المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل هذا التفصيل في مسألة محبة الكافر صحيح ؟


عثمان بن محمد
04-09-2013, 12:10 AM
السلام عليكم هل هذا الفتاوى صحيح ام لا ؟ افتوني بارك الله فيكم و ارجو ان يكون الشيخ الفاضل ضياء الدين
""أنواع الحب، وأصناف الكفار.
محبة المسلم للكافر.
محبة الكافر وبغضه.

إن في التعميم والإجمال خطأ وجنوح، وفي التفصيل إصابة واستقامة.
واتباعا لهذه القاعدة: لا بد من التفصيل في المراد بالحب، والمراد بالكافر؛ فإن الحب أنواع، والكفار أصناف.
أنواع الحب، وأصناف الكفار.
الحب يكون لأحد الأسباب التالية: الدين، والخلق، والقرابة، والجمال، والجنس.. ونحو هذا. فإن كان للدين، فهذه محبة دينية، يترتب عليها أحكام دينية، وإن كان لغيره فليست بمحبة دينية، بل دنيوية.
والكفار على أصناف:
- فمنهم المحارب، الذي قد يحارب: إما بسلاحه، أو بلسانه، أو بقلمه.
- ومنهم غير المحارب، الذي قد يكون: معاهدا، أو مستأمنا، أو ذميا.
واختلافهم هذا يترتب عليه اختلاف أحكامهم، وطرق التعامل معهم، كما دلت نصوص الشريعة. فمثلا: المحارب عدو لله تعالى، دون غير المحارب. دل على هذا قوله تعالى في حق إبراهيم وأبيه:
- \"فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه\".
وقد علم وتبين له كفره ابتداء، لكن عداوته لم تتبين إلا بعد إصراره، وعناده، وتهديده. فدل على أنه ليس كل كافر فهو عدو لله تعالى.

محبة المسلم للكافر.
وبالنظر إلى هذا التفصيل يقال: إذا أحب المسلم الكافر:
- فإما أن يكون محاربا، أو غير محارب.
- وفي كلتا الحالتين: إما أن يكون للدين، أو للدنيا.
فهذه أربعة أحوال، وكل حال له حكم يستند إلى نصوص الشريعة.
الحال الأول: محبة الكافر المحارب لأجل دينه.
هذه المحبة تعني وتفيد: محبة الكفر. ليس لها سوى هذا المعنى؛ فإنه لا معنى لأن يحب المسلم الكافر لدينه، إلا أنه يحب دينه، الذي هو الكفر. وفي محبة الكفر معنى الرضى به؛ لارتباط الحب بالرضى. ومن أحب الكفر ورضي به، انتفى أصل إيمانه؛ لاستحالة الجمع بين محبة الله تعالى والرضى به، الذي هو الإيمان به تعالى، وبين الرضى بالكفر ومحبته؛ فهما نقيضان، لا يجتمعان، ولا يرتفعان. ودليل أنهما نقيضان: أن الله تعالى يرضى عن محبته، ولا يرضى عن الكفر، قال تعالى:
- \"إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم\".
وعلى كفر من أحب الكافر لأجل دينه دلت النصوص، كما في قوله تعالى:
- \"لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله..\".
- \"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين\".
وعلى هذا إجماع العلماء: أن محبة الكافر لدينه محرمة، وأنه بذلك ينتفي أصل إيمانه، ويكفر.
الحال الثاني: محبة الكافر المحارب لأجل الدنيا.
أي يحبه لأجل نوع أو أنواع من المحبة الدنيوية: الخلُق، والجمال، والقرابة.. إلخ.
فهذا لا يحب دينه، وإنما يحب فيه شيئا تميز به، وظاهر النصوص تدل على تحريم هذا النوع، قال تعالى:
1- \"قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لاُستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء\".
2- \"لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه..\".
3- \"وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون * ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين\".
4- \"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون\".
5- \"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل\".
6- الرجل الذي قتل امرأته، لما كانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم، فأهدر دمها.
ففي النص الأول: بيان قطع المودة بين المؤمنين والكافرين قطعا كاملا، لما تبينت عداوتهم لله تعالى ورسوله، وحلول العداوة والبغضاء بينهم، فلا تزول إلا بشرط الإيمان بالله وحده. ولا ينسجم مع هذا الحال محبتهم لشيء من المحاب الدنيوية؛ ففي هذه المحبة (= الدنيوية) رجوع لشيء من المودة، نعم ليست كالمحبة للدين، لكنها في كل حال هي محبة، ولو بالقدر القليل، وهذا يعارض النص.
فتحقيق الآية إذن يوجب قطع جميع أنواع المحاب: الدينية، والدنيوية. مع هذا الصنف المحارب.
والنص الثاني: يفيد الأمر ذاته، فإنه ينفي الإيمان بالله واليوم الآخر عمن يودّ المحادين لله ورسوله، وهم المحاربون، ولو كانوا قرابة، فقد نص على القرابة هنا؛ لأن سبب الحب موجود فيهم، وهو الصلة والقرابة، والآية تأمر بقطع هذه المودة كليا، لا جزئيا؛ أي في القليل والكثير، حتى لأجل الدنيا. يدل على هذا أنهم لو أحبوهم لأجل الدنيا، لحصلت بينهم مودة، ولكانوا بذلك مخالفين لهذا النص صراحة.
وفي النص الثالث: أن طعن هؤلاء المحاربين في الدين، وأذاهم للمؤمنين موجب لقتالهم، وإذا حل القتال، فالصلات والمعاملات منقطعة، فلا زواج بحربية، ولا إحسان ببر أو قسط بحربي [بحسب مفهوم الآية، لا مطلق الإحسان؛ إذ يجوز في حق الجريح والأسير]، حتى لو كانوا آباءً، أو أبناءً، أو إخوانا، أو عشيرة، فلا مكان للمحبة الدنيوية إذن. وهذه هي دلالة النص الرابع أيضا.
والنص الخامس: دل على عدم جواز إلقاء شيء من المودة إلى من كان سببا في أذى المسلمين بإخراج ونحوه (= حربي)، ولو كانت المودة للدنيا، وقد نزلت في حاطب لما خابر المشركين بعزم النبي صلى الله عليه وسلم على غزوهم، واعتذر بأنه أراد أن يصطنع عندهم يدا يحفظ به ماله، فكانت مودته لهم للدنيا، فنهي عن ذلك، وحرم عليه.
وفي النص السادس: إشارة إلى قطع حبال المودة، حتى بين الزوجين، إذا صار أحدهما محاربا للدين.. فلا شيء أدل على البغضاء، وانتفاء جميع أنواع المحبة: الدينية، والدنيوية. من القتل وسفك الدم. وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم فعله هذا، فدل على قطع جميع أنواع المودة والمحبة عن الصنف المحارب.
إذن فحكم محبة الكافر المحارب لأجل الدنيا محرمة، لكن هل تخرج من الملة ؟.
الظاهر أنها لا تخرج من الملة، فلا موجب للكفر هنا؛ فالميل القلبي ليس لأجل الدين، والمحبة المجردة لأجل الدنيا، لا يلزم منه زوال الإيمان، وانتفاؤه، كمن يحب كافرة لأجل جمالها، أو قرابة لأجل الصلة.
قد يقال: إذا كان لا يكفر بهذه المحبة، فما الموجب إذن لتحريمه. فإما أن يقال هو كفر؛ لأنه للدين. أو جائز؛ لأنه ليس للدين. أما القول بتحريمه، وعدم التكفير به، ففيه شيء.
فيقال: المحرم أنواع، قد يبلغ الكفر، وقد لا يبلغه، والعلاقات المتعلقة بالكفار مما يضر بالدين محرمة:
- فتارة تكون كفرا، إذا ضرت بأصل الدين كالمظاهرة.
- وتارة محرمة غير مكفرة، إذا لم تضر أصل الدين، بل أظهرت ضعف ولاء المسلم لدينه، لكن بشيء دون مظاهرة الكافرين.
وفي حال المحبة المجردة بالقلب للمحارب، لأجل الدنيا، فإنها تنبئ بضعف ولاء المسلم لدينه؛ إذ كيف يحبه حتى لو للدنيا، وهو يراه يسعى في إذلاله والمسلمين، والطعن والسخرية من دينه؟!.
فمن هنا فمجرد التحريم أظهر من التكفير، فالمحبة القلبية لأمر دنيوي (= القرابة، أو الخلق، أو الجمال)، المجردة من العمل، لا موجب للتكفير بها؛ لأن شرط التكفير، وهو زوال الإيمان، لم يتحقق.
الحال الثالث: محبة الكافر غير المحارب لأجل دينه.
له الحكم نفسه، كما في محبة الكافر المحارب لدينه؛ لأن صورة المحبة واحدة في الصنفين، وهو المحبة للدين، والرضى بالكفر، وقد سبق إيضاحه.
الحال الرابع: محبة الكافر غير المحارب لأجل الدنيا.
أي محبته لأجل: خلُق، أو قرابة، أو جمال.. ونحو هذا. وظاهر النصوص تدل على جواز هذا النوع:
1- مودة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب، دل عليه: حرصه وإلحاحه عليه بالإسلام. كما دل عليه: شفاعته له في تخفيف العذاب عنه. فلولا المحبة والمودة لقرابته، ونصرته، لما كان هذا منه، فإنه لم يفعل ذلك مع غيره. وقد أنزل فيه قوله تعالى: \"إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين\"، فذكر محبته له، ولم ينكر عليه؛ لأنها محبة للقرابة، مع تمني الهداية.
2- أن إبراهيم عليه السلام لم يتبرأ من أبيه، إلا بعد أن تبينت عداوته؛ أي ثبوت حربه للدين، فدل على أنه كان قبل ذلك يوده؛ إذ ضد التبرئ المودة.
3- \"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون\". فقد أذن تعالى ببر وقسط الكافرين غير المحاربين، وفي البر والقسط قدر من المودة.
4- قال تعالى: \"وجعل بينكم مودة ورحمة\"، أي بين الزوجين، وهذا عام في كل الأزواج: مسلمة، أم كتابية. فإذا أجاز الشارع نكاح الكتابية وهي كافرة، فذلك يفيد جواز مودتها؛ إذ الزواج متضمن للمودة. فما كان للشارع أن يأذن بالزواج منها، ثم يمنع من مودتها ؟.
5- أمره تعالى ببر الأبوين، ولو كانا مشركين، وصحبتهما بالمعروف، والإحسان إليهما، والبر، والمعروف، والإحسان، يتضمن شيئا من المودة لا شك، ليس كل المودة.
فهذه محاب دنيوية، ليست بدينية، ولها مصلحة راجحة، تبين إنصاف المسلم، ومكافأته بالمعروف حتى لمن خالف دينه، وفيه كذلك فائدة في الدعوة إلى الإسلام، فقد يسلم الأبوان، والزوجة لأجل هذه المودة، بعكس ما لو حل مكانها البغضاء والعداوة الكاملة من كل وجه، فكيف لهؤلاء أن يقبلوا بالإسلام؟، وهل يقبل إلا بالسماحة والإحسان ؟!.
كذلك هي نفسها لا تضر أصل الإيمان؛ لأنها أقرب ما تكون إلى الرحمة، والشفقة، والرأفة. وقد سميت: برا، وقسطا، ومعروفا، وإحسانا. وهذه أمور مطلوبة في المسلم تجاه الكافرين غير المحاربين خصوصا.
لكن يجب أن يلاحظ: أن هذه المحبة يجب أن تبقى في حدودها الدنيوية، فلا يبالغ بها، وهكذا كثير من المباحات لها حدود، من لم يضبطها تعرض للوقوع في المحرم. وفشل بعض الناس عن الضبط لايحول الشيء المراد ضبطه محرما.

محبة الكافر وبغضه.
تبين إباحة محبة الكافر غير المحارب لأجل الدنيا، لا لأجل الدين، وهي كما ذكر: محبة في معنى الشفقة، والرحمة، والرأفة. لكن هذا:
- لا يعني أن له محبة كمحبة المسلم.
- ولا يعني خلوه من البغض.
- ولا يعني مساواته في البغض بالمحارب.
• فأما المحبة فقد ظهر تعليلها، وتبين سببها وتفسيرها.
• وأما أن محبته دون محبة المسلم، فذلك دلت عليه أمور:
- علو الإسلام على الكفر، فمن انتسب إليه علا، لقوله تعالى: \"ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين\". ولقوله صلى الله عليه وسلم: \"الإسلام يعلو، ولا يعلى عليه\".
- أن الله تعالى لم يساو بين المسلمين والكافرين، بل فضَّل المسلمين، فقال تعالى: \"أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون\"، والمقصود بالفاسق هو: الكافر. فلا يجوز المساواة بينهما إذن.
- أن المسلم يحب لإيمانه، وأما الكافر فإذا أحبه المسلم، فلأجل الدنيا، في أحوال خاصة، مثل الأبوين، والزوجة، أو من يجتنى من ورائه مصلحة. وشتان بين المحبة للإيمان، والمحبة للدنيا.
ومصطلح المحبة عندما تطلق قد يتبادر إلى الذهن ذلك الميل الشديد القوي، وليس هذا بلازم، بل المحبة متفاوتة، فهناك القليل، وهناك الكثير، والبر والإحسان فيه شيء من المحبة، وكذا الشفقة والرحمة فيها شيء من ذلك. فإذا ما قيل بإباحة محبة الكافر، فإنه يحمل على محبة مقدرة، قدرها أنها لا تبلغ محبة المسلم، وهذا يعرف عند تعارض المحاب، فإذا تعارضت محبة الكافر مع محبة المسلم في أمر عدل وحق، فلا يجوز تقديم محبة الكافر، ولو لأجل الدنيا.
• وأما البغض فلأجل كفره؛ فإذا كان المسلم يحب لإيمانه، ويبغض لفسقه وعصيانه، وعلى هذا تدل النصوص، وهو قول أهل السنة والجماعة: فالكافر من باب أولى، فما معه من المعصية (= الكفر) أعظم من معصية المسلم، حيث إنها لا تبلغ الكفر.
• وأما أن بغضه دون بغض المحارب؛ فذلك لأنه لم يتقدم إلى المسلمين بأذى في: دينهم، أو نفوسهم، أو أموالهم، أو ديارهم. فما عنده سبب للبغض إلا الكفر، بخلاف المحارب فسبب بغضه كفره، ومحاداته وعداوته لله ورسوله وللمؤمنين.
وبهذا يعلم:
1- أن سائر الكافرين لهم قدر من البغض، سببه: كفرهم، وأذاهم للمؤمنين. وهم يتفاوتون في البغض بقدر ما يحققون من الأسباب:
- فالمحارب له البغض كله؛ لاستكماله أسبابه.
- وغير المحارب له بعض البغض، لتحقيقه بعض الأسباب دون بعض.
2- أن الكافر الذي تباح محبته لأمر دنيوي هو: غير المحارب. من غير إيجاب، ولا استحباب. على ألا يساوى في المحبة بالمسلم، ويبغض على ألا يساوى في بغضه بالمحارب.
- وبذلك تجتمع فيه: المحبة، والبغض. فمحبة جائزة مباحة، غير واجبة؛ لأجل الدنيا. وبغض واجب؛ لأجل كفره بالله تعالى.
أمر مهم:
ليس في هذا التقرير دعوة لمحبة الكافر غير المحارب!!.
كلا، بل تقرير أن من وقع في هذه المحبة لسبب من الأسباب: زوجة، أبوين، أبناء، إخوة، عشيرة، مصلحة خاصة. فما وقع في أمر مكفر؛ ما دامت محبة ليست لدينه.
ولا في محرم دون الكفر؛ ما دام أنه لا يساوى فيها الكافر بالمسلم.
- بل كفر في حالة واحدة: إذا كانت للدين. سواء كانت محبة لمحارب، أو غير محارب.
- ومحرم في حالتين:
- إذا كانت لأجل الدنيا. إذا تعلقت بالمحارب، دون غير المحارب.
- أو تساوت مع محبة المسلم. سواء تعلقت بالمحارب، أو غير المحارب.
- مباح في حالة واحدة: إذا كانت لأجل الدنيا، في حق غير المحارب، بشرط عدم مساواته بالمسلم.""

ضياء الدين القدسي
04-18-2013, 12:36 PM
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
لي ملاحظة على ما كتب وهي القول : بأنَّ تَساوي محبة المسلم للكافر معصية وليس كفراً .
حيث قال الكاتب : " ومحرم في حالتين (وذكر الحالة الثانية قائلا ) : " أو تساوت مع محبة المسلم. سواء تعلقت بالمحارب، أو غير المحارب."
أقول ( ضياء الدين ) : تساوي محبة الكافر مع محبة المسلم بشكل عام ليس معصية بل هي كفر . لأنها تُناقض عقيدة التوحيد التي تقتضي تفضيل الموحد بشكل عام على الكافر مهما كان .
أن تُفضِّل الكافر في أخلاقه على المسلم إن كانت أخلاق الكافر أفضل من أخلاق المسلم العاصي ، فلا يوجد هنا مشكلة . أما أن تساوي في المحبة بشكل عام بين المسلم والكافر فهذا مخالف لنصوص كثيرة من القرآن والسنة . وعلى سبيل المثال قوله تعالى : " أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ " (القلم :35-36 )
وإجرام المشرك أكبر إجراماً ، لتعديه على حقوق الله . فكيف يساوى بينه وبين الموحد في الحب بشكل عام . ؟!
وقوله تعالى :" أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ "(السجدة :18)
فالتسوية في المحبة بشكل عام وليس لأمر معين ، بين الموحد والمشرك ، تعني التسوية بين التوحيد والشرك وهما لن يستويان أبداً .
وقوله تعالى :" قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " ( المائدة : 100)
والمشرك خبيت ونجس بشركه مهما كانت له من الميزات الحسنة الدنوية ، والمسلم طيب لا ينجس النجاسة المعنوية بسب توحيده ، مهما كانت له من الميزات السيئة الدنيوية ، لهذا لا يستويان أبدا .
قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ... " ( التوبة :28)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المؤمن لا ينجس " ( متفق عليه )
فكيف يستوي النجس والذي لا ينجس ؟!
فمناط التكفير فيمن ساوى في المحبة بشكل العام بين المسلم والكافر هو عدم التفريق بين الموحد والكافر وهذا يقتضي عدم التفريق بين التوحيد والشرك ، وهذه ليست معصية غير مكفرة بل ناقض من نواقض التوحيد .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله " ( رواه الإمام أحمد في مسنده بسند حسن)
وقال ابن تيمية رحمه الله : ( إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا لله ، ولا يبغض إلا لله ، ولا يواد إلا لله ، ولا يُعادي إلا لله ، وأن يحب ما أحبه الله ، ويبغض ما أبغضه الله ) مجموع الفتاوى ج8 ص337
و روى الإمام عبد الله بن المبارك في الزهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( أحب لله ، وأبغض لله ، وعاد في الله ، ووال في الله ، فإنه لا تنال ولاية الله إلا بذلك ، ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك ، وقد صارت مواخاة الناس اليوم في أمر الدنيا ، وذلك ما لا يجزئ عن أهله شيئا يوم القيامة ) ص120
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( وَلْيَعْلَمْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ تَجِبُ مُوَالَاتُهُ وَإِنْ ظَلَمَك وَاعْتَدَى عَلَيْك وَالْكَافِرُ تَجِبُ مُعَادَاتُهُ وَإِنْ أَعْطَاك وَأَحْسَنَ إلَيْك ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ لِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَيَكُونُ الْحَبُّ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْبُغْضُ لِأَعْدَائِهِ وَالْإِكْرَامُ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْإِهَانَةُ لِأَعْدَائِهِ وَالثَّوَابُ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْعِقَابُ لِأَعْدَائِهِ) مجموع الفتاوى ج28ص209

الملاحظة الثاني : لو استعملت تعبير الحب الفطري يكون أنسب حتى لا يساء فهم الموضوع .

كتبه : ضياء الدين القدسي

لبابة
04-20-2013, 06:54 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ وجزاكم الله خيرا
هناك بعض الاستفسارات بالنسبة لسؤال السائل لو تكرمتم بالإجابة

1) قول السائل : المحارب عدو لله تعالى، دون غير المحارب. دل على هذا قوله تعالى في حق إبراهيم وأبيه: - \" فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه \".، وقد علم وتبين له كفره ابتداء، لكن عداوته لم تتبين إلا بعد إصراره، وعناده، وتهديده. فدل على أنه ليس كل كافر فهو عدو لله تعالى.
- فهل هذا الإستنتاج صحيح في أن المحارب عدو لله تعالى، دون غير المحارب ؟
أم أن الكافر استحق ان يكون عدوا لله بمجرد كفره ، وبمحاربته لله تشتد عداوته لله ؟

2) ويقول السائل : (أن إبراهيم عليه السلام لم يتبرأ من أبيه، إلا بعد أن تبينت عداوته؛ أي ثبوت حربه للدين، فدل على أنه كان قبل ذلك يوده؛ إذ ضد التبرئ المودة. )
-فهل هذا الكلام صحيح في ضوء فهم قوله تعالى : {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} ؟
- وهل لا نتبرأ من الكفار إلا بعد ثبوت حربهم للدين ؟

3) قول السائل : مودة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب، دل عليها: حرصه وإلحاحه عليه بالإسلام. كما دل عليها: شفاعته له في تخفيف العذاب عنه. فلولا المحبة والمودة لقرابته، ونصرته، لما كان هذا منه، فإنه لم يفعل ذلك مع غيره. وقدأنزل فيه قوله تعالى: \"إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهوأعلم بالمهتدين\"، فذكر محبته له، ولم ينكر عليه؛ لأنها محبة للقرابة، مع تمني الهداية.
- قول الله تعالى : " {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} ، هل يقرر حب النبي صلى الله عليه وسلم لعمه ؟ أم يقرر محبة أن يهديه الله تعالى ؟

4) يقول السائل:أمره تعالى ببر الأبوين، ولو كانا مشركين، وصحبتهما بالمعروف، والإحسانإليهما، والبر، والمعروف، والإحسان، يتضمن شيئا من المودة لا شك، ليس كل المودة ،فهذه محاب دنيوية، ليست بدينية، ولها مصلحة راجحة، تبين إنصاف المسلم،ومكافأته بالمعروف حتى لمن خالف دينه، وفيه كذلك فائدة في الدعوة إلى الإسلام، فقد يسلم الأبوان، والزوجة لأجل هذه المودة، بعكس ما لو حل مكانها البغضاء والعداوة الكاملة من كل وجه، فكيف لهؤلاء أن يقبلوا بالإسلام؟،وهل يقبل إلا بالسماحة والإحسان ؟!..
- فـهل البر والمعروف والاحسان لا يكون الا بالمودة ؟
- وما هي المودة التي يتتنافى وجودها مع الاسلام كما في قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ }؟
- وهل اذا انتفت المودة (مع الاحسان أو البر)، وجب أن يحل مكانها البغضاء والعداوة الكاملة من كل وجه كما يقول السائل؟
-فهمتُ من هذا القول للسائل : أن المودة لهم مع الاحسان إليهم وعدم اظهار العداوة الكاملة أمر محبب شرعا لطمعنا في دخولهم الاسلام .أليس هذا يتنافى مع قوله تعالى : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}
فهل الهدف هو دخول الناس في الاسلام ،أم أننا نلزم ما أمرنا الله به ، ثم يكون من أمر الناس ما يشاؤه الله لهم ؟

جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم

ضياء الدين القدسي
09-01-2013, 06:08 PM
الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

قولك :1- قول السائل : المحارب عدو لله تعالى، دون غيرالمحارب. دل على هذا قوله تعالى في حق إبراهيم وأبيه: - \" فلما تبين له أنه عدولله تبرأ منه \".، وقد علم وتبين له كفره ابتداء ، لكن عداوته لم تتبين إلا بعد إصراره، وعناده، وتهديده. فدل على أنه ليس كل كافر فهو عدو لله تعالى.


-فهل هذا الإستنتاج صحيح في أن المحارب عدو لله تعالى ، دون غير المحارب؟

أم أن الكافر استحق ان يكون عدوا لله بمجرد كفره ، وبمحاربته لله تشتد عداوته لله ؟


أقول ( ضياء الدين ) : هذا الاستنتاج غير صحيح والفهم للآية غير مستقيم .

فلا شك أن كل كافر عدو لله لا يحبه الله بل يمقته بمجرد كفره وشركه ، والمسلم عدو لمن كان الله عدو له ولا يحب من لا يحبه الله ، ويمقت كل من يمقته الله . ولقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه عدو لكل كافر بدون تفصيل ، قال الله تعالى : ( مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ) [البقرة : 98] وعلى المسلم أن يكون عدواً لمن كان الله عدواً له . ولا ريب أن كل كافر ومشرك عدو لله وعدو للمؤمنين .


قال تعالى : " إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً " [النساء:101].

وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه لا يحب الكافرين فقال تعالى : " فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ " [آل عمران : 32] وقال تعالى : " إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ " [الروم : 45] وعلى المسلم أن لا يحب من لا يحبه الله .
وأخبر الله سبحانه وتعالى أنه يمقت الكافرين فقال عز من قائل : " وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلا مَقْتاً " [فاطر:39]. وعلى المسلم أن يمقت كل من يمقته الله .ولم يفرق الله في هذه الآيات بين كافر محارب وكافر مسالم . والفرق يكون بدرجة العداوة والكره والمقت ، فلا شك أن الكافر المحارب للمسلمين تكون عداوته وبغضه ومقته أشد من الكافر المسالم .
أما معنى قوله تعالى : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ) أي لما تبين له أنه مات عدواً لله ، يعني مات على الكفر والشرك ، تبرأ منه ، أي لم يستغفر له . وليس معناها أنه لم يكن عدواً لله وهو كافر إلا بعدإصراره ، وعناده ، وتهديده .وليس معناها أنه لم يكن عدواً لله حال كفره حتى مات على الكفر ، وليس معناها أنه لم يكن متبرئاً منه قبل أن يموت على الكفر فلما مات على الكفر تبرأ منه ، وإنما المعنى أنه لما مات على الكفر والشرك ، تبرأ منه ، أي لم يستغفر له بعد ذلك ، لأنه انقطع أمله في هدايته . والدليل على ذلك سباق الآية :
قال تعالى : " وَمَاكَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ " فموضوع الآية جواز الاستغفار للكافر حال حياته وعدم جوازها بعد مماته على الكفر والشرك .وهذا ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم من هذه الآية .
فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه بسند صحيح فقال : أخبرنا ابن عيينة عن أبي سنان عن سعيد بن جبير قال : توفي أبو رجل ، وكان يهودياً ، فلم يتبعه ابنه ،فذكر ذلك لابن عباس ، فقال ابن عباس : وما عليه لو غسله ، واتبعه ، واستغفر له ماكان حياً - يقول : دعا له ما كان الأب حياً - قال : ثم قرأ ابن عباس ( فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ) يقول : لما مات على كفره .
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح قال : حدثنا ابن فضيل عن ضرار بن مرة عن سعيد بن جبير قال مات رجل نصراني فوكله ابنه إلى أهل دينه فذكر ذلك لابن عباس فقال ماكان عليه لو مشى معه ودفنه واستغفر له ما كان حياً ثم تلا ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ ..) الآية.
فلا يُفهم من الآية البتة أن أبا إبراهيم عليه السلام عندما كان كافراً لم يكن عدواً لله وإنما أصبح عدواً لله وللمسلمين عندما مات على الكفر ، أو عند إصراره ، وعناده ، وتهديده . وكذلك لا يُفهم من الآية أن إبراهيم عليه السلام كان موالياً لأبيه الكافر وغير متبرئ منه حال كفره حتى مات كافراً ، أو لحين إصراره ، وعناده ، وتهديده . فإبراهيم عليه السلام قد صرح بتصريح واضح لا لبس فيه من أول يوم في الدعوة لكل الكفار والمشركين بما فيهم أباه أنه بريء منهم وعدوٌ لهم ومبغض لهم . قال تعالى عنه وعن أتباعه : "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (المتحنة : 4)
والآية فيها بيان سبب الكفر بهم وسبب العداوة والبغضاء الأبدية لهم وهو : عدم الإيمان بالله وحده . " حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ "ولم يقل : ما دمتم لنا محاربين وأعداء .
وقال تعالى : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ . إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ . وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " (الزخرف :26- 28)
والكلمة التي جعلها باقية في عقبه هي كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " الذي أعلنها لهم في أول دعوته لهم .



قولك : 2- (ويقول السائل : أن إبراهيم عليه السلام لم يتبرأ من أبيه ، إلا بعد أن تبينت عداوته ؛أي ثبوت حربه للدين ،فدل على أنه كان قبل ذلك يوده ؛ إذ ضد التبرئ المودة. )

-فهل هذا الكلام صحيح في ضوء فهم قوله تعالى : { وَمَاكَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } ؟

أقول ( ضياء الدين ) : هذا كلام غير صحيح ، لأنه ليس معنى قوله تعالى " فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ " تبينت عداوته وثبت حربه للدين ،بل معناه تبين له أنه مات على الكفر والشرك . فعداوة آزر لله ولدين إبراهيم عليه السلام بدأت من أول يوم دعاه إبراهيم عليه السلام لتوحيد الله .
وليس صحيحاً أن إبراهيم عليه السلام كان يود أبيه في حال كفره وقبل ثبوت حربه للدين . فقد صرح إبراهيم عليه السلام من أول يوم في الدعوة لجميع من لا يؤمن بالله وحده ومن ضمنهم أباه أنه بريء منهم ، وأنه قد كفر بهم وبما يَعْبُدون ، وبدا بينهم وبينه العداوة والبغضاء . حتى يتركوا الكفر والشرك ويؤمنوا بالله وحده .
أما معنى التبرؤ في قوله تعالى : " فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ " فهو عدم الاستغفار له بعدما مات على الشرك ، وليس معناه أنه لم يكن متبرئاً منه وكان يحبه ولا يبغضه قبل أن يموت على الكفر والشرك . بل كان مع بغضه له وعداوته له لكفره وشركه ، يدعو له ويستغفر له راجياً أن يهديه الله ، فلما مات على الشرك لم يعد يستغفر له . وهذا هو معنى قوله تعالى : " تبرأ منه " وليس معناه أنه كان مواليه وغير متبرئ منه - التبرؤ الواجب في أصل الدين لكل كافر - حتى مات على الكفر أو حتى أصر على الكفر والشرك ، وعاند ، وهدد ، وحارب . فالتبرؤ المقصود في هذه الآية ، ليس هو التبرؤ الذي عناه إبراهيم عليه الصلاة والسلام عندما قال لأبيه وقومه :" إِنَّابُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ " بل هو بالإجماع عدم الاستغفار له . وبداية الآية يدل دلالة واضحة على هذا المعنى قال تعالى : " وَمَاكَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ .... " فالآية تتحدث عن الاستغفار .والبراءة فيها عدم الاستغفار له . وتبين عداوته لله ، أي موته على الكفر والشرك .
قولك : وهل لا نتبرأ من الكفار إلا بعد ثبوت حربهم للدين ؟
أقول ( ضياء الدين ) : التبرؤ من كل كافر ودينه من أصل الدين وهو داخل في معنى الشرط الأول لدخول الدين وهو شرط " الكفر بالطاغوت " وهو ما عناه إبراهيم ومن معه من الموحدين في قولهم لقومهم الكفار ، كل الكفَّار ، بدون تمييز بين مسالم ومحارب : " إِنَّابُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ " . فليس التبرؤ من الكفار بهذا المعنى يكون بعد ثبوت حربهم للدين ، بل يتحقق بمجرد كفرهم بالله وآياته بغض النظر كونه مسالماً أو محارباً ، فهذه البراءة هي براءة شرعية قلبية دينية واجبة " على كل موحد عن دخوله الإسلام .
والبراءة المقصودة في قوله تعالى :" فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ " تبرأ منه أي قطع الاستغفار له ، لأنه كان يستغفر له ويدعو له بالهداية حال حياته لوجود الأمل في إسلامه .

قولك : 3- قول السائل :مودة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب ، دل عليها : حرصه وإلحاحه عليه بالإسلام. كما دل عليها: شفاعته له في تخفيف العذاب عنه. فلولا المحبة والمودة لقرابته ، ونصرته ، لما كان هذا منه ، فإنه لم يفعل ذلك مع غيره. وقد أنزل فيه قوله تعالى: \"إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين\"،فذكر محبته له، ولم ينكر عليه ؛ لأنها محبة للقرابة ، مع تمني الهداية.
- قول الله تعالى : " {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} ،هل يقرر حب النبي صلى الله عليه وسلم لعمه ؟ أم يقرر محبة أن يهديه الله تعالى ؟
أقول ( ضياء الدين ) : المودة والمحبة منها ما هو أمر كوني قدري ، الإنسان مجبول عليه ، كمحبة الوالدين والأبناء والزوجة وبعض الناس لبعض الصفات فيهم ، ومودة ومحبة شرعية يقتضيها التوحيد ، وقد أمر الله بها أمراً شرعياً ، وهي محبة كل موحد ويقابلها بغض كل كافر لدينه بغض النظر هل هو محارب أم لا . فقد أمر الله سبحانه في محكم كتابه ببغض الكافر لدينه . فقال عز من قائل : " لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " (المجادلة : 22)
وليس المحاد لله هو الكافر المحارب فقط ، بل كل كافر محاد لله . فإن الله تعالى قال : " يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ " [التوبة 62-63]
فهؤلاء الذين حلفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ليرضوهم ، ليسوا محاربين ، ومع ذلك جعلهم الله محادينلله ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
ولما ذكر الله حدود الله في مطلع سورة المجادلة قال : " إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...." (المجادلة : 5) ومعلوم أن انتهاك حدود الله ليس محاربة ، ومع ذلك جعله الله محادة لله جل وعلا .
فكل مؤمن لابد أن تقوم في نفسه " العداوة القلبية الدينية " لكل كافر ومشرك ، مهما كان ومن كان ، فإن لم يجد هذه العداوة القلبية الدينية لأعداء ربه سبحانه وتعالى فليراجع إيمانه . ومن في قلبه حب الله بالمعنى الصحيح لا يحب عدو الله الكافر والمشرك . وقد أخبر الله في محكم كتابه أنه عدو للكافرين كل الكافرين لا يحبهم ويمقتهم ، فمن في قلبه الإيمان الصحيح ويعرف هذه الآيات لا شك أنه سيكون عدواً للكافرين ممقتاً لهم غير محب لهم ولو كانوا أقرب أقربائه .

قولك : 4- يقول السائل: أمره تعالى ببر الأبوين ، ولو كانا مشركين ، وصحبتهما بالمعروف ، والإحسان إليهما، والبر ، والمعروف ، والإحسان، يتضمن شيئا من المودة لا شك ، ليس كل المودة ، فهذه محاب دنيوية ، ليست بدينية، ولها مصلحة راجحة ، تبينإنصاف المسلم ، ومكافأته بالمعروف حتى لمن خالف دينه ، وفيه كذلك فائدة في الدعوة إلى الإسلام ، فقد يسلم الأبوان ، والزوجة لأجل هذه المودة، بعكس ما لو حل مكانها البغضاء والعداوة الكاملة من كل وجه ، فكيف لهؤلاء أن يقبلوا بالإسلام ؟ ، وهل يقبل إلا بالسماحة والإحسان ؟!..
- فـهل البر والمعروف والاحسان لا يكون الا بالمودة ؟
- وما هي المودة التي يتتنافى وجودها مع الاسلام كما في قوله تعالى: " لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " ؟

- وهل اذا انتفت المودة (مع الاحسان أو البر)، وجب أن يحل مكانها البغضاء والعداوة الكاملة من كل وجه كما يقول السائل ؟
أقول ( ضياء الدين ) :المصاحبة بالمعروف والبر والإحسان والتعامل بالمسامحة للكافر غير الحربي لا يناقض، العداوة القلبية الدينية الواجبة لكل كافر .فقد روى الإمام أحمد بسند صحيح أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لما بعث عبد الله بن رواحة إلى اليهود لخرص الثمار خافوا أن يظلمهم فقال لهم : ( يا معشر اليهود أنتم أبغض الخلق إلي ، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم) [ رواه أحمد بسند صحيح رقم 14966]
فهؤلاء كفار مسالمون وليسو محاربين ، ومع ذلك يعلن لهم رضي الله عنه بغضه لهم بسبب دينهم وكفرهم بالله العظيم .
والمودة لا يلزم منها أن تكون دوماً هي الحب ، بل قد يكون المراد بها الصلة والإحسان كما قال تعالى : " قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى " فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يطلب أن يتحاب مع كفار قريش ، بل طلب منهم أن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة . فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسير هذه الآية : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة ، فقال : إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة) [صحيح البخاري : 4818]
فالبر والمعروف والإحسان للكافر غير الحربي ليس له علاقة بالمودة المنهي عنها للكافر .
المودة للكافر التي يتنافى وجودها مع الإسلام هي المودة التي تنقض وتلغي العداوة القلبية الدينية الواجبة لكل كافر .
وهي التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال : " أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ".
وهي التي بينها الإمام السبكي بقوله : " والذي يظهر أن النفوس الطاهرة السليمة لا تبغض أحدا ولا تعاديه إلا بسبب ، إما واصل إليها، أو إلى من تحبه أو يحبها ، ومن هذا الباب عداوتنا للكفار بسبب تعرضهم إلى من هو أحب إلينا من أنفسنا) [انظر فتاوى السبكي، 2/476]
وهي التي قصدها العز بن عبد السلام الشافعي عندما قال : (جنايته على أمر نفسه بالكفر أخرته ، وأوجبت بغضه) [قواعد الأحكام ، للعز بن عبد السلام، 72]
وهي التي قصدها ابن الحاج المالكي عندما قال : (واجب على كل مسلم أن يبغض في الله من يكفر به) [المدخل ، لابن الحاج، 2/47]
وهي أيضا التي قصدها الشيخ عليش المالكي عندما قال : (نفوس المسلمين مجبولة على بغض الكافرين) [ منح الجليل ، لعليش، 3/150 ]
وليس إن انتفت المودة الشرعية القلبية المطلوبة من المسلم نحو الكافر يقتضي انتفاء الإحسان والبر والقسط للكافر ولا حتى يقتضي انتفاء الحب الفطري . وإنما إن انتفت المودة القلبية الشرعية المطلوبة نحو الكافر تحققت العداوة في الله والحب في الله .

قولك : فهمتُ من هذا القول للسائل : أن المودة لهم مع الاحسان إليهم وعدم اظهار العداوة الكاملة أمر محبب شرعا لطمعنا في دخولهم الاسلام . أليس هذا يتنافى مع قوله تعالى : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّابُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}
فهل الهدف هو دخول الناس في الاسلام ، أم أننا نلزم ما أمرنا الله به ، ثم يكون من أمر الناس ما يشاؤه الله لهم ؟
أقول ( ضياء الدين ) : قلنا أن العداوة المطلوبة لتحقيق أصل الدين هي عدم المودة القلبية الشرعية وهذه لا تتعارض مع البر والإحسان والصلة . والبر والإحسان والصلة لغير الكافر الحربي جائزة غير منهي عنها ، وكذلك المودة بمعنى الصلة والإحسان للكافر غير الحربي جائزة غير منهي عنها . قال تعالى : " قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى "
وهدفنا وغايتنا هي إرضاء الله وليس بيدنا هداية من أحببنا هدايته أو أحببناه الحب الفطري .
كتبه : ضياء الدين القدسي