المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تارك الصلاة ومانع الزكاة


باحث عن الحق
01-07-2012, 09:39 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أفيدونا هدانا الله وإياكم لما فيه الخير

هل ترك الصلاة مع الإقرار بها كفر اكبر يلزم منه تكفير المخالف ؟؟؟؟؟؟
وهل منع الزكاة مع الإقرار بها كفر اكبر يلزم منه تكفير المخالف ؟؟؟؟؟؟؟
وهل الجهل عذر لمن لا يعرف حكم تارك الصلاة ومانع الزكاة ؟؟؟؟؟؟؟؟

العباس
01-20-2012, 07:51 PM
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين :

الجواب :
قال ابن قدامة في المغني (2/ 329)
(وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاة، وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ، جَاحِدًا لَهَا، أَوْ غَيْرَ جَاحِدٍ، ... فَإِنْ كَانَ جَاحِدًا لِوُجُوبِهَا نُظِرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِهِ، وَهُوَ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ، كَالْحَدِيثِ الْإِسْلَامِ، وَالنَّاشِئِ بِبَادِيَةٍ، عُرِّفَ وُجُوبَهَا، وَعُلِّمَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ، كَالنَّاشِئِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى، لَمْ يُعْذَرْ، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ادِّعَاءُ الْجَهْلِ، وَحُكِمَ بِكُفْرِهِ؛ لِأَنَّ أَدِلَّةَ الْوُجُوبِ ظَاهِرَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالْمُسْلِمُونَ يَفْعَلُونَهَا عَلَى الدَّوَامِ، فَلَا يَخْفَى وُجُوبُهَا عَلَى مَنْ هَذَا حَالُهُ، فَلَا يَجْحَدُهَا إلَّا تَكْذِيبًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَهَذَا يَصِيرُ مُرْتَدًّا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْمُرْتَدِّينَ، فِي الِاسْتِتَابَةِ وَالْقَتْلِ، وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا.
وَإِنْ تَرَكَهَا لِمَرَضٍ، أَوْ عَجْزٍ عَنْ أَرْكَانِهَا وَشُرُوطِهَا، قِيلَ لَهُ: إنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الصَّلَاةَ، وَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِ.
وَإِنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا أَوْ كَسَلًا، دُعِيَ إلَى فِعْلِهَا، وَقِيلَ لَهُ: إنْ صَلَّيْت، وَإِلَّا قَتَلْنَاكَ. فَإِنْ صَلَّى، وَإِلَّا وَجَبَ قَتْلُهُ. وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يُحْبَسَ ثَلَاثًا، وَيُضَيَّقَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَيُدْعَى فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى فِعْلِهَا، وَيُخَوَّفَ بِالْقَتْلِ، فَإِنْ صَلَّى، وَإِلَّا قُتِلَ بِالسَّيْفِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَوَكِيعٌ وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يُضْرَبُ وَيُسْجَنُ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، قَالَ: وَلَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٍ بَعْدَ إيمَانٍ، أَوْ زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهَذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ. فَلَا يَحِلُّ دَمُهُ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ فَرْعٌ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ . فَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِهِ كَالْحَجِّ ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ لَوْ شُرِعَ لَشُرِعَ زَجْرًا عَنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَجُوزُ شَرْعُ زَاجِرٍ تَحَقَّقَ الْمَزْجُورُ عَنْهُ ، وَالْقَتْلُ يَمْنَعُ فِعْلَ الصَّلَاةِ دَائِمًا، فَلَا يُشْرَعُ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ الدَّمِ، فَلَا تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ مَعْنَى نَصٍّ.
وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. وَلَنَا ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] إلَى قَوْله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] .
فَأَبَاحَ قَتْلَهُمْ، وَشَرَطَ فِي تَخْلِيَةِ سَبِيلِهِمْ التَّوْبَةَ، وَهِيَ الْإِسْلَامُ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، فَمَتَى تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا لَمْ يَأْتِ بِشَرْطِ تَخْلِيَتِهِ، فَيَبْقَى عَلَى وُجُوبِ الْقَتْلِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ» . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ قَتْلِهِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَالْكُفْرُ مُبِيحٌ لِلْقَتْلِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ» . فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُصَلِّينَ يُبَاحُ قَتْلُهُمْ . وَلِأَنَّهَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ بِنَفْسٍ وَلَا مَالٍ ، فَوَجَبَ أَنْ يُقْتَلَ تَارِكُهُ كَالشَّهَادَةِ، وَحَدِيثُهُمْ حُجَّةٌ لَنَا؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي رَوَيْنَاهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَهَا كُفْرٌ، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ اسْتَثْنَى مِنْهُ «إلَّا بِحَقِّهَا» . وَالصَّلَاةُ مِنْ حَقِّهَا. وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا شَهِدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَآتَوْا الزَّكَاةَ.» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
.....
إذَا ثَبَتَ هَذَا [ أي وجوب القتل عند الحنابلة ] فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ قَتْلُهُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلصَّلَاةِ، فَلَزِمَ قَتْلُهُ، كَتَارِكِ ثَلَاثٍ، وَلِأَنَّ الْأَخْبَارَ تَتَنَاوَلُ تَارِكَ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، لَكِنْ لَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ حَتَّى يَضِيقَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَا يُعْلَمُ تَرْكُهَا إلَّا بِفَوَاتِ وَقْتِهَا، فَتَصِيرُ فَائِتَةً لَا يَجِبُ الْقَتْلُ بِفَوَاتِهَا، فَإِذَا ضَاقَ وَقْتُهَا عُلِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ تَرْكَهَا، فَوَجَبَ قَتْلُهُ.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ قَتْلُهُ حَتَّى يَتْرُكَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ، وَيَضِيقَ وَقْتُ الرَّابِعَةِ عَنْ فِعْلِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّلَاتَيْنِ لِشُبْهَةٍ، فَإِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثًا. تَحَقَّقَ أَنَّهُ تَارِكٌ لَهَا رَغْبَةً عَنْهَا، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَضِيقَ وَقْتُ الرَّابِعَة عَنْ فِعْلِهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَحَكَى ابْنُ حَامِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا، أَنَّهُ إنْ تَرَكَ صَلَاةً لَا تُجْمَعُ إلَى مَا بَعْدَهَا، كَصَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ، وَجَبَ قَتْلُهُ، وَإِنْ تَرَكَ الْأُولَى مِنْ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ، لَمْ يَجِبْ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَيْنِ كَالْوَقْتِ الْوَاحِدِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ. وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ ، هَلْ يُقْتَلُ لِكُفْرِهِ، أَوْ حَدًّا ؟
فَرُوِيَ أَنَّهُ يُقْتَلُ لِكُفْرِهِ كَالْمُرْتَدِّ، فَلَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُكَفَّنُ، وَلَا يُدْفَنُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَرِثُهُ أَحَدٌ، وَلَا يَرِثُ أَحَدًا، اخْتَارَهَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا وَابْنُ حَامِدٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِالْمُبَارَكِ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَإِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» . وَفِي لَفْظٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ تَرْكَ الصَّلَاةِ» . وَعَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ تَرْكُ الصَّلَاةِ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» رَوَاهُنَّ مُسْلِمٌ
وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمْ الْأَمَانَةُ، وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ الصَّلَاةُ» . قَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْءٍ ذَهَبَ آخِرُهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ.
وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَا دِينَ لَهُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ: لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ، تَرْكُهُ كُفْرٌ، غَيْرَ الصَّلَاةِ. وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَدْخُلُ بِهَا فِي الْإِسْلَامِ، فَيَخْرُجُ بِتَرْكِهَا مِنْهُ كَالشَّهَادَةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يُقْتَلُ حَدًّا، مَعَ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ، كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ ، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ، وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَكْفُر. وَذَكَرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى هَذَا، لَمْ يَجِدْ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافًا فِيهِ.وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ .
وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى مَعَهُمْ مِنْ الْإِسْلَامِ إلَّا قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. فَقِيلَ لَهُ: وَمَا يَنْفَعُهُمْ؟ قَالَ: تُنْجِيهِمْ مِنْ النَّارِ، لَا أَبَا لَكَ. وَعَنْ وَالَانَ، قَالَ: انْتَهَيْت إلَى دَارِي، فَوَجَدْت شَاةً مَذْبُوحَةً، فَقُلْت: مَنْ ذَبَحَهَا؟ قَالُوا: غُلَامُك. قُلْت: وَاَللَّهِ إنَّ غُلَامِي لَا يُصَلِّي، فَقَالَ النِّسْوَةُ: نَحْنُ عَلَّمْنَاهُ، يُسَمِّيَ، فَرَجَعْتُ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَنِي بِأَكْلِهَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ» . وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ، إلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» .
وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُول: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ» . وَعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً» . مُتَّفَقٌ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا، وَمِثْلُهَا كَثِيرٌ.
وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ، لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ،كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ، فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ، إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ» . وَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَمْ يُدْخِلْهُ فِي الْمَشِيئَةِ.
وَقَالَ الْخَلَّالُ، فِي " جَامِعِهِ ": ثنا يَحْيَى، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، ثنا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي شَمِيلَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إلَى قُبَاءَ فَاسْتَقْبَلَهُ رَهْطٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَحْمِلُونَ جِنَازَةً عَلَى بَابٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا هَذَا؟ قَالُوا: مَمْلُوكٌ لِآلِ فُلَانٍ، كَانَ مِنْ أَمْرِهِ. قَالَ: أَكَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، وَلَكِنَّهُ كَانَ وَكَانَ. فَقَالَ لَهُمْ: أَمَا كَانَ يُصَلِّي؟ فَقَالُوا: قَدْ كَانَ يُصَلِّي وَيَدَعُ. فَقَالَ لَهُمْ: ارْجِعُوا بِهِ، فَغَسِّلُوهُ، وَكَفِّنُوهُ، وَصَلُّوا عَلَيْهِ، وَادْفِنُوهُ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ كَادَتْ الْمَلَائِكَةُ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ» .
وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَّوْا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» .
وَلِأَنَّ ذَلِكَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ أَحَدًا مِنْ تَارِكِي الصَّلَاةِ تُرِكَ تَغْسِيلُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَدَفْنُهُ فِي مَقَابِر الْمُسْلِمِينَ، وَلَا مُنِعَ وَرَثَتُهُ مِيرَاثَهُ، وَلَا مُنِعَ هُوَ مِيرَاثَ مُوَرِّثِهِ، وَلَا فُرِّقَ بَيْنَ زَوْجَيْنِ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ مَعَ كَثْرَةِ تَارِكِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا، وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا فِي أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَلَوْ كَانَ مُرْتَدًّا لَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ.
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَهِيَ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ، وَالتَّشْبِيهِ لَهُ بِالْكُفَّارِ، لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» . وَقَوْلِهِ: «كُفْرٌ بِاَللَّهِ تَبَرُّؤٌ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ» . وَقَوْلُهُ: «مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» . وَقَوْلُهُ: «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» . قَالَ: «وَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْكَوَاكِبِ. فَهُوَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ، مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ» . وَقَوْلُهُ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» .
وَقَوْلِهِ: «شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ» . وَأَشْبَاهِ هَذَا مِمَّا أُرِيدَ بِهِ التَّشْدِيدُ فِي الْوَعِيدِ، وَهُوَ أَصْوَبُ الْقَوْلَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فيُعلَم مما سبق أن تارك الصلاة جحدا لها فكفره من باب تكذيب الخبر المقطوع به على وجوبها وفرضيتها وهذا لا خلاف فيه بين العلماء كما نقل ابن قدامة رحمه الله تعالى , أما من تركها تهاونا وتكاسلاً فمختلفٌ في حكمه أكافرٌ هو أم فاسقٌ عاصٍ , وحتى من قالوا بكفره فقد اختلفوا في ما يكفر بتركه من عدد الصلوات المتروكة كما ترى , وعليه فمن ترك الصلاة مع إقراره بوجوبها وفرضيتها لا يقال عنه بأن كفرَه كفر صريح وأنَّ المخالف في حكمه أو الجاهل بحكمه يكفر ، فإنكم قد رأيتم الأختلاف بين العلماء ها هنا وما كفّر بعضهم بعضاً ولا تنقّصه بل عذروا بعضهم وذكروا قوله من جملة ما يذكر من إختلافات الفقهاء في مسائلهم فالأمر موقوف على دلالة النصوص ومفهومها التي ساغ اختلاف الفهم فيها تبعاً لقواعد الإستدلال والترجيح .

ومثل ما قيل في تارك الصلاة يقال في تارك الزكاة أيضاً
قال ابن قدامة في المغني (2/ 428)
[فَصْلُ مَنْعِ الزَّكَاةِ مَعَ اعْتِقَادِ وُجُوبِهَا]
(1691) فَصْلٌ: وَإِنْ مَنَعَهَا مُعْتَقِدًا وُجُوبَهَا، وَقَدَرَ الْإِمَامُ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُ، أَخَذَهَا وَعَزَّرَهُ، وَلَمْ يَأْخُذْ زِيَادَةً عَلَيْهَا، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَكَذَلِكَ إنَّ غَلَّ مَالَهُ فَكَتَمَهُ حَتَّى لَا يَأْخُذَ الْإِمَامُ زَكَاتَهُ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ.
...... فَأَمَّا إنْ كَانَ مَانِعُ الزَّكَاةِ خَارِجًا عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ قَاتَلَهُ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَاتَلُوا مَانِعِيهَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهِ. فَإِنْ ظَفِرَ بِهِ وَبِمَالِهِ، أَخَذَهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ أَيْضًا، وَلَمْ تُسْبَ ذُرِّيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّ الْمَانِعَ لَا يُسْبَى، فَذُرِّيَّتُهُ أَوْلَى. وَإِنْ ظَفِرَ بِهِ دُونَ مَالِهِ، دَعَاهُ إلَى أَدَائِهَا، وَاسْتَتَابَهُ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَابَ وَأَدَّى، وَإِلَّا قُتِلَ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِكُفْرِهِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَكْفُرُ بِقِتَالِهِ عَلَيْهَا، فَرَوَى الْمَيْمُونِيُّ عَنْهُ: إذَا مَنَعُوا الزَّكَاةَ كَمَا مَنَعُوا أَبَا بَكْرٍ ، وَقَاتَلُوا عَلَيْهَا، لَمْ يُوَرَّثُوا، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا تَارِكُ الزَّكَاةِ بِمُسْلِمٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ، مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قَاتَلَهُمْ، وَعَضَّتْهُمْ الْحَرْبُ، قَالُوا: نُؤَدِّيهَا. قَالَ: لَا أَقْبَلُهَا حَتَّى تَشْهَدُوا أَنَّ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ. وَلَمْ يُنْقَلْ إنْكَارُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَدَلَّ عَلَى كُفْرِهِمْ.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ عُمَرَ وَغَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ امْتَنَعُوا مِنْ الْقِتَالِ فِي بَدْءِ الْأَمْرِ، وَلَوْ اعْتَقَدُوا كُفْرَهُمْ لَمَا تَوَقَّفُوا عَنْهُ ، ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى الْقِتَالِ، وَبَقِيَ الْكُفْرُ عَلَى أَصْلِ النَّفْيِ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ فَرْعٌ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ، فَلَمْ يَكْفُرْ تَارِكُهُ بِمُجَرَّدِ تَرْكِهِ؛ كَالْحَجِّ، وَإِذَا لَمْ يَكْفُرْ بِتَرْكِهِ، لَمْ يَكْفُرْ بِالْقِتَالِ عَلَيْهِ كَأَهْلِ الْبَغْيِ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ هَذَا الْقَوْلَ ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ جَحَدُوا وُجُوبَهَا ، فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا كُنَّا نُؤَدِّي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ سَكَنٌ لَنَا، وَلَيْسَ صَلَاةُ أَبِي بَكْرٍ سَكَنًا لَنَا، فَلَا نُؤَدِّي إلَيْهِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ جَحَدُوا وُجُوبَ الْأَدَاءِ إلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .... ]

قلتُ : فمسألة كفر مانع الزكاة غير مقطوع بها , بل الراجح إن من تركها منفرداً غير جاحد لها أنه ليس بكافرٍ بل عاصٍ مرتكب كبيرة من الكبائر , وإنما الخلاف فيمن تركها في جماعة ممتنعين بشوكة , فبعض العلماء قال بأن اجتماعهم للقتال على منعها كفر وردة ، واحتجوا بفعل أبي بكر الصديق مع مانعي الزكاة ، ورد عليهم آخرون بأن قتال من إجتمع على منع الزكاة من جنس قتال أهل البغي إلا إن ظهر منهم ما يدل على جحدهم فرضيتها وحملوا قتال أبي بكر الصديق لمانعي الزكاة قتال ردة لمِا صدر منهم مِن جحد وانكار لها وليس لمجرد القتال عليها ... .
هذا وبالله التوفيق .

كتبه ابو اسيد الانصاري .