه وتعالى صاحب الصفات المطلقة التي لا يجوز أن يتصف بها أحد غيره ولا يستحق العبادة إلا هو . فعيسى عليه السلام وجميع الأنبياء والرسل عندما تظهر على أيديهم المعجزات كانوا لا يدَّعون اتصافهم بالصفات المطلقة التي لا تكون إلا لله ، ولا يدعون الناس لعبادتهم ، بل كانوا يبينون أن لله وحده صفات الكمال وخصائص الكمال ويدعون الناس لترك عبادة غيره وعبادته وحده لا شريك له .
قال تعالى : " وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ . مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " (المائدة : 117)
أما الطواغيت الذي كانوا ينازعون الله في ربوبيته وألوهيته فقد كانوا يدعون كذبا وزورا اتصافهم بخصائص الألوهية ، ويدعون الناس لعبادتهم مع الله أو دونه كما فعل فرعون .
قال تعالى عن فرعون : " فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى " (النازعات : 24)
" وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي " ( القصص : 38 )

قولك : إن طلب شخص ساعتئذ من عيسى عليه السلام وهو حى أن يشفي له مريضه بإذن الله فهذا لا يكفر ، كيف يستقيم ذلك مع قولنا أن الطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله عبادة مجردة ؟

أقول ( ضياء الدين ) : من يطلب من عيسى عليه السلام - معتقداً أنه رسول الله ، يفعل بقدرة الله وبإذنه - أن يشفي له مريضه بإذن الله ، طبعاً لا يكفر ، ولماذا يكفر ؟ فهو لم يصرف لعيسى عليه السلام بطلبه منه بهذا الشكل أي عبادة ، ولم يعطه صفة من صفة الله ولا أعطاه أي خاصية من خصائص الله كما يفعل من يشرك بالله الشرك الأكبر .
فالقول : بأن طلبه هذا من عيسى عليه السلام طلب بما لا يقدر عليه إلا الله قول خاطئ .
فهو يطلب من عيسى عليه السلام ما يقدر عليه ، وهذه المقدرة لعيسى عليه السلام ثابتة عنده بإخبار عيسى عليه السلام عن الله أنه قد أعطاه هذه الخاصية . فكونه قد استقين أن عيسى عليه السلام مرسل من رب العالمين وقد أعطاه الله هذه المقدرة ، فطلبه منه في هذه الحالة لا يوصف بأنه طلب لما لا يقدر عليه عيسى أو لما لا يقدر عليه إلا الله .
قولك : وما حكم شخص اليوم طلب من الرسول وهو فى قبره أن يشفى له مريضه متأولا أن الأنبياء أحياء فى قبورهم وأنهم يقدرون على هذا بإذن الله وأنه كان يجوز ذاك الطلب من عيسى وهو حى فما المانع من أن أطلبه من النبى الآن.. فما حكم هذا الرجل وهل يشفع له تأوله وإن كان كافرا فما علة كفره ؟

أقول ( ضياء الدين ) : الثابت في شرع الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعطه الله القدرة على إشفاء المرضى وهو في قبره ، حتى ولو ثبت أنه حي في قبره يسمع . وهذه الخاصية ( خاصية إشفاء المرضى ) التي كانت لعيسى عليه السلام كمعجزة وإثبات على أنه مرسل من قبل الله ، لم تكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم كمعجزة تحدي وإثبات على أنه مرسل من قبل الله ، وإن كانت تظهر بدعائه الله في بعض الحالات ، ولم يثبت أي حديث صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد أعطي له هذه المقدرة من الله في قبره . حتى لم يثبت ذلك لعيسى عليه السلام بعد رفعه للسماء مع أنه أعطيها في حياته على الأرض قبل رفعه للسماء حياً . لهذا من يطلب من الرسول عليه السلام وهو في قبره أن يشفي مرضه ، وكذلك من يطلب من عيسى عليه السلام اليوم بأن يشفي له مريضه فهو يطلب منهما ما لا يقدران عليه . ومن يعطي لمخلوق قدرة لا يمكن أن يملكها إنسان عادي إلا بإذن الله وهو لم يثبت عنده دليل شرعي أن الله سبحانه قد أعطاه إياها ، فقد أعطاه قدرة رغماً عن الله أو افتراء على الله ، وفي كلتا الحالتين يكفر .

قولك : 3- إن كان الشرك خارق للربوبية كذلك فكيف نقول أن العلماء اختلفوا في طلب الدعاء من الميت ؟

أقول ( ضياء الدين ) : الصحيح هو أن طلب الدعاء لله من الميت ليس عبادة . ومن قال أنه عبادة فهو مخطئ . ولا يعني أن العلماء إن اختلفوا في شيء أن الصواب مع كليهما . فالصواب واحد لا يتعدد . والخلاف يكون بين المجتهدين بسبب درجة التصور وطبيعة التصور للمسألة لأن هذا يعتمد على العقل . وقد عد من العلماء بعض أنواع الشرك الأصغر شركاً أكبراً لخطئ في تصوره لهذا العمل ، وفي هذه الحالة لا يؤخذ بكلامه وإنما يعتبر أنه اجتهد فأخطأ وله أجر واحد .

قولك : أو ليس قول القائل الآن يا نبى الله ادعو لى مع اعتقاده أن النبى يسمعه الآن ويعلم قولته هذه ويسمع غيره وغيره وغيره فى جميع أنحاء العالم وفي آن ٍ واحدٍ ..أو ليست قولته هذه خرق لربوبية الله كونه جعل النبى سميع عليم عالم للغيب ؟؟؟ فكيف اختلف العلماء فى هذا؟

أقول ( ضياء الدين ) : لا ، ليس قول القائل الآن: يا نبي الله أدعو لي الله مع اعتقاده أن النبي يسمعه الآن ويعلم قولته هذه ويسمع غيرهوغيره وغيره في جميع أنحاء العالم وفي آن ٍ واحدٍ بإذن الله .. خرق لربوبيةالله .
ولم يجعل بقوله هذا النبي عليه الصلاة والسلام سميع عليم كالله عالم للغيب كالله .
بل هو يعتقد أن سمعه وعلمه من الله . وعلم الله وسمعه وقدرته وكل صفاته ليست من أحد بل هي أزلية لا بداية لها ولا نهاية خاصة بذاته لا يشرك بها أحدا .
فهو لم يعطه بهذا العمل أي صفة من صفات الله أو أي خاصية من خصائص الله البتة .
لأنه يعتقد اعتقاداً جازماً لا شك فيه عنده أن هذه المقدرة لا تكون له إلا بإذن الله . فاعتقاده ممكن من الناحية العقلية ولكن يحتاج لأن يثبته من الناحية الشرعية .

قولك : 4- كيف يكون المناط المكفر فى الدعاء هو دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فقط ؟؟

أقول ( ضياء الدين ) : نعم دعاء غير الله بما لا يقدر عليه إلا الله شرك أكبر ، لأن معنى هذا هو إعطاؤه صفة لا تكون إلا لله .

قولك : فكيف برجل طلب من الميت ما كان يقدر عليه في حياته .. مثلا ذهب إلى قبر البدوي وطلب منه أن يصلح سيارته أو أن يصلح بينه وبين زوجته ..فهل مثل هذا الرجل لا يكفر لأنه طلب منه ما كان يقدر عليه الميت وهو حي ، لأنه طلب منه شئ دون مالا يقدر عليه إلا الله ؟

أقول ( ضياء الدين ) : القدرة في الحياة تختلف عن القدرة بعد الممات . فمن أعطى قدرة لأحد بعد مماته بدون دليل شرعي فقد افترى على الله . ومن يفترى على الله فقد كفر . ولا ينقذه قياسه مقدرته بعد الموت على مقدرته قبل الموت . لأن هذا قياس مع الفارق وهو غير معتبر بدون دليل .
فمن يذهب إلى قبر البدوي ويطلب منه أن يصلح سيارته أو أن يُصلح بينه وبين زوجته بدون أن يستدل بدليل شرعي معتبر على أن البدوي وهو في هذه الحالة قد أعطاه الله هذه القدرة ، فقد افترى على الله . ومن يفترى على الله فقد كفر . لأن المعلوم الطبيعي عند كل من له عقل سليم أن الميت لا يستطيع أن يفعل هذه الأمور إلا بقدرة خاصة من عطاء الله . فالأصل في الصفات المكتسبة العدم ، وإثبات أن الله أعطاه هذه القدرة يحتاج لدليل شرعي صريح . ومن يعتقد له هذه القدرة بدون دليل شرعي معتبر فقد افترى على الله . وقياسه الميت على الحي قياس باطل لأنه قياس مع الفارق لا يقبل منه كعذر .

قولك : 5- بما أن الملائكة حولنا فى كل مكان ..فما حكم رجل طلب من الملائكة أن يوقظوه من نومه السابعة صباحا كى يذهب عمله !!.... وما الفرق بينه وبين رجل طلب من الملائكة أن تدعو له ؟...وأخر تعطلت سيارته فطلب من الملائكة ظنا منه أنها حوله وتسمعه يا ملائكة أصلحى سيارتى ؟

أقول ( ضياء الدين ) : الملائكة مخلوقات غيبية تعرف صفاتها وما أعطيت من قدرة وصلاحية ، من الأدلة الشرعية الصريحة . ومن أعطى للملائكة قدرة وخاصية لم يثبت عنده أن الله أعطاها لها فقد افترى على الله . ومن يفترى على الله يكفر .
ومن اعتقد أن الملائكة لها قدرة رغماً على الله فقد ألَّهها وكفر بالله . ومن قال أن الله قد أعطاها هذه القدرة فعليه أن يثبت ذلك بالدليل الشرعي الصريح وإلا عد مفترياً على الله .
وهناك فرق كبير بين من يطلب من الملائكة عملا لم يثبت عنده بالدليل الشرعي الصريح أن الله قد أعطاها المقدرة على فعله ، وبين من يطلب من الملائكة أن تدعو له الله . فدعاء الملائكة لبني البشر ثابت بالنص الشرعي الصريح ، لهذا لا يشرك بالله من يطلب منها أن تدعو له الله .
قال تعالى : " ( الذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُل شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلماً فَاغْفِرْ لِلذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ ) (غافر:7)
فلا يعبد الملائكة من يقول : يا ملائكة الرحمة أدعوا لي الله أن يغفر لي . ولكن عمله هذا غير مشروع لأنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة الكرام ولا عن أحد من علماء القرون الثلاثة الأولى الطلب من الملائكة دعاء الله لهم.
فالملائكة يستغفرون للمؤمنين من غير أن يسألهم أحد ، فهم يفعلون ما أذن الله لهم فيه بدون سؤال أحد . وما لم يؤمروا به لا يفعلونه ولو طلب منهم فلا فائدة في الطلب منهم .
أما من يطلب من الملائكة أن تصلح له سيارته فهو يعتقد أن الملائكة قد أعطاها الله هذه القدرة على ذلك . ومن يعتقد هذا بدون دليل شرعي معتبر فقد افترى على الله .

قولك : 6- من هم العلماء الذين اختلفوا فى حكم طلب الشفاعة من الأموات؟

أقول ( ضياء الدين ) : لم يقل من العلماء أن طلب الشفاعة من الرسول عليه الصلاة والسلام شرك أكبر إلا محمد بن عبد الوهاب وعلماء نجد . وكل من كان قبلهم من العلماء لم يقولوا بذلك . ولولا عدم الرغبة في الإطالة لنقلت لك أقوالهم . ولبينت لك أن منهم من كان يقول باستحباب طلب الشفاعة من الرسول عليه الصلاة والسلام بعد موته ولم يكفرهم أحد .

قولك : 7- وكيف يحدث هذا والمسألة فيها إجماع .. قال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ: ( وسؤال العباد والاستعانة بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك جلي. ولو قال : يا ولي الله اشفع لي فإن نفس السؤال محرم . وطلب الشفاعة منهم يشبه قول النصارى : يا والدة الله اشفعي لنا إلى الابن والإله . وقد أجمع المسلمون على أن هذا شرك . وإذا سألهم معتقدا تأثيرهم من دون الله فهو أكبر وأطم ).اهـ البراهين الإسلامية في رد الشبهة الفارسية.

أقول ( ضياء الدين ) : المجمع عليه بين المسلمين هو أن : " سؤال العباد والاستعانة بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك جلي "
وليس هناك اتفاق بين المسلمين على أن طلب الشفاعة من الرسول عليه السلام بعد مماته أو من ولي من أولياء الله ثبتت ولايته بالنص الشرعي ، على أنه شرك أكبر جلي . ومن يدعي الإجماع في ذلك فهو مخطئ . لأنه قد ثبت خطؤه بما نقل عن العلماء بالسند الصحيح .

قولك : وكذا يقول ابن تيمية : " فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الصلاة التي تتضمن الدعاء لله وحده خالصاً عند القبور لئلا يفضي ذلك إلى نوع من الشرك بربهم فكيف إذا وجد ما هو عين الشرك من الرغبة إليهم ، سواء طلب منهم قضاء الحاجات أو طلب منهم أن يطلبوا ذلك من الله ". اهـ اقتضاء الصراط المستقيم .

أقول ( ضياء الدين ) : كلام ابن تيمية هذا لا يوجد فيه أن طلب الدعاء من الأموات شرك أكبر وأن المسلمين مجمعين على ذلك .
والشرك الذي يتحدث عنه ابن تيمية هنا هو : طلب منهم قضاء الحاجات رغبة إليهم . وليس رغبة إلا الله . لهذا قال : " من الرغبة إليهم "
والثابت عن ابن تيمية أنه لا يعتبر طلب الدعاء والشفاعة من الرسول عليه السلام بعد موته من شرك أكبر وإنما يعدها بدعة من البدع غير المكفرة .

كتبه : ضياء الدين القدسي


[/align]

رد مع اقتباس