أبو شعيب :
هذه مسألة هامة جداً من مشاركة رقم #42 تتعلق بموضوعنا هنا ، وهو تكفير المشركين .. وأرى فيها ملخص لكل الحوار .
ولا يعني هذا أنني لن أرد عليك في مشاركاتك السابقة ، لكنني أطلب منك فقط أن تصبر عليّ حتى ننتهي من هذه المسألة التي سيتوضح بها الكثير من الأمور وتتكشف من جرائها الكثير من الإشكالات ، إن شاء الله .
تقول :
[-- أوضح : من أعتقد أن من سجد لغير الله ، أي سجود ، قد عبد غير الله ، ثم لم يحكم عليه بالشرك وحكم عليه بالإسلام والتوحيد ، فهذا لم يفهم أن التوحيد لا يجتمع مع الشرك ، ومن لم يفهم هذا لم يفهم كلمة التوحيد . هذه واحدة .
والثانية : وعدم فهمه للتوحيد ، سيجعله يجيز وجود الشرك مع التوحيد في قلب رجل واحد ، ويظل هذا الشخص موحداً عنده . أليس مثل هذا الشخص قد أجاز وجود عبادة غير الله في قلب الموحد ؟ ولو أنه لم يجز لما حكم بتوحيده وإسلامه .
إجازته الشرك ليس بمعنى جعله حلالاً كما فهمت يا أبا شعيب ،وإنما بمعنى انه أجاز وجوده في قلب الموحد ، لهذا حكم بإسلامه وتوحيده .
فلو سألناه : هل يجوز في ديننا أن يجتمع التوحيد والشرك الأكبر في قلب رجل واحد ؟
لا بد أن يجيب : نعم .
وهذا هو قصدي من أنه أجاز عبادة غير الله . أي أجاز لها أن تجتمع مع التوحيد مثل أي معصية من المعاصي .
بعد هذا التوضيح أين التناقض الصارخ الآن . --]
الإجازة نوعان :
إجازة شرعية ، وهو ما يرضاه الله تعالى .. وفي هذه الحال من قال : يجوز شرعاً اجتماع معصية وطاعة في قلب إنسان ، فهو كافر .. لأن الله تعالى لا يرضى المعاصي .
وإجازة عقلية ، ولا يُشترط أن يرضاه الله .. كأن يقول : يجوز للمرأة عقلاً أن تصلي وهي حائض ، لكن فعلها حرام .
فمن قال يجوز اجتماع الشرك والتوحيد في قلب امرئ .. إجازة عقلية لا شرعية .. فما وجه تكفيره ؟
تسألني : [-- فلو سألناه : هل يجوز في ديننا أن يجتمع التوحيد والشرك الأكبر في قلب رجل واحد ؟
لا بد أن يجيب : نعم . --]
إجازة عقلية ؟ .. نعم .. كقوله تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ } [يوسف : 106]
فهنا أثبت الله لهم إيماناً .. وأثبت لهم شركاً .. هذا في وصف معتقدهم .. لا كحكم شرعي عليهم .
وقوله تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت : 65]
فهنا اجتمع الإخلاص والشرك .. هذا عقلاً .. أما شرعاً فهم كفار مشركون في كلتا الحالتين .
وأسألك في هذا الصدد ..
الذي يقول بهذا القول ، هل تحكم عليه بالكفر (الذي بمعنى الجحود) أو الشرك (الذي بمعنى عبادة غير الله) ؟
وهل ترى الجهل بالتوحيد يستلزم عبادة غير الله ؟؟ كقوله تعالى : { قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ } [الزمر : 64]
وكقوله : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [الأعراف : 138]
أم أنه لا يستلزم ؟
--------
الآن ، نأتي إلى الحكم الشرعي على فاعل الشرك ، وهو أكثر ما تكلمنا فيه في هذا الموضوع .
نحن الآن عندنا رجل عنده توحيد وعنده شرك ، عنده إيمان وعنده كفر .
جاء رجل آخر ليحكم عليه فقال :
فلان بفعله الشركي هو مشرك بالله في حدود هذا الفعل .. كما قال تعالى : { من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري ، تركته وشركه } .
وهو بفعل التوحيد ، موحد لله في حدود فعله التوحيدي .. كما قال تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت : 65]
يعني : سماه مشركاً لشركه .. وموحداً لتوحيده .
وهذا جائز عقلاً حتى الآن بعد تجزئة المسائل .
أنت تقول إذا علم معنى لا إله إلا الله ، يجب أن يعلم الشرك والتوحيد ومقتضيات كل منهما وما إلى ذلك .. وخلافي معك في ذلك بان واتضح .
ولكنني سأتنازل جدلاً عن خلافي الآن ، وأقرّك على فهمك لكلمة التوحيد .
الآن : هذا الذي فهم الشرك .. هل حكم على هذا الشخص بالشرك ؟ .. الجواب نعم
وهل عند هذا الشخص توحيد ؟ .. الجواب : نعم .
هل يُعلم هذا التوحيد من كلمة الإخلاص ؟ .. الجواب : نعم .
هل هذا الشخص موحد لله تعالى فيما وحّد الله فيه ؟ .. الجواب نعم .
هل ينفعه توحيده بعد أن أشرك بالله ؟ .. الجواب : لا
والسؤال الأخير وجوابه هو مما تحقق عندي من علم ، ولا ألزمه كل امرئ أن يعلمه حتى يدخل الإسلام .
ستقول لي كيف ؟
أقول لك إن عائشة - رضي الله عنها - سألت عن ابن جدعان وعباداته التي كان يقوم بها في الجاهلية ، كوصل الرحم والصدقة ، فسألت إن كان هذا ينفعه ، فأجابها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا ينفعه ما دام كافراً .
والآن أسألك :
هذا الرجل الذي يقول عن المشرك إن عنده شرك وتوحيد .. ويقول : هو مشرك بشركه في شركه ، موحد بتوحيده في توحيده .
عرف الشرك وسمى صاحبه مشركاً .. وعرف التوحيد وسمى صاحبه موحداً .
والآن : ماذا تطب منه بعد ذلك ؟ .. أن يُخرجه من الإسلام ؟
أسألك : ما معنى إخراجه من الإسلام ؟
هل يعني : حبوط عمله وإيجاب الخلود في النار عليه ؟
وما معنى معرفة أن الشرك ينقض التوحيد ؟
هل يعني : معرفة أن الشرك ينقض ثواب التوحيد ؟ أم غير ذلك ؟
إن قلت غير ذلك ، وجعلت نقض الشرك للتوحيد هو في غير الثواب ولكن في أصل العمل ، فهل الشرك في مسألة ، ينقض التوحيد في مسألة أخرى ؟ .. هذا لا يمكن عقلاً ولا لغة ، بل ولا شرعاً .
فلا يمكن أن نقول إن الذي لا يدعو إلا الله تعالى ، ولكنه مشرك في التحاكم .. لا يمكن أن نقول هو مشرك بالدعاء بسبب شركه في التحاكم .
نعم ، نسميه مشركاً وكافراً لحبوط عمله وانتقاض ثوابه ، لكن الحقيقة باقية أنه عنده بعض توحيد وبعض إيمان لا ينفعه بسبب شركه .
لذلك يدلل الله تعالى على كفر وشرك الأفعال بحبوط العمل في أكثر من موضع ، كقوله : { وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأعراف : 147]
وقوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [محمد : 9]
وقوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [محمد : 28]
وقوله : { ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأنعام : 88]
والآيات في ذلك كثيرة .
فهل لك أن توضح لنا هذه المسائل مشكوراً ؟
|