عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-10-2015, 07:51 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
اختلف العلماء في حكم جلود الميتة هل تطهر بالدباغ أم لا ؟
فذهب الشافعي رحمه الله إلى أن جميع جلود الميتة تطهر بالدباغ إلا الكلب والخنزير . واستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : " أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُر َ" (الترمذي : اللباس (1728) , والنسائي : الفرع والعتيرة (4241) , وابن ماجه : اللباس (3609) , وأحمد (1/219) , والدارمي : الأضاحي (1985).)
واستدل الإمام الشافعي رحمه الله على استثناء الخنزير من الحِلِّ بقوله تعالى : ( إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ..)[الأنعام: 145]. وجعل الضمير عائدا إلى المضاف إليه وهو الخنزير فيكون التقدير : فإنه أي الخنزير بما فيه جلده نجس . وقاس رحمه الله الكلب عليه بجامع النجاسة . فعند الشافعي رحمه الله جلد جميع الحيوانات الميتة غير الخنزير والكلب إذا دُبغ طهر ظاهره وباطنه ، وتجوز الصلاة فيه ملبوساً، كما تجوز الصلاة عليه مفروشاً، ويجوز استعماله في الرطب واليابس ، ويجوز بيعه.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن جلود الميتة تطهر جميعها بالدباغ إلا الخنزير واحتج بما احتج به الشافعي ولكن لم يقس عليه الكلب. فعند أبي حنيفة رحمه الله جلد الكلب طاهر إذا دبغ .
أما المالكية فيقولون بنجاسة جلود الميتة ولو بعد الدبغ ، فعندهم لا يطهر جلد الميتة بالدباغ لا ظاهراً ولا باطنا ، وإنما يرخص عندهم في استعماله بعد الدبغ في اليابسات والماء الطهور خاصة .
جاء في شرح الخرشي لمختصر خليل المالكي : " يعني أن جلد الميتة والجلد المأخوذ من الحي نجس ولو دبغ ، على المشهور المعلوم من قول مالك ، لا يجوز بيعه ، ولا يصلى عليه ، قاله ابن رشد ، ولا يؤثر دبغه طهارة في ظاهره ولا باطنه ـ إلى أن قال: يعني أن الإمام رخص في استعمال جلد الميتة بعد دبغه ، كان من ميتة مباح كالبقر ، أو محرم كالحمار ، ذكي أم لا ، في اليابسات ، بأن يوعي فيها العدس والفول والحبوب ونحوها، والماء، لأن له قوة يدفع عن نفسه ، ويغربل عليها ولا يطحن عليها ، لأنه يؤدي إلى زوال بعض أجزائها فتختلط بالدقيق ، ويجلس عليها ، وتلبس في غير الصلاة ، ولا تلبس ، ( أي في الصلاة ) وأما في غيرها فجائز ، وهذا الترخيص في غير جلد الخنزير ، أما هو : فلا يرخص فيه لا في يابسات ولا في ماء ولا غير ذلك ، لأن الذكاة لا تفيد فيه إجماعا، فكذلك الدباغ. " اهـ .
فعند المالكية إذا لبس حذاء من جلد ميتة ثم حصل عرق في القدم فإنها تتنجس ، كما يتنجس كل ما أصابته رطوبة هذا العرق ، لأنه نجس .
جاء في مواهب الجليل للحطاب المالكي : " قال البرزلي في مسائل الصلاة في آخر مسائل بعض المصريين: كان شيخنا يقول: إذا وجد النعال من جلد الميتة : فإنه ينجس الرجل إذا توضأ عليه ، وفيه نظر لجواز استعماله في الماء ـ قلت: بل الظاهر كما قال شيخه ، لأن الماء يدفع عن نفسه ، وأما الرِجْل إذا بلت ولاقاها فقد صدق عليه أنه استعمل في غير اليابسات. " اهـ
وهناك قول للإمام أحمد رحمه الله أن الدباغة تُطَهِّر ما كان حال الحياة طاهرا ، أما ما كان حال الحياة نجسا فإنه لا يطهر بالدباغ . وهذا القول مبني على عدم تصحيح رواية: « أيما إهاب دبغ فقد طهر » وهذه الرواية ضعفها الإمام أحمد -رحمه الله تعالى - بحجة أن راويها ضعيف -، وكذلك ضعفها ابن تيمية، بناء على أن افتراش جلود السباع والنمور جاء النهي عنه ، فجعل بين هذا وهذا تلازماً فضعف الرواية بذلك ، واستدل أيضا بتضعيف الإمام أحمد لها . والصواب أن راوي الحديث الذي ضعفه الإمام أحمد ثقة ، وثقه جماعة منهم ابن معين والنسائي وجماعة آخرون ، فسند الرواية صحيح.
وهناك رواية عن الإمام أحمد رحمه الله ، وعليها المذهب الحنبلي عند المتأخرين من أصحابه ؛ أن جلد الميتة لا يطهر بدباغ أصلا . نص على هذا الرأي متأخري الحنابلة في كتبهم كزاد المستقنع وغيره بقولهم: " ولا يطهر جلد ميتة بدباغ ، ويباح استعماله في يابس من حيوان طاهر حال الحياة " وهذا القول مبني على أن أحاديث تطهير جلد الميتة بالدباغ منسوخة بحديث عبد الله بن عكيم أنه قال: « أتانا كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل موته بشهر أو شهرين ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب » ( الترمذي : اللباس (1729) , وأبو داود : اللباس (4127) , وابن ماجه : اللباس (3613) ) وهذا الحديث مضطرب فإنه تارة يُروى عن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وتارة عن مشايخ من جهينة عمن قرأ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وتارة يتقيد فيه بشهر أو شهرين أو أربعين يوماً أو ثلاثة أيام ، وهو مُعَلّ أيضا بالإرسال فإن عبد الله بن عكيم لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو منقطع أيضا لأن ابن أبى ليلى لم يسمع من ابن عكيم ولذلك ترك أحمد بن حنبل القول بهذا الحديث في آخر الأمر وكان يذهب إليه أولا. ولو افترضنا صحته فالأولى أن يُحمل على حرمة الانتفاع بالإهاب قبل الدبغ . فالإهاب في اللغة اسم للجلد قبل أن يُدبغ ، فإذا دُبِغ فلا يسمى إهاباً ، بل يسمى بحسب استعماله ، يسمى مزادة ، يسمى شن ، يسمى قربة وهكذا.
فالاستدلال برواية « لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب » على نسخ رواية : « إذا دبغ الإهاب فقد طهر » لا يستقيم لأنه مبني على أن الإهاب اسم للجلد قبل الدبغ وبعد الدبغ ، وهذا ليس صحيحاً من جهة اللغة .
- وجاء عن علي ، وعن ابن مسعود ، وعن ابن عباس ، وجماعة كثيرة من الصحابة -رضوان الله عليهم - القول بطهارة جميع جلود الحيوانات الميتة بالدباغ ، سواء كانت الميتة من مأكول اللحم أم لم تكن كذلك ، ودليلهم قوله -عليه الصلاة والسلام-: « أيما إهاب دبغ فقد طهر » ( الترمذي : اللباس (1728) , والنسائي : الفرع والعتيرة (4241) , وابن ماجه : اللباس (3609) , وأحمد (1/219) , والدارمي : الأضاحي (1985))
وكلمة « أيما إهاب » من ألفاظ العموم فهي تعني أي إهاب ، كذلك يدل عليه العموم في قوله: « إذا دبغ الإهاب فقد طهر» ( مسلم : الحيض (366) , والترمذي : اللباس (1728) , وأبو داود : اللباس (4123) , وابن ماجه : اللباس (3609) , ومالك : الصيد (1079) , والدارمي : الأضاحي (1985).)
والإهاب جنس لا يخص منه نوع من الإهاب دون نوع آخر. فعلى هذا القول يطهر ظاهراً وباطناً بالدباغ جميع جلود الميتة بما فيها الكلب والخنزير استناداً على عموم الأدلة الصحيحة .
كتبه : ضياء الدين القدسي

رد مع اقتباس