عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 09-01-2013, 06:08 PM
ضياء الدين القدسي ضياء الدين القدسي غير متواجد حالياً
الشيخ (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 422
افتراضي

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

قولك :1- قول السائل : المحارب عدو لله تعالى، دون غيرالمحارب. دل على هذا قوله تعالى في حق إبراهيم وأبيه: - \" فلما تبين له أنه عدولله تبرأ منه \".، وقد علم وتبين له كفره ابتداء ، لكن عداوته لم تتبين إلا بعد إصراره، وعناده، وتهديده. فدل على أنه ليس كل كافر فهو عدو لله تعالى.


-فهل هذا الإستنتاج صحيح في أن المحارب عدو لله تعالى ، دون غير المحارب؟

أم أن الكافر استحق ان يكون عدوا لله بمجرد كفره ، وبمحاربته لله تشتد عداوته لله ؟


أقول ( ضياء الدين ) : هذا الاستنتاج غير صحيح والفهم للآية غير مستقيم .

فلا شك أن كل كافر عدو لله لا يحبه الله بل يمقته بمجرد كفره وشركه ، والمسلم عدو لمن كان الله عدو له ولا يحب من لا يحبه الله ، ويمقت كل من يمقته الله . ولقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه عدو لكل كافر بدون تفصيل ، قال الله تعالى : ( مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ) [البقرة : 98] وعلى المسلم أن يكون عدواً لمن كان الله عدواً له . ولا ريب أن كل كافر ومشرك عدو لله وعدو للمؤمنين .


قال تعالى : " إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً " [النساء:101].

وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه لا يحب الكافرين فقال تعالى : " فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ " [آل عمران : 32] وقال تعالى : " إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ " [الروم : 45] وعلى المسلم أن لا يحب من لا يحبه الله .
وأخبر الله سبحانه وتعالى أنه يمقت الكافرين فقال عز من قائل : " وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلا مَقْتاً " [فاطر:39]. وعلى المسلم أن يمقت كل من يمقته الله .ولم يفرق الله في هذه الآيات بين كافر محارب وكافر مسالم . والفرق يكون بدرجة العداوة والكره والمقت ، فلا شك أن الكافر المحارب للمسلمين تكون عداوته وبغضه ومقته أشد من الكافر المسالم .
أما معنى قوله تعالى : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ) أي لما تبين له أنه مات عدواً لله ، يعني مات على الكفر والشرك ، تبرأ منه ، أي لم يستغفر له . وليس معناها أنه لم يكن عدواً لله وهو كافر إلا بعدإصراره ، وعناده ، وتهديده .وليس معناها أنه لم يكن عدواً لله حال كفره حتى مات على الكفر ، وليس معناها أنه لم يكن متبرئاً منه قبل أن يموت على الكفر فلما مات على الكفر تبرأ منه ، وإنما المعنى أنه لما مات على الكفر والشرك ، تبرأ منه ، أي لم يستغفر له بعد ذلك ، لأنه انقطع أمله في هدايته . والدليل على ذلك سباق الآية :
قال تعالى : " وَمَاكَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ " فموضوع الآية جواز الاستغفار للكافر حال حياته وعدم جوازها بعد مماته على الكفر والشرك .وهذا ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم من هذه الآية .
فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه بسند صحيح فقال : أخبرنا ابن عيينة عن أبي سنان عن سعيد بن جبير قال : توفي أبو رجل ، وكان يهودياً ، فلم يتبعه ابنه ،فذكر ذلك لابن عباس ، فقال ابن عباس : وما عليه لو غسله ، واتبعه ، واستغفر له ماكان حياً - يقول : دعا له ما كان الأب حياً - قال : ثم قرأ ابن عباس ( فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ) يقول : لما مات على كفره .
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح قال : حدثنا ابن فضيل عن ضرار بن مرة عن سعيد بن جبير قال مات رجل نصراني فوكله ابنه إلى أهل دينه فذكر ذلك لابن عباس فقال ماكان عليه لو مشى معه ودفنه واستغفر له ما كان حياً ثم تلا ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ ..) الآية.
فلا يُفهم من الآية البتة أن أبا إبراهيم عليه السلام عندما كان كافراً لم يكن عدواً لله وإنما أصبح عدواً لله وللمسلمين عندما مات على الكفر ، أو عند إصراره ، وعناده ، وتهديده . وكذلك لا يُفهم من الآية أن إبراهيم عليه السلام كان موالياً لأبيه الكافر وغير متبرئ منه حال كفره حتى مات كافراً ، أو لحين إصراره ، وعناده ، وتهديده . فإبراهيم عليه السلام قد صرح بتصريح واضح لا لبس فيه من أول يوم في الدعوة لكل الكفار والمشركين بما فيهم أباه أنه بريء منهم وعدوٌ لهم ومبغض لهم . قال تعالى عنه وعن أتباعه : "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (المتحنة : 4)
والآية فيها بيان سبب الكفر بهم وسبب العداوة والبغضاء الأبدية لهم وهو : عدم الإيمان بالله وحده . " حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ "ولم يقل : ما دمتم لنا محاربين وأعداء .
وقال تعالى : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ . إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ . وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " (الزخرف :26- 28)
والكلمة التي جعلها باقية في عقبه هي كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " الذي أعلنها لهم في أول دعوته لهم .


قولك : 2- (ويقول السائل : أن إبراهيم عليه السلام لم يتبرأ من أبيه ، إلا بعد أن تبينت عداوته ؛أي ثبوت حربه للدين ،فدل على أنه كان قبل ذلك يوده ؛ إذ ضد التبرئ المودة. )

-فهل هذا الكلام صحيح في ضوء فهم قوله تعالى : { وَمَاكَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } ؟

أقول ( ضياء الدين ) : هذا كلام غير صحيح ، لأنه ليس معنى قوله تعالى " فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ " تبينت عداوته وثبت حربه للدين ،بل معناه تبين له أنه مات على الكفر والشرك . فعداوة آزر لله ولدين إبراهيم عليه السلام بدأت من أول يوم دعاه إبراهيم عليه السلام لتوحيد الله .
وليس صحيحاً أن إبراهيم عليه السلام كان يود أبيه في حال كفره وقبل ثبوت حربه للدين . فقد صرح إبراهيم عليه السلام من أول يوم في الدعوة لجميع من لا يؤمن بالله وحده ومن ضمنهم أباه أنه بريء منهم ، وأنه قد كفر بهم وبما يَعْبُدون ، وبدا بينهم وبينه العداوة والبغضاء . حتى يتركوا الكفر والشرك ويؤمنوا بالله وحده .
أما معنى التبرؤ في قوله تعالى : " فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ " فهو عدم الاستغفار له بعدما مات على الشرك ، وليس معناه أنه لم يكن متبرئاً منه وكان يحبه ولا يبغضه قبل أن يموت على الكفر والشرك . بل كان مع بغضه له وعداوته له لكفره وشركه ، يدعو له ويستغفر له راجياً أن يهديه الله ، فلما مات على الشرك لم يعد يستغفر له . وهذا هو معنى قوله تعالى : " تبرأ منه " وليس معناه أنه كان مواليه وغير متبرئ منه - التبرؤ الواجب في أصل الدين لكل كافر - حتى مات على الكفر أو حتى أصر على الكفر والشرك ، وعاند ، وهدد ، وحارب . فالتبرؤ المقصود في هذه الآية ، ليس هو التبرؤ الذي عناه إبراهيم عليه الصلاة والسلام عندما قال لأبيه وقومه :" إِنَّابُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ " بل هو بالإجماع عدم الاستغفار له . وبداية الآية يدل دلالة واضحة على هذا المعنى قال تعالى : " وَمَاكَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ .... " فالآية تتحدث عن الاستغفار .والبراءة فيها عدم الاستغفار له . وتبين عداوته لله ، أي موته على الكفر والشرك .
قولك : وهل لا نتبرأ من الكفار إلا بعد ثبوت حربهم للدين ؟
أقول ( ضياء الدين ) : التبرؤ من كل كافر ودينه من أصل الدين وهو داخل في معنى الشرط الأول لدخول الدين وهو شرط " الكفر بالطاغوت " وهو ما عناه إبراهيم ومن معه من الموحدين في قولهم لقومهم الكفار ، كل الكفَّار ، بدون تمييز بين مسالم ومحارب : " إِنَّابُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ " . فليس التبرؤ من الكفار بهذا المعنى يكون بعد ثبوت حربهم للدين ، بل يتحقق بمجرد كفرهم بالله وآياته بغض النظر كونه مسالماً أو محارباً ، فهذه البراءة هي براءة شرعية قلبية دينية واجبة " على كل موحد عن دخوله الإسلام .
والبراءة المقصودة في قوله تعالى :" فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ " تبرأ منه أي قطع الاستغفار له ، لأنه كان يستغفر له ويدعو له بالهداية حال حياته لوجود الأمل في إسلامه .

قولك : 3- قول السائل :مودة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب ، دل عليها : حرصه وإلحاحه عليه بالإسلام. كما دل عليها: شفاعته له في تخفيف العذاب عنه. فلولا المحبة والمودة لقرابته ، ونصرته ، لما كان هذا منه ، فإنه لم يفعل ذلك مع غيره. وقد أنزل فيه قوله تعالى: \"إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين\"،فذكر محبته له، ولم ينكر عليه ؛ لأنها محبة للقرابة ، مع تمني الهداية.
- قول الله تعالى : " {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} ،هل يقرر حب النبي صلى الله عليه وسلم لعمه ؟ أم يقرر محبة أن يهديه الله تعالى ؟
أقول ( ضياء الدين ) : المودة والمحبة منها ما هو أمر كوني قدري ، الإنسان مجبول عليه ، كمحبة الوالدين والأبناء والزوجة وبعض الناس لبعض الصفات فيهم ، ومودة ومحبة شرعية يقتضيها التوحيد ، وقد أمر الله بها أمراً شرعياً ، وهي محبة كل موحد ويقابلها بغض كل كافر لدينه بغض النظر هل هو محارب أم لا . فقد أمر الله سبحانه في محكم كتابه ببغض الكافر لدينه . فقال عز من قائل : " لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " (المجادلة : 22)
وليس المحاد لله هو الكافر المحارب فقط ، بل كل كافر محاد لله . فإن الله تعالى قال : " يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ " [التوبة 62-63]
فهؤلاء الذين حلفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ليرضوهم ، ليسوا محاربين ، ومع ذلك جعلهم الله محادينلله ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
ولما ذكر الله حدود الله في مطلع سورة المجادلة قال : " إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...." (المجادلة : 5) ومعلوم أن انتهاك حدود الله ليس محاربة ، ومع ذلك جعله الله محادة لله جل وعلا .
فكل مؤمن لابد أن تقوم في نفسه " العداوة القلبية الدينية " لكل كافر ومشرك ، مهما كان ومن كان ، فإن لم يجد هذه العداوة القلبية الدينية لأعداء ربه سبحانه وتعالى فليراجع إيمانه . ومن في قلبه حب الله بالمعنى الصحيح لا يحب عدو الله الكافر والمشرك . وقد أخبر الله في محكم كتابه أنه عدو للكافرين كل الكافرين لا يحبهم ويمقتهم ، فمن في قلبه الإيمان الصحيح ويعرف هذه الآيات لا شك أنه سيكون عدواً للكافرين ممقتاً لهم غير محب لهم ولو كانوا أقرب أقربائه .

قولك : 4- يقول السائل: أمره تعالى ببر الأبوين ، ولو كانا مشركين ، وصحبتهما بالمعروف ، والإحسان إليهما، والبر ، والمعروف ، والإحسان، يتضمن شيئا من المودة لا شك ، ليس كل المودة ، فهذه محاب دنيوية ، ليست بدينية، ولها مصلحة راجحة ، تبينإنصاف المسلم ، ومكافأته بالمعروف حتى لمن خالف دينه ، وفيه كذلك فائدة في الدعوة إلى الإسلام ، فقد يسلم الأبوان ، والزوجة لأجل هذه المودة، بعكس ما لو حل مكانها البغضاء والعداوة الكاملة من كل وجه ، فكيف لهؤلاء أن يقبلوا بالإسلام ؟ ، وهل يقبل إلا بالسماحة والإحسان ؟!..
- فـهل البر والمعروف والاحسان لا يكون الا بالمودة ؟
- وما هي المودة التي يتتنافى وجودها مع الاسلام كما في قوله تعالى: " لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " ؟

- وهل اذا انتفت المودة (مع الاحسان أو البر)، وجب أن يحل مكانها البغضاء والعداوة الكاملة من كل وجه كما يقول السائل ؟
أقول ( ضياء الدين ) :المصاحبة بالمعروف والبر والإحسان والتعامل بالمسامحة للكافر غير الحربي لا يناقض، العداوة القلبية الدينية الواجبة لكل كافر .فقد روى الإمام أحمد بسند صحيح أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لما بعث عبد الله بن رواحة إلى اليهود لخرص الثمار خافوا أن يظلمهم فقال لهم : ( يا معشر اليهود أنتم أبغض الخلق إلي ، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم) [ رواه أحمد بسند صحيح رقم 14966]
فهؤلاء كفار مسالمون وليسو محاربين ، ومع ذلك يعلن لهم رضي الله عنه بغضه لهم بسبب دينهم وكفرهم بالله العظيم .
والمودة لا يلزم منها أن تكون دوماً هي الحب ، بل قد يكون المراد بها الصلة والإحسان كما قال تعالى : " قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى " فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يطلب أن يتحاب مع كفار قريش ، بل طلب منهم أن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة . فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسير هذه الآية : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة ، فقال : إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة) [صحيح البخاري : 4818]
فالبر والمعروف والإحسان للكافر غير الحربي ليس له علاقة بالمودة المنهي عنها للكافر .
المودة للكافر التي يتنافى وجودها مع الإسلام هي المودة التي تنقض وتلغي العداوة القلبية الدينية الواجبة لكل كافر .
وهي التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال : " أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ".
وهي التي بينها الإمام السبكي بقوله : " والذي يظهر أن النفوس الطاهرة السليمة لا تبغض أحدا ولا تعاديه إلا بسبب ، إما واصل إليها، أو إلى من تحبه أو يحبها ، ومن هذا الباب عداوتنا للكفار بسبب تعرضهم إلى من هو أحب إلينا من أنفسنا) [انظر فتاوى السبكي، 2/476]
وهي التي قصدها العز بن عبد السلام الشافعي عندما قال : (جنايته على أمر نفسه بالكفر أخرته ، وأوجبت بغضه) [قواعد الأحكام ، للعز بن عبد السلام، 72]
وهي التي قصدها ابن الحاج المالكي عندما قال : (واجب على كل مسلم أن يبغض في الله من يكفر به) [المدخل ، لابن الحاج، 2/47]
وهي أيضا التي قصدها الشيخ عليش المالكي عندما قال : (نفوس المسلمين مجبولة على بغض الكافرين) [ منح الجليل ، لعليش، 3/150 ]
وليس إن انتفت المودة الشرعية القلبية المطلوبة من المسلم نحو الكافر يقتضي انتفاء الإحسان والبر والقسط للكافر ولا حتى يقتضي انتفاء الحب الفطري . وإنما إن انتفت المودة القلبية الشرعية المطلوبة نحو الكافر تحققت العداوة في الله والحب في الله .

قولك : فهمتُ من هذا القول للسائل : أن المودة لهم مع الاحسان إليهم وعدم اظهار العداوة الكاملة أمر محبب شرعا لطمعنا في دخولهم الاسلام . أليس هذا يتنافى مع قوله تعالى : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّابُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}
فهل الهدف هو دخول الناس في الاسلام ، أم أننا نلزم ما أمرنا الله به ، ثم يكون من أمر الناس ما يشاؤه الله لهم ؟
أقول ( ضياء الدين ) : قلنا أن العداوة المطلوبة لتحقيق أصل الدين هي عدم المودة القلبية الشرعية وهذه لا تتعارض مع البر والإحسان والصلة . والبر والإحسان والصلة لغير الكافر الحربي جائزة غير منهي عنها ، وكذلك المودة بمعنى الصلة والإحسان للكافر غير الحربي جائزة غير منهي عنها . قال تعالى : " قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى "
وهدفنا وغايتنا هي إرضاء الله وليس بيدنا هداية من أحببنا هدايته أو أحببناه الحب الفطري .
كتبه : ضياء الدين القدسي

رد مع اقتباس